عرض مشاركة واحدة
  #86  
قديم 08-26-2014, 09:48 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,217
ورقة أهم خرافات العلمانية

أهم خرافات العلمانية
ــــــــــــ

(د. عامر الهوشان)
ـــــــــ

30 / 10 / 1435 هـ
26 / 8 / 2014 م
ـــــــــــ



رغم التقدم العلمي والتقني الكبير الذي وصل إليه العالم المعاصر, من خلال ثورات متلاحقة في الاتصالات و المعلومات, ومن خلال غزو الفضاء واختراق المجهول وتسارع وتيرة المخترعات والمبتكرات, إلا أن تصوره عن الكون والإنسان والحياة ما زال قاصرا عن الحقيقة, كما أن كثيرا من الخرافات والأساطير ما تزال تهيمن على كثير من معتقداته وأفكاره, وخاصة فيما يتعلق بالأمور الدينية العقائدية, وإن كان يدعي عكس ذلك في كل مناسبة.

وإذا كان الغرب لا يفتأ يتهم الأديان السماوية زورا وبهتانا -وعلى رأسها الدين الإسلامي الحنيف الذي يعتبر الدين الوحيد الذي لم يطاله شيء من التحريف أو التزييف– باحتوائها على الخرافات, وينسب لها –افتراء- الأساطير والأوهام, فإن العلمانية التي جاء بها الغرب -كبديل حضاري عن الأديان كما يزعم- مليئة بالخرافات التي لا تقل سوءا عن خرافات أهل الجاهلية الأولى, إلا أنها بصورة منمقة تناسب العصر والزمان الحالي.

نعم .. قد يكون هناك بعض الفرق التي تدعي الانتساب إلى الإسلام -وهي منه ومن تعاليمه ومبادئه وثوابته براء– تعتقد وتوقن ببعض الخرافات التي لا أساس لها من الصحة, كتلك التي تعتقد بأن الأموات ينفعون أو يضرون, أو أن أحدا من البشر يطلع على الغيب أو غير ذلك, إلا أن ذلك يعتبر استثاء لا يمكن أن يعمم على جميع المسلمين, ناهيك عن كون هذه المعتقدات الخرافية مخالفة لتعاليم الإسلام الذي حاربها -وما زال- دون هوادة من أجل القضاء عليها.

وإذا كانت الخرافة أنواع وأشكال, فهناك خرافة اجتماعية ثقافية كاعتقاد بعض الناس أن الخرزة الزرقاء تدفع الشر أو أن الغراب ي*** الخراب, أو شخصية كمن تحل به مصيبة في يوم معين فيربط الشؤم بهذا اليوم طوال حياته, فإن ما يهمنا في هذا المقال هي الخرافة الفكرية العقائدية في العلمانية المعاصرة.

تعريف الخرافة

وقبل البدء بأهم خرافات العلمانية لا بد من تعريف الخرافة لغة واصطلاحا, أما في لغة العرب فالخرافة هي الحديث المستملح من الكذب كما قال ابن منظور في كتابه لسان العرب, كما نقل عن ابن الكلبي قوله: خرافة: اسم لرجل من بني عذرة أو جهينة, غاب عن قبيلته زمنا ثم عاد فزعم أن الجن استهوته واختطفته, وأنه رأى أعاجيب جعل يقصها عليهم فأكثر فكذبوه حتى قالوا في الحديث المكذوب (حديث خرافة) وقالوا فيه (أكذب من خرافة).

وفي الاصطلاح هي معتقد لا يعتمد على أساس من الواقع ولا من الدين، مثل الأقوال أو الأفعال أو الأعداد أو الأبراج التي يُظن أنها ت*** السعد أو النحس, أو هي فكرة غير منطقية نشأت لتفسير ظاهرة ما، لم يتمكن الفرد من إيجاد تفسير واضح لها, وتتميز بالرسوخ في أذهان الكثيرين من الناس.

أهم خرافات العلمانية

1- فصل الدين عن الحياة: رغم كونها من أهم أسس العلمانية الغربية, ورغم أنها أضحت من أكثر النظم السياسية انتشارا وتطبيقا في دول العالم –من خلال شعار العلمانية الأبرز "فصل الدين عن السياسة"- إلا أن هذه الفكرة تعتبر بمقياس العلم والواقع خرافة لا وجود لها إلا في أذهان من ابتدعها واخترعها.

أما من ناحية خرافتها علميا, فإن الإنسان يميل إلى اعتناق دين -بغض النظر عن كونه حقا أم باطلا– بطبيعته, كما أن الإنسان متدين بفطرته, وهو كما يقول علماء الاجتماع و"الانثروبولوجيا" حيوان ديني, لا غنى له عن الدين ولا يمكن أن يحيا بدونه, فالتدين فطرة إلهية مركوزة في نفسه ووجدانه, ناهيك عن أن الدراسات الاجتماعية وحقائق التاريخ تؤكد أن التدين أيضا حاجة اجتماعية, وبالتالي فهي تهيمن على حياته وتتحكم في سلوكه وممارساته.

يقول برغستون: "لقد وجدت جماعات إنسانية من غير علوم ولا فنون ولا فلسفات, ولكن لم توجد قط جماعات بدون ديانة" وحين انحرفت الفطرة الإنسانية عن وجهتها الصحيحة, عبدت بعض الجماعات البشرية آلهة من دون الله, فجعل الإغريق لكل ظاهرة كونية إلها, فهناك آلهة الجمال والشمس والريح والظلمة والنور, وكذلك فعل الرومان والمصريون القدماء والهنود, ولم يحيا الإنسان عبر تاريخ وجوده الطويل بلا دين أبدا, ولا شك أن تلك الأديان قد أثرت على سلوكيات الإنسان سلبا أو إيجابا, فأين هي حقيقة مقولة: "فصل الدين عن الحياة"؟؟

وأما خرافتها واقعيا فلأنها في الحقيقة ينطبق على من ابتدعها المثل القائل "كالمستجير من الرمضاء بالنار", فإذا كانت الدول الغربية قد اخترعت العلمانية هربا من الكهنوت الكنسي الذي تسلط على رقابهم سنوات طوال, فإن هذه العلمانية أضحت اليوم كهنوتا جديدا ودينا حديثا, والفرق الوحيد بين ماكانوا عليه وما آلوا إليه, هو جعل المادية والنفعية دينا كبديل عن الأساطير الكنسية التي كانت تحكمهم, فهي في الحقيقة استبدال خرافة بخرافة وأسطورة بأسطورة أخرى.

والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: أي دين ذاك الذي فصله الغرب عن حياتهم, وهم بأنفسهم من ابتدع دينا جديدا ليتحكم ليس في حياتهم فحسب, بل في حياة الملايين من البشر في هذا العالم, من خلال حملتهم المسعورة لفرض العلمانية على جميع الدول والشعوب, وخاصة على الدول والشعوب الإسلامية.

إن تحريف اليهود والنصارى لدينهم ولكتاب ربهم هو السبب الرئيس لنشأة الأفكار المنحرفة والعقائد الباطلة في هذا العالم, وإذا كانت العلمانية نتيجة طبيعية لغلو الكنيسة وخروجها عن حقيقة دين عيسى عليه السلام, حيث تحول التوحيد فيها إلى شرك بالله واضح, وأضحت العقائد الدينية بسببها خرافات وأساطير, فإنه سيأتي على العلمانية وقت يثور الناس عليها كما ثاروا على الكنيسة من قبل, لكونها كررت الخطأ ذاته, وإن لم يكن الخطأ بالغلو كما فعلت الكنيسة, وإنما بالتفريط وجعل الهوى والمادة والمنفعة دينا وإلها كما تفعل العلمانية الحديثة.

2- خرافة نفي الحقائق غير المادية: فالمادة والطبيعة والعقل والتجريب والحس والمشاهدة هي أساس كل شيء في هذا الكون عند أتباع العلمانية, وكل ما هو وراء المحسوس والعقل فهو خيال ووهم, والإيمان بالغيب في نظرهم جزء من الخرافات والأساطير التي لا بد من التخلي عنها.

فالدين عند العلمانية صنع بشري محض وإفراز تاريخي اقتضاه التطور البشري, بدأ بأساطير أملاها الخوف من القوى المجهولة, ثم تطور إلى تعدد الآلهة ليصل إلى توحيد الآلهة على يد الأديان التوحيدية, فالأديان مجرد وهم من أوهام الجماهير كما يرى "فرويد", والإنسان هو الإله الحقيقي الوحيد عند "فويرباخ", وأما "نيتشه" فهو الأكثر خرافية حين قال: "إن الله قد مات أو هو في طريقه إلى الموت -والعياذ بالله- فنحن لا نقصد أن العقائد الدينية قد تلاشت من ضمير الشعوب، وإنما نعني أن النظرة العلمية التي وصل إليها الإنسان عن طبيعة الكون والمجتمع والإنسان خالية من ذكر الله تماما".

وإذا تحدثنا عن الجنة والنار والملائكة والجن وغير ذلك من الأمور الغيبية, فجميعها عند العلمانية خرافات وأساطير لا يعترف بها, فالحقيقة عندهم وقف وحكر على ما هو خاضع للمادة والتجربة والحس.

وعلى الرغم من أن نفي الحقائق غير الخاضعة للمادة والحس والعقل هي الخرافة الأكبر والأخطر على البشرية, لكونها ببساطة تنفي الكثير من الحقائق الموجودة في حياة الإنسان عمليا وواقعيا, فالروح موجودة بلا ريب ومع ذلك لا يعرف العلمانيون عنها أي شيء, وهي غير خاضعة للحس والعقل والتجريب, وسر الحياة الكائن في هذه الروح والتي تنعم بسببها المخلوقات بالاستمرار والبقاء موجود أيضا, وعلى رغم من ذلك فإن العقل العلماني لم يفسر لنا شيئا من أسرار هذه الحياة التي نعيشها, ناهيك عن كثير من الظواهر الكونية التي لم يجد الفكر العلماني لها أي تفسير أو توضيح حتى اليوم, فأين هو العقل والحس ليخضع تلك الظواهر إلى مختبره وتجربته.

ولعل أعظم دليل على خرافة نفي الحقائق غير المادية عند العلمانية هو وجود الله تعالى, فجميع ما في الكون يدل على وجود الصانع سبحانه, وكل البدهيات العقلية –التي يتملق أتباع العلمانية بالخضوع له– تدل بما لا يدع مجالا للشك على وجود الله تعالى, ومن المعلوم أن الله جل جلاله لا يمكن أن يخضع للحس والمادة والعقل, لأنه ببساطة هو خالق العقل والمادة والحس سبحانه وتعالى, مما يعني أن نفي الحقائق غير المادية عند العلمانية خرافة وأي خرافة؟!!

لقد عاند كبار رموز العلمانية والإلحاد حقيقة وجود الله تعالى على مر عقود من الزمان خلت, إلا أن تطور العلم الحديث كان يثبت يوما بعد يوم عقم الأفكار العلمانية وصحة الحقائق الإسلامية, فتساقط العلمانيون واحدا تلو الآخر, وتخلوا عن خرافة نفي الحقائق غير المادية في هذا الكون, واعترفوا بوجود الإله سبحانه, وكان آخرهم (سير أنتوني فلو) أستاذ الفلسفة البريطاني الشهير, من خلال كتابه الذي صدر عام 2007م بعنوان: (هناك إله).

3- خرافة أن العلمانية هي الحل: رغم كونها من أكبر خرافات العصر الحديث, إلا أن الغرب استطاع أن يروج لهذا الشعار في معظم دول العالم وشعوبها, كبديل عن حقيقة أن الإسلام هو الحل, مستغلا قوته المادية والآلة الإعلامية الجبارة التي تقلب الحق باطلا والباطل حقا, والتي تسوق الخرافات والأساطير على أنها حقائق علمية وعقلية.

وبعيدا عن الخوض في الأسباب التي أدت لتبني الغرب للعلمانية, والتي من أهمها تسلط الكنيسة التي حاربت العلم والعلماء وانحرفت بالدين النصراني عن حقيقته وجوهره الأصيل كما نزل على عيسى عليه السلام, فإن هروب الغرب من الكهنوت الكنسي إلى الكهنوت المادي الإلحادي كان هروبا من الغلو إلى التفريط ومن الخرافة الدينية الكنسية إلى الخرافة المادية كما سبق.

وإذا كانت البيئة في الدول الغربية قد مهدت لظهور العلمانية وتقبلها هناك, نظرا للتحريف الكبير الذي تعرضت له النصرانية على يد اليهود, فإن بيئة الدول الإسلامية تختلف اختلافا جذريا عن الغرب, فالإسلام محفوظ بحفظ الله ولم يتعرض لأي تبديل أو تشويه أوتحريف, وهو لا يتعارض مع العلم ولم يضطهد العلماء كما فعلت الكنيسة, بل على العكس من ذلك فالعلماء هم أعلى الناس منزلة عند الله تعالى بنص القرآن الكريم: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} المجادلة/11, كما أن العلماء همأكثر الناس خشية لله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} فاطر/28, ناهيك عن الآيات والأحاديث التي تحض على طلب العلم وفرضيته في الإسلام, وابتداء الوحي على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بكلمة "اقرأ", فكيف بعد كل هذا تكون العلمانية هي الحل؟؟

ثم إن الواقع المعاصر يؤكد أن شعار "العلمانية هي الحل" خرافة بكل المقاييس, فبينما ادعت العلمانية أنها إن طبقت واعتقد الناس بها فإنها ستقضي على التعصب الديني المنتشر في العالم, فإنها وبعد إيمان كثير من النخبة في الدول العربية والإسلامية بها, بالإضافة لمحاولة إقناع جميع الناس بقدرة العلمانية على حل هذه المعضلة فيما بينهم, وذلك من خلال تركيز وسائل الإعلام على نجاعتها في الحل, ناهيك عن عقود من التطبيق الكامل لها في معظم دول العالم, فإننا لا نرى التعصب الديني قد تناقص فضلا عن أن يزول وينتهي, بل على العكس من ذلك تماما , فقد ازداد التعصب الديني كما وكيفا في ظل العلمانية, بل وبتحريض ورعاية منها, والأحداث الدامية التي نشهدها في العالم اليوم –وخصوصا العالم العربي والإسلامي- أكبر دليل على هذه الزيادة الملحوظة.

لقد قضت العلمانية على الحياة الروحية تماما, وحولت الإنسان من كائن حي ينبض ب********ة والمحبة والإلتجاء لخالقه ومولاه, إلى كائن مادي أرضي لا صلة له بالسماء, فانتشرت بسببها الأمراض النفسية, وامتلأت عيادات الأطباء النفسانيين, وكثرت حالات الانتحار للخلاص من الحياة المادية الروتينية, فكيف تكون العلمانية هي الحل؟؟

كما أن العلمانية كانت سببا بتفكك الروابط الأسرية والاجتماعية, وكانت العامل الأبرز في إطلاق شهوات الإنسان الغريزية خارج نطاقها وضوابطها الدينية والأخلاقية, فانتشرت الرذيلة وعم الفساد الخلقي, حتى ظهرت الأمراض والأوجاع التي حيرت العلماء وأنهكت البشرية ماديا ومعنويا, فكيف تكون هي الحل وهي في الحقيقة المشكلة والمعضلة؟؟

كثيرة هي الخرافات والأساطير العلمانية, ولا مجال لحصرها واستعراضها في هذا المقال, ويكفي ما ذكر ليستيقظ المخدوع بشعارات العلمانية البراقة من غفوته وسكرته, ويعلم أن العلمانية في الحقيقة وهم وخرافة, ويتيقن المسلم أن دينه هو الحقيقة الوحيدة المتبقية في هذا الكون, فيزداد إيمانا مع إيمانه ويقينا فوق يقينه.
--------------------------------
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59