الموضوع: تفسير السعدي
عرض مشاركة واحدة
  #281  
قديم 10-07-2013, 05:38 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,154
ورقة

تفسير سورة الحجر
ــــــــــــــــــــــــــ
مكية
ـــــ

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ ( 10 ) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ( 11 ) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ( 12 ) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ ( 13 ) .
يقول تعالى لنبيه إذ كذبه المشركون: لم يزل هذا دأب الأمم الخالية والقرون الماضية: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأوَّلِينَ ) أي: فرقهم وجماعتهم رسلا.
( وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ ) يدعوهم إلى الحق والهدى ( إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ )
( كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ ) أي: ندخل التكذيب ( فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ ) أي: الذين وصفهم لظلم والبهت، عاقبناهم لما اشتبهت قلوبهم بالكفر والتكذيب، تشابهت معاملتهم لأنبيائهم ورسلهم بالاستهزاء والسخرية وعدم الإيمان ولهذا قال: ( لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأوَّلِينَ ) أي: عادة الله فيهم بإهلاك من لم يؤمن بآيات الله.
وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ ( 14 ) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ( 15 ) .
أي: ولو جاءتهم كل آية عظيمة لم يؤمنوا وكابروا ( وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ ) فصاروا يعرجون فيه، ويشاهدونه عيانا بأنفسهم لقالوا من ظلمهم وعنادهم منكرين لهذه الآية: ( إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا ) أي: أصابها سكر وغشاوة حتى رأينا ما لم نر، ( بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ ) أي: ليس هذا بحقيقة، بل هذا سحر، وقوم وصلت بهم الحال إلى هذا الإنكار، فإنهم لا مطمع فيهم ولا رجاء، ثم ذكر الآيات الدالات على ما جاءت به الرسل من الحق فقال:

وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ( 16 ) وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ( 17 ) إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ( 18 ) وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ( 19 ) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ( 20 ) .
يقول تعالى - مبينا كمال اقتداره ورحمته بخلقه- : ( وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا ) أي: نجوما كالأبراج والأعلام العظام يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ( وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ ) فإنه لولا النجوم لما كان للسماء هذا المنظر البهي والهيئة العجيبة، وهذا مما يدعو الناظرين إلى التأمل فيها والنظر في معانيها والاستدلال بها على باريها.
( وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ ) إذا استرق السمع أتبعته الشهب الثواقب فبقيت السماء ظاهرها مجملا بالنجوم النيرات وباطنها محروسا ممنوعا من الآفات.
( إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ ) أي: في بعض الأوقات قد يسترق بعض الشياطين السمع بخفية واختلاس، ( فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ ) أي: بين منير يقتله أو يخبله. فربما أدركه الشهاب قبل أن يوصلها الشيطان إلى وليه فينقطع خبر السماء عن الأرض، وربما ألقاها إلى وليه قبل أن يدركه الشهاب فيضمُّها ويكذب معها مائة كذبة، ويستدل بتلك الكلمة التي سمعت من السماء.
( وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا ) أي: وسعناها سعة يتمكن الآدميون والحيوانات كلها على الامتداد بأرجائها والتناول من أرزاقها والسكون في نواحيها.
( وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ ) أي: جبالا عظاما تحفظ الأرض بإذن الله أن تميد وتثبتها أن تزول ( وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ ) أي: نافع متقوم يضطر إليه العباد والبلاد ما بين نخيل وأعناب وأصناف الأشجار وأنواع النبات.
( وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ) من الحرث ومن الماشية ومن أنواع المكاسب والحرف. ( وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ ) أي: أنعمنا عليكم بعبيد وإماء وأنعام لنفعكم ومصالحكم وليس عليكم رزقها، بل خولكم الله إياها وتكفل بأرزاقها.

-------------------------------------------------
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59