عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-01-2012, 11:52 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,422
افتراضي حـــروف المعــاني بين الأصـالة والحـداثة


حـــروف المعــاني
بين الأصـالة والحـداثة

- دراســـــــة -



من منشورات اتحاد الكتاب العرب
دمشق - 2000


المقدمـــــة



هذه الدِّراسة هي تطبيق عمليٌّ لمفهومي الأصالة والحداثة في الحرف العربي على واقع (حروف المعاني وأصول استعمالاتها). فماذا عن هذه الأصالة والحداثة؟
إن أصالة الحرف العربي تتجلَّى في خصائصه ومعانيه الفطرية. ولقد تثَّبت منها في نهجين اثنين:
الأول بالعودة إلى جذور كلّ من الحرف العربي والإنسان العربي في الطبيعة والتاريخ والحسِّ والنفس والمجتمع. باعتبارهما قد تعايشا معاً في ربوع الجزيرة العربية البكر منذ ما قبل التاريخ. مرحلة حياة متطورة بعد مرحلة إلى أنْ استوفيا شروط نضجهما وتكاملهما في العصور الجاهليّة والإسلام: رحلة شاقّة مع دراستي (الحرف العربي والشخصية العربية).
وأما النهج الثاني فبالتثبت من توافق خصائص الحروف العربية مع معانيها الفطرية على واقع المعاجم اللغويّة في رحلة أشقُّ مع دراستي (خصائص الحروف العربية ومعانيها) دامت سبعة أعوام.
أما حداثة الحرف فهي تتجلى في استخدام الحروف العربية ومعانيها للكشف عن حقيقة المعاني الفطرية للمفردة العربية وأصول استعمالاتها. ولقد اتبعت هذا النهج في دراستين اثنتين: هما: (إطلالة على الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم)، ثم هذه الدراسة عن حروف المعاني.
ولئن كانت دراساتي جميعاً تدور حول (أصالة الحرف العربي وحداثته) كما أسلفت فإنّ هذه الدراسة قد اختصّت بالكشف عن حقيقة معاني وأصول استعمالات (119) مفردة من حروف المعاني والأسماء الموازية لها، ممّا يؤهلها لأن تكون مرجعاً (صرفيّاً- نحويّاً) حديثاً لما تناولته من المفردات. ولكن ماذا عن دراساتي؟
الدراسة الأولى: خصائص الحروف العربية ومعانيها نشرها اتحاد كتاب العرب بدمشق عام 1998.
حول النهج المتبع في إعدادها:
لقد كان من البداهة أن أتحرّى عن توافق خصائص كل حرف من معانيه بالرجوع إلى المعاني المعجمية لجميع المصادر الجذور التي يشارك في تراكيبها. فأنجزتها لأول مرة عام 978. وقد اتبعت في ذلك نهج من قال بفطرية اللغة العربية ممن أجمعوا صراحة أو ضمناً على أنَّ معنى الحرف العربي هو (صدى صوته في النَّفْس).
ولكنني أفاجأ في إحدى مراجعاتي لمشروع تلك الدراسة، بأن الإنسان العربي الذي اعتمد الخصائص (الإيحائية) في أصوات الحروف للتعبير عن معانيه، قد اعتمد أيضاً الخصائص (الهيجانية)، وكذلك الخصائص (الإيمائية التمثيلية) في بعضها الآخر.
فكان من طبيعة الأمور أن أعيد دراسة المشروع الأول في ضوء ما تكشف لي من الحقائق الجديدة عن الخصائص (الهيجانية والإيمائية) في بعض الحروف العربية إلى جانب الخصائص (الإيحائية) في بعضها الآخر.
ولقد حدست في حينها أن الحروف العربية إذا كانت فطرية النشأة حقاً، فلابد أن تعود أصولها إلى مراحل حياتية متفاوتة في الرقيِّ، قد أمضاها العربي في جزيرته البكر حصراً.
فالهيجاني الانفعالي الغريزي أقلُّ تطوراً من الإيمائي التمثيلي، وهذا أقلُّ تطوراً من الإيحائي الصوتي- النفسي. ومآل ذلك أن الحروف العربية تنتمي بالضرورة إلى مراحل حياتية ثلاث تتفاوت أيضاً في التطور والرقي.
ولكن ماذا عن طبيعة هذه المراحل؟، ومتى بدأت كل واحدة منها؟، ومتى انتهت؟، ثم ما هي الرابطة الطبيعية الفطرية بين كل مرحلة منها وبين خصائص الحروف التي ورثناها عنها؟
وأخيراً ما هي طبيعة العلاقات الفطرية المتبادلة بين الحرف العربي والإنسان الذي أبدعه؟.
الدراسة الثانية- الحرف العربي والشخصية العربية نشرتها عام 992:
وأقضي معها خمسة أعوام في تقصياتي التاريخية والمناخية والأثرية والاجتماعية والنفسية واللغوية. وقد خلصت منها إلى أنَّ الإنسان العربي والحرف العربي قد تعايشا معاً منذ نشأتهما البكر في الجزيرة العربية عبر مراحل حياتية ثلاث، هي:
1-المرحلة الغابية:
امتدت منذ بداية العصر الجليدي الأخير في الألف (100) ق.م حتى نهايته في الجزيرة العربية قرابة الألف (14-12) ق.م ورثنا عنها يقيناً أصول الأحرف (الهيجانية) وهي (الهمزة ا-و-ي) وهي غريزية انفعالية أصلاً.
2-المرحلة الزراعية:
امتدت حتى الألف (9) ق.م ورثنا عنها باحتمال شديد أصول الأحرف (الإيمائية) وهي (ف، ل، م، ث، ذ)، وهي تمثيلية تعتمد طريقة النطق بأصواتها بمعرض التعبير عن معانيها كما سيأتي في متن الدراسة.
3-المرحلة الرعوية:
امتدت لغوياً حتى العصور الجاهلية فالإسلام. ورثنا عنها الحروف (الإيحائية)، وهي باقي الحروف التي تعتمد صدى أصواتها في النفس للتعبير عن معانيها. وهو أرقى أنواع التواصل اللغوي الذي تختص به اللغة العربية وحدها من سائر لغات العالم.
ونظراً لاستقرار الإنسان العربي في الجزيرة العربية خلال هذه المراحل الثلاث كما تبين لي ذلك في (الفصل الثالث منها)، فلقد كان يحتفظ بالضرورة وللضرورة في كل مرحلة لاحقة بما يحتاجه من أصول حروف المرحلة السابقة بعد تهذيب النطق بأصواتها بما يتوافق مع مستوياته (الحيوية والاجتماعية والثقافية) وهكذا ظل الإنسان العربي في جزيرته على تواصل لغوي مستمر لا انقطاع له مرحلة بعد مرحلة منذ فجر التاريخ حتى الإسلام.
الدراسة الرابعة حروف المعاني بين الأصالة والحداثة:
لقد انتهيت من الدراسة الأولى ((خصائص الحروف العربية ومعانيها)) إلى أن الأحرف الهيجانية (الهمزة ا-و-ي) لا تأثير يذكر لخصائصها في معاني المصادر الجذور على واقع المعاجم اللغوية. وبذلك تكون هذه الأحرف معدومة المعاني، وتكون المفردات التي تشارك في تراكيبها قد تواضع الناس على معانيها اعتباطاً، بما يطعن في فطرية اللغة العربية وأصالتها.
ولكنني لاحظت كثرة دوران هذه الأحرف في حروف المعاني التي يتألف معظمها من حرف واحد أو حرفين اثنين، مما يشير إلى أنها أقدم المستحاثات في اللغة العربية، كما في معظم حروف (النداء والعطف والجر والنصب والجزم والنفي) وما إليها.
لذلك توقعت أن تكون هذه الأحرف (الهيجانية) قد ظلت محتفظة بفعالياتها في حروف المعاني لتقارب نشأتيهما في أعماق الزمن.
وأرى أن جهود أربعة أعوام في تقصياتي هذه لم تكن ثمناً باهظاً. فقد استعرضت معاني وأصول استعمالات /119/ مفردة من حروف (النداء والعطف والجر والنصب والجزم والمشبهة بالفعل والنفي والترجّي والعرض والتحضيض والاستفهام) وأسماء (الكناية والإشارة والضمائر). وذلك بالرجوع إلى خصائص ومعاني حروفها وفقاً لما جاء في الدراستين الأولى والثانية آنفتي الذكر. وعلى الرغم من أنَّ معظم حروف المعاني يتشكل من حرف واحد أو حرفين اثنين، مما يشير إلى عراقتها في القدم، فلقد كان لكل مفردة منها العديد من المعاني والأقسام والاستعمالات قد تجاوز بعضها الخمسين، كما في (ما- لا)، وعلى الرغم من ذلك فقد توافقت الغالبية العظمى من معاني هذه المفردات وأصول استعمالاتها مع خصائص الحروف التي شاركت في تراكيبها، سواء أكانت هيجانية أو غير هيجانية، مما يشير إلى تواصلنا اللغوي طوال آلاف كثيرة من الأعوام.
وعندئذ جرؤت على نشر ((الحرف العربي والشخصية العربية)) بكثير من الثقة بعد أن توافر لها المزيد من الأدلة على صحتها في سائر الحروف العربية بلا استثناء، سواء في القطاع المعجمي، أو القطاع (الصرفي النحوي).
وهكذا، فإن هذه الدراسات الأربع تمهد الطريق للانتقال بالعربية من مرحلة (كيف) التراثية الأصيلة التي دامت ألف عام ونيف إلى مرحلة (لماذا) الحديثة. فماذا عنهما؟
1-حول (كيف) التراثية:
لقد استخدمها مدونو اللغة العربية من علمائها وفقهائها لجمع مفرداتها والتثبت من صحة معانيها وأصول استعمالاتها، أخذاً بأسماعهم من أفواه فصحاء العربية وبلغائها (الأجلاف) ممن ظلوا على بداوتهم بعيداً عن الحضر.
وهكذا قد حفظت لنا (كيف) التراثية مفردات لغتنا من الضياع وحصنت أصالتها في معانيها وأصول استعمالاتها من كل شبهة أو ريبة. إلاَّ ما ندَر.
2-حول (لماذا) الحديثة:
لما كان مدونو لغتنا ومن تلاهم من علمائها وفقهاء صرفها ونحوها، لم يكتشفوا إلا القليل الصحيح من خصائص الحروف العربية ومعانيها، فإنه كان من المتعذر عليهم أن ينتبهوا إلى الروابط الفطرية بين معاني المفردات العربية وأصول استعمالاتها وبين خصائص ومعاني الحروف العربية التي تشارك في تراكيبها، فكان من طبيعة الأمور أن لا ينهجوا على استخدام (لماذا) للكشف عن هذه الروابط التي تخفي تحت طياتها مالا حصر له من الحقائق اللغوية المدهشة.
وهذه الحقائق ستظل من أسرار العربية الخفية إلى أن تتحرر (لماذا) من عقالها التراثي التقليدي فتغزو جميع الميادين اللغوية، وعندئذ تتحول أسرارها إلى ظاهرات إعجاز لغوي كما سيجد القارئ بعضها في متن هذه الدراسة.
فما من عالم لغة أو فقيه صرف ونحو قد تساءل:
(لماذا) جعل العربي (الواو) للعطف بلا ترتيب و (الفاء) للترتيب بلا تراخ و(ثم) للترتيب والتراخي؟
ولا (لماذا) جعل (لن) للنصب و (لم/ للجزم و(لا) للنفي والنهي، و (إنَّ) للتوكيد و(لو) للتمني والامتناع لامتناع؟.
ولا (لماذا) جعل (مِن) للتجزئة والتبعيض و(عن) للمجاوزة و(على) للاستعلاء، و(إلى) لانتهاء الغاية؟
و(لماذا) نصب المنصوبات ورفع المرفوعات وجر المجرورات وجزم المجزومات؟.
وهكذا إلى مئات التساؤلات في القطاع (الصرفي النحوي). وقد أجبت عنها في هذه الدراسة التطبيقية الفرعية. باعتماد خصائص ومعاني الحروف العربية وفق ما تحصل لي عنهما في الدراسة الأولى ((خصائص الحروف العربية ومعانيها)).
وهكذا سيجد القارئ في نهاية هذه الدراسة أن اللغة العربية قد انتقلت فعلاً في القطاع الصرفي- النحوي) من مرحلة (كيف)؟ إلى مرحلة (لماذا)؟.
وبذلك نستطيع اليوم على هدْي ((خصائص الحروف العربية ومعانيها)) أن نقرِّر (كيف) يجب أن نستعمل مفرداتها وأدواتها دونما حاجة ملحَّة بنا للرجوع إلى المطوَّلات الصرفيَّة النحوّية)، لابلّ وأنْ نصحِّح أيضاً ما وقع للتراثيين اللغويين فيها من أخطاء، وأن نكون حكماً نزيهاً متمكِّناً فيما وقع بينهم من خلاف حولها. وسيجد القارئ في متن هذه الدراسة أكثر من مثال على ذلك.
فإجاباتهم على (كيف) التراثية لم تكن دائماً دقيقة وصحيحة، ولا عتْب عليهم في ذلك لحرمانهم من (خصائص الحروف العربية ومعانيها).
الخاتمة:
وهكذا، فإن هذه الدراسة إذ تكشف عن بعض ملامح عبقرية الأمة العربية في إبداع لغتها، فإنها تدحض بذلك مزاعم من يُنكرون عليها فطرتها وأصالة معاني حروفها. وما أحسبني مدعياً لو قلت أنها واحد من الحصون اللغوية الصالحة لمواجهة أصحاب الغزو الثقافي المضاد، ممن يدعون إلى استبدال العامية بالفصحى العربية والحرف اللاتيني بالحرف العربي.


¡¡¡




المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59