عرض مشاركة واحدة
  #87  
قديم 09-03-2014, 07:59 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,217
ورقة تعريف العلمانية ونشأتها

تعريف العلمانية ونشأتها
ــــــــــــ

(علي محمد مقبول الأهدل)
ـــــــــــــ

8 / 11 / 1435 هــ
3 / 9 / 2014 م
ـــــــــــ




تعريف العلمانية ونشأتها
------------

تعتبر العلمانية كلمة لها أكثر من مدلول، وهي ذات تاريخ طويل، وقد انتقلت مع الزمن من معنى إلى معنى آخر.

وقد حاول مترجموها عن اللغات الغربية إخفاء حقيقتها، حتى لا تصدم الحس العربي وتبقى في نطاق العلم، هو نطاق يرد عنها عادية الاتهام. ويبقى هدفها الحقيقي مختفياً وراء اللفظ المشتق من أقرب الأسماء إلى نفوس العرب والمسلمين[1].

والعلمانية مادة علمية متشعبة؛ وقد بحثت كثيراً وفيها رسائل علمية كثيرة.. ولذلك سوف أتكلم وباختصار شديد عن النقاط الآتية في العلمانية:
أولاً: تعريفه العلمانية.
ثانياً: نشأة العلمانية.
ثالثاً: هل للعلمانية مسوغ في العالم العربي والإسلامي؟
رابعاً: نماذج لبعض صور العلمانية.
خامساً: وسائل العلمانية في تحريف الدين.

أولاً: تعريف العلمانية:
---------------

لفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة (Secularism) في الإنجليزية أو (Secularite) بالفرنسية. وهي كلمة لا صلة لها بلفظ (العلم) على الإطلاق ولا حتى مشتقاته. والعلم في اللغة الإنجليزية والفرنسية معناه (Science) والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة (Scientism) والترجمة الصحيحة لكلمة (Secularism) هي "اللادينية" أو "الدنيوية" وتتضح الترجمة الصحيحة من التعريف الذي تورده المعاجم ودوائر المعارف الأجنبية للكلمة، فدائر المعارف البريطانية تقول وفي مادة (Secularism) هي: "حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها".

ويقول معجم إكسفورد "الرأي الذي يقول أنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية".

والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو: "فصل الدين عن الدولة"، وهو في الحقيقة لا يعطي المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على الأفراد وعلى الذي قد لا يكون له صلة بالدولة، ولو قيل أنها "فصل الدين عن الحياة لكان أصوب" ولذلك فإن المدلول الصحيح للعلمانية هو: "إقامة الحياة على غير الدين سواء بالنسبة للأمة أم للفرد"[2].

ثانياً: نشأة العلمانية:
------------

أما عن النشأة فيمكن تلخيصها في الآتي:

1- الطغيان الكنسي:

فقد نشأت العلمانية في أوروبا إثر صراع مرير بين الكنيسة ورجال الدين فيها وبين الجماهير الأوروبية؛ لأن رجال الدين تحولوا إلى طواغيت ومحترفين سياسيين ومستبدين تحت ستار الدين، وقول الراهب جروم: "إن عيش القسوس ونعيمهم كان يزري بترف الأمراء والأغنياء المترفين. وقد أنحطت أخلاق البابوات انحطاطاً عظيماً، واستحوذ عليهم الجشع وحب المال؛ بل كانوا يبيعون المناصب والوظائف كالسلع، وقد تباع بالمزاد العلني، ويؤجرون أرض الجنة بالوثائق والصكوك، وتذاكر الغفران..." ودخلت الكنيسة -أيضاً- في نزاع طويل وحاد مع الأباطرة والملوك لا على الدين والأخلاق ولكن على السلطة والنفوذ..

2- تحريف النصرانية:

وكانت القاصمة التي بها تم ذلك انفصام النكر بين الدين والحياة وهو الجناية الكبرى التي جنتها الكنيسة الغربية على نفسها وعلى الدين النصراني.. هو احتجاز الكنيسة لنفسها حق فهم الكتاب المقدس وتفسيره، وحظرت على أي عقل من خارج الكهنوت أن يحاول فهمه أو تفسيرة.

وأوجدت الكنيسة بعض المعميات في العقيدة النصرانية لا سبيل لإدراكها أو تصورها أو تصديقها.. ومثال ذلك العشاء الرباني وهي مسألة مستحدثة ما جاء بها الكتاب المقدس، وقصتها:
إن النصارى يأكلون في الفصح خبزاً، ويشربون خمراً، ويسمون ذلك العشاء الرباني؛ وقد زعمت الكنيسة أن ذلك الخبز يستحيل إلى جسد المسيح وذلك الخمر يستحيل إلى دم المسيح المسفوك فمن أكلهما وقد استحالا هذه الاستحالة فقد أدخل المسيح في جسده بلحمه ودمه...

وقد فرضت الكنيسة على الناس قبول هذا الزعم ومنعتهم من مناقشته؛ وإلا عرضوا أنفسهم للطرد والحرمان.

3- الصراع بين الكنيسة والعلم:

والأدهى من ذلك وقوف الكنيسة ضد العلم وهيمنتها على الفكر، وتشكيلها لمحاكم التفتيش وقتل العلماء مثل: كوبر نيكوس الذي ألف كتاب حركات الأجرام السماوية وقد حرمة الكنيسة هذه الكتب، وجردانو الذي صنع التلسكوب فعذب عذاباً شديداً حتى توفي وغيرهم كثير..

وخلاصة القول: إن هذا الدين المحرف هو الذي ثارت عليه أوروبا؛ وهي ملابسات أوروبية تحته وليست إنسانية عالمية، ومتعلقة بنوع معين من الدين لا بحقيقة الدين..

هذه هي قصة العلمانية رد فعل خاطئ لدين محرف وأوضاع خاطئة كذلك، ونبات خرج من تربة خبيثة ونتاج سيئ لظروف غير طبيعية.. ولا شك أنه كان من المفترض على أوروبا التي ابتليت بهذا الدين المحرف أن تبحث عن الدين الصحيح ولا تكون مجتمعاً لا دينيناً..

ثالثاً: هل للعلمانية مسوغ في العالم العربي والإسلامي:

إذا وجدنا مجتمعاً آخر يختلف في ظروفه عن المجتمع الذي تحدثت عنه، ومع ذلك يصر على أن ينتهج اللادينية ويتصور أنها حتم وضرورة فماذا نحكم عليه؟! وكيف يكون ألحكم -أيضاً- إذا كان هذا المجتمع الآخر يملك الدين الصحيح...

فقط نثبت السؤال، ونترك - ولا نقول لكل مسلم - بل لكل عاقل الإجابة عليه[3].
-------------------------------------
[1] سقوط العلمانية، أنور الجندي، (ص:7).
[2] انظر: العلمانية، د. سفر الحوالي، (ص:21)، تهافت العلمانية، د. عماد الدين خليل، (ص:7)، ومذاهب فكرية معاصرة، محمد قطب، (ص:445).
[3] راجع للتوسع: العلمانية، د. سفر الحوالي، (ص:12) وما بعدها، مذاهب فكرية معاصرة، محمد قطب، (ص:445)، المستقبل لهذا الدين، سيد قطب، (ص:27) تهافت العلمانية، د. عماد الدين خليل، (ص:7)، لماذا نرفض العلمانية، محمد محمد بدري، (ص:72)، سقوط العلمانية، أنور الجندي، (ص:18).


---------------------------------
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59