قراءات
تاريخية
---------------
قال القاضي ابن شداد في وصف صلاح الدين الأيوبي:
( وكان رحمه الله من عظماء الشجعان ، قوي النفس ،
شديد البأس ، لا يهوله أمر ، ولقد وصل في ليلة واحدة
من الإفرنج إلى عكا نيف وسبعون مركباً وأنا أعدها من
بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس وهو لا يزداد إلا
قوة نفس .
ـ وكان ـ رحمه الله ـ شديد المواظبة على الجهاد عظيم
الاهتمام به ، ولو حلف حالف أنه ما أنفق بعد خروجه
إلى الجهاد ديناراً ولا درهماً إلا في الجهاد وفي الإرفاد
لصدق وبرّ في يمينه ، ولقد كان الجهاد قد استولى على
قلبه وسائر جوانحه استيلاء عظيماً ، بحيث ما كان له
حديث إلا فيه ، ولا نظر إلا في آلته ، ولا اهتمام إلا
برجاله ، ولا ميل إلا إلى من يذكره ويحث عليه ،ولقد
هجر في محبة الجهاد في سبيل الله أهله وولده ووطنه
وسكنه ، وقنع من الدنيا بالسكون في ظل خيمة تهب
بها الرياح يمنة ويسرة .
ـ وقال القاضي الفاضل :
---------------------- ـ
وكان الرجل إذا أراد أن يتقرب إليه يحثه على الجهاد ،
وقد ألف له كتب عدة في الجهاد ، وأنا ممن جمع له
كتاباً ، جمعت فيه آدابه وكل آية وردت فيه ، وكل حديث
روي فيه .
ـ قال :
( وسرنا مع السلطان على الساحل طالبين عكا ، وكان
الزمان شتاء ، والبحر هائجاً هيجاناً عظيماً ، وموجه
كالجبال وكنت حديث عهد برؤية البحر ، فعظم أمر
البحر عندي ، واستخففت رأي من يركب البحر ،
فبينا أنا في ذلك إذ التفت إليّ وقال في نفسه :
متى يسرّ الله تعالى فتح بقية الساحل ، قسمت البلاد
وأوصيت وودعت وركبت هذا البحر إلى جزائرهم
( الصليبين ) أتبعهم فيها حتى لا أبقي على وجه
الأرض من يكفر بالله أو أموت ، فعظم وقع هذا
الكلام عندي وحكيت له ما خطر لي .
ـ( فانظر إلى هذه الطوية ما أطهرها ، وإلى هذه
النفس ما أشجعها وأجسرها .
اللهم إنك تعلم أنه بذل جهده في نصرة دينك ،
رجاء رحمتك فارحمه ........ ) .
---------------------------------------------------
{ م: البيان ـ لندن ـ ع /23} .
--------------------------------------------------