عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-09-2012, 08:25 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,139
29 فاجعة فتح القسطنطينية ، وأثرها في أوربة


فاجعة فتح القسطنطينية ، وأثرها في أوربة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ
ـ وقعت الواقعةُ في يوم الثلاثاء 20جمادى الآخرة
سنة 857هـ / 29مايو 1453م ، ودخَل ( محمد
الفاتح ) حصنَ المسيحية الشمالية المنيع الشَّامخ ،
مدينة القسطنطينية ، وقُضِيَ الأمر الذي فيه تَسْتَفْتِيان،
دخَلها قُبيلَ العصر على صَهْوة جوادِه المطهَّم
( الضَّخم البارع الجمال ) ، واتجهَ إلى ( كنيسة أيا
صوفيا )، وجماهيرُ رعايا الكنيسة يصلُّون ويبتهلون
ويسألون الله أن يَدْفَعَ عنهم بَلاء ( التُّرك )، ( أي
المسلمين ). فلمَّا علم الراهبُ بقدومه أمرَ بفتح باب
الكنيسةِ على مِصْراعيه، وارتاع المصلُّون و ماجُوا
واضطربوا، ودخل ( محمد الفاتح ) فتقدَّم إليهم أنْ
يِتُمُّوا صلاتَهُم آمنين غير مروَّعين، وأمَّنهم على
أموالهم وأعراضِهم، وأن يعودوا إلى بيوتهم سالمين.
ودنت صلاة العَصْر، وقامَ أحد العلماءِ فأذّن للصلاة،
وصلى المسلمُون العصر في ( كنيسة أيا صوفيا ) ،
ومن يومئذ حُوِّلت فصارت مسجداً. وانشر الخبر
كالبرق في أرجاء أوربة ، ومادَت الدُّنيا بالخبر،
واهتزَّتْ دُنيا المسيحية الأوربية هِزَّة لم تعرف مثلها
قطُّ، ولم يبق عليها راهبٌ ولا ملكٌ ولا أميرٌ ولا
صعلوكٌ إلاّ انتفض انتفاضَة الغضَبِ لدينه، وما هو إلاّ
قليلٌ حتى انطلق ( محمد الفاتح )،وانساحت كتائب
الإسلام في قلب أوربَّة ...يا لها من فجيعةٍ!!وكانَ ما
كانَ ...

ـ بيدَ أنّ هذه الواقعةَ الباطشةَ على عُنْفِها، وعلى سُرعِة
ما تلاها من تدفُّق كتائب الإسلام مُنْسَاحةً في قلب
أوربّة، لم تَفُتَّ في عضُد المسيحية الشمالية، بل على
العكس،زادها الإحساس بالخِزْي والعار حماسةً و
تصميماً وتَحرُّقاً وحقداً خَالط كُلَّ نفس من الخاصة
والعامّة، وصارَ هَمُّ ( الترك )،( أي المسلمين )،همًّا
مؤرِّقاً للعالم والجاهِل والصغير والكبير والذكر
والأنثَى،وهام الرهبانُ وغير الرُّهبَان في جَنَبات
أوربة غضاباً يحرّضون رعاياهُمْ على قتالِ هذه
(التُرك)،(أي المسلمين)،بكُلِّ لسان قادرٍ على الإثارة
وعلى التبشيع، تَبشيع هذه ( الترك ).
ـ وكلما ازدادَ (الترك) توغُّلاً في أرض أوربة (المقدسة
)، ازداد الخوفُ،وازداد التحريضُ على البغضاءِ
والحِقْد، ومع البغضاء المكتومةِ والتحريض،زاد
التصميم على المقاومة.وتمضي الأيام والسنون وتتطاولُ
،وأوربَّةُ بأسِْرها لا تنامُ إلا على فراشِ من الرَّمْضاءِ
اللاذعة،لا يدعُ لجنبٍ ساعةً من طُمَأنِينةٍ،يفزِّعُه شبح
(التُرك)،وذكرى قرون طويلةٍ من الإخفاق والمَهَانَة
والعار،ولا قَرارَ على دَوِيّ أصواتٍ تُهِيب بهم إلى رَفْع
هذا العارِ ودَفْعه عن دينهم وعن أنفُسهم وعن أوطانهم
بكُلّ سبيلٍ.وكذلك رسَختْ في العظامِ الحيّة،لا في النفوس
وحدها ولا في العقول،بغضاءُ ساريةٌ مشتعلة للفظ
(الترك)،(أي المسلمين)،لا تزدادُ على الأيّام إلا توهُّجاً
وانتشاراً،ونزلتْ من النفوس منزلةَ (الدِّين)الراسخ في
أعماقِ الفِطْرة .
ـ وهذه البغضاءُ المشتعلةُ النافذة في غَوْر العظامِ هي
التي دفعت أوربّة دفعاً إلى طلب المخرج من المأزِق
الضَّنْك، وهي التي أيقظْت الهِمَم يَقَظَةً لا تعرف
الإغماضَ. وباليقظة المتوهِّجة دارَ الصِّراع في جَنَباتِ
أوربة بين جميع القُوَى التي كانت تحكُمُ جماهير الهَمَج
الهامِج. ومن قلب هذا الصراع خرجت طَبقة إصلاحِ
خَلَل المسيحية الشمالية مرةً أخرى، فخرج الراهب
الألمانيُّ [مَرْتِنْ لُوثَرْ](1483ـ1546م/894ـ953هـ)،
والراهبُ الفرنسيّ [جون كِلِفنْ]،(1509ـ 1564م /
914ـ971هـ)وخرج السياسي الإيطاليُّ الفاجر[نيكولو
مَكْيافِلِّي]،(1469ـ1527م/870ـ934هـ)، وخرج
أيضاً صراعُ اللغات واللهجات المتباينة،طلباً لاستقرار
لغةٍ موحَّدة لكُلِّ إقليمٍ،وإخراجِ سيطرة ( اللاتينية )
العتيقة من طريق الرهبان والعلماء والكتاب،لكي يُمْكن
نشر التعليم على أوسع نِطاق بين جماهير الهَمَج
الهامج من رَعايَا الكنيسة .....وتاريخٌ طويلٌ حافلٌ
متنوِّعٌ، وجهادٌ مريرٌ قاسٍ، في سبيل اليَقَظة العامّة
والتنبُّه والتجمُّع لإعدادٍ أمةٍ مسيحية قادرةٍ على دَفْع
رُعْب (الترك)، (أي المسلمين)، عن أرض أوربة
(المقدسة).وبدأت اليقَظَةُ ذاتُ الهَدَف الواحِد الذي لا
يغفُل عنه راهبٌ ولا عالم، ولا صغير ولا كبير، ولا
عاميِّ ولا مُتَعلِّم، ولا رجُل ولا امرأة.ومع اليَقَظَةِ
تفجَّرَ أعظَمُ سَيْلٍ يكتسحُ أُمِّيَّة الهَمَج الهامِج ويخرجُه من
أغلالِ الجهالة، ويجعل الهدف الواحدَ مستقرّاً في جوفِ
العظام،مع البغضاء والحِقْد،ومع التصمِيم والإرادة،ومع
اليقظة والتنبُّه، وطالت الليالي والأيام، فما هو إلا قليلٌ
حتى كان ما كان .....

ـ وبغتَةً كما كان اقتحامُ المسلمين قلب أوربةً بغتةً،تَهاوتِ
الحواجز التي كانت تمنَعُ حركة اليقظة والتنبُّه في
أعقاب الحروب الصليبية لأن تُؤتي ثِمارها،وخرجت
أوربّة من أصفادِ (القرون الوسطى)،ودخلَتْ بعد جهادٍ
طول مريرٍ في (القرون الحديثة)كما يسمونها.ومع تقوُّض
هذه الحواجز،ظَهَرت براعيمُ الثّمار الشهية،وبظهورها
غضّةً ناضرةً، زادت الحماسةُ، وتعالت الهِمَمُ، ومُهِّدَ
الطريقُ الوَعْر،ودَبَّت النَّشْوةُ في جماهيرِ المجاهِدين ،
وتحدَّدت الأهدافُ والوسائلُ،وتبيّن الطريقُ اللاحِب .
ومن يومئذٍ بدأ الميزانُ يَشُول،فارتفعتْ إحدى الكِفَّتَيْن
شَيَئاً مَا،وانخفضتِ الأخرى شيئاً مَا.ارتفعت كِفَّةُ أورُبَّة
بهذه اليقظةِ الهائلة الشاملة التي أحدثها الغرورُ بالنَّصر
القديم وبالنصر الحديث وفتح القسطنطينية. وكذلك شال
الميزان،وكانت فرحةُ محسومةٌ في جانب، وكانت غفلةٌ
لا تُحَسُّ في جانب.تاريخٌ طويلٌ مضىَ وغابَ، وتاريخٌ
طويلٌ سوف يأتي ، ثم لا يعلمُ إلا الله متى يكون غيابهُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ:Turkey:
{ م:رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ـــــ أبو فهر محمود
محمد شاكر ـ رحمه الله ـ }
___________________-----------------__







ط
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59