#8  
قديم 06-02-2014, 12:21 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

الصخرة المقدسة والأقصى وما في الحرم الشريف من مزارات". وعدهم الناصر صاحب الكرك والصالح صاحب دمشق والمنصور صاحب حمص بجزء من مصر عندما يتم التغلب على الملك الصالح نجم الدين. ولكن عسكر نجم الدين بمساعدة الخوارزميين هزم الفرنج ومن حالفهم "وأخدت الفرنج سيوف المسلمين فأفنوهم قتلا وسبيا ولم يفلت منهم إلا الشارد والنادر ... ووصل أسرى الفرنج راكبين الجمال والمقدمون على خيولهم" وأبى الخليفة المستعصم، آخر بني العباس في بغداد، أن يؤيد ملوك الأيوبيين في حلفهم مع الإفرنج. وروى المنصور صاحب حمص "أوقع الله في
(1/5007)
قبي أنا لا ننتصر لا نتصرانا بالكفار على المسلمين".
ووصف ابن واصل تسليم القدس للفرنج عندما مر بها في طريقه إلى مصر فقال"وسافرت في أواخر هذه السنة (651 - ربيع 1244) إلى الديار المصرية. ودخلت بيت المقدس ورأيت الرهبان والقسوس على الصخرة المقدسة وعليه قناني الخمر برسم القربان. ودخلت الجامع الأقصى وفيه جرس معلق. وأبطل بالحرم الشريف الآذان والإقامة وأعلن فيه الكفر. وقدم الملك الناصر داود القدس في ذلك اليوم الذي زرت فيه المقدس، ونزل عزيي القدس فلم أجتمع به خفية أن يصدني عن الوصول إلى الديار المصرية".
(1/5008)
وكان ابن واصل محبا مخلصا للناصر لولا هذا الحادث الرهيب. ولكن الاحتلال الجديد لم يدم أكثر من سنة. إذ اجتاح الخوارزميون القدس وذبحوا الفرنج عن بكرة أبيهم.
هكذا كان الحكام. قال المؤرخون عنهم "ولا يستغرب في حقهم أن يهدموا أساس الشريعة ليبنوا منارة رياستهم. فشراع أفئدتهم تلعب بها رياح الشهوات فتلقي سفينة قلوبهم على بحر القنوط من رحمة الله". وسيتبين أن ما فعله الملوك الأيوبيون في المشرق مماثل لما فعله السادة السعديون في المغرب عندما تخلوا عن مدينة العارئش.
(1/5009)
فقد أصدر السلطان المولى إسماعيل العلوي مرسوما غريبا موجها إلى أهل تمبكتو في مالي. وتمبكتو مدينة أسسها المرابطون بعد سنة من ضياع القدس الأول. أما المرسوم السلطاني فقد صدر بعد ذلك بستة قرون - في 22 ربيع أول 1103 الموافق الثالث عشر من كانون الأول 1691، وينص على منع "لبس السباط الأسود" ويأمر بلبس السباط الأصفر "ما قيل من أن الناس اتخدوا النعال السود منذ استولى النصارى على العرائش على يد المأمون السعدي" حدادا على المدينة. واستمر الحداد ثمانين عاما.
(1/5010)
وكانت العارئش مدينة خربة من 668/1269 - 910/1473، حينما استولى عليها البرتغاليون وعمروها. فأخرجهم المنصور السعدي عام 986/1578 بعد نصره في المخازن. وأقدم ابنه المأمون الشيخ على تسليمها للإسبان في 4 رمضان 1019/20 تشرين الثاني 1610، مثيرا بذلك فتنة وتساؤلات خطيرة. فقد أراد المأمون من الفقهاء أن يفتوا بأن فداء المسلمين لا سيما أولاد أمير المؤمنين من يد العدو الكافر يجيز إعطاء الكافر بلدا من بلاد المسلمين. ورفض الفقهاء بأشكال مختلفة إصدار الفتوى باستثناء محمد بن قاسم بن القاضي. واختفى إمام القرويين
(1/5011)
وخطيبها المفتي أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد المقري (1041/1631) صاحب "نفح الطيب" وهاجر إلى المشرق 28 رمضان 1027. ومات في مصر رجب 1041.
ورفض الشيخ أبو عبد الله بن الشيخ أبي الحسن على الحاج الأغصاوي من بلدة غصاوة، أن يفتي لأمير المؤنين بما أراد. وقال الشيخ الأغصاوي للسلطان "لو حمل أهل الغرب خراجا يدفعونه للنصارى في فكاك المأسورين لكان أهون". فخالفه السلطان بأنه لابد من بيع المدائن المذكورة. فصرح الأغصاوي بأن المأمون "تنقض بيعته بهذا السبب". فأنفذ السلطان إليه قوة أتت به وقتل صبرا وضربا
(1/5012)
وشهيدا "وقبره شهير بطالعة فاس يزار ويتبرك به". وفر عدد من العلماء إلى البادية واختفى آخرون.
وكان ممن أفتى يجواز تسليم العرائش، الفقيه محمد بن قاسم ابن القاضي واختفى بعد الحادثة خوفا ثم ظهر. وهجم عليه العامة في الجامع "عند العشاء يوم الإثنين 21 حجة 1140/ وقتلوه ضربا. نقموا عليه وحقدوا بسبب تعلقه "بأغراض فاسدة وأمور واهية لم يقبلها أحد".
وبدأ السلطان الشيخ المأمون بن المنصور جولة تعسفية في المناطق الشمالية. واستولى على تطاوين وأخرج منها "كبيرها المقدم المجاهد أبا العباس أحمد النقيس". ولم يزل يجول
(1/5013)
ويعسف أهلها إلى أن ملته القلوب وتمالا أشياخ على قتله لما رأوا من انحلال عقيدته ورقة ديانته وتمليكه ثغر الإسلام للكفار، ففقتك به المقدم أبو الليف في وسط محلته بموضع يعرف بفج الفرس وبقي صريعا مكشوف العورة أياما حتى خرج جماعة ... "فحملوه مع من قتل من أصحابه وبعض أولاده ودفونهم" ... خامس رجب سنة 1022.
وبقيت العرائش بيد الإسبان إلى أن تم تحريرها في عهد المولى إسماعيل العلوي. واستسلمت الحامية الإسبانية يوم الأربعاء الثامن عشر من المحرم سنة إحدى ومائة وألف. ونشر المولى إسماعيل بيانا وزعه على نطاق واسع
(1/5014)
للإعلان عن تحرير العرائش. وتلقى التهانى من كثيرين كان من أبرزهم أول شيخ للأزهر "الشيخ الكبير العالم الشهير الفقيه المشارك العلامة ملحق الأحفاد بالأجداد أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخرشي من آل صباح الخير ..."، الذي أهدى السلطان شرحه على صغرى الشيخ السنوسي بعد الفراغ من تأليفه "يتحفه به ويهنئه بفتح العرائش ويذكر له فرحه بذلك - ويمدحه ...". وأجابه السلطان "بمكتوب بديع من إنشاء بعض أدباء دولته" اختتمه بقوله "وأنا أيها الماجد الدار والقطب الذي عليه بين أفاضل وقته المدار منذ ولانا الله تعالى أمور
(1/5015)
عباده وأقامنا فضلا منه لحياطة دينه وكلاء بلاده، لم نزل نجتهد في جمع الكلمة بحسب الإمكان ونجد في حسم مادة البغي بكل محل من هذه الآفاق الغريبة ونحتفل بطهارة أديم الأرض من ردى الشرك ونبتهل في استئصال شأفة أهل الضلالة".
يستنتج من كل هذا أن الرأي العام في المشرق والمغرب استنكر تسليم المدن.
ولكن طريقة الاستنكار كانت مختلفة. ففي المشرق بكى الناس وأذنوا في غير أوقات
الأذان وألقوا المواعظ دون أن يتهموا الحاكم بكفر أو بخيانة. قبلوا الأمر الواقع محتجين مستنكرين مطيعين. أما في المغرب فقد استنكر الناس
(1/5016)
وتحركوا بعنف. فقد أفتى
الفقهاء بإسقاط بيعة الحاكم المتخاذل مما اتاح لنا قمين أن يقتلوه بشكل مهين. ورفض المصلون غض الطرف عن فقيه أفتى بما يخالف آراء الناس وقتلوه في الجامع بعد عشر سنوات من جرمه، ولم يواجه قتل الفقيه في الجامع اعتراضا من الفقهاء ولا اعتراض أحد على قتل أمير المؤمنين ضربا بالصخور وتركه ملقى بالعراء. وأثنى الناس على عمل المولى إسماعيل وتحريره العرائش وطنجة وغيرها رغم اعتراضهم على كثير من تصرفاته الأخرى. والأغرب من ذلك أن مؤرخي المغاربة لم يسقطوا كلمة "رحمه الله" عن أي من المقتولين
(1/5017)
رغم عدم اعتراضهم على القتل. وحمل سلطان المغرب لقب إمام وأمير المؤمنين وأعلن لنفسه نسبا هاشميا حسنيا بينما لم يحمل السلطان المشرقي أيا من هذه الصفات. ومع ذلك أفتى المغاربة بجواز تجاهل الإمام إذا ما تقاعس عن القيام بواجباته وألزموا الناس بما تخلى عنه الإمام على أساس أن الأمة تقوم مقام الإمام. أما في المشرق فلم يصل التحدي إلى هذا المستوى ولم يبخلوا على الحاكم، مهما رأيهم فيه، بالولاء والطاعة والانقياد.
(1/5018)
والآن وقد ضاعت القدس للمرة الخامسة منذ تحريرها على يد عمر بن الخطاب، يترتب علينا أن نراجع حساباتنا ونقرر أسلوبا يضمن بقاء مبدأ تحرير القدس حيا في فكر العرب والمسلمين إلى أن يتم التحرير الفعلي. وقد وضع اليهود من قبل دعاء لتذكيرهم بالقدس التي لم تكن لهم. وابتدع العرب في المغرب أسلوبا لطيفا طريفا لتذكيرهم بالعرائش يصلح أن يكون نموذجا لمدينة لها وضع خاص في نفوس الجميع. وقد يكون ارتداء شعار مميز يذكر العرب والمسلمين بالقدس أمرا مفيدا. وأقترح صنع قطعة ذهبية أو فضية أو معدنية لا تصدأ، عليها صورة عرق
(1/5019)
زيتون وكلمة يا قدس، ويحمله كل عربي ومسلم.
(1/5020)
القدس؛ أسماؤها بين الحقائق التاريخية وتحديد الهوية العربية

... ... ... ... ... ... الدكتور أحمد محمود صابون
... ... ... كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
... ... ... ... ... جامعة أم القرى ـ مكة المكرمة

... تقع القدس على خط عرض 31° ـ 46° شمال خط الاستواء، وعلى خط طول 35° ـ 13° شرق جرينتش، وعلى مبعدة اثنين وعشرين كيلا إلى الغرب من البحر الميت، واثنين وخمسين كيلاً إلى الشرق من البحر المتوسط، وسبعة أكيال إلى الشمال الشرقي من بيت لحم(1)
__________
(1) عبد الحميد زايد، القدس الخالدة، القاهرة، 1974، ص. 13؛ وكذا:

M. F. Unger, Unger’s Bible Dictionary, Chicago, 1970, p. 576; Dictionary of
the Bible, Ed. by J. Hastings, 2nd. ed., Edinburgh, 1963, pp. 471-472.
(1/5021)
.
... وتقع القدس القديمة على تلين يمتدان جنوباً ليكونا شوكة ذات ثلاث شعب على رأس وادٍ صغير. والثلاث الشعب، التي تتحد عند الركن الجنوبي الشرقي للمدينة كونت حلقة من الانحدار تفصل المدينة عن التلال المجاورة من جميع الجهات فيما عدا الجانب الشمالي. وقد قسمت بعض الوديان الصغيرة التلين الرئيسَيْن إلى تلال صغرى؛ فالتل الغربي انقسم إلى: التل الجنوبي الغربي (جبل صهيون)، والتل الشمالي الغربي، وكما انقسم التل الشرقي إلى التل الشمالي الشرقي، ومنطقة وسطى، وتل جنوبي شرقي، وهذا الأخير (أوفيل) عبارة عن نتوء ضيق
(1/5022)
يبلغ اتساعه حوالي 100 ياردة (91 متراً)، وهو المكان الأصلي للمدينة القديمة. وبمرور الوقت، امتدت المدينة نحو الشمال ونحو الغرب(1).
... ارتبطت القدس بشعب فلسطين(2)
__________
(1) الموسوعة الأثرية العالمية، إشراف ليوناردو كوتريل، ترجمة د. محمد عبد القادر محمد، ود. زكي إسكندر، مراجعة د. عبد المنعم أبو بكر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1977، ص. 188.
(2) التعبير التوراتي »أرض كنعان« إنما يغطي كل فلسطين غرب الأردن. (انظر: إسحاق الحسيني، "أسماء فلسطين"، مجلة مجمع اللغة العربية، مؤتمر الدورة السابعة والثلاثين ـ القسم الثاني ـ البحوث، القاهرة، 1391 هـ/ 1976 م، ص ص. 9 ـ 19؛ وكذا محمد بيومي مهران، دراسات في تاريخ الشرق الأدنى القديم (8) إسرائيل، الكتاب الثاني، التاريخ، الإسكندرية، 1398 هـ/ 1978 م، ص ص. 514 ـ 522 وكذا:
A. Lods, Israel, From its Begining to the Middle of the Eighth Century, London,
1962,
p. 56; R. Giveon, « Palastina », LA, IV, sps, 642-644.
(1/5023)
منذ أقدم العصور. فقد سكن الإنسان في منطقتها مند عصور ما قبل التاريخ، وهناك آثار اكتشفت له فيها تعود إلى العصر البلستوسيني، وآثار العهد الباليوليتي. وقد استقر المناخ فيها وأصبح كما هو اليوم في العهد الميسوليثي. وهناك موقعان في المدينة يرتبط وجودهما بتلك الفترة. ويشار إلى ستة عشر موقعاً تعود إلى العهد النيوليتي، الذي لاشك في أن الإنسان قد مر فيه بمرحلة انتقال مهدت إلى إحداث ثورة اقتصادية هامة في حياته، والتي أدت إلى نقلته نحو إنشاء القرى الأولى والاستقرار فيها ومواصلة تقدمه الجديد في كافة
(1/5024)
المجالات المادية والفكرية، وبادئاً بذلك المرحلة الحاسمة، وهي مرحلة العصر الحجري الحديث(1)
__________
(1) رشيد الناضوري، المدخل في التحليل الموضوعي المقارن للتاريخ الحضاري والسياسي في جنوب غربي آسيا وشمال إفريقيا، الكتاب الأول، دار النهضة العربية، بيروت، 1968، ص. 117؛ وكذا أحمد صدقي الدجاني، »القدس وفلسطين في التاريخ«، مجلة الأكاديمية، العدد الثاني، المملكة المغربية، جمادى الأول 1405 هـ/ فبراير 1985 م، ص. 39؛ وكذا:
M.K. Kenyon, Archaeology in the Holy Land, London, 1965, pp. 41-43; M. Grant,

The History of Ancient Israel, New York, 1984, pp. 11-17; W. Bray and D. Trump,
The Penguin Dictionary of Archaeology, Penguin Reference Books, 2nd., 1984,
p. 125.
(1/5025)
.
... ظهرت القدس بصفتها مدينة في بدايات العصر البرونزي، حيث كان بناؤها، تقريباً، حوالي الألف الرابع قبل الميلاد (3300 ق. م) لتخدم غرضين: أحدهما دفاعيٌّ والآخر دينيٌّ(1).
... لقد تعددت أسماء مدينة القدس، حيث وردت في النصوص المصرية القديمة والآشورية والكتابات اليهودية والمسيحية، وأيضاً كتابات المؤرخين الإغريق والرومان
__________
(1) محمود العابدي، »الحفريات حول العالم«، حولية دائرة الآثار العامة، السابع عشر، عمان 1972، ص. 23؛ وكذا:
Dictionary of the Bible, pp. 472-473; M. Grant, op. cit., pp. 19, 58.
(1/5026)
والمسلمين.
...
أولاً: النصوص المصرية القديمة
... 1 ـ أوش ـ أمم 3
W ? 3 m m
... لقد ورد هذا الاسم في بعض النصوص المصرية بأشكال ثلاثة لكتابة هذا الاسم: ورد ذكر اسم المدينة في نصوص اللعنة(1)
__________
(1) عُرفت بين علماء المصريات باسمي
Execration ****s و ****es d’envoutement ؛ وكتبت بالخط الهيراطيقي على أواني من الفخار وتماثيل من الطين لأسرى موثوقين، وكانت تكسر هذه الأشياء وتدفن بجوار الميت في طيبة وسقارة، وهي عبارة عن قوائم بأسماء أشخاص، وأشياء أخرى كان ينظر إليها على أنها ربما تضر المتوفّى ومليكه، وتضم إلى جانب مختلف الأضرار العامة، أسماء المتوفين من المصريين، التي كانت أرواحهم الشريرة الخالدة، ربما تسبب ضرراً، وكذلك أسماء كثير من الأمراء الأجانب، والناس الذين لم يوضعوا تحت الرقابة، يحتمل أن يشكلوا تهديداً لأمن مصر وتقدمها. (انظر: عبد الحميد زايد، مصر الخالدة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1966، ص. 388؛ وكذا: عبد الحميد زايد، القدس الخالدة، ص, 41؛ وكذا: (W. A. Ward, « Egypt and the East Mediterranean in the Early Second Millennium B. C. », Orientalla, Vol. 30, Roma, 1961, p. 32).
(1/5027)
، والتي ترجع إلى أواخر القرن التاسع عشر قبل الميلاد، أي إلى نهايات الدولة الوسطى، حوالي 1850 ق. م ـ 1800 ق. م(1)، وذلك ضمن ما ورد من الأقاليم المراد تدميرها(2)
__________
(1) هناك من يرى أن هذا النص إنما يرجع إلى أيام سنوسرت الثالث (1878 ـ 1843 ق, م) من الأسرة الثانية عشر أو بعده بقليل وربما قبله بقليل. (انظر:
J. A. Wilson, « Egyptian Rituals and Incantations-The Execration of Asiatic Princes », ANET, p. 328, n. I).
(2)
G. Posener, « Achtungs****e », LAI, SP, 69. ؛ وانظر: عصام محمد السعيد، نصوص التدمير والهلاك لأعداء مصر. دراسة لغوية ـ أثرية ـ تاريخية، رسالة دكتوراه (غير منشورة)، كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، 1993، ص ص. 202 ـ 203.
(1/5028)
على أواني برلين مرتين بالصيغة المعتادة، التي تذكر اسم المدينة وحاكمها وكل التابعين له، كما يلي:

أ: ... ... ... ... ... ... ... ... ... (1)
__________
(1)
K. Sethe, Die Achtung Feindlicher Fursten, Volker, und Dinge auf Alt,
Agyptischen tong Fassacher ben des Mittleren Reiches, Berlin, 1926, p. 53;
J. H. Breasted, Ancient Record of Egypt, Vol. 4, Chicago, 1927, par. 724 A;
W. Helck, Die Beziehungen Agyptens zu Vorderasiem in 3. und 2. Jahrtausend v.

Chr., AA5, 1962 (2nd ed., 1971, s.s. 48, 58; J. A. Wilson, op. cit., p. 329;
S. Ahituv, Canaanite Toponyms in Ancient Egyptian ********s, Jerusalem,
p. 122.
(1/5029)
... ... ... ... ... ... ... ... ...
... ...
H K 3 n 3 W? 3 mm Iy - K 3 - mw skryw ntyw hnc .f
»حكام أوشامم، "إي ـ قاع ـ مو"، وكل توابعه الذين كانوا معه،..«
ب: 3
W - ? 3m m ... ... ... ... ... (1)

جـ: أو بزيادة حرف الياء 4:
(2) ... ... ... ... ... ... 3
W? 3m m i ... ...
... إن الاسم أوش ـ أمم، هو بالنطق المصري القديم للمدينة، بينما يرى البعض أن الاسم ينطق يورشاليم(3)
__________
(1)
S. Ahituv, Canaanite Toponyms in Ancient Egyptian ********s, Jerusalem,
1984,
p. 122.
(2)
Ibid.
(3) إسحق موسى الحسيني، عروبة بيت المقدس، منظمة التحرير الفلسطينية، بيروت، 1969، ص. 30؛ وكذا:
Lexicon in Vetris Testamenti Libros, Leiden, 1951, p. 403; .
(1/5030)
، حيث يرى كَوتييه ((Gauthier(1) أن »شالم« التي وردت في سجلات رعمسيس الثاني في معبد الرمسيوم، تعني القدس. وإن كان Ahituv(2) وHelck(3) لم يطابقاها بالقدس، وإن أقرَّا أنها تعني بالعبرية Salam، أي »سلام«، ولكنهما لم يستطيعا تحديد ومعرفة هذه المدينة.

... 2 ـ يوروسالم ((
Urusalim
__________
(1)
H. Gauthier, Dictionnaire des noms géographiques, V, Caire, 1929, p. 104.
(2)
Ahituv, op. cit., p. 122.
(3)
Heleck, op. cit., pp. 208-209.
(1/5031)
... ورد ذكر هذا الاسم في رسائل العمارنة(1)، حيث في بعضها كتب عبدى خيبا(2) في رسائله أن مدينة
__________
(1) انظر عن رسائل العمارنة وعصرها: محمد بيومي مهران، أخناتون، الإسكندرية، 1979، ص ص. 233 ـ 245؛ وكذا:
S. A. B. Mercer, The Tell El-Amarna Tablets, 2 vols., Toronto, 1939;
W. F. Albright, « Akkadian Letters-The Amarna Letters », ANET, pp. 487-
489;
J. Kemp Barry, « Tell El-Amarna », La, VI, sps. 309-319; W. Helck,
«
Amarna-Brief », LA, I, sps. 173-174.
(2)
W. Helck, « Abdi-Hepa », LA, I, sps. 2-3.
(1/5032)
القدس كانت باسم يوروسالم ((Urusalim(1)، إلى الفرعون إخناتون (1367 ـ 1350 ق. م) من ملوك الأسرة الثامنة عشرة، ومنها على سبيل المثال (وإن كانت أسطر رسائل العمارنة باللغة الأكدية، لغة المراسلات الدبلوماسية آنذاك)(2): »تأمل! لم يضعني والدي ووالدتي في هذا المكان، بل لقد أقامني في هذا البيت ملك والدي (أي
__________
(1) -
S. A. B. Mercer, op. cit., II, 711-721; W. F. Albright, « Akkadian Letters The Amarna Letters-EANOS. 286-290 », ANET, pp. 487-489.
(2)
Cf. C. Aldred, Akhenaten, Great Britain, 1972, p. 142.
(1/5033)
نصبني في الإمارة) ساعد الملك« (1).

ثانياً: النصوص الآشورية
... ورد اسم المدينة في النصوص الآشورية باسم: أوروسليمو (أورشاليمو)
Ur-Sa-Li-im-mu

... جاء في حوليات الملك الآشوري سنحريب (705 ـ 681 ق. م) في حملته الثالثة على سورية وفلسطين وحصاره لمدينة القدس:

... المواطنون (العامة) الذين أذنبوا في جرائم غير خطيرة، اعتبرتهم أسرى حرب. أما البقية منهم، والذين لم يتهموا في الجرائم وسوء السلوك، أعتقهم. جعلت
__________
(1) أحمد فخري، مصر الفرعونية، القاهرة، 1971، ص. 235؛ وكذا:
S. A. B. Mercer, op. cit., 286-289.
(1/5034)
"بادئ"، مليكهم يأتي من أورساليمو Ur-Sa-Lim-mu (أورشليم) ونصبتهم كأسيادهم على العرش، فارضاً عليه جزية (واجبة الأداء) لي (كـ) سيد أعلى(1)
__________
(1) عبد العزيز صالح، الشرق الأدنى القديم، الجزء الأول، مصر والعراق، الطبعة الثالثة، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1979، ج 1، ص. 525؛ وكذا:
D. D. Luckenbiolle, Ancient Records of Assyria and Babylonia (Sennacherib; The
Historical ****s) , Vol. II, Chicago, 1927, Chap. V, Paris, 240, 312, pp. 120-143;

A. Leo Oppenheim, « Babylonian and Assyrian Historical ****s-8-Sennacherib
(681-704) (
a) The Siege of Jerusalem », ANET, p. 288; M. F. Unger, op. cit., p. 576.
(1/5035)
.

... إن ورود الاسم ـ بحرف السين حيناً، وبحرف الشين حيناً آخر ـ مألوف في اللغات السامية، فهذان الصوتان يتبادلان، ولهما أمثلة كثيرة أقربها سلام وشلوم وسم وشم في العربية والعبرية.

ثالثاً: الكتابات اليهودية:
... 1 ـ شاليم (
Shulman) Shalem
... جاء ذكر هذا الاسم للمدينة، بمناسبة قدوم إبراهيم(1)
__________
(1) انظر دراسة تاريخيّة تفصيلية عن إبراهيم عليه السلام: محمد بيومي مهران، دراسات تاريخية من القرآن الكريم (1) في بلاد العرب، (5) لجنة البحوث والتأليف والترجمة والنشر، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1400 هـ/ 1980 م، ص ص. 113 ـ 138,
(1/5036)
(أبرام)، عليه السلام، إلى أر ض كنعان، منتصراً على أعدائه. إذ خرج الملوك لاستقباله، ومنهم: »ملكي صادق(1)
__________
(1) اسم ملكي صادق مكون في اللغة الفينيقية من مقطعين: "ملك" و"صادق" أو "عظيم" و"مقدس". وقد بقي اسم صادق في تاريخ أورشليم. ففي أيام داود وسليمان ـ عليهما السلام ـ نجد طائفة من الكهنة تحمل اسمه وتسمى طائفة الصدوقيين، وهم مميزون عن اللاويين. كما أن اسم »ملكي صادق« كان يشكل جزءاً من اسم حكام أورشليم من الكهنة، مما يدل على أهمية المدينة الدينية قبل العهد اليهودي، لأن عَجُزَ الكلمة يعني الصدق والصلاح والاستقامة. (انظر: عبد الحميد زايد، المرجع السابق، ص. 40؛ وكذا: محمد بيومي مهران، دراسات في تاريخ الشرق الأدنى القديم (8) إسرائيل، الكتاب الثاني، التاريخ، ص. 836 (1)).
(1/5037)
، ملك شاليم أخرج خبزاً وخمراً. وكان كاهناً لله العلي«(1).
... 2 ـ أورشليم(2)
... »فلما سمع أدوني صادق(3)
__________
(1) سفر التكوين، 18: 14؛ وكذا:
Josephus, p. 151; S. Yeivin, « The Sepulchers
of the Kings of the House of David », JNES, 7, 1948, p. 40; H. Cattan,
Jerusalem, London, 1981, p. 19.

(2) انظر عنها:
Ebach, « Jerusalem », LA, III, SPS. 267-268 . J
(3) أدوني صادق: اسم كنعاني، ومعناه « سيد البر » أو « سيد العدل ». وكان ملكاً على أورشليم قبل أن يفتتحها داود عليه السلام. (انظر: قاموس الكتاب المقدّس، ج 1، ص. 41).
(1/5038)
ملك أورشليم أن يشوع(1) قد أخذ عاي وحرَّمها« (2)
__________
(1) يكاد ينعقد الإجماع الإسرائيلي حول يشوع بن نون، على أنه واحد من كبار أنبياء بني إسرائيل، ويضعونه في الأهمية والترتيب، كما هو في الأسفار، بعد موسى عليه السلام، وخليفة له. (انظر:
... صابر عبد الرحمن طعيمة، التراث الإسرائيلي في العهد القديم وموقف القرآن الكريم منه، بيروت، دار الجيل، 1399 هـ/ 1979 م، ص ص. 43 ـ 44، ص ص. 486 ـ 4910؛ وكذا: محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص ص. 201 ـ 202؛ وكذا:
Grant, op. cit., p. 490 . (M.
(2) سفر يسوع، 10: 1، 3، 5.
(1/5039)
.
... يذكر "قاموس الكتاب المقدس" أن أرض هذه المدينة، في بدايتها، صحراوية بين أودية وتلال، وأن ملكي صادق نزل بأرضها وسكن كهفاً من جبالها للعبادة، واشتهر أمره فجاءه ملوك الأرض، الذين بالقرب من أرض المدينة وعدتهم اثنا عشر ملكاً، فسمعوا كلامه وأحبوه، وأعطوه مالاً يعمر به المدينة، حيث اختطها وعمرها. ولما انتهى من ذلك، عينه الملوك ملكاً عليهم وسموه أبا الملوك، وأنه سماها باسم روشلم، بمعنى بيت السلام(1).
__________
(1) قاموس الكتاب المقدس، ج 2، ص. 922.
(1/5040)
... يقول مجير الدين الحنبلي(1):

... إن سفينة نوح(2) سارت حتى بلغت بيت المقدس. وقالت: يا نوح! هذا موضع بيت المقدس الذي يسكنه الأنبياء من
__________
(1) مجير الدين الحنبلي، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، الجزء الأول، القاهرة، 1283 هـ، صص. 6 ـ 9؛ وكذا: شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت الحمويّ، معجم البلدان، الجزء الأول، بيروت، 1986، ص. 25.
(2) انظر: محمد بيومي مهران، »قصة الطوفان بين الآثار والكتب المقدسة«، مجلة كلية اللغة العربية والعلوم الاجتماعية، العدد السادس، الرياض، 1396 هـ/ 1976 م، ص ص. 383 ـ 457.
(1/5041)
أولائك. وقوله: إن سام بن نوح هو أول من بناها، وكان ملكاً عليها، وكان يلقب (ملكيا صادق) وأنه سماها بروشلم بمعنى بيت السلام.

... إن ما سبق يحتاج إلى تصحيح. فملكي صادق، ليس هو سام بن نوح. كما أن بناة المدينة هم الكنعانيون الساميون العرب. ثم إن بروشلم ليس معناها بيت السلام(1).
... وتشير "التوراة" إلى مقاومة أهل المدينة الكنعانية أورشليم، حين حاربهم بنو إسرائيل: »وحارب بنو يهوذا أورشليم وأخذوها وضربوها بحد السيف وأشعلوا المدينة بالنار«(2)
__________
(1) مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، بيروت، 1975، ص. 25.
(2) سفر القضاة، 1: 8.
(1/5042)
.
... يزعم المؤرخ اليهودي يوسف بن متى في مجادلاته "ضد أيبون"(1)، أنه يروي طبقاً لما جاء في تاريخ مانيتو(2):

... قام ملوك طيبة وسائر مصر(3)
__________
(1) «
Against Apion », I, pp. 74-90. English Transalation by H. St. J. Thackery, London, 1926.
(2) انظر عن مانيتو: محمد بيومي مهران، مصر، الكتاب الأول، الإسكندرية، 1982، ص ص. 52 ـ 55.
(3) حرب التحرير التي قام بها ملوك الأسرة السابعة عشر في طيبة. (انظر: محمد بيومي مهران، مصر، الجزء الثاني، الإسكندرية، 1409 هـ/ 1988 م، صص. 467 ــ 476؛ وكذا: أحمد محمود صابون، دراسة تاريخية للإقليم الثالث (نخن ـ نخب) ودوره السياسي والحضاري حتى بداية الدولة الحديثة، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، جامعة الإسكندرية، 1404 هـ/ 1984 م، صص. 122 ـ 137).
(1/5043)
بثورة ضد الرعاة(1)
__________
(1) الرعاة المقصود بهم الهكسوس الذين حكموا مصر فترة الانتقال الثاني في مصر القديمة. ولقد اختلف الباحثون في تفسير اسم الهكسوس، فذهب رأي إلى أنه بمعنى ملوك الرعاة، لأن »هيك« تعني في اللغة المقدسة »ملك«، و»سوس« تعني في اللغة الدارجة »راع«. وذهب رأي آخر إلى أنه بمعنى الملوك الأسرى، لأن كلمة »هيك« المصرية تعني »أسير«. وأرجح الآراء أن كلمة »هكسوس« مشتقة من اصطلاح »حقا ـ خست«، وتجمع »حقاو ـ خسوت« بمعنى »رئيس البلد الأجنبية الجبلية«، كما أنها تشير إلى الحكام وحدهم، وليس إلى الجنس كله. (انظر: محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص. 455 (7)؛ وكذا:
T. Save - Soderbergh, « The Hyksos Rule in Egypt », JEA, 37, 1951, pp. 59 ff; D. Alt, Die Herkunft der Hyksos in Newer Sicht, Munchen, 1961, p. 15; J. Von Seters, The Hyksos. A New Investigation, New Haven and London, 1966, pp. 87 ff; D. B. Redford, « The Hyksos Invasion in History and Iradition », Orientalia, 39, 1970, pp. 1 ff; W. Helck, Die Beziehungen Aegyptens zu Vorderaslen im 3. und 2. Jahrestausend V. Chr., 2nd ed. 1971, pp. 89 ff; Manfred Bietak, « Hyksos », LA, III, sps. 93-103).
(1/5044)
، واندلعت نار حرب عظمى طالت مدتها، بواسطة ملك يدعى مسفراجموثيس ((Misphragmuthosis هزم الرعاة وطردوا من مصر كلها، وحاصرهم في مكان يدعى أواريس، مساحتها عشرة آلاف أرورة. وطبقاً لمانيتو، كان الرعاة قد أحاطوا كل هذه المساحة بجدران عظيمة مبنية حماية لكل متاعهم وغنائمهم. توموسيس (Thummosis)، ابن مسفراجموثيس حصاراً (مستمراً)، محاولاً محاصرة الجدران بجيش يبلغ 480.000 رجل، وحاول أن يجعلهم يستسلمون بالحصار. ولكنه لما يئس من بلوغ غرضه، عقد معهم معاهدة تقضي بأن يخلوا كل أرض مصر، وأن يذهبوا حيث شاءوا دون أن
(1/5045)
يضيق عليهم. وبمقتضى هذه الشروط، غادر مصر لا يقل عن 240.000 من الأسرى، ومخترقين الصحراء إلى سورية. ولما كان الرعب قد أخذ منهم كل مأخذ خوفاً من بطش الآشوريين، الذين كانوا في خلال هذه الفترة أصحاب السيادة في آسيا، فإنهم أقاموا مدينة في الأرض، التي تسمى يوديا (Judaea) صالحة لإيواء الآلاف من الناس، وقد أطلقوا عليها اسم أورشليم(1).
__________
(1)
Manetho, with an English Translation by W. G. Waddell, London, 1971, pp. 87-89.
(1/5046)
... ويذكر سليم حسن بأنه يجب أن نشك ـ في الحال ـ في قوة أشور في تلك الفترة من التاريخ(1)، كما نتشكك في مساحة مدينة أواريس وفي عدد الرجال، الذين كانوا فيها وقتئذ. يضاف إلى ذلك أنه ليس من المعقول أن الهكسوس بعد طردهم ـ وهذا ثابت من مقبرة أحمس بن إبانا(2) ـ بأن هناك ما يشير إلى أن القتال حول أواريس كان عنيفاً، وربما دام عدة سنوات، حتى تم إخضاعها. على
__________
(1) انظر عن الفترات التاريخية لعصور آشور: عبد العزيز صالح، المرجع السابق، ص ص. 494 ـ 530.
(2) انظر: أحمد محمود صابون، المرجع السابق، ص ص. 123 ـ 130.
(1/5047)
أن يوسف بن متى اليهودي إنما يزعم ـ نقلاً عن مانيتو ـ أن الهكسوس قد عقدوا معاهدة مع أحمس الأول، على أن يخرجوا بأمتعتهم وقواتهم (240 ألف) دون أن ينالهم أي أذى؛ وإن كذبت الأحداث التاريخية هذه الرواية.
... ويضيف يوسف بن متى ـ في زعمه ـ أن هؤلاء الرعاة (الهكسوس) بعد طردهم من مصر، قد استوطنوا بلدة جديدة هي أورشليم؛ ولكن لا يخفى ما لهذه الحقيقة من قيمة في نظر يوسف بن متى هذا اليهودي.
... إن النطق العبري هو يروشاليم. ويبدو أن اليهود حرفوا الاسم أو حولوه إلى العبرية، حتى يتوهم الناس أن المدينة عبرانية
(1/5048)
الأصل(1). وقد تكون اللاحقة »يم« (Yim) للتثنية، كقولهم مصرايم ـ أي المدينتان ـ في العبرية، وقد تكون للمكان أيضاً. ويبدو أن هذه العبرنة لم توجد عند جميع اليهود. فكعب الأحبار، مثلاً، يسميها »أوري شَلَمَ« في حديثه عنها إلى عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ حسب رواية ابن جرير الطبري(2). ويذكر الزركشي أن اسمها أورشليم حسب رواية أبي عبيدة
__________
(1)
Yeivin, G. E., Op. cit., p. 40.
(2) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك المعروف بتاريخ الطبري، الجزء الرابع، القاهرة، دار المعارف، 1969، ص. 161.
(1/5049)
معمر بن المثنى، كما أنشد للأعشى:

وقد طغت للمال آفاقه عمان فحمص فأورشلم(1)

... لا نجد في أيّ من الروايتين ذكراً للاحقة »يم« العبرية، لكي تصبح عبرية النطق. ويدعم هذا الرأي أن النطق اليوناني القديم هيروسوليما ـ كما سيأتي بعد ـ وما تبعه في اللغات الأوروبية (
Jerusalem) يخلو من هذه اللاحقة. إن اللاحقة »يم« اختارها رجال المازورة، الذين أثبتوا نص العهد القديم في ما بين القرن السادس والعاشر الميلادي. والاسم الكنعاني
__________
(1) محمد بن عبد الله الزركشي، إعلام الساجد بأحكام المساجد، القاهرة، 1385 هـ، ص. 278.
(1/5050)
قديم، والمدينة كنعانية قديمة. وبداية الاسم بالياء بالعبرية مطابق للنطق الكنعاني، وبدايته بالهمزة على وفق النطق الآشوري والسرياني والعربي(1).
... أما معنى أورشليم، فمختلف فيه. وأرجح الآراء من الناحية العلمية أنها مركبة من »أور« بمعنى مدينة، ومن »شالم«، الذي هو معبود وثني لسكان فلسطين الأصليين. وهو معبود السلام. ومن ثم، فإن المدينة إذن كانت مكرسة لمعبود السلام، حتى وصل العبرانيون(2)
__________
(1)
Encyclopedia Biblica, II, London, 1899, p. 2407.
(2) حسن ظاظا، مدينة الله أم مدينة داود؟، الإسكندرية، 1970، ص. 9.
(1/5051)
.
... وهناك من يقول إن كلمة »أور« معناها »الميراث«، فتكون أورشليم بمعنى »ميراث السلام«، وإن أحبار اليهود يدعون أن سام بن نوح قد سماها »شلم«، أي السلام. وإن إبراهيم ـ عليه السلام ـ قد سماها »يرأة«، وهو بمعنى »الخوف« باللغة العبرية، فقرر الرب أن يسميها بالاسمين جميعاً »يرأة ـ شلم«، أي أورشليم؛ بمعنى الخوف والسلام، وبنوا على هذه التخريجات الفولكلورية عقائد رهيبة حول السلام المتوالد عن الرعب، وقيل أيضاً إن »يرو« يمكن أن تكون في اللغات السامية بمعنى »معبود«، ويكون اسم المدينة بكل بساطة »معبود
(1/5052)
السلام« (1). غير أن هناك رأياً آخر يذهب إلى أن معناها »مدينة السلام«، غير دقيق؛ لا مِنْ ناحية الاشتقاق ولا من الناحية التاريخية(2). كما أن هناك من يضيف أنه من الواضح أن الاسم ليس اسماً دينياً، وإنما هو اسم دنيوي، أطلقه أحد الملوك اليبوسيين، فأخذه
__________
(1) حسن ظاظا، المرجع السابق، ص. 9؛ وكذا: محمد بيومي مهران، دراسات في تاريخ الشرق الأدنى القديم (8) إسرائيل، الكتاب الثاني، التاريخ، ص. 822.
(2) فيليب حتى، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، الجزء الأول، ترجمة جورج حداد وعبد الكريم رافق، بيروت، 1958، ص. 72.
(1/5053)
اليهود وحشروه في "توراتـ"ـهم المحرفة(1).

... 3 ـ يبوس
... لقد جاء اسم يبوس (
Yapus) أو مدينة اليبوسيين(2) في "العهد القديم": »ذهب داود وكل إسرائيل إلى أورشليم أي يبوس. وهناك اليبوسيون سكان الأرض. وقال سكان يبوس لداود: لا تدخل إلى هنا« (3).
__________
(1) المزامير، 128: 6، 187: 2؛ وكذا: شفيق جاسر أحمد محمود، تاريخ القدس، عمان، 1404 هـ/ 1984 م، ص. 17.
(2)
Dictionary of the Bible, pp. 461-472.
(3) صموئيل الثاني 5: 6؛ أخبار الأيام الأول، 11: 4 ـ 5؛ القضاة 19: 1، 11.
(1/5054)
... هكذا، لقد ظلت مدينة القدس تعرف بتلك الأسماء السابقة في مصر ومناطق الشرق الأدنى القديم. غير أن اليبوسيين سكنوا هذه المدينة، وهم أحد الشعوب السبعة، التي تزعم التقاليد العبرية في سفر التثنية أن رب إسرائيل قد أعطى أرضهم لشعبه إسرائيل، وأنهم ـ في رأي "التوراة" ـ من سكان الجبال.
... اليبوسيون هم قبيلة كنعانية على رأي(1)، بل هم بطن من بطون العرب الأوائل، نشأوا في صميم شبه الجزيرة العربية، وترعرعوا في أرجائها، واستوطنوا
__________
(1) قاموس الكتاب المقدس، ج 2، ص. 1053؛ وكذا:
M. F. Unger, op. cit., p. 557.
(1/5055)
ديارها، وكان ذلك حوالي عام 3000 ق. م، ثم نزحوا منها مع من نزح من القبائل الكنعانية(1).
... غير أن هناك من يرى أن اليبوسيين ليسوا ساميين، اعتماداً على أن الاسم »يبوس« غير سامي. بل لقد ذهب صاحب هذا الرأي إلى أن الجزء الأكبر من سكان فلسطين ـ فيما قبل العهد الإسرائيلي ـ غير سامي، وإنما هو من القبائل الحورية(2). وبديهي أن تلك مبالغة غير مقبولة(3)
__________
(1) عبد الحميد السايح، بيت المقدس، القاهرة، 1969، ص. 49؛ وكذا حسن ظاظا، الساميون ولغاتهم، الإسكندرية، 1970، ص. 24.
(2)
S. Yeivins, op. cit., p. 41.
(3) محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص ص. 562 ـ 563.
(1/5056)
، والأمر كذلك في ما ذهب إليه آخر من أن اليبوسيين قوم من أصل حبشي(1).
... لقد استقل اليبوسيون بمدينتهم، بعد فترة الضعف التي انتابت الإمبراطورية المصرية في أخريات عصر الدولة الحديثة في آسيا، أي في سوريا وفلسطين. ومن ذلك يتضح أن المدينة كانت غريبة عن اليهود، بل وفي أيدي أصحابها اليبوسيين(2). ذلك لأن يشوع لم يستطع الاستيلاء عليها والانتصار على ملكها
__________
(1)
S. Abramsky, Ancient Town in Israel, Jerusalem, 1963, p. 122.
(2)
Josephus, p. 150; Dictionary of the Bible, p. 461; M. Grant, op. cit., p. 19.
(1/5057)
أدوني صادق. ومن ثم لم يقدر بنو يهوذا على طردهم منها، بل نجدهم يسكنون مدينة يبوس مع اليبوسيين.
... ويذكر "العهد القديم": »وأمّا اليبوسيون الساكنون في أورشليم، فلم يقدر بنو يهوذا على طردهم. فسكن اليبوسيون مع بني يهوذا في أورشليم إلى هذا اليوم«(1).
... »وصعد التخم في وادي ابن هِنُّوم إلى جانب اليبوس من الجنوب« (2).
__________
(1) صموئيل الثاني 5: 6، أخبار الأيام الأول 11: 4 ـ 5؛ القضاة 19: 10، 11.
(2) سفر يشوع 15: 8، 63.
(1/5058)
... ومن هذا يتضح أن داود ـ عليه السلام ـ وبني يهوذا حاولوا الاستيلاء على المدينة وانتزاعها من أيدي اليبوسيين. وقد اتفق شراح "العهد القديم" على أن أورشليم كانت في أيدي اليبوسيّين في حوالي خمسين ومائتي سنة ما بين يشوع وداود(1)
__________
(1) هناك اتجاهات مختلفة لفترة حكم داود عليه السلام، فهي في الفترة 1010 ـ 955 ق. م أو (1004 ـ 963 ق. م أو1000 ـ 960 ق. م أو 975 ـ 963 ق. م أو 1012 ـ 972 ق, م. (انظر: فيليب حتي، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، الجزء الأول، ترجمة جورج حداد وعبد الكريم رافق، بيروت، 1958، ص. 203؛ وكذا: محمد بيومي مهران، مصر والشرق الأدنى القديم، بلاد الشام، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1410 هـ/ 1990 م، صص. 249 ـ 255).
(1/5059)
عليه السلام(1).
... وذلك ما يُبيِّنه "العهد القديم" جلياً: »وبنو بنيامين(2) لم يطردوا اليبوسيين سكان أورشليم، فسكن اليبوسيون مع بني بنيامين في أورشليم إلى هذا اليوم« (3).
... ومن ثم، فإنه لم يكن بنو بنيامين، أي اليهود، قادرين على طرد اليبوسيين، كما فهم ذلك صراحة من نصوص
__________
(1) عبد الحميد زايد، المرجع السابق، ص ص. 44 ـ 45.
(2) حينما قسمت كنعان بين الأسباط الاثني عشر، كانت أورشليم تقع ضمن سبط بنيامين، ويفصلها عن يهوذا واد ضيق. (انظر: عبد الحميد زايد، المرجع السابق، ص. 44).
(3) سفر القضاة 1: 21.
(1/5060)
"العهد القديم".
... كما تذكر "الموسوعة اليهودية" أن مدينة أورشليم كانت تدعى »المدينة الأجنبية«، وأنها لا تخص الإسرائيليين، وأن اليبوسيين كانوا يعيشون فيها لسنوات كثيرة مع بني بنيامين(1).
... ويؤكد "العهد القديم" أجنبية هذه المدينة حين يذكر قول رجل إسرائيلي وامرأته وغلامه، كانوا على سفر فأدركهم الليل: »وفيما هم عند يبوس، والنهار قد انحدر جداً، قال الغلام لسيده: تعال نميل إلى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها. فقال له سيده: لا نميل إلى مدينة غريبة، حيث ليس أحد
__________
(1)
Jewish Encyclopedia, VII, p. 120.
(1/5061)
من بني إسرائيل هنا«(1).
... ومن ثم يتضح في هذا النص أنها مدينة غريبة على بني إسرائيل، إذ لا توجد سكنى لأي من بني إسرائيل فيها.
... هناك من يرى أن اسم مدينة يبوس أطلقه عليها يشوع بن نون، عندما أغار على أرض كنعان(2). ويبوس اسم لزعيم القبيلة الكنعانية السامية العربية، التي استقرت في أرض فلسطين منذ فجر تاريخها(3)
__________
(1) سفر القضاة 19، 11 ـ 12.
(2)
J. H. Hayes and M. J. Muller (ed), Israelit and Judaic History, 2 nd, Bungay,
Suffolk, 1984, pp. 238-350.
(3) شفيق جاسر أحمد محمود، المرجع السابق، ص, 18.
(1/5062)
. ويبدو أن اسم يبوس، الذي سُمي اليبوسيون باسمه(1)، هو أحد أولاد كنعان، »وكنعان وَلَدَ صيدون بكرة وحِثَّا واليبوس... «(2)، وأن حفائر هذه المدينة الكنعانية تعود إلى حوالي ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وأحيطت بالأسوار مما زاد في منعتها(3)
__________
(1)
G. E. Yeivin, op. cit., p. 41.
(2) سفر التكوين 10: 15 ـ 16.
(3) المعتقد أن السور اليبوسي الذي حال دون وقوع المدينة في أيدي بني إسرائيل. ولهذا فقد اعتقد البعض أن المدينة اليبوسية كانت شرقي أسوار الحرم، وليس على جبل المريا. (انظر: محمود العبادي، قدسنا، القاهرة، 1973، صص. 169 ـ 170؛ وكذا مصطفى مراد الدباغ، المرجع السابق، ص ص. 22 ـ 23؛ وكذا:
Crown Prince Hassan bin Talal, A Study on Jerusalem, Amonan, 1974, p. 79; M. Kenyon Kath Leen, Digging up Jerusalem (Emest Benn, London, 1974), p. 79; M. A. Aamir, Jerusalem, Arab Origin and Heritage, London, 1978, p. 1; Jerusalem, The Key to World Peace, ed. by Islamic Council of Europe, London, 1980, p. 123; H. Cattan, op. cit., p. 19).
(1/5063)
. بل هناك من يرى أنها أسست حوالي ما بين 1800 ق. م و1550 ق. م، وأن هذه المدينة كانت من المدن العديدة المحمية بوسط فلسطين(1)، وأنها كانت مدينة ذات حضارة، حيث اشتملت على منازل كبيرة بها الكثير من أسباب الراحة، وكانت بها حكومة وصناعة وتجارة(2).

... 4 ـ صهيون
__________
(1)
R. Vaux, Histoire ancienne d’Israel (Gabaldu), Paris, 1971, p. 72; H. Cattan,
op. cit., p. 19.
(2) سيد فراج راشد، القدس، عربية إسلامية، الرياض، دار المريخ للنشر، 1406 هـ/ 1986 م، ص. 56؛ وكذا: شفيق جاسر أحمد محمود، المرجع السابق، ص. 18.
(1/5064)
... ورد هذا الاسم، في "العهد القديم"، بمسمى »صهيون« (1) (Zion)، وهو اسم جبل يشرف على المدينة(2)، جاء ذكره للمرة الأولى في "العهد القديم" موقعاً لحصن يبوسي الذي استولى عليه داود عليه
__________
(1) سفر صموئيل الثاني 5: 6 ـ 10، سفر أخبار الأيام الأول 11: 5.
(2) أما عن جبل صهيون، الذي جاء ذكره في "العهد القديم"، فهو غير ذلك الذي يعرف الآن. إن حقيقة الجبل الأصلي هي أنه يقع إلى الشرق من الحالي والمسمى بهذا الاسم. (انظر: عبد الحميد زايد، المرجع السابق، صص. 56 ـ 75؛ وكذا:
G. E. Yeivin, op. cit., p. 40 ).
(1/5065)
السلام(1)، حين انتزع المدينة من اليبوسيين(2).
... يبدو أن اسم حصن »صهيون« مسمى من اسم جبل صهيون، وهو جبل معروف بهذا الاسم قبل استيلاء داود ـ عليه السلام ـ وظلت بعده(3). وكانت عليه قلعة أمامية لليبوسيين يدافعون منها عن المدينة. وكانوا يسمون جبل صهيون
__________
(1) انظر محمد بيومي مهران، »داود عليه السلام والفلسطينيّون«، دراسات في تاريخ الشرق الأدنى القديم (8) إسرائيل، الكتاب الثاني، التاريخ، صص. 710 ـ 713.
(2)
Interpreter’s Dictionary of the Bible, Vol. II, p. 807.
(3)
G. E. Yeivins, op. cit., p. 41.
(1/5066)
بكل منشآته »المدينة الفوقانية«؛ أما اسم »المدينة التحتانية«، فقد أطلقوه على هضبة الحرم(1).
... وتُذكر صهيون بأنها العاصمة الدينية، والمكان الذي يمتحن به الرب عباده المؤمنين: »لذلك هكذا يقول السيد الرب. هأنذا أؤسِّس في صهيون حجراً، حجر امتحان حجر زاوية كريماً أساساً مؤسساً. من آمن لا يهرب«(2).
__________
(1) محمود العابدي، المرجع السابق، ص. 23؛ وكذا: سيد فراج راشد، المرجع السابق، ص. 55؛ وكذا:
Josephus, p. 151; M. Grant, op. cit., p. 78.
(2) سفر أشعياء 28: 16.
(1/5067)
... كما يقارن سكان صهيون بسكان مدينة السامرة: »ويل للمستريحين في صهيون والمطمئنين في جبل السامرة نقباء أول الأمم«(1).
... ولقد ورد هذا الاسم كثيراً في "العهد القديم"، حتى أصبح رمزاً إلى ما يرجوه شعب بني إسرائيل من الرب من الحماية والعناية في خدمته(2). وقد أشاد اليهود بذكره، حيث جاء: »والرب أحب أبواب صهيون أكثر من جميع مساكن يعقوب(3)
__________
(1) سفر عاموس 6: 1.
(2) قاموس الكتاب المقدس، ج 1، ص. 23؛ وكذا:
M. Grant, op. cit., p. 84.
(3) انظر دراسة جيدة عن يعقوب عليه السلام: محمد بيومي مهران، دراسات الشرق الأدنى القديم (7) إسرائيل، الكتاب الأول، التاريخ، الإسكندرية، 1398 هـ، 1978 م، صص. 191 ـ 210؛ وكذا: صابر عبد الرحمن طعيمة، المرجع السابق، ص. 5 (1)، 29 ـ 30؛ وكذا:
M. G. Unger, Israel and Aramaeans of Damascus, London, 1957, p. 541; A. Lods, op. cit., p. 155.
(1/5068)
، قد قيل بك أمجاد يا مدينة الله سلاه« (1).
... وصار مسكن الرب: »والرب من صهيون يزمجر، ومن أورشليم يعطي صورته فترجف السماء والأرض... فتعرفون أني أنا الرب إلهكم في صهيون جبل قدسي، وتكون أورشليم مقدسة، ولا يجتاز فيها الأعاجم في ما بعد«(2).
... هناك من يذكر أن كلمة »صهيون«، لم نجد لها أصلاً متفقاً عليه في اللغة العربية، وأكثر الشراح يرجحون أنها عربية الأصل، لها نظير في اللغة الحبشية، وأنها من مادة الصون والتحصين، وكانت فعلاً من حصون الروابي العالية(3)
__________
(1) المزامير 87: 2.
(2) سفر يوئيل 3: 16 ـ 17.
(3) عباس العقاد، الصهيونية العالمية، القاهرة، 1968، ص. 11.
(1/5069)
. وهناك من يفترض أنها كلمة مستعارة من العيلاميين ـ عن طريق البابليين ـ بمعنى »معبد«. إلا أن هذا الفرض إنما يصطدم بصعوبات عدة، منها: (أولاً) أنه لا توجد أية أدلة تشير إلى قيام علاقات خاصة بين فلسطين وبابل وعيلام في تلك الفترة؛ ومنها (ثانياً) أنه لا يوجد أي دليل على استعمال هذه الكلمة في اللغة البابلية أو الآشورية في ذلك الوقت المبكر، الذي كانتا قد انفصلتا فيه عن السومرية(1)؛ ومنها (ثالثاً) أن الكلمة العيلامية تعني »معبد«، بينما تعني كلمة »صهيون« أصلاً »القلعة
__________
(1)
Yeivins, op. cit., p. 40. G. E.
(1/5070)
أو الحصن«، ثم اتسع مفهومها الجغرافي فيما بعد ليضم تل المعبد، ثم أصبح الاسم في زمن متأخر نسبياً يطلق على كل التل في جنوب شرق القدس. ومن جهة أخرى، فإن كلمة »صهيون« ـ على ما يبدو ـ ترجع إلى ما قبل الإسرائيليين، حيث أن الحصن كان معروفاً بهذا الاسم قبل أن يستولي عليه داود ـ عليه السلام ـ ويطلق عليه اسمه(1). (وأخيراً)، فهناك من يذهب إلى أن الكلمة »حورية«، ومن ثم فقد فسر »حصن صهيون« بمعنى »حصن الماء«، أي الحصن الذي يحمي مورد ماء القدس(2).
__________
(1)
Ibid., pp. 40-41.
(2)
Ibid., p. 41.
(1/5071)
... وعلى أية حال، نسب اليهود السياسيون الداعون إلى إقامة دولة لهم في فلسطين العربية حركتهم إلى صهيون(1)
__________
(1) لقد كان لصهيون هذه عند يهود الأسر البابلي شأن عظيم، حتى أصبح الحنين إلى صهيون رمزاً للحنين إلى عودة المملكة الغابرة، وتحولت الوعود الإلهية في كتبهم تحولاً جديداً مع السياسة، فانحصرت في ذُرية داود، عليه السلام، ليخرج منها من غير ذوي الذُّرية من اليهود. (انظر: عباس العقاد، المرجع السابق، ص. 11؛ وكذا:

L. T. Brandies, On Zionism, New York, 1942, pp. 24-26; N. Bentwich, Palestine, London, 1934, p. 60.
... وللمزيد عن الحركة الصهيونية، انظر: محمد بيومي مهران، المرجع السابق، صص. 38 ـ 47.
(1/5072)
، وذلك بعد مضي نحو ثلاثة آلاف سنة على حكم داود عليه السلام. كما أن علماء الآثار يبحثون عن جبل صهيون والمدينة والهيكل. والمؤكد عندهم أن جبل صهيون لا يقوم في الجهة الجنوبية والغربية من بيت المقدس، كما كان يعتقد المسيحيون منذ القرن الرابع الميلاديّ، وإنما على قمة التلة الشرقية(1).
... وعلى كل، فإن الرومان في القرنين الأول والثاني بعد الميلاد هدموا المدينة والهيكل، حتى أصبحا أطلالاً، والبحث عنهما بقصد إعادتهما يدعو إلى قلب الأرض رأساً على
__________
(1)
Interpreter's Dictionary of the Bible, Vol. IV, p. 959.
(1/5073)
عقب، حقيقة ومجازاً.

... 5 ـ مدينة داود
... قاوم الكنعانيون وحدة بني إسرائيل بقيادة داود ـ عليه السلام ـ الذي شعر بخطرهم. ولذلك خطط للقضاء عليهم وهزمهم في معركتين فاصلتين في وادي الرفائين جنوب القدس، حيث طاردهم حتى المنطقة الساحلية. وبذلك انحصر خطر الكنعانيين على بني إسرائيل فترة من الزمن. وفي أعقاب ذلك فكر داود ـ عليه السلام ـ في تغيير عاصمته حبرون ـ وهي مدينة الخليل، على مبعدة 190 ميل (306 متر) إلى الجنوب الغربي من أورشليم ـ في الشمال، واتجه نظره إلى مدينة يبوس في الجنوب(1)
__________
(1) ... انظر عن أسباب اختيار القدس عاصمة لمملكة يهوذا: محمد بيومي مهران، دراسات الشرق الأدنى القديم (8) إسرائيل، الكتاب الثاني، التاريخ، صص. 829 ــ 830؛ وكذا: سيد فرج راشد، المرجع السابق، ص. 48؛ وكذا:
W. Bray, and D. Trump, op. cit., p. 251.
(1/5074)
، وكانت في أيدي اليبوسيين العرب، فخطط للزحف عليها. وقام بحصارها(1)؛ إلا أنه واجه مقاومة عنيفة من اليبوسيين، ولكنه كرر هجومه، حيث مارس ضغوطاً على سكان المدينة، حتى استولى عليها(2).
... جاء في "العهد القديم": »وأخذ داود حصن صهيون. هي مدينة داود«(3)
__________
(1)
Atlas of the Bible, p. 98; J. H. Hayes and M. J. Miller, op. cit., p. 251.
(2) سفر صموئيل الثاني 5: 17 ــ 25؛ 8: 10؛ وكذا: محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص. 828؛ وكذا:
Josephus, pp. 150-151.
(3) سفر صموئيل الثاني 5: 7؛ أخبار الأيام الأول 11: 5؛ الملوك الأول 8: 1.
(1/5075)
.
... ولم يلبث أن سُمي ذلك الجزء باسم »مدينة داود«، وربما لأن اسمها القديم إنما كان غريباً على آذان العبريين، وربما أراد داود ـ عليه السلام ـ أن يُطلق عليها اسماً عبرياً، لأن فيه تخليداً للاهوتهم(1). وربما ـ وهذا هو الأرجح ـ لأن داود ـ عليه السلام ـ إنما أراد أن يخلد اسمه بإطلاقه على المدينة القديمة، أو حتى على جزء منها(2)
__________
(1)
G. E. Yeivin, op. cit., p. 40; M. Grant, op. cit., p. 84.
(2) حسن ظاظا، إسرائيل ركيزة للاستعمار بين المسلمين، القاهرة، مجمع البحوث الإسلامية، 1973، ص. 88؛ وكذا:

Atlas of the Bible, p. 98; Dictionary of the Bible, p. 473; J. H. Hayes and
M. J. Miller, op. cit., p. 350.
(1/5076)
. ومن ثم فقد أصبح يطلق هذا الاسم على المدينة كلها عندما جعلها داود ـ عليه السلام ـ مقراً لحكمه.
... وأياً ما كان الأمر، وسواء أكان داود ـ عليه السلام ـ قد أطلق على المدينة اسماً عبرياً، أو أراد أن يخلد اسمه، فهو في ذلك إنما كان مقلداً لغيره من الحكام الذين كانوا ـ ولا يزالون ـ يطلقون أسماء جديدة على أماكن قديمة، كما أن الاسم الجديد الذي أطلقه داود ـ عليه السلام ـ على المدينة (مدينة داود) لم يحل محل الاسم القديم؛ ربما لأنها حالة من حالات كثيرة في التاريخ القديم والحديث، اختفت فيها الأسماء
(1/5077)
الجديدة، التي فرضتها السلطات الحاكمة في القضاء على الأسماء القديمة التي لها جذور عميقة في الوعي الشعبي(1).

... 6 ـ أَرِيئِيلَ:
... ورِد في "العهد القديم": »ويل لأريئيل قرية نزل عليها داود« (2). ومعنى الاسم »أسد الله« أو »مسكن الله« (3).

... 7 ـ »موريا«:
__________
(1) محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص. 821؛ وكذا:
G. E. Yeivin, op. cit., p. 40.
(2) سفر أشعياء 29: 1.
(3)
Interpreter’s Dictionary of the Bible, Vol. VI, p. 218.
(1/5078)
... جاء هذا الاسم في "العهد القديم": »وشرع سلميان(1) في بناء بيت الرب، في أورشليم، في جبل المرايا(2)
__________
(1) انظر دراسة جيدة عن سليمان عليه السلام: محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص ص. 744 ـ 811.
(2) جبل المرايا يقوم بين جبل سكوبس، والذي يُسميه "التلمود" »جبل المراقبين«، وبين هضبة الحرم الشريف. ذكره يوسف بن متى في كتابه "حرب اليهود" ( الجزء الأول ـ الباب الخامس)، وسماه »بزيتا« (أي بيت الزيتون أو منبت الزيتون). وهو يقع بالقرب من »باب الساهرة«، وهو الجبل الذي بنى سليمان ـ عليه السلام ـ عليه الهيكل في أورشليم. وكان في القسم الشرقي من المدينة الحاضرة يشرف على وادي قدرون كان عليه بيدر أرونة (أرنان) اليبوسي وكان إلى الشمال من صهيون. ولما بنى الهيكل على قمة هذه الأكمة بنيت أسوار من جوانب الأودية إلى الجهات الأربع حوله. (انظر: صموئيل الثاني، 24: 16، 24؛ قاموس الكتاب المقدس، ج 2، ص. 859؛ وكذا عبد الحميد زايد، المرجع السابق، صص. 13 ـ 14).
(1/5079)
، حيث تراءى لداود أبيه الذي هيأ مكاناً في بيدر أرنان اليبوسي(1). وقد جرى العرب على القول بأن هذا المكان هو جبل الموريا، الذي يعتقد اليهود أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ شرع في ذبح(2)
__________
(1) أخبار الأيام الثاني 3: 1.
(2) جاء اسم»المرايا« في "العهد القديم"، على أنه المكان الذي قدم فيه إبراهيم ولده إسحاق ـ عليهما السلام ـ قرباناً لله، والموضوع لا يزال حتى الآن محل خلاف كبير في هذه القضية بين الباحثين، بل بين اليهود أنفسهم. فاليهود السامريون يرون أن الحادث إنما كان على جبل جرزيم القريب من نابلس، حيث قام أقدم هيكل لبني إسرائيل، حتى جاء داود ـ عليه السلام ـ فأبطله وعطله بعد أن نقل عاصمته إلى القدس. هذا، فضلاً عن أن الذبيح إنما هو إسماعيل ـ عليه السلام ـ، وأن الحادث كان بمكة المكرمة.(انظر: سفر التكوين 22: 2؛ وكذا حسن ظاظا، القدس: مدينة الله ـ أم مدينة داود؟، ص. 14؛ وانظر عن الذبيح من وجهات النظر اليهودية والمسيحية والإسلامية: محمد بيومي مهران، دراسات تاريخية من القرآن الكريم، ج 1، في بلاد العرب، صص. 159 ـ 177).
(1/5080)
ولده إسحق عليه(1). ويحتمل أن يكون اشتقاق الاسم من مادة »رأى« العبرية والعربية ـ فيكون المعنى »أرض الرؤية« (2). ويطلق أحياناً على هضبة الحرم (جبل الموريا) »المدينة التحتانية« (3).
... لقد وردت في العهد القديم أسماء عدة أخرى، ولكنها كانت قليلة الأهمية والشيوع منها:

... 8 ـ المدينة
__________
(1) عبد الحميد زايد، المرجع السابق، ص. 62.
(2)
Interpreter’s Dictionary of the Bible, Vol. VI, p. 438.
(3) سيد فرج راشد، المرجع السابق، ص. 55.
(1/5081)
... »تكون حفنة بُرٍّ في الأرض في رؤوس الجبال. تتمايل مثل لبنان ثمرتها، ويزهرون من المدينة مثل عُشب الأرض« (1).

... 9 ـ مدينة الله
... »نهرٌ سواقية تُفرح مدينة الله مقدس مساكن العلى« (2). وأيضاً: »عظيم هو الرب وحميد جداً في مدينة إلهنا جبل قدسه«(3).

... 10 ـ مدينة العدل
... »بعد ذلك تُدعين مدينة العدل القرية الأمينة« (4).

... 11 ـ مدينة الحق
__________
(1) مزمور 72: 16.
(2) مزمور 46: 4.
(3) مزمور 48: 1.
(4) سفر إشعياء 1: 26.
(1/5082)
... »هكذا قال الرب. قد رجعت إلى صهيون وأسكن في وسط أورشليم فتدعى أورشليم مدينة الحق« (1).

... 12 ـ مدينة القدس
... »فإنهم يُسَمَّون من مدينة القدس ويسندون إلى إله إسرائيل« (2). وأيضاً: »وسكن رؤساء الشعب في أورشليم. والتقى سائر الشعب قُرعا ليأتوا بواحد من عشرة للسكنى في أورشليم مدينة القدس« (3).

... 13 ـ الجبل المقدس
... »ويكون في ذلك اليوم أنه يضرب ببوق عظيم، فيأتي التائهون في أرض أشور والمنفيون في أرض مصر ويسجدون للرب في الجبل
__________
(1) زكريا: 8: 3.
(2) سفرإشعياء 48: 2.
(3) سفر نحميا 11: 1.
(1/5083)
المقدس في أورشليم«(1).

... 14 ـ القرية الأمينة
... »وبعد ذلك تُدعين مدينة العدل القرية الأمينة« (2).

رابعاً: الكتابات المسيحية
... لقد وردت إشارة باسم:

... 1 ـ المدينة المقدسة
... »ثم أخذه إيليس إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل« (3). وأيضاً: »وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين«(4).
* * *
__________
(1) سفر إشعياء 27: 13.
(2) سفر إشعياء 1: 26.
(3) إنجيل متى 4: 5.
(4) إنجيل متى 27: 53.
(1/5084)
... هذه هي الأسماء التي وردت في "الكتاب المقدس"، على أن اسم أورشليم هو الأكثر شيوعاً، منذ فتح داود ـ عليه السلام ـ المدينة حتى منتصف القرن الثاني الميلادي. وقد تكرر ذلك في ثلثي أسفار "العهد القديم" ونصف أناجيل "العهد الجديد". وهو الاسم، الذي قدسه اليهود ودار على ألسنتهم وترنموا به:
... كيف ترنم ترنيمة الرب في أرض غريبة؟
... ليلتصق لساني بحنكي إن لم أذكرك
... إن لم أفضل أورشليم على أعظم فرحي (1).
__________
(1) مزمور 37: 1.
(1/5085)
... ويذكر أحد الباحثين اليهود أن فكرة دولة إسرائيل بقيت حية في كلمات هذا المزمور، وأن منها نبتت بذور الصهيونية الوطنية مع أن أنبياءهم عاموس وأمريا وميخا وأشعياء، لم يوجهوا اهتمامهم إلى استعادة السلطة الزمنية، وإنما حصروه في دفع الظلم عن بني قومهم، وحثهم على عبادة الله والتمسك بالفضيلة(1). وأرشليم التاريخية قد اندثرت، وحلت محلها القدس المسيحية، ثم بيت المقدس الإسلامية.
...
خامساً: كتابات المؤرخين الإغريق والرومان
... 1 ـ سوليما
__________
(1) ألفرد ليلنيتال، ثمن إسرائيل، بيروت، 1954، صص. 7 ـ 8.
(1/5086)
... كما يذكر يوسف بن متى أن هومر (Homer) ذكرها باسم سوليما (Solyma)، لأنه سمى المعبد سوليما، وتعني ـ حسب اللغة العبرية ـ السلام، بينما في بعض النسخ للمؤرخ يوسف بن متى يذكرها باسم هيروسوليما (Hirosolyma) وأورشليم (Jerusalem). والأخيرة من المؤكد أن يوسف بن متى ذكرها في نسخ أخرى بأن المدينة كانت تسمى سالم أو سوليما قبل زمن ملكي صادق، ولكن هو الذي سماها هيروسولميا أو أورشليم. واعتقد (المترجم) أنها سميت كذلك بعد نزول الوحي (يهوه) على إبراهيم (1)
__________
(1)
Josephus, p. 151 and no.*; M. F. Unger, op. cit., p. 576.
(1/5087)
.

... 2 ـ إيلياء
... هو اسم لها مشتق من اسم الإمبراطور الروماني إيليا هادريان (
Aelius Hadrianus) الذي هدم مدينة أورشليم للمرة الثانية في عام 135 م، بعد تيتوس الروماني الذي هدمها سنة 70 م، حتى تكون ختاماً نهائياً لليهود في فلسطين بوجه عام، والقدس بوجه خاص، سياسياً وسكانياً. وبنى هادريان مكانها سنة 135 م مدينة أسماها إيليا كابيتولينا (Aelia Capitolina)، أي إيليا العظمى، أو إيليا (Aelia)، فقط، ليمحو من الوجود كل أثر يهودي فيها (1)
__________
(1)
M. Grant, op. cit., p. 246; Crown Prince Hassan bin Tolal, op. cit., p. 8. ؛
(1/5088)
. وظلت المدينة لا يسكنها اليهود حتى القرن السابع الميلادي والفتح العربي الإسلامي لها.
... حاول المؤرخون الإسلاميون أن يفسروا معنى الاسم، فيرى البكري (1) أن معناها »بيت الله«، ويرى ياقوت الحموي (2) المعنى نفسه، بل يزيد بإيراد أنها
__________
(1) عبد الله بن عبد العزيز البكري الأندلسي، معجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع، ج 1، تحقيق مصطفى السقا، ط 1، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، 1364 هـ/ 1945 م، ص. 217.
(2) شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، معجم البلدان، ج 1، ص. 293.
(1/5089)
»بيت الله«، »الأرض الحزن«، وأن الذي بناها هو إيلياء بن أرم بن سام بن نوح. ومن ثم فقد سُميت باسمه. غير أن هذا اجتهاد من ياقوت الحموي، حيث أراد أن يفسر معنى الاسم فيكون بدايته بمقطع »إيل«، ومعناها الله. ومن ثم فلم يفطن إلى أن إيليا اسم روماني أصلاً، غير أنه ربطه بـ »إيلياء بن أرم بن سام بن نوح«.
... ظل اسم إيلياء سائداً نحو مائتي سنة، إلى أن جاء الإمبراطور قسطنطين (306 ـ 337 م) ـ وهو أول من تنصر (1)
__________
(1) وهناك رأي بأنه بقي وثنياً طوال حياته، ولم يتقبل النصرانية إلا على فراش المرض. (انظر: عمر كمال توفيق، تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، الإسكندرية، 1967، ص. 29).
(1/5090)
من الأباطرة الرومان في عام 312 م ـ فألغى اسم إيلياء، وأعاد محله اسم أورشليم، سنة 324 م. إلاَّ أن العرب ظلوا يعرفونها باسم »إيليا«، حتى بعد الفتح الإسلامي لها، لأن هذا الاسم تضمنته العهدة العمرية، التي حررها عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لأهل القدس، عندما تسلمها عام 15 هـ/ 637 م، حيث أن العهدة العمرية صُدرت بعبارة: »هذا ما أعطى عبد الله عمر أهل إيلياء من الأمان«. ولكن اليهود، كعادتهم، أخذوا اسم »إيلياء« وحشروه في "توراتـ"ـهم. فقد وردت إشارة مع أواخر سفر الملوك الأول، إلى اسم »إيليا«، وهو اسم
(1/5091)
أحد الملوك اليهود (1). ومع ذلك، لم يفضل اليهود استعمال هذا الاسم على استعمال اسمي »أورشليم« أو »صهيون«(2).

سادساً: كتابات المؤرخين المسلمين
... هو الاسم الذي أُطلق على المدينة بدءاً من الفتح الإسلامي لها، محل إيليا وأورشليم. على أن اسم »بيت المقدس« كان أكثر وروداً في مختلف المصادر(3). ومن ثم فهو
__________
(1) سفر الملوك الأول 17: 1 ـ 18؛ وكذا: بطرس البستاني، دائرة معارف البستاني، بيروت، 1900، مادة »إيليا«.
(2) شفيق جاسر أحمد محمود، المرجع السابق، ص. 19.
(3) مصطفى مراد الدباغ، المرجع السابق، ص. 96.
(1/5092)
اسم يعيد ما عُرفت به قديماً. والاسم مشتق من القُدُس ـ بضم القاف والدال ـ، وهي الطهارة والبركة. ومن ثم، فإنه يعني بيت المقدس، المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب، ويقال المنزه عن الشرك والمرتفع. والبيت المُقَدَّس ـ بضم الميم وفتح الدال المشددة ـ، أي المطهر، وتطهيره إخلاؤه من الأصنام. وقد جعلت مسكناً للأنبياء والمؤمنين(1). وهي مدينة
__________
(1) شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري، نهاية الأرب في فنون الأدب، القاهرة، دار الكتب المصرية، 1923، ج 1، ص. 325؛ وكذا: مجير الدين الحنبلي، المرجع السابق، ص. 4.
(1/5093)
أنبياء الله ومعجزاتهم ابتداء بإبراهيم الخليل إلى عيسى بن مريم حتى معراج محمد - صلى الله عليه وسلم -. وقد أشار إلى ذلك بأسلوب بليغ من خطب من المسلمين في المسجد الأقصى على أثر الفتح العربي الإسلامي، القاضي محيي الدين محمد بن زكي الدين علي القرشي، حين قال: »هو مقر الأنبياء، ومقصد الأولياء، ومدفن الرسل، ومهبط الوحي، ومنزل ينزل فيه الأمر والنهي«(1). ومن ثم فإن كلمة »قدس« منها »مقدس«؛ فهي ـ حسب القواميس المعروفة ـ واحد من المعاني الثلاثة التالية: ما هو مكرس لخدمة الله
__________
(1) المرجع نفسه، صص. 296 ـ 297.
(1/5094)
ولعبادته، ما هو مكرس أو مزعوم أنه مكرس لهدف غير ذاتي ولمقصد روحاني، وما هو مرتبط بشخص أو بشيء له قداسته، وأخيراً هو الذي تعتبره أو تعترف به سلطة أو تقليدٌ دينيٌّ ما أنه مقدس. فالمعنى، إذن، له مدلول تاريخي وليس مجرد نتيجة نظرية جامدة. والعالم مقسوم، في الأديان المعروفة، إلى قسمين لأحدهما وزن خاص، وهو القسم المقدس. وما يميزه عن القسم الآخر، غير المقدس، هو الطقوس والعبادة والمحرمات وغيرها من الإجراءات الدينية، وبإمكان الشيء أن يكون مقدساً بالاستمرار أو الارتباط (1)
__________
(1) حسن سعيد الكومي، »قدسية فلسطين عند المسلمين«، شؤون فلسطينية، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية، رقم 11، تموز (يوليو) 1972، ص. 144.
(1/5095)
. والقدس، وقدس الأقداس، ألفاظ شائعة في "العهد القديم". وهي بلاشك مشتقة أصلاً من مادة »قادس« السامية بمعنى »طهر« أو »حرُم« (1). وهي ذات دلالة دينية. فالقدس هو مكان في الهيكل يتعبد فيه الكائن، ويفصل بينه وبين قدس الأقداس حجاب. وقدس الأقداس هو المذبح؛ وهو متعبد كبير الأحبار. وفي سفر اللاويين ينهى الرب هارون ـ عليه السلام ـ عن دخول القدس كل وقت داخل الحجاب أمام الغطاء الذي على التابوت لئلا يموت (2)
__________
(1)
Thesaurus, Linguae Hebraecae et Chaldacae, Tom. II, Lipsiae, 1840, p. 1195.
(2) سفر اللاويين 16: 1.
(1/5096)
. والمَقْدِس مكان القُدس، جاء في "سفر العدد": »وقال الرب لهارون: أنت وبنوك وبيت أبيك معك تحملون ذَنْب المَقْدِسِ« (1).
... وعلى أية حال، فقد عرفت المدينة منذ بداية تاريخها باسم »القدس«(2)، عندما أقيمت فيها أماكن مقدسة للعبادة. ومن الجلي أن هيرودوت (484 ـ 425 ق. م) لم يذكر اسم أورشليم، ولكنه ذكر كلمة »قديتس« مرتين في الجزء الثاني والثالث من تاريخه. وقد حاول بعض الباحثين الوصول إلى تفسير العلاقة بين القدس وكلمة »قديتس«، فجاء التفسير
__________
(1) سفر العدد 18: 1.
(2) سفر أشعياء 48: 2؛ نحميا 11: 13.
(1/5097)
لافتاً للنظر: فاسم القدس محرف من اليونانية عن النطق الآرامي »قديشتا« (1). ومما يثير في النفس ريبة أن اليهود أطلقوا عليها أحياناً اسم »مدينة القدس« (2). وفي "إنجيل متى" ورد في النص العربي باسم »المدينة المقدسة« (3)، ويقابله في النص السرياني »بيت مقديشيو«، أي بيت المقدس.
__________
(1) حسن ظاظا، المرجع السابق، ص. 8؛ وكذا: سيد فرج راشد، المرجع السابق، ص. 28.
(2) قاموس الكتاب المقدس، ج 1، ص. 129.
(3) إنجيل متى 27: 53.
(1/5098)
... كانت الأديان، في كل مراحل تطورها، تبني أماكن العبادة وصروح التقديس بالقرب من الأماكن المقدسة أو فيها، وكانت هذه المباني، تكتسب، أحياناً، قداسة بحد ذاتها. إذ ليس كل معبد أو كنيسة أو مسجد مبنياً على مكان كان مقدساً من قبل، بل إن مجرد تشييد المبني يُعطي المكان صبغة دينية، ربما لم تكن موجودة من قبل. إلاَّ أن عدداً كبيراً من المباني المقدسة إنما أقيم على أراضٍ كانت، بالفعل، مقدسة عند طائفة ما؛ كأن يكون المكان موقع مولد مؤسس الطائفة، أو موقع عمل أو اعمال خارقة له، أو محل حصول حدث تاريخي مهم
(1/5099)
للطائفة. والقدس، المعروفة باسم المدينة المقدسة عند اليهود والنصارى والمسلمين، مثال ممتاز على ذلك (1). فقد أمدت القدس فلسطين كلها بالقداسة، بالارتباط والجوار. لم يكن للرسول موسى عليه السلام، أي ارتباط بالقدس، ولكن نظراً لأنه كان رسولاً لليهودية، ولأن داود ـ عليه السلام ـ اختار القدس عاصمة له واختارها أيضاً لبناء الهيكل الذي بناه سليمان ـ عليه السلام ـ، ونظراً للعلاقة بين هؤلاء الثلاثة؛ لذلك كله كانت القدس مدينة مقدسة عند اليهود طيلة تاريخهم القديم.
__________
(1) حسن سعيد الكرمي، المرجع السابق، ص. 144.
(1/5100)
وقد يهب الربط التاريخي أو الديني مكاناً أو موقعاً أو مدينة أو ربما مناطق مقدسة مماثلة. ولا نحتاج إلى أمثلة على ذلك. فهو أمر شائع في أمم وأديان كثيرة. ولذلك كانت أرض كنعان (فلسطين)، بما هي أرض ميعاد، مقدسة عند يهود، لأن اليهود القدامى آمنوا أن الله وعد أرض كنعان لإبراهيم وإسحق ويعقوب (1)
__________
(1) سفر العدد 34: 1 ـ 12. وانظر هذه الوعود: محمد بيومي مهران، »قصة أرض الميعاد بين الحقيقة والأسطورة«، في مقالين بمجلة الأسطول، العدد 66، 67، الإسكندرية، 1971؛ وكذا: رشاد محمود بغدادي، حول الأرض المقدسة عند اليهود، الإسكندرية، 1416 هـ/ 1996 م.
(1/5101)
. ولا تتطلب قدسية كهذه وجود مبان أو آثار قديمة، وحتى بقايا ومخلفات دينية. وفلسطين، الأرض المقدسة، »مقدسة« لليهود، مع أنهم انقطعوا عن إقامة أيّ صلة مادية ملموسة بها منذ القرن الأول الميلادي، ولفترة طويلة جداً. فقد زال وجودهم الديني بها تماماً؛ بينما يختلف الوضع في حالة الوجود الديني الإسلامي أو المسيحي، فقد احتفظ الدينان بارتباطاتهما التاريخية والدينية باستمرار؛ وهي ارتباطات دعمها وقواها الوجود الفعلي الإسلامي والمسيحي، ووجود الآثار والمباني الدينية. وإن اعتبار القدس مدينة مقدسة عند الأديان
(1/5102)
الثلاثة لا يضعف من موقف المسلمين، بل بالعكس، يزيده قوة: فالإسلام يؤمن باليهودية والمسيحية(1).
... ويذكر مجير الدين أن »بيت المقدس« يطلق على الصخرة والمسجد الأقصى خاصة، بينما يطلق اسم »القدس« على المدينة بعامة(2). أما أسماؤها العربية، فهي بيت المقدس والبيت المقدس والمقدس والقدس والقدس الشريف والأرض المقدسة. أما الاسم الغالب، فهو »القدس«، والذي يبدو أنه رافق المدينة منذ بداية تاريخها (3)
__________
(1) حسن سعيد الكرمي، المرجع السابق، ص ص. 144 ـ 147.
(2) مجير الدين، المرجع السابق، ج 1، ص. 6.
(3) محمد بيومي مهران، دراسات في تاريخ الشرق الأدنى القديم (8)، إسرائيل، الكتاب الثاني، التاريخ، ص. 821.
(1/5103)
. كما أن كلمة »شريف« لا تضاف إلاَّ إلى الأسماء التي لها قدسية خاصة. وهكذا فإن الحرم، حيث يقوم المسجد الأقصى وقبة الصخرة، يسمى »الحرم الشريف« (1)
__________
(1) حسن سعيد الكرمي، المرجع السابق، ص. 147. إن الكنعانيين العرب هم أقدم من قدس بقعة الحرم الشريف، حيث اتخذ ملكهم ملكي صادق فيه معبداً قبل أن يقوم سليمان ـ عليه السلام ـ ببناء هيكله بحوالي ألف سنة. لذلك فليس غريباً أن يقول الأقدمون إن بناء سليمان ـ عليه السلام ـ كان على أساس قديم. (انظر: مجير الدين، المرجع السابق، ص. 5؛ وكذا: مصطفى مراد الدباغ، المرجع السابق، صص. 26 ـ 27).
(1/5104)
.
... جاء في الخبر (1) أن أهل القدس اشترطوا ألاَّ تُسلم مدينتهم إلاَّ للخليفة عمر بن الخطاب
__________
(1) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والملوك، دار المعارف، القاهرة، 1968، ج 3، صص. 607 ـ 613؛ وكذا: محمد الخضري، تاريخ الأمم الإسلامية، القاهرة، 1370 هـ، ج 2، صص. 5 ـ 7؛ وكذا محمد حسين هيكل، الفاروق عمر، القاهرة، 1962، ج 1، صص. 246 ـ 263؛ وكذا عبد المنعم ماجد، التاريخ السياسي للدولة العربية، القاهرة، 1967، ج 1، ص. 188؛ وكذا محمد علي، ملف وثائق القضية الفلسطينية، القاهرة، 1970، ج 1، صص. 3 ـ 4.
(1/5105)
(13 ـ 22 هـ = 624 ـ 644 م) ـ رضي الله عنه ـ نفسه، وأن يمنحهم الأمان لدينهم وكنائسهم، ويقبل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ ويأتي إلى القدس في عام 15 هـ (637 م)، فيدخل المدينة التي يسلمها له بطريرك أورشليم »صفرونيوس« (Sophronius)، ويمنح أهلها النصارى الأمان في دينهم وأموالهم وأعراضهم، لا يضار أحد منهم بسبب دينه، ولا يكره على شيء في أمره. ولا يسكن بإيليا أحد من اليهود (1)
__________
(1) هناك رواية أخرى تذهب إلى أن الفاروق عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ رفض الموافقة على استمرار القرار الروماني القديم بمنع اليهود من النزول بالمدينة، معتذراً بأن القرآن الكريم قد حدد ما لأهل الكتاب وما عليهم، وليس فيه شيء يسمح بهذا. ولكنه تعهد لنصارى القدس بألاّ يدخل أحد من اليهود إلى مقدساتهم أو يسكن في حارتهم. (انظر: حسن ظاظا، المرجع السابق، ص. 30؛ وكذا محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص. 823. (1)).
(1/5106)
.
... إن العهد العمرية، اشترطت ألاَّ يقيم في القدس يهود، وذلك بناء على طلب صفرونيوس، الذي كان يمنعهم من السكن في المدينة المقدسة. أما عن وجود اليهود في فلسطين العربية طوال حكم المسلمين الذي استمر قرابة أربعة عشر قرناً، كان سببه هو سماحة الإسلام والمسلمين، الذين تغاضوا عن تسللهم وسمحوا لهم بتأدية شعائرهم والبكاء عند الحائط. أما وجودهم قبل الإسلام، فكان وجوداً همجياً، حافلاً بالقسوة والعنف والحقد. ومنذ أن قادهم موسى، عليه السلام، إلى أرض فلسطين ـ والتي لم يدخلوها في عهده ـ اعتبروا شعبها من
(1/5107)
الفلسطينيين عدواً لهم وصمموا على إبادة ذلك الشعب (1).
... هناك أسماء عربية أخرى للقدس ورد ذكرها في القرآن الكريم: {والتين والزيتون، وطور سنين، وهذا البلد الأمين} (2). وهذا يعني أن »التين« بلاد الشام، و»الزيتون« (3)
__________
(1) عبد الحميد زايد، المرجع السابق، ص. 178.
(2) سورة التين: آية: 1 ـ 3.
(3) من أهم جبال القدس، جبل الزيتون، ويسميه العرب »جبل الطور«، ويقع إلى الشرق من القدس، مواجهاً لأسوار الحرم الشريف في مواجهة الجبل من الجهة الشرقية، ويفصله عنه وادي قدرون. ويسميه التلمود باسم »جبل المسيح«، أي جبل التتويج، لأنهم كانوا يستخلصون من زيتونه الزيت المقدس المستخدم في تتويج ملوكهم. (انظر: سيد فرج راشد، المرجع السابق، ص. 30).
(1/5108)
بلاد القدس، و»طور سينين« هو الجبل الذي كلم الله منه موسى، عليه السلام، و»هذا البلد الأمين« هو مكة المكرمة. ومن أسمائها »القرية«، وإلى ذلك تشير الآيات: {ادخلوا هذه القرية، فكلوا منها حيث شئتم رغداً، وادخلوا الباب سجداً، وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم} (1). ومنها »الأرض المباركة«، وإلى ذلك تشير الآية: {ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} (2). ومنها »الساهرة«، وجاء في الآية: {فإذا هم بالساهرة} (3).
__________
(1) سورة الأعراف، الآيات 7.
(2) سورة الأنبياء، أية 21.
(3) سورة النازعات، آية 79.
(1/5109)
... من الملاحظ أن أسماء القدس كلها عربية الأصول كنعانية أو يبوسية؛ إلاَّ عندما سماها داود، عليه السلام، والإمبراطور الروماني هادريان باسميهما، اللذين ذهبا مع الأيام. حتى الاسم »أورشليم« اسم كنعاني، وكذلك الاسم »يورشاليم« تعبير أرامي عربي. كما نلاحظ أن قدسية المدينة عربية الأساس، فقد دشن البيوسيون العرب هذه القدسية قبل مرور، إبراهيم، عليه السلام، بالقدس، أكثر من ألف سنة. وهي مدنية عربية قبل أن يفتحها داود، عليه السلام، بأكثر من ألفي سنة(1)
__________
(1) فايز فهد جابر، القدس، ماضيها، حاضرها، مستقبلها، عمان، دار الجيل للنشر، 1985، ص. 14.
(1/5110)
.
... وقد حملت هذه الأسماء في أذهان الناس دلالة على قدسية المدينة وكونها بيتاً مقدساً(1). وأن شعب فلسطين الكنعاني العربي، هو الذي أسس المدينة في زمان بعيد في الماضي، وهو الذي أطلق عليها أسماءها(2)
__________
(1) محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص. 819.
(2) ومهما قيل في أسمائها، فإنها تستحق القول الذي قال فيها أمير الشعراء أحمد شوقي:
... ... بلد على أرض الهدى وسمائه ... المجد حائطه ورأس بنائه
... ... بلد بنوه الأكرمون قبورهم ... وقصورهم وقف على نزلائه

... انظر: أحمد صدقي الدجاني، المرجع السابق، صص. 41 ــ 42.
(1/5111)
.

التسلسل السياسي لمدينة القدس
... هذا وظلت القدس (أورشالم) في أيدي أهلها اليبوسيين حتى استولى داود عليها في العام السابع من حكمه، وغير اسمها إلى »مدينة داود« واتخذها عاصمة جديدة لمملكته الموحدة، وقد بقي اليبوسيون في مدينتهم »يبوس« (أورشالم) حتى بعد أن استولى داود عليها(1). وقد أصبحت منذ هذا التاريخ مدينة مقدسة عند اليهود.
... وبعد وفاة داود ـ عليه السلام ـ في عام 960 ق. م، حكم من بعده ابنه سليمان، فاستمرت عاصمة للمملكة الموحدة ما يقرب من أربعين عاماً، حتى وفاته
__________
(1) صموئيل الثاني 24: 16 ـ 25.
(1/5112)
في عام 922 ق. م(1). وقد دلت الحفريات الحديثة على أن القدس بقيت في عهد داود كما هي دون أي توسع أو تطوير، في حين أثبتت هذه الحفريات ـ أيضاً ـ أنها قد اتسعت وتطورت في عهد سليمان لتبلغ مساحتها حوالي 155 فدَّانٍ(2). ولعل أعظم الإنشاءات التي قام بها سليمان في القدس
__________
(1)
W. F. Albright, The Biblical Period, from Albraham to Ezra, New York,
1963,
pp. 120-123.
(2) عبد الحميد زايد، المرجع السابق، صص. 67 ـ 75؛ وكذا:
M. K. Kenyon, « Palestine in the Middle Bronze Age », CAH, Vol. II, I 98-104, 116-118.
(1/5113)
كانت المعبد أو ما يعرف باسم »هيكل سليمان« الذي استغرق بناؤه حوالي سبع سنوات (956 ـ 949 ق. م) (1).
... وبعد موت سليمان، بدأ الصراع القبلي بين الإسرائيليين، وانقسمت المملكة التي وحدها داود إلى مملكتين منفصلتين: مملكة الشمال وتدعى »إسرائيل«، والأخرى في الجنوب وتدعى »يهوذا«. وقد اتخذت الأخيرة من القدس (أورشاليم) عاصمة لها؛ وتعرضت عاصمة مملكة »يهوذا« خلال عصر هذه المملكة (922 ـ 587 ق. م) للعديد من
__________
(1) محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص ص. 840 ـ 860؛ وكذا:
M. K. Kenyon, op. cit., pp. 119-123.
(1/5114)
الاعتداءات وواجهت الكثير من المصائب والمحن (1): فقد هاجمها ملك مصر »شيشنق« في عام 917 ق. م (2)، كما تعرضت لهجوم الفلسطينيين في عام 850 ق. م، واحتلها ملك دويلة إسرائيل » يهواش« (796 ـ 781 ق. م) (3)، وكذا خلال فترة حكم ملك يهوذا »احاز« (734 ـ 720 ق. م) (4)
__________
(1) محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص. 869، 951، 993؛ وكذا:
H. Cattan, Jerusalem, London, 1981.
(2) أحمد فخري، مصر الفرعونية، القاهرة، 1971، ص. 398.
(3)
Dictionary of the Bible, p. 473.
(4) محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص. 969، قارن:
Dictionary of the Bible, p. 473.
(1/5115)
. ولكنه عندما غزا الآشوريون مملكة يهوذا أثناء حكم الملك »حزقيا« (715 ـ 687 ق. م) سلمت القدس من الاحتلال الآشوري (1)، وقد ظلت بمنأى من الاحتلال حتى جاء الملك البابلي »نبو خذ نصر« واحتلها في عام 592 ق. م. بيد أنها ظلت تحت حكم ملوك يهوذا حتى عام 586 ق. م، عندما محت يد السبي البابلي مملكة يهوذا من الوجود ودمرت عاصمتها القدس (أورشليم) (2)
__________
(1) محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص. 970، 973 ـ 975، الملوك الثاني 19: 35.
(2) الملوك الثاني: 25: 12، محمد بيومي مهران، المرجع السابق، صص. 989 ـ 993؛ وكذا:
Dictionary of the Bible, p. 474.
(1/5116)
. ...
... وقد بقيت أورشليم (القدس) تحت الحكم البابلي حتى جاء الملك الفارسي »كيروش الثاني« (558 ـ 530 ق. م)، فقضى على الإمبراطورية البابلية في عام 539 ق. م. ومن ثم أصبحت أورشليم خاضعة لحكم الإمبراطورية الفارسية(1). وقد سمح »كيروش« لليهود المنفيين في بابل بالعودة إلى ورشليم وإعادة بناء معبدها الذي كان »نبوخذ نصر« قد دمره في عام 587 ق. م(2).
__________
(1) محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص ص. 1032 ـ 1033.
(2) المرجع نفسه، صص. 1034 ـ 1043.
(1/5117)
... وحين أفل نجم الفرس وسقطت دولتهم على يد الإسكندر المقدوني، أظهر اليهود ولاءهم وخضوعهم وترحيبهم بالإسكندر المقدوني عندما استولى على أورشليم في عام 332 ق. م. فأصبحت منذ ذلك التاريخ خاضعة لحكم الإغريق. وبعد وفاة الإسكندر المقدوني، تقاسم قواده إمبراطوريته فيما بينهم؛ فآلت مصر إلى بطليموس (Ptolemy) وخضعت ولايات الشمال إلى سلوقس (Selecus). وبعد صراع بين بطليموس وسلوقس، انتصر بطليموس بانيون عام 199 ق. م(1)
__________
(1) المرجع نفسه، ص. 1105؛ عبد الحميد زايد، المرجع السابق، ص. 109؛ مصطفى مراد الدباغ، المرجع السابق، ج 9، صص. 55 ـ 56؛ وكذا:
Josephus, BK. XI, ch. VIII, pp. 3-7.
(1/5118)
.
... وفي عام 198 ق. م. استولى ملك سورية »أنتيخوس «(
Antiochus) على أورشليم، فأصبحت بذلك خاضعة لحكم السلوقيين. وقد تعرضت أورشليم بعد ذلك للعديد من الفتن والثورات والحروب الدامية(1)، حتى جاء القائد الروماني »بومبي« (Pompy)، فاحتل أورشليم في عام 63 ق. م. ودخلت بذلك تحت حكم
__________
(1) عن الثورات والحروب والفتن التي عمت فلسطين خلال هذه الفترة بالتفصيل، انظر: محمد بيومي مهران، المرجع السابق، صص. 1105 ـ 1136؛ عبد الحميد زايد، المرجع السابق، صص. 110 ـ 115؛ مصطفى مراد الدباغ، المرجع السابق، صص. 55 ـ 58.
(1/5119)
الرومان (1). وقد ظل الرومان يتحكمون في مقاليد الأمور في أورشليم حتى جعلوها ولاية رومانية. وتعاقب بعد ذلك الولاة الرومان على حكم أورشليم. وخلال هذه الفترة التاريخية كانت ولادة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام في مدينة »بيت لحم«، وذلك في أواخر حكم »هيرودوس« (37 ـ 4 ق. م). وقد عاش عليه السلام حياته في مدينة »الناصرة« و»الجليل«. وكانت أورشليم مكان تبشيره بدعوة التوحيد(2)
__________
(1) محمد بيومي مهران، المرجع السابق، ص. 1137؛ عبد الحميد زايد، المرجع السابق، ص. 116؛ وكذا:
H. Cattan, op. cit., pp. 23-24.
(2) كذب الله سبحانه وتعالى دعوى اليهود والنصارى بأن عيسى بن مريم عليه السلام قتل وصلب. فيقول عز وجل في القرآن الكريم: {وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله. وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم، وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً، بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيما} (سورة النساء، آية: 157 ـ 158).
(1/5120)
؛ وقد أصبحت أورشليم منذ ذلك الوقت مدينة مقدسة عند المسيحيين.
... وعندما قام اليهود بالعصيان والثورة على الحاكم الروماني، أرسل الإمبراطور الروماني »فسباسيان« ابنه »تيتوس« (
Titus) للقضاء على هذه الثورة. فهاجم »تيتوس« أورشليم في عام 70 م، وقتل الكثير من اليهود(1). وبقيت
__________
(1) محمد بيومي مهران، المرجع السابق، صص. 1140 ـ 1155؛ وعبد الحميد زايد، المرجع السابق، ص ص. 141 ـ 147؛ مصطفى مراد الدباغ، المرجع السابق، ج 9، ص. 59، 68 ـ 70؛ وكذا:
H. Cattan, op. cit., p. 24; Dictionary of the Bible, p. 475.
(1/5121)
أورشليم مدينة خربة مدة طويلة لا يسكنها سوى حامية رومانية. ويبدو أن »تيتوس« لم يسحق اليهود نهائياً. فقد ثار اليهود على الرومان مرة أخرى، واستقلوا بأورشليم في ما بين عامي 132 م و135 م (ثورة باركوخيا). ولكن الإمبراطور الروماني »هادريان« أخمد تلك الثورة ومحا أورشليم من الوجود، وبنى فوقها مدينة جديدة سماها »إيليا كبيتولينا « (Aeilia Capitolina). وقام الرومان بمذبحة خدمت مصير اليهود في فلسطين بما هي دولة قومية، ولم يسمح لليهود أن تطأ أقدامهم مدينة »إيليا« إطلاقاً منذ عام 135 م(1)
__________
(1) محمد بيومي مهران، المرجع السابق، صص. 1155 ـ 1157؛ وكذا: عبد الحميد زايد، المرجع السابق، صص. 153 ـ 157؛ وكذا:
Cattan, op. cit., p. 24.
(1/5122)
.
... وعندما انقسمت الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين، كانت فلسطين تابعة للإمبراطورية الرومانية الشرقية (الإمبراطورية البيزنطية)؛ فأصبحت »إيليا« تحت حكمها منذ القرن الرابع الميلادي حتى عام 614 م، عندما احتلها الملك الساساني »كسرى ابرويز«. وظلت كذلك حتى استعادها منه الإمبراطور البيزنطي »هرقل« في عام 627 م. ولم يدم انتصار »هرقل« طويلاً؛ فقد أعقبه مباشرة الفتح الإسلامي لمدينة »إيليا« في السنة الخامسة عشرة من الهجرة النبوية (636 م)، وذلك في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ومن ثم، فقد سمح
(1/5123)
المسلمون لليهود بالعودة إلى القدس (1).
... وفي حقيقة الأمر، فقد احتلت القدس مكانة دينية فريدة بين مدن العالم، القديم منها والحديث. فهي المدينة الوحيدة في العالم أجمع، التي يجمع أصحاب الديانات السماوية الثلاث ـ اليهودية والمسيحية والإسلام ـ على قدسيتها. ومن ثم، فقد كانت ولا تزال ـ وستظل أبداً إن شاء الله ـ رمزاً للبشرية المتدينة على اختلاف مللها ورسلها ومذاهبها. وهكذا، فإن اليهود يقدسونها، لأن لهم فيها ذكريات دينية (2)
__________
(1) مصطفى مراد الدباغ، المرجع السابق، ج 9، صص. 74 ـ 77.
(2) أما عن البراق الشريف، والذي يسميه اليهود بحائط المبكى، والذي يدعون أنه البقية الباقية من الهيكل القديم، فهو أثر إسلامي. وقد أثيرت القضية دولياً عام 1930 م. وشكلت لجنة دولية للتحقيق كان أعضاؤها من الدول المسيحية، ووافق مجلس الأمم في 5 أيار (مايو) عام 1930 م على تأليفها، وأقر اليهود صلاحيتها، وأصدرت قرارها 14 كانون الثاني (يناير) 1931 كما يلي: »للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه، لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من ساحة الحرم الشريف التي هي من أملاك الوقف. وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط، لكونه موقوفاً ـ حسب =
= ... أحكام الشرع الإسلامي ـ لجهات البر والخير«. وعلى ذلك، فمدينة القدس تشمل شطري المدينة قديمها وجديدها، وهي عربية صرف. كذلك القرى العربية التي تجاورها، والتي اغتصبها اليهود بعد عدوان 5 حزيران (يونيه) 1967، وعمدوا إلى تغيير الوضع الراهن منذ عام 1931. وكان الانتداب البريطاني في هذا الوضع يعترف بأن للمسلمين وحدهم الحق العيني في ملكية هذا الحائط، مع إباحة سلوك اليهود إليه للعبادة. وقد نظم القرار الشروط الخاصة بالسلوك إلى الحائط: عدم *** الخزانة المحتوية على أسفار "التوراة" والمائدة التي توضع عليها عند الحائط إلاَّ في الصوم أو الصلاة الجماعية وما شابه ذلك؛ منع *** المقاعد والسجاجيد والكراسي، إلخ. على أن يحترم حق المسلمين في الذهاب والإياب على الإفريز بالطريقة المعتادة؛ ويحرم على اليهود نفخ البوق (الشوفار) بالقرب من الحائط... إلى آخره من الشروط التي يجب أن يراعيها اليهود والمسلمون. (انظر: الحق العربي في حائط المبكى، منشورات مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1968، صص. 105 ـ 109؛ وكذا عبد الحميد زايد، المرجع السابق، صص. 189 ـ 190، 206 ـ 257).
(1/5124)
وسياسية: ففيها كان هيكلهم المشهور؛ كما أنها كانت عاصمة لدولتهم حيناً من الدهر. ويقدسها المسيحيون، لأنها موطن المسيح ـ عليه السلام ـ ومبعث هدايته، ومن ثم فقد اتخذوا عادة الحج إليها. ولعل الأرجح أن المسيح ـ عليه السلام ـ، طبقاً لرواية "إنجيل لوقا" ـ قد حج إليها في صباه؛ ولما كان في الثانية عشرة من عمره، بقي فيها حيناً من الدهر يتعلم ويسأل ويعظ (1). ثم زاد الحجيج من المسيحيين إلى القدس، بعد أن بنت »هيلانة« أم الأمبراطور الروماني قسطنطين في عام 326 م كنيسة القيامة؛ فسعى إليها
__________
(1) لوقا 2: 41 ـ 52.
(1/5125)
الحجيج من كل حدب وصوب (1). ويقدس المسلمون هذه المدينة، لأن الله تعالى شاءت إرادته أن يخصها بالعديد من الأنبياء ابتداء من أبيهم آدم حتى عيسى ابن مريم ـ عليهم السلام ـ ولأن فيها أولى القبلتين (2) وثالث الحرمين الشريفين، ولأن بها مسرى النبي الأعظم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وصدق الله العظيم حيث يقول: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي
__________
(1) عمر كمال توفيق، المرجع السابق، ص. 29؛ وكذا: فيليب حتي، المرجع السابق، ص. 387.
(2) انظر: سورة البقرة، آية 142 ـ 144.
(1/5126)
باركنا حوله}(1).
__________
(1) سورة الإسراء، آية 1.
(1/5127)
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلة, مقتطفات, التاريخ, العربى


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع مقتطفات من مجلة التاريخ العربي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حركات وشخصيات أدبية وفكرية مشبوهة في التاريخ العربي الحديث Eng.Jordan أخبار ومختارات أدبية 2 11-29-2013 08:19 PM
قصة أشهر مجلة تنصيرية مسيحية وهي مجلة (العالم الإسلامي The Muslim World) Eng.Jordan شذرات إسلامية 0 04-19-2012 09:06 PM
التاريخ العربي الاسلامي في ظل الزمن القطري محمد خطاب الكاتب محمد خطاب ( فلسطين) 0 02-08-2012 07:59 PM
«الربيع العربي» والغرب: سبعة دروس من التاريخ تراتيل أخبار عربية وعالمية 4 02-03-2012 10:09 PM
مقتطفات من الأدب العربي مهند أخبار ومختارات أدبية 2 01-17-2012 11:01 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 09:47 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59