عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-12-2016, 08:12 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,217
ورقة التأثير الإسلامي في الفكر الديني اليهودي: فرقة القرائيم (2)

التأثير الإسلامي في الفكر الديني اليهودي: فرقة القرائيم (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــ

(نبيل محمد سعيد عبدالعزيز)
ـــــــــــــــ

12 / 2 / 1438 هــ
12 / 11 / 2016 م
ــــــــــــ





بدأ الخلاف بين القرائيم من جهة والربانيم من جهة أخرى حول مدى علاقة موسى - عليه السلام - بالتوراة الشفوية (المشنا)، ومدى شرعية إلزام اليهود كافة بالتفسيرات التي وضعها الربانيم على المشنا، في ما عرف بالتلمود. لأنه وعلى الرغم من اعتراف القرائيم والربانيم على السواء بالتوراة المكتوبة، نجد القرائيم يرفضون تماماً الاعتماد على غير المقرا، لأن ما فيها - حسب رأيهم - يفسر فقرات المقرا بتفسيرات خارجة عن معنى النص.(1) واشتد الصراع بين الربانيم والقرائيم، فأعلن رؤساء كل طائفة تكفير الطائفة الأخرى وحرمانها من رحمة الله، ومنعوا الصلاة كل منهم في معابد الآخر، وحرموا كل مشاركة دينية أو شعبية من قبل أية طائفة من الطائفتين مع الأخرى، من الأكل على مائدة السبت أو الأعياد إلى الزواج الذي حُرم نصاً بين الطائفتين.(2)

والاختلافات بين القرائيم والربانيم كثيرة جداً لا يتسع المجال لحصرها، بيد أننا نشير إلى أهم الاختلافات بينهما في النقاط الآتية(3):

1- يعتمد القرائيم على شرائع التوراة المنزلة على موسى - حسب اعتقادهم - في سيناء، ويرفضون الروايات الشفوية والعنعنات الحبرية التي تناقلها "التنائيم" في المشنا، و "الأمورائيم" في التلمود.

2- يأخذ القرائيم بالقياس، ويتوسعون فيه؛ في الوقت الذي يرى فيه الربانيم، مثل سعديا جاؤون أن اتباع القرائيم للقياس قد أدى بهم إلى الحياد عن الطريق المستقيم وظهور الخلافات بين القرائيم أنفسهم. وسار كل واحد منهم خلف اعتقاده، ومن ثَم فقد غيروا الأعراف والتقاليد الحقيقية - بحسب اعتقاده - وأحلوا محلها أفكاراً كاذبة ومرفوضة.

3- فتح القرائيم باب الاجتهاد، حيث دعا عنان بن داود إلى البحث بحرية في التوراة دون الاعتماد على رأيه، وهو الأمر الذي تسبب في تطور أفكار وأطروحات القرائيم، وظهور كثير من الخلافات والتغييرات في معتقدات فرقتهم. بينما توقف الربانيم عند التلمود، وبه أُغلق باب الاجتهاد عندهم.

4- تشدد عنان بن داود بصفة عامة في أحكام يوم السبت، فحرَّم العلاج بالأدوية يوم السبت، وحرم إجراء الختان نهار السبت، ومنع الخروج من البيت في بلد يسكن اليهود فيها مع الغرباء، ومنع أكل الأطعمة ساخنة، ومنع إيقاد الشموع ليلة السبت، حتى إذا تم إشعالها بواسطة شخص غير يهودي. في حين أباح الربانيم تجهيز القدر ووضعها على التنور قبل الدخول في السبت، وذلك لإعداد الطعام الذي يؤكل في السبت، كما أجازوا أكل الطعام الذي يعده عبيدهم وجواريهم في يوم السبت، على الرغم من تحريم القيام بأي عمل يوم السبت على جميع المقيمين بالبيت بما فيهم العبيد والإماء والنزلاء، جاء في سفر الخروج "وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابعُ فَفِيهِ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ. لاَ تَصْنَعْ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَبَهِيمَتُكَ وَنَزِيلُكَ الَّذِي دَاخِلَ أَبْوَابِكَ." (خروج 20: 10). كما أجاز الربانيم الجماع في يوم السبت، بل أوجبوه تبركاً بالسبت، ولأنهم يعتبرونه أيضاً يوماً للمتعة. أم القرائيم فإنهم يحرمون الجماع في هذا اليوم، لأنه يوم مقدس للرب، يجب أن يكون المرء فيه طاهراً، ومن سبل ذلك، الامتناع عن الدنو من النساء، واستندوا في ذلك إلى ما ورد في العهد القديم، "فَانْحَدَرَ مُوسَى مِنَ الْجَبَلِ إِلَى الشَّعْبِ، وَقَدَّسَ الشَّعْبَ وَغَسَلُوا ثِيَابَهُمْ. 15 وَقَالَ لِلشَّعْبِ:«كُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِلْيَوْمِ الثَّالِثِ. لاَ تَقْرُبُوا امْرَأَةً»." (خروج 19: 14- 15). واعتبروا الجماع شبيهاً بالحرث والزراعة وإلقاء البذور، وجميعها من الأعمال المحرمة يوم السبت، " سِتَّةَ أَيَّامٍ تَعْمَلُ، وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابِعُ فَتَسْتَرِيحُ فِيهِ. فِي الْفَلاَحَةِ وَفِي الْحَصَادِ تَسْتَرِيحُ." (خروج 34: 21).

5- أوجب الربانيم ختان الطفل إذا مات قبل اليوم الثامن لولادته، والمتهود إذا كان أغلفاً، ولم يوافقهم على ذلك أحد من القرائيم.

6- يتم إجراء عملية الختان عند القرائيم بالمقص تحديداً، وليس بالسكين أو الموسي أو ما شابههما، وإذا حل موعد الختان في يوم السبت يتم تأجيله إلى أن يخرج وقت يوم السبت.

7- تشدد القرائيم في أحكام النجاسة والطهارة المتعلقة بالأغيار (غير اليهود) ولمس الميت، والحائض.

8- حرم عنان بن داود أكل جميع الطيور عدا اليمام وأفراخ الحمام، مستنداً في ذلك إلى ما ورد في قصة نوح (تكوين 8: 20)، وشرائع القرابين، "«وَإِنْ كَانَ قُرْبَانُهُ لِلرَّبِّ مِنَ الطَّيْرِ مُحْرَقَةً، يُقَرِّبُ قُرْبَانَهُ مِنَ الْيَمَامِ أَوْ مِنْ أَفْرَاخِ الْحَمَامِ." (لاويين 1: 14). وحرَّم عنان أكل لحم البقر والغنم طوال فترة السبي، ويقال إنه منع أكل اللحوم جملة. وكان أتباع عنان يُحرمون على أنفسهم أكل اللحم وشرب الخمر في القدس حزناً على خراب القدس والمعبد، إلى جانب اعتقادهم في وجوب التحريم منذ أن أُبطلت القرابين وسكب النبيذ عليها فوق مذبح النحاس (خروج 29: 39 -40). كما قال عنان بذبح الطيور من القفا. اعتماداً على النص "يَأْتِي بِهِمَا إِلَى الْكَاهِنِ، فَيُقَرِّبُ الَّذِي لِلْخَطِيَّةِ أَوَّلاً. يَحُزُّ رَأْسَهُ مِنْ قَفَاهُ وَلاَ يَفْصِلُهُ." (لاويين 5: 8) ، وقامت صراعات ومنازعات حادة بين القرائيم والربانيم حول مسألة الذبح، وكل فريق كره وحرم ما يُذبح بواسطة الفريق الآخر.

9- يجب عند القرائيم نزع النعلين وغسل اليدين والرجلين وقت تعلم التوراة أو الصلاة، ولا ينبغي لنجس (غير طاهر) أن يلمس التوراة.

10- حظر جماع المرأة الحامل بعد الشهر الثالث من حملها، لأن الجماع أصلاً - في اعتقادهم - من أجل الإنجاب، ولا يجوز إهدار المني بلا فائدة.

11- يذهب القرائيم - في غالبيتهم - إلى تحديد رأس الشهر برؤية الهلال، ويبدؤون تقويمهم بحسب خروج موسى عليه السلام من مصر. في حين أنكر الربانيم ذلك، ولم يتقيدوا برؤية الهلال، واعتمدوا على الحساب، ويبدؤون تقويمهم ببدء الخليقة. وهو الأمر الذي أدى إلى اختلاف الفرقتين في الأعياد، ففي حين التزم القرائيم بعدد أيام كل عيد حسب ما ورد في التوراة، أضاف الربانيم يوماً على أيام كل عيد، ما عدا صيام يوم الغفران، الذي يصومونه يوماً واحداً دون زيادة، ويرجع ذلك إلى اتباعهم نظام الحساب في تحديد رؤوس الشهور، سواء اتفق ذلك مع رؤية الهلال أم لا، فأضافوا هذا اليوم احتياطًا لما قد يقع من الخطأ بين الحساب والرؤية. أما القرائيم فلم يجدوا أنفسهم في حاجة إلى زيادة هذا اليوم، لاتباعهم رؤية الهلال، فظلت أيام أعيادهم كما حددتها المقرا. ويشير أبو يوسف يعقوب القرقساني - وهو أحد المصادر القرائية الرئيسية القديمة - إلى أن الربانيم القدماء كانوا يتبعون رؤية الهلال في تحديد بداية شهورهم، وأن ذلك وارد في المشنا، ومشروح في كتبهم. ويشير إلى أنهم تحولوا إلى طريقة معرفة رؤوس الشهور بالحساب لأسباب منها خشيتهم من أن يقع يوم "عَرَفاه" (اليوم الأول من عيد المظال)(*) يوم سبت؛ فيكون ذلك سبباً في قلة العطايا، وخشيتهم أن يقع يوم الغفران يوم جمعة أو يوم أحد لأنه إذا حدث ذك ومات في أحدهما شخص، وجب أن يبقى يومين حتى يدفن. ويضيف القرقساني بأنه حتى وقت قريب كان الربانيم يعترفون بأن رؤية الهلال هي الطريقة القديمة لتحديد بداية الشهور.

12- خالف القرائيم الربانيم في كثير من أمور زواج المحارم. فعلى سبيل المثال حرم بنيامين ابن موسى النهاوندي (أحد مؤسسي المذهب القرائي وعاش في القرن التاسع الميلادي) أن يتزوج الرجل من أخته في الرضاع، بالرغم من أن هذا التحريم لم يرد في التوراة.

13- اكتفى عنان بن داود بصلاة الصبح والمساء فقط، بينما يزيد الربانيم عليهما صلاة الظهر.

14- هناك من القرائيم من لا يتخذ القدس قبلة له مثل إسماعيل العكبري، الذي قال بضرورة الاتجاه غرباً أينما كنت.

15- يرفض القرائيم، من أمثال سهل بن مصيلح، سلوك الربانيم في زيارتهم الأضرحة وسؤال الموتى، واعتبر ذلك ضرباً من الشرك.

16- حرم الربانيم الاختلاط مع القرائيم، والتزاوج منهم. كما عد الأطفال المولودين من هذا الزواج غير شرعيين.

17- خالف القرائيم الربانيم في تفسير دلالات كثير من نصوص التوراة.

18- يؤمن القرائيم بصدق عيسى عليه السلام في مواعظه وإشاراته، ويقولون إنه لم يخالف التوراة البتة، بل قررها، ودعا الناس إليها. وهو من بني إسرائيل المتعبدين بالتوراة ومن المستجيبين لموسى عليه السلام، إلا أنهم لا يقولون بنبوته ورسالته.

19- يختلف القرائيم مع الربانيم في الطقوس المصاحبة للأعياد الدينية. كعيد الفصح، وعيد المظال.
----------------------------
(1) محمد الهواري ( د)، الاختلافات بين القرائين والربانيين في ضوء أوراق الجنيزا. قراءة في مخطوطة بودليان بأكسفورد، دار الزهراء للنشر، 1994م، ص 32.
(2) حسن ظاظا ( د)، الفكر الديني الإسرائيلي. أطواره ومذاهبه، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1971م، ص 299 - 300 .
(3) للمزيد من تفاصيل الاختلافات بين القرائيم والربانيم راجع المصادر الأتية:
- محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، الملل والنحل، تحقيق: أمير علي مهنا وآخرون، دار المعرفة، بيروت، الطبعة الثالثة، 1993م.
- محمد الهواري (د)، الاختلافات بين القرائين والربانيين في ضوء أوراق الجنيزا. قراءة في مخطوطة بودليان بأكسفورد، دار الزهراء للنشر، القاهرة، 1994م.
- محمد جلاء محمد إدريس (د)، التأثير الإسلامي في الفكر الديني اليهودي، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1993م.
- عبد الوهاب المسيري (د)، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، الموسوعة الموجزة، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثالثة، 2006م.
- جاك حاسون، تاريخ يهود النيل، ترجمة: يوسف درويش، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الثانية، 2008م.
- حسن ظاظا (د) ، الفكر الديني الإسرائيلي. أطواره ومذاهبه، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1971م.
M. Polliack (ed.), Karaite Judaism: Introduction to Karaite Studies (Leiden, Brill, 2004).-
- Daniel J. Lasker, From Judah Hadassi to Elijah Bashyatchi: Studies in Late Medieval Karaite Philosophy (Leiden, Brill, 2008).
- jewish Encyclopedia:
http://www.jewishencyclopedia.com/ar...es-and-karaism
(*) عيد المظال "הסוכות": يبدأ في الخامس عشر من أكتوبر ومدته سبعة أيام، ومناسبته التاريخية هي إحياء ذكرى خيمة السعف التي آوت بني إسرائيل في العراء بعد الهجرة، فهي تذكرهم بأيام التيه، والتقليد عند اليهود في هذا العيد هو أن يقيموا في أكواخ مصنوعة من أغصان الشجر في الخلاء تدعى "سوكاه" ويصلون من أجل سقوط الأمطار بعد الصيف الجاف. انظر: (غازي السعدي، الأعياد والمناسبات والطقوس لدى اليهود، دار الجليل للنشر والدراسات والأبحاث الفلسطينية، عمان، ١٩٩٤م، ص 13).








ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59