( 3 ) .. سقوط الأقنعة
بعد أن كان خليل عبد الكريم يقول فى كتابه السابق إن الإسلام ليس عبادة فحسب ، بل يتضمن أيضاً البيعة والشورى والعدل الاجتماعى والحدود وتشريعات الأحوال الشخصية ، فإننا نفاجأ به فى كتابه " الأسس الفكرية لليسار الإسلامى " ينفى ـ بجرة قلم ـ الإسلام من ميادين الحياة ؛ إذ يؤكد أنه ليس شيئاً آخر غير العبادات والأخلاق ، مضيفاً أن ميدانه الأصيل هو " المساجد والجوامع والتكايا والربط والخانقاهات والزوايا والمصليات والحسينيات والخلاوى وحضرات الصوفية وحلقات الذكر ومجالس دلائل الخيرات " [ص10]
( 4 ) .. معنى دعوى تاريخية النصوص عند الملاحدة
فى كتابه الأسس الفكرية لليسار الإسلامى [ص11] ، يردد عبد الكريم نغمة بعينها ، هى أنه يؤمن بتاريخية النصوص ، وربطها بأسباب ورودها والزمن والمجتمع والبيئة التى انبعثت منها ، وكذلك الظروف الجغرافية ودرجة التحضر التى كان عليها المسلمون فى عصر النبى ومستواهم الثقافى ، وبخاصة أن النصوص ذاتها قد ذكرت صراحة ( كما يقول ) أنها موجهة إلى أمة أمية .
الطريف أن عبد الكريم يصف فى نفس الكتاب [ص84] النصوص الدينية بـ " النصوص اللاتاريخية " .. وسبحان مثبت العقل والدين !
وهذه الدعوى هى بعينها دعوى نصر أبو زيد وغيره من الملاحدة العلمانيين ، يبنون عليها علالى وقصوراً ، يريدون مهاجمة الإسلام منها .. والله متم نوره ولو كره الكافرون !
وكلام عبد الكريم عن البيئة التى انبعثت منها هذه النصوص معناه ، أن هذه النصوص لم تنزل من السماء ، بل نبتت من الأرض ! .. ولا شك أن كلام الكاتب عن انسجام النصوص مع المستوى الثقافى والحضارى للمسلمين فى عصر النبى ، وبخاصة حين يشير إلى أنهم أمة أمية ، يعزز هذا الذى ذكرنا .
كما أن فيه احتقاراً لهذا الجيل من المسلمين ، جيل الرسول والصحابة ، وللنصوص التى كانت تلائمهم ولكنها لا تصلح لنا ولا تلبى حاجات حياتنا ، ولا تنسجم مع أوضاعنا وظروفنا ؛ لأننا نفوق الرسول وصحابته حضارة وثقافة وبيئة .
يتسق مع هذا أنه فى كتابه " الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية " ، يزعم أن الشريعة الإسلامية ليست شيئاً آخر تقريباً غير ما كان يعرفه العرب فى الجاهلية مع شىء من التحوير والتعديل فى بعض الأحيان ، ودعواه ليست قاصرة على المعاملات والعقوبات ، بل تشمل أيضاً العبادات ، وهو ما يعنى أن الإسلام كله ، حتى الجانب العبادى منه ، ليس له من مصدر إلا الأرض ودنيا الناس ، ولا علاقة له بالسماء ؛ لأنه ـ ببساطة ـ لا يوجد شىء فى السماء !
( 5 ) .. التخبط والتناقض : أهم أسس فكر خليل عبد الكريم
بعد هذه الدعوى القبيحة " تاريخية النصوص " ، وفى نفس الكتاب [ص18] ، يقول إن " النصوص الأصلية التى هى عماد الدين وسنامه : هى القرآن والسنة ، وما عداها فهو منتج بشرى معرض للخطأ والصواب ... فما وافقنا منها قبلناه ، وما لم نبذناه ، ولا تثريب علنا فى ذلك . نحن نرى أن شيخ الإسلام وحجة الإسلام ... إلخ ، كل هؤلاء لا عصمة لقولهم لدينا ـ نحن أهل السنة والجماعة [!] ـ لأن العصمة للرسول وحده ... "
لكن هل ترك الكاتب فى القرآن والسنة شيئاً لم يقل إنه لم يعد صالحاً لنا لأننا ناس متحضرون ولسنا متخلفين كالعرب الذين كانوا يحكمون بمقتضاه ؟ ..
أرأى القارئ إلى هذا التخبط ؟
إن ذلك الاضطراب بين الفكرة ونقيضها ، وفى كتاب واحد ، وفى هذه الصفحات القليلة منه ، ليدل على أن الأمر لا يعدو أن يكون نوبات لا ضابط لها ولا رابط !
ولا تمر إلا صفحات قليلة أخرى حتى نشاهد هذه النوبة فى أسوأ حالاتها ، ذلك أن الكاتب يدعو بكل قواه إلى اصطناع " منهج الشك وخلع أى هيمنة على العقل الإنسانى مهما كانت ، سواء من النصوص أو السنة ... ، وخاصة أن العقل الإسلامى منذ ما يقرب أو يزيد على ثمانية قرون لا يعرف سوى الإذعان والتسليم والسمع والطاعة للنصوص وحراسها " [ص26]
والسبب ـ كما يقول ـ هو أنه قد " تغير الفضاء المعرفى تماماً ، وتبدل الأفق الثقافى بالكلية ، وتقهقهرت المعارف الثيولوجية ، وكادت أن تختفى منذ عصر التنوير ، وحلت محلها سيادة العقل الذى لا يعترف بأى سلطة سواه " [ص29]
ألم أقل إنها نوبات ؟!
وما أوردنا إلا مجرد مثال .. والأمثلة كثيرة جداً !
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
|