عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 03-09-2013, 06:08 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,419
افتراضي

وتتعدد الشواهد التي تؤكد استمرارية حضور الذهنية التي انطلقت منها (الحروب الصليبية) في أعماق الكثيرين من أبناء الغرب حتى عصرنا الحديث. فعلى سبيل المثال، عندما احتلت القوات البريطانية مدينة القدس سنة 1917 بقيادة الجنرال (اللنبي) الذي كان أول غربي يدخل المدينة منذ تحريرها على يد صلاح الدين الأيوبي، هتف (اللنبي) معلناً: "الآن انتهت الحروب الصليبية"(20). وعندما اجتاحت القوات الفرنسية مدينة دمشق بعد انتصارها في معركة ميسلون عام 1921، توجه قائد القوات الفرنسية الجنرال (غورو) إلى قبر صلاح الدين الأيوبي قائلاًً "أنظر يا صلاح الدين ها قد عدنا"(21). ويقال أن في جنوب فرنسا، وفي المكان الذي انطلقت منه الحروب الصليبية على وجه التحديد، جمعية تعقد اجتماعاً دورياً كل عام حتى يومنا هذا لاستحضار الأجواء التي احتضنت ولادة الحروب الصليبية، حيث يتم في الاجتماع إلقاء الخطب المحاكية لخطبة البابا (أوربان الثاني) الذي أعلن عن انطلاق تلك الحروب، كما يجري إعادة تمثيل انطلاق الحملة الصليبية الأولى(22).
وتشكل (زلة اللسان) الشهيرة للرئيس الأمريكي الحالي (جورج بوش) التي انزلق فيها إلى القول بأن حربه على الإرهاب بعد تفجيرات الحادي عشر من أيلول هي (حرب صليبية) مؤشراً مهماً على استيطان فكرة الحروب الصليبية في أذهان كثير من رجال السياسة في العالم الغربي، وتعبيراً عن إرث غربي قديم يتم توارثه(23)، وبخاصـة في الولايات المتحدة الأمريكية(24)، التي شهدت بعد تلك التفجيرات استحضاراً صاخباً لتلك الفكرة(25). فعلى سبيل المثال، يجاهر القس الأمريكي (فيليب بينهام) بالدعوة عبر منابر الإعلام إلى إطلاق "الحملة الصليبية ضد الشر لإنقاذ الولايات المتحدة… عن طريق كشف كذبة اسمها الإسلام"(26)، معلناً أن "النبي محمد ذبح الملايين منذ ظهوره مطلع القرن السابع"(27). وتكمن المفارقة في تقاطع هذا الخطاب مع خطابات علمانية تتردد أصداؤها في دهاليز السلطة والإعلام الأميركي، مرددة المفردات العدائية للحروب الصليبية، وداعية لانقسام العالم إلى معسكرين متناقضين: أحدهما خيّر ومتحضر، والآخر ـ وهو المعسكر الإسلامي ـ شرير وبربري!(28).
4ـ تفعيل أنشطة التنصير:
ربما كان من الجائز القول إن هناك علاقة طردية بين ازدياد المخاوف الغربية من الإسلام وتصاعد وتيرة الأنشطة التنصيرية التي يلجأ إليها، وكأن في السعي إلى تنصير المسلمين وإدخالهم في "المحبة المسيحية" شكلاً من أشكال الحيل الدفاعية للتعويض عن كراهيتهم!. فعلى سبيل المثال، وقبل أن يمضي وقت طويل على جفاف حبر المعاهدة التي وقعتها مملكة إسبانيا مع الأمير (أبو عبد الله الأحمر) آخر أمراء غرناطة سنة 897هـ، تم إنشاء ما عرفت تاريخياً بمحاكم التفتيش، التي تورطت باقتراف كثير من الفظائع والمجازر بغية إجبار المسلمين على ترك دينهم واعتناق الديانة المسيحية. وكان أول ما قامت به تلك المحاكم هو جمع كل المصاحف والكتب العلمية والدينية وإحراقها على الملأ في ساحة عامة، كخطوة أولى لتنصير المسلمين بقطع صلتهم مع كتبهم الدينية والتراثية والعلمية. ثم عمدت عقب ذلك إلى تحويل المساجد إلى كنائس، وإجبار من تبقى من الفقهاء وأهل العلم على التنصر، ليوافق بعضهم مكرهاً ويواجه بقيتهم القتل شر قتلة، مع التمثيل بجثث الضحايا، وذلك لبث الهلع في صفوف المسلمين وإيصال رسالة لهم مفادها التخيير بين التنصر أو التعذيب والقتل وسلب الأموال والممتلكات(29).
أما في عالم اليوم، فتشهد عملية التنصير نشاطاً محموماً في العالم الإسلامي، وبخاصة في البلدان الفقيرة التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي، التي يؤمن الغرب أنها تشكل بيئة مناسبة لتفريخ ما درج على اعتباره إرهاباً. ففي أفغانستان وحدها على سبيل المثال، التي تولت الولايات المتحدة الأمريكية قيادة حملة عسكرية شعواء لإسقاط نظام طالبان الإسلامي فيها بذريعة دعمه للإرهاب، هناك حالياً ما لا يقل عن (1000) منظمة أمريكية وأوروبية تعمل في مجالات الإغاثة والتنمية، يمارس كثير منها أنشطة تبشيرية مختلفة. الأمر الذي دفع القس (بن هومان) رئيس إرسالية التنصير المسيحي المجرية إلى أن يصرح في عام 2003، وبعد زيارة استطلاعية استغرقت شهراً كاملاً، عن اعتقاده بنجاح "عقيدة التثليث" في تثبيت أقدامها، وعن إمكان نجاح برنامج التنصير في أفغانستان(30).
ظاهرة "الإسلاموفوبيا" في الوطن العربي:
مع صدمة احتكاكه بالغرب قبل قرابة القرنين، بات المجتمع العربي يعاني حالة من الانفصام والانشطار الحضاري، تتجسد وعلى شتى المستويات في سائر أنساق حياة ذلك المجتمع وتفاعلات أبنائه. فبات أسير التخبط والاضطراب والتصارع بين تيارين رئيسين يتنازعان الساحة: تيار إسلامي يعبر عن الفهم الذي حمله المسلمون للإسلام منذ وجد، الذي يدعو إلى جعل الشريعة مرجعية حاكمة وموجهة لسائر شؤون المجتمع، وتيار علماني ينادي بإقصاء الدين عن التدخل في مسائل إدارة المجتمع وتسيير أموره، ناظراً إليه ـ في أفضل الأحوال ـ باعتباره شأناً شخصياً بين الإنسان وربه، بما يذكر، إلى حد بعيد، بوجهة النظر السائدة عن طبيعة الدين في المجتمعات الغربية.

(20) الميلاد، زكي. نحن والعالم: من أجل تجديد رؤيتنا إلى العالم، الرياض: مؤسسة اليمامة الصحفية، 2005، ص 90.

(21) المرجع السابق، ص 90.

(22) المرجع السابق، ص 91.

(23) يزخر كتاب نشره جورج بوش الجد عام 1831 بعنوان (حياة محمد) بالحقد على الإسلام والمسلمين، حيث نقرأ في الكتاب: " ما لم يتم تدمير إمبراطورية المسلمين، فلن يتمجد الرب بعودة اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم"، أنظر: العكش، منير. حق التضحية بالآخر.. أمريكا والإبادات الجماعية، بيروت: دار رياض الريس للكتب والنشر، 2002، ص 149.

(24) للأبعاد الدينية، وبخاصة المستمدة من مقولات العهد القديم (التوراة)، حضور واضح في أروقة صنع السياسة الأمريكية منذ زمن بعيد يتزامن مع قيام الولايات المتحدة الأمريكية نفسها، للتوسع في هذا الموضوع، أنظر: الحسن، يوسف. البعد الديني في السياسة الأمريكية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2000.

(25) الشيشاني، مراد بطل. "المجتمع الأمريكي بعد 11 سبتمبر"، مقالة منشورة في الموقع الإلكتروني (الجزيرة) على الرابط التالي:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/6...D53CF8D25F.htm

(26) المرجع السابق.

(27) المرجع السابق.

(28) المرجع السابق.


(29)"الأندلس بعد سقوط غرناطة: ماذا حدث لأمة الإسلام وفارس الأندلس الأخير، مقالة منشورة في الموقع الإلكتروني (الأندلس للأخبار) على الرابط التالي:
http://press.arabandalucia.com/?p=1081

(30) الأعظمي، حفيظ الرحمن. "أخطبوط التنصير يجتاح أفغانستان"، مقالة منشورة في الموقع الإلكتروني (الحقائق) على الرابط التالي:
http://www.alhaqaeq.net.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59