عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 01-17-2013, 09:45 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

تستند الرواية إلى تشخيص الذات الموبوءة بالشر والقبح والطغيان والتسلط والعدوان. بمعنى أن خنساسا يحتفي بذاته الإلهية باعتبارها ذاتا لاتؤمن إلا بالقبح والكراهية واحتقار الآخرين:

" لكن..

ماذا صنعت بحب الناس لي،

كي أخشى الآن من كراهيتهم؟

ماذا يضير،

إن أنا ذهبت رأسا لأوبخهم واحدا واحدا،

يرفع إكليل البشاعة إلى خياشيم البشر؟

أنا الذي شغلتني شؤون الذوق في شعشعان شبابي،

واستدرجتني يوما فيوما؛ عاما فعاما..

إلى أبهى ورطة في الحياة،

فانشغلت بكل ما أوتيت من لمعان القلب،

بضبط أسارير الوجوه، وتخطيط صور شخصانية للأنبياء،

والفلاسفة، والآلهة، والأبطال، وسكان الأساطير،

والملائكة، والشياطين.."[31]



كما تشخص الرواية واقعا محبطا تنعدم فيه القيم الأصيلة، هذا الواقع أشبه بواقع كابوسي مخيف، يسود فيه القبح والكراهية والدنس والأوساخ البشرية. ومن ثم، يحيلنا هذا الواقع على نفس العالم الفانطاستيكي الذي شخصه بنسالم حميش في روايته:"سماسرة السراب"[32]. إنه أشبه بمطهر سلبي يتحول فيه الجمال إلى قبح وفضاضة وخساسة ودناءة، إنه عالم وحشي سريالي يتأرجح بين الوعي واللاوعي، يتحول فيه الإنسان إلى كائن شبحي مخيف، وإنسان مأساوي منحط، يثير التقزز والاشمئزاز. حتى إن أسماء الشخصيات(خنساسا، ولوتونيوس، وحكير، وحتشو، وزوا، وبدودو، وزرزا، ودديس، وزوسفانا، والسكري، وخمبي..) دالة على التعفن، والعري، والموت، والخساسة، والحقارة، والتدمير النووي، وانتشار الأمراض والأوبئة، وضآلة الإنسان قيميا واجتماعيا ووجوديا. ويعني هذا أن الشخصيات الموظفة في الرواية لاعلاقة لها بالجمال والحسن والصحة والسلامة والأمن، بل هي شخصيات أسطورية ولاهوتية خارقة ، تنتمي إلى عالم الشر والقبح والموت والكراهية، لاتعرف الرحمة ولا الشفقة ولا الإنسانية . وخير مقطع نصي يشخص لنا واقع الرواية مايصرح به خنساسا إله القبح والدمار والمكائد:

" هذه الأرض لي،

أفتض أوزونها، وأقذف في أحشائها نطفتي الحارقة،

عسى أن تحبل بموت وسيم مني..

مني أنا، وليس من سواي.

أنا خنساسا العظيم!

ليس بعدي سوى السديم والخراب العميم،

هذه الأرض المضطجعة فوق بساط من أنانية الإنس، لي.

وأنا أقدر المصائر فيها كما أشاء،

فلنواضب الآلهة العظام،

على جعل العروس مشتهاة بين ذراعي.

وليعطر فستانها الشفاف الإله الصموت يوران

بمزيد من اليود وأكاسيد النيتروجين،

والفلور والأحماض والبروم والسيزيوم والكلور والزئبق،

والنوشادر والزرنيخ والميثانول والسارين،

وليسارع كل إله إلى ماهو منوط به!"[33]

هذا، وتخص الرواية نفسها بفضح اللعبة السردية، والتشديد على الوظيفة الشعرية للرواية، واستكشاف طرائق التحبيك والتخطيب ضمن ما يسمى بالرومانيسك، أو الرواية داخل الرواية، أو ما يسمى أيضا بالميتاسردي، كما يبدو ذلك واضحا في هذا المقطع النصي:"حسب التخطيط السردي الذي كنت- أنا الكاتب- قد ضبطته لروايتي هذه، كان من اللازم أن يقضي خنساسا وقتا أطول في المارستان؛ حتى يتسنى للأطباء، أن يقفوا على جملة من التناقضات المحرجة التي سيقع فيها دديس، وحتى يعهد لزرزا بشق آلهة جديدة تتولى بدورها خدمة كبير الآلهة تلك التواطؤات المريبة التي سطرت- حسب المجرى المرسوم لوقائع الرواية دائما- من أجل وضع خنساسا أمام اختيارات صعبة للغاية، ليختار في النهاية التخلي عن قناعه لديمومة الموت من غير أن يولي اعتبارا للمصير الحقير الذي كان سيؤول إليه دديس وزوسفانا اللذان شرعا من تلقاء ألوهيتهما يهتديان إلى تبديد حيرتهما المشتركة بالركون إلى بعضهما البعض، والتفاني في تدبير ما أنيطا به منذ البدء من لدن القبضة الخلاقة.

كان من الضروري أن يلتزم خنساسا بالتصميم المسطر للرواية، وينتهج المسالك التي شققتها له بعد نظر عميق مدجج بشتى الهندسات، وألا يتهور ويتسلل من سراديب الكتابة إلى ضوء الكينونة الفاضحة، ملقيا ظل جبروته علي أنا أيضا. كان عليه- على الأقل- ألا يغدر بي، ويغادر المستشفى في زحمة الزوار الخارجين؛ ليهرول هاربا عبر شارع البهلوان جان بول، ثم ليقف في مشتبك الطرق المحاذي لقصر العدالة، متقمصا دور شرطي يوقف حركة المرور؛ كأنما ليفسح الطريق لمرور موكب شخصية رسمية من شخصيات الدولة."[34]

ومن هنا، فالشخصيات التي تتضمنها الرواية شخصيات أسطورية وملحمية ورمزية تحمل في طياتها – كما قلنا سالفا- دلالات القبح والموت والدمار.كما أن مسمياتها العلمية خاضعة بشكل من الأشكال لعمليات الاشتقاق والسخرية والتحوير والتوليد كالسكري الدال على المرض والوباء، وبدودو الدال على التبذير والإسراف، ويدل بلوتونيوس ويوران على الدمار الكوني، ويشير حكير إلى الحقارة والزراية، ويحيل اسم حتشو بالأمازيغية على الفرج والحيض...ويعنى هذا أن الكاتب يوظف أسماء علمية غريبة غير معروفة في عالم الواقع و الألفة.



& #191;آليــــة التخطيــب:



استعمل الكاتب في بناء روايته وتخطيبها مايسمى بالرؤية المصاحبة أو ما يسمى بالمنظور الداخلي، حيث شغل ضمير المتكلم الأنسب للشعر والمنولوجات الطويلة، كما يظهر ذلك جليا في الرواية. كما أن الراوي حاضر داخل القصة بشكل من الأشكال، ويشارك باقي الشخصيات الأخرى في إنجاز الأفعال والأعمال. ويقوم هذا الراوي أو السارد في هذه الرواية بوظائف عدة، كوظيفة السرد الطبيعية، ووظيفة التنسيق، ووظيفة الانفعال، ووظيفة التبليغ، ووظيفة الأدلجة، ووظيفة التقويم... ويلاحظ أن هذه الرواية بوليفونية المنحى نظرا لتعدد الرواة والسراد على غرار رواية:"لبعة النسيان" لمحمد برادة[35]، حيث يتولى خنساسا السرد في البداية، ليحل محله الكاتب، بعد أن خانه ذلك الراوي الزائف:"يجوب [يقصد خنساسا] الأزقة والشوارع والساحات مثل فرس جموح، أو كأنما تسكنه صاعقة مراهقة، يجوب الأمكنة وأنا أتبعه على مضض، ينسف السابلة بسؤاله، يصافح الجدران مثل أشخاص يعرفهم، يحيي الفراغ، يقف على قدم واحدة، يرشف بلا استئذان من فناجين الجالسين حول طاولات المقاهي، يسير إلى الخلف، يقلد هرير السيارات بفمه، يقهقه، يرقص بلا ضوابط على إيقاعه الخاص، يقبل الشبابيك الأوتوماتيكية للأبناك بحرارة، يفرد ذراعيه كأنهما جناحان ويهم بالطيران، يصيح بأسماء الآلهة..حكير، زوا، بدودو، زرزا، يوران، بلوتونيوس، دديس، حتشو...ويتخذ في أماكن بعينها هيئة نصب تذكاري.

فكان علي أن استرد زمام السرد!

ها أنذا أتولى بنفسي مقاليد الحكي، وأستأنف ماغاص من تفاصيله في حمإ المقلب الرهيب الذي دبره لي من غير سابق إشعار ذلك النذل المستهتر الذي فتقته في لحظة عنف جبارة من فضاء مرحاضي مشبوب بشرر الملاحم، وسميته الاسم الذي يرضى، وهيأت له آلهة تامة وأنصاف آلهة تدين له بالطاعة والولاء، وتواطأت معه تحت أجنحة الخفاء الدامس ضد غرمانه العتاة، ورففت له الأرض من دون اللآلهة قاطبة، وصقلته لحظة لحظة.. بحنكة الأدباء الكبار، واستأمنته على سردي.

استأمنتته على سردي-ابن الكلب - فخانني!"[36]

ويتمثل هذا التعدد البوليفوني في تنوع الأساليب (أسلوب شعري ذاتي وأسلوب سردي موضوعي)، والتأرجح بين الشعر والرواية. ومن ثم، "فالرواية المتعددة الأصوات ذات طابع حواري على نطاق واسع. وبين جميع عناصر البنية الروائية، توجد دائما علاقات حوارية.أي: إن هذه العناصر جرى وضع بعضها في مواجهة البعض الآخر، مثلما يحدث عند المزج بين مختلف الألحان في عمل موسيقي. حقا إن العلاقات الحوارية هي ظاهرة أكثر انتشارا بكثير من العلاقات بين الردود الخاصة بالحوار الذي يجري التعبير عنه خلال التكوين، إنها ظاهرة شاملة تقريبا، تتخلل كل الحديث البشري وكل علاقات وظواهر الحياة الإنسانية، تتخلل تقريبا كل ماله فكرة ومعنى."[37]

وعليه، تتكىء الرواية أسلوبيا على التنضيد، والتهجين، والتناص، والأسلبة، وتداخل الأجناس الأدبية. ومن هنا، فلغة الرواية :"هي لغة منضدة طبقات، ومتعددة لسانيا بمظهرها الملموس الذي هو دلالي وتعبيري في نظر الغير. ويكون ذلك التنضيد له علاقة وثيقة بالأجناس الأدبية (تنضيد اللغة إلى أجناس)، فيكون الحديث عن اللغة الشعرية، واللغة المقالية، واللغة الصحفية،....وهناك تنضيد آخر نسميه التنضيد اللغوي المهني(تنضيد اللغة إلى مهن)، كأن نشير – مثلا- إلى لغة المحامي، ولغة الطبيب، ولغة السلطان، ولغة الفقيه، ولغة التاجر، ولغة السياسي، ولغة المعلم...إلخ.

وهكذا، فجميع:" لغات التعدد اللساني، مهما تكن الطريقة التي فردت بها، هي وجهات نظر نوعية حول العالم، وأشكال لتأويله اللفظي، ومنظورات غيرية دلالية وخلافية. بهذه الصفة، يمكنها جميعا أن تتجابه، وأن تستعمل بمثابة تكملة متبادلة، وأن تدخل في علائق حوارية.بهذه الصفة، تلتقي وتتعايش داخل وعي الناس، وقبل كل شيء داخل وعي الفنان- الروائي الخلاق.وبهذه الصفة أيضا، تعيش حقيقة، وتصارع، وتتطور داخل التعدد اللساني الاجتماعي.ولأجل ذلك، تستطيع جميع اللغات أن تتخذ موضعا لها على صعيد الرواية الفريد الذي يمكنه أن يجمع الأسلبات البارودية للغات أجناس متنوعة، ومظاهر مختلفة من أسلبة وتقديم لغات مهنية ملتزمة، مع لغات أجيال تشتمل على لهجات اجتماعية وغير اجتماعية...جميع تلك اللغات يمكن أن يجتذبها الروائي لتنسيق تيماته، وتخفيف حدة التعبير (غير المباشر) عن نواياه وأحكامه القيمية. لأجل ذلك، نلح باستمرار، على المظهر اللغوي، الدلالي والتعبيري. أي: القصدي، لأنه القوة التي تنضد وتنوع اللغة الأدبية، ولا نولي نفس الاهتمام للعلامات اللسانية (زخارف المفردات، وتناغمات المعنى، إلخ...) في لغات الأجناس والرطانات المهنية وغيرها، لأنها، إذا جاز القول، رواسب متحجرة عن سيرورة النوايا، وعن العلامات التي أهملها العمل الحي الذي تنجزه النية المؤولة للأشكال اللسانية المشتركة.إن تلك العلامات الخارجية، ملحوظة ومثبتة من وجهة النظر اللسانية، لايمكن فهمها ودراستها بدون فهم تأويلها المقصدي."[38]

ويعني هذا أن اللغات والأساليب التي يستعملها الكاتب أو السارد الضمني تحمل في طياتها مواقف إديولوجية مختلفة. وبالتالي، تتحول تلك اللغات المنضدة والمهجنة إلى أقنعة دلالية ورمزية وسياسية في خدمة أطروحة الكاتب وأطروحات شخصياته المتصارعة.

وعليه، ينتقل الكاتب من أسلوب التذويت، والبوح، والاعتراف، والتصريح المباشر في شكل حوارات داخلية ومنولوجات طويلة مبنية على ضمير المتكلم، إلى السرد الموضوعي القائم على الخطاب المسردن تارة(هيمنة السرد)، والخطاب المعروض تارة أخرى(هيمنة الحوار)، ويوجد كذلك ما يسمى بالأسلوب غير المباشر الحر الذي يختلط فيه كلام الشخصية مع كلام السارد، ويصعب التمييز بينهما بشكل جلي. وإليكم نموذجا من الخطاب الذاتي الذي يتخذ شكل منولوج شاعري قائم على ضمير المتكلم وهو على لسان خنساسا:

"فها أنا أتطلع نحو الأعلى عسى أن أقرأ في الأعلى مصيري،

وأطل نحو الأسفل عسى أن أتبين قعر الهاوية.

وهاأنذا ألتف حولي،

وأعرض العمر في شريط سريع،

وأستحث كل التفاصيل على النهوض في مفازاتي،

وإن كنت أعترف للسديم بالثقوب التي أحدثها القلب في السحايا،

فإنني مازلت أذكر ومضات الفتوة،

ونظرات الخليلة التي فرت من حصة الفيزياء،

لتجلس قربي فوق مصطبة المحطة الطرقية؛

تحرسني من الأخريات،

في انتظار إقلاع حافلة الغياب.

مازلت أذكر ال***ة والهدير والسحنات والسخام والجدران..

والمتسولين بالكمنجة والطر،

والمشعوذين والنشالين ورنين القرابين.."[39]

وقد يتحول هذا الأسلوب الحواري إلى حوار داخلي، يعبر عن التمزق النفسي، والصراع الداخلي، والتبرم من هذا العالم الفانطازي الملوث: " كان الضوء المنظم لحركة المرور جاحظا في أعلى العمود الحديدي الأخضر يغير لونه بانتظام وانضباط؛ لكن بلا معنى، وكنت أحدث نفسي في لجة اللغط المتنامي: هل كنت قادرا على زرع كل هذه البلبلة والفوضى بمجرد وضع الكون في حضن طقس فانطازي؟ هل كنت قادرا على استفزاز سهو الناس وصحوهم في نفس الآن، بمجرد خيانة طفيفة اقترفها في حقي إله حقير؟ هل أفجر نفسي- هكذا- في فضاء عمومي، وأصيح في الناس أن هو إلا كائن من علكة الخيال؟ هل يمكن أن يكون هذا الذي أرى كله كابوسا سينطفىء بعد حين؟..

هل أكون قد جننت من غير أن أعلم؟!"[40]

ومن جهة أخرى، يستعمل الكاتب الأسلوب غير المباشر الحر كما في هذا المقطع السردي:" هكذا تكلم اللعين المتنطع خنساسا، وهو يفتتح حفل الاحتفاء به؛ فيما كانت الآلهة تنصت مشدوهة لرنات كلامه، وتتطلع بكل انبهار وخشوع إلى كل نأمة ينأم بها، فخض خلايا ذهني أن أسترد سردي فألفيه- مرة ثانية- قد استقل عني، وانساب عبر مساربه المسطرة كما لو كنت أنا سائسه!

يالفظاعة عراني من الجدوى!

إخ من هذا السرد القحوب ينصاع حتى لشخوص من علكة الوهم!!"[41]

وتستند اللوحات الشعرية الشذرية كذلك إلى مجموعة من الآليات التعبيرية كالتوازي، والتكرار، والتجنيس، والمشاكلة، والالتفات، والمطابقة، والمقابلة، والمماثلة، والانزياح، والاستعانة باللازمة الشعرية والسردية (أنا خنساسا)...



& #191;آليــــة التوصيف:



من المعلوم أن الوصف ينصب على الشخصيات، والأمكنة، والأشياء، والوسائل. ومن هنا، فقد حظيت الشخصيات في رواية:"ألواح خنساسا" بحصة الأسد، باعتبارها كائنات أسطورية فانطازية غريبة غير مألوفة في عالمنا الواقعي هذا. بمعنى أنها شخصيات تألهت وتأسطرت لتسحق بني البشر بالقوة الخارقة والبطش النووي.وقد استعمل الكاتب في وصفه الاستعارة، والتشبيه، والنعت، والتمييز ، والحال، واسم التفضيل، والمجاز، والسخرية:" كان خنساسا هائج الأبعاد،صاعق النظرات، متوفز الملامح، بادي الكشكوشة عند ملتقى الشفتين، لايستطيع أحد أن يقترب منه ؛ وهو يصرخ باسترسال ولهفة في وجوه الجماهير: إلى أين؟ إلى أين؟ فأحسست أن هذا السؤال الذي يسكن خنساسا نابع من صلب رؤيتي للعالم، كنت أنا نفسي سأجعله في موقف ما يطرحه في وجه الإنسان، ووسعت إدراكي لمحنتي، واهتديت إلى رحابة الصدر وضرورة التعامل مع أوقاتي العصيبة بمزيد من السياسة والدهاء، عسى أن يعود خنساسا من تلقاء عصيانه إلى مجرى الواقع كما هي مسطرة في تصميم الرواية.

كان يسقسق وراءه عدم خاطف!

يضرب في أعماق المدينة وأنا أتبعه..

يجوب الأزقة والشوارع والساحات مثل فرس جموح، أو كأنما تسكنه صاعقة مراهقة، يجوب الأمكنة وأنا أتبعه على مضض، ينسف السابلة بسؤاله، يصافح الجدران مثل أشخاص يعرفهم، يحيي الفراغ، يقف على قدم واحدة، يرشف بلا استئذان من فناجين الجالسين حول طاولات المقاهي، يسير إلى الخلف، يقلد هرير السيارات بفمه، يقهقه، يرقص بلا ضوابط على إيقاعه الخاص، يقبل الشبابيك الأوتوماتيكية للأبناك بحرارة، يفرد ذراعيه كأنهما جناحان ويهم بالطيران، يصيح بأسماء الآلهة..حكير، زوا، بدودو، زرزا، يوران، بلوتونيوس، دديس، حتشو...ويتخذ في أماكن بعينها هيئة نصب تذكاري."[42]

وقد أسبغ الكاتب على شخصياته صفات القبح، والسوداوية، والفضاضة، والدناءة، والخساسة، بل إن شخصياته شخصيات فانطازية مرحاضية تقتات البراز، والقيح، والحيض، وتتلذذ بالأوبئة والأمراض الفتاكة. أي: إنها شخصيات ملوثة منحطة وموبوءة كشخصيات ألبير كامو، وكافكا، وبنسالم حميش في روايته:"سماسرة السراب"، ويحيى بزغود في روايته:"الجرذان".. وفي هذا الصدد، يقول السارد واصفا شخصياته المرحاضية الدونية:"كان خمبي بكوبه البلاستيكي ذاته قد شرع في نقل رحيق القصعة الرقطاء إلى شفاه الآلهة،وبدأت باحة المرحاض تمور بكائنات وشخوص لم تكن مسجلة بالمرة في جذاذتي الخاصة بهذه الرواية، كائنات تتفتق تباعا من رحم الظلمة، وتتحرك في ألفة وتبرج وغنج في أحضان القوس الإلهي، كائنات شرشفت عيون الآلهة بشراشف الشبق وخلبت ألبابهم، وصرفت أنظارهم عن طلعة خنساسا، ودب في عروق الأنوناكي نسغ النزوات، وانفتحت أسارير الآلهة عن مشاعر القرف والاشمئزاز، حتى كدت أهب واقفا من لسع الحنق ولطم المهانة، وضنك تدبير العيش والسرد لشخوص جديدة بتلك البشاعة والكثافة، واستحضرت بيني وبين نفسي- بالموازاة مع مأساتي- مقياسا راجحا لدرجات الحنق، من خلال استحضار مشهد امرأة يفاجئها بعلها بكوكبة من الضيوف قبيل ميقات النوم، فلا تجد سوى المطبخ مكانا مناسبا للانفجار!"[43]

وهكذا، ينقر الكاتب من خلال وصفه هذا على ثنائية المقدس والمدنس، والهامش والمركز، للتنديد بعالم التناقضات الذي انحط فيه الإنسان، وتقزم وجوديا، وتهاوى قيميا في الحضيض.

علاوة على ذلك، يصف الكاتب كذلك أفضية فانطازية تتأرجح بين الغرابة والألفة، وبين الواقع واللاواقع.ويعني هذا أن التخييل الفانطاستيكي الغريب هو الذي يتحكم في تقنية الوصف المكاني، حينما يفتقد المعنى، وتغيب الدلالة، ويتحول المعقول إلى لامعقول:"كان الضوء المنظم لحركة المرور جاحظا في أعلى العمود الحديدي الأخضر يغير لونه بانتظام وانضباط؛ لكن بلا معنى، وكنت أحدث نفسي في لجة اللغط المتنامي: هل كنت قادرا على زرع كل هذه البلبلة والفوضى بمجرد وضع الكون في حضن طقس فانطازي؟ هل كنت قادرا على استفزاز سهو الناس وصحوهم في نفس الآن، بمجرد خيانة طفيفة اقترفها في حقي إله حقير؟ هل أفجر نفسي- هكذا- في فضاء عمومي، وأصيح في الناس أن هو إلا كائن من علكة الخيال؟ هل يمكن أن يكون هذا الذي أرى كله كابوسا سينطفىء بعد حين؟.. هل أكون قد جننت من غير أن أعلم؟!"[44]

وقد يختلط الوصف الشخوصي بالوصف المكاني، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الرواية ذات طبيعة مزدوجة: رواية شخوصية ورواية مكانية بامتياز. لكن تشترك الأوصاف كلها في البشاعة والغرابة والقبح:" جلس خنساسا واضعا يديه فوق ظهري الممهد، وقد تحلقت حوله الآلهة في هيئة قوس تلقائي بديع،- لم تكن هندسته مسطرة بذلك الشكل في جذاذتي الخاصة- قوس يبدأ من اليسار برب المجاري حتشو الفتي الممسك بباب المرحاض في مباهاة وخيلاء،ويمتد من خلال حكير القاعد أرضا قعدة المنصهر في طقوس اليوغا، فربة الضوضاء ميرا المشرئبة بعنقها بحثا عن جرعة ضجيج تداري بها هدوء المجلس، فبدودو المفتون في نفس الآن بسيد الآلهة، وبما يعتمل فوق المصطبة من أنين وزفرات وسعال، فزوا الجذلان دوما بسريان شريعته في أرجاء الأرض، فيوران المعتد بفحولة أكاسيده، وينتهي القوس إلى اليمين عند بلوتونيوس المستلقي باستهتار فوق دولاب شاحنة؛ مشيحا بوجهه قليلا عن سيد الآلهة الذي تعلقت بمقامه العيون في انتظار إعلانه عن افتتاح الحفل الكبير، وقد وقفت زرزا بانضباط إلى جانبه قريبا جدا من رأسي المعقوف فيما كان خمبي يقتعد طوبة إسمنتية مجوفة بباب المرحاض العمومي المخنوق، والسكري ينتصب كالحارس المتوفز الحواس عند نقطة منحنى القوس الإلهي؛ مندغما بمعطفه الأسود بحلكة الظلال الليلة التي رسمت حدودها الثابتة الأضواء الهاربة وجدران المحطة العتيقة، فاصلا بين عالم الإنس فوق المصطبة، وعالم الآلهة في باحة المرحاض."[45]

ولم يقتصر وصف الكاتب على الشخصيات والأمكنة والأشياء، بل اهتم أيضا بوصف الوسائل، كوصفه للسيارات في مدينة موبوءة بالعبث والفوضى والضجيج :" كنت محشورا بطريقة هتش****ة بين الجمهور الواقف ببلاهة على الأرصفة، يتابع ذلك المشهد في توتر وحرج وانفعال محتدم تحت ضغط جعيق السيارات والشاحنات والحافلات المكبوحة في صف طويل يندى له الجبين؛ من غير أن أتمكن من السيطرة على الموقف، أو اقتناص فرصة جانبية للتفاوض مع الإله خنساسا المنفلت من عقال الكتابة."[46]



& #191; آليــــة الحـــذف والإضمار:



تستند رواية:" ألواح خنساسا" لبنسامح درويش إلى آلية الحذف والإضمار ، باستعمال نقط الحذف الدالة على الفراغ التي تستلزم من المتلقي ملأها وتأويلها في ضوء معطياتها الإحالية والسياقية والتداولية. وغالبا ما يلتجىء الكاتب إلى تشغيل نقط الحذف لأسباب دينية وسياسية واجتماعية وأخلاقية. بمعنى أن ثمة طابوهات تمنع الكاتب من استعمال لغة الوضوح والمباشرة والشفافية، والانتقال إلى لغة الإضمار والتكنية والتورية والترميز من أجل إشراك القارىء في فعل القراءة والتأويل، وبناء النص الروائي. وقالما نجد شذرة روائية لايوجد فيها الحذف والإضمار والتكثيف:

" هومي خذروف فلسفي يدور في مركز الذاكرة،

يثقبها عن كثب.

هو صرير نرجسية الإنسان.

هو حصيلة مركز لمأساة الكائن.

هو الإيقاع النهائي لنشيد الكون.

إنه بؤرة تناقض مريرة ونقطة تطاحن شرس،

بين عالمين متنافرين،

فهو وإن كان يبدو متوازنا في مجمل علاقته بالآخرين،

يظل متفردا، خارقا، مسكونا بتيار غامض،

تنتابه من حين لآخر نوبات نوارنية مذهلة،

وتظهر على مسلكياته أعراض جوهر مغاير،

لكنه الإنسان المألوف،

لايطيق أبدا لعنة النظافة ولا يشتهي ما يشتهي أقرانه،

حتى وسعته رحمة الأمراض وشملته بحدب الألم،

واكتسحت جسده الغض بثور وتقرحات جلدية......

تنز بقيح دافق.....

مزركش بخيوط دموية دقيقة وفاتنة،

سرعان مااهتدى إلى مداعبتها برأس لسانه الكرزي؛

المشبع بالمذاق...الخالص،

متنافسا والذباب الملائكي الأزرق،

على امتصاص نزيزها..."[47]

وعليه، فرواية:" ألواح خنساسا" لبنسامح درويش رواية الحذف والإضمار بامتياز، ويعني هذا أن الكاتب يوصل عبر هذه الآلية السردية مجموعة من الرسائل المسكوت عنها ترميزا وتلميحا وتعريضا وتلويحا.



& #191; آليــــة التزميــــن:



يتسم الزمن في رواية:" ألواح خنساسا" بكونه زمنا فنتازيا منكسرا، بعيدا عن زمن التعاقب والتسلسل الذي نراه في الروايات التقليدية الواقعية أو الرومانسية. بمعنى أن زمن الرواية يتخذ بعدا شاعريا في المتوالية الشاعرية الأولى ليتخذ بعدا فانطازيا في المتوالية السردية الثانية. ويمكن القول بأن هناك زمنين متجاورين: زمن خنساسا الدائري والمغلق في الانطواء والجبروت والتسلطن، وزمن الكاتب المفتوح القائم على رغبة الانتقام من خنساسا الخائن.

ويتسم هذا الزمن كذلك بكونه زمنا شذريا متقطعا دائريا في المتوالية الشاعرية، وينماز بالتذويت، والشاعرية الغنائية، والانسياب المسترسل. كما يتحول إلى زمن سردي غرائبي يقوم على المفارقة الخارقة، والتشظي الأسطوري، والتخييل المجازي.



& #191; آليــــة التفضـــيء:



تتخذ الرواية فضاء بصريا يتقاطع فيه فضاء الشعر المنكسر - الذي يذكرنا بالقصيدة النثرية - وفضاء النثر الذي يهيمن على المتوالية السردية في آخر الرواية. وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الرواية تندرج ضمن الكتابة الشذرية التي تجمع بين الشعر والتأمل الفلسفي، أو تندرج ضمن المحكي الشاعري؛ نظرا لتقاطع الشعر (وظيفة المشابهة) مع السرد(وظيفة المجاورة).

أما على مستوى فضاء النص، فتدور أحداث الرواية في فضاءات فنطاستيكية غريبة ، وأمكنة موبوءة بالمحن والإحن والكراهية والسوداوية. إنها فضاءات كابوسية وغريبة ومدنسة، تذكرنا بفضاءات رواية السجن السياسي، ويلاحظ أن أغلب هذه الفضاءات مرحاضية بامتياز. وهذا الفضاء جديد في الرواية العربية، حيث تبدأ الرواية بالفضاء المرحاضي لتنتهي بالفضاء نفسه، وترتبط به فضاءات أخرى لاتختلف عنها بحال من الأحوال في قبحها وعريها ودناءتها:"كأنني كنت أحدس أن خنساسا المنفلت بسلطانه، يتجه رأسا صوب مجلس الآلهة، وأنه سيعود إلى مرحاضه ليلعق من قصعته الرقطاء، فكان علي أن استنفر كل دهائي لأتسرب إلى عقر الأنوناكي، ولم يكن ثمة بد من مساومة السكري، فهرعت إليه مثل أي زبون مفعم؛ دفعت به الأوجاع إلى مرحاضه المخنوق، فحياني بعينيه وهزة من رأسه، ثم عاد إلى إطراقته واستغرق يتأمل الجدار العتيق في خشوع.

كأنني عكرت عليه صلاته!

أشرت إليه أن يقترب مني، فانقاد لإشارتي بما عهدت فيه من طاعة وخنوع، ثم وضعت يدي بحميمية عند ملتقى كتفيه، فانساق لرغبتي في الانفراد به بلا عنت، وانتحينا شبه متلاحمين بعيدا عن باب المرحاض الذي كان يبدو حينئذ مواربا للغاية.."[48]

ويضع الكاتب نهاية مأساوية مخزية لشخصياته الإلهية المتجبرة، فيوقعها في فضاءات مرحاضية، كما حدث لخنساسا التي لقيت حتفها في فضاء يتفوح بولا وقذارة ودنسا، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مصير كل متجبر في الأرض، فنهايته مرتبطة بمزبلة التاريخ:" انطفأت الآلهة في رحاب الباحة؛ تاركة أطيافها في عيني برهة من الوقت، ولم يعد هناك سوى خمبي؛ الوقت مشدوها بباب المرحاض، والسكري الذي كان يتقدم محاذرا نحو الجسد المنهار فوق أرضية الباحة الندية المشبعة برائحة البول والنفايات وزرزا التي كانت تهرول كالشبح الهلوع صوب البوابة الحديدية العتيقة.

ركنت إلى المصطبة وكأن تلك الجثة الملقاة في باب المرحاض لاتعنيني."[49]

وهكذا، ففضاءات رواية:" ألواح خنساسا" فضاءات فانطازية متعفنة ومشينة، تذكرنا بفضاء العتبة عند ميخائيل باختين، ذلك الفضاء القائم على المآسي والأزمات الإنسانية المصيرية.



& #191; آليــــة التصويــر:



تعتمد الرواية على مجموعة من الوسائل البلاغية التصويرية ، كاستعمال التشبيه، والاستعارة، والمجاز المرسل والعقلي، والكناية، والرمز، والأسطورة، وخاصة في المتوالية الشعرية التي تحول فيها النص إلى قصيدة شعرية حبلى بالصور البلاغية والأسلوبية التي تقرب النص الروائي إلى قصيدة شعرية طويلة، يطغى فيها الأنا والمجاز والرمز بشكل لافت للانتباه كما في هذا المقطع السردي الشاعري:" كان حتشو يوزع أقداحه على الآلهة بلا انقطاع، فاختلطت الأنخاب حين انضاف إلى توزيعها بدودو بعد عودته إلى موضعه من القوس الإلهي، وارتفع هرج الآلهة، وكشفت الجواري عن بشاعاتها، وتغنت بآلام البشر، وأطلقت الربة ميرا العنان لألحانها الصاعقة، وتحركت زرزا تصب للآلهة رشفات مما أمرت بصبه من لدن خنساسا، وبسط الإله زوا في مركز القوس الإلهي ما في جعبته من أوبئة وأخماج، كمن يقدم طبقا من الفواكه جمعته مشيئته من مختلف القارات."[50]

وتأسيسا على المقطع السردي السابق، يوظف الكاتب في هذا المقطع التصويري صورة المشابهة القائمة على التشبيه (كمن يقدم طبقا من الفواكه...) والاستعارة(كشفت الجواري عن بشاعاتها...)، والصورة المجاورة المبنية على الكناية (حتشو كناية عن آلهة المجاري، وزوا آلهة الأوبئة والأخماج..) ، والمجاز المرسل (ارتفع هرج الآلهة...)،والمجاز العقلي (جمعته مشيئته، فاختلطت الأنخاب...)، والصورة الرؤيا القائمة على الرمز(بدودو رمز الفقر والتخلف، وحتشو وزوا رمزا الأمراض والأوبئة)، والأسطورة(الأسماء الأسطوية).



& #191; آليـــة التضمين:



يتستلهم بنسامح درويش في رواياته مجموعة من النصوص المضمرة التي تنتمي إلى المتن الروائي العالمي كروايات كافكا وألبير كامو وصمويل بيكيت وغيرهم من كتاب الرواية الحداثية، ناهيك عن تأثره ببعض كتاب الرواية المغربية كبنسالم حميش، ويحيى بزغود، وعزالدين التازي، ومحمد شكري... كما يضمن نصوصه خطابات فلسفية وأسطورية ودينية وتاريخية وأدبية واجتماعية، دون أن يغض الطرف عن الأدب الشعبي كما في هذا المقطع السردي الشاعري:

" في أواسط شتنبر من عام هيروشيما،

سيق هومي إلى صفوف المدرسة،

فسماه المعلم الأسمر ... منذ يومه الأول " بوجنديخة"

نظرا لأثر القرع المكين الذي لم يمح بعد من رأسه المستطيل،

وتحامل عليه أطفال الصف:

- القرع..مالك غضبان

-أسيدي كلاني الذبان

-أسيدي شري شاشية

- أسيدي بشحال هي

- أسيدي بميات أوقية

-أسيدي بزاف علي.

وهومي يتحسس رأسه في نشوة بادية،

لا مبال بما يردد الأطفال من حوله..."[51]

ومن هنا، فقد استلهم بنسامح درويش مجموعة من النصوص الدينية والأسطورية والأدبية واللاهوتية والشعبية ...، وقد تفاعل معها تأثرا وتفاعلا وحوارا.



خلاصات ونتائج:



وهكذا، نصل إلى أن الكتابة الشذرية بمثابة جنس أدبي ونوع فكري جديد، يعتمد على شعرية الانفصال، وبلاغة التنوع، والتجزيء، والتشذير، والتقطيع ، واللاثبات، وبلورة كتاب متشظ أو منكسر أومخلخل أجناسيا. ومن ثم، يمكن الحديث عن كتاب شذري أو شذرية الكتاب أو كتاب التشذير. ويمكن أن يتحول هذا الجنس إلى طريقة في الكتابة والتعبير، ويكون فن المستقبل في صياغة النص الفلسفي أو الأدبي أوالإبداعي أوالنقدي. وعليه، فالشذرة بمثابة جزيرة منعزلة قائمة بنفسها، ومكتفية بذاتها، مبنية على الرغبة في التلاشي والاضمحلال والاختلاف، والتأرجح بين الأمل واليأس. والآتي، أن الكتابة الشذرية تهدف في الحقيقة إلى الثورة على الهوية، والتمرد عن الكينونة الموحدة، والتخلص من صرامة المنطق، والنفور من التحليل العلمي والعقلاني الصارم، والابتعاد عن النسقية المنسجمة. ومن ثم، تتغنى الكتابة الشذرية بالحرية المطلقة، وتجنح إلى التمرد الشاذر، وتبحث جاهدة عن عالم مثالي طوباوي تسوده السعادة الممكنة. ومن ثم، ترتبط الشذرة بشخصية المبدع في استقباله للعالم، وفي كيفية تصويره لهذا العالم المفكك، وتشخيصه له ذاتيا وموضوعيا، مع انتقاده شذريا على جميع المستويات والأصعدة ، وذلك ضمن رؤية ذهنية ووجدانية .

وهكذا، فالكتابة الشذرية هي في الجوهر رفض للخطاب الخطي المتسلسل، ونفي للمشهد الموحد والمتكرر في استمراريته واتصاله. لذا، تعتمد الكتابة الشذرية بلاغة الانفصال لتعويض بلاغة الاتصال ، كما تمتح هذه الكتابة من الصياغة البوليفونية القائمة على تعدد الأصوات، وتعدد اللغات والأساليب، واختفاء صوت الكاتب أو المؤلف، والاعتماد على تعدد المواضيع والأفكار والتيمات تقطيعا وتجزيئا.

وأخيرا، ووليس آخرا، فالكتابة الشذرية كتابة جسدية قوامها اللاشعور، والانسياب، والتداعي ، والفرادة. وتعبر في منطوقها عن ذات تكتب نفسها عبر التشظي ، عبر زمن منهك ومشتت ومفصول. وتقوم كذلك على التأمل والبوح والاستبطان الذاتي، وتعمل على خلخلة الأجناس الأدبية كلها، من أجل صهرها في بوتقة نصية موحدة ، تأبى التصنيف والتجنيس، بغية التميز ، والانزياح، وخلق خطاب مابعد الحداثة.





& #191; الهوامـــش:



[1] - ابن منظور: لسان العرب،الجزء السابع، دار صبح ، بيروت، لبنان، وإديسوفت ،الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2006م، ص:54-55.

2 - د.بنسالم حميش: معهم حيث هم، بيت الحكمة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1988م، ص:133.

3- د.جميل حمداوي: مقاربة النص الموازي وأنماط التخييل في روايات بنسالم حميش، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، جامعة محمد الأول بوجدة، السنة الجامعية:2000-2001م، ص:194.

4 - فريدريك نيتشه: هكذا تكلم زرادشت، ترجمة: محمد الناجي، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية سنة 2011م.

5 - د.بنسالم حميش: معهم حيث هم، ص:144.

6- د.بنسالم حميش: معهم حيث هم، ص:145.

7-Ph. LacoueLabarthe et J.-L. Nancy : L'absolu littaraire, Paris, seuil.Poétique, 1978.

8 - François Susini- Anastopoulos: L'écriture fragmentaire. Définitions et enjeux. PUF, 1997.



9 - Ricard Ripoll (****es réunis par), L'Écriture fragmentaire, théories et pratiques, Presses Universitaires de Perpignan, Collection Études, 2002, 363.

10- النفري: كتاب النطق والصمت، نصوص صوفية، الشذرات، المناجيات، الديوان، تحقيق:قاسم عباس، دار أزمنة، عمان، الأردن، الطبعة الأولى سنة 2000م.

11- نقلا عن د.بنسالم حميش: المرجع السابق، ص:133-134.

12- نقلا عن د.بنسالم حميش: المرجع السابق، ص:135.

13- إلياس كانيتي: شذرات، ترجمة: رشيد بوطيب، دار الكلمة، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى سنة 2011م.

14- بشير ونيسي: (صفات) ، موقع الحوار المتمدن، موقع رقمي، العدد: 3040، بتاريخ:21/06/2011م.

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=219854.

15- بنسامح درويش: ألواح خنساسا، مؤسسة النخلة للكتاب،وجدة، الطبعة الأولى سنة 2004م.

16- Tadié.Jean Yves: Le récit poétique,PUF.Paris,1978.

17- jakobson .Roman: Huit questions de Poétique,Points,Paris,1977.

18- بنسامح درويش: نفسه، صص:15-17.

19- يحيى بزغود: الجرذان، منشورات منتدى رحاب بوجدة، الطبعة الأولى سنة 2000م.

20- بنسامح درويش: نفسه، ص:152.

21- بنسامح درويش: نفسه، ص:150-151.

22- بنسامح درويش: نفسه، ص:160.

23- بنسامح درويش: نفسه، ص:139-140.

24- بنسامح درويش: نفسه، ص:159-160.

25- بنسامح درويش: نفسه، ص:34-35.

26- بنسامح درويش: نفسه، ص:40-39.

27- بنسامح درويش: نفسه، ص:5.

28- بنسامح درويش: نفسه، ص:137-138.

29- بنسامح درويش: نفسه، ص:7-8.

30- بنسامح درويش: نفسه، ص:5.

31- بنسالم حميش: سماسرة السراب، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الاولى سنة 1996م.

32- بنسامح درويش: نفسه، ص:59-60.

33- بنسامح درويش: نفسه، ص:138.

34- محمد برادة: لعبة النسيان، دار الأمان، الرباط، المغرب، طبعة2003م.

35- بنسامح درويش: نفسه، ص:139-140.

36- ميخائيل باختين: شعرية دويستفسكي، ترجمة: الدكتور جميل نصيف التكريتي، دارتوبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1986م، ص:59.

37- ميخائيل باختين: الخطاب الروائي، ترجمة: محمد برادة، دار الأمان، الرباط، المغرب، الطبعة الثانية سنة 1987م، ص:54.

38- بنسامح درويش: نفسه، ص:12.

39- بنسامح درويش: نفسه، ص:138.

40- بنسامح درويش: نفسه، ص:150.

41- بنسامح درويش: نفسه، ص:138-139.

42- بنسامح درويش: نفسه، ص:151.

43- بنسامح درويش: نفسه، ص:138.

44- بنسامح درويش: نفسه، ص:148.

45- بنسامح درويش: نفسه، ص:138.

46- بنسامح درويش: نفسه، ص:44.

47- بنسامح درويش: نفسه، ص:141.

48- بنسامح درويش: نفسه، ص:160.

49- بنسامح درويش: نفسه، ص:154.

50- بنسامح درويش: نفسه، ص:45.



& #191; المصــادر والمراجـــع العربيـــة:



[1] - ابن منظور: لسان العرب،الجزء السابع، دار صبح ، بيروت، لبنان، وإديسوفت ،الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2006م.

2- إلياس كانيتي: شذرات، ترجمة: رشيد بوطيب، دار الكلمة، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى سنة 2011م.

3- د.بنسالم حميش: معهم حيث هم، بيت الحكمة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1988م.

4- بنسالم حميش: سماسرة السراب، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الاولى سنة 1996م.

5- بنسامح درويش: ألواح خنساسا، مؤسسة النخلة للكتاب،وجدة، الطبعة الأولى سنة 2004م.

6- د.جميل حمداوي: مقاربة النص الموازي وأنماط التخييل في روايات بنسالم حميش، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، جامعة محمد الأول بوجدة، السنة الجامعية:2000-2001م.

7 - فريدريك نيتشه: هكذا تكلم زرادشت، ترجمة: محمد الناجي، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية سنة 2011م.

8- محمد برادة: لعبة النسيان، دار الأمان، الرباط، المغرب، طبعة2003م.

9- ميخائيل باختين: شعرية دويستفسكي، ترجمة: الدكتور جميل نصيف التكريتي، دارتوبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1986م.

10- ميخائيل باختين: الخطاب الروائي، ترجمة: محمد برادة، دار الأمان، الرباط، المغرب، الطبعة الثانية سنة 1987م.

11- النفري: كتاب النطق والصمت، نصوص صوفية، الشذرات، المناجيات، الديوان، تحقيق:قاسم عباس، دار أزمنة، عمان، الأردن، الطبعة الأولى سنة 2000م.

12- يحيى بزغود: الجرذان، منشورات منتدى رحاب بوجدة، الطبعة الأولى سنة 2000م.



& #191; المقـــالات العربيـــة:



13- بشير ونيسي: (صفات) ، موقع الحوار المتمدن، موقع رقمي، العدد: 3040، بتاريخ:21/06/2011م.

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=219854.



& #191; المراجــع الأجنبيــة:



14-François Susini- Anastopoulos: L'écriture fragmentaire. Définitions et enjeux. PUF, 1997.

15-Jakobson .Roman: Huit questions de Poétique, Points, Paris, 1977.

16-Ph. LacoueLabarthe ET J.-L. Nancy : L'absolu littaraire, Paris, seuil.Poétique, 1978.

17- Ricard Ripoll (****es réunis par), L'Écriture fragmentaire, théories et pratiques, Presses Universitaires de Perpignan, Collection Études, 2002.

18- Tadié.Jean Yves: Le récit poétique,PUF.Paris,1978.

[1] - ابن منظور: لسان العرب،الجزء السابع، دار صبح ، بيروت، لبنان، وإديسوفت ،الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 2006م، ص:54-55.

[2] - د.بنسالم حميش: معهم حيث هم، بيت الحكمة، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1988م، ص:133.

[3] - د.جميل حمداوي: مقاربة النص الموازي وأنماط التخييل في روايات بنسالم حميش، أطروحة لنيل دكتوراه الدولة، جامعة محمد الأول بوجدة، السنة الجامعية:2000-2001م، ص:194.

[4] - د.بنسالم حميش: معهم حيث هم، ص:144.

[5] - فريدريك نيتشه: هكذا تكلم زرادشت، ترجمة: محمد الناجي، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الثانية سنة 2011م.

[6] - د.بنسالم حميش: معهم حيث هم، ص:144.

[7] - د.بنسالم حميش: معهم حيث هم، ص:145.

[8]-Ph. LacoueLabarthe et J.-L. Nancy : L'absolu littaraire, Paris, seuil.Poétique, 1978.

[9] - François Susini- Anastopoulos: L'écriture fragmentaire. Définitions et enjeux. PUF, 1997.



[10] - Ricard Ripoll (****es réunis par), L'Écriture fragmentaire, théories et pratiques, Presses Universitaires de Perpignan, Collection Études, 2002, 363.

[11] - النفري: كتاب النطق والصمت، نصوص صوفية، الشذرات، المناجيات، الديوان، تحقيق:قاسم عباس، دار أزمنة، عمان، الأردن، الطبعة الأولى سنة 2000م.

[12] - نقلا عن د.بنسالم حميش: المرجع السابق، ص:133-134.

[13] - نقلا عن د.بنسالم حميش: المرجع السابق، ص:135.

[14] - إلياس كانيتي: شذرات، ترجمة: رشيد بوطيب، دار الكلمة، أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى سنة 2011م.

[15] - بشير ونيسي: (صفات) ، موقع الحوار المتمدن، موقع رقمي، العدد: 3040، بتاريخ:21/06/2011م.

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=219854



[16] - بنسامح درويش: ألواح خنساسا، مؤسسة النخلة للكتاب،وجدة، الطبعة الأولى سنة 2004م.

[17] - Tadié.Jean Yves: Le récit poétique,PUF.Paris,1978.

[18] - Jakobson .Roman: Huit questions de Poétique,Points,Paris,1977.

[19] - بنسامح درويش: نفسه، صص:15-17.

[20] - يحيى بزغود: الجرذان، منشورات منتدى رحاب بوجدة، الطبعة الأولى سنة 2000م.

[21] - بنسامح درويش: نفسه، ص:152.

[22] - بنسامح درويش: نفسه، ص:150-151.

[23] - بنسامح درويش: نفسه، ص:160.

[24] - بنسامح درويش: نفسه، ص:139-140.

[25] - بنسامح درويش: نفسه، ص:159-160.

[26] - بنسامح درويش: نفسه، ص:34-35.

[27] - بنسامح درويش: نفسه، ص:40-39.

[28] - بنسامح درويش: نفسه، ص:5.

[29] - بنسامح درويش: نفسه، ص:137-138.

[30] - بنسامح درويش: نفسه، ص:7-8.

[31] - بنسامح درويش: نفسه، ص:5.

[32] - بنسالم حميش: سماسرة السراب، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، الطبعة الاولى سنة 1996م.

[33] - بنسامح درويش: نفسه، ص:59-60.

[34] - بنسامح درويش: نفسه، ص:138.

[35] - محمد برادة: لعبة النسيان، دار الأمان، الرباط، المغرب، طبعة2003م.

[36] - بنسامح درويش: نفسه، ص:139-140.

[37] - ميخائيل باختين: شعرية دويستفسكي، ترجمة: الدكتور جميل نصيف التكريتي، دارتوبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، الطبعة الأولى سنة 1986م، ص:59.

[38] - ميخائيل باختين: الخطاب الروائي، ترجمة: محمد برادة، دار الأمان، الرباط، المغرب، الطبعة الثانية سنة 1987م، ص:54.

[39] - بنسامح درويش: نفسه، ص:12.

[40] - بنسامح درويش: نفسه، ص:138.

[41] - بنسامح درويش: نفسه، ص:150.

[42] - بنسامح درويش: نفسه، ص:138-139.

[43] - بنسامح درويش: نفسه، ص:151.

[44] - بنسامح درويش: نفسه، ص:138.

[45] - بنسامح درويش: نفسه، ص:148.

[46] - بنسامح درويش: نفسه، ص:138.

[47] - بنسامح درويش: نفسه، ص:44.

[48] - بنسامح درويش: نفسه، ص:141.

[49] - بنسامح درويش: نفسه، ص:160.

[50] - بنسامح درويش: نفسه، ص:154.
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59