عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-25-2012, 02:16 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

د محمد يوسف عدس

نعود إلى إمبراطورية روكفلر: فنقول: لقد بدأت قصة هذه الإمبراطورية سنة 1891 عندما أصبح "ناشيونال سيتي بنك أوف نيويورك" تحت إدارة "جيمس ستيلمان" هو البنك الرئيس لأسرة روكفلر.. فبالأموال التي أودعتها فيه تحول إلى أكبر بنك في الولايات المتحدة.. ومن خلال هذه العملية ازداد اهتمام الأسرة بالبنوك وبالاحتكارات البنكية كوسيلة لمضاعفة أرباحها من توظيف أموالها في هذا المجال.. بدأت القصة باثنين من أبناء روكفلر يتزوجان اثنتين من بنات جيمس ستيلمان.. وهكذا امتزج روكفلر وستيلمان في كيان واحد..


عندئذ شرعت أسرة "جون دي روكفلر" تحوّل معظم مصالحها المالية إلى بنك خاص بها ولكن بقي أبناء أخيه وليام روكفلر وأحفاده يعتبرون هم الغالبية من حاملي أسهم "ناشيونال بنك".. ولم يكن تحويل جزء من ثروة الأسرة إلى بنك آخر راجعاً إلى شعورهم بعدم الرضا ولا بسبب صراع داخلي بين أجنحة الأسرة للسيطرة على البنك وإنما لامتصاص المنافسة بين البنوك.. وهكذا أُدرجت مجموعة من البنوك تحت لواء بنك اشترته الأسرة باسم" تشيس ناشيونال بنك".. ثم ضمّت إلى ذلك مجموعة أخرى من البنوك تحت اسم مانهاتن.. ثم جمعت كل هذه البنوك سنة 1955 تحت ملكية الأسرة.. في واحد من أشهر بنوك العالم هو " تشيس مانهاتن"..

فما هو حجم تشيس مانهاتن هذا؟ لا أحد خارج الإدارة العليا لهذا البنك يعرف الإجابة الصحيحة على هذا السؤال.. كل ما يعرفه العالم الخارجي عن هذا البنك أنه أشبه ما يكون بدولة ذات سيادة.. أكثر منه مجرد بنك مالي وأن به أموالاً أكثر مما لدى معظم دول العالم.. عدد العاملين فيه لا يقل عن خمسين ألف موظف يعملون كسفراء للبنك في أنحاء العالم.. ولدى البنك ممثل فوق العادة متفرغ كل الوقت في مبنى الأمم المتحدة.. ومن هناك يقوم البنك بكل العمليات البنكية لهذه المنظمة العالمية الكبرى..

لا تنس أن مبنى الأمم المتحدة نفسه كان مشروعاً لأسرة روكفلر فقد أقيم مبنى هذه المنظمة العالمية على أرض أهدتها مؤسسة روكفلر.. وليس من المستبعد أنهم ينظرون إلى الأمم المتحدة باعتبارها الآلية المطلقة لبسط قوتهم الاحتكارية في أنحاء العالم..

ولا تنس كذلك أن إمبراطورية روكفلر المالية لم تقتصر على بنك تشيس مانهاتن على ضخامته وهيمنته الهائلة فإن هذا التجمع البنكي تحت سطوة روكفلر مع مجموعة بنك مورجان استطاعت أن تنشئ بنك الاحتياط الفدرالي Federal Reserve System فهل معنى هذا أن هذا البنك المركزي الذي يصك النقود في الولايات المتحدة ويهيمن على البنوك الأخرى كأي بنك مركزي آخر في العالم هو بنك خاص تملكه بعض أسر تحت سيطرة أسرة روكفلر وليس بنكاً حكومياً كما يوهمنا اسمه الفدرالي...؟والإجابة نعم هو بنك خاص مستقل وليس بنكاً تملكه الحكومة الأمريكية وتسيطر علي سياسته أو توجهه..!! ولمعرفة بقية القصة وأبعادها الأسطورية اقرأ كتاب: Edward Griffin – The Creature from Jekyll Island.
A second Look at the Federal Reserve.
Village, C.A.: American Media, 1995.

ومع تطور مؤسسات الاستثمارات البنكية في أمريكا أصبحت مدينة نيويورك مركز التمويل العالمي.. حتى نظام الأرقام والحسابات السرية التي كانت تميز البنوك السويسرية لم تعد ترقى إلى مستوى حجم الأموال والسلطة المتداولة في الولايات المتحدة.. بل إن لندن التي كانت مركز إمبراطورية روتشيلد ومورجان في السابق أصبحت تحتل المركز الثاني بعد نيويورك..

(3) تركيز الثروة بأرقام فلكية:


إذا نظرت إلى واحدة من الشركات الكبرى التي يسمونها عابرة القارات أو متعددة الجنسيات مثل: ستاندرد أويل أو فورد أو جنرال موتورز أو (آي تي تي) فستجد أن ممتلكاتها المالية تفوق مجموع ما تملكه كثير من دول العالم.. وهناك مؤشرات على ضخامة تعاملات وعمليات هذه الشركات حول العالم فمثلاً : لدى "آي تي تي" موظفين وممثلين بالخارج أكثر من موظفي وزارة الخارجية الأمريكية.. ولدى سْتاندرد أويل أسطول من ناقلات البترول أكبر من مجموع أساطيل الاتحاد السوفييتي الحربية والتجارية في زمانه الغابر.. وتزيد ميزانية البحوث والتطوير لشركة"آي. بي. إم "على مجموع عائدات الضرائب لكل دول العالم مجتمعة باستثناء عدد قليل منها لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة..

والمشهد في أمريكا يصيبك بالذهول والدوران: حيث تجد أن واحداً بالمائة من السكان يملكون 70% من الصناعات الأمريكية.. وستجد أن بنوك أمريكا المتركزة في (وول ستريت).. نصفها تملكه مجموعة من الناس لا يزيد عددهم (أيضاً) على عدد أصابع اليد الواحدة.. ويمثل هذا أعظم تركيز للثروة والسلطة شهده العالم في كل عصور التاريخ حتى هذه اللحظة الراهنة...! فكيف حدث هذا...!؟: هل هو نتيجة التجارة الحرة كما يزعمون..؟ هل هو نتيجة توفر منتجات وخدمات تنافسية وبالتالي حصل أفضلها وأرخصها على أكبر نصيب من الرواج في الأسواق..؟ هل هو نتيجة عمليات الإنتاج الكبير وتقدم أساليب التوزيع التي جعلت أسعار بيع السلع تنخفض، ومن ثم جذبت أكبر عدد من المستهلكين...؟ ربما كان لهذه العوامل بعض التأثير.. ولكن التأثير الأكبر لتركيز الثروة على هذا النحو المذهل يرجع إلى الاحتكارات والقضاء على المنافسة بأساليب مكيافيلية بل إجرامية...!

(4) روكفلر النموذج الأعلى

بشكل أو بآخر ( والله وحده يعلم ) خضعت كل شركات التأمين لسيطرة مجموعة روكفلر الاحتكارية.. ويوجين بلاك المدير الأعلى لهذا القطاع هو في نفس الوقت مدير إحدى شركات روكفلر.. وطبعاً أموال شركات التأمين ليست ملكاً ليوجين بلاك ولا لروكفلر (إنما هي عبارة عن الأقساط المالية التي يدفعها المؤمّنون).. ومع ذلك فيوجين بلاك يشغّلها لحساب روكفلر في البورصة ويحصّل عليها أرباحاً.. فكرة جهنمية لتحصيل أرباح من الهواء الطلق...!


( كان جحا هو الوحيد في تاريخ الثقافة الشعبية الذي استطاع بعبقريته توليد النقود من النقود) أما دافيد روكفلر عميد إمبراطورية روكفلر الحالي فإنه يستطيع أن يفخر بإنجازاته، ونجاحه أن يولّد أموالاً من الهواء الطلق.. تحدث أمام أحد المؤتمرات العالمية للاستثمار في باريس فقال: "كان من الحكمة أن نستثمر في شركات التأمين على الحياة وعلى المخاطر والمعدات التجارية وغيرها.." وأيّ حكمة.. فهذه صناعة لا تكلّف صاحبها رأس مال..!!

فإذا كان نشاط روكفلر في هذا القطاع الاقتصادي ظاهراً.. فإن تغلغلها في قطاع الصناعات الدوائية هو الأكثر خفاء.. وهو الذي يجرى في سراديب سرية بعيداً عن الأعين أكثر من أي نشاط آخر لها في كل الصناعات والسبب في ذلك يرجع إلى أمرين الأول: أنه قبل الحرب العالمية الثانية بسنين عديدة كانت ستاندرد أويل مقيدة باتفاقية كارتل تمنعها من التدخل في الحقل الواسع للصناعات الكيميائية إلا كشريك مع "آي جي فاربن" الألمانية.. وفي المقابل ألا تتنافس هذه الأخيرة في الصناعات البترولية مع روكفلر.. أما الأمر الثاني: فهو أن فاربن لم تكن قبل الحرب العالمية الثانية مقبولة في أمريكا وكانت تحتاج إلى عمليات تمويه على نشاطها وممتلكاتها الأمريكية.. وقد قامت روكفلر بهذه العمليات التمويهيـّة بمهارة فائقة باستخدام وجوه مزورة وحسابات مالية غامضة كان بنك تشيس مانهاتن هو الذي يتولاها.. وهو كما تبين لنا مجرد جزء من إمبراطورية روكفلر الاقتصادية..

(5) عالم بلا أدوية:

أرباح الأدوية شيء مهول يصعب على الخيال تصوره.. وطبيعة هذا المنتج في حد ذاته يجعله من أنسب المجالات لتلاعب الاحتكارات والكارتيلات.. فالإنسان عندما يكون مريضاً أو شاعراً بخطر الموت لا يتساءل أبداً عن ثمن الدواء.. إنه يشتريه فقط.. هذه واحدة.. أما النقطة الثانية: وهي الأهم فهي أن صرف الدواء لا يتم إلا بروشتة طبيب.. وهذا الإجراء مع إجراءات أخرى كفيل بمنع المنافسة تماماً بين الأصناف المختلفة.. فاختيار الطبيب لدواء ما متأثراً في اختياره بقوة الدعاية وتأثير مندوبي التوزيع ومهارتهم في فن العلاقات العامة.. والهدايا التي يتلقاها من شركات الدواء.. هذا الاختيار هو الذي يحسم القضية لصالح دواء ما دون الأصناف الأخرى المماثلة.. وبذلك تنعدم المنافسة في سوق الدواء تماماً.. وبهذه الطريقة تتضاعف الأرباح العائدة من بيع الدواء.. لا للطبيب ولا الصيدلية وإنما للشركة المنتجة.. وهذا هو السبب الجوهري وراء إصرار جمعية الأطباء الأمريكية على ضرورة ألا تصرف الفيتامينات إلا بروشتة طبيب. وإذا كانت الروشتة شرطاً أساسياً لصرف الدواء فرضته هذه الجمعية فإن شركات التأمين الصحي أيضاً تشترط في تعاملها مع المرضى (المستهلكين) وجود الروشتة، وفي هذا المناخ الاحتكاري تستطيع شركات الأدوية رفع أسعار الدواء من وقت لآخر دون شكوى من الزبون المستهلك.. علماً بأن المستهلك في النهاية ( واعياً بذلك أو غير واع) هو الذي يدفع الثمن ويتحمل الزيادة فيه إما من خلال رفع أقساط التأمين التي يدفعها أو من خلال ضريبة الدخل السنوية.. وهذا نموذج لاستخدام شركات الأدوية للحكومات في إلغاء المنافسة ورفع الأسعار ضد مصلحة المستهلك...

والسؤال الآن:

هل رحلنا بعيداً عن هدفنا الأصلي ودخلنا في متاهة من التفاصيل ومعلومات لا علاقة لها بموضوعنا الأصلي المتعلق بقضية استخدام الفيتامينات في علاج مرض السرطان...؟! أقول: لا.. إننا لم نرحل بعيداً بل نقترب أكثر وأكثر من صميم الموضوع...! لقد رأينا كيف أن الصناعات الدوائية ليست بمنأى عن خطط التكتلات الاحتكارية.. بل هي في الصميم منها.. وهذه حقيقة بالغة الأهمية لا ينبغي أن ينساها من يحاول دراسة هذه القضية ليضع يده على الحقائق المجردة والمذهلة.. هذا من ناحية.. أما من الناحية الأخرى فإن المعارضة الشرسة الواسعة المتعددة الأبعاد لعلاج السرطان بالفيتامينات يستحيل فهمها فهماً صحيحاً بدون فهم دور هذه التكتلات الاحتكارية وتأثيرها الشامل والعميق في صنع القرارات الحكومية والمهنية المتعلقة بالدواء والعلاج..
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59