#1  
قديم 01-29-2012, 10:11 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي تساؤلات توصيفية لإشكاليات المصطلح الإسلامي


دونَ اللومِ .. وفوق العتاب
تساؤلات توصيفية لإشكاليات المصطلح الإسلامي
بقلم : محمد مصطفى سليم (*).
مدرس مساعد بكلية الآداب / جامعة القاهرة [ فرع بني سويف ]
محاضر بجامعة الإمارات حالياً .
الإمارات ـــ العين ــ ص.ب:[18589]
تليفون منزل : 7625198 ــ 009713
-----------------------------------------------------------
كان لاتسامِ واقعنا المعاصر بحتمية التكريس لاستقرار النمط الأوحد تجلياتٌ عدة؛ أهمها العمل على إسقاط الاعتبارات الاستيراتيجية والخصوصية المتنامية إلى حدٍ ما ، وبالتحديد في دول العالم الثالث ، حتى تنمحي بذور المقاومة ، مع تقديم معطى اقتصادي و سياسي و حضاري وثقافي ، على هذا النحو من الترتيب المقصود ، ولهذا بات العمل على إزاحة المثقف وانحسار الثقافة ركيزة هامة لتحقيق ذلك النمط الأحادي ، ولعل هذا ما يتماس مع مفهوم العولمة على وجه التقريب .
كما كان لاتساع الفجوة الحضارية بين دولٍ تتكتَّل اقتصادياً فتنتج وتبدع ودولٍ أخرى تستهلك وتترجم وتعرِّب وتُمصِّر وتنسخ .. ، كان لهذا أثره في أن يشيع ــ على سبيل المثال ــ مصطلح العولمة في كثير من كتاباتنا ، بينما لا يزال المصطلح يبحث له عن مدلول مادي واضح في بلاده التي نشأ فيها ؛ مما يعني هذا أن ثمار هيمنة النمط الأوحد قد بدأت في الطرح الفعلي .
ولأن للمصطلح وصياغته مكانة هامة في الإطار المعرفي ؛ لأنه القلب النابض للثقافة التي ينتمي إليها ، وأيضاً للكاتب المتعمق في ثقافته ومكانتها ضمن ثقافة العالم الأهمية نفسها ، فهو همزة الوصل بين جوهر الثقافة والمصطلحات المستوعبة لها بين الأجيال الآتية ، ولا مجال له للتحامل على تيار ثقافي ما ، أو التقليل من شأن تيارٍ آخر. ويضاف إليهما القارئ المشارك بوعيه في تشكيل المشهد الثقافي المتفاعل مع معطيات الواقع المحلي والواقع العالمي المحيط .ولأن لهذا الثالوث أهمية كبيرة في المجال الفكري ، فإن ثمة تساؤلات تحيط بمشهد المصطلح الثقافي من منظور الفكر الإسلامي يطرحها المقال ، وذلك بعد محاولة تعريفية للمصطلح على النحو الآتي :
[ المصطلح شفرة مقننة تختزل بداخلها مجموعة الأسس والمفاهيم والدلالات المتفق أو المتوافق عليها بين الكاتب والقارئ في مجال معرفي محدد ، نوعاً من التواصل والتفاهم الواعيين . وتنبثق أصالة المصطلح من كونه إفرازاً صادقاً للواقع المادي / الفكري ، ويعكس معتقداته وهمومه ، بل استيراتيجياته في سياق متكامل ونسيج حي ، يتبدل ، ويتغير بالتطور والمواكبة للمتغيرات الواقعية ].
وهنا ، يتجلى هدف المصطلح من جانب ، وتتحدد مسؤولية الكاتب ، الذي تعهد إليه أمانة صك المصطلح بالتكليف الإرادي ، استيعاباً لرصد التنقلات المادية والفكرية ، المُنْتَجة ( بفتح التاء ) ، بفعل إبداعات العقلية العربية الإسلامية من جانبٍ ثانٍ ؛ لأنَّ الكاتب يمتلك القدرة على هضم الموروث والتفاعل مع الحاضر الراهن ، واستشراف آفاق المستقبل ، بينما يبرز دور القارئ من خلال إلمامه بالتيارات الثقافية الأصيلة والوافدة ، المطروحة على الساحة ، حتى يتاح له قدرٌ كبيرٌ من التواصل في ظل ثورة المعلومات وعصر التراكم المعرفي ، وهذا من جانبٍ ثالث .
وتأسيساً على هذا المفهوم ، ثمة أسئلة يطرحها الواقع ، نسوق منها ثلاثة ؛ يتصل كلٌ منها بعضه البعض ، وهي :
أولاً : هل مفهومنا للمصطلح يتواءم مع ما عرضناه آنفاً ؟ .
ثانياً : هل لدينا الكاتب المفكر المسئول عن صياغة المصطلح الإسلامي ؟ .
ثالثاً : هل لدينا القارئ المثقف المواكب للتطور المضطرد في عناصر الثقافة ؟ .
إنَّ الإجابة عن هذه الأسئلة ، بالنفي أو الإثبات ، رغم ضرورة التحديد ، لا تفضُّ إشكالية المصطلح ، ولذا يتمركز الطرح في هذا المقال حول تشخيص الوضع الراهن على أن تُترك الإجابة للقارئ ، مع ضرورة التنبيه ـ في البداية ـ على أن هناك تمايزاً مطروحاً بين المصطلحات المتداولة في مجال الفكر الإسلامي ، وبين غيرها من المصطلحات المصكوكة مُسَبَّقاً في الفكر الغربي ؛ لأن ثمة إشكالاً يبدو ماثلاً في عملية الإسقاط الأعمى للمصطلح الغربي على الساحة الإسلاميَّة ، وهو المطبوع بالطابع المحلي للبيئة الأصلية التي تَوَلَّد فيها ، وإن كان مُكْتَسباً للطابع العالمي بفعل السيطرة الحضارية الآنية للغرب على العالم المعاصر . كما يوجد تمايزٌ دلالي للمصطلح في شِقَّيه ؛ اللغوي والحضاري ، بما يتحدد المضمون اللغوي عندنا في عدم ارتباطه بالمضمون الحضاري لنا ، الغائب عن واقعنا ، الحاضر المتطور دوماً في واقع الآخرين .
وتبدو المشكلة قائمة عند حدود الالتقاء بين الفكريين : الإسلامي والغربي ، في ظل تمايزهما الحضاري ، بحيث حُمِّلت الكلمة العربية من الناحية الاصطلاحِيَّةِ مدلول الكلمة نفسها في اللغة الأجنبية ، مما جعل المسلمُ يستشعرُ حالةً من التأزمِ ، ويلمس تفريغ المصطلح من دلالات الواقع الخاص به ، والتي يفترض فيها أن تكون هي ( المادة ) بالنسبة للمصطلح ( الصورة ) .
وكانت المحصلة ، أننا وقفنا ، كُتَّاباً وقرَّاءً ، على ركامٍ هائل من المصطلحات الغامضة في دلالتها ، والمنحوتة غربياً في واقع مغايرٍ تماماً لواقعنا ، بل أصبح معيار البراعة للمفكر منوطاً بقدرته على صَبِّ النتاج العربي في القوالب المُعَدَّةِ في بلاد الآخرين . وقد يحميه في ذلك سياقُ من التبعية العمياء لكل ما هو أجنبي ، فغدا أسير هذه المصطلحات ، لا ينفك منها ، ويبذل جهداً كبيراً في إخضاع تأويلاته ونتاج إخوانه المفكرين ، حتى أجداده من القدامى ، لدلالات هذه المصطلحات بطريقةٍ غير أمينةٍ ، ومتعسفةٍ إلى حدٍ ما ، ضارباً بحد المنطق في أن يكون المصطلح ( تابعاً ) والنتاج الفكري الإنساني ( متبوعاً ) .
وإذ بالقارئ يرددُ، بوعي أو بدون وعي ، تلك المصطلحات الغامضة من قبيل التشدق ، والتنطع المتحذلق ، وبنمط كله خيلاء .!!!
إمعاناً في التوضيح ، ننوه ، بأن هناك أصواتٍ فكريَّةً ترى ملمحاً غير مأمون الجانب ، يظهر على استحياء تارةً ، وفي تبجح تارات أخرى ، فيما تنطوي عليه هذه المصطلحات من إحداث شبه قطيعة مع موروثنا العريق ، فبالضرورة تُمْسَخُ الهوية ، وتضيع الذات الأصلية ، أمام طوفان المصطلحات المراوغة ، وتلقي هذه الأصوات الفكرية بالتبعية على الغرب في أنه صاحب دور خطير ، ولا يزال يلعب الدور نفسه ، في صك العديد من المصطلحات ، التي تعمل على زعزعة جسد الأمة ، وتفريق وحدتها ، على نحو ( المحمدية ) و ( العروبة ) و( الوطنية ) و( القومية ) و ( الإسلام الأصولي ) و ( اليسار الإسلامي ) ، وغيرها ، مما يُظَنُّ فيه القدرة على تحجيم ، أو الوقوف أمام الصحوة الإسلامية ، المعتمدة على العقيدة والقيم الخاصة بها ، التي تجعل من الأمة جسداً واحداً ، يُصانُ من الذوبان ، أو الفناء في غيرهم ، ولكن يظلُّ السؤال مطروحاً :إلى متى ستظل محاولات الخروج من الأزمة ماثلةً في البوق الصارخ والشعاري المندد دون العمل على صياغة المصطلح المتوافق مع تراثنا / ماضينا وحاضرنا الراهن في ظل المستجدات المتغيرة ؟!!
والمشكلة قائمة في أننا لم نمعن النظر في الفوارق العميقة بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي ، فلقد أصبحت كلمة ( الليبرالية ) تعني عندنا ( الحرية ) رغم ما بين المصطلحين من اختلاف وتباين ، والأمر كذلك مع ( الديمقراطية ) التي يفسرها البعض بـ ( الشورى في الإسلام ) ، كما انتقلت إلينا مصطلحات لم يعرفها الفكر الإسلامي ، وإنما جاءت نتيجة النزعة المادية في الفكر الغربي ،، ومع ذلك نستخدمها بغير تحديد، مثل ( الاغتراب ) ، و( التطور ) الذي يرتبط في الإسلام بمفهوم الثوابت . بينما يقوم في الغرب على مفهوم التحول الدائم والصيرورة ، والأمر كذلك مع مصطلح ( الثيوقراطية ) بظلاله الغربية المرتبطة بالوثنية اليونانية والعبودية الرومانية والتثليث المسيحي ، والذي لم يعرفه الإسلام ؛ لأنه يقوم على سيطرة رجال الدين على الحكم ، بدعوى الحق الإلهي ، الذي يعد المشيئة الإلهية منبعاً للسلطة الزمنية .
ثمة ملمحٌ آخر تبرزه كتابات بعض مفكرينا ، ويخص سيطرة المصطلح الغربي على عقول بعض كُتَّابنا ، ممن أصيبوا بحمى التغريب المرتفعة بمصطلح مثل ( العقلانية ) للتقليل من شأن الوحي والنقل ( القرآن والسنة ) ، والأمثلة على ذلك كثيرة تحتاج إلى الرصد المتأني والتحليل العميق .
ومن غرائب المصطلحات المُنْدَسَّة في بعض الكتابات ما يعرف بـ ( الكارزما الأصولية ) ، وكلمة كارزما [ Charisma ] التي تعني هبة النعمة ، تضم المعنى الديني والاجتماعي والسياسي والفني ، ولذا اشتق منها ( القائد الكارزمي ) ـ الذي يعد قمة الحركة الثورية ذات الطابع الديني والأيديولوجي ، أو المعتقد الشمولي الثوري المسمى بـ ( الأصولي ) ـ ويهدف كما تواضعوا على تعريفه، إلى انتشال الإنسان من الإحساس بالغربة في واقع غير مستقر، مع إعطاء مشروعية اللاعقلانية الجماهيرية ، التي تكبت الإبداع ، وذلك بإيجاد المحرمات الثقافية ، وهذا خلط يطمس الفروق النوعية والجوهرية ، إذ يجعل مثلاً من نهرو وعبد الناصر ونكروما وسوكارنو وحسن البنا ومحمد بن عبد الوهاب والسنوسي في مرتبة واحدة ، وهذا لهو الظلم والتعسف بعينه .
إن طوفان المصطلحات الغربية المدسوسة في كتاباتنا ، تعد فصلاً من رواية طويلة ، حُيْكَتْ لضرب الثوابت الإيمانية الحافظة لضمير المجتمع ، ومقدساته وأظن الأوان قد أتى، لكي تُغربل هذه المصطلحات . بعيداً عن الهجوم والدفاع ، وبالتالي نَصُكُّ مصطلحاتٍ تنبع ، أساساً ، من واقعنا الاجتماعي والنفسي والديني والإسلامي .
يبقى الخلاص في المناداة ـ كما نادى البعض ـ بضرورة تحديد المصطلح ، بمعنى ، أنه عندما نعطي هذه المصطلحات تعريفات محايدة ، فإنَّها تتجنب تفريغها من المضامين ، أو إعطائها مضموناً مناقضاً لا يخلصها من رواسب غيرية تصطدم بالذات العربية الإسلامية ؛ لأننا لا نمتلك الحضارة المهيمنة في وقتنا هذا، أوبمعنى آخر هل نستطيع القيام بأسلمة المصطلح ؟!!.
( * ) محاضر بجامعة الإمارات .
mmseliem@hotmail.com
mmseliem2@maktoob.com
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
لإشكاليات, المصطلح, الإسلامي, تساؤلات, توصيفية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع تساؤلات توصيفية لإشكاليات المصطلح الإسلامي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تساؤلات مربكة ومحبطة حول استراتيجية واشنطن بالمنطقة Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 12-31-2016 02:06 PM
تساؤلات الأزمة السياسية في اليمن عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 02-11-2015 09:02 AM
ذلك المصطلح ذو السمة السيئة!! عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 11-17-2014 08:43 AM
تساؤلات إسرائيلية عن سيوف الملك ونتنياهو Eng.Jordan أخبار الكيان الصهيوني 0 11-16-2014 10:06 AM
أهمية المصطلح في الفكر الإسلامي عبدالناصر محمود دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 05-05-2013 07:00 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 06:09 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59