عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-04-2017, 12:52 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي

(2) دراسة مستقبلات محتملة probable futures ، أى التركيز على فحص وتقييم المستقبلات الأكبر احتمالاً للحدوث خلال أفق زمنى معلوم ، وفق شروط محددة
( مثلاً بافتراض استمرار التوجهات الحالية للنظام الاجتماعى - السياسى ، أو بافتراض تغييره على نحو أو آخر ) . وغالبا ما تسفر هذه الدراسة عن سيناريوهات متعددة .
(3) دراسة صور المستقبل images of the future ، أى البحث فى طبيعة الأوضاع المستقبلية المتخيلة وتحليل محتواها ، ودراسة أسبابها وتقييم نتائجها . وذلك باعتبار تصورات الناس حول المستقبل تؤثر فيما يتخذونه من قرارات فى الوقت الحاضر ، سواء من أجل التكيف مع تلك التصورات عندما تقع ، أو من أجل تحويل هذه التصورات إلى واقع .
(4) دراسة الأسس المعرفية للدراسات المستقبلية ، أى تقديم أساس فلسفى للمعرفة التى تنتجها الدراسات المستقبلية ، والاجتهاد فى تطوير مناهج وأدوات البحث فى المستقبل .
(5) دراسة الأسس الأخلاقية للدراسات المستقبلية . وهذا أمر متصل بالجانب الاستهدافى للدراسات المستقبلية ، ألا وهو استطلاع المستقبل أو المستقبلات المرغوب فيها . إذ أن تحديد ما هو مرغوب فيه يستند بالضرورة إلى أفكار الناس عن " معنى الحياة " وعن " المجتمع الجيد " ، وعن " العدل " وغير ذلك من المفاهيم الأخلاقية والقيم الإنسانية .
(6) تفسير الماضى وتوجيه الحاضر . فالماضى له تأثير على الحاضر وعلى المستقبل ، والكثير من الأمور تتوقف على كيفية قراءة وإعادة قراءة الماضى . كما أن النسبة الكبرى من دارسى المستقبل يعتبرون أن أحد أغراضهم الأساسية هو تغيير الحاضر وما يتخذ فيه من قرارات وتصرفات لها تأثيرها على تشكيل المستقبل .
(7) إحداث التكامل بين المعارف المتنوعة والقيم المختلفة من أجل حسن تصميم الفعل الاجتماعى . ذلك أن معظم المعارف التى يستخدمها دارسو المستقبل من أجل التوصية بقرار أو تصرف ما هى معارف تنتمى إلى علوم ومجالات بحث متعددة لها خبراؤها والمتخصصون فيها. ولذلك يطلق على الدارسات المستقبلية وصف الدراسات التكاملية integrative أو الدراسات العابرة للتخصصات transdisciplinary . ولما كانت التوصية بفعل اجتماعى ما لا تقوم على المعارف العلمية وحدها ، برغم أهميتها ، بل يلزم أن تستدعى قيماً أو معايير أخلاقية معنية ، فإن على الدراسة المستقبلية أن تزاوج بين المعرفة العلمية
والقيم .
(8) زيادة المشاركة الديمقراطية فى تصور وتصميم المستقبل ، أو مقرطة التفكير المستقبلى والتصرفات ذات التوجهات المستقبلية ، وإفساح المجال لعموم الناس للاشتراك فى اقتراح وتقييم الصور البديلة للمستقبل الذى سيؤثر فى حياتهم وحياة خلفهم .
(9) تبنى صورة مستقبلية مفضلة والترويج لها ، وذلك باعتبار ذلك خطوة ضرورية نحو تحويل هذه الصورة المستقبلية إلى واقع . ويتصل بذلك تبنى أفعال اجتماعية معينة من أجل قطع الطريق على الصور المستقبلية غير المرغوب فيها ، والحيلولة دون وقوعها .
وينبغى الانتباه إلى أمرين بشأن المهام التسع السابقة :
( أ ) أنها مهام لحقل الدراسات المستقبلية أو علم المستقبليات فى مجموعة . ومن ثم فليس من المتعين على أى دراسة مستقبلية أن تنهض بهذه المهام التسع جميعاً . فلها أن تختار منها ما يناسبها فى ضوء تصور القائمين عليها
لمهامها .
فالدراسة المستقبلية التى تجرى لشركة ما قد لا تتطلب النهوض بالمهمة (8) المتعلقة بزيادة المشاركة الديمقراطية فى تصور وتصميم المستقبل . كما أن المهمتين (4) و(5) المتعلقتين بدراسة الأسس المعرفية والأخلاقية للدراسات المستقبلية قد يختص بهما فريق أو أكثر من دارسى المستقبليات ، وليس حتماً أن ينشغل بهما كل من يكلف بإجراء دراسة مستقبلية لشركة أو إقليم أو بلد ما . فالقيام بمثل هذه المهام " فرض كفاية " ، لا " فرض عين " ، يكفى أن ينهض به المعنيون بفلسفة علم المستقبليات ومناهجه ، ولا يلزم أن يقوم به كل مشتغل بالدراسات المستقبلية .
(II) أن هذه المهام ليست جميعا محل اتفاق بين دارسى المستقبل . ومن أكثر الأمور مدعاة للجدل الرسالة الاستهدافية normative للدراسات المستقبلية المتضمنة فى البحث عن مستقبلات " مفضلة " ، وفى تبنى صور مستقبلية " مرغوب فيها " والترويج لها .
فمن الباحثين فى المستقبل من يقنع باستطلاع مسارات التطور المستقبلى البديلة التى يرتبط كل منها بمجموعة من الشروط الابتدائية ، ويكتفى بتحليل الصور المستقبلية التى ينتهى إليها كل مسار ، مبيناً ما تنطوى عليه من مزايا ومثالب ، تاركاً مهمة التفضيل والاختيار لمتخذ القرار ولعموم الناس الذين يعنيهم الأمر . ومن الباحثين من يرى ضرورة استكمال البحث المستقبلى بالمفاضلة بين السيناريوهات أو الصور المستقبلية البديلة وترجيح صورة منها ، كنوع من التوصية لمتخذ القرار والتوجيه للرأى العام . ومنهم من يرى السير أبعد من ذلك بالترويج بسبل مختلفة للصورة المستقبلية المرغوب فيها ، والدفع فى اتجاه فعل اجتماعى يعمل على تحقيقها . وأخيراً - وليس آخراً - قد يرى بعض الباحثين التركيز ابتداءً على صورة مستقبلية مرغوب فيها ، واستطلاع أفضل السبل أو المسارات التى تؤدى إليها انطلاقاً من الوضع الراهن .
إذن ثمة مجال رحب لتحديد وتكييف مهام أية دراسة مستقبلية بالاختيار من قائمة المهام التسع المذكورة أعلاه ، والتركيز على مهمة أو أخرى بدرجة أكبر حتى ضمن المجموعة الصغرى من المهام المختارة .
منهجيات وأدوات الدراسات المستقبلية
ثمة مجموعة من الخصائص المنهجية المرغوب فى توافرها فى الدراسات الاستشرافية الجيدة . ومن أبرز هذه الخصائص ما يلى :
(1) الشمول والنظرة الكلية holistic للأمور . فليس من السهل الحديث عن دراسة مستقبلية للاقتصاد المصرى مثلاً فى غياب رؤية مستقبلية للأوضاع السياسية ، ولحالة العلم والتكنولوجيا ، ولأوضاع السكان والموارد والبيئة ، وللتغيرات فى المحيط الإقليمى والإطار العالمى . ومن المهم أن تدرس العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية … الخ فى تشابكها وتفاعلها مع بعضها البعض ، حتى تتوافر رؤية شاملة ومتكاملة لمستقبل هذا الاقتصاد .
(2) مراعاة التعقد complexity أى تفادى الإفراط فى التبسيط والتجريد للظواهر المدروسة ، والتعمق فى فهم ما يزخر به الواقع من علاقات وتشابكات ، ولا يقين ، ودينامية . وهو ما يتطلب النظر إلى الظاهرة المركبة فى مجملها من خلال منهج عابر للتخصصات transdisciplinary ، حيث لا يجدى " التفكيك " وفهم كيفية عمل كل جزء من أجزاء الظاهرة على حدة فى الخروج بصورة صحيحة عن سلوك مثل هذه الظاهرة ، حتى لو تضمن ذلك اللجوء إلى حقول معرفية متعددة .
(3) القراءة الجيدة للماضى باتجاهاته العامة السائدة ، وكذلك التعرف على الاتجاهات الأخرى الراهنة ، لاسيما الاتجاهات البازغة والاتجاهات المضادة للاتجاه العام السائد ، حيث كثيراً ما تشكل الأخيرة مفاتيح جيدة لفهم الاتجاهات المحتملة فى المستقبل . ومن جهة أخرى تشتمل القراءة الجيدة للماضى على القراءة الجيدة لتجارب الآخرين وخبراتهم ، واستخلاص دروس منها قد تفيد ( بمنطق المحاكاة ) فى فهم آليات التطور وتتابع المراحل ، وكذلك فى التعرف على القيود على الحركة وإمكانات تجاوزها .
(4) المزج بين الأساليب الكيفية والأساليب الكمية فى العمل المستقبلى ، حيث يندر أن تفى الأساليب الكيفية وحدها أو الأساليب الكمية وحدها بمتطلبات إنتاج دراسة مستقبلية جيدة . ومن جهة أخرى ، ثبت أن تعدد الأساليب المستخدمة فى دراسة ظاهرة ما والمزج بين نتائجها ، كثيراً ما يؤدى إلى نتيجة أفضل مما لو جرى الاعتماد على أسلوب واحد . وعموما يتيح المزج بين أساليب متعددة - كيفية وكمية - تجاوز قصور النظريات والنماذج التى تبنى عليها عن طريق اللجوء إلى أساليب كيفية لمحاكاة الواقع بتفاصيله وتعقيداته الكثيرة ، وللتعرف على ردود الفعل المحتملة لبعض التصرفات من جانب الفاعلين فى النسق محل الدراسة .
(5) الحيادية والعلمية لما كان المستقبل يدرس من خلال بدائل متنوعة ، يمثل كل منها سيناريو أو مساراً مستقبلياً يتوافق مثلاً مع رؤية أو مصالح هذه القوة الاجتماعية - السياسية أو تلك فى المجتمع ، فإن على دارس المستقبلات البديلة أن يتحلى بدرجة عالية من الحيادية والعلمية - أولاً - فى التعرف على البدائل ، وعدم استبعاد بدائل معينة لمجرد رفض الدارس لمنطلقاتها أو ادعاءاتها ، و - ثانياً - فى تحليل هذه الادعاءات ، واستكشاف تداعياتها ، وتقييم ما لها وما عليها وفق مجموعة معايير متفق عليها سلفاً .
(6) عمل الفريق والإبداع الجماعى وهو ما يعنى إنجاز الدراسة المستقبلية عن طريق فريق عمل متفاهم ومتعاون ومتكامل . فذلك أمر تفرضه طبيعة الدراسات المستقبلية التى تعتمد على معارف مستمدة من علوم متعددة ، والتى تستوجب دمج هذه المعارف وفق منظور أو إطار عابر للتخصصات . كما أن الجماعية مفيدة للوصول إلى تصورات وتنظيرات وحلول جديدة للمشكلات ، وذلك من خلال ما تتيحه من مواجهات بين المناهج والرؤى المختلفة لأعضاء فريق العمل .
(7) التعلم الذاتى والتصحيح المتتابع للتحليلات والنتائج . فالدراسة المستقبلية لا تنجز دفعة واحدة (one-shot exercise) . بل إنها عملية متعددة المراحل يتم فيها إنضاج التحليلات وتعميق الفهم وتدقيق النتائج من خلال دورات متتابعة للتعلم الذاتى والنقد الذاتى ، وتلقى تصورات أطراف وقوى مختلفة وانتقاداتهم واقتراحاتهم ، والتفاعل معها من خلال اللقاءات المباشرة والأدوات غير المباشرة لإشراك الناس فى تصور وتصميم المستقبلات . وكلما تكررت عمليات التفاعل والنقد والتقييم والاستجابة لها بالتعديل والتطوير فى التحليلات والنتائج ، زادت فرص الخروج بدراسة مستقبلية راقية ، لاسيما من زاوية ارتباطها بالواقع الاجتماعى ، وزادت معها فرص تأثير الدراسة فى الفعل الاجتماعى .


تعدد طرق البحث فى المستقبل
وبطبيعة الحال فإن هذه الخصائص المنهجية المثالية لا يمكن أن تتأتى باتباع منهج بذاته أو أسلوب بعينه . بل إن إحدى هذه الخصائص ( الخاصية 4 أعلاه ) يفترض الجمع بين أساليب متعددة . وهذا التعدد فى الأساليب حقيقة واقعة ، توضحها الكتابات حول طرق الدراسات المستقبلية ، كما يوضحها استعراض أهم الدراسات المستقبلية المتاحة عالمياً وإقليمياً وقطرياً . وهو تعدد يثرى مجال البحث فى استشراف المستقبل ، ويتيح فرصاً واسعة للاختيار المنهجى بما يتواءم مع احتياجات كل بحث مستقبلى وأهدافه المحددة .
أصل الطرق ، ووظائفها والعلاقة فيما بينها
وكما سيتضح حالاً فإن معظم الأساليب التى يستخدمها دارسو المستقبلات هى أساليب مقترضة من مجالات وحقول معرفية أخرى ، كالإحصاء والاقتصاد والسياسة والعسكرية والاجتماع والهندسة وغيرها ، والقليل منها هو الذى صمم أساساً للدراسات المستقبلية أو توصل إليه باحثون فى المستقبليات مثل أسلوب دلفى (Delphi Method) وأسلوب البحث المستقبلى الاثنوجرافى (ethnographic futures research) .
لاحظ أن بعض ما يصنف عادة على أنه من طرق الدراسات المستقبلية قد لا يؤدى بذاته إلى تنبؤات مشروطة أو رسم صور مستقبلية ، بل أنه قد يكون مفيداً فى إنجاز بعض المراحل الوسيطة التى تخدم عملية استشراف المستقبل . ومن أمثلة هذه الطرق طرق تحليل المضمون content analysis ، وطرق المتابعة أو تتبع الظواهر monitoring ، وطريقة الاستثارة الفكرية brain storming .
لاحظ أيضاً أن بعض الطرق المذكورة فيما بعد قد تتكامل فيما بينها ، ولا تتنافس على تقديم تنبؤات أو صور مستقبلية بديلة . فكتابة السيناريوهات مثلا قد تتم باستخدام الطرق التشاركية مثل ورشات العمل المستقبلى بالمشاركة participatory futures workshops ، وطريقة تحليل الآثار المقطعية أو التبادلية cross impact analysis ، ونماذج المحاكاة simulation models ، . إذ يؤدى كل منها غرضاً قائما بذاته مثل الحصول على توقعات أو تنبؤات لبعض المتغيرات ، أو اختصار عدد السيناريوهات الممكنة ، أو حساب تداعيات تصرفات معينة عبر الزمن .
معايير تقسيم طرق البحث فى المستقبل
ويمكن تقسيم طرق البحث المستقبلى وفق معايير متنوعة . فقد تصنف هذه الطرق حسب درجة اعتمادها على قياسات كمية صريحة إلى طرق كمية quantitative وطرق كيفية qualitative . ولكن يعيب هذا التقسيم أن التمايزات ليست قاطعة بين ما هو كمى وما هو كيفى من طرق البحث المستقبلى . وكثيراً ما يكون الفرق بينهما فرقاً فى الدرجة - لا فى النوع . ذلك أن غالبية الطرق التى يستخدمها دارسو المستقبل تستخدم شيئا من" التكمية " ، مهما كان محدوداً . كما يندر أن تعتمد الدراسات المستقبلية الجيدة على القياسات الكمية وحدها دون اللجوء إلى الطرق الكيفية ، على الأقل فى مرحلة التحليل والتفسير والتوصل إلى استنتاجات .
كذلك قد تصنف طرق البحث المستقبلى إلى طرق استطلاعية exploratory تقدم صوراً مستقبلية احتمالية ، وطرق استهدافية normative تقدم صوراً لمستقبلات مرغوب فيها .
ولكن هذا التقسيم ليس حاداً كما يبدو . إذ قد يشترك هذان النوعان من الطرق فى وسائل البحث المستقبلى ، بمعنى أن الصور المستقبلية التى يؤدى إليها كل نوع منهما قد تنتج باستخدام وسائل كمية أو وسائل كيفية ، أو بمزيج من الاثنين . كذلك فإن الدراسة المستقبلية قد تتوصل إلى عدد من الصور المستقبلية الاحتمالية ، ثم تختار من بينها صورة أو أكثر من الصور المرغوب فيها . أى أن الصفة الاستطلاعية والصفة الاستهدافية قد تجتمعان فى دراسة مستقبلية واحدة .
وأخيراً ، قد يميز بين طرق نظامية formal أو موضوعية objective من
جهة ، وطرق غير نظامية informal أو ذاتية subjective من جهة أخرى . والعبرة هنا هى بما إذا كانت الطريقة المستخدمة فى البحث المستقبلى تعتمد على أساليب مقننة codified واضحة المعالم ، أو على نماذج صريحة للظاهرة محل الدراسة ( فحينئذ تعتبر من الطرق النظامية أو الموضوعية ) ، أو أنها تعتمد على الحدس والخيال والخبرة والتقدير الذاتى ، دون تبنى نماذج صريحة للظاهرة موضع البحث ( فحينئذ تعتبر من الطرق غير النظامية أوالذاتية ) . ولكن هذا المعيار قد يصعب تطبيقه على الكثير من طرق البحث المستقبلى . فما يبدو لأول وهلة موضوعياً ( كالنماذج ) كثيراً ما يعتمد على اختيارات ذاتية ( للمتغيرات أو لتعريفها وغير ذلك كثير ) ولا يستغنى عن قدر من الحدس والخبرة . وما يبدو لأول وهلة ذاتياً ، كثيراً ما يمكن استنتاج خطوات أو إجراءات محددة لتطبيقه ( مثل طريقة دلفى ) .
ولذلك آثرنا عدم تصنيف الطرق الخمس والعشرين التى سنقدمها حالاً حسب أى من هذه المعايير ، واكتفينا بتقديمها فى عشر مجموعات تغلب على كل مجموعة منها سمة منهجية معينة . ولما كانت طبيعة هذه الورقة لا تسمح بتقديم عرض مفصل لأى من الطرق المذكورة ، فحسبنا رصد هذه الطرق والتعريف الموجز ببعضها لا أكثر (4)، وذلك على النحو التالى :
1- طرق السلاسل الزمنية ، time series methods وهى من الطرق التى لا تقوم على نماذج " سببية " causal، تعبر عن سلوك المتغير أو المتغيرات موضع الاهتمام وفق " نظرية " ما . وهى تشمل طرق ونماذج تتفاوت من حيث التعقيد وكم المعلومات المسبقة المطلوب . منها نموذج الخطوة العشوائية random walk model الذى يفترض قيمة المتغير فى فترة ما هى قيمته التى تحققت فى فترة سابقة
( ولذا يطلق عليه نموذج عدم التغير ) . ومنها طرق إسقاط الاتجاه العام trend extrapolation بالمتوسطات المتحركة وتحليل الانحدار . ومنها أساليب تفكيك السلاسل الزمنية للتنبؤ بالتغيرات الموسمية . ومنها طرق التمهيد الأسى للسلاسل الزمنية ، ، والطرق المعتمدة على النماذج الاحصائية للسلاسل الزمنية مثل نماذج " بوكس - حينكنز".
2- طرق الاسقاطات السكانية ، ومن أشهرها ما يعرف بطريقة الأفواج والمكونات cohort-component method ، حيث يتم حساب النمو فى عدد السكان من مكونات محددة كالمواليد والوفيات والهجرة إلى الدولة والهجرة من الدولة ، وحيث يمكن التنبؤ بعدد السكان فى كل فوج أو شريحة عمرية - جنسية استناداً إلى معدلات الخصوبة ومعدلات البقاء على قيد الحياة حسب العمر والجنس .
3- النماذج السببية causal models . وهنا يتم التنبؤ بقيم متغير ما أو مجموعة متغيرات باستعمال نموذج يحدد سلوك المتغيرات المختلفة استناداً إلى نظرية ما . ومن أشهر هذه النماذج نماذج الاقتصاد القياسى econometric models ، ونماذج المدخلات والمخرجات input-output models ، ونماذج البرمجة programming models أو الأمثلية optimization ، ونماذج المحاكاة simulation models ، ونماذج ديناميات الأنساق systems dynamics ( التى تعد دراسة " حدود النمو " لنادى روما من أشهر تطبيقاتها ) . وإلى جانب هذه النماذج الكمية الصريحة ، قد تتخذ النماذج أشكالا أقل صرامة من الناحية المنهجية . فقد يعبر عنها لفظياً بجمل منطقية ، وقد يعبر عنها بالأشكال البيانية وخرائط التدفقات flow charts . وفى بعض الحالات تجرى المحاكاة لما قد يحدث فى الواقع ليس اعتماداً على نماذج من هذا النوع أو ذاك ، بل على محاكيات فعلية actual analogs كنماذج الطائرات مثلاً .
4- الألعاب أو المباريات gaming ، وهى طريقة تعتمد على المحاكاة ليس فقط من خلال الباحث فى الدراسات المستقبلية ، بل وكذلك بإشراك الناس فيها كلاعبين يقومون بأدوار role playing يتخذون فيها قرارات أو تصرفات ، ويستجيبون لقرارات وتصرفات غيرهم ، ويبدون رد فعلهم إزاء أحداث معينة . ويتم استخراج الصور المستقبلية البديلة باستعمال نماذج لفظية أو رياضية أو كمبيوترية أو محاكيات فعلية .
5- تحليل الآثار المقطعية cross impact analysis وهو أسلوب لفهم ديناميكية نسق ما ، والكشف عن القوى الرئيسية المحركة له . كما أنه أسلوب لفرز التنبؤات الكثيرة والخروج منها بعدد محدود من التنبؤات ، وذلك بمراعاة أن احتمال وقوع بعض الأحداث يتوقف على احتمال وقوع أحداث أخرى . أى أنها طريقة لأخذ الترابطات وعلاقات الاعتماد المتبادل بين الظواهر أو المتغيرات أو التنبؤات فى الحسبان .
6- الطرق التشاركية participatory methods . ويقصد بها طرق البحث المستقبلى التى تتيح المجال لمشاركة القوى الفاعلة أو الأطراف المتأثرة بحدث ما فى عملية تصميم البحث وجمع المعلومات اللازمة له وتحليلها واستخراج توصيات بفعل اجتماعى معين بناء على نتائجها . وهذه الطرق أكثر استعمالاً من النشطاء فى مجال المستقبليات ، أى من يقومون بالدراسات المستقبلية ذات التوجه الاستهدافى والتى يرتبط فيها الاستهداف بممارسات عملية للترويج والتعبئة والتحريض على اتخاذ فعل اجتماعى يساعد على تحقيق صورة مستقبلية مرغوب فيها أو على منع حدوث صورة أو صور مستقبلية غير مرغوب فيها . ومن أمثلة هذه الطرق التشاركية فى البحث المستقبلى طريقة الممارسة المستقبلية بالمشاركة participatory future praxis ، وطريقة البحث التشاركى الموجه للفعل الاجتماعى participatory action research ، وطريقة ورش عمل المستقبليات futures workshops ، وطرق إجراء التجارب الاجتماعية social experiments ، والبحوث المستقبلية الاثنوجرافية ethnographic futures research التى تركز على استطلاع المستقبلات الثقافية - الاجتماعية من خلال مقابلات مطولة ومفصلة ومتكررة مع مجموعة من الأفراد المشتغلين بظاهرة ما ( كالبحث والتطوير التكنولوجى) أو الذين يحتمل تأثرهم بحدث ما .
7- طرق التنبؤ من خلال التناظر والإسقاط بالقرينة . وتقوم أساليب التناظر أو المشابهة method of analogy على استخراج بعض جوانب الصور المستقبلية استناداً إلى أحداث أو سوابق تاريخية معينة والقياس على ما فعلته دول معينة فى مرحلة أو أخرى من مراحل تطورها لإنجاز معدل ما للنمو الاقتصادى مثلاً . أما أساليب الإسقاط بالقرينة ، فهى تقوم على افتراض أن ثمة ارتباط زمنى بين حدثين ، حيث يقع أحدهما قبل الآخر عادة ، بحيث يمكن التنبؤ بالحدث اللاحق استناداً إلى الحدث السابق . فمثلا يمكن أن يؤخذ التقدم فى الطائرات الحربية من حيث السرعة قرينة على التقدم فى سرعة الطائرات المدنية . ومن أشهر هذه الطرق طريقة السلاسل الزمنية القائدة leading series التى كثيراً ما استخدمت فى التنبؤ بالدورات الاقتصادية ، حيث يؤخذ بطء النمو فى متغيرات اقتصادية معينة (كالمخزون أو التعاقدات الجديدة ) قرينة على إبطاء حركة النشاط الاقتصادى فى مجموعه .
8- طرق تتبع الظواهر وتحليل المضمون . يقصد بطريقة تتبع الظواهر monitoring استخدام طائفة متنوعة من مصادر المعلومات فى التعرف على الاتجاهات العامة لمتغيرات معينة ، مع افتراض أن الاتجاهات العامة التى يتم الكشف عنها هى التى ستسود فى المستقبل . وقد استخدم هذه الطريقة الباحث المستقبلى المشهور Naisbitt فى التوصل إلى ما أطلق عليه الاتجاهات العامة الكبرى megatrends . أما طريقة تحليل المضمون content analysis فهى تركز على تحليل مضمون الرسائل messages التى تحملها الصحف والمجلات والبحوث والكتب وما يذاع فى الإذاعة والتليفزيون وغيرها ، وتسجيل مدى تكرر عبارات أو كلمات تحمل قيماً أو توجهات معينة ، وبناء استنتاجات مستقبلية على تحليل هذه التكرارات .
9- تحليل آراء ذوى الشأن والخبرة . ومن هذه الأساليب طريقة المسوح surveys التى يتم فيها استطلاع رأى أو توقعات عينة من الأفراد سواء من خلال استبيان يرسل بالبريد أو يتم تعبئته عن طريق المقابلة الشخصية أو الإتصال التليفونى . ومنها طريقة ندوة الخبراء panel discussion وطريقة الاستثارة الفكرية أو القدح الذهنى brain storming ، وطريقة دلفى Delphi method التى يتم فيها استطلاع الآراء والتحاور بشأنها ، مرة واحدة كما فى ندوة الخبراء والاستثارة الفكرية أو عدة مرات كما فى طريقة دلفى .
10- السيناريوهات Scenarios . السيناريو وصف لوضع مستقبلى ممكن أو محتمل أو مرغوب فيه ، مع توضيح لملامح المسار أو المسارات التى يمكن أن تؤدى إلى هذا الوضع المستقبلى ، وذلك انطلاقاً من الوضع الراهن أو من وضع ابتدائى مفترض . والأصل أن تنتهى كل الدراسات المستقبلية إلى سيناريوهات ، أى إلى مسارات وصور مستقبلية بديلة . فهذا هو المنتج النهائى لكل طرق البحث المستقبلى . ولهذا فإن بعض المستقبليين يعتبرون السيناريو الأداة التى تعطى للدراسات المستقبلية نوعاً من الوحدة المنهجية methodological unity ، وذلك بالرغم من أن الطرق التى قد تستخدم فى إنتاج السيناريوهات تتنوع تنوعاً شديداً . فالسيناريوهات يمكن أن تبنى بأى من الطرق السابق ذكرها أو بمجموعات معينة منها . كما أنها يمكن أن تبنى بطرق أخرى لم تتعرض لها كالسيناريوهات التى نعتمد اعتماداً كلياً على الخيال العلمى أو الإبداع الأدبى أو الحدس أو الاستبصار foresightوالتى قد ينفرد بكتابتها شخص واحد - لا فريق من الباحثين العلميين .
وعموماً ، فإن السيناريوهات تصف إمكانات بديلة للمستقبل ، وتقدم عرضاً للاختيارات المتاحة أمام الفعل الإنسانى ، مع بيان نتائجها المتوقعة بحلوها ومرها . وقد ينطوى تحليل السيناريوهات على توصيات ضمنية أو صريحة حول ما ينبغى عمله . ولكن ذلك يتوقف - كما سبق بيانه - على التوجه الذى يأخذ به واضعو السيناريوهات ، أى ما إذا كان توجهاً استطلاعياً أم توجهاً استهدافياً .

الاستشراف والعولمة
ماذا تعنى العولمة بالنسبة للاستشراف ؟ إنها تعنى المزيد من الصعوبات . فالاستشراف المستقبلى لأوضاع مجتمع مفتوح أشد صعوبة منه لمجتمع منغلق . ولا شك أن العولمة بما تعنيه من زيادة وتكثيف فى العلاقات بين مجتمع ما والعالم الخارجى تجعل مثل هذا المجتمع أكثر تعرضاً للمؤثرات الخارجية ، أو أكثر انكشافاً . ومن ثم تزداد عناصر اللايقين فى عملية استشراف المستقبل . كما أن العولمة بما تعنيه من تزايد التداخل عبر الحدود الوطنية فى المسائل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والبيئية ، وبما تعنيه من تحول فى سلطات اتخاذ القرارات فى بعض الأمور من النطاق القطرى إلى النطاق الإقليمى أو العالمى ، تفرض على دارس المستقبل ضرورة أكبر لتفهم المحيط العالمى ، والإحاطة جيداً بالقوى الفاعلة فيه ، والتعرف على طبيعة الالتزامات المفروضة على الدول بمقتضى اتفاقات
دولية ؛ حيث تشكل الأخيرة نوعاً من القيود على الحركة المتاحة لمتخذ القرار القطرى . وإجمالاً ، فإن العولمة تقوى من أسباب الأخذ بمنهجيات أكثر تعقيداً فى استشراف المستقبل .
ولكن هل تعنى العولمة وما تنطوى عليه من ازدياد دور العوامل الخارجية فى تشكيل مسارات المستقبل لدولة نامية مثل مصر أو سوريا أن تتحول السيناريوهات البديلة لمستقبلها إلى مجرد ردود فعل وطنية لتصرفات القوى الخارجية المهيمنة على نظام تقسيم العمل الدولى أو على النظام الدولى فى
مجموعه ؟ بعبارة أخرى ، هل تتشكل السيناريوهات - إبتداءً - وفق أهداف وسياسات القوى الاجتماعية والسياسية الوطنية وحدها ، أم أنها تتشكل - إبتداءً - بالمؤثرات الخارجية وما تجره وراءها من ردود فعل وطنية ؟ لقد طرح هذا السؤال فى إحدى الندوات التى أقامها " مشروع مصر2020 " (6) . وكانت وجهة نظرنا أنه مع التسليم بالدور الأكبر للعوامل الخارجية ، ومع التسليم بأن الوضع الإقليمى والوضع الدولى يمثلان معطيات لصانع القرار المصرى ( وإن كان ثمة مجال أكبر للتحرك على المستوى الإقليمى ) ، إلا أنه لا يمكن تهميش دور العوامل والقوى الداخلية فى تشكيل مسار التطور الاجتماعى والسياسى المصرى .
فمن جهة أولى ، لا تفعل المؤثرات الخارجية فعلها المتوقع من القوى الخارجية إلا إذا وجد سياق داخلى ملائم لتلقى هذه المؤثرات ، والاستجابة لها على هوى القوى الخارجية . فالسياق الاقتصادى والاجتماعى والسياسى الوطنى محدد مهم لطبيعة الأثر الذى تنتجه العوامل الخارجية . ومن جهة ثانية ، فإن البدء بافتراض أن العامل الحاكم فى تشكيل مستقبل المجتمع المصرى هو العامل
الخارجى ، يقيد كثيراً نطاق البحث المستقبلى ، ويصادر على احتمالات الحركة المستقبلية الذاتية إلى حد بعيد . هذا فى حين أن القضية المحورية فى الدراسة المستقبلية لبلد مثل مصر هى استكشاف تصورات أو سيناريوهات مستقبلية توسع من الهامش المتاح للحركة أمام صانع القرار الوطنى ، وتوسع من فرص مشاركة مصر بدور أكبر فى صناعة مصيرها ومستقبلها . ولاشك أن السيناريوهات البديلة المعبرة عن رؤى قوى اجتماعية - سياسية متباينة سوف تتفاعل مع المعطيات الخارجية بأشكال مختلفة . وقد يتيح هذا التباين فى التفاعلات مجالاً أرحب لاستكشاف إمكانات أكبر لاستفادة مصر من العولمة والمعطيات الدولية عموماً فى تشكيل مستقبل أفضل .
حاجة الدول النامية إلى استشراف المستقبل
وقد يكون من المناسب فى ختام هذا العرض أن أؤكد على أمر سبق أن ألمحت إليه فيما تقدم ، وأن أفصل ما أجملت القول فيه . فأما الأمر الذى أريد تأكيده وإبرازه فهو أن الدراسات المستقبلية ليست مجرد صرعة ظهرت فى الدول المتقدمة ، وتحاول الدول النامية محاكاتها ، مثلما يحدث فى أمور أخرى كثيرة . فالواقع أن احتياج الدول النامية إلى الدراسات المستقبلية لا يقل عن احتياج الدول المتقدمة إلى هذه الدراسات ، بل وقد يزيد عليها .
وبطبيعة الحال ، فليس كل ما يظهر فى الدول المتقدمة سئ وينبغى إجتنابه من جانب الدول النامية ، تماماً مثلما أنه ليس كل ما يأتى من الغرب يسر القلب . وفيما يخص الدراسات المستقبلية ، فإن ظهورها فى الدول المتقدمة لم يأت من
فراغ ، بل إنه كان استجابة لحاجات عملية وموضوعية قوية سبق إيضاحها . كما
أثبتت هذه الدراسات على مدى زمنى معقول ما أشرنا إليه حالاً من فوائد ومزايا مهمة لتلك الدول . ومن ثم فليس على الدول النامية حرج فى الإقبال على الدراسات المستقبلية والإفادة من مزاياها .
وأما القول الذى جاء مجملاً فيما سبق ويحسن تفصيله الآن ، فهو أن حاجة الدول النامية إلى الدراسات المستقبلية ربما تكون أشد من حاجة غيرها إليها . ويمكن إرجاع ذلك الأمر إلى ثلاثة أسباب رئيسية :
( أ ) السبب الأول هو طبيعة عملية التنمية وطبيعة نشاط التخطيط للتنمية . ونقصد بذلك كون عملية التنمية ذات بعد زمنى طويل بالضرورة . فالتنمية لا تحدث بين عشية وضحاها ، بل هى تتضمن إجراء تغيرات مؤسسية وهيكلية عميقة ، يستغرق إنجازها وقتاً ليس بالقصير . ومن ثم فالتنمية هى عملية ذات بعد مستقبلى بالضرورة ، ويستوجب التخطيط لها بالتالى الامتداد بالتفكير والنظر عبر فترة زمنية ( مستقبلية ) طويلة والتطلع إلى أفق زمنى
( مستقبلى ) بعيد .
وكثيراً ما عانت الدول النامية المشكلات والمصاعب من جراء إهمال المدى الطويل عند التخطيط للتنمية ، وكثيراً ما جرت المصادرة على إمكانات جيدة للتنمية من جراء التركيز على المدى الأقصر واستعجال ظهور النتائج . وكما سبق بيانه ، فإن الخوض فى أمور التخطيط طويل المدى يستلزم أول ما يستلزم تكوين قاعدة معرفية جيدة من خلال الدراسات المستقبلية .
(II) والسبب الثانى يتصل بحقيقة عدم التكافؤ فى القوى فى هيكل القوى
العالمية ، وبخاصة التفاوت الصارخ فى الثروة ومستوى المعيشة والنفوذ بين الدول النامية والدول المتقدمة . وهو أمر قد تفاقم - ولم تقل حدته - فى ظروف العولمة الحديثة . وفى مثل هذه الظروف تتاح فرص واسعة أمام القوى الكبرى للتحكم فى مقادير الدول النامية ومساراتها المستقبلية ، وتصبح التربة ممهدة لاستمرار تبعية الدول النامية للدول المتقدمة . وخطر ذلك كبير ( كما أسلفنا ) بالنسبة للدول ذات الموقع الاستراتيجى أو المكانة السياسية المتميزة ، أو ما تطلق عليه الولايات المتحدة الآن الدول المحورية ( من وجهة نظرها طبعاً ) (7) . إذ تتطلع القوى الكبرى إلى الاحتفاظ بهذه الدول فى حظيرتها، وتسعى إلى" توفيق أوضاعها " بما يتلاءم مع مصالحها . بعبارة أخرى ، تسعى القوى الكبرى إلى أن تصنع لمثل هذه الدول النامية مستقبلها .
وما المشروعات المطروحة من القوى الكبرى كمشروع الشراكة مع أوروبا ومشروع الشرق أوسطية وغيرها سوى مشروعات لتغيير خريطة المنطقة العربية التى نعيش فيها ، ومحاولات لصنع مستقبل جديد على هوى قوى أجنبية لها مآربها الخاصة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا . ومن هنا تظهر أهمية أن نبادر - نحن العرب - باتخاذ قرارات الآن للتأثير فى صورة مستقبلنا وتوجيهه الوجهة التى نريدها ، قبل أن يتمكن الآخرون من إعادة تشكيل مستقبلنا على هواهم . وهو ما يستوجب التسلح بدراسات مستقبلية جادة .
(ج) أما السبب الثالث فى ضرورة الدراسات المستقبلية للدول النامية ، فهو يتصل بما تحتاج إليه التنمية من تعبئة ذهنية ونفسية وشحذ للهمم وإعادة اكتساب للثقة بالنفس بعد سنوات طويلة من التبعية ، لاسيما التبعية الثقافية التى بددت الكثير من ثقة الناس بأنفسهم وشككتهم فى الكثير من قدراتهم الوطنية . والحق أن الدراسات المستقبلية يمكن أن تسهم فى هذا المجال إسهاماً مرموقاً ، وذلك بما تنطوى عليه من إعادة بحث للماضى والحاضر ، وتفهم للقوى الدافعة للتنمية ، واستيعاب للعوامل المحركة للنظام الاجتماعى والسياسى ، وتحديد لنقاط الاختناق والقيود على الحركة ، وبيان لمدى الخيارات المتاحة للتنمية ، ولمنافع وتكاليف كل خيار منها .
فتلك أمور مهمة لإعادة اكتشاف الذات وإعادة تقييم القدرات الوطنية على أسس أكثر واقعية ، وانتشال أنفسنا من حالة الإحباط واليأس من الخروج من التخلف وفقدان الأمل فى التقدم بقوانا الذاتية . بعبارة أخرى ، فإن الدراسات المستقبلية وسيلة مهمة لتعبئة طاقات الأمة وتنشيط جهودها وزرع الأمل فى إمكانية الخلاص من التخلف وتحفيز الفعل الاجتماعى فى اتجاه التنمية الشاملة والمطردة .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59