عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 05-30-2013, 09:02 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,192
29

فلا كتب المحيط بها أحاطت....ولا كتب البديع ولا المعاني
ويدفع القراء بالثناء عليهم وعلى قراءتهم، فيقول لأبي موسى: (لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داوود) ولأبي مسعود: (من أحب أن يقرأ القرآن غضًّا كما أُنزل، فاليقرأه على قراءة ابن أم عبد). وبتلك الإشادة أينع الثمر، فعبَّر بأنقى من ماء المطر، قائلا كما في صحيح الأثر: (والله الذي لا إله غيره، ما أُنزلت سورة من كتاب الله، إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت آية إلا وأنا أعلم فيمن نزلت، ولو أعلم أحدًا أعلَمَ مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه).
ففي ريحها ورد....وفي طعمها شهدُ
يغني بها من لا يغني .....مغردًا ويشدو بها بين المحافل
من يشدو معشر المربين.
ذا حداؤه للموهوبين...لآلئٌ في عقود المجد تنتظمُ
تُقَبِّل النَّجم في الجوزا وتستلمُ.....إن توكيد نفعها مستحيل به البدل
والشواهد ماثلات، فبتلك اللمسات، ظهرت عبقريات وكِفايات، تُسند لها جلائل المهمات، على حداثات سنِّها، والكفاية لا سِنَّ لها.
عمُر الرجال يُقاس بالمجد الذي.....شادوه لا بتقادم الميلاد
ولى أسامة جيشًا تخفق راياته على مثل أبي بكر وعمر وأهل بدر، وعمْره لم يُجاوز الثامنة عشرة، وولى عتَّاب بن أُسيد على مكة وهو في الحادية والعشرين، وولى معاذًا على اليمن وهو دون العشرين، وخير الهدى هُدى الأمين.
صلى عليه ربنا، ما عاش شيخ وصبي.
وبعد إخوتي:
ماذا عسى أن أقول في شمائله الحسان، ولو استعرت لِسان سحبان، ومُلِّكتُ أزمَّمة البيان.
فإذا جلت المعاني تسامت.......عن قيود الأفعال والأسماءِ
يتأبَّى اللسيل الذي يصدع.......الأجبال أن يحتويه جوف إناءِ
إذا الله العزيز عليه أثنى ....بما جا في المثاني ما ثناءِ
مهما أقلْ فيه فإني عاجز عن حصر عشْر العشر من تلك الحلى، وحسبي أن أردد: (وإنك لعلى خلق عظيم) وكفى.
صلى عليه مسلمًا رب الورى....ما لمع البرق على أم القرى
وهتفت قُمريَّة على الذُّرى.
بهذا التعامل سَجَّل أتباع محمد صلى الله عليه وسلم صفحات أنظر من الدر الأزهر، والياقوت الأحمر.
تجود بوَبْلها الصافي المُقَطَّر.....كماء المُزْن بل أنقى وأطهر
إن أظلمت كانت شُعاعًا مجتلا.....أو أجدبت كانت ربيعا مُغْدقا
تحلو على تَردادها فكأنها.....سَجْعُ الحام إذا تردد أطربَ
هذا عمر رضي الله عنه، ماتمَلَّى بيانَه ذو بيان وذكاءٍ، إلا اعترته الحمايَّا. لم يرضى أن تُذكر له فضيلة والصديق في مجلس، رأى رجل في منامه أن القيامة قامت وعمر قد فرع الناس وعلاهم بسطة وشرفًا، فقيل بم علاهم؟ قيل بالخلافة والشهادة وأنه لا يخاف في الله لومة لائم. فلما أصبح ذهب لعمر، فوجد الصديق عنده، فقصَّ عليه الرأيا فانتهره عمر قائلا: (أحلام نائم! أحلام نائم!) ولما توفي الصديق، دعا الرجل وقال: (قُصّض عليَّ تلك الرأيا) قال: (أما نهرتني ورددتها علي يا أمير المؤمنين) فقال العبقري: (أما تستحي أن تذكر لي فضيلة في مجلس فيه أبو بكر) حاله:
أبو بكر أبو بكر:
يقايس بين الناس حتى إذا انتهى.....إلى قدره القيَّاس طاح المقايِسُ
إنه نفسي وروحي والجوا....ليت شعري بعده ماذا أكونُ
ولا غرابة معشر الإخوة.
إنما يُكرم الكرام كريم......والأبي الجواد يهوى الأبيَّ
وكذا المجدُ سيِّد ليس يرضى.....من كريم الرجال إلا الكَمِيا
وذالكم الشيخ عبد الرزاق عفيفي، يتعامل مع طلاب العلم وذوي الحاجات تعاملا عفيفي، يجود بحسن موعظة وبُعد عن التجريح والقول العنيف، يُنفق على طلبة العلم ويُقرضهم، وبالكتب النافعة يُمدهم، ويستأجر يوم أن كان عزبًا دارًا له ولهم، ولا يأخذ شيئًا منهم، ولما تزوج كان لهم بمنزلة أبيهم، يدعوهم لبيته ويُكرمهم ويوجههم.
ومن أتى قاصدا منهم الصِّلاتِ.....يكن مِثْل الذين ومثل اللئي واللتي
فطهرهم من كل جهل وبدعة وقلدهم بالعلم أزهى القلائد، سكن أحدهم في بيته خمسا وعشرين سنة، وما أخذ منه هللة.
يعِفُّ عن الحُطام فكان.....حقًّا كما سمَّوه بالشيخ العفيفي
جزاه الله أفضل ما يُجازى به العلماءُ، من رب لطيف.
وهذا ابن هذيل والظبي، فقيها أهل السنة في الشمال الإفريقي، لما ادعى عُبيد الرافضي الباطني الرسالة، تعاملا معه بما يليق بزنديق مثله، أمر بإحضارهما فأحضرا وهو على كرسيه، وقد أوعز لأحد خدمه أن يسألهما عنه، فقال خادمه مشيرًا إليه، أتشهدان أن هذا رسول الله!.
يَرْغُو بها مثل البعير الأجربِ.
فقالا بملئ فيهما: (والله لو جاء والشمس عن يمينه والقمر عن يساره يقولان إنه رسول الله ما قلناها). فأمر بذبحهما، فلما جُرِّدا للقتل، قال للظبي: أترجع عن مذهبك؟ قال: (أعن الإسلام أرجع؟).
لا لعمري.
فبه استغنيت عن زيد وعمرو.....وِردًا فمضمون نجاح المصدرِ
بعنا النفوس والدما....وربنا قد اشترى
وذُبحا! ولرحمة الله بإذنه مضيا.
لا يستوي من سار نحو مُراده قُدُمًا....ومن يمشي إليه القهقرى
بذا تعامل الشيخ محمد الخضر حسين مع المنصب بلا مَيْن، لما قُلِّد مشيخة الأزهر، احتفظ في جيبه باستقالة محررة، وأعطى نسخة أخرى مدير مكتبه، وقال له: (إذا أحسست بضعف مني، فقدمها نيابة عني).
لا تلمني إنني من أمة.....تركب الهول ولا ترضى الدنايا
ولم يمضي سوى زمنت يسير، حتى قدم استقالته احتجاجًا على التدخل في شؤون الأزهر قائلا: (إن الأزهر أمانة في عنقي أسلمها موفورة كاملة).
ومطمح همَّتي في أن أراه.....يسامي في عُلاه الفرقدين
ولما سأله أحد مقربيه عن ملابسات استقالته، قال عن مشيخة الأزهر ما مضمونه: (يا بني إن كانت جنة فقد دخلتها، وإن كانت نارًا فقد خرجت منها والسلام).
أنا لولا همة تحدو إلى......خدمة الإسلام آثرت الحِمامَ
والجواد الكريم يبقى جوادًا....نابض الحِسِّ في إباءٍ سنيِّ
لا يُعير الحمار أي التفاتٍ....عند قلب الزمان ظهر المِجَنِّ
فهو صدر أين ما كان وإن.....جلس الأذناب في صدر الندي
ومن قبل تعامل قاض البصرة سوَّار العنبري، بما يليق بالعالم الرباني، والقاضي الأمين القوي، كتب له المنصور: (أيها القاضي انظر الأرض التي فيها خصومة بين القائد فلان والتاجر فلان، فادفعها للقائد)، فكتب القاضي: (البينة قامت على أنها للتاجر ولن أخرجها إلا ببينة) فكتب له المنصور: (والله الذي لا إله إلا هو لتدفعنها له). فكتب القاضي: (والله الذي لا إله إلا هو لا أخرجها منه إلا ببينة).
كأنما كان إعصارا أطاح بهم....أو صيحة فوقهم من هولها وجموا
والحق جبار، يبر صاحبه، ويكفر من جار.
ثم اقتيد القاضي وشُكيَ إلى المنصور أخرى، وأُثنيَ عليه عنده شرًّا، فطلب المنصور قدومه فقدم عليه، وبينا هو في المجلس عطس المنصور، فلم يُشمِّته، فقال: (ما يمنعك من أن تُشمّتني) قال: (قال لأنك لم تحمد الله)، قال: (فقد حمدت في نفسي)، قال: (فقد شمَّتك في نفسي)، فقال المنصور: (ارجع لعملك، إذا لم تحابني لم تحاب غيري)، فمضى وحاله لو حدى:
إنَّا بني الإسلام شُمُّ الأنوف.....لسنا نحابي رهبةً من حتوف
مهما توالت مظلمات الصروف....آثارهم يا إخوتي كالشنوف
حلل وفي تأثيرها كالسيوف، هم الخِصب للبلدان إن أخلف الحيا، ولا يُخلِف البلدان عن خِصبهم خصبُ.
متى يمَّموا للشرق يزدد شروقه....وإن يمموا للغرب فالمشرق الغربُ
لقد صيروا نفل المكارم واجبا عليهم.....فلا استحباب فيها ولا ندبُ
------------------------------------
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59