عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 07-05-2014, 04:15 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,192
ورقة

التكفير عند المعتزلة "مقاربة منهجية"*
ــــــــــــــــــــ

7 / 9 / 1435 هــ
5 / 7 / 2014 م
ـــــــــ






التكفير عند المعتزلة "مقاربة منهجية"

د . سليمان بن عبد العزيز الربعي

مجلة العلوم الشرعية – 1433 هجري .

ــــــــــــــــــــــــــ

شغلت مسألة التكفير اهتمام العلماء والباحثين قديما وحديثا, وكان من الطبيعي أن تدرس هذه الظاهرة في البيئات التي مثل التكفير أصلا من أصولها الاعتقادية كبيئة الخوارج, أو اتسق مع عوامل ظهورها كبيئة الشيعة الإمامية الاثني عشرية, أما أن تظهر في البيئة الاعتزالية فهو أمر مستغرب بنظر الباحث, نظرا لكون المعتزلة قد نشأت أصلا بسبب الامتناع عن تكفير الفاسق, وأقامت أصولها على أسس عقلية من حرية المكلف في الاختيار والفعل, فكيف يتفق ذلك مع وجود التكفير عند هذه الفرقة نظريا وممارسة!!

وبعد بيان أسباب اختيار البحث و مشكلاته وأهدافه, بين الباحث منهج بحثه بتقسيم دراسته إلى مبحثين وخاتمة, تناول في المبحث الأول الإطار النظري للتكفير عند المعتزلة, بينما تناول في المبحث الثاني المستويات التطبيقية للتكفير عند المعتزلة.

المبحث الأول : الإطار النظري للتكفير عند المعتزلة

بداية تناول الباحث نشأة هذه الفرقة في القرن الثاني الهجري على جهة التقريب, معتبرا أن اللحظة التي وجد فيها مصطلح الاعتزال كان عند تعبير واصل بن عطاء – مؤسس الفرقة – عن رأيه في حكم مرتكب الكبيرة.

كان رأي واصل أصل فيما عرف فيما بعد "بأصل المنزلة بين المنزلتين", وبالقواعد الخمسة التي أضحت أصول هذه الفرقة العامة وهي: التوحيد, والعدل, والوعد والوعيد, والمنزلة بين المنزلتين, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفي مسألة الكفر والفسق علق المعتزلة الكفر بالكبائر التي عرفوها بأنها: "كل معصية وجب فيها حد وعقوبة نحو القذف والسرقة, أو صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الإجماع أنه من الكبائر", بينما حقيقة الفسق عندهم موهمة, إذ أرادوا أن يكون لمرتكب الكبيرة منزلة بين منزلتين من ناحية:

· الاسم: فهم يطلقون اسم الفسق على مرتكب الكبيرة كما عند أهل السنة ولا يسمونه كافرا.

· الأثر: تعتقد المعتزلة أن الكبيرة تحبط الأعمال كلها إن لم يتب مرتكبها, لأن الإيمان عندهم لا يتجزأ.

· الحكم: تذهب المعتزلة إلى أن لمرتكب الكبيرة في الآخرة حكم الكافر بالخلود في النار إلا أنه أخف عذابا منه.

وعلى الرغم من عدم وجود إشكال بتعريف "الكفر" عند المعتزلة نظريا, إلا أن تطبيقاته تلازمت بمفاهيمهم الخاصة للأصول الخمسة, بما جعله يقع على كل ما يخالف تلك المفاهيم وما يرتبونه عليها, فإثبات الصفات الإلهية والقول بأن أفعال الله مخلوقة لله, وإمكان العفو عن عصاة الموحدين ونفي خلودهم في النار, كلها من موجبات التكفير عندهم.

ولا بد من ملاحظة أن ظاهرة التكفير عند المعتزلة – مقارنة بغيرهم من الفرق والطوائف الكلامية – قد توسعت لأمرين:

1- عدم معرفتهم بضوابط التكفير, نظرا لكونها ضوابط توقيفية لا مجال فيها للنظر العقلي, وهو ما يخالف منهجهم تماما.

2- إفراطهم في استعمال القياس في هذا الباب.

في المطلب الثاني من هذا المبحث تناول الباحث أسباب ضعف الجانب النظري للتكفير عند المعتزلة, معتبرا أن علاقتهم بالتكفير علاقة ممارسة أكثر منه علاقة تنظير, وذلك لسببين هما:

السبب الأول: موضوعي: حيث إن حديث المعتزلة عن مسببات التكفير وتطبيقات ذلك على المخالفين لأصولهم, يهدم في الحقيقة السبب التاريخي والمنهجي الذي بنوا عليه مذهبهم من الاعتراض على التكفير باتراع أصل المنزلة بين الإيمان والكفر.

السبب الثاني: تاريخي: فالفترة التاريخية التي قعدت فيها عامة أصول المعتزلة على يد القاضي عبد الجبار, قد شهد فيها المذهب انحسارا وتراجعا كبيرين إثر ضربات المتوكل بعد أن ظهر له فساد اعتقادهم واضطهادهم لمخالفيهم, مما جعلهم يحجمون عن مسألة تنظير قضية التكفير إلى الاشتغال بالتطبيقات العملية.

كما أن قلة شواهد التنظير الاعتزالي لمسائل التكفير في تصرفات المكلفين واضح من خلال تناول جمهورهم قضية التكفير في باب الوعد والوعيد بوصفه استحقاقا أخرويا لا علاقة له بأحكام الدنيا, بما مؤداه أن من كانت ذنوبه أكثر من حسناته استحق الكفر وإحباط الأعمال الصالحة والخلود في النار.

وبعد هذه الإشارات في تنظير المعتزلة لقضية التكفير, يرى الباحث أن التكفير المعلل الذي ذهب إليه بعض المعتزلة لا يمكن اعتباره من باب التنظير لقضية التكفير, وإنما يعتبر من باب الأشباه والنظائر, ذاكرا أمثلة على ذلك, كتفير أبي موسى المزدار في مسائل تتعلق بالتوحيد والقدر, وتكفير هشام الفوطي من يقول بأن الجنة والنار مخلوقتان الآن ...الخ

المبحث الثاني: المستويات التطبيقية للتكفير عند المعتزلة

نوه الباحث مبدئيا إلى وجود التكفير المطلق في التراث الاعتزالي وإن على نطاق, وممن قال بالتكفير المطلق من المعتزلة أبو صبيح المزدار, فإنه غالى في التكفير حتى كفر جميع من خالفه, ومنهم أيضا أبو عمران الرقاشي, إذ حرم المكاسب والأخذ من سلطان عصره لأن عامة الدار – المجتمع – دار كفر برأيه.

كما تناول الباحث متعينات التكفير في التراث الاعتزالي في مستويين:

1- التكفير البيني: وهو تكفير المعتزلة مخالفيهم من الفرقة نفسها من خلال:

· تكفير المخالفين في أصل من أصول المذهب: وهي الأصول الخمسة التي سبق ذكرها, فقد كفروا ضرار بن عمرو أحد شيوخهم بحجة أنه يقول بالجبر.

· تكفير بعضهم بعضا في غير الأصول الخمسة: وهنا يفتقد الضابط الدقيق للتكفير, لتنقسم المعتزلة إلى مدرستي: البصرة وبغداد, بل أضحى لكل شيخ مؤيدون يرون أفكاره هي المعتقد الصحيح, ويواجهون مخالفيهم بالتكفير, ونظرا لكثرة تكفير المعتزلة بعضهم بعضا في هذا المجال, اكتفى الباحث بذكر نماذج من تكفير المعتزلة أكابر شيوخهم, من أمثال: أبو هذيل العلاف وابراهيم النظام وأبو علي الجبائي وأبي هاشم الجبائي.

2- التكفير الغيري: وهو تكفير المعتزلة لمخالفيهم من غير المعتزلة, وقد اعتمدت المعتزلة في هذا التكفير على الأصل الخامس من أصولهم وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعتبرونه واجبا كفائيا.

وقد افتتح المعتزلة نهج التكفير الغيري بالخروج مع يزيد بن الوليد اللقب "بالناقص" على الوليد بن يزيد بن عبد الملك بعد أن كفروه وأطلقوا عليه الشنائع, وما ذاك إلا لأن "الناقص" قد تبنى آراءهم في القدر, وبعد يزيد بن الوليد لم يجد المعتزلة خليفة يتبنى آراءهم فكانوا بين مد وجزر مع خلفاء بني أمية والعباس, حتى ولي المأمون الذي تبنى قولهم "بخلق القرآن", ليكفروا عامة العلماء المخالفين لهم وعلى رأسهم الإمام: أحمد بن حنبل وغيره.

لقد كان الضيق بالرأي الآخر عند المعتزلة يصل بهم إلى حد القتل عند القدرة على ذلك, بل إن لبعض أئمتهم وشيوخهم آراء مطلقة وعامة في إباحة دماء المخالفين لهم في جميع الأحوال, حتى لو كان بطريق الخديعة والغيلة.

في الختام توصل الباحث إلى أبرز نتائج دراسته وأهمها:

1- ما يقال من أن المعتزالة نشأت للاعتراض على تكفير مرتكب الكبيرة, وما يشاع عنها من احترام العقل وتقديسه, جعل من مجرد الحديث عن تكفيرها للغير أمرا مستغربا, وقلل من بحث هذا الموضوع في الدراسات المتخصصة.

2- هناك إشكال بمفهوم الكفر عند المعتزلة, والتباس بمفهوم الفسق طبقا لقاعدة: "المنزلة بين المنزلتين".

3- أدى اعتماد المعتزلة المطلق على العقل في مصدر التلقي إلى شيوع التكفير فيما بينهم.

4- كان للمفاهيم الخاصة للأصول الخمسة عند المعتزلة وتكفير مخالفيها أثر واضح في جعل البيئة الاعتزالية بيئة خصبة للتكفير.

جزى الله الباحث خير الجزاء على هذه الدراسة القيمة, ونفع بها المسلمين, والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــــ
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59