#22  
قديم 07-26-2014, 06:38 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,154
ورقة الأقطاب في الفكر الصوفي

الأقطاب في الفكر الصوفي*
ـــــــــــــ

28 / 9 / 1435 هــ
26 / 7 / 2014 م
ـــــــــــ




لا تنتهي شطحات الصوفية التي يزعمونها دون أي دليل شرعي أو سند وبرهان عقلي, ولا تقتصر ضلالاتهم على الفروع والمسائل الخلافية في الشريعة الإسلامية, بل تمتد لتطال العقيدة والكليات والثبوتيات, مما لا يمكن قبوله في ميزان ومنهج أهل السنة والجماعة.

ولعل من أبرز شطحات الصوفية وأكثرها شيوعا في الفكر الصوفي, ما يسمونه "الأقطاب", وهي لا تعدو في الحقيقة والواقع خرافة من خرافاتهم, وأسطورة من أساطيرهم وشطحاتهم, يستثمرونها لزيادة الطاعة والولاء والتسليم من قبل الأتباع والمريدين, وإيغالا في المغالاة بمكانة ومنزلة شيوخهم.

فما معنى "القطب"؟ ومن هم "الأقطاب"؟ وهل لهم أعوان؟ وما هو موقف أهل السنة والجماعة من هذه الخرافة؟ هذا ما سأحاول الإجابة عنه في هذا التقرير بإذن الله تعالى.

تعريف القطب
---------------------
القطب لغة: ما عليه مدار الشيء, ومنه قطب الرحى وهي الحديدة القائمة التي تدور عليها الرحى. (1)

وفي اصطلاح الصوفية: القطب هو سيد الوجود في كل عصر. (2)

وقد عرف الجرجاني القطب بقوله: هو عبارة عن الواحد الذي هو موضوع نظر الله في كل زمان أعطاه الطلسم الأعظم من لدنه, وهو يسري في الكون وأعيانه الباطنة والظاهرة سريان الروح في الجسد, بيده قسطاس الفيض الأعم, وزنه يتبع علمه وعلمه يتبع علم الحق وعلم الحق يتبع الماهيات الغير المجعولة, فهو يفيض روح الحياة على الكون الأعلى والأسفل, وهو على قلب اسرافيل من حيث حصته الملكية الحاملة مادة الحياة والإحساس لا من حيث إنسانيته, وحكم جيرائيل فيه كحكم النفس الناطقة في النشأة الإنسانية, وحكم ميكائيل فيه كحكم القوة الجاذبة فيها, وحكم عزرائيل فيه كحكم القوة الدافعة فيها. (3)

ومن خلال التعريف السابق يمكن ملاحظة الغموض وعدم الوضوح في كثير من ألفاظ ومعاني التعريف, وهي طريقة ومنهج الصوفية في كثير من أفكارهم ومصطلحاتهم, فالغموض والطلاسم ركن أساسي من أركان الفكر الصوفي, إلا أن الواضح من التعريفات التي أوردها الصوفية أن القطب يزاحم الله تعالى – تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا – في ملكه وخلقه سبحانه.

وما يؤكد ذلك ما جاء في كتب الصوفية عن صلاحيات القطب وإمكانياته التي تفوق قدرات الأنبياء والمرسلين, فهو للوجود – كما يزعمون - بمنزلة الروح من الجسد, فكما أن الجسد لا قيام له إلا بالروح, فكذلك الوجود كله قائم بالقطب, فإذا زالت روحانية القطب من الوجود انعدم الوجود كله, وهذه القوة للقطب هي من أثر تحمله لسر الاسم الأعظم كما يزعمون.

وعن صفات وعلم القطب يتحدث محي الدين بن عربي فيقول: أن روح محمد صلى الله عليه وسلم هي التي تنقل العلم الإلهي لكل الأنبياء والأولياء, وهي تتجلى بأكمل صورة في القطب, وهو معصوم, وهو الخليفة الحقيقي لله تعالى, ولكل زمان قطب, ويسمى "قطب الوقت" أو "صاحب الزمان", وهو الغوث الذي يوجد بفضل "قطب الأقطاب".

تطابق مفهوم القطب عند الصوفية مع الإمام عند الرافضة
-------------------------
إذا دقق المسلم في معتقدات وأفكار الصوفية الخارجة عن منهج أهل السنة والجماعة, فإنه سيرى توافقا وتطابقا بين هذه الأفكار والفلسفات الأفلاطونية, والعقائد الباطلة عند الشيعة الاثني عشرية والاسماعيلية.

فمن يقارن بين ما يراه الشيعة في "الإمام" بوصفه مظهرا للكلمة الإلهية, ومفهوم القطب عند الصوفية يرى تطابقا واضحا وظاهرا, كما أن من يقارن بين التدرج الرئاسي للدعاة الإسماعيلية والتدرج الرئاسي في التصوف برئاسة القطب, يرى نفس التطابق والتوافق, بل إن بعض علماء الشيعة يصرحون بأن "القطب" و "الإمام" مصطلحان لهما نفس المعنى, بل ينطبقان على نفس الشخص, وقد ينتسب إلى القطب ظهور كرامات على يديه تناسب المقام الذي بلغه. (4)

أنواع القطب
-------------
لمقام القطب عند الصوفية نوعان:

الأول: حادث وحسي وهو الإنسان الكامل كما يطلقون عليه, وهو ما سبق الحديث عنه.

الثاني: القديم أو المعنوي, وهو ما يطلقون عليه اسم "الحقيقة المحمدية", وعن نوعين القطب يتحدث القاشاني فيقول: "وهو - أي القطب – إما قطب بالنسبة إلى ما في عالم الغيب والشهادة من المخلوقات, يستخلف بدلا منه عند موته من أقرب الأبدال منه, أو قطب بالنسبة إلى جميع المخلوقات في عالم الغيب والشهادة, ولا يستخلف بدلا من الأبدال, ولا يقوم مقام أحد من الخلائق, وهو قطب الأقطاب المتعاقبة في عالم الشهادة لا يسبقه قطب, ولا يخلفه آخر, وهو نوع الروح المصطفوي المخاطب بلولاك ما خلقت الكون" (5)

مميزات القطب عند الصوفية
-----------------
ينسب الصوفية للقطب صفات وقدرات لا تليق إلا بالله سبحانه وتعالى, و يختصونه بتصرفات وممارسات لا يختص بها إلا الإله الخالق جل جلاله, ومن أبرز هذه الصفات والقدرات:

1- الخلافة العظمى عن الحق – سبحانه – مطلقا في جميع الوجود جملة وتفصيلا: فحيثما كان الرب إلها كان هو خليفة في تصريف الحكم وتنفيذه .., ولا يصل إلى الخلق شيء كائنا ما كان من الحق إلا بحكم القطب كما يزعم علي ابن العربي برادة مؤلف كتاب جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التيجاني. (6)

2- قيامه في الوجود بروحانيته في كل ذرة من ذرات الوجود: فالكون كله أشباح – كما ترى الصوفية – لا حركة لها, وإنما هو الروح القائم فيها جملة وتفصيلا.

3- هو المتصرف في مراتب الأولياء, فلا تكون مرتبة في الوجود للعارفين والأولياء خارجة عن ذوقه, فهو المتصرف في جميعها والممد لأربابها.

4- يعلمه الله علم ما قبل وجود الكون وما وراءه وما لا نهاية له, ويعلمه علم جميع الأسماء القائم بها نظام كل ذرة من جميع الموجودات, ويخصه بأسرار دائرة الإحاطة وجميع فيوضه وما احتوى عليه. (7)

وحسب ما ذكر من صفات وقدرات تزعمها الصوفية "للقطب" فهو شرك بالله صريح وخروج عن منهج التوحيد, فإذا كان الله تعالى لم يعط شيئا من تلك الصفات للأنبياء والمرسلين, فكيف يمكن أن يعطيها لغيرهم من البشر العاديين, وإذا كان القطب بهذه القدرات فماذا أبقى القوم لله تعالى من صفات لا يشاركه فيها أحد من خلقه!!

أعوان الأقطاب
----------
يجعل الصوفية "للقطب" أعوانا, وهم على الشكل التالي:

1- الإمامان: وهما – كما يرى الصوفية – بمنزلة الوزيران له, أحدهما لعالم الملك, والآخر لعالم الملكوت.

2- الأوتاد الأربعة: وقيل هم ثلاثة كلما مات قطب الوقت أقيم مكانه واحد منهم, وعلمهم فيض من قطب الأقطاب, وإن ماتوا فسدت الأرض.

3- الأبدال: وهم حقيقة روحانية تجتمع إليها أرواح أهل ذلك الموطن الذي رحل عنه وليه, وعددهم – كما يزعمون – أربعون, 22 منهم بالشام, و18 في العراق.

4- النجباء: وهم دون الأبدال, ومسكنهم في مصر: وعملهم أن يحملوا عن الخلق أثقالهم وعددهم – كما يزعمون – سبعون.

5- النقباء: وعددهم 300, وقيل 500, وهم الذين يستخرجون خبايا الأرض كما يزعمون. (8)

كيف يصل القطب إلى هذه المرتبة؟
-------------------
يزعمون أن من يصل إلى هذه المرتبة يترقى في كمال المعرفة والمشاهدة والمراقبة حتى يصل إلى التحقيق بالله تعالى في كل مرتبة, وبذلك يكون سيد الكون كما يقولون.

وقد ادعى كثير من الصوفية الوصول إلى درجة القطب, فقد ادعى ابن الفارض أنه القطب القديم وقطب الأقطاب فقال:

فبي دارت الأافلاك فأجاب لقطبها ال محيط والقطب مركز الكون

ولا قطب قبلي عن ثلاث خلفته وقطبية الأوتاد عن بدلية (9)

وزعم ابن عربي كذلك أنه القطب الأعظم بقوله: "‏لا أعرف في عصري هذا أحدًا تحقق بمقام العبودية مثلي وذلك لأنني بلغت في مقام العبودية الغاية بحكم الإرث لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأنا العبد المحض الخالص الذي لا يعرف للربوبية على أحد من العالم طمعًا، وقد منحني الله تعالى هذا المقام هبة منه، ولم أنله بعمل وإنما هو اختصاص إلهي‏"‏ (10) ‏

وعن كيفية تولي القطب منصبه الباطني المعنوي الذي تحدثوا عنه, يقول ابن عربي:

"اعلم أن الحق تعالى لا يولي قط عبدًا مرتبة القطابة إلا وينصب له سرير في حضرة المثال يقعده عليه ينبي صورة ذلك المكان عن صورة المكانة كما ينبي صورة الاستواء على العرش عن صورة إحاطته تعالى علمًا بكل شيء ولله المثل الأعلى , فإذا نصب له ذلك السرير فلا بد أن يخلع عليه جميع الأسماء التي يطلبها العالم وتطلبه ....فإذا قعد عليه وقعد بصورة الخلافة وأمر الله العالم ببيعته على السمع والطاعة في المنشط والمكره دخل في تلك البيعة كل مأمور من أدنى وأعلى إلا العالون المهيمنون في جلال الله عز وجل .....وأول من يبايعه العقل الأول ثم النفس ثم المقدمون من عمار السماوات والأرض من الملائكة المسخرة ثم الأرواح المدبرة للهياكل التي فارقت أجسامها بالموت ثم الجن ثم المولدات ثم سائر ما سبح الله تعالى من مكان ومتمكن ومحل حال فيه إلا العالون من الملائكة كما مر" (11)

موقف الشريعة الإسلامية من فكرة "القطب"

لا يشك مسلم في بطلان وفساد خرافة ما يسميه الصوفية "القطب", فهي لا تعدو أن تكون أسطورة من الأساطير الإغريقية الباطلة, والتي انتقلت إلى الصوفية شأنها في ذلك شأن كثير من الخرافات والأساطير الوثنية الشركية.

ولعل أول ما يشير إلى بطلان هذه الفكرة والعقيدة, تضاربها مع أبسط أركان الإيمان في الإسلام, حيث لا يجوز في الإسلام أن يكون مع الله شريكا لا في الربوبية ولا في الالوهية, وفكرة وعقيدة "القطب" طافحة ومليئة بمظاهر الشرك بالله سبحانه.

وإذا كان بعض الصوفية يستشهدون في كتبهم على هذه الفكرة ببعض الأحاديث المنسوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كذبا وزورا, والتي تتحدث عن الأبدال والأقطاب, فهي طريقة صوفية ليست جديدة ولا مستحدثة, فلطالما استشهدوا بالأحاديث الموضوعة والباطلة على أفكارهم وعقائدهم الفاسدة, ولكن الله تعالى قد قيض لعلم الحديث النبوي من ينفي عنه كل حديث موضوع أو دخيل.

وقد صرح ابن القيم في غير موضع من مؤلفاته عن أن أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. (12)

ــــــــــــــــــــــــ

الفهارس

(1) لسان العرب 1/680 مادة قطب

(2) الجواهر والرماح للتيجانية نقلا من كتاب شبهات التصوف عمر بن عبد العزيز قريشي ص146

(3) التعريفات للجرجاني 1/228

(4) الموسوعة الإسلامية العامة (القطب) الدكتور صفوت حامد مبارك ص1154

(5) كشف الوجوه الغر للقاشاني 2/103

(6) جواهر المعاني وبلوغ الأماني في فيض سيدي أبي العباس التيجاني ص81

(7) المرجع السابق 2/79

(8) جامع الأصول للكمشخانلي ص 93

(9) هذه هي الصوفية عبد الرحمن ال**** ص152

(10) ‏‏اليواقيت والجواهر ص65-66‏

(11) المرجع السابق 2/79-80

(12) نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول 1/127 برقم 210 , والمنار المنيف في الصحيح والضعيف 1/136

ـــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #23  
قديم 07-28-2014, 05:58 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,154
ورقة خواص الصوفية

خواص الصوفية .. درجات ومراتب لا يعرفها أهل الإسلام
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(يحيي البوليني)
ـــــــــ

غرة شوال 1435 هــ
28 / 7 / 2014 م
ــــــــــ




على الرغم من الظهور العلني الصوفي على هيئة غير مرتبة من الناحية الإدارية أو التنظيمية، وظهورهم كجماعات منفصلة على هيئة الدوائر التي تلتف كل منها حول شيخ يسمى بشيخ الطريقة أو ما يلقبونه بالعارف بالله, إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فان لهم ما يشبه النظام الصارم في الرتب والدرجات بحيث يترقى احدهم من مرتبة إلى أخرى حتى يصل إلى الدرجات التي لا يرتقي لها إلا أشخاص معدودون على مستوى العالم ممن يتبعون الطريقة، أو ممن يتبعون نفس المدرسة.

الرتب والدرجات الصوفية

باعتبار أن هذا التقسيم ليس له سند من قرآن أو سنة, وليس له أي دليل صحيح ولا حتى ضعيف على وجود مثل هذا التقسيمات في دين الإسلام, من اجل ذلك اختلف كبراء الصوفية كل حسب هواه في تقسيم الناس على درجات شتى.

ولم تظهر هذا البدعة في القرون الثلاثة الأولى، فلم يذكرها السلف من الصحابة والتابعين أو أتباعهم، ولم يعتقدوا بوجودها ولا بأهميتها كما يعتقد ذلك الصوفية, فكان أول ظهورها في كتابات متناثرة في القرن الرابع على يد عدد من علمائهم ومفكريهم.

فكان اجتهاد الصوفية الأول عند أبي بكر محمد بن علي بن جعفر الكتّاني [1]، الذي فصل نقل عنه توصيفا للألقاب والدرجات وبعض أعمالها وأعدادها فقال: "النقباء ثلاث مائة، والنجباء سبعون، والبدلاء أربعون، والأخيار سبعة، والعُمدُ أربعة، والغوث واحد. فمسكن النقباء المغرب، ومسكن النجباء مصر، ومسكن الأبدال الشام، والأخيار سياحون في الأرض، والعُمد في زوايا الأرض، ومسكن الغوث مكة. فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء ثم النجباء ثم الأبدال ثم الأخيار ثم العُمدُ، ثمّ أجيبوا، وإلاّ ابتهل الغوث، فَلاَ يُتِمُّ مسألته حتى تُجاب دعوته" [2].

فكان هذا هو الظهور الأول للألقاب: النقباء والنجباء والبدلاء أو الأبدال والقطب والغوث والسياحون والعمد وغيرها من الألقاب المستمرة إلى اليوم.

ويأتي بعده في أواخر القرن الرابع أبو طالب المكي الذي عبّر عنها بقوله: "القطب اليوم الذي هو إمام الأثافي الثلاثة والأوتاد السبعة والأبدال الأربعين والسبعين إلى ثلاث مائة كلهم في ميزانه وإيمان جميعهم كإيمانه، إنما هو بدلٌ من أبي بكر رضي الله تعالى عنه، والأثافي الثلاثة بعده إنما هم أبدال الثلاثة الخلفاء بعده، والسبعة هم أبدال السبعة إلى العشرة، ثم الأبدال الثلاث مائة وثلاثة عشر إنما هم أبدال البدريين من الأنصار والمهاجرين" [3] .

وهنا نلاحظ وجود بعض الاختلافات الطفيفة بينهما فيضع أبو طالب "الأثافي الثلاثة" مكان "العمد الأربعة"، و"الأوتاد" مكان "الأخيار"، والأربعين والسبعين وثلاث مائة جعلهم كلهم "أبدالاً"، ولم يقسمهم إلى "بدلاء" و"نجباء" و"نقباء".

وفي نهاية القرن الخامس يضع الهجويرى بعض التفصيلات فيقول أن: "أهل الحل والعقد وقادة حضرة الحق جلَّ جلاله، فثلاث مائة يُدْعَون الأخيار، وأربعون آخرون يُسَمَّون الأبدال، وسبعة آخرون يقال لهم الأبرار، وأربعة يسمون الأوتاد، وثلاثة آخرون يقال لهم النقباء، وواحد يسمى القطب والغوث. وهؤلاء جميعًا يعرفون أحدهم الآخر، ويحتاجون في الأمور لإذن بعضهم البعض" [4] .

ورغم هذه الاجتهادات الصوفية إلا أن في القرن السابع الهجري يضع محي الدين ابن عربي فيلسوف الصوفية وشيخهم الأكبر الذي يعتبر أول من نظَّر لهذا التقسيم ووضع نظامًا للأولياء ورجال الغيب، ورتبهم وصفهم في مراتب ودرجات ووضع لكل مرتبة نظامها وعلومها وصفاتها ووظائفها حتى وضع العدد الأقصى لشاغليها, وفتح بذلك الباب لمن بعده من الصوفية لكي يدلي كل منهم بدلوه, فزادوا وفصلوا زيادات وتوضيحات ليس لها أي أساس من دين أو شرع وليس فيها إلا ما تمليه عليهم أهواؤهم" [5].

وعليه جعل ابن عربي الطبقات كما حكى إجماعا على ذلك من أهل الطريق كما يقول فجعلهم ستّ طبقات أمهات: أقطاب وأئمة وأوتاد وأبدال ونقباء ونجباء, كما جعلهم لسان الدين ابن الخطيب سبع طبقات [6]. وجعلهم عمر الفوتي سبعاً أيضا مع اختلاف في الأسماء [7], وأوصلهم داود القيصري [8] وحسن العِدْوى الحمزاوي إلى عشر طبقات[9], وهكذا دون دليل شرعي واحد مع أي منهم يستند عليه في هذه المراتب التي لم تأت في كتاب ولا سنة ولا عند سلف الأمة, فكان مستند اختلافهم بل منشأ هذا التصنيف والتقسيم هو الهوى والخرافة لا غير.

معاني هذه المراتب والدرجات الصوفية

ويحسن بنا ان نقف على معاني هذه الطبقات بحسب ما فسرها أعلام الصوفية على الرغم من اختلافهم الكبير في معانيها أيضا، وسنستند في هذه التعريفات على جمع عبد الوهاب الشعراني[10] لأقوال ابن عربي في "الفتوحات المكية"، مع أقوال غيره من ائمة الصوفية للوقوف على تعريف شبه مجمع عليه لهذه الرتب والدرجات, ونعوذ بالله من هذا الضلال, وحاش لله ان يكون ما يقولونه هذا في ملكه أو في دينه.

1- القطب

هو الواحد الذي يكون موضع نظر الله من العالم في كل زمان، ويقال له "الغوث " [11], وهو الذي أعطاه الله الطلسم الأعظم من لدنه، وهو يسري في الكون وأعيانه الباطنة سريان الروح في الجسد، بيده قسطاس الفيض الأعم، فهو يفيض روح الحياة على الكون الأعلى والأسفل، وهو على قلب إسرافيل من حيث حصته الملكية الحاملة مادة الحياة والإحساس، لا من حيث إنسانيته" [12]

ويقولون أن "اسم القطب في كل زمان عبد الله وعبد الجامع المنعوت بالتخلق والتحقق بمعاني جميع الأسماء الإلهية بحكم الخلافة، وهو مرآة الحق تعالى ومجلى النعوت المقدسة ومحل المظاهر الإلهية وصاحب الوقت وعين الزمان وصاحب علم سر القدر، وله علم دهر الدهور، ومن شأنه أن يكون الغالب عليه الخفاء [13] " .

ويقولون "ولم يخل زمان من الأقطاب، وقد عدَّ ابن عربي خمسة وعشرين قطباً من عهد آدم عليه السلام إلى محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وسمَّاهم" [14] .

فهل يمكن بهذه الصفات أن يكون قطبهم المزعوم بشرا؟ وهل يمكن ان يكون بذلك عبدا من العباد؟ بل أضفيت عليه سمات الألوهية في اخص خصائصها, فهي هم يعبدون الله حقا أم يعبدون القطب؟

ولنا في هذا النص الأخير جلاء الحقيقة فيقول التيجاني "أعلم أن حقيقة القطبانية هي الخلافة العظمى عن الحق مطلقًا في جميع الوجود جملة وتفصيلاً، حيثما كان الربّ إلهاً كان هو خليفة في تصريف الحكم وتنفيذه في كل من عليه ألوهية الله تعالى، ثمّ قيامه بالبرزخية العظمى بين الحق والخلق، فلا يصل إلى الخلق شىء كائناً ما كان من الحق إلاّ بحكم القطب وتوليه ونيابته عن الحق في ذلك وتوصيله كل قسمة إلى محلّها، ثمّ قيامه في الوجود بروحانيته في كل ذرة من ذرات الوجود جملةً وتفصيلا، فترى الكون كلّه أشباحاً لا حركة لها، ْ وإنما هو الروح القائم فيها جملةً وتفصيلا" [15] .

علامات القطب وخصائصه

لتبيان هذا الضلال الذي هم فيه وضع الصوفية علامات يعرف بها عندهم القطب أو يمكن تسميتها بخصائصه ومميزاته, ثم لننظر لها لنعلم عن أي بشر يمكن أن تكون هذه صفاته, وأين رب العزة سبحانه في دينهم؟

فيقولون من خصائصه وإمكانياته وعلومه أنه يُكشَف له عن حقيقة الذات الإلهية، ويحيط علماً بصفات الله تعالى، وأن علم القطب لا حدود له، فلا يخفى عليه شيء من الدنيا والآخرة. ويحيط بمعرفة أحكام الشريعة ولو كان أميّاً، وهو أكمل الخلق وأفضل جماعة المسلمين في كل عصر، ولا حدود لمرتبته فهو محيط بجميع المراتب، ويُبصِر بجميع أجزاء بدنه ما عدا العين، ولا يطيق رؤيته إلاّ الخواص وأنه يدور في الآفاق الأربعة من أركان الدنيا كدوران الفلك في أفق السماء، وهو بجسده حيث شاء من الأرض واشترط بعضهم أن يكون قطب الأقطاب من أهل البيت، وذكروا أنه يستقر بمكة.

وظائف القطب وقدراته في الكون

أما عن وظائفه في الكون فمنها: التصرف في الكون والتأثير في حوادثه والحكم الشامل التام في جميع المملكة الإلهية، ووقاية مريديه من السؤال والحساب في الآخرة، ولا يجري في عالم المخلوقات شىء إلاّ بإذنه حتى ولو كان جريانه في القلوب.

فهل يمكن أن يرقى مخلوق لمثل هذا حتى لو كان نبيا مرسلا أو ملكا مقربا؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.

2- الإمامان

والإمام لقب لرجلين يعتبران كاليدين للقطب أو الغوث أحدهما على يمينه ويعتبر نظره في عالم الملكوت أو مرآة ما يتوجه من المركز القطبي إلى العالم ******** من الإمدادات التي هي مادة الوجود والبقاء؛ الثاني عن يساره ويعتبر نظره في الملك أو مرآة ما يتوجه منه إلى المحسوسات من المادة الحيوانية، والغريب أن فكرة التيامن التي تبرز دوما في كل ما هو إسلامي مقلوبة هنا, فالذي عن يساره يعتبر أعلى مقاما من الآخر ويكون خليفة للقطب إذا مات [16]

3- الأوتاد

والأوتاد عندهم كالجبال, فهم الذين يحفظون الأرض من كل سوء وشر, وهم أربعة دوما في كل وقت لا يزيدون ولا ينقصون بحسب الأركان الأربعة الجغرافية في الكون "شرقا وغربا وشمالا وجنوبا", ويزعمون أن مع كل واحدٍ منهم مقام تلك الجهة، يحفظ الله بهم العالم، لهم روحانية إلهية, ولديهم علوم جمة كثيرة, أحدهم على قلب آدم والثاني على قلب إبراهيم، والآخر على قلب عيسى، والآخر على قلب محمد" [17]

4- الأبدال أو البُدَلاء

ومصطلح الأبدال أو البدلاء يعني أنهم أيضا من الحفظة للكون ولكنهم يختلفون عن الأوتاد الذين يختصون بالجهات الأربعة الجغرافية, فالأبدال يحفظون الأقاليم السبعة في الأرض, فهم "سبعة يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة، لكلِّ بدلٍ إقليم، وإليهم تنظر روحانيات السماوات والأرض" [18], ومن هنا جاء التداخل بين الحدود الجغرافية, فمن الصوفية من قال بأن الأوتاد الأربعة من الأبدال, ومنهم من قال بأن السبعة الأبدال خارجون عن الأوتاد بحسب تخاريف الهوى الذي سيطر على عقولهم.

ويقول الصوفية في سبب تسميتهم بالأبدال لأنهم "أعطُوا من القوة أن يتركوا بدلهم حيث يريدون، لأمر يقوم في نفوسهم على علمٍ منهم، فيرتحلون إلى بلد، ويقيمون فيَّ مَكانهم الأول شبحاً آخر شبيهاً بشبحهم الأصلي بدلاً منه، بحيث إن كلّ من رآه لا يشك أنه هو" [19].

5- النجباء

وهم أقل درجة من البدلاء وهم أربعون يحملون أثقال الخلق أي يحملون كل ما تنوء به البشرية عن حمله ويتصفون بكونهم "موفوري الشفقة والرحمة الفطرية، ولا يتصرفون إلاّ في حق الغير، إذ لا مزيد لهم في ترقياتهم إلا من هذا الباب" [20]. واختلف الصوفية في عددهم فزعم المناوي أنهم "ثمانية في كل زمن لا يزيدون ولا ينقصون، عليهم أعلام القبول في أحوالهم، ويغلب عليهم الحال بغير اختيارهم، أهل علم الصفات الثمانية، ومقامهم الكرسي، لا يتعدونه ما داموا نجباء، ولهم القدم في علم تسيير الكواكب كشفاً واطلاعاً، لا من جهة طريقة علماء هذا الشأن" [21].

6- النقباء

وهم أول درجات ترقي الصوفية في علم الحقيقة بعد سلوكه الطريق كما يزعمون وهم أول مراتب الخواص, وهم كما يقول القشيري والمناوي والقاشاني "ثلاث مائة، وهم الذين تحققوا بالاسم الباطن، فأشرفوا على بواطن الناس، فاستخرجوا خفايا الضمائر، لانكشاف الستائر لهم عن وجوه السرائر. وهم ثلاثة أقسام: نفوس علوية، وهي الحقائق الأمرية، ونفوس سفلية، وهي الخلقية، ونفوس وسطية، وهي الحقائق الإنسانية، وللحق تعالى في كل نفس منها أمانة منطوية على أسرار إلهية وكونية" [22].

مستندهم الشرعي وبيان تهافته

لم يرد أي مصطلح سابق في الشرع من الكتاب والسنة إلا لفظ الأبدال أو البدلاء, فلم يرد هذا اللفظ في شيء من الأحاديث في الكتب الستة إلاّ في حديث واحد عند أبي داود (4286)، وهو حديث ضعيف لا تقوم به حجة, أما عن ورود نفس اللفظ خارج الكتب الستة فورد في أحاديث متفرقة أكثرها مضطرب أو معل وقد أفرد لها السخاوى في جزء سماه "نظم اللآل في الكلام على الأبدال" وبيَّن فيه عللها, فمنها ما هو موضوع ومنها ما هو شديد الضعف ومنكر, وضعَّفها القاضي أبو بكر ابن العربي في "سراج المريدين"، وحكم عليها ابن الجوزي بالوضع وذكرها في "الموضوعات", وقال ابن القيم: "أحاديث الأبدال والأقطاب والأغواث والنقباء والنجباء والأوتاد كلها باطلةٌ على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ –". وأقرب ما فيها: "لا تسبوا أهل الشام، فإنّ فيهم البدلاء، كلَّما مات رجلٌ منهم أبدلَ الله مكانَه رجلاً آخر". ذكره أحمد، ولا يصحُّ أيضًا، فإنّه منقطع [23].

فهذا كل اعتمادهم الفقهي والشرعي في المسألة, فبنوا خيالاتهم وخرافاتهم على لفظ الأبدال الوارد في حديث منقطع ضعيف لا تقوم به حجة على أي شئ، حتى لو افترضت صحته فلا دليل فيه على قيامهم بحفظ الأرض ولا التدخل في ملك الله ولا قضاء حوائج العباد ولا أي شئ من هذا التخبط العقدي والهذيان الفكري.

أما تسمية النقباء وهي أول درجات الخواص لديهم ربما يستندون فيها من قوله تعالى "وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً" ومن اتخاذ النبي صلى الله عليه وسلم لاثني عشر نقيبا من الأنصار في بيعة العقبة وهذه ليس لها دلالة على قيام النقباء بشئ من شئون العباد أيضا سوى حثهم على الخير ونصحهم إذا انحرفوا عن الصواب, وهذا مختلف جدا عن فعل النقباء عند الصوفية.

الشيعة مصدر الفكرة الخبيثة

لاحظ كثير من الباحثين وجود تطابق بين التدرج الرئاسي للقائمين على الدعوة الإسماعيلية والتدرج الرئاسي في التصوف برئاسة القطب، وقرروا أنه مستمد من الإسماعيلية, وأكد ذلك بعض علماء الشيعة حيث قالوا: "أن القطب والإمام مصطلحان معناهما واحد، وينطبقان على شخص واحدٍ" [24]

وذكر ذلك أحمد أمين حيث قال "أن الصوفية اتصلت بالتشيع اتصالاً وثيقًا، وأخذت فيما أخذت عنه فكرة المهدي، وصاغتها صياغة جديدة وسمَّته "قطبًا"، وكوَّنت مملكة من الأرواح على نمط مملكة الأشباح، وعلى رأس هذه المملكة الروحية القطب، وهو نظير الإمام أو المهدي في التشيع" [25].

وقال ابن خلدون في مقدمته: "كان سلفُهم (أي الصوفية) مخالطين للإسماعيلية المتأخرين من الرافضة، الدائنين أيضًا بالحلول وإلهية الأئمة مذهبًا لم يُعرَف لأولهم، فأشرِبَ كلُّ واحدٍ من الفريقين مذهب الآخر، واختلط كلامهم وتشابهت عقائدهم، وظهر في كلام المتصوفة القولُ بالقطب، ومعناه رأس العارفين يزعمون أنه لا يمكن أن يساويه أحد في مقامه في المعرفة حتى يقبضه الله، ثمّ يورث مقامه لآخر من أهل العرفان" [26].

وسبقهم كثير من علماء الإسلام في نقد هذا الطرح الشائن لخطورتها على العقيدة كابن الصلاح والعز بن عبد السلام وكان لشيخ الإسلام ابن تيمية مناقشة واسعة لهم فبيَّن أن هذه الدعاوى كلها باطلة، فهي نفس ما يدعيه النصارى في "المسيح" والرافضة في "المنتظر" والنصيرية في "الباب" والفلاسفة في "العقل الفعال" وذكر نصوصًا من الكتاب والسنة تدل على أنها من الشرك في الربوبية، ولا يجوز نسبة الأمور المذكورة إلى الأنبياء والرسل، فكيف تصح لهذا "الغوث" المزعوم الذي لا وجود له إلاّ في أذهان الصوفية؟ وذلك في رسالة هامة وفتوى شهيرة لشيخ الإسلام للرد على هذه الدعاوى الباطلة, وسميت بـ "فتوى الأقطاب والأبدال".[27]

وبعد هذا الجمع والعرض المختصر لهذه الأفكار الباطلة والعقائد الضالة, فهل يمكن القول بان هذه العقيدة تمثل عقيدة المسلمين؟!!

ـــــــــــــــــــــــــــ

[1] (أحد مشايخ الصوفية - ت 322)

[2] رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" (3/75- 76) بإسناده إليه. وفيه علي بن عبد الله بن جهضم، متهم بالكذب، كما في (الميزان) (3/143) و (اللسان) (4/238) . ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/300) من طريق الخطيب، وكذا نقلت عنه المصادر المتأخرة، مثل "المقاصد الحسنة" ص 10 و"الخبر الدال" (2/255) وغيرهما.

[3] "قوت القلوب" (2/78) .

[4] "كشف المحجوب " (الترجمة العربية) ص 447، 448.

[5] التفصيل في "الفتوحات المكية" (2/40)

[6] "روضة التعريف بالحب الشريف" (ص 432)

[7] "الرماح" (1/21)

[8] "شرح مقدمة التائية الكبرى" (ق 104 ب) .

[9] "النفحات الشاذلية" (2/99)

[10] في كتابه "اليواقيت والجواهر" (2/79- 83)

[11] "الفتوحات المكية" (3/244) . وانظر "اصطلاحات الصوفية" لعبد الرزاق القاشاني ص 141 (ط. كلكتا 1854 م) .

[12] "التعريفات" للشريف الجرجاني ص 185- 186 (ط. فلوجل)

[13] "اليواقيت والجواهر" (2/79) .

[14] "الفتوحات المكية" (2/362) .

[15] "جواهر المعاني (لعلي حرازم برادة (2/89- 90) .

[16] ذكر ذلك بتفاصيله في "الفتوحات المكية" (3/244) و"التعريفات " ص 36، و"التوقيف على مهمات التعاريف " ص 60 وغيرها.

[17] "الفتوحات المكية" (2/400، 401) ، و"التعريفات" ص41، و"التوقيف" ص 66؛ و"كشاف اصطلاحات الفنون" ص 1453، 1454.

[18] "الفتوحات المكية" (2/376) و"حلية الأبدال" ص 11.

[19] الفتوحات المكية (2/400) ، و"التعريفات" ص 44، و"التوقيف" ص 36؛ "مشتهى الخارف الجاني" ص 510، وغيرها.

[20] "الفتوحات المكية" (3/244) ، و"التعريفات" ص 259، و"اصطلاحات الشيخ محي الدين ابن عربي" ص 286.

[21] " التوقيف على مهمات التعاريف" للمناوي " ص 322.

[22] "التعريفات" ص 266، "اصطلاحات الصوفية" للقاشاني ص 96، "التوقيف" ص 329.

[23] "المنار المنيف" (ص 136)

[24] انظر"الفلسفة الشيعية" للآملي ص 223؛ و"الإسلام الشيعي" لمحمد حسين طباطبائي (الترجمة الإنجليزية) ص 114.

[25] "ضحى الإسلام" (3/245) .

[26] "مقدمة ابن خلدون" ص 473

[27] ويرجع لهذه الرسالة لكتاب : جامع المسائل لابن تيمية تحقيق : محمد عزير شمس إشراف : بكر بن عبد الله أبو زيد، الناشر : دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع​
-----------------------------
رد مع اقتباس
  #24  
قديم 08-08-2014, 06:39 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,154
ورقة موقف الفرق الإسلامية من علي بن أبي طالب

موقف الفرق الإسلامية من علي بن أبي طالب*
ـــــــــــــــــــــــــ

12 / 10 / 1435 هــ
8 / 8 / 2014 م
ـــــــــــــ




لم يقع الاختلاف بل والاحتراب والانقسام حول شخصية في التاريخ الإسلامي، كالاختلاف الذي حدث حول شخصية سيدنا علي رضي الله عنه، فهو عند أهل السنة صحابي كريم جليل، كان من طلائع من آمنوا بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وتحملوا في سبيل ذلك الأعاجيب، وهو عند الإثنى عشرية أفضل الصحابة ثم إن له من الصفات ما لا يجوز في حق غيره من الصحابة، حتى ذهبت أقوالهم وكتبهم إلى القول بعصمته، بل وعصمة من تلاه من نسله، كما تزعم الإثنا عشرية، بل ذهبت الشيعة الغرابية إلى أبعد من هذا فادعت أن جبريل الأمين أخطأ في الوحي، وبدلا من أن يأتى به إلى علي رضي الله عنه، أخطأ وأتى به إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الفرق من ذهبت إلى تأليه سيدنا علي مثل السبئية أتباع عبد الله ابن سبأ اليهودي مشعل الفتنة، وذهبت الإباضية إلى أقصى اليسار فادعت أن علي بن أبي طالب إمام مخلوع، خلع نفسه بنفسه يوم التحكيم، فلا يستحق أن يطلق عليه لقب إمام..

وفي هذا التقرير سنُعرج سريعاً على سيرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مع إعطاء صورة عامة عن نظرة أتباع الفرق الإسلامية على اختلاف فرقهم له ولذريته، والموقف الصحيح من كل هذا..

علي بن أبي طالب في عيون أهل السنة:
____________________
----------------------
علي بن أبي طالب، هو أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزوج ابنته فاطمة رضي الله عنها، ووالد سبطيه الحسن والحسين.

وهو أول من أسلم من الصبيان، كما أن أبا بكر هو أول من أسلم من الرجال، وهو من العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن الستة أصحاب الشورى، وقد لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ صغره ومنذ أسلم، وهو رابع الخلفاء الراشدين باتفاق المسلمين من الصحابة والتابعين إلى يوم الدين.

لا يُحبُّه إلاَّ مؤمن، ولا يبغضه إلاَّ منافق؛‏ أخرج الترمذي عن البراء بن عازب رضي الله عنه: أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال لعليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه: (أنت منِّي وأنا منك)، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

وعن أمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: أشهد أنِّي سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (مَن أحبَّ عليًّا، فقد أحبَّني، ومَن أحبني فقد أحبَّ الله، ومَن أبغض عليًّا فقد أبغضني، ومَن أبغضني، فقد أبغض الله عزَّ وجلَّ)، ‏قال علي رضي الله عنه: "واللهِ إنَّه مما ‏عهد ‏إليَّ رسول الله ‏صلَّى الله عليه وسلَّم ‏أنَّه ‏لا يُبغضني إلاَّ منافقٌ، ولا يحبني إلاَّ مؤمن"؛ أخرجه أحمد.

فهذا هو الرأي الصحيح والمعتقد الواجب في سيدنا علي رضي الله عنه، وهو معتقد أهل السنة والجماعة، والواجب على كل مسلم، فهو صحابي جليل له من المكانة ما لبقية الصحابة، وهو في الرتبة والفضل رابع ثلاثة، أولهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان رضي الله عن الجميع.

* معتقد المنحرفين في سيدنا علي رضي الله عنه:
ــــــــــــــــــــــــــ

يقابل نظرة أهل السنة والجماعة إلى علي رضي الله عنه، نظرة أخرى بها الكثير من الانحرافات والأباطيل، فأول هذه الانحرافات ظهرت مع ظهور عبد الله بن سبأ اليهودي مُسعر نار الفتنة بين الصحابة، وصاحب أول خروج عقدي صريح عن صحيح الاعتقاد في عصر الإسلام الأول.

- ابن سبأ يؤله سيدنا علي رضي الله عنه:
-------------------------

وهو أمر مشهور وأشهر من تناقله هم الشيعة، فكتبهم تذخر بذكر هذه القصة (قصة دعوة تأليه ابن سبأ لعلي رضي الله عنه)، قال ابن عساكر في تاريخه: روى الصادق –وهو أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق ولد سنة 83هـ في المدينة المنورة وتوفي فيها سنة 148هـ - وهو الإمام السادس المعصوم عند الشيعة، روى عن آبائه الطاهرين، عن جابر قال: لما بويع علي رضي الله عنه خطب الناس فقام إليه عبد الله بن سبأ فقال له أنت دابة الأرض، فقال له: اتق الله، فقال له: أنت الملك، فقال: اتق الله، فقال له: أنت خلقت الخلق وبسطت الرزق، فأمر بقتله فاجتمعت الرافضة فقالت: دعه وانفِه إلى ساباط المدائن فإنك إن قتلته بالمدينة –يعني الكوفة– خرج أصحابه علينا وشيعته، فنفاه إلى ساباط المدائن فثم القرامطة والرافضة، أي كانت بعد ذلك وبجهود ابن سبأ مركزاً يتجمعون فيه، قال: أي جابر– ثم قامت إليه طائفة وهم السبئية وكانوا أحد عشر رجلاً قال: ارجعوا فإني علي بن أبي طالب أبي مشهور وأمي مشهورة، وأنا ابن عم محمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا: لا نرجع دع داعيك، فأحرقهم في النار وقبورهم في صحراء أحد عشر مشهورة، فقال: من بقي ممن لم يكشف رأسه منهم علنا أنه إله، واحتجوا بقول ابن عباس: لا يعذب بالنار إلا خالقها.[تاريخ ابن عساكر]

وإضافة إلى مسألة التأليه، ادعى ابن سبا النبوة لعلي رضي الله عنه، وادعى له كذلك العصمة، ومن افتراءاته زعمه أن عليا لم يمت وأنه باق، وأنه يعلم الغيب ويحيي الموتى ويعلم آجال العباد وما يقع منهم إلى غير ذلك من الكفريات.

- النصيرية وحلول الرب في علي رضي الله عنه:
--------------------------------

العقيدة الأساسية عند النصيرية تتمثل في تأليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فيزعمون أنه إله أو حلّت فيه الألوهية، فعلي في نظرهم (إله في الباطن)، (إمام في الظاهر)، لم يلد ولم يولد، ولم يمت ولا يأكل ولا يشرب، اتخذ محمداً (ناطقا) لذا فهو متصل به ليلاً منفصل عنه نهاراً.[إسلام بلا مذاهب: مصطفي الشكعة: (ص:335)].

يقول الشهرستاني: "إنما نشأت شبهاتهم في الحلول والتناسخ، من مذاهب اليهود والنصاري، فاليهود شبهوا الخالق بالخلق، والنصارى شبهت الخلق بالخالق، فسرَت هذه الشبهات في أذهان الغلاة، حتى حكمت بأحكام الإلهية في بعض الائمة. [الملل والنحل للشهرستاني على هامش الفصل لابن حزم: (2/10)].

- الغُرابية تثبت النبوة لعلي رضي الله عنه:
---------------------------

تقول فرقة الغرابية وهي إحدى فرق الشيعة بأن محمداً صلى الله عليه وسلم كان أشبه بعليّ رضي الله عنه من الغراب بالغراب، وأنّ الله بعث جبرئيل بالوحي إلى عليّ رضي الله عنه، فغلط جبرئيل، وأنزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم، ويلعنون صاحب الريش (جبريل عليه السلام).[نور البراهين أو أنيس الوحيد فى شرح التوحيد: (2/310)] للجزائري].

- موقف غلاة الإباضية من علي والصحابة رضي الله عن الجميع:
------------------------------------

يتضح موقف غلاة الإباضية من علي رضي الله عنه والصحابة الكرام من خلال ما جاء في كتاب (كشف الغمة) تحت عنوان فصل من كتاب (الكفاية) قوله: فإن قال ما تقولون في علي بن أبي طالب، قلنا له: إن علياً مع المسلمين في منزلة البراءة، وذكر أسباباً- كلها كذب- توجب البراءة منه في زعم مؤلف هذا الكتاب، منها حربه لأهل النهروان وهو تحامل يشهد بخارجيته المذمومة.

وقد ذكر لوريمر عن موقف المطاوعة –جماعة متشددة في الدين- كما يذكر قوله: ويعتقد المطوعون أن الخليفة علياً لم يكن مسلماً على الإطلاق؛ بل كان كافراً [دليل الخليج- لوريمر- (6/3406)].

فالإباضية يرون خطأ سيدنا علي رضي الله عنه في قبوله للتحكيم، والغلاة منهم يرون أنه رضي حكم البشر وترك حكم الله الذي يدعو إلى قتال الفئة الباغية.

- الإثنا عشرية، جامعة السوءات:
------------------

لقد جمعت الإثنا عشرية جل الانحرافات التي قالت بها الفرق الأخرى، في علي رضي الله عنه وفي غيره، يقول الدكتور ناصر القفاري: "من الملاحظ أن طائفة الاثني عشرية قد استوعبت جل الآراء والعقائد التي قالت بها الفرق الشيعية الأخرى، وأنها كانت بمثابة النهر الذي انسكبت فيها كل الجداول والروافد الشيعية المختلفة"[أصول مذهب الشيعة الاثنى عشرية د.ناصر القفاري بتصرف يسير]

فقالت- تلميحا لا تصريحا- بألوهيته، بنسبة صفات الرب له، وأنه أفضل من كل الصحابة، بل أفضل من الأنبياء والمرسلين، بل أفضل من نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم، وادعت له العصمة، وعلم الغيب، بل وردت عند الاثنى عشرية أحاديث تصرح بأن دخول العباد الجنة والنار مرهون بقرار أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فورد في أكثر من مصدر قول علي رضي الله عنه: (أنا قسيم النّار إذا كان يوم القيامة قلت: هذا لك وهذا لي)[فرائد السمطين: (1/326)]، وهو كذب صريح على علي رضي الله عنه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #25  
قديم 08-14-2014, 07:38 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,154
ورقة الألوهية في المعتقد اليهودي

الألوهية في المعتقد اليهودي*
ــــــــــــــــ


18 / 10 / 1435 هــ
14 / 8 / 2014 م
ــــــــــــ





تتربع عقيدة توحيد الألوهية والربوبية سلم أولويات وأبجديات المسلم, فأول ما يطالب به المسلم - في مذهب أهل السنة والجماعة - تنقية اعتقاده من أي شبهة قد تعترض صحة إيمانه بالله تعالى, ومن أي لوثة فكرية قد تحرف فطرته السليمة وعقيدته الصحيحة بالله سبحانه.

وفي مقابل هذه الأولوية والاهتمام الشديد بعقيدة توحيد الألوهية عند المسلمين من أهل السنة, نجد التهاون والاستهتار اليهودي بهذه المسألة المصيرية, وبينما لا تتوقف كتابات وتوضيحات علماء أهل السنة لتنقية هذه العقيدة, والرد على الشبهات التي قد تعترض المسلم خصوصا في العصر الحديث الذي تجتاحه التيارات الفكرية الإلحادية, نجد الانحراف اليهودي العقائدي التاريخي يزداد, والتشويه المتعمد لأقدس وأعظم قضية في الوجود يتعاظم عند اليهود.

فما هي عقيدة اليهود في الألوهية؟؟ وما هي أبرز ضلالاتهم وأباطيلهم في هذه العقيدة الجوهرية؟؟ هذا ما سأحاول بيانه في هذا التقرير إن شاء الله.

تعريف التوحيد وتقسيماته عند أهل السنة

لا بد بداية من تعريف التوحيد وبيان أقسامه قبل الحديث عن عقيدة اليهود في الألوهية, وذلك حتى يتبين الحق من الباطل والصحيح من السقيم.

التوحيد: لغة: مصدر وحد يوحد توحيدا, أي جعله واحدا, وأصل التوحيد من وحد, ووحيد أي منفرد, وفلان واحد دهره أي: لا نظير له. (1)

واصطلاحا: إفراد الله بالعبادة وهو الشهادة بأن الله واحد, والاعتقاد به سبحانه منفردا بذاته وصفاته لا نظير له ولا شبيه. (2)

وقد قسم علماء أهل السنة والجماعة التوحيد إلى:

1- توحيد الربوبية والملك: وهو الإقرار بأن الله تعالى رب كل شيء ومالكه وخالقه ورازقه, وأنه المحيي المميت النافع الضار, المتفرد بإجابة الدعاء عند الاضطرار, الذي له الأمر كله وبيده الخير, وهو إفراد الله بالخلق والملك والتدبير.

2- توحيد الألوهية: وهو إفراد الله سبحانه بالعبادة بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحدا يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله ويتقرب إليه, وهو يتضمن إخلاص العبادة لله وحده, والإيمان بأنه المستحق لها, وأن عبادة ما سواه باطلة, وهذا هو معنى لا إله إلا الله. (3)

وتوحيد الألوهية هو المنجي من الشرك دون توحيد الربوبية بمفرده, فقد كان عباد الأصنام مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء ومليكه, ولكنهم لما لم يأتوا بتوحيد الألوهية, وهو عبادته سبحانه وحده لا شريك له, لم ينفعهم توحيد الربوبية.

3- وهناك ما يسمى توحيد الأسماء والصفات: وهو إفراد الله تعالى بما سمى به نفسه, ووصف به ذاته العلية في كتابه الكريم أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم, وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف ولا تعطيل, ومن غير تكييف ولا تمثيل. (4)

الألوهية في المعتقد اليهودي

من يقرأ عن الإله في التصور اليهودي يجد العجب العجاب, فهم يجعلون لله شريكا وندا وولدا, بل يجعلون من أنفسهم ومن جنس اليهود عامة أبناء الله وأحباؤه, فالإله خاص بهم, ناهيك عن وصفهم الله سبحانه وتعالى بصفات لا تليق بالأسوياء من البشر فضلا عن رب العالمين.

ومن المفيد منذ البداية أن نؤكد أن النزعة المادية عند اليهود في الألوهية كانت ملازمة لهم طوال تاريخهم مع أنبيائهم, ورغم جهود موسى عليه السلام المضنية معهم في تخليصهم من هذه النزعة, إلا أنها كانت متأصلة فيهم, ولم يستطيعوا في فترة من فترات تاريخهم أن يستقروا على عبادة الله وحده كما ينبغي, وكانت نفوسهم تنزع إلى الوثنية في تصورهم عن الإله. (5)

ويبين الدكتور "فتحي الزغبي" العوامل التي أدت إلى تأثر اليهود بالوثنية فيذكر ثلاثة عوامل رئيسية هي:

1- ما تعرض له اليهود في فترات السبي والاضطهاد والاختلاط بالأمم الوثنية على مدى تاريخهم القديم.

2- فقدهم التوراة المنزلة على سيدنا موسى عليه السلام وتحريفهم لها وانتفاء قدسية العهد القديم.

3- الاستعداد النفسي للانحراف, لأن اليهود لو لم يكن لديهم الاستعداد النفسي لتقبل الوثنية لكان من الممكن التغلب على الاضطهاد والسبي. (6)

وقد سجل القرآن الكريم الكثير من المواقف والأمثلة التي تظهر الانحراف اليهودي في قضية الألوهية, والنزعة المادية المسيطرة عليهم, والتي وصلت إلى أعظم وأخطر قضية عقائدية إيمانية, ألا وهي عقيدة الألوهية, ولعل من أبرز الأمثلة على ذلك:

1- طلبهم من موسى عليه السلام أن يجعل لهم إلها كعباد الأوثان, وهي قمة الجهل والتمسك بالمادية والوثنية التي رسخت في نفوسهم, قال تعالى: {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} الأعراف/138

2- اتخاذهم العجل وعبادتهم له من دون الله: وهي إشارة إلى استمرار تأثرهم بعبادة الأوثان, قال تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ} الأعراف/148, وقال تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ * أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا} طه/88 – 89

3- تعليقهم تصديقهم لموسى عليه السلام برؤيتهم الله جهرة: وهي نظرة مادية مفرطة في التجسيم والتشبيه لله تعالى بالبشر, قال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} البقرة/55 وقال تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ...} النساء/153

4- اتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله: وهي تجسيد للنزعة المادية في المعتقد اليهودي في الإله, قال تعالى : {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} التوبة/31 .

5- جعلهم لله ولدا وقولهم: العزير ابن الله: قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} التوبة/30

6- وصفهم الله تعالى بما لا يليق: فقد وصفوا الله تعالى بأنه يأكل ويشرب, ويعمل ويتعب ويستريح, وينسى ويندم ويتردد وتنطلي عليه الحيل, وأنه سبحانه متردد .....الخ, وهي صفات وردت في توراتهم المحرف وتلمودهم المبتدع المخترع.

7- ادعاؤهم أن الله مخلوق: أتى رهط من اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه ؟! قال : فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه , ثم ساورهم غضبا لربه , فجاءه جبريل فسكنه فقال : اخفض عليك جناحك يا محمد , وجاءه من الله بجواب ما سألوه عنه : {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } الإخلاص 1-4 (7)

وقد تحدث الإمام السيوطي رحمه الله عن انحراف اليهود في توحيد الله تعالى, وبين أنهم أشركوا به سبحانه, وهم على علم أنه إله واحد لا شريك له, فقال في كتابه الدر المنثور عند قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} البقرة/22 قال: الخطاب هنا موجه إلى اليهود, {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} أي عدلاء, {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي تعلمون أنه إله واحد في التوراة والإنجيل لا ند له. (8)

8- ادعاؤهم أنهم أبناء الله وأحباؤه: وهذا من الشرك وتحريف وحدانية الله تعالى, قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} المائدة/18

وقد ورد في أسباب نزول الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضاء وبحري بن عمرو بن وشاس بن عدي فكلموه, فكلمهم صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله تعالى وحذرهم نقمته, فقالوا: ما تخوفنا يا محمد, نحن والله أبناء الله وأحباؤه!! كقول النصارى فنزلت الآية. (9)

الألوهية في التوراة والتلمود

يظهر من خلال التوراة أن فكرة الألوهية لدى اليهود بعيدة كل البعد عن الحقيقة, فقد قدموا الله تعالى بصورة مجسمة, ووصفوه بكثير من صفات النقص والضعف والكذب والغفلة والجهل – تعلا الله عما يقولون علوا كبيرا - . (10)

فقد ورد في سفر التكوين ظهور الله لنبي الله إبراهيم عليه السلام, هو واثنين من الملائكة, وأنهم غسلوا أرجلهم واتكئوا تحت شجرة ليستريحوا, وأنهم أكلوا خبزا وشربوا لبنا ... تعالى الله عن ذلك. (11)

كما ورد في سفر التكوين كذبهم وافتراءهم على الله تعالى بأنه تعب بعد الخلق فاستراح في اليوم السابع من جميع أعماله, "وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل, وبارك الله اليوم السابع وقدسه لأنه فيه استراح ..." (12)

أما في التلمود فيعتقد اليهود أن اليهودي جزء من الله – تعالى الله عن ذلك – كما أن الابن جزء من أبيه, وأنه لو لم يخلق الله اليهود لانعدمت البركة من الارض, ولما خلقت الأمطار والشمس, ولما أمكن باقي المخلوقات أن تعيش, ولذلك ورد في التلمود "إذا ضرب أمي – غير اليهودي – إسرائيليا فالأمي يستحق الموت". (13)

لقد أوغل اليهود في الشرك بالله وتحريف عقيدة الألوهية, وإذا فسدت العقيدة فسد كل شيء في الدين بعدها, فإذا كان أصل الإيمان ومرتكزه فاسد وباطل ومحرف عند اليهود, فمن باب أولى أن تفسد عباداتهم ومعاملاتهم وأخلاقهم.

ــــــــــــــــــــــــــ

الفهارس

(1) مختار الصحاح 1/296 وتيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد 1/26

(2) فتاوى مهمة لعموم الأمة لعبد العزيز بن باز ومحمد بن صالح العثيمين ص8

(3) التعليقات الأثرية على العقيدة الطحاوية عبد العزيز بن باز ص 6

(4) مدارج الساكلين لابن القيم 1/24

(5) اليهودية للدكتور أحمد شلبي ص172

(6) اليهودية وتأثرها بالأديان القديمة 413

(7) تفسير الطبري 14/28 والسيرة النبوية لابن هشام 3/110 وأورده الألباني بلفظ آخر في الصحيح الجامع وحسنه برقم 8128

(8) الدر المنثور 1/89

(9) تفسير الطبري 6/164

(10) الله جل جلاله والأنبياء في التوراة والعهد القديم محمد علي البار11-38

(11) سفر التكوين 18/1-8

(12) سفر التكوين 2/1-2

(13) التلمود سنهدرين ص2- 58

ومن مراجع التقرير : اليهودية بين الوحي الإلهي والانحراف البشري للدكتور : فرج الله عبد الباري , وعقائد اليهود من خلال الحوار مع النبي صلى الله عليه وسلم / عدنان أحمد العبد البرديني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #26  
قديم 08-17-2014, 07:46 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,154
ورقة بين الولي والنبي عند الصوفية

بين الولي والنبي عند الصوفية .. أباطيل وضلالات*
ـــــــــــــــــــــــــــ

21 / 10 / 1435 هــ
17 / 8 / 2014 م
ـــــــــــ





بين الولي والنبي عند الصوفية .. أباطيل وضلالات

لم يكن يتخيل مسلم أن يجد قوما ممن ينتسبون للإسلام يقارن بين النبي صلى الله عليه وسلم وأحد من الأمة, ولم يفعلها في دين الله إلا أصحاب الفرق الضالة والطوائف المنحرفة, ففعلها الشيعة حينما قارنوه بالأئمة وفعلها الصوفية حينما قارنوه بالأولياء.

فالمقارنة من حيث الأصل لا تجوز فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يقارن به أحد من أمته, فيروي ابن إسحاق في سيرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى عليهما السلام، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا في بهم لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض، معهما طست من ذهب مملوء ثلجا، فأضجعاني، فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه، فأخرجا منه علقة سوداء فألقياها، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج، حتى إذا أنقياه رداه كما كان، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته. فوزنني بعشرة، فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة من أمته. فوزنني بمائة، فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته، فوزنني بألف، فوزنتهم، فقال: دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنهم" [1].

فهل يمكن أن يتصور أحد قول الصوفي أبي يزيد البسطامي فيما يذكره عنه الدباغ فيقول (خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله ) [2]؟ وهل يمكن أن يكون هذا القول من الأقوال الملتبسة التي تحتاج لتبيين؟, فمن هؤلاء الذين خاضوا البحار التي وقف الأنبياء بسواحلها, ومن أفضل في كون الله من الأنبياء؟

تدرج الصوفية في التعامل في الفروق بين الأنبياء والأولياء عن طريق ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: الولاية خصوصية في الإسلام تلي النبوة.

وفي هذا صرح كثير من علمائهم بان أعطوا للأولياء خصوصية في معرفة الأسرار وإنهم يستمدون هذه الأسرار من النبي صلى الله عليه وسلم, فقال ظهير الدين القادري (الولاية ظل النبوة، والنبوة ظل الإلهية, فالأنبياء عليهم السلام مصادر الحق، والأولياء مظاهر الصدق والأولياء خصوا بإشارات نبوية، واطلاعات حقيقة، وأرواح نورية، وأسرار قدسية، وأنفاس روحانية، ومشاهدات أزلية [3], وبمثله قال الكمشخانوي في كتابه (جامع أصول الأولياء) [4].

فالولي عندهم في هذه الحالة يساوي النبي في أمور، منها: العلم من غير طريق العلم الكسبي، والفعل بمجرد الهمة، فيما لم تجر به العادة أن يفعل إلا بالجوارح والجسوم، مما لا قدرة عليه لعالم الجسوم وهي المعجزات للنبي والكرامات للولي ويفعل بالهمة في عالم الخيال وفي الحس، فإنه يسمع ويرى، ما لا يرى ولا يسمع وهو بين الناس.

المرحلة الثانية: الولاية تساوي النبوة.

فيقول ابن عجيبة مصرحا بالتساوي (ما قيل في النبي يقال في الوليّ) [5], وكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه حكى عن الله عز وجل أنه قال: (أولئك كلامهم كلام الأنبياء) [6].

ويصنف الصوفية مقامات الأولياء إلى أربعة طبقات أو مقامات , ويشرح ذلك الكمشخانوي [7] بقوله: "الأولياء لهم أربعة مقامات: الأول مقام خلافة النبوة، والثاني مقام خلافة الرسالة، والثالث مقام خلافة أولي العزم، والرابع خلافة مقام أولي الاصطفاء.

فمقام خلافة النبوة للعلماء. ومقام خلافة الرسالة للأبدال. ومقام خلافة أولي العزم للأوتاد. ومقام خلافة الاصطفاء للأقطاب. فمن الأولياء من يقوم في عالم مقام الأنبياء، ومنهم من يقوم في عالم مقام الرسل، ومنهم من يقوم في عالم مقام أولي العزم، ومنهم من يقوم في عالم مقام أولي الاصطفاء" [8].

وهنا يظهر التمهيد للمرحلة الثالثة التي يقولون فيها بان الأولياء أفضل من الرسل والأنبياء وبالتالي فان ولي الصوفية أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم – حاش لله – وهذا ما يصرحون به في كتبهم المنقولة عنهم.

فيقول عبد القادر الجيلاني أو الجيلي – حتى لا يلتبس الاسم على احد - والذي يسمى عند الصوفية بشيخ الطائفة: (معاشر الأنبياء، أو تيتم اللقب، وأوتينا ما لم تؤتوه) [9].

وقال البسطامي وهو أحد أكبر أعلام الصوفية وأقطابها: (تالله أن لوائي أعظم من لواء محمد صلى الله عليه وسلم، لوائي من نور تحته الجان والجن والإنس، كلهم من النبيين) [10] .

وهو ما صرح به ابن عربي حين قال : (مقام النبوة في برزخ ** فويق الرسول ودون الولي) [11].

ويبررون ذلك بأن الولاية هي "الفلك الأقصى، من سبح فيه اطلع، ومن اطلع علم، ومن علم تحول في صورة ما علم. فذلك الولي المجهول الذي لا يعرف، والنكرة التي لا تتعرف، لا يتقيد بصورة، ولا تعرف له سريرة، يلبس لكل حالة لبوسها، أما نعيمها وإما بؤسها" [12].

ويضيف ابن عربي موضحا لذلك الخبث من الأفكار الضالة فيقول: (فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع فمن حيث هو وليّ عارف, ولهذا مقامه من حيث هو عارف أتمّ وأكمل من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع) [13]

وبهذا فإن الولي يعلم علمين: علم الشريعة, وعلم الحقيقة, أي الظاهر والباطن, والتنزيل والتأويل, بينما الرسول من حيث هو رسول ليس له علم إلا بالظاهر والتنزيل والشريعة!!

ويقول ابن عربي أيضا في الفصّ العزيري من فصول الحكم أن النبي والرسول يستمدّ بالعلم والمعرفة من الملك الذي يبلغه الوحي الإلهي بواسطته, ولا يمكنه الأخذ من الله مباشرة, أما الوليّ فيستمد المعرفة من حيث يأخذها الملك الذي يؤدي بدوره إلى الأنبياء والرسل, ثم يلبس ابن عربي في مواضع أخرى فيقول بأنه لا يفضل الولي على النبي بعد هذه التصريحات كلها التي جعل فيها "خاتم الأولياء هو منبع العلوم ومصدر الفيض لجميع الأنبياء والرسل وأنهم لا يستمدون إلا منه ولا يستقون إلا من مشكاة خاتم الأولياء, فإن الرسالة والنبوة - أعني نبوة التشريع ورسالته - تنقطعان, والولاية لا تنقطع أبداً, ويقول أيضا أن "شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله تعالى تسمى (بالولي الحميد), فخاتم الرسل من حيث ولايته, نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه, فإنه الولي الرسول النبي. وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن ألأصل المشاهد للمراتب) [14] .

وقد استقى ابن عربي فكرة "خاتم الأولياء " وتفضيله على النبي صلى الله عليه وسلم, وأن النبي أخذ العلم والمعرفة من الملك والوليّ قد أخذهما بدون واسطة من الحكيم الترمذي [15], الذي قال في جواب على سؤال: ما الفرق بين النبوة والولاية؟, فقال: (الفرق بين النبوة والولاية: أن النبوة كلام ينفصل من الله وحيا, ومعه روح من الله فيقضي الوحي ويختم بالروح, والولاية لمن ولى الله حديثه على طريق أخرى, فأوصله إليه فله الحديث, وينفصل ذلك الحديث من الله عز وجل, على لسان الحق معه السكينة, تتلقاه السكينة في قلب المحدّث, فيقبله ويسكن إليه) [16]

ثم يذكر الترمذي خاتم الأولياء فيقول: (لما قبض الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم صيّر في أمته أربعين صديقا بهم تقوم الأرض, وهم آل بيته, فكلما مات واحد منهم خلفه من يقوم مقامه, حتى إذا انقرض عددهم وأتى وقت زوال الدنيا ابتعت الله وليا اصطفاه واجتباه, وقرّبه وأدناه, وأعطاه ما أعطى الأولياء, وخصّه بخاتم الولاية, فيكون حجة الله يوم القيامة على سائر الأولياء فيوجد عنده بذلك الختم صدق الولاية على سبيل ما وجد عند محمد صلى الله عليه وسلم من صدق النبوة فلم ينله العدو, ولا وجدت النفس إليه سبيلا إلى الأخذ بحظها من الولاية.

فإذا برز الأولياء يوم القيامة واقتضوا صدق الولاية والعبودية وجد الوفاء عند هذا الذي ختم الولاية تماما, فكان حجة الله عليهم وعلى سائر الموحدين من بعدهم, وكان شفيعهم يوم القيامة, فهو سيدهم, ساد الأولياء, كما ساد الأنبياء, فينصب له مقام الشفاعة, ويثني على الله تعالى ثناء ويحمده بمحامد يقرّ الأولياء بفضله عليهم في العلم بالله تعالى.

فلم يزل هذا الولي مذكورا في البدء, أولا في الذكر, وأولا في العلم, ثم هو الأول في المشيئة, ثم هو الأول في اللوح المحفوظ, ثم الأول في الميثاق, ثم الأول في المحشر, ثم الأول في الجوار, ثم الأول في الخطاب, ثم الأول في الوفادة, ثم الأول في الشفاعة, ثم الأول في دخول الدار, ثم الأول في الزيارة, فهو في كل مكان أول الأولياء) [17].

وقد سئل: أين مقامه؟ فقال: (في أعلى منازل الأولياء, في ملك الفردانية, وقد انفرد في وحدانيته, ومناجاته كفاحا في مجالس الملك, وهداياه من خزائن السعي.

قال: وما خزائن السعي؟

قال: إنما هي ثلاث خزائن: المنن للأولياء, وخزائن السعي لهذا الإمام القائد, وخزائن القرب للأنبياء عليهم السلام, فهذا (خاتم الأولياء) مقامه من خزائن المنن, ومتناوله من خزائن القرب, فهو في السعي أبدا, فمرتبته هنا, ومتناوله من خزائن الأنبياء عليهم السلام, قد انكشفت له الغطاء عن مقام الأنبياء ومراتبهم وتحفهم) [18] .

ويقول أيضا: (وقد يكون في الأولياء من هو أرفع درجة , وذاك عبد قد ولى الله استعماله , فهو في قبضته يتقلب , به ينطق , وبه يسمع , وبه يبصر , وبه يبطش , وبه يعقل , شهره في أرضه , وجعله إمام خلقه وصاحب لواء الأولياء , وأمان أهل الأرض , ومنظر أهل السماء , وريحانة الجنان , وخاصة الله , وموضع نظره , ومعدن سره , وسوطه في أرضه , يؤدب به خلقه , ويحيي القلوب الميتة برؤيته , ويرد الخلق إلى طريقه , وينعش به حقوقه , مفتاح الهدى , وسراج الأرض , وأمين صحيفة الأولياء , وقائدهم , والقائم بالثناء على ربه , بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم! , يباهي به الرسول في ذلك الموقف , وينوه الله باسمه في ذلك المقام , ويقر عين رسول الله صلى الله عليه وسلم! , قد أخذ الله بقلبه أيام الدنيا , ونحله حكمته العليا , وأهدى إليه توحيده , ونزه طريقه عن رؤية النفس , وظل الهوى , وأئتمنه على صحيفة الأولياء , وعرّفه مقاماتهم , وأطلعه على منازلهم. فهو سيد النجباء , وصالح الحكماء , وشفاء الأدواء , وإمام الأطباء. كلامه قيد القلوب , ورؤيته شفاء النفوس , وإقباله قهر الأهواء , وقربه طهر الأدناس , فهو ربيع يزهر نوره أبداً , وخريف يجنى ثماره دأبا , وكهف يلجأ إليه , ومعدن يؤمل ما لديه , وفصل بين الحق والباطل. وهو الصديق والفاروق والولي والعارف والمحدّث. هو واحد الله في أرضه) [19].

فهل هذه الصفات تنطبق على بشر أيا كان اسمه أو صفته, فهي لا يمكن أن تكون حتى في الرسل فكيف بمن هم دونهم؟ , وهي لا تصح إلا لذات الله سبحانه.

ويقول متصوف آخر وهو النسفي عزيز الدين بن محمد [20]: (إن طائفة من الصوفية ذهبت إلى تفضيل الولاية على النبوة , وقالوا: أن النبوة باطنها الولاية , وأما الولاية فباطنها عالم الإله) [21] .

ويقول عزيز الدين بن محمد في كتابه كشف الحقائق: (المعرفة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول معرفة طبيعة كل شيء, وهذه رتبة الحكماء, والثاني معرفة خاصية كل شيء, وهذه رتبة الأنبياء, والثالث معرفة حقيقة كل شيء, وهذه رتبة الأولياء, وأعلم أن أهل الوحدة فضّلوا النبي على الحكيم, والوليّ على النبيّ, فإن كل نبي حكيم, وكل وليّ نبيّ, وليس كل نبي وليّ) [22]

رد ابن تيمية على لفظة ومصطلح ومدلول "خاتم الأولياء"

ردّ شيخ الإسلام ابن تيمية في رسائله بشدّة عليه, وعلى من نهج منهجه وسلك مسلكه, في رسائله وكتبه, ونسب كلامه إلى الكفر الذي تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا, وقال في فتاواه: (وكذا لفظ (خاتم الأولياء) لفظ باطل لا أصل له, وأول من ذكره محمد بن علي الحكيم الترمذي, وقد انتحله طائفة كل منهم يدعي أنه خاتم الأولياء: كابن حمويه وابن عربي وبعض الشيوخ الضالين بدمشق وغيرها, وكل منهم يدعي أنه أفضل من النبي عليه السلام من بعض الوجوه, إلى غير ذلك من الكفر والبهتان, وكل ذلك طمعاً في رياسة خاتم الأولياء لما فاتتهم رياسة خاتم الأنبياء, وقد غلطوا, فإن خاتم الأنبياء إنما كان أفضلهم للأدلة الدالة على ذلك, وليس كذلك خاتم الأولياء. فإن أفضل أولياء هذه الأمة السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار, وخير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر رضي الله عنه, ثم عمر رضي الله عنه وثم عثمان رضي الله عنه, ثم علي رضي الله عنه, وخير قرونها القرن الذي بعث فيه النبي صلى الله عليه وسلم, ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم, وخاتم الأولياء في الحقيقة آخر مؤمن تقي يكون في الناس, وليس ذلك بخير الأولياء, ولا أفضلهم بل خيرهم وأفضلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه تعالى عنه, ثم عمر: اللذان ما طلعت شمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل منهما) [23] .

وفي الختام فهذه هي عقيدة المتصوفة أنهم يفضلون الأولياء على أنبياء الله ورسله, فصرح بها بعضهم وكتمها الآخرون عملا بالتقية التي أخذوها من الشيعة.

فإن الوليّ عندهم فوق الرسول والنبي, ودون الله قليلا, وأحيانا يحذفون هذا الفرق البسيط أيضا بينه وبين الله, ويجعلونه ذات الله وعينه, سواء اتحد به, أو ذلك اتحد به, وعلى ذلك قالوا: (لو كشف عن حقيقة الوليّ لعبد) [24] .

فنعوذ بالله من هذا الكفر الواضح البين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] قال ابن كثير- رحمه الله- في البداية والنهاية: إسناد جيد قوي. نقله عنه الألباني- رحمه الله- في سلسلة الأحاديث الصحيحة، وصححه

[2]الإبريز للدباغ ص276

[3] ((الفتح المبين فيما يتعلق بترياق المحبين)) لأبي الظفر ظهير الدين القادري (ص 52) ط المطبعة الخيرية مصر الطبعة الأولى 1306 هـ.

[4] ص 70- ط المطبعة الوهيبية طرابلس الشام 1398 هـ.

[5] الفتوحات الإلهية لابن عجيبة الحسني ص 264 ط عالم الفكر القاهرة 1983 م.

[6] المصدر نفسه ص 116

[7] هو أحمد ضياء الدين بن مصطفى بن عبد الرحمن الكمشخانوي، من سلالة أناضولية ، ولد سنة 1228هـ/1813م في مدينة كمشخانة. هذه المدينة التي تقع في شمال شرقي تركيا

[8] ((جامع الأصول في الأولياء)) للكمشخاوي (ص 5) ط المطبعة الوهيبية طرابلس 1398 هـ.

[9] ((الإنسان الكامل)) للجيلي (1/ 124)، كذلك ((الجواهر والدرر)) (ص 286) بهامش الإبريز، ((الجواب المستقيم)) لابن عربي (ص 247) نقلا عن الجيلي.

[10] ((لطائف المنن)) لابن عطاء الله السكندري , والأخلاق للشعراني (1/ 125. )

[11] طبقات الشعراني ج1 ص 68 ط دار العلم للجميع.

[12] كتاب ((التجليات)) (ص 20) من رسائل ابن عربي ط الهند.

[13] من فصوص الحكم لابن عربي فصّ حكمة قدرية في كلمة عزيرية ص 135 .

[14] فصوص الحكم لابن عربي فصّ حكمة نفثية في كلمة شيشية ص 62 , 63 , 64.

[15] وهو غير الإمام الترمذي صاحب السنن

[16] كتاب ختم الولاية الفصل العاشر علامات الأولياء ص 346 , 347.

[17] ختم الولاية للترمذي الحكيم الفصل التاسع ص 344 , 345

[18] المصدر نفسه ص 367

[19] نوادر الأصول للترمذي ص 157 , 158 ط الآستانا.

[20] عبد العزيز بن محمد النسفي عزيز الدين صوفي. من تصانيفه: آداب السلوك، زبدة الحقائق، المقصد الأقصى، منازل السائرين.توفي سنة 686هـ، - 1287 م.

[21] (زبدة الحقائق) - النسفي عزيز الدين بن محمد

[22] كشف الحقائق لعزيز الدين النسفي بتصحيح وتعليق دكتور أحمد مهدوي طبعة فارسية ص 102ط طهران

[23] انظر مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية ج 4 ص 57 ط دار الكتب العلمية بيروت لبنان وكذلك ج 11 ص 444.

[24] غيث المواهب العلية للنفزي الرندي ج1 ص 235 بتحقيق الدكتور عبد الحليم محمود.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #27  
قديم 08-21-2014, 07:45 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,154
ورقة الملائكة في المعتقد الشيعي

الملائكة في المعتقد الشيعي*
ــــــــــــــ

25 / 10 / 1435 هــ
21 / 8 / 2014 م
ـــــــــــ




يبدو أن مسألة الإمامة طغت على جميع معتقدات الشيعة وأفكارهم, حيث لا يخلو باب من أبواب العقيدة إلا وموضوع الإمامة يتخلله ويتصدره, فبعد أن جعلوا منزلة الأئمة فوق منزلة الرسول والنبي, وبعد أن غالو في مكانتهم حتى نسبوا لهم بعض صفات وأسماء الله الحسنى, ها هم يقحمون الأئمة في أركان الإيمان أيضا.

وإذا كانت أركان الإيمان عند أهل السنة والجماعة هي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر, فإن تفاصيل هذه الأركان عند الشيعة مختلفة تماما عما هي عند أهل السنة, وسنخصص الحديث في هذا التقرير بإذن الله عن عقيدة الشيعة في الملائكة.

وبينما يؤمن أهل السنة والجماعة بوجود ملائكة خلقها الله تعالى من نور, لا يأكلون ولا يشربون ولا يتصفون بذكورة أو أنوثة, لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} التحريم/6.

كما يعتقد أهل السنة أن للملائكة أعمالا شريفة يقومون بها, كالنزول بالوحي على الأنبياء والمرسلين, وهو ما اختص الله به جبريل عليه السلام, وكتابة أعمال الإنسان من حسنات وسيئات, وقبض الأرواح الذي اختص به ملك الموت, وغير ذلك من المهام الكثيرة التي أمرهم الله تعالى بالقيام بها, والمثبتة بنصوص واضحة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله الصحيحة.

قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} الشعراء/193, وقال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ق/18, وقال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} السجدة/11.

أمام هذا الاعتقاد بالملائكة الواضح والبسيط وغير المعقد نجد الشيعة يخالفون هذه الآيات والأحاديث, ويعتقدون بأمور تتعلق بالملائكة ما أنزل الله بها من سلطان, وليس لها أي دليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم, اللهم إلا أخبارا وروايات نقلوها عن أئمتهم والأئمة منها براء.

ويمكن اختصار أهم عقائد وأفكار الشيعة في الملائكة يما يلي:

1- يعتقدون أن الملائكة خلقوا من نور الأئمة وليس من نور فحسب, وقد جاء في بعض أخبارهم: (خلق الله من نور وجه علي بن أبي طالب سبعين ألف ملك يستغفرون له ولمحبيه إلى يوم القيامة) بحار الأنوار للمجلسي 23/320, وأحيانا يقولون: (خلق الله تعالى الملائكة من نور علي) المعالم الزلفى ص249.

وهو مخالف تماما للحديث الصحيح عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: (خُلِقَتِ الْمَلاَئِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ)صحيح مسلم برقم 7687.

2- يعتقدون أن الملائكة خلقوا لخدمة أئمتهم وخدمة محبيهم, فجاء في بحار الأنوار: (إن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا) 26 /335, وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله قال: (إن الملائكة لتنزل علينا في رحالنا, وتتقلب في فرشنا, وتحضر موائدنا, وتأتينا من كل نبات في زمانه رطب ويابس, وتقلب أجنحتها على صبياننا, وتمنع الدواب أن تصل إلينا, وتأتينا في وقت كل صلاة لتصليها معنا, وما من يوم يأتي علينا ولا ليل إلا وأخبار أهل الأرض عندنا وما يحدث فيها, وما من ملك يموت في الأرض ويقوم غيره إلا وتأتينا بخبره وكيف كانت سيرته في الدنيا) بحار الأنوار 26/356

وهذا بلا شك انحراف كبير عن منهج العقيدة الإسلامية الصحيحة, وهو ناجم عن انحرافات عقدية سابقة تتمثل باضفاء الشيعة على أئمتهم بعض صفات الربوبية والألوهية والعياذ بالله, وما يترتب عليها من علم الغيب والتصرف بشؤون الكون والخلق وغير ذلك, فلا غرابة بعد كل تلك الانحرافات العقدية أن تكون الملائكة خدما للأئمة عندهم.

3- تطاولوا على جبريل عليه السلام, وزعموا -في حديث طويل جاء في آخره– (أن جبريل دعا ربه ليكون خادما للأئمة فقالوا: فجبريل خادمنا) بحار الأنوار 26/344.

وقد رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: (فتسمية جبريل رسول الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم خادما عبارة من لا يعرف قدر الملائكة وقدر إرسال الله لهم إلى الأنبياء ..) منهاج السنة 2/158, وكيف يطلق هذا اللقب الوضيع على من وصفه الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِين} التكوير19-21.

4- يزعمون أن بعض ملائكة الرحمن لا وظيفة لهم إلا البكاء على قبر الحسين والتردد لزيارته, وقد جاء في كتبهم عن ذلك: (وكل الله بقر الحسين أربعة آلأاف ملك شعث غبر يبكونه إلى يوم القيامة) وسائل الشيعة10/318 وفروع الكافي1/325, بل غالوا في ذلك إلى القول بأن زيارة قبر الحسين هي أمنية أهل السماء, وقد جاء في بعض كتبهم: (وليس شيء في السموات إلا وهم يسألون الله أن يؤذن لهم في زيارة الحسين ففوج ينزل وفوج يعرج) التهذيب للطوسي 2/16 وعلل الشرائع ص13.

5- الملائكة في روايات الشيعة مكلفون بمسألة الولاية, والمخالف منهم في أمر الولاية يعاقب –في زعمهم– حتى إن أحد الملائكة عوقب بكسر جناحه لرفضه ولاية أمير المؤمنين علي رضي الله عنه, ولم يبرأ إلا حينما تمسح وتمرغ بمهد الحسين. بصائر الدرجات ص20 وبحار الأنوار 26/341

ولا يخفى على كل مسلم أن هذه الكلام مخالف لأبجديات العقيدة الإسلامية الصحيحة, فالملائكة مخلوقون لعبادة الله وطاعته وتنفيذ أمره, وهم تبعا لذلك غير مكلفين كالبشر, فلا ثواب يترتب على أفعالهم ولا عقاب.

6- يزعم الشيعة أن حياة الملائكة موقوفة على الأئمة والصلاة عليهم, لأنه حسب قولهم: (ليس لهم طعام ولا شراب إلا الصلاة على علي بن أبي طالب ومحبيه, والاستغفار لشيعته المذنبين, كما أن الملائكة لا يعرفون تسبيحا ولا تقديسا من قبل تسبيح الأئمة وتسبيح شيعتهم) بحار الأنوار 26/349.

7- يزعمون أن الملائكة تراعي أمر الشيعة على وجه الخصوص, فإذا خلا الشيعي بصاحبه اعتزلهم الحفظة فلم يكتبوا عليهم شيئا, وقد جاء في كتبهم عن ذلك: (أن الشيعي إذا التقى بالشيعي يتساءلان قالت الحفظة: اعتزلوا بنا, فإن لهم سرا وقد ستره الله عليهما) وسائل الشيعة 8/563.

وهذا مخالف لصريح نص قول الله تعالى في القرآن الكريم: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} الزخرف/80, وقوله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} ق/17-18.

8- قام الشيعة بتأويل أسماء وألقاب الملائكة التي جاءت في القرآن الكريم بالأئمة, أو جعلوا وظائف الملائكة لأئمتهم, وقد عقد المجلسي بابا يظهر هذا الأمر وهو: ( باب أنهم –أي الأئمة– عليهم السلام الصافون والمسبحون وصاحب المقام الملعوم وحملة عرش الرحمن وأنهم السفرة الكرام البررة) بحار الأنوار 24/87, وهو ما يعني أنهم يقتربون من إنكار الملائكة من خلال إنكار وظائفهم وخصائصه وما شرفهم الله تعالى به.

يبدو مما أوردناه في هذا التقرير عن اعتقاد الشيعة بالملائكة أنه غريب وعجيب, بل هو في غاية الفظاعة والشناعة لمن كانت فطرته سليمه وإيمانه ومعتقده صحيح, أما من تلوثت عقيدته بمصائب وكوارث أعظم وأدهى مما ذكرناه, كما هو الشأن عند الشيعة الإمامية, فقد يستسهل الإيمان بمثل هذه العقائد الباطلة والزائفة.

وما يزال المخفي من أمثال هذه الطوام أكثر من المعروف منها عند هذه الفئة الضالة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #28  
قديم 09-08-2014, 07:53 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,154
ورقة أثر الأديان والفلسفات على التصوف

أثر الأديان والفلسفات على التصوف*
ــــــــــــــــــ

13 / 11 / 1435 هــ
8 / 9 / 2014 م
ـــــــــــ





إذا كان إعلان العداء للإسلام فكرا وعقيدة, وممارسة الاضطهاد والتنكيل بحق أتباعه وأهله شعار المرحلة الحالية, نظرا لضعف المسلمين في مقابل قوة عدوهم, فإن الإسلام لم يسلم من كيد وخبث هؤلاء الأعداء حتى في مرحلة قوة المسلمين وبأسهم, من خلال بث التفرقة والعصبية في صفوفهم, وادعاء اعتناق الإسلام لبث الأفكار الضالة والعقائد الفاسدة بينهم, والتي تجد قبولا لدى بعض الجهال وأصحاب المطامع والأهواء.

ولعل من أخطر الأفكار الضالة التي تسللت إلى العقيدة الإسلامية هي الصوفية, التي استقت نظرياتها وتعاليمها وطقوسها من بعض الأديان القديمة كاليهودية والنصرانية والديانات الهندية, ومن بعض الفلسفات الأجنبية كالفلسفة اليونانية, ناهيك عن تأثرها بالمجوسية والفارسية.

و رغم الجدل القائم بين الباحثين حول أسس ومؤثرات نشأة التصوف الإسلامي, بين من يذهب إلى كونه مؤسس في الأصل على نصوص الوحي منذ نشأته , إلى أن شابته الشوائب التي حرفت عن مساره الصحيح, ومن قائل بأنه اسم للزهد المتطور الذي خالطته الثقافات الخارجية فولدت نوعا جديدا من التصوف, إلى ثالث يقول بأنه لا ارتباط للتصوف بتعاليم الإسلام أصلا, بل هو فكر يستمد أصوله من غير الإسلام أساسا, إلا أنه يكاد يجمع الباحثين على تأثر التصوف بالديانات القديمة والفلسفات الأجنبية.

وفي هذا التقرير سنحاول التركيز على النصرانية والديانات الهندية والفلسفة اليونانية كأهم وأبرز المصادر التي أثرت في وجود نظريات وتعاليم وطقوس الصوفية.

1- النصرانية: يظهر تأثر الصوفية ببعض عقائد وأفكار النصرانية من خلال:

· ألفاظ نصرانية استخدمها بعض قدامى رموز الصوفية كلفظي "الناسوت" و"اللاهوت" المأثور استعمالهما عن الحلاج, ومن المعلوم أن القول بحلول اللاهوت – الخصائص الإلهية - في الناسوت – الطبيعة البشرية – ادعته النصارى في عيسى بن مريم عليه السلام. (1)

· ما يوجد في مراجع التصوف الأصلية من قصص لبعض الصوفية من قصدهم الرهبان والاختلاف إليهم لتلقي المعرفة, إضافة لتعظيم رهبانية النصارى من خلال الاعتزال بالصوامع وقمم الجبال مما استقته الصوفية منهم. (2)

· مظاهر الشبه القوية بين حياة الزهد الصوفية وتعاليمهم ومجاهاتهم فيها, وما يقابله من الأحوال والأقوال المنسوبة للمسيح عليه السلام وأحوال الرهبان والقسيسين عند النصارى.

ومن أمثلة ذلك ما جاء في العهد الجديد: (فحسن للرجل أن لا يمس امرأة), وجاء ما يشابهه في قول أبي لسيمان الداراني: ( ثلاثة من طلبهن فقد ركن إلى الدنيا : من طلب معاشا أو تزوج امرأة أو كتب الحديث) (3).

2- الديانات الهندية: لعل من أوائل من كشف الصلة بين التصوف والديانات الهندية أبو الريحان البيروني, كما برهن على استمداد التصوف أصوله الفكرية من الديانات الهندية كبار المستشرقين المعنيين بالتصوف كما نقله أبو العلا عفيفي في مقدمته لكتاب "نيكولسون".

ويدلل الدكتور علي زيعور على بعض نقاط الالتقاء والشبه بين الأفكار الهندية والتصوف الإسلامي في كتابه "الفلسفات الهندية" ومن أبرزها:

· المريد الصوفي شديد الشبه بما يسميه الهنود مرحلة التلميذ ثم البادئ المتميز "انتيفاشين" ثم "ادهيكارين" .

· الصوفي الفاني عن ذاته هو نفسه "غورو" الذي فقد الشعور بالدنيا والحس و"البهكشوا" تعبيرا عن حالة الوجد عند الصوفية.

· المسشبحة مأخوذة من الهند, وكذلك الخرقة والركوة والعصا أدوات لها نفس الدلالة عند الجانبين.

· "النرفانا" والفناء في الله مفهومان يتحققان بنفس الطرائق ولهما نفس الغاية مع بعض الفروقات, كما أن المراقبة والتأمل وضرب الإنسان نفسه "تاباس" هي طرائق ومكابدات متماثلة.

· مبدأ "أهمسا" الهندي – اللاعنف – انتقل إلى التصوف فوجدنا البسطامي يعود مسافات طويلة ليرجع نملة - دخلت زاده تحت شجرة – إلى مكانها الأصلي.

· التناسخ والحلول ووحدة الوجود تشبه ألوانا هندية, وكذلك الأساطير عن قوة الصوفي الخارقة نجد لها جذور هندية.

· الأقوال المكثفة وأساليب التعبير الصوفية بجمل قصيرة ومثقلة تجد في الهند نظيرها.

· بعض أشكال ***** والشعوذة وما يسى بالطب ********, وكتابة التعاويذ وما إلى ذلك من الطقوس الهندية تأصلت في الذات العربية عن طريق بعض المتصوفينب شكل خاص. (4)

3- الفكر اليوناني: اعتبر كثير من الباحثين أن الكلام في الإلهيات الذي نشأ في التصوف مأخوذ من الغنوصية والأفلاطونية المحدثة.

أما التأثر بالغنوصية (5) فقد دخلت فكرة الثنائية الغنوصية بين الله والمادة في عقائد الصوفية كما يؤكد الدكتور علي سامي النشار في كتابه "نشأة الفكر الفلسلفي في الإسلام", فأصبح محمد صلى الله عليه وسلم هو أول الصادرات عن الله تعالى, ومنه صدرت المخلوقات , وهذه العقيدة تعرف عند الصوفية بالإنسان الكامل أو الحقيقة المحمدية, كما ذكر الدكتور النشار بعض الشخصيات الغنوصية الصوفية: كالحلاج والسهروردي وابن عربي. (6)

وأما عن تأثر الصوفية بالأفلاطونية المحدثة (7) فيقول الدكتور قاسم غني: إن طريق الحصول على التمتع الأبدي عند الأفلاطونية المحدثة هو بتطهير النفس السفلية, عن طريق التجرد من الشهوات الجسمانية والميول الحسية وممارسة الفضائل الأربعة: العفة والعدل والشجاعة والحكمة, والتي يسميها المتصوفة بعد إجراء بعض الحذف والإضافة عليها "حكمة الإشراق".

ويمثل الدكتور قاسم على هذا التشابه أن الصوفي الزاهد الذي يغض الطرف عن الدنيا وما فيها بحكم أنها فانية, ويتعلق خاطره بما هو خالد, يشعر بلذة الرضا في فلسفة أفلوطين, كما أن فكرة وحدة الوجود في الفلسفة الأفلوطونية جذب أنظار الصوفية الذين يرون أن على السالك أن يطير بجناح العشق إلى الله, وأن يحرر نفسه من قيد وجوده الذي ليس إلا مظهرا فحسب, وأن ينمحي ويفنى في ذات الله أي في الموجود الحقيقي.

كما أن تأثر الصوفية بكتاب "اتولوجيا أرسطو طاليس" بدأ منذ القرن الخامس الهجري كما يرى عبد الرحمن بدوي , وبالأخص بنظرية الفيض كما نجده عند السهروردي وابن عربي. (8)

وإذا كانت مصادر الصوفية تعتمد على كل هذه الديانات المحرفة أو المخترعة, وعلى فلسفات بعيدة كل البعد عن نظرة الإسلام للكون والإنسان والحياة, فإنها بلا شك غير صالحة لأن تنسب إلى الدين الإسلامي من قريب أو من بعيد, بل الأقرب أن تنسب إلى تلك الديانات والفلسفات والأفكار الباطلة.

ــــــــــ

الفهارس

(1) مدخل للتصوف الإسلامي أبو الوفا الغنيمي 34

(2) إحياء علوم الدين للغزالي 1/226

(3) غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية 1/208

(4) الفلسفات الهندية 90 – 91 وكذلك : التصوف المنشأ والمصدر/ إحسان ظهير

(5) الغنوصية : كلمة يونانية تعني المعرفة بالحدس التجريبي الحاصل باتحاد العارف بالمعروف .

(6) نشأة الفكر الفلسلفي في الإسلام 1/186

(7) الأفلاطونية المحدثة : مذهب قام على أصول أفلاطونية تمثل عناصر من جميع المذاهب فلسفية ودينية , يونانية وشرقية .

(8) تاريخ التصوف في الإسلام / قاسم غني 142 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الميدان, الميسرة, المعاصرة, الموسوعة, والمذاهب, والأحزاب


يتصفح الموضوع حالياً : 2 (0 عضو و 2 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لماذا تتعثر الثورات في بلاد الطوائف والمذاهب والقبائل؟ Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 02-29-2016 09:38 AM
الأسباب الميسرة لقيام الليل _2_ صابرة شذرات إسلامية 1 06-26-2015 08:18 AM
الأسباب الميسرة لقيام الليل ! صابرة شذرات إسلامية 0 06-21-2015 10:38 AM
إسرائيل بيتنا والأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب بسبب خلافات مع نيتانياهو يقيني بالله يقيني أخبار الكيان الصهيوني 0 05-11-2012 05:40 AM
الاراء والمذاهب الفكرية عن الطبيعة البشرية وموقف الاسلام منها محمد خطاب الكاتب محمد خطاب ( فلسطين) 0 01-23-2012 12:30 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 04:50 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59