عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 04-04-2017, 12:53 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

القسم الثانى
مشروع مصر 2020


دراسة المستقبلات المصرية البديلة
مشروع مصر 2020

المبـادرة
ظهرت المبادرة الخاصة بمشروع " مصر 2020 " انطلاقاً من أمرين : الأمر الأول هو الإدراك القوى والمتزايد لما يمكن أن تسهم به الدراسات المستقبلية من بلورة للاختيارات المتاحة أمام الناس ، ومن تصويب لمسارات الحوار الوطنى حولها ، ومن ترشيد لعمليات التخطيط واتخاذ القرارات ، ومن تعبئة للطاقات الوطنية وإحياء للآمال فى النفوس . وهى جميعاً مساهمات قيمة من المنظور التنموى ، حيث أنها تساعد على إخراج الناس من حالة الإحباط والسلبية ، وتجعلهم يستردون ثقتهم بأنفسهم وبقدراتهم وقدرات وطنهم على النهوض والانطلاق على طريق التنمية الشاملة والمطردة . والأمر الثانى هو افتقاد الدراسات المستقبلية فى مصر لفترة تناهز عشرين عاماً شهد العالم خلالها تغيرات ومستجدات كثيرة وخطيرة فى شتى مجالات الحياة ، كما شاعت خلالها ألوان مختلفة من الثقافة الماضوية والتفكير السلفى فى المجتمع المصرى .
وقد انطلقت المبادرة من منتدى العالم الثالث - مكتب الشرق الأوسط بالقاهرة من خلال دعوة وجهها صاحب المبادرة العالم الكبير والمفكر المبدع د . إسماعيل صبرى عبد الله إلى مجموعة صغيرة من المفكرين المصريين متنوعى التخصصات والتوجهات السياسية للالتقاء فى شهر سبتمبر 1995 حول مائدة مستديرة للتداول فى مدى حاجة مصر إلى دراسة مستقبلية تستطلع آفاق التنمية الشاملة فيها حتى عام 2020 . وقد أسفر النقاش فى هذه المائدة المستديرة عن تأييد كامل لفكرة الدراسة ولأهمية صياغة مشروع متكامل حول مستقبل مصر فى عام 2020 . كما أبرزت المداولات عدداً من التوجهات العامة والقضايا الرئيسية المرغوب فى مراعاتها عند تصميم المشروع .
وبعد ذلك ، بدأ العمل فى صياغة وثيقة لمشروع الدراسة تبلور أهدافها ومهامها ومنهجيتها فضلاً عن اقتراح الإجراءات التنظيمية وتقدير الميزانية اللازمة لتنفيذ المشروع . وتولت هذه المهمة لجنة ثلاثية ، كانت تعرض ما تتوصل إليه من أفكار ومقترحات وتناقشها أولاً بأول فى إطار لجنة سداسية . وقد استغرقت هذه المرحلة من إعداد وثيقة المشروع سبعة شهور من أكتوبر 1995 حتى إبريل 1996 ، كتبت خلالها أوراق متعددة فى مختلف القضايا والموضوعات المراد طرحها على بساط البحث فى المشروع ، جرت مناقشتها وإعادة كتابتها عدة مرات . وفى ضوء ما أعد من أوراق وما دار من مناقشات خصبة وحوارات ثرية فى اجتماعات كل من اللجنة الثلاثية واللجنة السداسية ، كلف كاتب هذه السطور بتحرير وثيقة للمشروع ، عرضت للنقاش فى اجتماع موسع فى أواخر يونيو 1996 . شارك فيه نحو أربعين من صفوة علماء الاقتصاد والسياسية والإدارة والتعليم والاجتماع والبيئة والهندسة والطاقة والقانون والتكنولوجيا والعلوم العسكرية ، فضلاً عن عدد من رجال الصناعة والبنوك ، ومن كتاب ومثقفى مصر البارزين .
وفى ضوء ما شهده هذا الاجتماع من مناقشات ، تم تنقيح وثيقة المشروع ، كما أضيفت فصول جديدة تتناول نظام إدارة المشروع ، وتحويل قضايا البحث إلى تكليفات بحثية محددة تعد عنها أوراق أو تقارير بحثية ، والجدول الزمنى للمشروع ، وميزانيته . كما أضيف إلى الوثيقة ملحق يتضمن بياناً أولياً بأسماء وتخصصات ومجالات اهتمام الباحثين والمفكرين والمؤسسات التى قد تسهم فى أعمال المشروع والتى تمثل نواة للشبكة العلمية المستهدف إقامتها لتنفيذه . وقد ظهرت هذه الوثيقة التى أطلق عليها " الوثيقة الفنية للمشروع البحثى حول مستقبل مصر حتى عام 2020 " فى سبتمبر 1996 ، أى بعد سنة من أول لقاء للتداول فى فكرة المشروع . وصارت هذه الوثيقة بعد ذلك دستور عمل المشروع ومرجعيته الأساسية .
وانقضى عام ثان فى عمليات تحضيرية أخرى شملت إعداد وثيقة من نوع مختلف قليلاً ، تصلح للعرض على الجهات الوطنية والدولية التى يمكن أن تهتم برعاية المشروع وتمويله . وقد أعدت هذه الوثيقة أولاً باللغة العربية ، ثم أنتجت على أساسها صياغة للوثيقة باللغة الإنجليزية . كما اشتملت تلك المرحلة على اختيار هيئات البحث والتوجيه والمشورة فى المشروع وهى الفريق المركزى واللجنة التوجيهية وهيئة كبار الاستشاريين العلميين للمشروع . وبطبيعة الحال ، كان من أولى المهام فى تلك المرحلة التحضيرية استطلاع إمكانات التمويل ، والاتصال بعدد من الجهات المحلية والأجنبية لتبين مدى استعدادها للمساهمة فى تدبير التمويل اللازم للمشروع . وبرغم أن البداية الرسمية للمشروع قد تحددت فى وثيقة المشروع بالأول من يناير 1998 ، إلا أن العمل الفعلى قد بدأ فى أول سبتمبر 1997 ، وذلك بالرغم من عدم توافر التمويل . وقد قدرت مدة تنفيذ المشروع بثلاث سنوات .
وهكذا خرج هذا المشروع إلى حيز الوجود بمبادرة أهلية خالصة . وقد حظيت هذه المبادرة بمباركة الحكومة المصرية ممثلة فى رئيس الوزراء السابق د . كمال الجنزورى ، ووزير الخارجية السيد عمرو موسى ، ووزير الدولة الأسبق للتخطيط السيد / ظافر البشرى ، ووزير الدولة لقطاع الأعمال العام د. عاطف عبيد الذى أصبح رئيسا للوزراء فى أكتوبر1999 . كما قدمت الحكومة للمشروع قدراً محدوداً من الدعم المالى وذلك من خلال بنك الاستثمار
القومى ، وساندت جهوده فى *** تمويل خارجى من عدد من المؤسسات العربية والدولية . وحتى الآن انحصرت المصادر الخارجية لتمويل المشروع فى البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة ، والصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى ، وسمو الأمير طلال بن عبد العزيز . ولم يتيسر بعد الوفاء بالميزانية المقدرة للمشروع ، وذلك بالرغم من الجهود المضنية التى بذلت فى هذا الصدد . وينبغى التأكيد على أن المساعدات التى يتلقاها المشروع هى مساعدات غير مشروطة ، ولا تؤثر من قريب أو بعيد فى استقلالية المشروع فى رسم أهدافه وفى اختيار منهجيته وموضوعاته البحثية من خلال الفريق المركزى واللجنة التوجيهية وهيئة كبار الاستشاريين العلميين .
رصيد الدراسات السابقة
إن رصيد الدراسات المستقبلية السابقة عن مصر رصيد ثمين ، وإن كان صغيراً نسبياً بالقياس إلى رصيد الدراسات المتوافر فى كثير من مجالات البحث الاجتماعى الأخرى . وبالرغم من أنه يمكن العثور على عناصر جنينية لدراسات مستقبلية مصرية فى أواخر الخمسينات وفى الستينات ، اتصالاً بأنشطة التخطيط طويل المدى على المستوى القطاعى وعلى المستوى
القومى ، إلا أن الدراسات المستقبلية الأكثر شمولاً والأوسع نطاقاً لم تظهر إلا فى منتصف السبعينات . وقد جاءت هذه الدراسات على سبيل مواكبة الاهتمام العالمى بالدراسات المستقبلية التى شهدت زخماً كبيراً منذ صدور " حدود النمو " من نادى روما فى سنة 1972 .
ويمكن الإشارة هنا إلى ثلاث دراسات مستقبلية مهمة عن مصر :
( أ ) الدراسة الأولى أجريت فى الفترة 1975 - 1977 فى إطار مشروع بحثى أكبر لمنظمة الأغذية والزراعة (FAO) بقصد استطلاع النتائج السكانية والديموجرافية لاستراتيجيات بديلة للتنمية . وقد استخدمت هذه الدراسة نموذجاً اقتصادياً كلياً متعدد القطاعات ، وإن كان قد أعطى اهتماماً كبيراً للعلاقات الحاكمة للقطاع الزراعى . كما عنيت عناية خاصة بتحليل ونمذجة التشابكات بين السكان والتنمية . وأخذت هذه الدراسة بمنهجية المحاكاة فى استطلاع المسارات والصور المستقبلية البديلة لمصر خلال الفترة من 1975 إلى
1985 . وكان أساس اختيار السيناريوهات فى هذه الدراسة تقليدياً بالمفاهيم الحالية ، وإن كان يعبر عن هموم شغلت الفكر الاقتصادى بشكل أساسى فى تلك الفترة . إذ تنوعت السيناريوهات ارتباطاً بما إذا كانت استراتيجية التنمية تركز على الزراعة أم على الصناعة ، بالإضافة إلى سيناريو اتجاهى كالمعتاد .
(ب) الدراسة الثانية أنجزت فى خريف 1977 ، فى إطار مشروع بحثى أكبر رعته منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD) ، وعرف باسم (Interfutures) . وقد أخذت هذه الدراسة بأسلوب الكتابة الكيفية أساساً ، ووظفت منهجية القياس على السوابق التاريخية فى بلدان نامية أخرى فى اشتقاق بعض السيناريوهات . فقد تناولت الدراسة ثلاثة سيناريوهات، هى : السيناريو التركى ، والسيناريو المكسيكى ، وسيناريو استمرار الثورة أو التنمية المعتمدة على الذات والمتوجهة لإشباع الحاجات الأساسية . ويمكن اعتبار السيناريو الأخير السيناريو المفضل من وجهة نظر تلك الدراسة .
(ج) الدراسة الثالثة أجريت فى الفترة 1980 - 1982 . وقد ركزت على قضايا السكان والتنمية والتشابكات فيما بينها ، وسعت إلى إبراز النتائج الإيجابية والسلبية لاستراتيجيات
مختلفة للتنمية من هذه الزاوية . وهذه الأهداف تعكس اهتمامات الجهة الراعية للمشروع فى مصر ( جهاز تنظيم الأسرة والسكان ) وكذلك اهتمام الجهة الممولة للمشروع
( صندوق الأمم المتحدة للأنشطة السكانية ) . وقد طورت هذه الدراسة نموذجاً للمحاكاة وتقييم السيناريوهات البديلة ، ولكن حالت صعوبات مالية غير متوقعة دون استعمال هذا النموذج . ولذا أنتجت السيناريوهات بمنهج الكتابة الكيفية أساساً ، مع تدعيمها ببعض التقديرات الكمية المستمدة من تحليلات جزئية أو اجتهادات ذاتية . وقد كان نطاق البحث فى هذه الدراسة واسعاً ، فغطى الاتجاهات العامة فى شتى المجالات ، والتطورات العالمية والإقليمية ، وقضايا التعليم ، والإسكان ، والتكنولوجيا ، والقيم الاجتماعية ، فضلاً عن القضايا السياسية والاقتصادية والسكانية وقضايا سوق العمل . وقد عبرت السيناريوهات فى هذه الدراسة عن اختيارات كبرى فى مجال السياسات التنموية ، وهى السياسات التى كانت قائمة آنذاك أى سياسة الانفتاح الاقتصادى ، وسياسة ترشيد الانفتاح ، أو الإصلاح ، وسياسة التنمية المستقلة أو المعتمدة على الذات .
وإلى جانب هذه الدراسات الثلاث ، تنبغى الإشارة أيضاً إلى عدد من الأنشطة العلمية التى دارت فى رحاب معهد التخطيط القومى فى القاهرة والتى ارتبطت بالراحل العظيم د . إبراهيم حلمى عبد الرحمن ، تحت المظلة التى عرفت باسم : " مجموعة مصر 2000 " . وقد كانت هذه المجموعة نشطة للغاية فى أواخر السبعينات ( 1978 و 1979 ) ، وضمت فى عضويتها نخبة من أعلام الباحثين والمثقفين المهمومين بمستقبل مصر . وقد اشتمل نشاط تلك المجموعة على إعداد أوراق خلفية وعروض لدراسات وكتب حول مستقبل مصر ومستقبل العالم ، وعلى مناقشات وحوارات خصبة حول هذه المواد ، وحول العوامل الحاكمة للتطور المستقبلى فى
مصر . كما سعت إلى صياغة بعض صور المستقبل المصرى اعتماداً على منهج حدسى مدعم بتقديرات كمية جزئية أو اجتهادية لبعض المتغيرات الأساسية .
وأخيراً ، ثمة معالجات أخرى لمستقبل مصر تستحق الذكر هنا ، استكمالاً لحصر الرصيد المعرفى السابق فى مجال الدراسات المستقبلية عن مصر . فقد تم تناول مستقبل مصر فى عدد من الدراسات الإقليمية التى جرت فى العقد الممتد من أوائل السبعينات حتى منتصف الثمانينات . ومن أبرز هذه الدراسات :
( أ ) دراسات مجموعة التخطيط طويل المدى للدول العربية التى قادها د . إبراهيم حلمى عبد الرحمن فى معهد التخطيط القومى فى أوائل السبعينات .
(ب) دراسة د . أنطوان زحلان عن العالم العربى سنة 2000 .
(ج) دراسة المستقبلات العربية البديلة التى أجراها منتدى العالم الثالث - مكتب الشرق الأوسط بالقاهرة خلال الفترة 1980 - 1985 ، بالتعاون مع جامعة الأمم المتحدة .
( د ) دراسة استشراف مستقبل الوطن العربى التى أجراها مركز دراسات الوحدة العربية فى بيروت خلال الفترة 1985 - 1988 .
(هـ) الدراسة التى أجريت فى إطار مشروع " الاعتماد المتبادل " الذى رعته شركة البترول الإيطالية (EINI) ومنظمة الدول العربية المصدرة للبتول (OAPEC) فى أوائل الثمانينات .
وبالرغم من تراجع موجة الدراسات المستقبلية على الصعيدين المصرى والعربى منذ أواسط الثمانينات ، إلا أن الاهتمام بقضايا المستقبل لم يختف تماماً . فقد ظل عدد محدود من أساتذة الجامعات والباحثين والمثقفين والصحفيين يثيرون هذه القضايا ، ويكتبون عنها ، ويديرون بعض الحوارات حولها ، وينبهون الرأى العام إلى التغيرات الكبرى فى العالم والتحديات المستقبلية التى يتعين على مصر والعالم العربى مواجهتها . ولكن مثل هذه الأنشطة لا ترقى بالطبع إلى مستوى المشروعات البحثية الكبرى حول المستقبل ، ولا يمكن أن تكون بديلاً لها . ومن هنا كان إحساس من طرحوا مبادرة مشروع مصر 2020 بالقصور الشديد فى هذا المجال ، وبأن الوقت قد حان لإجراء دراسة مستقبلية كبرى لمصر .
أهداف المشروع
ليس من أهداف هذا مشروع مصر 2020 رسم مستقبل بذاته ، ولا وضع استراتيجية أو خطة بعينها للمجتمع المصرى . وإنما يهدف المشروع إلى تقديم قاعدة معرفية تساعد الناس وتساعد متخذى القرارات على اختيار المستقبل الأفضل لمصر ، وذلك فى ضوء موازنتهم بين منافع وتكاليف الصور المستقبلية المتعددة التى يمكن أن يأخذها مستقبل مصر على امتداد العقدين الأول والثانى من القرن الواحد والعشرين . وبشكل أكثر تحديداً يسعى مشروع مصر 2020 إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية :
(1) صياغة عدد من السيناريوهات، أى التصورات المستقبلية البديلة لحركة المجتمع المصرى فى مختلف المجالات ، وبيان حالة الإنسان والمجتمع المصرى فى عام 2020 ، مع تحديد ما ينطوى عليه كل مسار مستقبلى من مزايا وأعباء ، وكذلك استقصاء قدرة كل سيناريو على الوفاء بأهداف معينة يمكن أن تكون موضع اتفاق عريض بين سائر المهتمين بمستقبل مصر ، أو يمكن أن تؤدى فى مجموعها إلى تحقيق التقدم طبقا لمعايير يمكن أن تكون محل قبول عام .
(2) بلورة منهج جديد فى إدارة شئون المجتمع والدولة ، وذلك بتوفير أدوات علمية لمتخذ القرار تمكنه من تأسيس عمليات اتخاذ القرار على ركائز متينة من المعرفة بالواقع واستشراف المستقبل . ومن المأمول فيه أن يساعد توافر هذه الأدوات العلمية فى تمكين الباحثين وصناع القرارات من الربط بين المتغيرات المختلفة والتخلص من الانقياد إلى الاستجابات الجزئية لكل منها على حدة ، ومن ثم التسلح بنظرة شاملة توظف الارتباطات فيما بين مختلف المتغيرات فى الإدارة الرشيدة لشئون المجتمع وفى إعادة ترتيب الأولويات القومية لصالح التنمية الشاملة والمطردة على المدى البعيد .
(3) تنمية رأى عام مهتم بالمستقبل ، شغوف بالتعرف على ما قد تحمله المستقبلات البديلة من فرص ومخاطر ، ومتحفز لمواجهة التحديات المستقبلية مواجهة مستنيرة . ويعنى ذلك استثارة الاهتمام المجتمعى الجاد بقضايا المستقبل ، ورفع مستوى الوعى بالقضايا والتحديات التى يحملها المستقبل فى طياته ، والنهوض بمستوى الحوار الوطنى حولها، وشحذ الهمم لمواجهة المشكلات المستقبلية والاستعداد للمستقبل من جانب كل القوى الاجتماعية والأحزاب وغيرها من المؤسسات الأهلية وأهل الرأى والفكر والعلم وصناعة القرارات ، فضلاً عن عموم الناس . فقد أصبحت كل هذه الأمور من الضروريات لتأمين مستقبل أفضل ، بعد أن كاد الانشغال بهموم الحاضر ومشكلات الحياة اليومية يطغى على كل اهتمام آخر لدى معظم الناس ، عامتهم وخاصتهم .
ويتطلب تحقيق هذه الأهداف إنجاز عدد آخر من الأهداف المهمة ، وهى :
(1) إقامة شبكة بحثية من الأفراد والمؤسسات المشتغلين بالبحث العلمى ، يتم من خلالها تنفيذ
دراسات المشروع ونشاطاته العلمية المختلفة على النحو الذى يكفل للعمل الشمول والتفاعل بين مختلف حقول المعرفة من جهة ، والذى يكفل التعبئة البحثية للجماعة العلمية المصرية من جهة أخرى .
(2) تقديم إسهامات علمية ، لا سيما فى مجال تطوير الفكر التنموى ، وفى مجال صياغة أدوات تحليل ومنهجيات ملائمة لدراسة المستقبلات البديلة .
(3) تنمية المهارات العلمية فى التعامل مع المشكلات المعقدة ، وبخاصة مهارات الربط بين العوامل المتعددة فى إطار شامل ومتكامل ، ومهارات التفكير الإبداعي والتصور المستقبلى . وينطبق ذلك على المشتغلين فى المشروع، وكذلك على من يتصلون بنشاطاته من خلال الندوات وورشات العمل وما يصدره من مطبوعات ، و أيضاً عن طريق تنظيم برامج تدريبية إذا تيسرت الوسائل لذلك .
(4) نشر أعمال المشروع على أوسع نطاق ممكن بالوسائل التقليدية والوسائل الإلكترونية والتداول حولها كلما أمكن فى ورشات عمل وندوات ومؤتمرات ومن خلال " الإنترنت "، وكذلك إتاحتها لأكبر عدد ممكن من المشتغلين فى مجال الإعلام لتوفير معلومات ونقاط انطلاق فكرية يخاطبون الجمهور من خلالها فى قضايا المستقبل .
ويتضح من العرض المتقدم لأهداف مشروع مصر 2020 أنه مشروع يتسم بالطموح المعرفى اللامحدود ، والانفتاح العقلى دون تحيز مسبق لتوجه عقائدى بعينه . كما يسعى المشروع إلى الارتباط بالفعل الاجتماعى من خلال الانفتاح على المجتمع للتعرف على رؤى الناس للواقع والمستقبل ، وللتعرف على آرائهم فيما يتوصل إليه المشروع من نتائج وسيطة ونهائية ، وترشيد حواراتهم حول الخيارات المستقبلية التى يكشف عنها النقاب، والارتفاع بالمستوى والمحتوى العلمى لعمليات التخطيط واتخاذ القرارات .
وتعكس هذه السمات المميزة للمشروع اقتناع القائمين على إدارته بأن تحديد المستقبلات البديلة لمصر حتى عام 2020 لا يمكن أن يكون مجرد عمل أكاديمى تنفرد به قلة من الباحثين المصريين مهما عظمت قدراتهم وكفاءاتهم ، بل يجب أن يكون عملاً علمياً واجتماعياً فى آن معاً ، وأن يكون محصلة جهود مشتركة للباحثين العلميين والممارسين المشاركين فى صناعة القرارات وأهل الرأى والفكر والقوى الاجتماعية - السياسية المختلفة .
نطاق البحث
تبدأ دراسة المستقبلات المصرية البديلة حتى عام 2020 بقراءة - أو بالأحرى إعادة قراءة - للتطورات فى شتى المجالات عبر ربع قرن مضى ، وذلك بقصد التعرف على الاتجاهات العامة السائدة ، وكذلك الاتجاهات العامة الجديدة والمضادة . ثم يلى ذلك استطلاع للتطورات المرتقبة على مدى العقدين الأول والثانى فى إطار عدد من السيناريوهات البديلة .
وتغطى الدراسة اثنى عشر مجالاً بحثياً ، بيانها كالتالى :
(1) البيئة والسكان
(2) الغذاء والزراعة
(3) التصنيع والمصنوعات
(4) الإسكان والمستوطنات البشرية
(5) النقل والاتصال
(6) التعليم والبحث العلمى والتكنولوجى
(7) القطاع المالى
(8) المعاملات الخارجية
(9) الحكم أو إدارة شئون المجتمع والدولة (governance)
(10) الثقافة والإعلام
(11) المجتمع
(12) التكامل الإقليمى والأوضاع العالمية
وانطلاقاً من هذا التحديد للمجالات البحثية الكبرى ، عكف الفريق المركزى للمشروع فى المرحلة الأولى لعمله على تحديد ما ينطوى عليه كل مجال من هذه المجالات من قضايا جديرة بالبحث والدرس . كما قام بتوزيع التكليفات بشأنها على فرق بحثية يتم التعاقد معها على إجراء بحوث معينة ، وعلى الفريق المركزى ، وعلى وحدة الحساب العلمى والنمذجة التى أنشأها المشروع كذراع فنى له . وصدرت كراسة تحتوى على خطة الدراسات بناء على ذلك ، تشتمل على بيان لثلاث وثمانين دراسة ، منها خمس وستون دراسة يعهد بها إلى فرق بحثية ، وأربع عشرة دراسة يتولاها الفريق المركزى ذاته ، وأربع دراسات تقوم بها وحدة الحساب العلمى والنمذجة بالمشروع .
وكانت إدارة المشروع تدرك أن تحديد الدراسات على هذا النحو الواسع إن هو إلا تحديد أولى يؤخذ فيه بالأحوط ، وذلك بعدم إسقاط أية دراسات حتى لو كان هناك احتمال لعدم القيام بها ، وكذلك بتكرار بحث بعض القضايا فى أكثر من دراسة على أمل أن يؤدى اختلاف المنظور فى الدراسات المختلفة إلى إثراء المعلومات والتحليل فى هذه القضايا . ولذا فقد روعى عدم التكليف بكل الدراسات فى وقت واحد ، وإرجاء النظر فى التكليف ببعض الدراسات لحين انتهاء عدد من الدراسات ذات الصلة والتى قد تغنى عن القيام بدراسة جديدة ، أو قد تساعد على تحديد مجال البحث فى الدراسة الجديدة على نحو أدق أو أكثر تركيزاً . كما كان من المتوقع إعادة النظر فى الدراسات بالحذف أو الإضافة أو الدمج ، وكذلك إعادة النظر فيمن يكلف بإعداد بعض الدراسات ، وذلك كله فى ضوء تطور العمل الفعلى فى المشروع .
وهذا ما حدث بالفعل . فبعد مرور سنة من بدء العمل قرر الفريق المركزى للمشروع زيادة العدد الكلى للدراسات والأنشطة العلمية من 83 إلى 86 ، مع تخفيض عدد الدراسات التى تتولاها فرق بحثية من 65 إلى 52 دراسة ، وزيادة عدد الدراسات والأنشطة التى يتولاها الفريق المركزى ذاته من 14 إلى 22 ، وكذلك زيادة عدد الدراسات والأنشطة التى تنفذها وحدة الحساب العلمى والنمذجة من 4 إلى 12 . وكان الدافع لهذا التغيير هو الشعور المتزايد بأنه من الأفضل فى بعض المهام البحثية ذات الدور المحورى فى المشروع أن تنجز فى إطار مجموعة العمل الداخلية للمشروع ( أى الفريق المركزى ووحدة الحساب العلمى والنمذجة ) التى تملك التصور الأشمل للمشروع ولديها الصورة الكاملة عن تشابكات الموضوعات المختلفة .
وفى مراحل لاحقة للعمل خفض عدد الدراسات التى يعهد بها إلى باحثين خارجيين من 51 إلى 43 دراسة . ومن هذه الدراسات 37 دراسة تجرى بواسطة فرق بحثية . كما أن منها ست دراسات تقرر أن تعد فيها أوراق بحثية بواسطة باحث أساسى لكل ورقة ، على أن يعاونه فى إعدادها مساعد باحث أو أكثر . وكان ذلك استثناءً من المبدأ العام الذى أخذ به المشروع ، وهو إعداد الدراسات بواسطة فرق بحثية . وقد أضطر المشروع إلى ذلك اضطراراً بعد ما تعذر تكوين فرق بحثية لبعض الموضوعات، وبعد ما ظهر أن عمل الفرق يستغرق وقتاً أطول كثيراً مما كان مقدراً وقبلته الفرق وقت التعاقد . بل أن أربعاً من هذه الدراسات الست قد آلت إلى أعضاء فى إدارة المشروع . وفريقه المركزى ، بعد ما باءت بالفشل محاولات العثور على باحثين خارجيين للقيام
بها . وقد ترتبت على هذه التعديلات تعديلات أخرى بالدمج والحذف والإضافة فى دراسات الفريق المركزى ووحدة الحساب العلمى والنمذجة . كما عوملت بعض الدراسات كأنشطة يتم إنجازها من خلال قراءات وإعداد أوراق ومذكرات داخلية والتحاور حولها دون أن تسفر فى كل الأحوال عن عمل منشور .
وفيما يلى بيان موجز عن الدراسات والأنشطة التى تقوم بها هيئات البحث فى المشروع :
أولا : دراسات الفرق البحثية
1 - دراسات المحيط العالمى والمحيط الإقليمى ، وهى تشتمل على سبع دراسات فى
موضوعات : الكوكبة * ، وبنية النظام العالمى والقوى الدولية الفاعلة ، ودائرة
الجنوب ، والدائرة الأفريقية ، والدائرة المتوسطية ، والدائرة الشرق أوسطية ،
ودائرة الوطن العربى .
2- دراسات التعليم ، وهى تضم أربع دراسات فى موضوعات : التنشئة والتعليم
الأساسى ، والتعليم الثانوى ، والتعليم العالى ، والتعليم المستمر ومحو الأمية .
3- دراسات القدرات العلمية والتكنولوجية ، وهى تضم ثلاث دراسات فى
موضوعات : الوضع الراهن لمنظومة العلم والتكنولوجيا ، والعرض والطلب
على منتجات البحث والتطوير ، وآفاق وإمكانات التطوير التكنولوجى .
4- دراسة السكان وقوة العمل
5- دراسات البيئة والموارد الطبيعية واستعمالات الحيز المكانى ، وهى تضم خمس
دراسات فى موضوعات : البيئة والوعى البيئى ، والثروة المعدنية ، والطاقة ،
والمياه والأرض ، واستعمالات الحيز المكانى .
6- دراسات الثقافة والإعلام . وهى تضم دراستين : واحدة للثقافة ، والأخرى
للإعلام .
7- دراسات البنية الاجتماعية وقوى التغيير الاجتماعى . وهى تشتمل على أربع
دراسات فى موضوعات : البنية الطبقية ، والفقراء والمهمشون ، وأجيال المستقبل
( الطفولة والشباب ) ، والمرأة * .
8- دراسات قطاعية وإجمالية . وهى تضم عشر دراسات تتناول ثمانية قطاعات هى
الزراعة والغذاء ، والصناعة ، والصحة ، والنقل ، والسياحة ، والقطاع المالى* ،
والقطاع الاقتصادى الخارجى ، وقطاع المعلومات والاتصالات ، وموضوعين
إجماليين هما : العمران ، والاقتصاد الكلى * .
9- دراسات الحكم / إدارة شئون المجتمع والدولة . وهى تضم سبع دراسات فى
موضوعات : المؤسسات والتيارات والقوى السياسية ، ومؤسسات المجتمع
المدنى ، والقانون والمجتمع والدولة ، والإدارة العامة والبيروقراطية * ، والإدارة فى قطاع الأعمال العام والخاص * ، والتصورات والرؤى المستقبلية للقوى السياسية - الاجتماعية ، والأمن والتنمية .
ثانياً : دراسات وأنشطة الفريق المركزى
1 - دراسات وأنشطة فى مجال مفهوم التنمية ومؤشراتها .
2 - دراسات وأنشطة فى مجال منهجيات الاستشراف وأدوات البحث فى الدراسات المستقبلية .
3 - دراسات وأنشطة فى مجال اختيار السيناريوهات وكتابتها على مراحل متعددة .
4 - دراسات تركيبية استخلاصية فى مجالات التعليم ، والبنية الاجتماعية وقوى التغيير الاجتماعى ، والبحث العلمى والتطوير التكنولوجى ، والبيئة والموارد الطبيعية والحيز المكانى ، والمحيط العالمى والمحيط الإقليمى ، والاقتصاد المصرى .
5 - إعداد التقرير العام أو الوثيقة النهائية للمشروع .
ثالثاً : دراسات وأنشطة وحدة الحساب العلمى والنمذجة
1 - دراسة وأنشطة فى مجال بناء قاعدة معلومات المشروع .
2 - دراسة وأنشطة فى مجال النمذجة والمحاكاة .
3 - دراسة وأنشطة فى مجال بناء السيناريوهات .
4 - دراسة وأنشطة فيما يستلزمه كل ما سبق من برمجيات ونظم تشغيل .
5 - بناء موقع للمشروع على الإنترنت ومتابعته بالتطوير والتحديث .
لاحظ أن أنشطة المشروع غير مقصورة على الدراسات ، ولكنها تشمل أيضاً الندوات الاستهلالية ، وندوات ختام البحث ( على ما سيأتى ذكره ) ، وورشات العمل ، واللقاءات العلمية مع أهل العلم والممارسين وصناع القرارات ، والمقابلات مع ممثلى القوى السياسية - الاجتماعية . كما تتضمن أنشطة المشروع نشر أعماله على أوسع نطاق ممكن .
وتجدر الإشارة إلى أن عدد المشتغلين بدراسات وأنشطة المشروع يناهز 300 باحث ومساعد باحث من أجيال وتخصصات مختلفة ، منهم نحو 280 يعملون فى الفرق البحثية المختلفة ، والباقى فى الإدارة العلمية للمشروع والفريق المركزى ووحدة الحساب العلمى والنمذجة . كما شارك فى اللقاءات العلمية للمشروع ( ندوات و ورشات عمل ) نحو 320 من الباحثين والمفكرين والممارسين والإعلاميين.
منهجية المشروع
روعى فى تصميم منهجية المشروع أن تتصف بعدد من السمات المنهجية المرغوب فى توافرها فى الدراسات المستقبلية الجيدة ، وهى :
1- الشمول والنظرة الكلية للأمور : ومن هنا تعدد مجالات البحث وكثرة عدد الدراسات والقضايا المبحوثة . وكذلك تعدد تخصصات القائمين على إدارة المشروع وأعضاء فريقه المركزى . وبطبيعة الحال ، فليس المهم هو تعدد حقول المعرفة التى ينهل منها المشروع وتبنى عليها السيناريوهات فحسب ، بل من المهم أيضاً دراسة العوامل والمتغيرات المختلفة المتصلة بهذه المعارف فى تشابكها وتفاعلها .
2- مراعاة التعقد : ويقصد به تفادى الإفراط فى التبسيط والتجريد للظواهر المدروسة ، والتعمق فى تحليل وفهم ما يزخر به الواقع من علاقات وتشابكات بين مختلف الظواهر ، والإحاطة الدقيقة بما يتصف به هذا الواقع من دينامية ولا يقين . ويتصل بذلك إدراك أن القانون المحرك للكل ليس مجرد حاصل جمع عددى للقوانين التى تفسر عمل الأجزاء التى يتكون منها هذا الكل . وهو ما يؤكد مجدداً على أهمية التفاعلية والقدرة على عبور التخصصات فى بناء منهجية البحث المستقبلى .
3- القراءة الجيدة للماضى ، وإعادة قراءة الأحداث السابقة من منظور مستقبلى أى فى ضوء التحديات ، وذلك للكشف عن الاتجاهات السائدة فى الوقت الحاضر ، والاتجاهات المضادة لها ، والإرهاصات التى تومئ إلى ميلاد اتجاهات جديدة قد يكون لها شأن كبير فى تشكيل مسارات المستقبل . والمقصود بالماضى هنا هو ماضى المجتمع المدروس ، وكذلك خبرات الدول الأخرى . فالتعلم من خبرات الآخرين - بمن فيهم الأقل تقدما والأكثر تقدماً - لا يقل شأنا عن التعلم من الخبرات الذاتية . كما أنه يوفر مصدراً للمعلومات حول الفرص المتاحة والقيود على الحركة المستقبلية ، والتى يمكن أن تفيد فى بناء السيناريوهات وتشغيلها .
4- محاكاة الواقع . فذلك أمر ضرورى بالنظر إلى قصور النظريات عن الإحاطة بتعقيدات الواقع وما يحفل به من تنوع ودينامية . كما بات من المسلم به أن السعى لمحاكاة الواقع باستعمال النماذج وبرمجيات للكمبيوتر لا يساعد فقط فى رسم صورة أكثر دقة لسلوك الفواعل والمتغيرات المختلفة ، بل أنه قد يكون مصدراً مهما لتطوير التنظير حول سلوك الظواهر المدروسة .
5- المزج بين الأساليب الكمية والأساليب الكيفية . إذ يعجز أى من هذين النوعين من أساليب البحث عن الوصول إلى نتائج مرضية فى الدراسات المستقبلية . بينما يؤدى الجمع بينهما إلى نتائج أفضل . وهذه هى الطريقة التى تبناها المشروع فى بناء سيناريوهاته . وتتمثل هذه الطريقة التى سميت بـ " الطريقة التفاعلية " فى الخطوات التالية :
خطوة أولى : يتم فيها إعداد صياغة أولية لملامح كل سيناريو
( أى الشروط الابتدائية والمسار والصورة المستقبلية فى كل عام
2020 ) من خلال الحدس والكتابة الكيفية بواسطة الفريق المركزى للمشروع . ويمكن أن تتكرر هذه الخطوة عدة مرات إلى أن يتم التراضى على صياغة مقبولة .
خطوة ثانية : توضع الصياغة الأولية المقبولة لملامح كل سيناريو تحت نظر وحدة الحساب العلمى والنمذجة للاسترشاد بها فى تشغيل النموذج أو النماذج ومحاكاة المسار المستقبلى لكل سيناريو خلال فترة الاستشراف المستقبلى . وهنا يتم السحب على رصيد المعلومات المتوافر من الدراسات التى تقوم بها الفرق البحثية والفريق المركزى ، وكذلك من قاعدة معلومات المشروعات التى تبنيها الوحدة ، فى التنبؤ بنتائج كل سيناريو ورسم ملامح الصورة المستقبلية التى يؤدى إليها فى عام 2020 كمياً وكيفياً . وهنا تظهر صورة مطورة ، أكثر عمقاً وتفصيلاً ، للسيناريوهات .
خطوة ثالثة : يناقش الفريق المركزى الصورة المطورة للسيناريوهات ، مع وحدة الحساب العلمى والنمذجة ومع مستشارين علميين ، وكذلك مع مفكرين وممثلين للقوى الاجتماعية والسياسية المختلفة . والقصد من ذلك هو التعرف على ردود أفعال هذه الفئات المختلفة تجاه السيناريوهات ، واستدعاء مقترحاتهم للتعديل والتطوير فيها بناء على الخبرة والحدس وتفاعل المعارف المختلفة بشكل لا نظامى .
خطوة رابعة : يقوم الفريق المركزى بالتعاون مع وحدة الحساب العلمى والنمذجة بفرز مقترحات التعديل والتطوير ، واختيار مجموعة متناسقة نسبياً من هذه المقترحات ، وإحالتها إلى وحدة الحساب العلمى والنمذجة لإدماجها فى عمليات النمذجة والمحاكاة ، واستخراج صورة مطورة لكل سيناريو ، وربما إضافة سيناريوهات جديدة .
ويمكن أن تتكرر المهام المذكورة فى الخطوتين الثالثة والرابعة لأكبر عدد ممكن من المرات ، فى حدود الوقت والموارد المتاحة
بالطبع ، حتى يتم التراضى على صياغة مقبولة لكل سيناريو .
6 - الحيادية والعلمية : وتتطلب الحيادية الانفتاح على المدارس الفكرية المختلفة والتفاعل معها ، وتنوع الأطر النظرية للسيناريوهات ، وإتاحة الفرصة للقوى الاجتماعية والسياسية المختلفة للتعبير عن اختياراتها كما تراها هى بنفسها ، كلما كان ذلك ممكناً بالطبع . كما تنطوى العلمية على مراعاة المبادئ العامة المعروفة فى مناهج البحث العلمى ، مع فهم " الموضوعية " على أنها لا تعنى الامتناع عن تناول كل ما هو ذاتى ، بل تعنى إفساح المجال لما هو ذاتى ، شريطة الإعلان عنه والتصريح عن افتراضات وميول الباحث بشأنه .
7 - نشدان الإبداع والعمل الجماعى . فالدراسات المستقبلية تفقد الكثير من قدرتها على إثارة الفكر والتحريض على الفعل إذا لم تتضمن أفكاراً إبداعية جريئة ، مهما بدت " غير واقعية " أو " غير عملية " لأول وهلة . ولما كان جزءاً كبيراً من الإبداع ينبع من رؤية ما يحدث فى المساحات الواقعة بين جزئيات العمل ، وفى مناطق التداخل وخطوط التماس بين التخصصات والحقول المعرفية المختلفة ، فإن العمل الجماعى من خلال فريق متعاون ومتفاهم يصبح أمراً فى منتهى الأهمية ، علاوة على أهميته فى تحقيق السمات السابقة ، لاسيما الحيادية والتعقد والشمول .
8 - التعلم الذاتى والتصحيح المتتابع للتحليلات والنتائج . ولعل هذه السمة قد ظهرت بجلاء فى شرحنا لمنهجية بناء السيناريوهات فى إطار عرض السمة الخامسة لمنهجية المشروع .
ويمكن أن نقدم مثالاً آخراً على عمليات التصحيح والتدقيق المتتابع فى مشروع مصر 2020 ، بالإشارة إلى الأسلوب الذى يتبع فى تحديد قضايا البحث وتنفيذ البحوث . إن أى موضوع مرشح للدراسة يتعرض فى البداية لمناقشة أولية فى الفريق المركزى ، ثم يكلف عضوا أو عضوان منه - حسب التخصص - لكتابة ورقة نقاشية تحدد عناصر البحث والمنهجية الملائمة لبحثه . وعادةً تناقش هذه الورقة فى الفريق المركزى لأكثر من مرة ، ويتم تعديلها فى ضوء المناقشة . وبعد ذلك تعرض الورقة المعدلة فى ندوة استهلالية تضم أصحاب الاختصاص والمهتمين بموضوع البحث ، وكذلك عدد من المشتغلين بصناعة القرارات ذات الصلة المطروحة للبحث . وفى ضوء ما يطرح من اقتراحات بالتعديل والحذف أو الإضافة تعدل الورقة النقاشية ، وتتحدد بصفة أولية أصلح العناصر التى يمكن تكليفها بالبحث . وبعد إقرار الورقة المعدلة من الفريق المركزى ، فإنها تستخدم فى التفاوض مع المرشح لقيادة فريق البحث ، والذى يطلب منه أن يضع فى ضوء هذه الورقة خطة عمل محددة لإنجاز البحث . وبعد التعاقد على إجراء الدراسة ، فإنها تتابع من خلال تقديم تقريرى متابعة ، ثم مسودة أولى ، ثم تقرير نهائى للدراسة . وتعرض هذه التقارير والمسودات على الفريق المركزى للنقاش وتقديم اقتراحات وتعديلات للقائمين بالبحث . وبعد الوصول إلى الصيغة الأخيرة للبحث ، يجرى عرضها لمزيد من النقاش في ما يعرف بـ " ندوة ختام البحث " . وقد يتم إدخال المزيد من التعديلات على البحث فى ضوء مناقشات هذه الندوة ، كما قد يضاف تقرير عن هذه المناقشات إلى الدراسة ذاتها ، إذا ما تقرر نشرها . ولا يخفى أن الغرض من كل هذه الخطوات هو مراقبة جودة البحوث والارتفاع بمستواها إلى أقصى حد ممكن .
وعموماً فإن حظ الدراسة المستقبلية التى تنجز دفعة واحدة (one-shot exercise) من النجاح ضئيل للغاية . وكلما زاد عدد الفرص التى تتعرض فيها المراحل المختلفة للعمل الاستشرافى والنتائج التى يتم التحصل عليها منه للنقد والتعديل والتطوير ، زادت احتمالات الخروج بدراسة مستقبلية تحقق الغايات الأساسية لهذا النوع من الدراسات ، لاسيما مردودها على الفعل الاجتماعى وصناعة القرارات .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59