عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 07-01-2012, 11:57 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

الفصل الرابع-

الأحرف الجوازم

هي: (لم-لمّا-لام الأمر- لا الناهية).
ولا تجزم إلا فعلاً مضارعاً واحداً.



حول موقع الجزم بين حركات الشكل:

لقد سبق أن تعرضنا إلى معاني حركات الفتحة والضمة والكسرة وأصول استعمالاتها دون التعرض لمدلول حركة (الجزم) في التسكين. انظر (الحرف العربي والشخصية العربية ص128-130)
فلقد ذكرنا في حينه بمعرض الحديث عن تحريك (عين) الفعل الثلاثي: أن (الضمة) مخفف الواو تشير إلى الفعاليات الذاتية، نحو (كرُم). وأن الكسرة مخفف (الياء) تشير إلى الحالات الذاتية، نحو (حزن). وأن (الفتحة) مخفف (الألف اللينة تشير إلى الاستكانة والاستقرار: (ذهبَ).
ولكن ما معنى (الجزم) المعجمي ومدلوله النحوي؟
(الجزم) لغة معناه (القطع). جزم الشيء(قطعه). وجزم اليمين (أمضاها قاطعة لا رجعة فيها). و(الجزم) في النحو، هو تسكين الحرف أو حذفه، يلحق الأفعال المضارعة المجزومة بأحرف الجزم، كما في (لم يذهبْ)، أو أفعال الأمر، كما في (اعلمْ- أكرِمْ). وهو غير مخفف عن حرف، والسكون بحكم طريقة النطق بصوته في نهايتي فعلي المضارع والأمر المجزومين، إنما هو أوحى حركات الشكل بالجزم والقطع والبت والحتم والحسم، بما يتوافق مع واقعتي النهي أو الأمر((حزماً وجزماً وبتاً..)) سواء أَكان الأمر مباشراً (اذهبْ) أو غير مباشر (لِتذهبْ، لا تذهبْ).
1-لَمْ

أولاً- حول خصائص حرفيها ومعانيهما الفطرية:

1-(اللام) للإلصاق والالتصاق والإلزام.
2-(الميم)- للجمع والضم والانغلاق، ولا سيما في نهاية الكلمة، بما يتوافق مع حركة انطباق- الشفة على الشفة عند الوقوف على صوتها في هذا الموقع الأخير من (لَمْ).
وهكذا تتآذر معاني هذين الحرفين للتعبير عن معاني الجمع والضم بمزيد من الإلصاق كما في (لمَّ، يلمُّ)، نحو: ((لمّ شتاتَ قومِه)، أي جمعهم جمعاً شديداً.
ولكن ما علاقة (لَمْ) النافية بمعنى (لمَّ) للجمع والضم؟.
لو أن العربي أجاز دخول (لَمْ) على الأسماء لما خرجت من معاني (جمْعِ وضمِّ) ما بعدها. ولكن باقتصار دخولها على الأفعال المضارعة، فإن وظيفة لمْ تتحول عن جمع الأشياء وضمها، إلى تجميع مضامين الأفعال فتجمدها وتوقف فعالياتها.
ففي قولنا (لم يذهبْ زيد) أي توقف عن الذهاب وتجمع على نفسه في موقعه، فلم يقم بفعل (الذهاب).
ونظراً لشدة النفي في (لمْ)، أشد أحرف الجزم نفياً، لتآذر خصائص حرفيها في (الجمع والضم)، لم يُجز العربي تعليق مجزومها المنفي على شرط. فلا يقال: ((لم يذهبْ زيدٌ إلا إذا جاء عمرو)).
بينما يصح ذلك مع (لن)، للفارق الكبير بين خصائص (الميم) في نهاية المصادر لمعاني (الجمع والضم)، وبين خصائص (النون) في نهاية المصادر لمعاني (الرقة والخفاء والاستكانة والاستقرار) كما أسلفنا في دراستها. فكان النفي معها أقل حزماً وجزماً مما في (لَمْ).
ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

(لمْ) حرف جزم لنفي المضارع وقلبه ماضياً كقوله تعالى ((لم يلدْ ولم يولدْ))(63). ولم يذكروا لها معنى آخر ولا استعمالاً.
وهذا الفقر المدقع في معاني (لمْ) واستعمالاتها يرجع فيما نرى إلى أمرين اثنين:
1-أن طريقة النطق بصوتي حرفيها: (اللام) من حيث (التصاق) طرف اللسان بسقف الحنك و(الميم) من حيث (ضم الشفة إلى الشفة) قد حدَّت من حرية العربي في التكيف بنطقهما في (لم) فظل معناها بذلك ملتزماً بمحصلة الخصائص الايمائية لحرفيها حصراً. وذلك على العكس من حرفي (لا-ما..) كما سنرى.
2-أن التوافق بين الخصائص الإيمائية لحرفي (اللام والميم) ومعانيهما في (الإلصاق والجمع والضم) قد حدّ من حرية العربي في الخروج من حصار هذه المعاني.
وهكذا يمكن اعتبار (لَمْ) واحدة من المستحاثات اللغوية التي يتوافق معناها التراثي في النفي والجزم مع الخصائص الفطرية لحرفيها في الجمع والضم. شاهد إثبات آخر على بداءة اللغة العربية وفطرتها.
2-لمّا

أولاً- حول خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية:

لا حاجة بنا إلى تقصي الخصائص الفطرية لأحرفها ومعانيها، فقد سبق أن استعرضناها جميعاً مما لا يخرج عن معاني (الإلصاق والجمع والضم والامتداد).
ونرى أنه يمكن اعتبارها مؤلفة من كلمتين: (لم+ما)، بما لا يخرج عن محصلة معاني أحرفهما. فلقد سبق الحديث عن خاصية النفي في (لم)، أما (ما) فمن معانيها النفي أيضاً، كما سيأتي.
ولكن (الألف اللينة)) في نهاية (لمّا) تشكل امتداداً صوتيّاً يترجم إلى فاصل زماني أو مكاني. بينهما وبين منفيّها، على مثال ما لحظنا دور (الألف اللينة) في معاني (إلى) لانتهاء الغاية.
فما مدى تأثير هذه (الألف اللينة) في معانيها التراثية؟
هي لدى (ابن هشام والأنطاكي) على ثلاثة أوجه:
1-حرف جزم لنفي المضارع وقلبه ماضياً مثل (لمْ)، نحو: ((لمّا يأتِ زيد)). ولكنها تختلف عن (لمْ) في خمسة أمور.
أ-لا تقترن بأداة شرط. فلا يقال: ((إن لمّا تقم)) على العكس من (لم). إذ قال تعالى ((وإن لم تنتهوا)).
ب-إن منفيَّها مستمر النفي إلى الحال، نحو: ((لمّا يأت زيد))، أي حتى الآن. ولكنه قد يأتي. أمّا (لمْ) فيحتمل نفيها (الاتصال)، أي الاستمرار مثل (لمّا)، كقوله تعالى: ((ولم أكن بدعائك ربّ شقيا))(64)، بمعنى ولا أزال كذلك. كما يحتمل نفيها (الانقطاع)، أي عدم الاستمرار، كقوله تعالى: ((هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً))، ولكنه صار (شيئاً مذكوراً). ولهذا جاز القول: ((لم يكن، ثم كان)). ولا يجوز (لمّا يكن ثم كان). بل يقال ((لمَّا يكن وقد يكون)).
واستمرار النفي في (لمّا) يعود إلى (الألف اللينة) الفاصلة بين (لم) والفعل المضارع المقلوب إلى ماضي فصارت (لمّا)، وأعطت النفي فسحة في الزمن استمرَّ من الماضي إلى اللحظة الحاضرة.
ج-يغلب على منفي (لمّا) أن يكون قريباً من الحال، وعلى منفي (لمْ) أن يكون بعيداً في الماضي. فبما إن منفيَّ (لمّا: يستمرّ إلى الحاضر، فلقد رأى العربي أن يستعمله لنفي الماضي القريب توخياً للتصديق. أما مع (لم) فليس ثمة من داع لهذا التحفظ.
د-إنّ منفي (لمّا) متوقع ثبوته، بخلاف منفي (لمْ). فإذا قلنا: ((لمّا تثمر الشجرة)) فمعناه أن إثمارها متوقع. أما إذا قلنا: (لم تثمر الشجرة)، فإثمارها غيرُ متوقع، لبُعد (عدم إثمارها) في الماضي، على العكس من (لمّا) للماضي القريب.
هـ-إنّ منفي (لمّا) جائز الحذف، نحو: ((اشتريت الكتاب لاقرأه، ولمّا). أي ((ولما أقرأه)). ولا يجوز ذلك في (لم).
وهكذا فإن الاختلاف بين استعمالات (لمْ) و(لمَّا) ومعانيهما ترجع جميعاً إلى الامتداد الصوتي في (الألف اللينة) في (لمّا). وهذا الاختلاف هو من أقوى الأدلة على أن العربي استعمل (الألف اللينة) للفاصل الزماني في (لمّا) وللفاصل المكاني في (إلى)، وإن كان استعملها في أماكن أخرى للحجز والنفي كما سيأتي.
وبذلك تكون (لمّا) مثل (لمْ) إحدى المستحاثات اللغوية، شاهد إثبات على أصالة اللغة العربية وفطرتها.
3-لامُ الأمر

لقد سبق أن تحدثنا عن (اللام) الجارة، وأرجأنا الحديث عن (اللام) الجازمة إلى أن ترد في زمرتها مع الأحرف الجازمة. وسنرى أن الخصائص الفطرية لـ (اللام) في الإلصاق والالتصاق ستظل ترافقها هنا وأينما وقعت، كما مر معنا في حروف العطف والجر، وكما سيأتي في حروف المعاني التي تشارك في تراكيبها. وثبات معنى الإلصاق في (اللام) وما يماثله من معاني التوصيل والضم والإلزام والالتزام يعود إلى أن هذه الخاصية فيها (إيمائية تمثيلية) لم تتبدل ولم تتغير منذ أبدعت في المرحلة الزراعية إلى يومنا هذا. فكان الأمر مع (اللام) بمعنى الإلزام يتوافق مع خصائص (الإيمائية التمثيلية) الفطرية على الإلصاق.
حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

هي حرف جزم: ((لِيذهبْ زيدٌ إلى الدار)). ولها في المحيط (7) أحكام.
1-هي مكسورة في اللغة المشهورة، مما يزيد من فعاليتها الذاتية. أما بنوسليم فيفتحونها، مما يحدُّ من مغاليظها.
2-يكثر أن تُسكَّن إذا جاءت بعد (الفاء والواو). ونرى أن التسكين أوحى بفعاليتها الذاتية من (الكسرة)، كقوله تعالى: ((فلْيستجيبوا لي ولْيؤمنوا بي))(65).
3-وتسكينها بعد (ثمّ) قليل، نحو: (ثم لْيقضوا) في قراءة الكوفيين، رداً على من قال أنه خاص بالشعر.
4-يجب استعمالها للطلب في موضعين.
أ-إذا كان الفعل مبنياً للمجهول، نحو: ((لِيُعنَ زيدٌ بحاجتي)).
ب-اذا كان الطلب موجهاً لغائب، نحو: ((ليكتبْ زيدٌ درسَه))، إذ ليس للغائب صيغة أمرية.
5-استعمالها للطلب من المخاطب قليل، لأن المخاطب له صيغة أمرية تغني عنها، نحو: ((اكتبْ يا زيد)). فهو أبلغ وأشد حزماً من قولنا: (فلتكتبْ يا زيد)).
6-استعمالها لأمر المتكلم نفسِه قليلٌ لأنه لا حاجة لأن يأمر الإنسان نفسه، كقوله تعالى ((وقال الذين كفروا للذين آمنوا، اتبعوا سبيلنا ولْنحمِلْ خطاياكم)).
7-وقد تحذف في الشعر ويبقى عملها على ما جاء في (مغني اللبيب)) كقول الشاعر:
فلا تستطلْ مِني بقائي ومدَّتي



ولكنْ (يكنْ) للخيرِ منكَ نصيبُ)).


أي (ليكنْ للخير..)، ومنَعَ المبرِّد حذف (اللام) مع إبقاء عملها حتى في الشعر. ونحن أميل للاخذ برأيه، لأن الفعالية في الأمر تعود إلى (اللام) الظاهرة، وليس الى المقدرة تقديراً.
وبقي أن نلفت الانتباه إلى أن (لام) الطلب، قد تكون (للأمر) كما سبق بيانه. وقد تكون(للدعاء)، نحو: ((ليقضِ علينا ربك))، و(للالتماس))، نحو: ((ليفعلْ فلان كذا)) إذا- لم يرد الاستعلاء عليه، وقد تكون للتهديد كقوله تعالى: ((ومن شاء فليكفرْ))(66).
وهكذا يكون الإنسان العربي قد أفاد من خاصية الإلصاق في (اللام) ليلزم الفاعلُ غيرَه بأمرٍ ما عندما لا يجد لـه صيغة معينة للإلزام، كما إذا كان هذا الأمر يتعلق بغائب، أو كان الفعل مبنياً للمجهول. لتأخذ (اللام) هنا وظيفتها الفطرية في الإلزام ضرباً من ضروب الإلصاق، فتحافظ على معانيها الفطرية في (لام الأمر) أيضاً.
وبذلك تكون (لام الأمر)، هي إحدى المستحاثات اللغوية شاهد إثبات على أصالة اللغة العربية وفطرتها وبداءتها.
4-لا الناهية:

لقد سبق أن تحدثنا عن (لا) في فئة أحرف العطف. وذكرنا أن لها سبعة أوجه، منها خمسة للنفي وواحدة (ناهية جازمة)، والسابعة زائدة لا عمل لها.
كما عرضنا أن وظيفتها (النافية- العاطفة) قد تأتَّت من محصلة الخصائص الفطرية لحرفيها- (اللام) للإلصاق، و(الألف اللينة) حاجز صوتي فاصل مانع. ففي قولنا: ((جاء زيد لاعمرو)) قد عملت (اللام) في (لا) النافية، على ربط زيد وعمرو بموضوع المجيء دون سواه من سائر الأعمال والحالات الأخرى. أما (الألف اللينة) فيها، فقد فصَلت حكم ما قبلها عما بعدها. فاقتصر حكم المجيء، على ما قبلها (زيد) فحسب، لجهة اللام منها.
أما في (لا) الناهية فالأمر يختلف قليلاً. فاللام هنا لإلزام الفاعل بفعل معين، ولكن (الألف اللينة) فاصل صوتي يمنع وقوع هذا الفعل. ففي قولنا ((لا تضرب زيداً))، ألزمنا المخاطب بعدم ضرب زيد فحسب. وأطلقنا له الحرية في ضرب من يشاء غيره أو في معاقبة زيد بأية عقوبة أخرى، أو في مكافأته.
حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

تختص (لا) الناهية بالدخول على المضارع، وتقتضي جزمه واستقباله، سواء أَكان المنهيُّ مخاطباً كقوله تعالى: ((لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء))
(67)، أو كان غائباً، كقوله تعالى ((لا يتخذْ المؤمنون الكافرين أولياء))(68)، أو متكلماً، نحو: ((لا رأينّك هنا)).

والنهي هنا ضرب من النفي، لا يفّرق بين المعنيين في حال دخولها على الفعل المضارع إلاّ سياق الحديث ومآل الغرض.








الفصل الخامس-

أحرف النصب

هي: ((أنْ- لن- إذنْ- كَي)) تنصب الفعل المضارع.



1-أنْ

أولاً- حول خصائص حرفيها ومعانيهما الفطرية:

1-(الهمزة)- يوحي صوتها الانفجاري في أول المصادر بالظهور والحضور والبروز.
2-(النون)- من معانيها البطون والصميمية كما أسلفنا في دراستها.
ومحصلة معاني حرفيها تشير إلى حضور ذات المتكلم وظهوره. وهي بذلك تكون أكثر توافقاً مع استعمالها ضميراً منفصلاً للمتكلم والمخاطب، من استعمالها أداة لنصب الفعل المضارع، كما سيأتي.
ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

(أَنْ) المفتوحة (الهمزة) والساكنة(النون)، هي على وجهين: اسم وحرف.
آ-(أنْ) الاسم: هي على رأي بعضهم ضمير منفصل للمتكلم، كقولنا: ((أن فعلت))، أي (أنا) فعلت، وللمخاطب (أنت- انتما..) بتقدير: الضمير هو (أنْ)، و(التاء) حرف خطاب.
وأما البعض الآخر فيرى ان الضمائر في (أنا) للمتكلم، و(أنت- أنتما) للمخاطب، هي كل الحروف.
وهذا الوجه من استعمال (أنْ) ضميراً منفصلاً يتوافق أصلاً مع الخصائص الفطرية لصوتي حرفيها في (البطون والظهور)، كما رأينا آنفاً. فماذا عن استعمالاتها التراثية.
ب-(أنْ) الحرف: وتقع على أربعة أوجه:
1-أن تكون حرفاً مصدرياً ناصباً للمضارع.
2-أن تكون مخففة عن (أنَّ) الثقيلة.
3-أن تكون مفسِّرة بمنزلة (أي).
4-أن تكون زائدة.
ولما كان حديثنا هنا مقتصراً على نواصب المضارع، نكتفي بالحديث عن (أنْ) المصدرية.
(أنْ) حرف مصدري:
تدخل على الأفعال المتصرِّفة، للماضي، نحو: ((سافرتُ بعد (أنْ) غربت الشمس)). أو للمضارع، نحو: ((سآتيكَ بعد (أنْ) تغربَ الشمس)). أو للأمر: ((كتبت إليه بأن قُمْ)).
وهي في ذلك. مؤوّلة مع ما بعدها بالمصدر في الحالات الخمس التالية:
1-أن يكون المصدر مبتدأ، نحو: ((أنْ تدرسَ خيرٌ لك)). بتأويل (الدرسُ خيرٌ لك)).
2-أن يكون المصدر مبتدأ، نحو: ((يسرني أنْ تنجحَ)) بتأويل: ((يسرني نجاحُك)).
3-أن يكون مفعولاً به، نحو: ((أريد أن أسافر)): بتأويل: (أريد السفرَ)).
4-أن يكون مجروراً بالاضافة، نحو: ((سآتيك بعد أن تغربَ الشمس)) بتأويل: ((بعد غروبِ الشمس)).
5-أن يكون مجروراً بالحرف، نحو: ((كتبت له بأن يقومَ)). بتأويل: ((كتبت له بالقيامِ))
إذا دخلت (أن) على المضارع نصبته، أما إذا دخلت على غيره فلا عمل لها.
ولكن ما تعليل نصبها للمضارع؟
عندما تكون (أنْ) وما بعدها مؤولة بمصدر على أنَّه: ((مفعول به، أو مجرور بالإضافة أو بالحرف))، كما لاحظنا في الحالات الثلاث الأخيرة الآنفة الذكر فإنه لا صعوبة في تعليل نصبها للمضارع.
1-ففي حال تأويل (أن) وما بعدها مفعولاً به، تنتقل (الفتحة) من المصدر المؤوّل، إلى الفعل المضارع موضوع التأويل، فالفتحة مختصة بالاستكانة، سواء أَفي الأسماء أو الأفعال كما مر معنا في دراسة حركات الشكل. (الحرف العربي والشخصية العربية ص128-131).
2-وعندما يأخذ المصدر موقع المجرور بالإضافة أو بالحرف، فالأمر يختلف قليلاً. فلما كانت الأفعال لا تقبل الكسرة المختصة باستكانة الأسماء واستقرارها، فقد استعاض العربي عنها للفعل المضارع بالفتحة المختصة أصلاً باستكانة الأفعال واستقرارها.
وهكذا لم يكن للعربي مفرّ من تحريك الفعل المضارع بالفتحة في هذه الحالات الثلاثة.
ولكن ما هو تعليل نصب (أنْ) للمضارع في حال تأويلها وما بعدها بالمبتدأ أو الخبر؟. فنقول:
1-في مثال المبتدأ: ((أن تدرس خيرٌ لك)). فالدرس هنا يقع عليه حكم التخصيص أو التمني أو الترجي أو التهديد، حسب سياق الكلام، مما يُخلّ بفعالية مضارعه وحريته. فاستحق هذا الفعل (تدرسَ) حركة الفتحة الضعيفة، وليس الضمة القوية ولا السكون الأقوى.
2-وفي مثال الفاعل: ((سرني أن تنجحَ)). فالنجاح هنا قد وقع عليه حكم (السرور)، ففقد مضارعه (تنجحَ) بذلك حريته وفعّاليته- لالتزامه بأمر معين هو (سروري) فاستحق حركة الفتح الضعيفة للاستكانة.
وهنا قد يطرح القارئ هذا التساؤل:
هل كان العربي حقاً على هذا المستوى الرفيع من رهافة الحس والنفس والمشاعر؟
فأجيب: أن نعم. فللشعراء الأصلاء عباقرة الكلمة وأساتذة القواعد الصرفية النحوية في ذلك الباع الطولي، فطرة سوية.
2-لَنْ

أولاً- حول خصائص حرفيها ومعانيهما الفطرية:

1-(اللام)- للإلصاق والجمع والإلزام.
2-(النون)- من معانيها في نهاية المصادر: الرقة والخفاء والاستقرار.
فإذا صح أن خاصية النفي الشديد في (لم) الجازمة تعود إلى توافق خصائص حرفي (اللام والميم) في الإلصاق والجمع والضم، فإن (لن) لابد أن تكون أقل شدة في النفي منها. وذلك للفارق الكبير بين خصائص كل من (النون والميم) في نهاية المصادر، جمعاً وضماً في (الميم) ورقة وخفاء- في (النون). وتأسيساً على هذا الفارق في خصائصهما فإنه لا يجوز تعليق منفي (لم) على شرط مثلما يجوز ذلك مع (لن). كما أسلفنا.
ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

هي حرف نصب ونفي واستقبال.
ولقد حاول بعض اللغويين تعليل خاصية النفي في معاني (لَن). فقال (الفرّاء)، بأن (لا) النافية هي أصل كل من (لن-ولم). فأُبدلت الألف نوناً في (لن)، وميماً في (لم). واستبعد (ابن هشام) ذلك، لأن الأصل هو إبدال (النون) ألفاً، كما في قوله تعالى: ((لنسفعاً بالناصية) بدلاً من ((لنسفعن).
أما العكس فلا:
كما قال (الخليل والكسائي) بأن (لن) أصلها (لا أن)، فحذفت الهمزة تخفيفاً والألف للساكنين. واستبعد (ابن هشام) هذا الرأي أيضاً. ومآل ذلك أن (لن) لديه هي أصل ذاتها ولكن إذا كانت (لن) بخاصة هي أصل ذاتها، فمن أين أتتها وظيفة النفي؟. فاللام (للإلصاق والنون (للرقة والخفاء والاستكانة). يبدو لي أن (الفراء) قال الحقيقة فيما يتعلق بـ(لن) فبين (ألف) التنوين والنون علاقة قربى عريقة متبادلة. ف(إذاً) هي أصل (إذن) كما سيأتي. ولا يؤبه لِما قاله (ابن هشام) بأن الأصل (قلب النون ألفا، وليس العكس).
أما محاولة (الفراء) بصدد إعادة (لم) الى أصلها المزعوم في (لا)، فذلك يعود إلى عدم انتباهه الى الخصائص الإيمائية في (الميم) للجمع والضم، مما ينفي كل قربى بينها وبين الألف.
ومما ذكره (ابن هشام) بمعرض إثبات ضعف النفي بـ(لن)، أنها لا تفيد توكيد النفي ولا تأييده. وكذلك جواز تعليق منفيها على شرط، نحو: (لن آتيك إلا إذا دعوتني). ولا يقال ذلك مع (لم) كما أسلفنا.
وعلة نصبها للمضارع تعود إلى أن فعاليته قد توقفت بنفي وقوعه، فكانت الفتحة أولى به من الضمة للفعالية. ولما كان نفي المضارع بـ(لن) أقل شدة من نفيه بـ(لم) فلم يستحق السكون.
وهكذا اقتضى الذوق العربي الفطري أن ينصب المضارع الذي تدخل عليه أنْ بالفتحة حصراً.
3- إذَنْ

لم نجد رابطة واضحة بين معناها التراثي باعتبارها ((حرف جواب))، وبين خصائص أحرفها: (الهمزة والذال والنون). فهل ستنفعنا معانيها التراثية واستعمالاتها في الكشف عن معانيها الفطرية.
أولاً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

هي حرف جواب تنصب المضارع بشروط ثلاثة:
1-أن تتصدر الإجابة.
2-أن يليها المضارع الذي معناه الاستقبال.
3-ألاّ يفصل بين (إذن) وبين المضارع فاصل، إلا أن يكون الفاصل ((ظرفاً، أو مجروراً أو قَسَماً، أو حرف (لا)، أو منادى))، كما في الأجوبة التالية.
قال لك: سأزورك، فتجيبه: ((إذن أُكرمَك- إذن غداً أُكرمَك- إذن والله أكرمَك اذن لا أخيّبَ ظنّك- إذن يا عبد الله أُكرمَك)).
فهي تنصب المضارع عندما تتوافر لها هذه الشروط الثلاثة، ولكن عند وجود الفاصل، فالأكثر إهمالها.
وفي حال الوقت يحكمها مذهبان: إما أن تكتب (إذاً) بقلب (النون) ألفاً، وإما أن تكتب (إذن) بتثبيت (النون).
وأكثر استعمالاتها تقع جواباً لـ(إنْ) أو (لو)، كقول الشاعر:
((لئن عادني عبدُ العزيزِ بمثلها



وأمكنني منها (إذنْ) لا أُقيلَها)).


وقول الحماسي:
((لو كنتُ من مازن لم تَستْبحْ إبلي



بنو اللقيطة من ذهل بنِ شَيبانا))


((إذاً لقامَ بنْصري معشرٌ خشنٌ



عند الحفيظة إنْ ذو لوثةٍ لانا))


ثانياً- عودة إلى أصل تركيبها:

يشترط في (إذن)، أو (إذاً) كيما تنصب المضارع أن تتصدر الإجابة إطلاقاً. ولمّا كانت الإجابات التي تلي (إذن) لا يمكن توقعها، فهي تنطوي على عنصر المفاجأة لابد أن تكون مستمدة من خصائص (إذن) ذات الصدارة.
ولأخذ فكرة عن مسألة المفاجأة في (إِذن) يمكن مقارنتها بأي من حرفي الاستفهام (الهمزة وهل). فعندما نسأل مثلاً: ((أجاء زيد))، أو: ((هل نجح زيد))، فإن الإِجابة بـ (نعم) أو (كلاّ) متوقعة، لا تنطوي على عنصر المفاجأة. وذلك على العكس مما لو قال أحدهم: (سأزورك) فإن أي إجابة بعد (إذن) لا يمكن توقعها.
وهكذا من المرجح أن يكون أصل (إِذن) الناصبة: (إذْ) الفجائية، نحو: ((بينما أنا جالس( إذْ) أقبل زيد)). كما إِنّ (إذْ) الفجائية هذه، هي أيضاً (إذا) الفجائية نحو: ((خرجت، فإذا زيد واقف)).
ثم لحق (إذْ) الفجائية التنوين لفظاً فصارت (إذاً)، أو كتابة فصارت (إذنْ) وذلك تمييزاً لها عن (إذْ) الفجائية من جهة، وتميكناً للإجابة في ذهن السامع وإعطائها المزيد من الاهتمام.
فمن معاني (نون التنوين)، التمكين، ويسمى (تنوين التمكين)، كما سيأتي في (بحث (إنّ) وأخواتها.
ثالثاً- فماذا عن خصائص حرفي (إذْ) الفجائية ومعانيها الفطرية؟ وما تعليل نصب (إِذن) للمضارع؟

1-(الهمزة)- في أوائل المصادر هي للظهور والبروز والحضور أصلاً، ولكنها بصوتها الانفجاري تتضمن معاني التنبيه والمفاجأة كأي انفجار صوتي في الطبيعة.
2-(الذال)- ذات الصوت المهتز المضطرب، كان من معانيها المعجمية (الاهتزاز والاضطراب وشدة التحرك والقطع)، بما يتوافق مع صدى صوتها في النفس. وصوتها المهتز المضطرب من شأنه أن يثير أيضاً انتباه السامع، كأي صوت مهتز في الطبيعة، مما يدعم وظيفة (الهمزة) في المفاجأة.
وهكذا فإن محصلة الخصائص الفطرية لهذين الحرفين تتوافق مع حالات المفاجآت الصوتية في الطبيعة فنقلها العربي إلى حالات المفاجآت المعنوية في لغته..
وسنرى أن لحرف (الذال) وظيفة عريقة في إثارة انتباه السامع بمعرض حديثنا المقبل عن أسماء الإشارة (ذا- ذاك- هذا..)، كما سنرى أن العربي قد أفاد من خاصية الاهتزاز- والاضطراب في صوت (الهاء)، فاستعملها لإثارة انتباه السامع في بعض أسماء الإشارة (هذا- هؤلاء) وأسماء الأصوات وغيرهما. وهذا يعزز قولنا بأن الإجابة بـ (إذن) تتضمن معنى المفاجأة والتمكين. وبذلك تتوافق معانيها واستعمالاتها التراثية مع الخصائص الفطرية لأصوات- أحرفها.
وهكذا، فإن المضارع الذي يليها مباشرة يقع عليه حكم الجواب المفاجئ، فاستحق النصب لأنه غير متحرر من أحكام ما قبله.
وذلك على العكس مما لو كان بين (إذن) وبين المضارع موضوع الجواب أحد الفواصل المذكورة آنفاً، فإن حكم الجواب يتراخى عنه، فيخف وقع المفاجأة عليه. عندئذ يكون العربي حراً في نصب المضارع أو رفعه حسب مقتضى الحال، ولاسيما في الشعر الأصيل.
4- كَيْ

أولاً- حول خصائص حرفيها ومعانيهما الفطرية:

1-الكاف- للاحتكاك والتشبيه.
2-الياء- كحفرة صوتية، هي للنسبة الذاتية والمكان الخفيض.
ومحصلة معاني حرفيها تشير إلى وظيفتها الفطرية في جعل الفاعل يحتك بمفعوله، فيستكين لطلبه.
ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

هي حرف مصدرية ونصب. قد تستعمل مسبوقة بـ (اللام) التعليلية، نحو: ((ذهبت إلى المدرسة لكي أتعلمَ)).
وقد تستعمل غير مسبوقة بها، نحو: ((ذهبت إلى المدرسة كي أتعلمَ)). وقد اختلف النحاة في هذه الأخيرة. فبعضهم قال: هي المصدرية الناصبة. ومصدرها في محل جر بلام التعليل المحذوفة. وقال آخرون بل هي حرف جر. أما الناصب المضارع فهو (أنْ) المضمرة بعدها أي ((كي أنْ أنجحَ)).
أما نصبها المضارع فيما نرى فيرجع إمَّا الى وظيفتها، أو إلى (أن) المضمرة بعدها في تحميله رغبة الفاعل وقصده مباشرة في وجهي استعمالها: أمسبوقة كانت باللام التعليلية أو غير مسبوقة بها.
ففي قولنا ((درست (كي-لكي) أنجحَ)) قامت (كي) بتحميل فعل (أنجحَ) رغبتي وقصدي من الدراسة، على مثال ما يقع للمفعول به، فكانت الفتحة أولى به من الضمة والسكون.
ثالثاً: حول العلاقة الفطرية بين خصائص حرفي (كي) ومعانيها التراثية:

1-(الكاف) في(كي) قد جعلت (دراستي) في الأمثلة السابقة (تحتك وتتطابق) مع رغبتي في (النجاح).
2-أما (الياء) كحفرة صوتية، فقد جعلت (النجاح) يقع في حيز هذه الرغبة، فاستكان لها فكان مفعولاً به مؤولاً يستحق النصب كما ذكرنا آنفاً.
ومما يشير إلى صحة هذا التخريج أن (كي) تقبل دخول (لام) الإلصاق عليها في (لكي). وذلك لتوكيد خاصيتي (الاحتكاك والمطابقة) في وظيفتها الفطرية. فعبارة: ((درست لكي أنجحَ)) تكشف عن شدة رغبتي في النجاح أكثر من عبارة (درست كي أنجحَ). فمعاني (اللام) هنا هو اقرب للتوكيد، وهو أحد معانيها، كما أسلفنا في دراستها.
وبذلك تكون (كي) المصدرية المختصة بنصب الأفعال المضارعة هي إحدى مستحاثاتنا اللغوية.

¡¡





الفصل السادس-

الأحرف المشبهة بالفعل

هي: ((إنَّ- أنَّ- كأنَّ- لكنَّ- لَيتَ- لَعلَّ)).


تمهيد:

تدخل هذه الأحرف على المبتدأ والخبر: فتنصب الأول ويسمى اسمها، وترفع الثاني ويسمى خبرها، نحو: ((إنّ العلمَ نورٌ)).
وقد شُبهت بالفعل لأنها جميعاً مفتوحةُ الأواخر كالفعل الماضي، ولأنَّ الأسماء تنصب بها كما تنصب بالأفعال. ولأنَّ (نون) الوقاية تتوسط بينها وبين (ياء) المتكلم، كالأفعال: (إنني لكنني)) ولأن معانيها مما يؤدَّى بالأفعال: فحرفا (إنّ- أنّ) للتوكيد، وكأنّ للتشبيه، ولكنّ للاستدراك، وليت للتمني، ولعل للترجي، وهي من معاني الأفعال.
وما أحسب أن ثمة فئة من حروف المعاني هي أعصى على كشف العلاقة الفطرية بين خصائص حروفها ومعانيها التراثية من أحرف: ((إنّ- أنّ- كأنّ- لكنّ). وذلك لمشاركة (النون) في تراكيبها جميعاً. فإذا أضفنا إليها حرفي (إنْ وأنْ) مخففي (إنّ وأنّ) مع تسكين (النون)- أربعة منها وتشارك في تركيب الخامس منها. وعلى الرغم من ذلك، فلكل حرف معنوي منها معان- واستعمالات عديدة تختلف عما لغيره.
فما السر في هذه المادة الصوتية الرنانة النقية الأنيقة في (النون) التي تتغير معها معاني هذه الأحرف وتختلف استعمالاتها لكل طارئ يعترض النطق بصوت أي منها مهما يكن هذا الطارئ بسيطاً: من كسرة أو فتحة أو سكون أو تشديد أو تخفيف؟.
فما أشبه صوت (النون) بصوت الكمان، تختلف إيحاءاته باختلاف الأوتار التي يصدر عنها رخاوة أو شدة، وبما يتوافق مع تنقل أنامل العازف من موقع إلى موقع على ذات الوتر.
وهكذا يبدو لنا أن للنون معان ووظائف أخرى لم تستطع المعاجم اللغوية الكشف عنها جميعاً بالرجوع إلى المصادر التي تبدأ- أو تنتهي بها. فهل تستطيع حروف المعاني الألصق بفطرة اللغة العربية أن تقوم بهذه المهمة الشاقة.؟ سنرى.
1-إنَّ

أولاً- حول خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية:

1-(الهمزة)- هي بحكم انفجارها الصوتي توحي بالظهور والحضور والبروز. والكسرة تحتها مخفف (الياء) تشير إلى الذات في حركة معاكسة لموحيات (الهمزة) المفتوحة: (للظهور والعلانية).
2-(النون)- من معانيها المعجمية في أول المصادر: ((الصميمية والبطون والانبثاق والنفاذ) بما يتوافق مع صدى صوتها مضغوطاً عليه بشيء من الشدة والفعالية في هذا الموقع المتقدم من المصادر. كما أن من معانيها في نهاية المصادر: ((الرقة والأناقة والاستكانة والخفاء والاستقرار..) بما يتوافق مع صدى صوتها مرققاً منعماً في هذا الموقع الخلفي من المصادر.
ونظراً لأهمية الدور الذي تأخذه (النون) في معاني الأحرف المشبهة بالفعل وغيرها من الضمائر والأسماء يستحسن بنا أن نلقي عليها المزيد من الأضواء.
فماذا عن معاني (النون) النحوية؟

(النون) المفردة لدى (ابن هشام) على أربعة أوجه:
الوجه الأول: نون التوكيد الخفيفة والثقيلة، كما في سورة (يوسف/ 32) التي جمعت بينهما، ((ولئن لم يفعل ما آمره به ليسجننَّ وليكوناً من الصاغرين)).
-على أن التوكيد بالثقيلة أبلغ على رأي (الخليل) وهذا صحيح. يؤكد بالثقيلة والخفيفة صيغ الأمر مطلقاً، وفقاً لرغبة المتكلم. ولا يؤكد الماضي بهما إطلاقاً. وذلك في رأينا لعدم الجدوى. فعلى من يريد توكيد الماضي أن يقسم بالله على صحته أو يقيم الأدلة والبراهين. أما المضارع، فإن كان للحال لا يؤكد بهما لعدم الحاجة، وإن كان للاستقبال أُكِّد بهما كما في قوله تعالى: ((وتالله لاكيدنَّ أصنامكَم)).
الوجه الثاني: نون التنوين. وهي (نون) زائدة ساكنة تلحق أواخر الأسماء لغير توكيد، ولها خمسة أقسام.
1-(تنوين التمكين): وهو اللاحق للاسم المعرب المتصرف إعلاماً ببقائه على أصله، ويسمى أيضاً ((تنوين الأمكنية)) نحو زيداً ورجلٌ ورجالٍ).
أما الأقسام الأربعة الباقية فلا مجال لشرح معانيها واستعمالاتها، لأنها لا تفيدنا بمعرض حديثنا عن (النون) في الاحرف المشبهة بالفعل: وهي:
2-تنوين (التنكير). 3- تنوين(المقابلة) 4- تنوين (العرض) 5- تنوين (الترنيم).
الوجه الثالث: نون الإناث:
وهي اسم، نحو: (النسوة يذهبن))، وحرف، نحو: ((يذهبن النسوة))، في لغة من قال: (أكلوني البراغيث)). ووظيفة (النون) هنا تتوافق مع خصائصها الأنثوية رقة وأناقة واستكانة، كما كانت المرأة عليه في المرحلة الرعوية.
الوجه الرابع- نون الوقاية:
وتلحق قبل (ياء) المتكلم المنتصبة في حالات ثلاث:
1-الفعل متصرفاً، نحو: ((أكرمني))، أو جامداً، نحو ((عساني)).
2-اسم فعل، نحو ((دراكني)) بمعنى ((أدرِكْني)).
3-الحرف، نحو: ((إنَّني) وهي جائزة الحذف والإثبات في الأحرف المشبهة بالفعل: (إنّي). كما تلحق أيضاً قبل (الياء) المخفوضة بحرفي (من وعن) وبأفعال (خلا وعدا، وحاشا)) (مِنّي- عنّي- خلاني- عداني- حاشاني)).
ويطيب لي هنا أن أشبه وظيفة (نون الوقاية) اللغوية في هذه المواقع الحرجة، بما تضفيه على الكلام العربي من (رقة واناقة ورواء) بوظيفة الأنوثة في المجتمع الرعوية الخشن، بما كانت تضفيه عليه من رقة وأناقة وكياسة وجمال. فقلَّما خلت قصيدة جاهلية من التشبيب بالغانيات.
ثانياً- حول معاني (إنَّ) واستعمالاتها التراثية:

هي على وجهين:
1-(إنَّ) تكون حرف توكيد: تنصب الاسم وترفع الخبر، نحو: ((إنّ زيداً قائمٌ)).
2-حرف جواب بمعنى (نعم) كقول ابن قيس الرقيات:
((ويقلْنَ، شيبٌ قد علا



كَ وقد كبرتَ، فقلتُ: إنّه)).


أي قلت (نعم)، و(الهاء) للسكت. وهي كما نرى للتوكيد أيضاً، فالتوكيد يتحكم بمعانيها كيفما استعملت.
ولكن ما أصل خاصية التوكيد في (إنَّ)؟
لقد تبين لنا في دراسة (النون) أن أصول معظم معانيها واستعمالاتها تعود إلى خاصية البطون أو الصميمية) في طريقة النطق بصوتها. فصوتها يخرج من صميم الذات على صفاء ونقاء وبشيء من الفعالية.
ولقد أفاد العربي من هذه الخاصية فاستعملها للتعبير عن معاني (الانبثاق)، في حركة من الداخل إلى الخارج، كما لحظنا ذلك في معاني كثير من المصادر التي تقع في أولها، وقد بلغت (120) مصدراً جذراً في المعجم الوسيط كما أسلفنا.
كما أفاد العربي من هذه الحركة المنبثقة من الداخل إلى الخارج، فاستعمل (النون) للتعبير عن ذاتيته الإنسانية إلى ضمائر المخاطب في (أنت أنتم..) وذلك لحضوره بذاته في مواجهة المتكلم أما الغائب فقد حرم منها لعدم توافر هذه الشروط فيه على أن التعبير عن ذاتية الإنسان المتكلم تتجلى بأشد ما يكون التوكيد والرسوخ في كلمة (إنّي) وفقاً لخصائص أحرفها.
أ-(الهمزة)- انفجار صوتي من موحياته الظهور والحضور. أما (الكسرة) مخفف (الياء) فتشير إلى تحت)، وهنا إلى الذات ضمناً.
ب-(النون) المشددة، تشير إلى الصميمية بمزيد من التوكيد.
ح-(الياء)، في نهاية الكلمة، للنسبة إلى ذات المتكلم\.
وهكذا ما من كلمة في الدنيا تضاهي لفظة إنّي في التعبير عن رسوخ ذات المتكلم وتوكيدها في مواجهة العالم الخارجي. لا يدانيها في ذلك سوى كلمة (أنا) للظهور والبروز والتعالي في مواجهة العالم الخارجي أيضاً. ولكن بفارق بينهما من حيث توكيد الذات ورسوخها لصالح (إنيّ) أما أنا فأكثر شموخاً).
ومما يقطع بهذه العلاقة الفطرية بين (النون) والذات الإنسانية استعمال التراثيين (مَنْ) للعاقل أي للإنسان، و(ما) لغير العاقل أي للأشياء والحيوان.
لا بل إِن كلمة (إنسان) ذاتها، بـ (الهمزة) المكسورة التي تشير إلى الذاتية وتكرار (النون) فيها للذات الإنسانية على رقة وأناقة و(الألف اللينة) الفاصلة بينهما للامتداد والتعالي و(السين) للحركة: هذه الكلمة تصور واقع الإنسانية بأصوات حروفها كما قال(ابن جني): (سوقا للحروف).
ولئن كانت (إنّي) أكثر أحرفا من (إنَّ) وأعقد تركيباً، إلا أنها فيما نرى هي الأسبق في الزمن بمعرض توكيد ذاتية المتكلم من (إنَّ) لمجرد التوكيد. وذلك لأن حاجة الإنسان العربي لتوكيد ذاته المشخصة المحسوسة أسبق في الزمن من حاجته للتوكيد المجرد المعنوي. فالمعاني الحسية في الكلمة العربية هي أصل معانيها المجردة إن لم يكن إطلاقاً فبصورة عامة.
وهكذا يكون أصل (إنّ) هو (إنّي)، وليس العكس وذلك لأن خاصية التوكيد في (إنّ) هي في الأصل مقتبسة من خاصية توكيد ذاتية المتكلم في (إنّي)، بمواجهة العالم الخارجي فيما ترى، خلافاً لِما أجمع عليه اللغويون التراثيون.
فإذا لم يكن الأمر كما نراه، فإن معاني التوكيد في (إنَّ) وإخواتها تصبح اصطلاحية صرفة خلافاً للنهج العربي الأصيل بمعرض إبداع ألفاظه تعبيراً عن معانيه.
ولو أن الامر يتعلق بـ (إنَّ) فحسب لكان بالإمكان التساهل مع إجماع اللغويين التراثيين، ولكنه يتعلق بمعظم الأحرف المشبهة بالفعل، مما يطعن بأصالة اللغة العربية في هذا القطاع اللغوي العريق. ونحن في كل ذلك لم نعدُ الحقيقة، وإِن خفيت على أساتذتنا العظام.
2-(أَنَّ)

لقد سبق أن تحدثنا عن خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية في حديثنا عن (إنّ) مما لا جدوى من إعادته. ولكن الفروق بين معانيهما واستعمالاتهما تعود الى تحريك همزة (أَنَّ) بالفتح بدلاً من الكسرة. وسنرى مدى تأثير ذلك في معانيها واستعمالاتها التراثية.
فماذا عن معانيها واستعمالاتها التراثية؟

هي لدى (ابن هشام) على وجهين:
1-أنَّ تكون حرف توكيد تنصب الاسم وترفع الخبر. ثم يقول والأَصح أَنها فرع من (إنّ) المكسورة الهمزة.
2-ولكنه يعود سريعاً فيقرر: ((والأصح أيضاً أنها موصول حرفي مؤول مع معموله بالمصدرية)). فإذا كان الخبر اسماً مشتقاً فالمصدر المؤوّل يكون من لفظه، نحو: ((بلغني أنك منطلق))، أي ((بلغني انطلاقك)). وإِن كان الخبر اسماً جامداً، يؤول بالكون، نحو: ((بلغني أنَّ هذا زيد)) تقديره: ((بلغني كونه زيداً)) (مغني اللبيب ج2 ص40).
وهكذا يتراجع (ابن هشام) عن رأيه الأول من حيث كون (أنَّ) حرف توكيد ونصب، أو فرع عن (إنّ)، إلى أَنها: ((موصول حرفي مؤول مع معموليه بالمصدر)).
وذلك قريب من عمل (أنْ) الناصبة للمضارع. فتأويل قولي ((بلغني أنك منطلق)) بعبارة ((بلغني انطلاقك)) مماثل تماماً لتأويل قولي: ((سرني أن تنجح)) بعباره ((سرني نجاحك)).
وهذه الرابطة الموصولية المصدرية بين (أنْ) الناصبة للمضارع، وبين (أنّ) جعلت النحاة يعتبرون (أَنْ) المصدرية هي مخفف (أنّ). وبالرجوع إلى المحيط للانطاكي نجده قد أغفل خاصية (التوكيد) فيها، وجرى في ذلك مجرى (ابن هشام) بشيء كثير من الإيجاز.
وهكذا يتضح أن خاصية (التوكيد) في (أنّ) قد أضعفتها فتحة الهمزة إلى حد الضياع. فيتجاهلها (ابن هشام) وغيره، وانصرفوا عنها إلى خاصية المصدرية فيها.
والحقيقة إِن في قولك: ((بلغني أنّ زيداً رجل كريم))، إِنما هو مجرد إخبار يحتمل الصدق والكذب، ولو كنت صادقاً في نظر السامع. وذلك لتعلق صحة هذا الخبر بمدى صدق من أبلغني إِياه ولا مسؤولية شخصية عليَّ في ذلك.
أما في قولي: ((إنَّ زيداً رجل كريم))، فهذا حكم وليس مجرد خبر. وذلك لتعلق هذا القول بمسؤوليتي الشخصية. فما من أحد يثق بي يمكن أن يشك بصدق هذا القول، ولو اعتبرناه خبراً.
وإذن فإن خاصية التوكيد في (إنّ) مردها بالدرجة الأولى، على ما يبدو لي (كسرة) الهمزة أولاً. وذلك لأن (الكسرة) مخفف (الياء) تشير إلى ذات المتكلم كما سبق بيانه، فتضفي على معنى (إنّ) التزاماً شخصياً بصدق ما يقوله المتكلم بعدها.
أما خاصية التوكيد في (نونها) المشددة فمردها معاني الصميمية والذاتية فيها، كما أسلفنا.
وهكذا تتضافر المضامين الذاتية والشخصية في هذين الحرفين لتجعل من (إنَّ) حرف توكيد بالدرجة الأولى.
أما (أنّ) التي حُرمت من كسرة الهمزة فلم يبق لها إلا (النون) المشددة، مما أضعف من خاصية التوكيد فيها. وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه (النون) المشددة تضفي بعض التوكيد على ما يأتي بعدها. فقولك: ((بلغني أنّك مسافرٌ)) أَدعى للثقة بصدق هذا الخبر من قولك: ((بلغني سفرك)). وسنعود أيضاً إلى كسرة (الهمزة) عما قريب.
3-كأنّ

أولاً- حول خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية:

لما كنا استعرضنا آنفاً خصائص (الهمزة والنون المشددة) في (إنّ، وأنّ)، فانه يكفينا أن نستعرض هنا خصائص (الكاف) ومعاني (كأنَّ الفطرية).
(الكاف)- لقد سبق أَن استعرضنا معانيها الخمسة باعتبارها واحداً من حروف الجر، يمكن الرجوع إليها. فكان أهمها وأَثبتها جميعاً هو((التشبيه))، نحو: ((زيد كاسدِ)). أما معانيها في: (الاستعلاء والمبادرة والتعليل)، فلا تعنينا هنا. ولئن كان يعنينا معناها الخامس في (التوكيد) هنا، نحو: ((ليس كمثله شيء))، إِلا أَن هذا المعنى الفطري لـ(كأنّ)، هو التشبيه بشيء من التوكيد. فقولنا: ((كأنّ زيداً أسد)) أكثر توكيداً من قولنا: ((زيد كأسد)).
ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

عرض (ابن هشام) أَن أَكثرهم قال بأنها: حرف مركب من (الكاف + إنّ). فقالوا:
الأصل في: (كأنَّ زيداً أسد)): إنَّ زيداً كأسد. ففتحت همزة (إنَّ) لدخول الجار عليها وهو (الكاف) هنا. ويرى (ابن هشام) أَنها بسيطة. فأيهما الأصح؟
وهكذا قد ضعفت خاصية التوكيد في (كأنَّ) فبعدت أحكام ما بعدها عن اليقين والثبوت لعاملين اثنين:
أ-خاصية التشبيه المعتمدة في (الكاف). والتشبيه غير يقيني أصلاً.
ب-الفتحة على همزة (أنّ) كما أسلفنا.
وبذلك لم يبق لها من معاني التوكيد إلا القليل، فماذا عن معانيها التراثية؟
لقد ذكروا لها أربعة معان:
1-التشبيه وهو الغالب عليها، نحو: ((كأن زيداً أسد)).
2-الشك والظن، نحو: (كأنّك بالشتاء مقبل))، أي ((أظنه مقبلاً). وذلك لخاصية- التشبيه في (الكاف).
3-التحقيق: ذكره الكوفيون والزجاجي، كقول الشاعر:
((فأصبحَ بطنُ مكَّة مُقْشِعرّاً



كأنّ الأرضَ ليسَ بها هِشامُ)).


وقد اختلفوا في تأويل هذا المعنى. كان من رأي أحدهم: (أن الكاف) للتعليل وهو أحد معانيها، و(أنّ) للتوكيد، فهما كلمتان لا كلمة واحدة. وهذا المعنى فيما نرى، هو أكثر توافقاً مع الخصائص الفطرية للأحرف التي تشارك في تركيب (كأنّ) كما أسلفنا. وهكذا يكون معنى التحقيق مشوباً بالتوكيد.
4-التقريب: قاله الكوفيون وحملوا عليه قولهم: ((كأنك بالشتاء مقبل)) وكأنّك بالفرج آتِ وكأنَّك بالدنيا لم تكن وبالآخحرة لم تزل)). والتقريب مشوب أيضاً بالتوكيد.
وهكذا على الرغم من ضعف خاصية التوكيد في (كأنّ) يفعل (كاف) التشبيه والهمزة المفتوحة كما أسلفنا، فقد حفظت لها (النون) المشددة بعض التوكيد في معانيها، إرثاً شرعياً عن (أنَّ).
4-لَكنّ

أولاً- حول خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية:

1-(اللام)- من معانيها الفطرية الإلصاق والجمع، ومن معانيها النحوية التراثية. الاستحقاق- والتملك، وكذلك التوكيد، كقوله تعالى: ((لم يكن الله ليغفر لهم (69)، كما أسلفنا في دراستها مع حروف الجر.
2-(الكاف)- من معانيها الفطرية (الاحتكاك)، ومن معانيها النحوية التراثية، (التشبيه والتوكيد، كقوله تعالى: ((ليس كمثله بشيء))(70)
3-(النون)- سواء أَكانت مخففة أو مشددة، من معانيها التراثية (النحوية) التوكيد كما أسلفنا.
وهكذا كان التوكيد هو القاسم المشترك بين معاني أحرفها جميعاً، مما يتوافق مع أحد معاني (لكنّ) التراثية في التوكيد.
أما الصلة بين خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية وبين أحد معاني (لكنّ) في الاستدراك، فهي غامضة، فهل ستكشف عنها معانيها التراثية؟.
ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

يثبت (ابن هشام)، في معانيها ثلاثة أحوال:
1-(الاستدارك): وهو المشهور. وفسَّروه بأن ينسب لما بعدها حكم مخالف لحكم ما قبلها ولذلك لابد أن يتقدمها، إما كلام مناقض لما بعدها، نحو: ((ما هذا ساكناً، لكنه متحرك))، وإما ضدّ له، نحو: ((ما هذا أبيض، لكنه أسود)).
2-ترد تارة للاستدارك وتارة للتوكيد. وقد فسر بعضهم الاستدراك، بأنه نفي لما يتوهم ثبوته، نحو: ((ما زيد شجاعاً، لكنه كريم)). وذلك لأنّ الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان، فاستدرك الكرم لزيد كي لا يتوهم السامع انه غير كريم، لتلازم المعنيين في ذهنه.
ومثلوا للتوكيد بقولهم: ((لو جاءني أَكرمته، لكنّه لم يجئني)). فأكدت (لكنّ) ما أفادته (لو) من الامتناع.
3- انها للتوكيد دائماً مثل (إنّ) ويصحب التوكيد معنى الاستدراك. وهو قول (ابن عصفور) ولم يضرب له مثلاً.
ونحن أميل إلى الأخذ بقول (ابن عصفور) وإن لم يضرب له مثلاً، وذلك لتوافقه مع الخصائص الفطرية لأحرفها ومعانيها، كما أسلفنا، ومع الحالتين الآنفتي الذكر أيضاً. فالتوكيد فيهما منصبّ إطلاقاً على ما يليها. فالتحرك، والسواد والكرم، وعدم المجيء في الأمثلة السابقة، قد وقع التوكيد عليها مباشرة بـ (لكنّ). كما أن هذه الأمثلة تتضمن الاستدراك أيضاً. وذلك لأن حكم ما بعدها- مخالف أو مغاير أو مناقض لما قبلها، إما صراحة أو ضمناً. فكان التوكيد والاستدراك مصاحبين لها مما يتوافق مع خصائص التوكيد في أحرفها ولا سيما خاصية الالصاق في (اللام)،
5-ليْتَ

أولاً- حول خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية:

1-(اللام)- للإلصاق والجمع.
2-(الياء)- تشير إلى تحت، فتأخذ في الذهن صورة الحفرة الفاصلة.
3-(التاء) للرقة والضعف.
فتكون محصلة معاني أحرفها: الإلصاق عبر فاصلين اثنين، مما يجعل تحقق الآمال المعلقة عليها صعبة المنال، فالياء والتاء، تفصلان (لام) الإلصاق عن متعلقها، مما يضعف الصلة بين (اللام) وبين ما بعدها فلا تتجاوزهما على مثال ما أضعفت (الألف والتاء) (خاصية النفي في (لات) كما سيأتي:
ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

ليت حرف تمني يتعلق بالمستحيل غالباً كقول الشاعر:
"فيا ليتَ الشبابَ يعودُ يوماً



فأخبرَه بما فعلَ المَشيبُ".


وبالممكن قليلاً، نحو: (ليت المدخن يقلع عن التبغ).
وإذا اقترنت بها (ما) الزائدة، لا يلغي اختصاصها بالأسماء، فيقال: (ليتما زيداً جاء) ولا يقال: (ليتما جاء زيد).
وهكذا تتوافق الخصائص الفطرية لأحرف (ليت) مع معانيها التراثية. فالحفرة الصوتية في (الياء) وموحيات الضعف في صوت (التاء)، أضعفا خاصية الإلصاق في (اللام) إلى حدّ التلاشي.
6-لَعلّ

أولاً- حول خصائص أحرفها ومعانيها الفطرية:

1-(اللام)- للإلصاق معجمياً والجمع نحوياً.
2-(العين)- من معانيها العيانية والعلو والفعالية والإحاطة.
3-(اللام المشدودة)- للمزيد من الإلصاق والالتصاق.
فتكون محصلة معاني أحرفها الإلصاق بعيانية وشدة.
ثانياً- حول معانيها واستعمالاتها التراثية:

لها ثلاثة معان:
1-التوقع: وهو ترجي المرغوب (لعل أخاكَ ناجحٌ). وسنعود إلى هذا المعنى مع أحرف التمني والترجي. كما ترد للإشفاق من المكروه، نحو: "لعلّ صديقَك مريض). أي أخشى أن يكون مريضاً.
2-التعليل، كقوله تعالى: (فقولا له قولاً لعلّه يتذكّر أو يخشى)(71).
3-الاستفهام كقوله تعالى: "وما يدريك لعلّه يزّكّى"؟(72).
على إن (التوقع) فيما نرى هو الغالب على معانيها جميعاً.
ففي قوله تعالى: "لعله يتذكّر"، وإن جاء تعليلاً للقول اللين، إلاّ أنّ التذكر متوقع منه غير مستبعد. مما يفيد الترجّي.
وفي قوله: (لعلّه يزْكّى)، وإن جاءت في موقع الاستفهام، إلا أن التزكية متوقعة غير مستبعدة مما يفيد الترجي. أيضاً.
وهكذا تلتقي الخصائص الفطرية لأحرفها مع معانيها التراثية وأصول استعمالها على الرغم من أن هذه الكلمة قد أبدعت في مرحلة لغوية متطورة، لمشاركة (العين) الرعوية في تراكيبها.
ولكن لماذا تنصب الأحرف المشبهةُ بالفعل الاسمَ وترفع الخبرَ؟
يقول (الغلاييني):
"معنى (إنّ وأنّ) التوكيد. فهما لتوكيد اتصاف المسند إليه بالمسند". (جامع الدروس العربية: ج2 ص303).
وإذن ففي قولنا: (إن زيداً كريم) قد تم توكيد إسناد الكرم إلى (زيد). بمعنى أنه قد وقع على (زيد) توكيد الكرم، فاستحق النصب بالفتحة ليتحمل وقع الإسناد. أما (خبرها) كريم فهو مجرد مسند لم يقع عليه أي حكم أو التزام فبقي على حاله من الرفع بالضمة.
وهكذا الأمر مع بقية الأحرف المشبهة بالفعل، من حيث تحمل الاسم أحكام (التشبيه والتوكيد مع (كأنّ)، والاستدراك والتوكيد مع (لكنّ)، والتمني مع (ليت) والترجي والتعليل مع (لعلّ)، فاستحق اسمها النصب بالفتحة، وبقي خبرها على حاله مرفوعاً بالضمة كما لحظنا ذلك مع (إنّ وأنّ).
ويطيب لي أن أتساءل هنا أيضاً:
لماذا ترفع الأفعال الناقصة الاسم وتنصب الخبر؟
يقول الغلاييني:
"الفعل الناقص (كان وأخواتها) هو ما يدخل على المبتدأ والخبر، فيرفع الأول تشبيهاً له بالفاعل، وينصب الآخر له بالمفعول به"- (جامع الدروس العربية ج2 ص275).
ويقول الأَنطاكي:
".. فالواقع أن الفعل الناقص (أي الذي أفُرغ من مضمونه وأصبح مجرد أداة) لا يفقد شخصيته الفعلية تماماً، إذ نراه يتخذ من المبتدأ ما يشبه الفاعل الذي كان له في حال تمامه"، أي قبل تفريغه من مضمونه. (المحيط ج2 هامش ص6). وينصب الخبر باعتباره يشبه المفعول به، على وجه ما ذكر الغلاييني أيضاً، وهو صحيح على ذكاء ونباهة.


¡¡

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59