عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 11-16-2014, 12:52 PM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,207
ورقة أثر السياق على دلالة الأمر "تفسير البقاعى نموذجاً"

أثر السياق على دلالة الأمر "تفسير البقاعى نموذجاً"
ــــــــــــــــــــــــ

23 / 1 / 1436 هــ
16 / 11 / 2014 م
ــــــــــــــ




الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أما بعد:

للسياق أثر عظيم في معاني الكلمات ولاسيما إذا كان في كتاب الله عز وجل وسنتعرض لتفسير البقاعى لنرى أثر السياق في دلالة فعل الأمر.

نظرة البقاعي إلى السياق

يشير البقاعي إلى نظم الكلمات إذ حدد طريقتين للإعجاز هما(2):

1- نظم كل جملة على حيال بحسب التركيب.

2- نظمها مع أختها بالنظر إلى التراكيب.

إذ نظر البقاعي الى نظم الكلمات في سياقات الكلام سواء أكانت في جملة أم مع أختها، فإن نظمها هو الذي يحدد معاني هذه الكلمات؛ لأنّه (كلما دقق النظر في المعنى عظم عنده موقع الإعجاز، ثمّ إذا عبر الفطن من ذلك الى تأمل ربط كل جملة بما تلته وما تلاها خفي عليه وجه ذلك ورأى أن الجمل متباعدة الأغراض متنائية المقاصد فظن أنّها متنافرة، فحصل له من القبض والكرب أضعاف ما كان حصل له بالسماع من الهز والبسط))(3)، إذ نلاحظ البقاعي يشير الى السياق بطريقة نظم الكلمات؛ لأن نظم كل كلمة مع أختها في سياق الكلام يظهر لنا المعنى المقصود؛ لأن مراعاة الترتيب (السياق) يعطي معنى محدد للكلمات ذات المعاني المتعددة، ونظم كل جملة في التركيب، هي علاقة إجمال وتفصيل، فهي ليست منقطعة الصلة الدلالية فيما بينها، وإنما تترابط بصلات دلالية، فالسياق يلعب دوراً مهماً في بيان النصوص القرآنية، وبيان المعنى المقصود من تلك النصوص الكريمة.(4)

اثر السياق على دلالة الأمر
ـــــــــــــــــ

عرف البقاعى الأمر فقال: (الأمر: الإيجاب بصيغة أفعل وهو يتضمن إرادة المأمور به فى الجملة، وقد يراد امتثال عين المأمور) (5).

· وتأتى دلالة الأمر على أربع صيغ هي:

1- فعل الأمر كقوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم). التوبة 103

2- المضارع المقترن بلام الأمر نحو كقولك (ليكتب).

3- المصدر النائب عن فعل الأمر كقوله تعالى: (... وبالوالدين إحساناً....). النساء 36

4- اسم فعل الأمر كقوله تعالى: (.... عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم الى الله...). المائدة 105

وتبدو أهمية السياق واضحة في تحديد صيغة الأمر ودلالتها على الوجوب، أو الندب أو الإباحة، وهذا مما أدى الى وقوع الخلاف بين الأصوليين في دلالة هذه الصيغة، وفى ذلك يقول ابن حزم الأندلسي: (قال: بعض الحنفيين وبعض المالكيين وبعض الشافعيين إن أوامر القرآن والسنن على الوقف حتى يقوم دليل على حملها، إما على الوجوب في العمل؛ وإما على الندب، وإما على الإباحة).

وقد اتفق علماء الأصول على أن صيغة الأمر عندما تصدر من الشارع تكون ظاهرة في الوجوب؛ لأن المراد من الأمر الإلزام.

وقد يخرج الأمر إلى أغراض بلاغية نلتمس هذه الأغراض من خلال أثر السياق، ومن هذه الأغراض ما يأتي.

1- الأمر للإرشاد
---------------

ومن الأغراض البلاغية التى خرجت الىها صيغة (أفعل) هي الإرشاد، فقد جاء في قوله تعالى: (قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين) (6) إذ يقول البقاعى: (قال سبحانه ملقنا له ومرشداً لهم فى صورة التهديد، وكان المراد (بالأمر) الاسترشاد للاعتقاد والرجوع عن الغي والعناد ولكون السياق له، لا مجرد التهديد) (7) بين سبحانه وتعالى بصيغة الأمر الدالة على الاسترشاد من أجل الرجوع عن العناد الى الحق، والإيمان، معبراً أيضاً بالفاء المقتضية للإسراع وعظم المأمور بنظرة يجعله أهلاً للعناية به.

2- الأمر للإنذار والترغيب
------------------

وقد جاء في قوله تعالى: (... ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين) (8) فصيغة (افعل) خرجت الى غرض الإنذار والترغيب؛ وذلك لدلالة السياق عليها، ونظم قوله تعالى، إذ يقول البقاعى: (فلم أومر به الآن (قل) أي إنذار لهم وترغيباً وترجية وترهيباً) (9) فالمعنى: ومن لم يهتد به بالأعراض عن ذكر ربه وهو الضلال فعليه ضلاله وكفره لا على، لأني لست إلا منذر مأموراً بذلك ولست عليكم ****اً، فالعدول عن مثل قولنا ومن ضلّ فإنما أنا من المنذرين هو الذي كان يقتضيه الظاهر.

3- الأمر للتعجب
------------

وقد أشار البقاعى إلى خروج صيغة (افعل) الى التعجب في قوله تعالى: (أسمع بهم وأبصر) (10) إذ يقول البقاعى: (وما عسى أن يسمعوا أو يبصروا فيه، بأن حالهم في شدة السمع والبصر جديرة بأن يعجب منها) (11) أي أنه لا يوصف لئن كانوا صماً وبكماً عن الحق فما أسمعهم وأبصرهم يوم القيامة، ولكنهم يسمعون ويبصرون حيث لا ينفعهم السمع ولا البصر، وعن ابن عباس، أنهم أسمع شيء وأبصره وهو تعجب من شدة السمع والبصر. (12)

4- الأمر للتنبيه
-------------

ومن الدلالات التي خرجت إليها صيغة (افعل) والتي أشار إليها البقاعى (التنبيه) فى قوله تعالى: (.... فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين) (13) إذ يقول البقاعى: (وعظم الشأن في ابتداء الجزاء بالتنبيه بالأمر بالعلم فقال (فاعلموا) إنكم لم تضروا إلا أنفسكم؛ لأن الحجة قد قامت عليكم، ولم يبق على الرسول شيء لأنكم علمتم) (14) فإن أعرضتم فليس على الرسول إلا أن يبلغ أحكام الله وليس عليه خلق الطاعة فيكم، ولا يلحقه من توليكم شيء (فاعلموا) وفيه تنبيه وتوبيخ إلى أنكم إن توليتم واقترفتم هذه المعاصي ظننتم أنكم كابرتم النبي (صلى الله عليه وسلم) في نهييه عنها ونسيتم أنه رسول من عندنا ليس له الأمر في شيء إلا البلاغ. (15)

5- الإباحة
----------

والإباحة هي: (الإذن بإتيان الفعل كيف يشاء الفاعل) ومن أمثلتها ما جاء فى قوله تعالى: (.... كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده....) (16) إذ يقول البقاعى: (ولما كان هذا الأمر للإباحة لا للإرادة قيده، لئلا يقتضى إيجاد الثمر فى كل جنة فى كل وقت) (17) فالنص القرآني صورته صورة الأمر ومعناه الإباحة أو الإذن، وهو الفكر على الأكل، تحقيقاً لرجاء الناس في الخصب وتسكيناً لآمالهم رحمة لهم ورفقاً بهم، إعلاماً فيه أنه إن وقع جدب كان فى ناحية دون أخرى وفى نوع دون آخر، وإباحة للأكل في جميع أحوال الثمرة نضيجة وغير نضيجة. (18)

6- التهديد
------------

ذكر ابن قتيبة الأمر للتهديد، فقال: (ومنه أن يأتي الكلام على لفظ الأمر وهو تهديد) (19) فصيغة الأمر قد تخرج إلى معنى التهديد وعندما يكون الأمر فى سياق عدم الرضا بما أمر. (20)

ومنه ما جاء في قوله تعالى: (... واعلموا أن الله يعلم ما فى أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور حليم) (21). إذ فسر البقاعى صيغة الأمر بالغرض البلاغى الدال على التهديد إذ يقول: (ولما هددهم بعلمه وكان ذلك النهاية في التهديد وكان كل أحد يعلم من نفسه فى النقائص ما يجل عن الوصف أخبرهم بما أوجب الإمهال على ذلك من منه بغفرانه وحلمه حثاً على التوبة وإقامة بين الرجاء والهيبة). (22)

7- الأمر للدعاء
-----------

ومما أشار إليه البقاعى في ضمن هذا الغرض ما جاء في قوله تعالى: (.... أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين) (23) إذ يقول البقاعى: (ثم جعل ختام توجه المؤمنين إلى ربهم الدعاء بثمرة الولاية) (24) والغرض لهذه الصيغة هو الدعاء توجه المؤمنين الى ربهم بالدعاء والمغفرة، فيكون الدعاء لاستدامة فضله، (25) لأنه تعالى مولاهم ومالك تدبيرهم، وأمرهم ينشأ من ذلك النصرة لهم على أعدائهم.

8- الأمر للتعجيز
---------------

وغرض التحدي والتعجيز هو: (إظهار المخاطب عدم قدرته على أداء الفعل المطلوب منه) (26) ومثاله ما جاء في قوله تعالى: (... وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين). (27)

يقول البقاعى: (البلاغة ثلاث طبقات فأعلاها معجز، وأوسطها وأدناها ممكن، والتحدي وقع بالعليا، وليس هذا أمراً بالافتراء، لأنه تحد للتعجيز) (28) ولما كانت الرتب كلها تحت رتبته تعالى أشار إلى عجزهم عن المعارضة دليلاً قاطعاً على أنهم لم يصلوا إلى شيء من كلامه تعالى بغير علمه، وأن المشركين قد وصلوا من ذل التبكيت بالتحدي مرة بعد مرة وزورهم لأنفسهم في ذلك المضمار كرة في اثر كرة إلى حد من العجز لا يقدرون معه على النطق. (29) وشأن من يريد تعجيز شخص أن يطالبه أولاً بأن يفعل مثالاُ مما يفعل هو ثم يتبين عجزه. (30)

وهناك دلالات يخرج إليها الأمر أشار إليها البقاعى وأود إشارة إليها فقط، مثل الندب (31)، في قوله تعالى: (واذكروا الله فى أيام معدودات...) (32) والسخرية (33)، في قوله تعالى: (... كونوا قردة خاسئين) (34) والتكوين (35)، في قوله تعالى: (....وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) (36) والإهانة (37)، في قوله تعالى: (ذق إنك أنت العزيز الكريم)(38) (39).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هو إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن على الخرباوى، محدث وأديب وعروضى وهو اللغوى الفقيه، الكاتب المجاهد والخرباوى نسبة الى قرية ( خربة روحا ) من أعمال البقاع والبقاعى نسبة الى البقاع فى سوريا، وتسمى بقاع كلب قرب دمشق الشام، وسميت بقاع كلب نسبة الى كلب بن وبرة، لنزول ولده فيها، وهو يعرف بـ ( بقاع العزيز ) الآن، وهى قرية عامرة ولد فيها مفسرنا الكبير البقاعى. وقد كانت ولادته سنة ( 809 هـ ).من شيوخه الشيخ الحافظ شمس الدين محمد بن محمد الجزرى الدمشقى الشافعى ت ( 833 هـ ) شيخ الإسلام قاضى القضاة الحافظ أبو الفضل احمد بن حجر العسقلانى ت (852 هـ). شيخ الإسلام قاضى القضاة شمس الدين محمد بن على بن محمد القاياتى ت(861 هـ). الشيخ أبو الفضل محمد بن محمد المشدالى المغربى المالكى ت ( 865 هـ ). ومن تلاميذه

العلامة تقى الدين أبو بكر محمد الحصنى الشافعى ت ( 883هـ ). الشيخ العلامة عبد القادر بن محمد بن عمر الرحلة ( ت 927 هـ ).شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر الحمصى ( ت 934 هـ ).العمدة الحجة القاضى رضى الدين أبو الفضل محمد بن محمد الغزى الشافعى ( ت 935 هـ ). العلامة شمس الدين محمد الدلجى العثمانى الشافعى ( ت 947 هـ ). من اشهر آثاره نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور.تنبيه الغبى الى تكفير ابن عربى. توفى شيخنا البقاعى ليلة السبت الثامن عشر من رجب سنة خمس وثمانين وثمنمائة، بعد إن عانى كثيرا من الشدائد، وكان عمره ست وسبعين سنة مليئة بعلوم الكتاب المنزل ((1)) للاستزاده يراجع المجلة العلمية لكلية أصول الدين بطنطا العدد السادس ج1 ص 7- 14.بحث أ.د جوده المهدي الاتجاه الصوفي في تفسير البقاعي

(2). نظم الدرر: 1/11.

(3). نظم الدرر:1/11. تـح: محمد عبد المعين/ طبعة مجلس المعارف الإسلامية/ حيدر آباد الركن الهند ـ ط1 1969م.

(4) البحث الدلالى فى نظم الدرر للبقاعى أطروحة تقدم بها عزيز سليم على القريشى كلية التربية 1425 هـ - 2004 م ص174-175 الجامعة المستنصرية – العراق

(5) نظم الدرر: 9 / 369 – 370

(6) النمل: 69

(7) نظم الدرر: 14/207، وينظر: 20/128

(8) النمل: 92

(9) نظم الدرر: 14/299

(10) مريم: 28

(11) نظم الدرر: 12/199

(12) ينظر: البحر المحيط: 6/180

(13) المائدة: 92

(14) نظم الدرر: 6/295

(15) ينظر: البحر المحيط: 4/18، و الميزان: 6/124.

(16) الأنعام: 141

(17) نظم الدرر: 7/291

(18) للمزيد ينظر نظم الدرر: 1/221،3/84-107-108-188، 4/89، 20/27.

(19) تأويل مشكل القرآن: 216.

(20) ينظر: الأساليب البلاغية فى نظم الدرر: 48.

(21) البقرة: 235

(22) نظم الدرر: 3/349

(23) البقرة: 286

(24) نظم الدرر: 4/186

(25) للمزيد ينظر نظم الدرر: 5/40، 13/183-145-320.

(26) علم المعانى ( عبد العزيز عتيق ): 81

(27) هود: 13

(28) نظم الدرر: 9/249

(29) ينظر: نظم الدرر: 9/250

(30) للمزيد ينظر: نظم الدرر: 9/310، 19/25

(31) نظم الدرر: 3/162

(32) البقرة: 203

(33) نظم الدرر: 1/465

(34) البقرة: 65

(35) نظم الدرر: 2/128

(36) البقرة: 117

(37) نظم الدرر: 18/46-47

(38) الدخان: 49

(39) للإستزادة ينظر البحث الدلالى فى نظم الدرر للبقاعى أطروحة تقدم بها عزيز سليم على القريشى كلية التربية الجامعة المستنصرية – العراق 1425 هـ - 2004 م
---------------------------------------
رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59