عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-01-2012, 07:29 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
افتراضي الدعوة الإسلامية بين التاريخ والمنهج (3)


الإسلامية التاريخ 74.gif

الدعوة الإسلامية بين التاريخ والمنهج (3)
(النصوص الشرعية بين منهج الصحابة وموقف المخالفين)
الشيخ/عاطف عبد المعز الفيومي


الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فالمستقرئ لتاريخ الدعوة الإسلامية منذ العصر الأول، والجيل القرآني الفريد - جيل الصحابة رضي الله عنهم - ثم التابعين لهم ، ثم ظهور الفرق والمذاهب والآراء المخالفة لمنهجهم ، ولما كانوا عليه قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم، يرى هذه القاعدة الجليلة ألا وهي: تعظيم النصوص الشرعية ، واضحة جلية في حياة الصحابة والتابعين وفي طريقة تعاملهم مع الكتاب والسنة.

فتعظيم نصوص الوحيين هو المنهج المتبع عند الصحابة وتابعيهم من الأئمة الأعلام رضي الله عنهم، وآثارهم كثيرة أكثر من أن تحصى، ويدخل في تعظيمهم للنصوص الشرعية هذه القواعد الثلاثة:


- الإيمان بجميع النصوص الشرعية.
- رد التنازع إلى الكتاب والسنة.
- الإيمان بالمتشابه والعمل بالمحكم.


وهذه القواعد أو الأصول تحتاج إلى بيان ووقفات حتى تتضح لنا معالم هذا الطريق ، وحتى نتبين الفارق الكبير بينهم وبين المخالفين لهم من أصحاب الفرق والمذاهب، الذين وقعوا كثيراً في دوائر مختلفة ومتناقضة في طريقة تعاملهم مع نصوص الوحيين الصافيين الكتاب والسنة، ومنهجهم وانحرافهم بسبب سوء الفهم والتأويل الباطل لها.


القاعدة الأولى: الإيمان بجميع النصوص الشرعية

فالإسلام هو الشريعة الخالدة الباقية إلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها، وهذا الدين تنبني أدلته وشرائعه على نصوص الوحيين :الكتاب المنزل - القرآن - والرسول المرسل - السنة - ، ولقد وقف الصحابة رضي الله عنهم موقف التعظيم لهذين الوحيين، وموقف الإجلال والتسليم كما أخبر سبحانه وتعالى في كتابه عن أهل الإيمان الحق بقوله تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً"(النساء:65)، وقوله تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم....الآية"(الأحزاب:36)، وآيات أخرى كثيرة في هذا الباب.

فحقيقة الإيمان لا تقف كما يتوهم البعض عند الاتباع الظاهر للنصوص الشرعية فحسب كلا، بل تتمثل هذه الحقيقة في كمال التسليم والإذعان لحكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وكمال الرضى النفسي والقلبي بهذا الحكم الذي حكم به ، وهذا كمال الإيمان "ويسلموا تسليماً"، قال ابن كثير عليه رحمة الله في تفسيره: (يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً ولهذا قال " ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً").


ولقد سلم الصحابة رضي الله عنهم لله ورسوله في كل حياتهم فجعلوا أنفاسهم ترافق أنفاسه، وتصاحب أرواحهم روحه، فتتبعوا الأثر، ولزموا الغرز، وما كان تسليم عمر بن الخطاب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم بالمحبة أكثر من نفسه ، إلا دليلاً على كمال الإيمان والمحبة والمتابعة، وكذلك تسليمه يوم الحديبية وموقفه وكلام النبي صلى الله عليه وسلم له ، وكلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه كذلك، بل وقول الصديق لما أخبر عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو قال ذلك ؟ قالوا : نعم. قال: فأشهد لئن كان قد قال ذلك، لقد صدق، وهذا الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول:إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بها ودعوا ما قلته. ومثله بالمعنى... جاء عن الإمام أبي حنيفة ومالك وأحمد وكثير من أهل العلم والتابعين رضي الله عنهم .


فقبول الوحي كله ظاهراً وباطناً مع التسليم والإذعان كان دأب الصحابة جميعهم رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان ، لكن المخالفين لهم ، وقعوا في بلايا ومحن، لأنهم ما سلموا لله والرسول حق الإيمان والإذعان والتسليم، وما أحسنوا كمال الإيمان بجميع النصوص الشرعية من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فوقعوا في رزايا أصابتهم بأدواء وطوام، في عقائدهم ومناهجهم، وفي تعبدهم وسلوكهم، ولا ريب أن الوقوف على هذه الأدواء يحتاج إلى بسط وبيان، ولكن حسبنا أن نشير إلى بعض منها:


فمن ذلك : أنهم لا يأخذون بكل الأدلة الواردة في الكتاب والسنة عندما يوردون مسائلهم وتقريراتهم، وإنما يتناولون بعضها ويجزؤوها حتى يأخذون ما وافق قولهم وبدعتهم وضلالهم، ولا يلتفتون إلى باقي الأدلة التي قد تخصص العام أو تقيد المطلق أو تبين المجمل، وقد ذكر ذلك الإمام الشاطبي رحمه الله بقوله:" كثيراً ما ترى الجهال يحتجون لأنفسهم بأدلة فاسدة وبأدلة غير صحيحة بالنظر إلى دليل ما"(الاعتصام ج 222:1).

فالخوارج وقعوا في هذا الخلل الكبير وقطعوا بعض النصوص فكفروا بها العصاة والمذنبين وحكموا عليهم بالخلود في النار كالمشركين، وما تكفيرهم لعلي بن أبي طالب وبعض الصحابة رضي الله عنهم من ذلك ببعيد ، وكذلك المرجئة وقفوا عند حد القول دون العمل تعميماً لقوله تعالى:"فأثابهم الله بما قالوا جنات....الآية"،

وهذا لأنهم لم يروا أن الأدلة تنفعهم أو أنها سبب نجاتهم في الدنيا والآخرة، فزلت أقدامهم ، وأخطأت أفهاهم نصوص الوحيين، كما قال الإمام الشاطبي رحمه الله:"سمي أهل البدع أهل الأهواء لأنهم اتبعوا أهوائهم فلم يأخذوا الأدلة الشرعية مأخذ الافتقار إليها ، والتعويل عليها" (الاعتصام ج 176:2).

المصدر: ملتقى شذرات

__________________


رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59