عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06-04-2016, 06:29 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,217
ورقة السياسي والدعوي في أعقاب الثورات المضادة (1 / 2)


السياسي والدعوي في أعقاب الثورات المضادة (1 / 2)
ـــــــــــــــــــــــــــ

(أنور قاسم الخضري)
ــــــــــ

28 / 8 / 1437 هــ
4 / 6 / 2016 م
ــــــــــــ

السياسي الثورات 9079622224cb497e007231a652a60879-796x427.jpg
















تعيش الجماعات والحركات الإسلامية حالة من التهديد والتحديات، وهي أمام مسارين: إما مراجعة شاملة للأهداف والأدبيات والوسائل والتكتيك والشعارات والخطاب، لتدارك الأخطاء، وتجديد الآليات وتحسين الصورة المشوهة، وتطوير الخطاب والشعارات والخطط بما يناسب المرحلة. وإما الإصرار على ما كان بكل أحماله وأوزاره، والبقاء على ذات المنوال، والتصبر لكل التبعات والضربات تحت ذريعة الابتلاء. تتردد القيادات بين المسارين، خاصة وأن أي قرار تحت ظل الظروف الراهنة هو قرار مصيري، له ما بعده. في هذا المقال نسعى لرسم ملامح بعض المراجعات التي تشهدها الحركات الإسلامية على صعيد علاقة العمل الحزبي السياسي بالعمل الحركي الدعوي.

الديني والسياسي في العهد الأول:
-------------------

في التاريخ الإسلامي ومع نشأة الجماعة المسلمة الأولى لم يكن هناك أي جهل بحقيقة شمول الإسلام كمنهج يقيم الحياة بكل أبعادها وفق رؤية ربانية تميز بين الغيبي والمشاهد، وتمزج بين توجيهات الشارع سبحانه ووظيفة العقل في الفهم والتنزيل. وحيث كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو النبي الموجه والقدوة القائد فقد اجتمعت فيه كل أدوار البلاغ والتعليم والدعوة والتربية والفتيا والقضاء والولاية العامة وإدارة بيت مال المسلمين وإدارة حركة الجهاد. وقد أتاه الله تعالى من القدرات والمواهب والقوة العقلية والنفسية والروحية والبدنية ما يجعله قادرا على القيام بهذه الأدوار؛ ومع ذلك لم يستغن بما وهبه الله عن صحابته –رضي الله عنهم؛ فشاور وفوض وأوكل واستعمل واستأجر.
وقد أخذ عنه أصحابه الدين والعلم، وكسبوا الخبرات والتجارب، فكان منهم السابق ومنهم المقتصد. فعرف فيهم القارئ والحافظ والفقيه والفرائضي والقائد العسكري والمنفق السخي والمؤذن والحادي وغير ذلك. فإن مقتضى اختلاف الناس في قدراتهم وطاقاتهم وميولهم ومشاربهم تنويع أدوارهم ووظائفهم. وكان مقتضى هذا الاختصاص وانصراف كل طرف لما يميل إليه ويحسنه أن يفقد من بقية الاختصاصات مكان الصدارة أو التميز، ذلك أن الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة.

فمن عرف بالجهاد منهم حتى برز فيه لم يعرف بالحفظ ورواية الحديث، ومن عرف بالعلم والفقه وتفرغ له لم يعرف بالإنفاق والبذل لأنه كان يفوته طلب الغنى. ولم يكن بعضهم يرى في تخلف الآخرين عن صفوف التخصص منقصة أو مذمة؛ فالكل يقومون بالواجب المشترك، وبالقدر الكفائي في غير ما تميزوا به، ويخدمون هدفا واحدا.
وعلى هذا سار سلف الأمة، فكان منهم حفاظ القرآن القراء، والمفسرون، والحفاظ المحدثون، والفقهاء والأصوليون، واللغويون. وفي أعمالهم كان منهم المشتغل بالتعليم، والمشتغل بالتأليف، والمشتغل بالإفتاء، والمشتغل بالقضاء، والمشتغل بالوعظ والدعوة. ولم ينظر لهذه التخصصات على أنها فصل أو انفكاك بين تخصص وتخصص، فضلا عن فصل التخصص عن جسده وأرضيته وعمقه الأوسع والأشمل.
كما أن أدوار الحاكم المسلم الذي كان يجمع كثيرا من الاختصاصات والوظائف مطلع الدولة الإسلامية زمن الخلافة الراشدة، لم تبق على حالها، فقد اقتصرت هذه الأدوار مع تراجع مواصفات وخصائص الحاكم إلى أدوار سياسية وعسكرية بحتة، في حين أن الفتيا والقضاء والتعليم والدعوة أصبحت من مهام العلماء وطلاب العلم.

إنَّ هذا التحول من زمن الخلفاء الراشدين إلى وقتنا المعاصر تحول طبيعي، يعكس الواقع وتحولاته. ولم ينظر لهذا التمايز والتراجع بأي نوع من الشك نظرا لبقاء الحاكم المسلم متصفا بالإسلام ومظهرا لشعائره، ولالتزامه بحاكمية الشريعة وإجرائه لها عبر جهاز القضاء.. في حين أن التعليم والدعوة ظلت جهدا مجتمعيا في الغالب.

العلمانية وعداء الدين:
--------------

مع بروز العلمانية في الغرب على خلفية الصراع المرير مع الكنيسة والنصرانية المحرفة، وتمكن الغرب المتحرر من سلطان الكنيسة من بناء تقدم مادي ومعرفي وتحقيق نهضة عمرانية واقتصادية عارمة، ظهرت المناداة في البلاد العربية والإسلامية بالعلمانية –بشقيها المتطرف والمعتدل![1]
وقام المتأثرون بأفكار الغرب والمنبهرون بتقدمه باستدعاء معركة الهوية والمرجعية إلى ميدان الفكر والسياسة في الأمة؛ وخاضوا معاركهم مع نخبة الأمة الإصلاحية التي كانت تدعو لاستلهام المخرج في تراثنا وحضارتنا وخبرتنا وتجاربنا.. كما فعل الغرب بعودته لماضيه وتراثه. ولخص الشاعر محمود غنيم هذه المفارقة العجيبة قائلا:

استَرشَدَ الغَربُ بِالـمَاضِي فَأَرشَدَهُ ونَحنُ كَانَ لَنَا مَاضٍ نَسِينَاهُ
إِنَّا مَــشَينَا وَرَاءَ الغَــربِ نَقــتَـبِــسُ ضِـيَائَهُ فأَصَـابَتنَا شَـظَايَاهُ

وتبنت النخب المثقفة والأنظمة الحاكمة في كثير من بلدان العالم الإسلامي العلمانية –فصل الدين عن الدولة- كمبدأ حاكم، سواء سطر ذلك في الدساتير أو عمل به عمليا ومورس في الواقع. ولم يكن هذا الفصل غير إلغاء لمرجعية الإسلام وشريعته وأخلاقه وقيمه عن واقع التوجيه ومرجعية التحكم، وإحلال الأفكار الاشتراكية والقومية والليبرالية محله، لتملأ المناهج التعليمية والأدبيات الثقافية وتوجه الفكر والسياسة والاقتصاد.

في ظل هذه المعركة، كان العلماء وحملة لواء الشريعة هم من تصدر المشهد وهم من بعثوا روح اليقظة والصحوة في الأمة، فقادوا جبهات التحرر والاستقلال، واعتلوا منابر الدعوة والوعظ، وجلسوا على كراسي التعليم والقضاء، وكانوا المرجع في الفتوى والتوجيه. وعلى يد كثير منهم تأسست الحركات والجماعات الإسلامية التي مثلت جهدا مؤسسيا منظما تنخرط فيه الطاقات والكوادر وتتوفر فيه البيئة المساعدة في التنشئة والتربية والبناء المعرفي والفكري والإيماني والأخلاقي.

وكان من أبرز هذه الحركات، وأوسعها انتشارا وحضورا وتأثيرا، حركة الإخوان المسلمين التي تأسست على يد الشيخ حسن البنا، في نهاية العقد الثالث من القرن الماضي بمصر. حيث اهتمت الحركة بالعمل السياسي كأحد مناشط اهتماماتها المختلفة التي تصدرت لها وأصبحت ضمن وظائفها وأدوارها.
ظل النزاع بين الجماعات والحركات الإسلامية –خلال عقود مضت- حول عودة الإسلام كهوية ومرجعية وشريعة وقيم للحياة العامة ومن منطلق السيادة. وفيما كانت الأنظمة تستند إلى قوة الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية كانت الجماعات تتحرك في الإطار الشعبي والعمل المجتمعي، وأخذت على عاتقها حمل رسالة الإسلام وإعادته للحياة عبر رؤية شمولية تحضر في كافة المجالات الممكنة. من ثمَّ كان شعارها الأبرز "الإسلام هو الحل"، وقضيتها المحورية "تطبيق الشريعة"، في مقابل تيار شمولي يقصي الدين من جميع مناحي الحياة عدا مساحة بسيطة تتعلق بصلة الفرد بربه!

انتشار الصحوة وظهور حاجة التخصص:
------------------------

مع انتشار الصحوة الإسلامية وامتداد آثارها، وتحقيقها حضورا ناجحا في الدعوة والتعليم والعمل الإنساني والإعلام وغيرها من المجالات، وإثبات جدارتها في الميدان، واجهت الكثير من التضييق والتنكيل والمحاربة. فقضى كثير من رموز الحركات الإسلامية أعمارهم في السجون والمعتقلات، وربما أعدموا في ظل محاكمات لا تتوفر فيها معايير العدالة، أو قتلوا خارج مؤسسة القضاء. ومع ذلك لم تكن تلك الابتلاءات إلا وقودا يزيد من شعلة نشاطها وانتشارها.

وشيئا فشيئا برزت هذه الحركات على الصعيد السياسي كخيار شعبي حر، في أكثر من بلد عربي وإسلامي. وكانت الثورات الشعبية التي انطلقت عام 2011م واكتسحت المنطقة –وعرفت بالربيع العربي- ممهدة لفتح الطريق أمام الحركات الإسلامية للوصول إلى السلطة وسدة الحكم. حيث استطاعت حركة الإخوان المسلمين وبقية الأحزاب الإسلامية في مصر من تسيد المشهد السياسي، وكذلك في تونس، واستفادت الحركة الإسلامية في المغرب من أجواء هذه التحولات، كما أوشكت نظيراتها في اليمن تحقيق ذات المكاسب.

غير أن هذا التحول آثار حفيظة الغرب، وبعث برسالة قلق للمحيط الإقليمي الذي سارع في إجهاض هذه التحولات والوقوف ضدها. فبدأ مسار التحول من مصر التي شهدت انقلابا عسكريا على أول حكم مدني ديمقراطي، وأول رئيس منتخب، د. محمد مرسي، في الثالث من شهر يوليو عام 2013م. وهو حدث كانت له تداعيته على المنطقة عموما. فقد اعتبرت السلطات المصرية تنظيم جماعة الإخوان محظورًا في ديسمبر 2013م، كما صنفتها دول أخرى كمنظمة إرهابية.
هذه التحولات مثلت انتكاسة جديدة، وساهمت في تصعيد أطراف علمانية أو طائفية وفوضى عارمة تقضي على أمن واستقرار عدة دول، كسوريا واليمن وليبيا؛ كما فرضت نوعا من المراجعات الداخلية لتقييم المرحلة السابقة وتجاوز الأخطاء التي وقعت فيها حركة الإخوان المسلمين في مصر. إضافة إلى ذلك فإن الهجوم القائم على الحركات الإسلامية الساعية للإصلاح والتغيير وتسنم العمل السياسي والوصول للسلطة -في هذه المرحلة- فرض عودة قضية الفصل بين الديني والسياسي من منطلقين:
منطلق من خارج الحركات الإسلامية يرغب في تجريدها من "منصة" حركتها التي تستهوي المجتمعات الإسلامية وتعطيها قدرة على التأثير من منطق الخطاب الديني الذي تفتقده التيارات السياسية الأخرى. وهو منطلق علماني يريد عزل هذه الحركات عن محيطها وتاريخها، وإضعاف خطابها الديني والورقة الرابحة في صراعها مع العلمانية.

منطلق من داخل الحركات الإسلامية، وهو ذو توجهين:
-------------------

الأول: يسعى لتجنيب الدعوة والدين الصراعات السياسية الحادة، التي قد تدفع بعض الأطراف في سبيل بقاء مصالحها للعداء مع الدين والدعوة، ما يقضي على مكاسب المراحل السابقة. ومن ثم يرى في هذا الخيار تضييقا لدائرة الصراع. وهذا الفريق يستند في نظرته لحجم المؤامرة الحالية وتعدد أطرافها.

الثاني: يسعى لإعطاء العمل الحزبي مدى أوسع للمناورة والعمل بعيدا عن أعباء المخيال الدعوي الذي يتجه نحو النموذج الإسلامي في كل فرصة سانحة دون اعتبار لتسوية البيئة السياسية والمجتمعية والإقليمية لقبول التوجه الإسلامي للتغيير. ومن ثم فهذا الفريق يتخفف من القيود والاحترازات التي لا تناسب في منظوره الفاعل في الميدان السياسي، لأنه يسعه ما لا يسع غيره من الفقه والنظر.

التجارب والخيارات:
-----------

كانت "حركة التوحيد والإصلاح" المغاربية[2] أول حركة إسلامية تعمل على فصل العمل السياسي عن العمل الدعوي، حيث اعتمدت سياسة فك الارتباط بين الحركة و"حزب العدالة والتنمية" –المغربي، وأسست لرؤية مستقلة لكيانين منفصلين، أحدهما يعمل في المجال السياسي، والآخر يعمل في المجال الدعوي.

الأول هو حزب العدالة والتنمية، الذي حصل في الانتخابات البرلمانية –التي جرت في 2011م- على المرتبة الأولى، واستطاع تشكيل الحكومة -في 2012م، بواقع 11 وزيرا من العدالة والتنمية من 31 وزيرا هم مجموع التشكيلة الحكومية.

ورغم حصول معارضة داخلية، وجدل بين مؤيدي ومعارضي الفصل، إلا أن الحركة اتخذت قرارها، وعملت على استيعاب الآراء في إطار من التعاون والتكامل مع الحزب. ساعية في ذات الوقت إلى توجيه كافة جهدها نحو الدعوة والتربية والتغيير المجتمعي، وتوسيع دائرة التأثير في شرائح المجتمع المغربي.
هذه التجربة بطبيعة الحال تختلف عن تجربة "حزب العدالة والتنمية" –التركي، والذي مثل رؤية متطورة ومغايرة لـ"حزب الفضيلة" الإسلامي، الذي كان يرأسه نجم الدين أربكان. فقد قدم "حزب العدالة" نفسه كحزب سياسي ملتزم بعلمانية الدولة، والنهج الديمقراطي، محافظ ومعتدل، يتبنى التوجه التنموي كأولوية في سياسته.

وقد استطاع "حزب العدالة" من تحقيق نجاحات كبيرة في تركيا، في كافة المحطات الانتخابية، واستطاع الحصول على غالبية برلمانية تمكنه من تشكيل الحكومة. كما استطاع الفوز برئاسة الجمهورية التركية. كل ذلك تأسيسا على نجاحاته الاقتصادية والتنموية وفي السياسة العامة للدولة.
لم يستند "حزب العدالة" بطبيعة الحال في منافساته الانتخابية وأدائه الحزبي وإدارته للحكومة والدولة على خطاب ديني، وشعارات دينية، ورموز دينية. فمعظم كوادر الحزب محسوبون على الكوادر التكنوقراط ذوي الاختصاصات العلمية، وليسوا علماء أو دعاة أو رموز إسلامية.

هذه التجارب بالإضافة إلى التحديات الحالية فرضت على مجلس شورى "حركة النهضة" التونسية مناقشة الفصل بين السياسي والدعوي. وبحسب قيادات في الحركة أن هذه النقاشات والمشاورات بدأت منذ عام ونصف تقريبا. وقد خلص مجلس شورى الحركة إلى قرار فصل العمل السياسي للحزب عن الأنشطة الدعوية.
آثار هذا القرار حفيظة بعض المنتمين للحركة وأشعل مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال بالنقاشات والجدل مجددا، إلا أنَّ الغالبية العظمى من أبناء الحركة داخل تونس وخارجها يؤيدون هذا التوجه، ويرحبون بأي خطوات عملية تعزز التخصص وتفض الاشتباك بين المرجعيات السياسية والشرعية.
--------------------------------
[1] معتدل بالنسبة للموقف الإلحادي المتطرف، المعادي للدين والمنادي بإخراجه من الحياة باعتباره كذب وأساطير.
[2] وهي حركة دعوية وتربوية وفكرية وثقافية إسلامية، تعمل في إطار التجديد وإقامة الدين وإصلاح المجتمع. كانت حاضرة بنشاطها في المجتمع المدني منذ أواسط السبعينات من القرن المنصرم، وتشكلت في عام 1996م؛ بعد الوحدة الاندماجية بين كل من حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي المغربيتين.


------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59