عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 07-07-2012, 08:26 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
افتراضي

المسألة السادسة عشرة : مواضيع عالجتها الشريعة قبل القانون.

عدة مواضيع عالجتها الشريعة قبل القانون ، يتضح ذلك من خلال معرفة زمن معالجة القانون لها ، لأن الشريعة عالجتها منذ صدر الإسلام الأول ، أما القانون فكثير من نظريّاته التي عالج بها هذه المواضيع تُوصّل إليها في القرن الثامن عشر الميلادي وما بعده ، فمثلاً : عندما تتأمّل قضاء الأحداث في الشريعة تجد أنها راعته في أحكامها ، فليس الصغير كالكبير ، ولا المميز كغيره ، ولا البالغ كغيره ، أما في القانون فأول قانون لقضاء الأحداث كان في عام 1899م ، ويستتبع ذلك أن القانون ليس فيه قبل هذا التاريخ تحديداً لسنّ المسؤولية الجنائية فيُعامل الناسُ ؛ صغيرُهم وكبيرُهم على نحو واحد ، ومثال آخر هو التعسّف في استعمال السلطة فإن القانون لم يعرفه إلا في القرن التاسع عشر ، كما يذكره الدكتور محمود فتحي في رسالته التي أعدّها عام 1912م ، ومثال آخر هو مبدأ الحرية في الفكر والاعتقاد والقول دون قيْد ما لم تُخالف نصّاً ، فإن الشريعة سبقت إليه بينما القانون لم يعرفه إلا بعد الثورة الفرنسية على الكنيسة التي كان الساسة مستبدون من خلالها ، ومثال آخر هو مبدأ العدالة ، فإن الشريعة تقصده في خطابها وأحكامها وتكاليفها بين الناس كلهم ، أما القانون فقد كوى الشعوب بنار الطبقيّة والفوقية والقسوة ، ولم يعرف العدالة إلا في أواخر القرن الثامن عشر عند إنشاء الإنجليز محاكم خاصّة للعدالة ، ومثال آخر هو أن القانون يقرّر أن الاعتراف سيّد الأدلّة وأقواها ، ثم اكتشف أنه ليس كذلك ، وهو حال ما إذا كذّبته القرائن القويّة ، أما الشريعة فتُقرّر أن الاعتراف من أقوى الأدلّة وليس أقواها استناداً لفعل سليمان عليه السلام في حكمه بين المرأتين اللتين اختصمتا في ولد ؛ تزعم كلُّ منهما أنه لها ، وقد جاء في حكمه أنه أوهمهما برغبته في شقّ الولد نصفين ، بحيث يكون لكل واحدة نصف ، فقالت الصغرى منهما هو لها لا تقتله ، بينما أحجمت الكبرى عن الجواب ، فحكم به للصغرى وأهمل اعترافها ، واتخذ سكوت الكبرى علامة لرضاها ، ولو كان ابناً لها لماَ رضيت ، وهذه قرينة قويّة ، والخلاصة أنه أهمل الاعتراف وعمل بالقرينة القويّة. والشيء بالشيء يُذكر ، فإن الصحابي الجليل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري واليه على الكوفة رضي الله عنهما ما يتضمّن قواعد أصّل في كثيراً من أحكام القضاء ، ونصّ الكتاب : ( أما بعد فإن القضاء فريضة محكمة ، وسنة متبعة ، فافهم إذا أدلى إليك ، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له ، آس الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك ، حتى لا يطمع شريف في حيفك ، ولا ييأس ضعيف من عدلك ، البينة على المدعي ، واليمين على من أنكر ، والصلح جائز بين المسلمين ، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ، ومن ادعى حقا غائبا أو بينة فاضرب له أمدا ينتهي إليه ، فإن بينه أعطيته بحقه وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية ، فإن ذلك هو أبلغ في العذر وأجلى للعماء ، ولا يمنعنك قضاء قضيت فيه اليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك أن تراجع فيه الحق ، فإن الحق قديم لا يبطله شيء ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ، والمسلمون عدول بعضهم على بعض ، إلا مجربا عليه شهادة زور ، أو مجلودا في حد ، أو ظنينا في ولاء ، أو قرابة ، فإن الله تعالى تولى من العباد السرائر وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان ، ثم الفهمَ الفهمَ فيما أدلي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة ، ثم قايس الأمور عند ذلك واعرف الأمثال ، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق ، وإياك والغضب والقلق والضجر والتأذي بالناس والتنكر عند الخصومة أو الخصوم ( شك الراوي أبو عبيد ) فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر ، ويحسن به الذكر ، فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس ومن تزين بما ليس في نفسه شانه الله ، فإن الله تعالى لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصا ، فما ظنك بثواب عند الله في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام عليك ورحمة الله ). ( أعلام الموقعين لابن القيّم 68/1). والمواضيع كثيرة ، لكن هذا ما حضر في الذّهن وتهيأ إيراده.

__________________


رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59