عرض مشاركة واحدة
  #79  
قديم 12-26-2013, 01:04 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,197
ورقة العلمانية في مصر

العلمانية في مصر
ــــــــــــــــــــــــ

23 / 2 / 1435 هــ
26 / 12 / 2013 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(د. محمد هشام راغب)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سلامة موسى: عدو نفسه وعدو الحق

شن سلامة موسى حربا شعواء على حجاب المرأة المصرية، وعفافها وارتباطها بأسرتها، ولم يترك مناسبة، ولا مقالا، ولا كتابا إلا وجعل المرأة محورا مهما فيه. وحين تقرأ الآن كلامه بعد أكثر من ثمانين سنة من كتابته، سترى أن سموم هذا الرجل قد سرت في عقول "النخبة" المثقفة، وسيطرت على أعمال أكثر الأدباء والفنانين.
بعد الاقتباس الذي تقدم من ضيق سلامة موسى لعدم استيعاب اللغة العربية لاختلاط الرجال بالنساء على الشواطئ، بعد هذا لا يحتاج الأمر كثيرا لنبين فكرة الرجل عن المرأة، ولكن لنزيد الأمر وضوحا نعرض هنا لبعض آرائه التفصيلية بحججها الواهية. يبدأ سلامة موسى بالأمور الشكلية الظاهرية فيقول "ثم انظر إلى ما ورثنا من المجتمع العربي القديم بشأن المرأة فقد ألغى هذا المجتمع المرأة من الحياة الاجتماعية إلغاء يكاد يكون تاماً، أما نحن فقد رددنا الاعتبار للمرأة المصرية؛ ولكن ما زلنا نستعمل الكلمات القديمة فنقول (أم فلان) أو (حرم فلان) ولا نذكر الاسم، مع أن الاسم جزء من الشخصية وإهماله هو سبة للمرأة.. وإهمالنا لاسم المرأة هو تراث لغوي قديم يحمل إلينا عقيدة اجتماعية يجب أن نكافحها". وكلام سلامة موسى ليس له نصيب من الصحة، فالإسلام كرم المرأة ورفع من شأنها ومنحها كامل حقوقها غير منقوصة، وجعل لها ذمة مالية مستقلة، ولها حق اختيار زوجها وحق طلب تطليقها منه، وحقها في التعليم وجعل على زوجها نفقة الأسرة كلها حتى لو كانت زوجته غنية، بينما فرنسا إلى زمن قريب كانت تعتبر المرأة ناقصة الأهلية، وتمنح لزوجها حق التصرف في مالها ولا تستطيع المرأة التقاضي إلا بإذن زوجها، وكانت أوروبا وقت ظهور الإسلام تتجادل في حقيقة المرأة أإنسان هي أم شيطان. وأما حكاية الاسم وقولهم (أم فلان) فلا شيء فيه بل هو تكريم لها واعتراف بفضلها في رسالتها العظيمة في تنشئة الأولاد. ثم إن الكنية عرف يشمل الرجال والنساء جميعا، فنقول (ابو فلان) ولا يمنع هذا من التسمية بدون الكنية، وفي الأحاديث النبوية تنادى أمهات المؤمنين بأسمائهن كثيرا، ففيها (قالت عائشة، وقالت حفص بنت عمر وزينب بنت جحش...). وبالإضافة لذلك فإن الغرب الذي يعشقه سلامة موسى يُفقد المرأة اسمها تماما بعد الزواج وتعطى اسم زوجها، فيقولوا مسز فلان أو مدام فلان. لكنه الغلو والضغينة التي جعلته يتحامل في أي شيء.


ولسلامة موسى كتاب جمع فيه آراءه في قضية تحرير المراة بعنوان (المرأة ليست لعبة الرجل)، ودعونا نأخذ أمثلة نناقشها:أول ما يلفت النظر في مقدمة الكتاب أن سلامة موسى لا يعرف دورا للمرأة في تربية الأولاد، مع أنها مهمة يتوقف عليها صلاح المجتمع كله، فالأم مدرسة. لكن الرجل يبدأ كتابه بإلهاء المرأة والتمويه عليها لتفويت ذلك الدور العظيم فيقول "الرجل لا يتخصص للزواج. وكذلك المرأة يجب ألا تتخصص للزواج. ذلك لأن حياتنا، نحن الرجال والنساء، أغلى من هذا وأرحب من أن يحتويها هذا التخصص. وليس من حق أحد في الدنيا أن يقول للمرأة: عيشي في البيت طيلة عمرك، لا تختلطي بالمجتمع ولا تؤدي عمل المحامي أو الطبيب أو الصانع أو الكيماوي أو الفيلسوف. وإنما اقصري كل قوتك وكل وقتك على الطبخ والكنس وولادة الأطفال". فيتعمد إغفال الدور التربوي الجليل، ولا يرى أثرا لالتفات المرأة لتربية أولادها (طبعا لأنها لابد أن تتساوى مع الرجل في كل شيئ، فلماذا تلقى عليها مسئولية الأولاد بينما الرجل يستمتع بمعارك الحياة خارج البيت)، والمرة الوحيدة التي تعرض فيها لمسئولية التربية تخلص منها ليتربى الأولاد بين ايدي الخادمات والمربيات فينشئوا بعاهات نفسية وصحية عديدة. يقول موسى "يجب على المرأة المتعلمة أن تعمل خارج البيت وتؤدي خدمة اجتماعية لوطنها. وذلك بأن تستغل جميع الفرص والوسائل الجديدة التي تجعل أداء الواجبات المنزلية سهلًا يستغرق الدقائق بدلًا من الساعات. كما تجعل تربية الأطفال فنية في أيدي المربيات في المحضن أولًا إلى سن الرابعة، ثم في الروضة ثانيًا إلى سن السادسة أو السابعة".


ثم يولي سلامة موسى اهتماما تاما بتشجيع اختلاط المرأة بالرجال، وأنه لا سبيل للتقدم إلا بهذا ويهدد بأن غياب الاختلاط التام بين الرجال والنساء يورث الشذوذ، وكأن الرجل لم ير بعينيه ماذا فعل السفور والاختلاط في الغرب، هل أوقف الشهوات المستعرة؟ أم هل أوقف الشذوذ؟. وقد مات سلامة موسى قبل أن يدرك الغرب وقد سن القوانين التي تسمح بزواج المثلين، زواج الرجل بالرجل وزواج المرأة بالمرأة، ولم يمنع الاختلاط عندهم من هذا الجنون بل زاده سعيرا وانتشارا. وقد نثر سلامة موسى هذه المسألة في كل فصول الكتاب ودندن عليها بشتى الحيل والأساليب، يقول في فقرة منها:"يجب، أيتها المرأة المصرية أن تزاملي الرجل في العمل، ولا تعملي وحدك. بل يجب أن تبدأي الزمالة من الطفولة، تتعلمين وأنت صبية مع الصبايا، وأنت فتاة مع الشبان. ثم تزاملي الرجل في المكتب والمتجر والمصنع.نحن الرجال والنساء يجب ألا ينفصل أحد جنسينا عن الآخر. لأننا عندما ننفصل نقع في شذوذات جنسية بشعة. بل نقع أيضًا في شذوذات ذهنية وعاطفية. فلا نحسن التفكير، ولا نستطيع معالجة أي موضوع إنساني بذكاء فضلًا عن عبقرية. إن الفصل بين الجنسين، وقصر نشاطك الذهني والجسمي على البيت، قد ملأ هذا المجتمع المصري بآثام وشرور كادت تحيل أفراده أو بعض أفراده إلى حيوانات. هذا الفصل هو علة الشذوذ الجنسي الذي يجعل من الرجل حيوانًا، قبيحًا، زريًا، مريضًا، يحيى في هذه الدنيا حياة سرية يفترس الصبيان ويفسدهم ويحرفهم عن رجولتهم القادمة. ولا علاج لهذه العاهة إلا بالاختلاط بين الجنسين، حتى يتجه الاشتهاء الجنسي وجهته الطبيعية ولا ينحرف، بحيث يحب الرجل المرأة ولا يحب الغلام … يجب أن يعرف الرجل المرأة، ويجب أن تعرف المرأة الرجل. وأي سبيل لهذه المعرفة سوى الاختلاط؟ هل يعرفانها من الكتب؟ إن الانفصال يجعل كلًا من الشاب والفتاة يشطح في خيالات بعيدة عن الحقائق... وفن الحب يحتاج إلى أن تبقى صورة المرأة ماثلة في ذهن الرجل وصورة الرجل ماثلة في ذهن المرأة منذ المهد إلى اللحد، وأيما انفصال بينهما قد يحدث شذوذًا. وقد لا يبرأ هذا الشذوذ طيلة العمر".


وهي كما ترى علل واهية يكذبها الواقع وتكذبها تجارب الغرب الذي اتخذها موسى نموذجا ونبراسا، ولا ننكر أن هذه الأفكار الضالة قد وجدت طريقها لتلامذة سلامة موسى ومتعهدي نشر فكره الخبيث، وترى تلك العبارات المشينة منتشرة في أدبيات النخب المثقفة في سيتينيات وسبعينيات القرن العشرين.


أما حملته على الحجاب والزواج والطلاق وتعدد الزوجات فبائسة للغاية، وتعكس أمراضا نفسية سيطرت على فكر الرجل فطفحت بها أفكاره وكتاباته.

يتبع ...

د. محمد هشـام راغب

-------------------------------------
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59