#1
|
|||
|
|||
من أساليب التربية النبوية طريقة الخطوات المتتالية
إن المعلم الناجح يقسم درسه إلى فقرات متتالية ، ويستعين بهذا التقسيم على إيصال المعلومات مرتبة : واحدة إثر واحدة ، ولا ينتقل إلى الثانية إلى بعد أن يفهم تلاميذه الأولى ، وهو بهذا يتيح لهم الفرصة لفهم ما يتلقونه أولاً بأول واستيعابه ، ويكون ناجحاً إذا ربط الموضوع ( بفقراته كلها ) موضحاً بدء كل فقرة وانتهاءها ، وعلاقتها بما بعدها . . وإذا تابعنا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجدنا قسماً كبيراً منها يتبع هذا الأسلوب النافع الدال على قدرة فائقة في إيصال المراد إلى السامع ، والتأكد من أنه تلقى العظة والعبرة واستوعبها . وهذا ما نجده واضحاً في حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاَ إلى أهل اليمن ، قال له : إنك لتقدُم على قوم من أهل الكتاب : 1ـ فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى . 2ـ فإذا عرفوا فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم . 3ـ فإذا صلوا ، فأخبرهم أن الله تعالى فرض عليهم زكاة في أموالهم ، تؤخذ من غنيهم فترد إلى فقيرهم . 4ـ فإذا أقروا بذلك فخذ منهم ، وتَوَقَّ كرام أموال الناس(1). نلاحظ : 1ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم عَرَّف معاذاً ـ رسوله ـ بأهل اليمن ، فهم ليسوا وثنيين ولا عباد أصنام ، فلا يفرض الإسلام عليهم فرضاً ، فاستعمل الحكمة معهم . 2ـ وهم يعرفون الله تعالى ، لكن معرفتهم إياه ـ سبحانه ـ مختلطة ، فهم يجعلونه ثالث ثلاثة ويجعلون عيسى عليه السلام ابنه ، فادعهم إلى توحيده ـ سبحانه ـ وبيّنْ لهم خطأ اعتقادهم . 3ـ فإذا عرفوا الله حق المعرفة وجب أن يعبوده ، وأول العبادات مرتبة : الصلاة ، فبينْ لهم أن الصلاة عماد الدين ، وأنها تقرب العبد من مولاه ، وأن ما بين الرجل والكفر تركُ الصلاة . 4ـ فإذا صلوا فقد دخلوا الإسلام ، وجاءت العبادات الأخرى وراءها ، والزكاة مقدمة على غيرها . . وأعلمْهم أن الزكاة ليست إتاوة تدفع للحاكم ـ فلربما استصعبوها !! فأنبئهم أنها للتكافل الاجتماعي ، (( حق يؤخذ من الغني فيهم فيرد إلى فقيرهم )) فهذا أدعى إلى الرضا بها . 5ـ فإن أقروا بها فخذ منهم زكاة أموالهم ، وتجنب ما يحبون ويضنون به ( وهذا يدل على عمق فهم أغوار النفس الإنسانية ) . . . وأنت تلاحظ من حديثه صلى الله عليه وسلم ما يلي : 1ـ التدرج من الأهم إلى الأقل أهمية ( ولا تنس أنها ـ كلها ـ مهمة ) : المقدمة : ( تعريفهم بالدين ) ثم التوحيد ، ثم الصلاة ، ثم الزكاة . . 2ـ الكلمات الرابطة بين الفقرات : (( إنك لتقدم ، فليكن أول ، فإذا عرفوا ، فإذا صلوا ، فإذا أقرّوا . . )) فالتعبير الثاني ( ليكن أول ) نتيجة للأول ( إنك لتقدم ) . والتعبير الثالث ( فإذا عرفوا ) نتيجة للتعبير الثاني . والتعبير الرابع ( فإذا صلوا ) نتيجة للثالث . والتعبير الخامس ( فإذا أقروا ) نتيجة للرابع . خطوة بعد خطوة ، وطلب إثر طلب ، وانتقال وثيق يدل على تلازم الفقرات كلها . . وهكذا يستوعب السامع العظة والعبرة ، ويتفهمها ويهضمها . ونجد هذه الخطوات واضحة فيما رواه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له : أي الأعمال خير ؟ قال صلى الله عليه وسلم : إيمان بالله وجهاد في سبيله . قيل : فأي الرقاب أفضل ؟ قال صلى الله عليه وسلم : أغلاها ثمناً ، وأنفسها عند أهلها . قيل : أفرأيت إن لم أستطع بعض العمل ؟ قال صلى الله عليه وسلم : فتُعين صانعاً ، أو تصنع لأخرق . قيل : أفرأيت إن ضعفت ؟ قال صلى الله عليه وسلم : تدع الناس من الشر ، فإنها صدقة ، تَصدَّقُ بها على نفسك (2). أنت تلاحظ في حديثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يلي : 1ـ التدرج من الإيمان إلى الإحسان إلى الناس ، إلى مساعدتهم إلى كف الأذى عنهم . أي من المُهِمِّ إلى الأقل أهمية . 2ـ أما أداة الربط فهي : السؤال والجواب والمحاورة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائله . وفي حديث آخر نرى هذه الطريقة واضحة : عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( كل معروف صدقة ، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق ، وأن تفرغ دلوك في إناء أخيك ))(3) . فتأمل معي وصف المعروف . . فهو صدقة تتصدق بها على أخيك المسلم ، فإذا عرف المسلم أن المعروفَ يُثابُ عليه جاءته طريقة من طرق المعروف التي لا تكلف كثيراً . . الابتسام وطلاقة الوجه ، وحرارة لقاء المسلم أخاه المسلم ، والتحبب إليه ، وإشاعة الراحة والهناء في جو الأخوة . ثم ينتقل المسلم من الصدقة التي لا تكلف الكثير إلى الصدقة التي فيها عطاء وإيثار ، لأن الذي تؤثره على نفسك أخوك المسلم ، ثم إلى الصدقة التي فيها بذل وسخاء ، وهنا تهون الدنيا أمام إخوان العقيدة ، ويرخص الغالي في سبيلهم . . وما أعظمها من أخوّة . ومن التعليم بطريق الخطوات ، ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( أقيموا الصفوف ، وحاذوا بين المناكب ، وسدوا الخلل ، ولينوا بأيدي إخوانكم ، ولا تذروا فرجات للشيطان ، ومن وصل صفاً وصله الله ، ومن قطع صفاً قطعه الله ))(4) . ألا ترى معي أن التعليم المتدرج في هذا الحديث جاء صورة حية تبدأ من قيام المسلمين إلى الصلاة ، ورص الصفوف ، والتكاتف بينهم بود وإخاء ، يفسح بعضهم لبعض ، ثم يكونون لحمة واحدة ليس للشيطان منفذ بينهم ، وتغشاهم رحمة الله تعالى . هذا رسول لله صلى الله عليه وسلم يعلم البشرية حتى هذه اللحظة وإلى قيام الساعة ، الطريقة الحديثة القديمة في الوصول إلى قلوب العباد ، وهدايتهم إلى طريق الرشاد . الهوامش : (1) رواه البخاري برقم / 6937 / . (2) رواه الشيخان . (3) الأدب المفرد الحديث / 304 / . (4) رياض الصالحين ، باب الصف الأول ، رواه أبو داود . الدكتور عثمان قدري مكانسي المصدر: ملتقى شذرات |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
أساليب, المتتالية, التربية, الخطوات, الوثنية, طريقة |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع من أساليب التربية النبوية طريقة الخطوات المتتالية | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
طريقة لعب الأدوار كأحد أساليب التعليم | Eng.Jordan | التعليم والتدريب | 0 | 08-31-2013 10:09 PM |
السلطة الفلسطينية تجري مشاورات لتحديد الخطوات المقبلة بعد رد نيتانياهو | يقيني بالله يقيني | أخبار عربية وعالمية | 0 | 05-19-2012 02:34 PM |
أساليب الدعوة | Eng.Jordan | شذرات إسلامية | 0 | 03-25-2012 07:45 PM |
المعلم و أساليب التدريس | Eng.Jordan | الملتقى العام | 0 | 03-10-2012 07:04 PM |
أساليب التربية | Eng.Jordan | بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية | 0 | 01-10-2012 12:11 AM |