وإن مما تَهُون بِه الـنَّفْس أن يَعتَاد الإنسان خُلُقا مِن أخلاق المنافِقين ..
بل قد يَسْتَسِيغ ما غَصّ به عُـبّاد الأوثان !
أو يَسْتَحْسِن ما اسْتَقْبَحه أهل الجاهلية الأولى !
وكَفَى بِذَنْبٍ قُـبْحًا أن يَتَبرّأ مِنه أهل الجاهلية ! فيَخْشَى أحدهم أن يُعيَّرَ بِه !
وحَسْبُك مِن خُلُق رَذَالَة أن يَعِيبَـه من كان يَعبد الأصنام والأوثان !
ذلكم هو " الْكَذِب " الذي عُيِّر بِه " مُسَيلِمة " فاقْتَرَن اسمه بِوصْفِ الْكَذِب ! فلا يُذكَر إلا ويُعَرّف بـ " الكَذّاب " !
والكَذِب خُلُق من أخلاق المنافِقين ، ففي خِصال الـنِّفاق : " إذا حَدّث كَذَب " كما في الصحيحين .
قال منصور الفقيه :
الصِّـدق أوْلَى مَا بِهِ ** دَانَ امرؤ فاجْعَلْه دِينا
وَدَعِ النّفاق فما رَأيْـ ** ـتُ مُنافِقًا إلاَّ مَهينا
وإنما يَكذِب الكَذّاب مِن دناءة نَفْسِه ..
قال محمد بن كعب القرظي :
لا يَكْذِب الكَاذِب إلا مِن مَهَانَة نَفْسِه عليه .
والكّذِب أبْغض خُلُق إلى صاحِب الْخُلُق العظيم صلى الله عليه وسلم .
قالت عائشة رضي الله عنها : ما كان خُلُق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن الكذب ، فإن كان الرجل يَكذب عنده الكذبة فما يَزال في نفسه عليه حتى يَعلم أنه قد أحدث منها توبة . رواه عبد الرزاق ومِن طريقه الترمذي وابن حبان .
والمؤمن يُطْبَع على الخلال كلها إلاَّ الخيانة والكذب . كما قال أبو أمامة رضي الله عنه .
وأخرج البيهقي في الشُّعَب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : لا تَجِد المؤمن كَذّابا
وقال عمر أيضا : لا تَنْظُروا إلى صلاة أحَدٍ ولا إلى صيامه ، ولكن انْظُرُوا إلى مَن إذا حَدّث صَدق ، وإذا ائتمن أدَى ، وإذا أشْفَى وَرِع .
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول في خطبته : ليس فيما دون الصدق من الحديث خير ، مَن يَكذب يَفْجُر ، ومَن يَفْجُر يَهلك .
وقال أنس رضي الله عنه : إن الرجل ليُحْرَم قيام الليل وصيام النهار بالكِذبة يَكذبها .
وقال محمد بن سيرين : الكلام أوسع من أن يَكذب ظَريف .
وقال عمر بن عبد العزيز : ما كَذَبْتُ منذ عَلِمْتُ أن الكَذِب يَضُرّ أهله .
وقال الغازي بن قيس : ما كَذَبْتُ منذ احْتَلَمْتُ .
وقال : والله ما كَذَبْتُ كِذبة قَطّ منذ اغتسلت ، ولولا أن عمر بن عبد العزيز قَالَه ما قُلْتُه
وإذا كان الكذب بِضاعة شيطانية .. فإن الصِّدْق مَنْجَاة ، وهو بِضاعة أهل الإيمان ..
قال كعب بن مالك رضي الله عنه وهو يُحدِّث بِخبر توبة الله عليه : فو الله ما علمت أن أحدًا من المسلمين أبْلاه الله في صِدق الحديث منذ ذَكَرْتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا أحسن مما أبلاني الله به ، والله ما تعمدت كِذبة منذ قلتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي . رواه البخاري ومسلم .
وقال علي رضي الله عنه : زِين الحديث الصِّدق .
وخُلِّد في ذِكْر ربعي بن حراش أنه ما كَذَب كذبة !
قال وكيع : لم يَكذب ربعي بن حراش في الإسلام كِذبة . رواه الترمذي .
وروى أبو بردة بن عبد الله بن أبي بردة قال : كان يُقال : إن ربعي بن حراش رضي الله عنه لم يكذب كذبا قط ، فأقبل ابناه من خراسان قد تأجّلا ، فجاء العَريف إلى الحجاج فقال : أيها الأمير إن الناس يَزعمون أن ربعي بن حراش لم يكذب قط ، وقد قدم ابناه من خراسان وهما عاصيان ! فقال الحجاج : عَليّ به ، فلما جاء قال : أيها الشيخ . قال : ما تشاء ؟ قال : ما فَعل ابناك ؟ قال : المستعان الله خَلّفتُهما في البيت . قال : لا جَرَم ! والله لا أسوؤك فيهما ، هما لك .
وأصى الخلفاء مُعلّمي أبنائهم بتعليمهم الصِّدْق .
قال أسعد بن عبيد الله المخزومي : أمَرَني عبد الملك بن مروان أنْ أُعَلِّم بَنِيه الصِّدق كما أُعَلّمُهم القرآن .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
يُتْبَع