عرض مشاركة واحدة
  #62  
قديم 09-14-2016, 07:50 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
ورقة الحقيقة المحمدية في الحضرة الشاذلية

الحقيقة المحمدية في الحضرة الشاذلية
ــــــــــــــــــ

(يحيى بركات)
ـــــــ

12 / 12 / 1437 هـ
14 / 9 / 2016 م
ــــــــــــ







تمتلئ أدبيات الصوفية بالمخالفات التي تضاد العقيدة والتصورات الإسلامية. وتتجلى مثل هذه المخالفات في كثير من المناسبات الصوفية، ومنها الحضرة. ففي الحضرة التابعة للطريقة العقادية الشاذلية، الذين ينتمون لأبي الحسن الشاذلي، الكثير من المخالفات الشرعية ومنها القول بعقيدة "الحقيقة المحمدية". و"الحقيقة المحمدية" طامة عقائدية كبرى من طوام الصوفية, لأنها تضفي على النبي -صلى الله عليه وسلم- صفات الألوهية -عياذا بالله. وهي تصف النبي -صلى الله عليه وسلم- بأوصاف ليست له، وهذا ليس تعظيما له بل هو خروج عن حقيقة التوحيد، ومخالفا لوصف الله فيما أمره: ((قُل إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثلُكُم يُوحَى إِلَيَّ..)).

وهي غلو في شأن النبي -صلى الله عليه وسلم؛ فيقولون عنه: "اللهم صلِّ وسلم على مَن جعلته سببا ًلانشقاق أسرارك الجبروتيّة، وانفلاقا ًلأنوارك الرّحمانيّة، فصار نائبا ًعن الحضرة الرّبانية، وخليفة أسرارك الذاتيّة، فهو ياقوتة أحدية ذاتك الصمديّة، وعين مظهر صفاتك الأزليّة، فبك منك صار حجابا ًعنك، وسرا ًمن أسرار غيبك، حُجبت به عن كثير من خلقك، فهو الكنز المطلسم، والبحر الزاخر المطمطم"؛ ثمَّ يدللون على ذلك: "وكيف لا يكون كذلك وقد أخبرتنا بذلك في مُحكَم كتابك، بقولك: ((إنّ الَّذِينَ يُبـَايِعونَكَ إنَّما يُبـَاِيُعونَ اللهَ))، فقد زال عنا بذلك الرّيبُ وحصل الانتباه".[1]
ولا يختلف الشاذلية في هذا عن قول المغالين من الصوفية؛ فقد قال بها الحلاج الذي اتهمته الصوفية بأنه اخرج وصرح بما اخفوه عن الناس[2]، فهو يقول عن النبي -صلى الله عليه وسلم: "ما أخبر إلا عن بصيرته، ولا أمر بسنته إلا عن حق سيرته، حَضَرَ فأحضر، وأبصر فخبّر، كان مشهوراً قبل الحوادث والكوائن والأكوان، ولم يزل، كان مذكوراً قبل القبل وبعد البعد والجواهر والألوان؛ هو الدليل وهو المدلول, بالحق موصول غير مفصول، ولا خارج عن المعقول؛ العلوم كلها قطرة من بحره, الأزمان كلها ساعة من دهره، هو الحق وبه الحقيقة، هو الأول في الوصلة، وهو الآخر في النبوة، والباطن بالحقيقة، والظاهر بالمعرفة.. الحق ما أسلمه إلى خلقه، لأنه هو، وإني هو، وهو هو"[3]!

ويقول محمد بن سليمان الجزولي في كتابه (دلائل الخيرات)، الذي لا يخلو منه بيت فيه مسحة صوفية أو جهل بالدين: "اللهم صلِّ على سيدنا محمد بحرِ أنوارك, إنسانِ عين الوجود، والسبب في كل موجود، عين أعيان خلقك المتقدم من نور ضيائك"[4], ويقول أيضا: "اللهم صلِّ على محمد الذي هو قطب الجلالة"[5].
ويقول عبدالسلام بن بشيش -أو مشيش- في الدعاء المشهور باسم الصلاة المشيشية: "اللهم صلِّ على مَن مِنهُ انشقَّت الأسرار وانفلقت الأنوار، وفيه ارتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق, وحياضُ الجبروت بفيض أنواره متدفقة، ولا شيء إلا وهو به منوط, اللهم إنه سرك الجامعُ الدال عليك، وحجابُك الأعظم القائم لك بين يديك"[6].

وكذلك ينسب إلى أبي حامد الغزالي، وقيل لعبدالقادر الجيلاني: "اللهم اجعل أفضل صلواتك أبداً.. على أشرف الخلائق الإنسانية، ومجمع الحقائق الإيمانية، وطور التجليات الإحسانية، ومهبط الأسرار الرحمانية, ومالك أزمة المجد الأسنى، شاهد أسرار الأزل، ومشاهد أنوار السوابق الأول، وترجمان لسان القدم, مظهر سر الجود الجزئي والكلي، وإنسان عين الوجود العلوي والسفلي، روح جسد الكونين، وعين حياة الدارين"[7].
ونسب إلى الجيلاني: "خلق العالم بأسره من الحقيقة المحمدية، فالله تعالى خلق روح النبي من نور ذاته، وخلق العالم بأسره من روحه، فهو الظاهر في الخلق باسمه بالمظاهر الإلهية"!

وفي ما تسمى بـ(جوهرة الأسرار) توجد صيغة صلاة لأحمد الرفاعي يقول فيها: "اللهم صلِّ وسلم وبارك على نورك الأسبق, الذي أبرزته رحمة شاملة لوجودك, نقطة مركز الباء الدائرة الأولية، وسر أسرار الألف القطبانية، الذي فتقت به رتق الوجود, فهو سرك القديم الساري، وماء جوهر الجوهرية الجاري، الذي أحييت به الموجودات، من معدن وحيوان ونبات، قلب القلوب، وروح الأرواح، وإعلام الكلمات الطيبات، القلم الأعلى، والعرش المحيط، روح جسد الكونين، وبرزخ البحرين"[8].
وقد يعتذر أحد الصوفية بأن هذه الكلمات ليست إلا من فرط محبته، وتعظيم قدره -صلى الله عليه وسلم، ولا يقصدون بها إخراجه عن طبيعته البشرية، وعن عبوديته لربه؛ وهو تدليس متكرر منهم، إلا أن طامة الطوام ما جاء واضحا في شرح رجل العلم والفتوى الشيخ مصطفى بن محيي الدين نجا[9]، في شرحه على الممزوجة بصلاة ابن بشيش، التي قال فيها وبكل وضوح: "والحاصل أن الله -تبارك وتعالى- جعل الحقيقة المحمدية واسطة الإيجاد لمخلوقاته تفضلاً منه وإحساناً، فالأرواح التي لا تشاهد ذلك ولا تدرك أنه -صلى الله عليه وسلم- روحها وعين حياتها كأنها أموات"[10]. "(الله منه بدئ الأمر) أي: الشأن الكلي الجامع لكل الشئون، وهو النور المحمدي الشريف، وهو أول صادر عنه سبحانه, ويسمى بالقلم الأعلى، وبالدوة البيضاء، وبالعقل الأول، وبروح الأرواح، وبالأب الأكبر، وبإنسان عين الوجود، وبالإنسان الكامل، وغير ذلك من الأسماء المشهورة عند العارفين"[11].

وحقيقة لفظ "الحقيقة المحمدية" هو لفظ بديل لفكرة استوردتها الصوفية من القدماء، من أهل فارس والهند واليونان. وهي فكرة الإنسان الكامل التي راجت عند تلك الأمم. وأطلق الصوفية هذا اللقب على أول موجود -بزعمهم- وجد في الكون؛ فزعموا أن هذا الموجود الأول قد فاض عن الله –تعالى، كما يفيض نور الشمس عن الشمس، لم يخلقه بل صدر عنه، فهو نور من نور، ونوره امتد إلى جميع ذرات الكون، فبه قامت الحياة, وهو الإله الذي صنع وخلق الموجودات, وهو الواسطة بين الخالق والخلق، لما له من شبه بهما فله صفات الإله وله صفات البشر. وهو بهذه المرتبة يعلم الغيب ويدبر أمر العالم، وربما سموه الروح الأعظم أو العقل الأول أو الفعال، وغيرها من التسميات. هذه خلاصة فكرة الإنسان الكامل التي في تلك الثقافات القديمة قبل الإسلام.[12]

وللجيلي توسع في هذه العقيدة نسبت إليه في كتاب (الإنسان الكامل)، إذ يجعل الحقيقة المحمدية متوارثة بين شيوخ الصوفية, فيقول: "اعلم -حفظك الله- أن الإنسان الكامل هو القطب الذي تدور عليه أفلاك الوجود من أوله إلى آخره، وهو واحد منذ كان الوجود إلى أبد الآبدين، ثم له تنوع في ملابس، ويظهر في كنائس، فيسمى باعتبار لباس، ولا يسمى به باعتبار لباس آخر، فاسمه الأصلي الذي هو له محمد، وكنيته أبو القاسم، ولقبه شمس الدين، ثم له باعتبار ملابس أخرى أسام، وله في كل زمان اسم يليق بلباسه في ذلك الزمان.. فقد اجتمعت به -صلى الله عليه وسلم- هو في صورة شيخي إسماعيل الجبرتي".[13]
إذن فهذه العقيدة خارجة تماما عن الإسلام, وهي من العقائد التي تنافي عقيدة التوحيد، فالنبي الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- على شرفه وقدره العظيم ليس أول خلق الله. ففي السنة أن أول خلق الله القلم، فعن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ –رضي الله عنه- قال سَمِعتُ رسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (أَوَّلُ مَا خَلَقَ تَعَالَى القَلَم، فَقَالَ لَهُ: اكتُب! قَالَ: يَا رَبِّ ومَا أَكتُبُ؟ قَالَ: اكتُب مَقَادِيرَ كُلِّ شَيءٍ".[14]

أما النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو بشر، خلق من نطفة ككل بني آدم, وآدم خلق من تراب. فليس النبي مخلوقا من نور كما زعموا. وهو -صلى الله عليه وسلم- لا يعلم الغيب, قال سبحانه: ((قُل لَا أَملِكُ لِنَفسِي نَفعًا ولَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ولَو كُنتُ أَعلَمُ الغَيبَ لَاستَكثَرتُ مِن الخَيرِ ومَا مَسَّنِي السُّوءُ)).
فلِمَ يكرموه بهذه الادعاءات الباطلة التي يأباها -صلى الله عليه وسلم؟! فإنَّ أشرف ما وصفه به ربه هو مقام العبودية.
---------------------------------
[1] الأنوار العمرانية في الأوراد والأحزاب الشاذلية، جمع وتحقيق الشيخ: علي أبو الحسن عمران أحمد عمران.
[2] يروي الصوفية -كما جاء في شرح (حال الأولياء)، لعز الدين المقدسي، مخطوط، (ورقة: 251): أن الخضر عبر على الحلاج وهو مصلوب، فقال له الحلاج: هذا جزاء أولياء الله؟ فقال له الخضر: نحن كتمنا فسلمنا وأنت بحت فمتّ.
[3] أخبار الحلاج، طاسين السراج، ص: 82- وما بعدها.
[4] دلائل الخيرات، للجزولي: ص 100.
[5] دلائل الخيرات: ص 214.
[6] النفحة العلية في أوراد الشاذلية، جمع عبدالقادر زكي، مكتبة المنتهي، القاهرة: ص15- 16.
[7] أفضل الصلوات على سيد السادات، يوسف بن إسماعيل النبهاني، مكتبة ومطبعة الفجر الجديد: ص83.
[8] أفضل الصلوات: ص84، وقلادة الجواهر: ص249.
[9] مصطفى نجا مفتي بيروت في أوائل القرن العشرين من أقطاب الطريقة الشاذلية, كان شافعي المذهب شاذلي الطريقة, صاحب كتاب (مظهر السعود في مولد سيد الوجود)، ومن تلاميذ علي اليشرطي.
[10] كشف الأسرار: ص126.
[11] كشف الأسرار: ص139.
[12] انظر: الإنسان الكامل، عبدالرحمن بدوي، الموسوعة الفلسفية: ج1/136، بنية العقل العربي، الجابري: ص378.
[13] الإنسان الكامل: ج2/73.
[14] أخرجه أحمد في مسنده: ج5/317، والبخاري في التاريخ الكبير: ج6/92، وابن أبي عاصم في السنة: ص107، وابن أبي شيبة في مصنفه: ج7/264، والبزار في البحر الزخار.





------------------------
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59