عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 03-03-2012, 12:40 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
افتراضي

وكانت الظروف السياسيَّة والاجتماعيَّة التي تمرُّ بها الدول العربيَّة والإسلاميَّة في تلك الفترة إحدى العوامل الأساسيَّة وراء انصراف الكُتَّاب إلى التاريخ واستِمداد نماذجهم الفنيَّة من بُطونهم؛ إذ إنها كانت فترةَ صراعٍ ضد الاحتلال الأجنبي والاستبداد الداخلي، وقيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين؛ ومن ثَمَّ اندفع بعض الكُتَّاب إلى إحياء بعض الأمجاد التاريخيَّة وتخليدها في شكلٍ روائي.

ولم يكن نظرة هؤلاء الكُتَّاب إلى التاريخ نظرةً واحدة، بل كان اختلافهم في تكوينهم الفكري والنفسي، وتباين نظرتهم إلى الظروف والأحداث المحيطة بهم، وأسلوب مُواجَهتها وتفسيرها، عاملاً مهمًّا في تبايُن الموضوعات التاريخيَّة التي تناوَلها كلٌّ منهم في رواياته، فعادل كامل مثلاً بدافِعِه العرقي والنسبي التفَتَ إلى تاريخ مصر القديم واستَقَى موضوعه منه وكتب رواية "ملك من شعاع"، وكان نجيب محفوظ مولعًا بالدعوة إلى الفرعونيَّة وإحياء أمجاد مصر القديمة التي كان يحمل لواءها بعضُ الكُتَّاب المصريين حينذاك؛ ولذلك اختارَ تلك الفترة التاريخيَّة مجالاً لفنِّه في الرواية التاريخيَّة وكتب روايات "عبث الأقدار"، و"رادوبيس"، و"كفاح طيبة".

وأمَّا عبدالحميد جودة السحار فقد اتَّجه في البداية إلى تاريخ مصر القديم وكتب رواية "أحمس بطل الاستقلال"، ولكن سرعان ما رجع عنه والتفت إلى التاريخ الإسلامي وتاريخ مصر الحديث.

وآثَر فريد أبو حديد في تلك الفترة تاريخ العرب قبل الإسلام في شبه الجزيرة العربيَّة موضوعًا لرواياته التاريخيَّة؛ فكتب روايات "المهلهل سيد ربيعة"، و"الملك الضليل"، و"زنوبيا"، و"عنترة بن شداد"، و"الوعاء المرمري".

وعُنِي علي الجارم بحياة أعلام الشعر العربي الذين نالوا إعجابه وتقديره؛ فكتب روايات "الشاعر الطموح"، و"خاتمة المطاف"، وكلاهما حول أبي الطيب المتنبي، و"شاعر ملك" حول المعتمد بن عباد، و"فارس بني حمدان" حول أبي فراس الحمداني، و"هاتف من الأندلس" حول ابن زيدون، و"مرح الوليد" حول وليد بن يزيد.

بينما شغف محمد سعيد العريان بتاريخ مصر الإسلامية؛ فكتب روايات "قطر الندى"، و"شجرة الدر"، و"على باب زويلة".

وأمَّا علي أحمد باكثير فكان اهتمامه منصبًّا على التاريخ الإسلامي في أوطانه المتعدِّدة بما احتوى من صِراعاتٍ سياسية واجتماعية[8]، فكتب باكثير ست روايات وهي:
أ- رواية "سلاَّمة القس"، وهي رواية تاريخية تحكي قصَّة حبٍّ عذري بين عبدالرحمن القس والمغنية سلاَّمة، ويدورُ الصراع فيها بين التقوى والهوى، وتنتصر التقوى في النهاية.
ب- رواية "واإسلاماه"، وهي رواية تاريخية تناول الكاتب فيها فترة حسَّاسة من التاريخ الإسلامي تعرَّض فيها العالم الإسلامي لهجمةٍ شرسة من التتار القادِمين من الشرق والصليبيين القادمين من الغرب.
ج- رواية "ليلة النهر"، وهي رواية خياليَّة تناول فيها حياة الموسيقار المصري المعروف فؤاد حلمي.
د- رواية "الثائر الأحمر"، وهي رواية تاريخية تحكي قصَّة الصراع بين الرأسمالية والشيوعية وانتصار العدل الإسلامي عن طريق قصَّة ثورة القرامطة.
هـ- رواية "سيرة شجاع"، وهي رواية تاريخية تدورُ أحداثها حول آخِر أيام الحكم الفاطمي وبداية الحكم الأيوبي في مصر، عندما مهَّد أسد الدين شيركوه للعهد الجديد ليأخذه من بعده صلاح الدين الأيوبي الذي قضى على الخلافة الفاطمية هناك.
و- رواية "الفارس الجميل"، وهي رواية تاريخيَّة تحكي الصراع بين العاطفة والواجب في نفس مصعب بن الزبير.

اعتَمَد باكثير في رواياته التاريخيَّة على التاريخ الإسلامي على امتداده الزماني والمكاني من القرن الثاني الهجري إلى القرن العشرين ومن شبه الجزيرة العربية إلى إيران والعراق والشام ومصر.

وليس اتِّجاه باكثير إلى التاريخ الإسلامي في رواياته هروبًا من الواقع، بل هو محاولة لفهْم التاريخ والتبصُّر فيه والاتِّعاظ به والاستفادة منه لإحياء التراث الإسلامي، وإحياء القِيَم والمثُل التي ازدهرت في حَضانته، وبناء مستقبل أفضل بإعادة تشكيل الحياة المعاصرة وبثِّ روح الأمن والطمأنينة في النفوس البشرية؛ وذلك لأنَّ التاريخ يُعتَبر حقلاً للتجارب الإنسانيَّة التي مرَّت بها الأجيال السابقة، ويمكن أنْ تستفيد منها الأجيال اللاحقة.

ولعلَّه لم يتناول حدثًا تاريخيًّا في إنتاجٍ إلا قرَنَه بتوجيهٍ يخدم هدفًا من أهدافه، ويُصوِّر صورةً للواقع الراهن؛ ولذلك "فإنَّ أعماله الروائيَّة التاريخيَّة تُثِير التأمُّل في الواقع الراهن أكثر ممَّا تثير التأمُّل في الواقع القديم، وهي لم تأتِ عَفْوَ الخاطر ولكنَّها جاءت حَصِيلةَ احتِدامٍ معنوي في نفس الكاتب وإجابةً على تساؤلاتٍ مؤلمة تتعلَّق بالواقع العربي والإسلامي وبالتكالُب الاستعماري الغربي والشيوعي والصِّهيَوْني الذي يُذكِّر بتحالفات الأمس البعيد، وبالمحاولات التي تصدَّت لمواجهة ذلك الصراع وأعادت إلى الإنسان العربي المسلم امتلاك مصيره"[9].

فكتَب باكثير بهذه الرؤية المستقبليَّة رواياته التاريخية، مستلهمًا أحداث التاريخ وشخصيَّاته، مشيرًا في نفس الوقت إلى أحداث الواقع وشخصيَّاته.
__________________


رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59