عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 02-27-2013, 09:57 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

أفليس من الغريب أن لا يحقق هؤلاء مع مروان و هو المتهم الرئيسي في القضية ؟ ! لماذا رُوي أن عثمان سُئل عن الكتاب و الغلام و لم يذكر أنه أُجري مع مروان تحقيق ؟ إنه كان من اللازم إجراء تحقيق مع مروان و الغلام ؛ و هذا أمر لا يغيب عن الصحابة ،و فيهم العالم و الفقيه ، و القاضي و المحدث .و بما أن المصادر المتوفرة لم تشر إلى إجراء مثل هذا التحقيق مع مروان و الغلام ، فإن الشكوك تزداد في أن تكون حكاية الكتاب مختلقة من أساسها ، أشاعها أناس لهم مصلحة في ذلك .
و هل يعقل أن تذكر بعض الروايات أن مروان بن الحكم كان عند الخليفة عندما تألب عليه الناس و دخل عليه بعض كبار الصحابة[1] و لا تشر إلى رد فعل مروان تجاه ما اُتهم به ؟ فإذا كان من مصلحة البغاة عدم التحقيق مع مروان لكي لا ينكشف أمرهم ، فإنه ليس من مصلحته هو أن يسكت عن التهمة الموجهة إليه ؛ فلا بد أن يدافع عن نفسه وأمامه ثلاثة خيارات ، أولها إن كان الكتاب قد زُوّر عليه ، فسينكر معرفته به و يطالب متهميه بالبينة و عليه هو باليمين .
و ثانيها إن كان هو الذي كتب الصحيفة على لسان عثمان فبإمكانه الإنكار أيضا ،و يطالب خصومه بالدليل المادي القطعي ،و يدفع التهمة عنه بأن الكتاب زُوّر عليه ، ثم يُقسم كاذبا ما زوّر الكتاب ،و لا يجد حرجا في أن يكذب مرة ثانية ، بما أنه قد كذب من قبل على الخليفة ، و هو الداهية الماكر عند خصومه .
و الخيار الثالث هو أن يعترف بخطئه في إقدامه على تزوير الكتاب ،و يُقسم بأنه ما أراد إلا مصلحة الخلافة و الأمة ، لقطع دابر المفسدين ، ثم يطلب العفو أو يتحمل تبعات فعله .
أما أن تسكت الروايات عن رد فعل حقيقي و فعّال لمروان تجاه ما اُتهم به ، فلا الصحابة و عثمان حققوا معه ،و لا دعاة الفتنة طالبوا بذلك ،و لا هو دافع عن نفسه أمام الناس ، فإن في الأمر علامة استفهام كبرى ، تجعلنا نميل إلى براءة مروان بن الحكم ، ونبحث عن طرف آخر كان من وراء تزوير الكتاب .
و مما يبعد التهمة عن مروان ، أنه لا يُعقل أن يرسل الكتاب إلى والي مصر عبد الله بن أبي سرح بمعاقبة رؤوس الفتنة ،و هو يعلم أنه قد غادر مصر على إثر خروج وفد مصر إلى عثمان ؟ و إن قيل أن مروان كان يعلم بخروج ابن أبي سرح ، وإنما زوّر الكتاب و أرسله مع الغلام لترجع الوفود إلي المدينة . فيقال أن هذا مجرد احتمال ضعيف جدا يكذبه الواقع ؛ فمروان ليس له أية مصلحة في خيانة عثمان ، قريبه و ولي نعمته . و ليس له فائدة في تجدد الفتنة التي قد تعصف به و بالأمة كلها .
و إذا افترضنا أن مروان بن الحكم لم يكن يعلم بمغادرة ابن أبي سرح لمصر ، لذا زوّر الكتاب و أرسله إليه ليعاقب رؤوس الفتنة . فإن هذا الاحتمال هو الآخر مستبعد جدا ، لأن ذلك الفعل هو الآخر ليس في مصلحته و مآله إلى الانكشاف و سيؤدي إلى عواقب وخيمة ، فوفد مصر إن عَلِم بأمر الكتاب قبل معاقبتهم فإنهم سيعودون على أعقابهم إلى المدينة .و إن لم يعلموا به و عاقبهم الوالي فإن الأمر سيزداد تعقيدا و خطورة ، فتحدث فتنة بمصر ،و يجتمع الثائرون بمصر و يكاتبون أنصارهم بالكوفة و البصرة و يرجع الجميع إلي المدينة . و هذا احتمال وارد جدا ، لأن الثائرين كانت لهم قيادات منظمة و متعاونة يحركها السبئيون و أعوانهم من الطامعين و الحاسدين لعثمان و عماله[2].
و هل يعقل أن يرسل مروان بن الحكم الكتاب مع غلام ، فيسلك طريق المصريين و يقترب منهم ليكتشفوا أمره ؟ ! إن هذا أمر لا يقدم عليه مروان ، لأنه لا مكسب له فيه ،و مخاطرة جسيمة ت*** عليه سخط الخليفة و الناس ؛ و هو المعروف بالفطنة و الذكاء و الدهاء . فإذا كان ذلك مستبعد في حقه و هو من باب الفرض ، فلا شك أنه لا يقدم عليه و هو يعلم حقا أن ابن أبي سرح قد غادر مصر بالفعل .
و ختاما لما تقدم ذكره يتبين أن الروايات التي اتهمت الخليفة و كاتبه مروان ، بكتابة الصحيفة المزعومة ، هي روايات لم تصح إسنادا و لا متنا ،و أن عثمان بن عفان بريء مما اتهمبه به رؤوس الفتنة ، وأن مروان بن الحكم لم تثبت التهمة في حقه . و أن هناك طرفا ثالثا يكون قد زوّر الكتاب على الخليفة عثمان و كاتبه مروان. فمن هو هذا لطرف ؟ و ما هي الشواهد التي تثبت تورطه في التزوير ؟ .

[1] الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 666 .

[2] أنظر : الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 650 ، 652 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59