الموضوع: زوجتي جنية....
عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 08-22-2012, 02:09 AM
حفيظة غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Feb 2012
الدولة: * نجمة الساحـل *
المشاركات: 1,728
افتراضي

انتظرها القلب طويلا ليروي منها الظمأ، لتبعث فيه الحياة... ولكنها سرعان ما اختفت ثانية، وكانما كانت تخشى عتمة الليل ووحشة السجن وهول الزنازين...
عدت الى واقعي: سجن وسجان، اخوة واصدقاء ورفاق خلف القضبان، كنت احاول ان ابعدها عن تفكيري، وان لا اجعلها تسيطر عليه، وتكرر انتظاري لها، ومشاهدتها كل يوم احد من ايام الاسبوع لعدة ثوان او لحظات، وفي كل مرة كنت اخلو فيها الى نفسي كنت أتساءل: هل جئت الى هذا المكان حتى اعشق حلما او خيالا ؟؟وهل سجنت لاعشق من خلف القضبان فتاة تظهر وكأنها سراب؟استسلمت لأسس
العلم وفلسفة العلماء، واقنعت نفسي ان ما راودني ان هو الا خيال، وما صاحبة الرداء الاخضر هذه الا وهم بعيد المنال، غير خاضع حتى لمجرد التفكير فيه، و ان وجودها لا يخضع لاي احتمال، ومع هذا، وفي لحظات الجد كان فكري وخيالي يسرح فيما ارى.كنت لا اصحو على نفسي الا وانا اكتب اشعارا لها، وارسم لعينيها ما رق من الكلام، حتى وجدت نفسي في نهاية المطاف انظم عواطفي في خيوط من نور جمالها الأخاذ، واصبحت اسير محبة فتاة حلمي ,فاحببتها حبا لا يعرفه الا من هزت جدران قلبه اشعة الحب وسحره الذي لاينضب...
حاولت من جديد ان امنع نفسي من التفكير فيها فلم اجد الى ذلك سبيلا .وكنت اساور نفسي واعيش معها لحظات في حلمي الجميل، اخشى ان يوقظني صوت بعوضة من بعوض حمام السجن، ويقطع علي حبل الاحلام والاسترسال في تصور جمال عينيها وروعة ابتسامتها التي ارتسمت في مخيلتي، بل في عيوني.
توالت الايام، واصبح املي الوحيد في هذه الحياة أن تطل علي من عند النخلة. انقضى نصف عام من عمر الزمن، وامضيت مدة حكمي في السجن، وجاء يوم الافراج، يوم الحرية الذي تتعطش له كل نفس اسيرة من وراء قضبان السجن ...اصبحت حرا، فما اجمل ان يكون الانسان حرا طليقا كفراشة، يشاهد ما يشاء،يجالس الاهل والخلان بفرح يغمر القلوب، وحب الاهل الذي لاتعرفه الا طيور الحب، وروح كل اسير مازال يعاني من وطأة السجان...الحب هنا والوفاء في هذه الارض ينتثر مع الهواء، وكل واحد ياخذ منه ما استطاع، وفجاة عصف بقلبي هاجس سريع، وراودني شعور غريب، مليء بالأسى والمرارة.. شعرت وكأن اوراق الزهر في عز الربيع تساقطت ,انقبضت نفسي.. تذكرت الفتاة والنخلة، شعرت بألم ومرارة كمن فقد اعز شيء في حياته، بل اكثر من ذلك، كمن فقد حياته كلها. تذكرت حياتي داخل السجن حتى غرقت في بحر موجاته من الاسى والسعادة والعذاب والالم...تسمرت في مكاني، أرفض العودة للمنزل والاهل والاصدقاء...الجميع يحثني على الصعود إلى السيارة التي ستنطلق عائدة الى البلدة...ارتسمت على الوجوه علامات التعجب، وكأنما هم يتساءلون، فيما بينهم ما الذي حدث؟...وما بال الرجل؟ أهو في وضع غير طبيعي!!...بدأت اتمالك نفسي...احسست بشعورهم تجاهي ...صعدت الى السيارة جسدا بلا روح...وبينما كنا في طريق العودة ,كانت السيارة بعجلاتها تنهب الطريق وتلتهم المسافات امتارا وراء امتار، امي تجلس إلى جانبي مرحة سعيدة، وشقيقتي غارقة في ضحكاتها...اما انا فكنت لا ادري اين انا...
بدأت الملم افكاري واستجمع قواي، اكلم نفسي.. ان كفاني الى هذا الحد جنونا، كفى احلاما...كفى احلاما .. تصارعت الافكار، بدأت اشتم واسب نفسي... و تولد لدي شعور اني اريد ان اصرخ، كفى احلاما كفى احلام ...صراع بيني وبين نفسي، تعرق له جسدي، صراع دار في راسي، وكأن بي رغبة شديدة لتحطيم شيء، اي شيء، وفجأة؛ صحوت على صوت أمي الملائكي:
مالك يا حسن ،ماذا جرى لك يا بني، هل انت مريض ؟!ربما تغير عليك الجو ...لماذا انت حزين ومهموم هكذا يا حسن ؟...
ابتسمت بمرارة ...انها امي الحنون، نهر العطاء وخيمة الحنان .. قلت لها :
انا لست مريضا يا امي، وكل ما في الامر اني تاثرت قليلا لفراق اصدقاء السجن.

فامسكت بالحديث، وبدأت اتجاذب أطرافه مع أمي وشقيقتي، حتى وصلنا من ر حلة السفر الى بيت الطفولة ...وما ان دلفت عتبة البيت، حتى ازدحم المهنئون يعبرون عن فرحتهم وسعادتهم بعودتي سالما معافى، الامر الذي لم يدع لي مجالا لأن أسرح أو أفكر في شيء آخر...المهنئون يزدحمون في بيتنا على مدار اليوم والاسبوع والساعة، حتى مرت الايام دون ان اشعر بها، وبدأت اتغلب على مشاعري واسيطر مجددا على نفسي، اقنعها ان الحلم لا بد ان ينتهي وأن ما عشته داخل السجن انما هو حلم يقظة، والعلم يؤكد: ان مر انسان بتجربة كتجربتي فانها تكون بداية مرض نفسي عنده، وعليه ان يخضع للعلاج، وخصوصا اذا وصل به الامر درجة الافراط في التخيل والتصورات...ومن اسباب هذه الظاهرة المرضية احساس الشخص في المجتمعات التسلطية والسلطوية بالحرمان والانقياد والقهر والعجز...
خلقت الحياة لتستمر لا لتتحنط أوتحفظ في ثلاجة الموتى، بهذا كنت اواسي نفسي، فاحاول اشغالها بكل شيء حتى لا اترك لنفسي مجالا او ثغرة يتسرب منها ذلك المرض اللعين اليها...

مضى على خروجي من السجن حوالي عشرة ايام، استطعت خلالها التأقلم ضمن نمط حياة أقاربي واصدقائي والناس في بلدتي.
ذات يوم وبينما كان جميع من في البيت مدعوين الى حفل زفاف،قررت أن لا اذهب إلى لحفل مع بقية اهلي بسبب خلاف قديم كان نشب بيني وبين قريبي صاحب الحفل ...فضلت الانفراد بنفسي على الخروج بصحبة الاهل. حاولت قراءة بعض الكتب، لم اشعر بمرور الوقت الا عندما بدأت خيوط الشمس تتسلل من النافذة تاركة وراءها ظلا لطيفا مشوبا ببرودة ناعمة، نظرت من النافذة واذا بقرص الشمس يوشك ان يتوارى في الافق البعيد وراء الجبال (فساحت روحي في فضاء الحرية والانعتاق)واذا بي اسمع همسا ناعما هادئا
لا اراديا، التفت بنظري نحو مصدره، اضطرب مني القلب وارتعش الجسد، طرحت الكتاب جانبا: يا الهي...هالة ضوئية نورها يشبهها تماما، عيون سوداء واسعة والابتسامة العذبة الناعمة والشعر الاسود الطويل...انها صاحبة الرداء الاخضر، تسمرت في مكاني، تسارعت انفاسي، وجاء وقع الكلمات ...
كيف حالك يا حسن؟ اعذرني لان ظروفي لم تسمح لي بالمجيء مبكرا لزيارتك لأهنئك ...
نعم انها هي، ارتعدت كل خلية في جسدي، وكاني امام ثورة اعصار هائج، كلماتها كانت تخترق أذني، ابتسامتها الساحرة تخترق الصدر لتستقر في اعماق نفسي متفاعلة مع كل خلجة من خلجات قلبي... لا املك الا السكوت، تاركا عيني تهيم في محاريب جمالها، كم هي جميلة يا الهي !!اكلم نفسي.. من تكون ؟ عشرات الاسئلة بل المئات ,لقد عدت الى نفس الدوامة، الى نفس الاحلام والخيالات، من هي ومن تكون يا الهي ؟!اهي انس ام جن ...عيناي ما زالتا محدقتين بها، ما الذي جاء بها، لا اريد ان ترف رموشي امامها ,لا اريد ان يرتد الي طرف في حضرتها، ولا اريد ان افارقها ...هاجس اوعز الي بانها ستختفي وتتركني...ان فعلت ذلك، ماذا سيحل بي..وما هي الا لحظات حتى قالت اخر كلماتها بنغم انساب في اذني:
" الوقت تاخر وانا لازم اروح يا حسن
".
وقبل ان تصل اخر كلماتها وتر السمع في اذني، انشقت الارض وابتلعتها ولم يعد لها وجود ....لقد اختفت .واذ بباب البيت يفتح لتدخل منه والدتي وشقيقتي وهما تضحكان ، تكلمت مع ذاتي: اين اختفت، وكيف دخلت وكيف خرجت ؟هل اصبت بالجنون؟ام اني مريض ب...؟قاطعتني امي:
ما بك يا حسن (ليش انت مشدوه)؟!

.
.
.
.
يتبع
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59