الموضوع: تفسير السعدي
عرض مشاركة واحدة
  #374  
قديم 01-02-2014, 07:57 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,202
ورقة

تفسير سورة طه
ـــــــــــــــــــــ

مكية
ــــــــ


وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى ( 129 ) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ( 130 ) .
هذا تسلية للرسول، وتصبير له عن المبادرة إلى إهلاك المكذبين المعرضين، وأن كفرهم وتكذيبهم سبب صالح لحلول العذاب بهم، ولزومه لهم، لأن الله جعل العقوبات سببا وناشئا عن الذنوب، ملازما لها، وهؤلاء قد أتوا بالسبب، ولكن الذي أخره عنهم كلمة ربك، المتضمنة لإمهالهم وتأخيرهم، وضرب الأجل المسمى، فالأجل المسمى ونفوذ كلمة الله، هو الذي أخر عنهم العقوبة إلى إبان وقتها، ولعلهم يراجعون أمر الله، فيتوب عليهم، ويرفع عنهم العقوبة، إذا لم تحق عليهم الكلمة.
ولهذا أمر الله رسوله بالصبر على أذيتهم بالقول، وأمره أن يتعوض عن ذلك، ويستعين عليه بالتسبيح بحمد ربه، في هذه الأوقات الفاضلة، قبل طلوع الشمس وغروبها، وفي أطراف النهار، أوله وآخره، عموم بعد خصوص، وأوقات الليل وساعاته، لعلك إن فعلت ذلك، ترضى بما يعطيك ربك من الثواب العاجل والآجل، وليطمئن قلبك، وتقر عينك بعبادة ربك، وتتسلى بها عن أذيتهم، فيخف حينئذ عليك الصبر.
وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى ( 131 ) .
أي: لا تمد عينيك معجبا، ولا تكرر النظر مستحسنا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابا بأبصار المعرضين، ويتمتع بها - بقطع النظر عن الآخرة - القوم الظالمون، ثم تذهب سريعا، وتمضي جميعا، وتقتل محبيها وعشاقها، فيندمون حيث لا تنفع الندامة، ويعلمون ما هم عليه إذا قدموا في القيامة، وإنما جعلها الله فتنة واختبارا، ليعلم من يقف عندها ويغتر بها، ومن هو أحسن عملا كما قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا
( وَرِزْقُ رَبِّكَ ) العاجل من العلم والإيمان وحقائق الأعمال الصالحة والآجل من النعيم المقيم والعيش السليم في جوار الرب الرحيم ( خير ) مما متعنا به أزواجا في ذاته وصفاته ( وَأَبْقَى ) لكونه لا ينقطع أكلها دائم وظلها كما قال تعالى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى
وفي هذه الآية إشارة إلى أن العبد إذا رأى من نفسه طموحا إلى زينة الدنيا وإقبالا عليها أن يذكرها ما أمامها من رزق ربه وأن يوازن بين هذا وهذا
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ( 132 ) .
أي: حث أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها من فرض ونفل والأمر بالشيء، أمر بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمرا بتعليمهم، ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها.
( وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ) أي: على الصلاة بإقامتها، بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها، فإن ذلك مشق على النفس، ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك، والصبر معها دائما، فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به، كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم، وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع، ثم ضمن تعالى لرسوله الرزق، وأن لا يشغله الاهتمام به عن إقامة دينه، فقال: ( نَحْنُ نَرْزُقُكَ ) أي: رزقك علينا قد تكفلنا به، كما تكفلنا بأرزاق الخلائق كلهم، فكيف بمن قام بأمرنا، واشتغل بذكرنا؟! ورزق الله عام للمتقي وغيره، فينبغي الاهتمام بما ي*** السعادة الأبدية، وهو: التقوى، ولهذا قال: ( وَالْعَاقِبَةُ ) في الدنيا والآخرة ( لِلتَّقْوَى ) التي هي فعل المأمور وترك المنهي، فمن قام بها، كان له العاقبة، كما قال تعالى ( وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )

------------------------------
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59