#1  
قديم 12-12-2012, 08:06 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي الاستعراب الإسباني في خدمة الأدب الأندلسي الخميس


الكاتب : د.جميل حمداوي - المغرب




من المعروف أن الاستعراب الإسباني قد خدم الأدب العربي بالأندلس إلى يومنا هذا خدمة كبرى، ولايمكن لأي دارس عربي مسلم إنكار ذلك تحت أي مبرر ذاتي، أو مسوغ علمي، أو رغبة في المناظرة والجدل، أو غض البصر عن تلك الجهود الجبارة التي قام بها كبار المستعربين الإسبان على مر السنين على الرغم من تحامل الكثير منهم على ذلك الأدب. فقد قام هذا الاستعراب فعلاً بجمع المخطوطات الأدبية الأندلسية شعراً ونثراً، وتوثيقها متناً وتدويناً وتحقيقاً وأرشفة، وتأريخ معطياتها سياقاً وتحقيباً ومرجعاً، وترجمتها إلى اللغة الإسبانية في مختلف لهجاتها المتنوعة، ودراستها مضموناً وشكلاً ووظيفة، وذلك من أجل تحديد تطور الأدب الأندلسي، ورصد مجمل خصائصه الدلالية والفنية والجمالية، وتبيان مختلف سياقاته التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والنفسية والحضارية. زد على ذلك ما خصص للأدب الأندلسي بإسبانيا من مكتبات عامة وخاصة، ومعاهد متخصصة، وكراس جامعية، كما صدرت صحف ومجلات تعنى بالأدب الأندلسي تأريخاً وتصنيفاً ونقداً وبحثاً.
وأقول بكل موضوعية علمية بأنه لولا الاستعراب الإسباني لما عرفنا الكثير عن الأدب الأندلسي شعراً ونثراً، ولما عرفنا الكثير عن الدواوين الشعرية ومبدعيها المغمورين والمشهورين على حد سواء، ولما كان لدينا إلمام كافٍ بفن الموشحات والزجل بشكل محكم ومتقن.
إذاً، ما الخدمات الجلى التي قدمها الاستعراب الإسباني للأدب الأندلسي شعراً ونثراً؟ وما أهم المراحل التي قطعها هذا الاستعراب في دراسته للأدب الأندلسي في شتى فنونه وأنواعه وأنماطه؟ ومن هم أهم المستعربين الإسبان الذين اهتموا بالأدب الأندلسي دراسة وبحثاً وتنقيباً وجمعاً وتوثيقاً ونقداً؟ تلكم هي أهم الأسئلة التي سوف نحاول رصدها في موضوعنا هذا.
الاهتمام بالأدب الأندلسي
اهتم المستعربون الإسبان بالأدب الأندلسي جمعاً وترجمة وتوثيقاً وتحقيباً وتأريخاً وتصنيفاً ودراسة ونقداً وتقويماً منذ القرن الثالث عشر الميلادي (1227م) مع تأسيس جامعة صلمنكة. ولكن الاهتمام الدقيق والعلمي بهذا الأدب نشراً ودرساً وفحصاً، لم يتم إلا في القرن التاسع عشر الميلادي، وذلك مع مجموعة من المستعربين الإسبان المتمكنين من اللغة العربية وآدابها وثقافتها، واستمر ذلك الاهتمام إلى يومنا هذا عبر الدرس الأكاديمي، ومختلف الندوات واللقاءات والمؤتمرات العلمية.
هذا، وقد يكون ذلك الاهتمام راجعاً إلى أسباب استعمارية واستشراقية، أو إلى أسباب دينية (التبشير والتنصير)، أو إلى أسباب شخصية ومزاجية، أو إلى أسباب علمية موضوعية تتمثل في جمع التراث الأندلسي والإسباني متناً وترجمة وتوثيقاً ودراسة، ورصد مختلف علاقات التأثير والتأثر بين الإنسان العربي المسلم والإنسان الإسباني المسيحي، ورصد مواطن الائتلاف والاختلاف، وتحديد بواطن القوة والضعف في هذه العلاقات ذات الطابع الثقافي والحضاري والإثني والديني.
ومن هنا، فقد بدأ الاهتمام بالأدب الأندلسي بإسبانيا في وقت مبكر، عبر تأسيس كراس جامعية بصلمنكة، وإشبيلية، وبالما، وليريدا، وبرشلونة، وبلنسية، ومدريد، وغرناطة، وأوبيدو، ولالاغونة، وسانتياغو دي كومبوستيلا. ولا ننسى كذلك ماقام به الملك كارلوس الثالث (1716-1788م) حينما وسع المكتبة الملكية، ونظم مكتبة ديل الأسكوريال (Biblioteca del Escorial)، التي كان قد أنشأها الملك فيليب الثاني سنة 1557م. وتضم هذه المكتبة وحدها 1900 مخطوط عربي، وأكثر من 183 مجلد، وقد جمعت هذه الكتب والمخطوطات من بقايا المكتبة الأندلسية الإسلامية بغرناطة، ومكتبة مولاي زيدان أحد سلاطين المغرب، (بعد أن اضطره أبو مجلى إلى الفرار بكنوزه وكتبه إلى آسفي، ثم إلى أغادير، حيث رفض الربان إفراغ المركب ما لم يتقاض أجره، وقدره 36000 فرنك. وغادر المركب أغادير إلى مرسيليا، فاستولى القرصان الإسبان عليه، ولما نما خبره إلى الملك فيليب الثاني أمر أن توضع المخطوطات في مكتبة الأسكوريال، وقد بلغت ثلاثة آلاف مخطوط عربي، على ظهر الصفحة الأولى من كل منها عبارة تنص على ملكية السلاطين السعديين إياه. وفي عام 1671م، شب حريق في الإسكوريال التهم جزءاً كبيراً من كتبها، ولم ينج من العربية سوى 1900مخطوط).
هذا، وقد خضعت مخطوطات المكتبة للتجليد، والفهرسة، والتصنيف الموضوعاتي، وذلك من قبل مجموعة من المستعربين المسيحيين، كالماروني اللبناني الأب ميخائيل الغزيري، وهرتويج ديرنبورج، وليفي بروفنسال، والأب موراتا، والدكتور رينو.. علاوة على ذلك، فقد استفاد الطلبة المستعربون الإسبان من المكتبات العامة والخاصة الغنية بمختلف المخطوطات العربية التي لها علاقة وطيدة بالأدب الأندلسي. وبعد ذلك، أنشئت في القرنين التاسع عشر والقرن العشرين وإلى يومنا هذا معاهد ومدارس ومراكز وأقسام للبحث في الأدب الأندلسي، ودراسة حضارة العرب المسلمين بإسبانيا، وذلك في ضوء مقاربات علمية وأكاديمية متنوعة سواء أكانت كلاسيكية أم حداثية. وأنشئت كذلك متاحف ومطابع ومجلات تهتم بالاستعراب الإسباني في مختلف تجلياته ومظاهره. ومن أهم هذه المجلات، نذكر: مجلة أفريقيا، ومجلة الأندلس، ومجلة تمودا، ومجلة المرآة..، ونشرت كذلك المجموعات العربية التي تعنى بحضارة الأندلس تأريخا وأدباً وثقافة وفكراً وعقيدة وفلسفة.
خدمة الاستعراب للأدب الأندلسي
أسدى الاستعراب الإسباني خدمات جلى إلى الأدب الأندلسي، وذلك عن طريق جمع المخطوطات والمتون الأدبية تحقيقاً وتوثيقاً وأرشفة. كما قام المستعربون الإسبان بترجمة الأدب الأندلسي إلى اللغة الإسبانية ومختلف لهجاتها المحلية، مع التعريف بهذا الأدب تأريخاً وتحقيباً وسياقاً، فأردفوه بشرح النصوص الأدبية شعراً ونثراً، ودراستها دلالة وفناً ومقصدية، والعمل على تحقيق الدواوين الشعرية، والتعريف بأعلامها ومبدعيها، دون غض الطرف عن الخدمات الجبارة التي قام بها هؤلاء المستعربون الإسبان للتعريف بالموشحات الأندلسية، وتقديم أزجال ابن قزمان وغيره من الشعراء.
وكان هذا الاهتمام يتم إجرائياً وعملياً عن طريق تحقيق المخطوطات، وجمع أمهات المصادر، وفهرستها وتجليدها وتصنيفها، ونشر الكتب المحققة وغير المحققة، وطبعها طبعات عامة ليطلع عليها الجميع. كما تم إثراء الأدب الأندلسي وإغناؤه عن طريق نشر المقالات والأبحاث والدراسات في الصحف والمجلات الإسبانية والغربية والعربية والعالمية، أو عبر تدريسه في مؤسسات جامعية ومعاهد إسبانية قد خصصته بكراس علمية عليا، دون أن ننسى المؤتمرات والندوات واللقاءات التي كانت تعنى بالبحث في الأدب الأندلسي شعراً ونثراً وتأريخاً.
أهم المستعربين الذين درسوا الأدب الأندلسي
ثمة مجموعة من المستعربين الإسبان الذين خدموا الأدب الأندلسي بشكل من الأشكال، وذلك عن طريق التحقيق العلمي، وجمع المتون، وفحص النصوص، وكذلك عن طريق التحليل، والدراسة، والترجمة، والمقارنة، والتأريخ، والتحقيب، والنقد، والتقويم، والترجيح. ومن بين هؤلاء المستعربين الإسبان، نستحضر الأسماء التالية:
1 - خوان إي باليرا (Juan Y. Valera):
اهتم خوان باليرا ( 1824- 1905م) بالشعر الأندلسي، إذ ترجم إلى اللغة الإسبانية كتاب: (شعر العرب وفنهم في إسبانيا وصقلية) للمستشرق الألماني أدولف فريدريك فون شاك (Adolf Friedrich Von Schak)، وذلك في ثلاثة أجزاء. وجاء هذا الكتاب ليؤكد فعلاً الأثر الجلي للثقافة العربية على الحضارة الأوروبية بصفة عامة والحضارة الإسبانية بصفة خاصة. ومن مترجمات باليرا في هذا الكتاب قصائد الطرطوشي، وقصائد الرندي، وقصائد علي بن سعيد.
2 - فرنانديث إي كونزاليث فرانشيسكو (Fernandez Y Gonzales، F):
ركز فرنانديث إي جونثالث فرانشيسكو (1833م -؟)، وذلك ضمن اهتماماته بالأدب الأندلسي، على السرديات الأندلسية عن طريق النشر والدراسة والبحث. فقد نشر على سبيل الخصوص قصة (زياد الكناني) لمؤلف أندلسي مجهول، اعتماداً على مخطوط في مكتبة الأسكوريال سنة 1882م.
3 - ريبيرا إي طراجو (Ribera Y Tarrago):
اهتم ريبيرا طراجو (1858-1934م) بالأدب الأندلسي اهتماماً لافتاً للانتباه، ولاسيما اهتمامه بشعر التروبادور أو شعر المنشدين، فقد أثبت في بحثه عن شعر ابن قزمان بأن الشعر الغنائي الذي عرف بفرنسا باسم الشعراء المتجولين أو الشعراء التروبادور، وانتقل منه إلى ألمانيا، تعود أصوله إلى شعر الزجل الذي انتشر أيما انتشار في التربة الأندلسية.
ومن أهم أعماله القيمة في مجال الأدب الأندلسي: (الملاحم الأندلسية) الصادرة سنة 1915م بمدريد، و(ديوان ابن قزمان)، وقد نشره بمدريد سنة 1922م، و(موسيقى الأندلس والشعراء الجوالون)، وقد نشره الباحث بمدريد سنة 1925م.
4 - ميننديث بيدال (Menendez Pidal):
ولد ميننديث بيدال سنة 1868م بلاكورونة، واهتم بالأدب الأندلسي نشراً وطبعاً وبحثاً ودراسة وتنقيباً وتأريخاً. ومن أهم أبحاثه القيمة في هذا المجال، نذكر: (ملحمة السيد) التي نشرت بمدريد سنة 1908م، وكتاب: (الشعراء المنشدون) الصادر سنة 1924م بمدريد، ونشر أيضاً مجموعة من قصائد العصر الوسيط بمدريد سنة 1928م، واعتنى كذلك بالمقارنة بين الشعر العربي والشعر الأوروبي.
5 - بونس بويجيس (Pons Boigues):
اهتم بونس بويجيس (1861-1899م) بالأدب الأندلسي حين انضمامه إلى هيئة المحفوظات والمكتبات سنة 1886م. ومن ثم، بدأ في البحث والدرس والنشر، وقد جمع قصة حي بن يقظان، فترجمها إلى اللغة الإسبانية، ونقل إلى هذه اللغة كذلك مقتطفات من قصيدة ابن عبدون التي ترجمها فانيان إلى الفرنسية.
6 - غو نثاليث بالينثيا (Gonzalez palencia):
كانت لغونثاليث بالينثيا (1889-1949م) عناية خاصة بالأدب الأندلسي، كما يظهر ذلك واضحاً في كتابه: (في تاريخ الأدب العربي الإسباني) الصادر سنة 1928م، وقد نقله إلى العربية الدكتور حسين مؤنس بعنوان: (تاريخ الفكر الأندلسي) سنة 1955م، وقد كتب غونثاليث بالينثيا أبحاثاً قيمة ودراسات عدة في الاستعراب الأندلسي تأريخاً وأدباً وحضارة ولغة وثقافة.
ومن أهم آثاره البارزة: (الإسلام والشعراء المنشدون)، وقد نشره بالأندلس سنة 1933م، وترجم (قصة حي بن يقظان) لابن طفيل إلى اللغة الإسبانية، ونشرت هذه القصة بمدريد سنة 1934م.
7 - إميليو غارثيا غوميث (Emilio Garcias Gomez):
اهتم إميليو غارثيا غوميث (1905 -؟) كثيراً بالأدب الأندلسي تأريخاً وترجمة وتحقيقاً وتعريفاً، وقد كان أكثر المستعربين الإسبان تراكماً ونشراً في مجال الأدب الأندلسي شعراً ونثراً، حيث اتخذ من مخطوط قديم لابن سعيد أساساً لدراسة الشعر العربي الإسباني، واهتم أيضاً برواية عربية، وهي مصدر مشترك لابن طفيل وجراثيان. وجمع منتخبات من الشعر العربي الأندلسي، وترجم إلى الإسبانية أشعار كل من ابن زيدون، وابن عمار، والمعتمد بن عباد، وأبي الفرج الجياني. ونشر كذلك كتاب (الإشارة بمحاسن الأندلسيين) متناً وترجمة إسبانية، ونشر (مرثية الإسلام في الأندلس) للصفندي.
كما له دراسات عن الخرجات والموشحات، وترجم إلى الإسبانية ديوان أبي إسحق الألبيري، ورسالة الصفندي، وطوق الحمامة لابن حزم، وخمسة شعراء مسلمين. وصنف كتاباً تحت عنوان: (الموجز في تاريخ الشعر العربي الأندلسي)، وكتاباً عن ابن الزقاق، ومختارات من شعره، متناً وترجمة. ونشر هذا المستعرب كثيراً من الدراسات والمقالات والأبحاث حول الأدب الأندلسي، وخاصة في (مجلة الأندلس)، ومجلة الدراسات الإسلامية، وحوليات معهد الدراسات الشرقية، ومجلة أرابيكا.. وذلك منذ ثلاثينيات القرن العشرين.
ومن أهم كتبه: (الشعر الأندلسي) الذي ترجمه عن الإسبانية الدكتور حسين مؤنس، ويتناول فيه هذا المستعرب تطور الشعر الأندلسي في عصر الإمارتين وعصر الخلافة، من خلال التركيز على عصر الطوائف، وعصر المرابطين، وعصر الموحدين، مع تبيان خصائص الشعر الأندلسي الموضوعية والفنية، كتطرق هذا الشعر إلى الخمر، والحب، والجمال، والوصف، والتشبيه، دون نسيان فنون هذا الشعر وأغراضه، والتعرض لشعراء غرب الأندلس ووسطها وشرقها.
ولا ننسى كذلك كتابه القيم الذي ترجمه الدكتور الطاهر أحمد مكي تحت عنوان: (مع شعراء الأندلس والمتنبي- سير ودراسات)، وقد تناول فيه إميليو غرسيا غوميث مجموعة من المحاور بالدرس والفحص، مثل: المتنبي شاعر العرب الأكبر، والشاعر الطليق وديوانه، وأبو إسحق الألبيري فقيه إسباني، وابن الزقاق شاعر الطبيعة، وابن قزمان صوت في الشارع، وابن زمرك شاعر الحمراء.
ويتبين لنا بأن إميليو غارثيا غوميث له باع كبير في مجال اللغة العربية وآدابها، وإلمام منقطع النظير بالشعر الأندلسي وأحواله السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتاريخية، والأدبية، والثقافية. وفي هذا السياق، يقول الدكتور حسين مؤنس في حقه وفي حق كتابه النفيس: «هذه صفحات عن الشعر الأندلسي، كتبها عالم اجتمعت له خصائص أربع تجعله أجدر الناس بفهم هذا الشعر والقول فيه: أولاها علم واسع باللغة العربية، وتمكن نادر من أصولها وخصائصها وتاريخها؛ وثانيتها إحساس شعري صادق وإدراك فني دقيق، فهو شاعر يقول الشعر في لغته الإسبانية، وناقد قادر على الحكم على الشعر والنثر؛ وثالثتها منهج علمي دقيق اكتمل له بطول الدرس والبحث؛ ورابعتها أفق رحيب، وثقافة إنسانية واسعة. ومن ثم، فلا غرابة أن يكون هذا البحث -على صغر حجمه- من أحسن ماكتب عن ناحية من نواحي الأدب العربي في اللغة العربية أو غيرها من اللغات... إن هذا البحث يعتبر اليوم أوسع الدراسات -التي تمت في ميدان الأدب العربي- انتشاراً بين أيدي الناس في شتى البلاد».
وما يميز إميليو غوميث أنه من المستعربين الأندلسيين الأوائل الذين اهتموا بتأريخ الأدب الأندلسي في شتى مراحله التطورية، ومن أهم النقاد البارزين الذين تمكنوا من رصد خصائص الشعر الأندلسي شكلاً ومضموناً، ويعد كذلك من أهم الدارسين الإسبان الذين اهتموا بالمختارات الشعرية الأندلسية، حيث جمع أشعار المبدعين والشعراء الأندلسيين المغمورين والمعروفين على حد سواء.
8 - فريديريكو كوريينتي (Federico Coriente):
يعد فريديريكو كوريينتي (1940م) من أهم الدارسين والمستعربين الإسبان الذين اهتموا بالأدب الأندلسي بحثاً وتنقيباً ودراسة وتأريخاً، فقد كان أستاذاً للغة العربية في جامعة مدريد (1972-1976م)، وأستاذ كرسي اللغة العربية وآدابها في جامعة سرقسطة منذ سنة 1976م.
ومن أهم أعماله القيمة في حقل الدراسات الأدبية الأندلسية كتابه: (ابن قزمان، وحبه للشعر)، وقد نشر بإسبانيا سنة 1974م.
9 - مارين مارسكوس (Marin Marscos):
اهتم مارين مارسكوس (1946م-؟) بدراسة الشعر الملحمي والأزجال والموشحات الأندلسية، وقد انصب اهتمامه بالخصوص على آثار العنصر العربي في الملحمة الإسبانية، كما يتجلى ذلك واضحاً في كتابه: (العرب والشعر الملحمي)، وقد نشر هذا الكتاب في مونتريال بكندا سنة 1970م. ومن أهم كتبه أيضاً في الأدب الأندلسي، نذكر: (ضمير الفاعل المتكلم في الخرجات) الصادر بمدريد سنة 1970م، و(أوزان الفعل في خرجات الموشحات العربية)، وقد تم نشره سنة 1970م، وله مقال قيم عن ابن قزمان، وقد نشر في المجلة الغربية في عددها: 118 عام 1973م.
10 - ماريا خيسوس روبيرا متى (M.Jesus Rubeiera Mata):
اهتمت ماريا خيسوس روبيرا متى بالأدب الأندلسي شعراً ونثراً، ونشرت في هذا السياق دراسات قيمة وكتباً عدة. ومن أهم آثارها: (ابن الجياب الشاعر الآخر لقصر الحمراء)، وكتبت دراسة عن ابن عباد وترجمة لأشعاره التي جمعها رضا السويسي، ونشرتها بمدريد سنة 1982م. وكتبت دراسة أخرى عن (الشعر النسائي في الأندلس)، ونشرتها بمدريد عام 1987م، وخصصت عصر الطوائف بدراسة شملت الحكام والأدباء والشعراء، ونشر هذا الكتاب بمدريد سنة 1988م. كما نشرت بحثاً بعنوان: (شعر المعشرات في المدائح النبوية) سنة 1980م، وكتبت بحثاً عن الشاعر ابن اللبانة الداني ورحلته إلى ميورقة سنة 1983م. وتناولت هذه المستعربة الإسبانية كذلك البناء الملحمي لإحدى حكايات فتح الأندلس، واهتمت بلغة الخرجات الرومانثية. ومن أهم كتبها المترجمة إلى اللغة العربية: (الأدب الأندلسي)، وقد أشرف عليه الدكتور أشرف علي دعدور ترجمة وتقديماً.
الاستعراب الإسباني في قفص الاتهام
إذا كان هناك مجموعة من المستعربين قد تحاملوا كثيراً على الأدب الأندلسي بشكل من الأشكال، فإن ثمة مستعربين آخرين كانوا موضوعيين في تعاملهم مع الكثير من القضايا والظواهر الأدبية الأندلسية، مثل المستعرب اليسوعي الإسباني خوان أندريس (Juan Andrés) الذي اعترف بأثر الثقافة العربية الإسلامية على الثقافة الأوربية بصفة عامة والثقافة الإسبانية بصفة خاصة؛ ودفعه هذا الرأي إلى (فصله من الجماعة اليسوعية، والحكم عليه بالطرد والتغريب عن وطنه سنة 1767م. وأتاح له هذا النفي بإيطاليا أن يعكف على تأليف كتابه الموسوم بـ(أصول الأدب عامة وتطوراته وحالته الراهنة)، وصدر له في سبعة أجزاء في بالرم ما بين سنتي (1782-1798م)، ثم ترجم إلى اللغة الإسبانية سنة 1806م بعنوان: Origin،Progresos y estado actual de toda literatura.
هذا، وقد توصل الباحث إلى أن الشعر الإسباني قد تأثر في بداياته الأولى بشعر العرب. ثم، انتقل هذا التأثير إلى باقي دول أوروبا عن طريق الرحلات المتبادلة بين الإسبان والفرنسيين.
وهناك أيضاً المستعربة الإسبانية خيسوس روبييرا متى التي دافعت كثيراً عن العرب المسلمين في مدى إثرائهم للحضارة الغربية بصفة عامة والحضارة الإسبانية بصفة خاصة. وشكلت هذه المستعربة استثناء في حركة الاستعراب الإسباني الذي جنى كثيراً على الأدب الأندلسي بصفة خاصة والأدب العربي بصفة عامة، حيث فقد هذا الاستعراب الثقافي في كثير من الأحيان موضوعيته العلمية ومصداقيته الأكاديمية. وفي هذا الصدد، يقول الدكتور أشرف علي دعدور مترجم كتاب: (الأدب الأندلسي) في حق هذه المستعربة: «ومؤلفة هذا الكتاب إحدى هذه الاستثناءات المشرقة، والتي عنيت بدراسة الأدب والحضارة الأندلسية التي لم يعد ينظر إليها على أنها وافدة على إسبانيا، جاءت مع مستعمر عربي أو مسلم، وإنما باعتبارها تراثاً حضارياً لإسبانيا الإسلامية، وبناء شامخاً ساهم الإسبان الأجداد في بنائه، وهم ينتمون إلى هؤلاء الأجداد من العرب والمسلمين، وتصحح ما انطبع في خيال الغرب عنهم، فتقول: إن الحديث عن الخمول والشهوانية المشرقية المستعرة والمتهتكة تشكل فقط جانباً من تخيلاتنا الخاصة، فالأدب العربي في العصر الوسيط هو نتاج أو عمل لرجال الدين بما تحمله الكلمة من معنى يجعلهم في مصاف الأدباء في العصر الوسيط دون أن تحمل إشارات للنظام الديني الكهنوتي».
ومن جهة أخرى، نرى كثيراً من المستعربين الإسبان قد تحاملوا على الأدب الأندلسي انتقاصاً وازدراء واحتقاراً، كما فعل خوليان ريبيرا (Julian Ribera) الذي صرح بأن الموشحات الأندلسية مستمدة من أصول إسبانية رومانثية لوجود مقاطع شعبية في بعض الخرجات. ويعني هذا أن مصدر الموشحات الأندلسية هو الشعر الغنائي الشعبي الإسباني. وقد أيده في هذا الطرح المستعرب الإسباني رامون مينينديث بيدال الذي رأى بأن أصل الموشح أعجمي ليس إلا. والدليل على ذلك استعمال نظام الأقفال والأغصان والأبيات والخرجات، وتذكرنا هذه الطريقة بنظام المقاطع (Strophes) الموجودة في الشعر الغربي. في حين، لم يعرف الشعر العربي، وذلك على مستوى البناء، سوى القصيدة الموحدة روياً وقافية ووزناً.
تركيب واستنتاج
وهكذا، يتبين لنا بأن الاستعراب الإسباني قد اهتم بالأدب الأندلسي بحثاً وتوثيقاً وجمعاً وتحقيقاً ودراسة وتأريخاً مند فترة مبكرة، وذلك بعد سقوط الأندلس مباشرة، وهناك من يحددها في القرن الثالث عشر الميلادي. بيد أن الاهتمام بهذا الأدب بشكل فعلي وعلمي وأكاديمي سيمتد من القرن التاسع عشر الميلادي إلى يومنا هذا. لكن ما يلاحظ على الاستعراب الإسباني تأرجحه بين الذاتية والموضوعية. ومهما تعددت هنات هذا الاستعراب من النواحي العلمية والتاريخية، ومهما كثرت أخطاؤه المعرفية والمنهجية، فإن الاستعراب الإسباني قد قدم خدمات جلى للأدب الأندلسي، وذلك عن طريق جمع المخطوطات العربية، والحفاظ عليها، وفهرستها، وتجليدها، وتصنيفها، وتحقيق متونها، وتوثيقها توثيقاً علمياً، ودراستها في ضوء مقاربات تاريخية وفنية وببليوغرافية ومرجعية ونصية. ومن هنا، فقد عرف الاستعراب الإسباني الأدب الأندلسي تعريفاً علمياً شاملاً وموسوعياً، شعراً ونثراً، من خلال التركيز على استقراء أجناسه، واستقصاء فنونه، واستعراض أنواعه، وتحليل أنماطه الفنية والجمالية.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الأدب, الأندلسي, الاستغراب, الخميس, الإسباني, دخلت


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الاستعراب الإسباني في خدمة الأدب الأندلسي الخميس
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رحلة الفقيه الأندلسي الطريد Eng.Jordan شذرات إسلامية 0 12-25-2015 12:43 AM
المعتمد بن عباد في الأدب الإسباني الحديث Eng.Jordan أخبار ومختارات أدبية 0 07-04-2013 10:17 PM
خصوصية الاستعراب Eng.Jordan أخبار ومختارات أدبية 0 12-12-2012 08:10 PM
الرحالة الأديب ابن جبير الأندلسي Eng.Jordan شذرات إسلامية 0 11-14-2012 10:03 PM
جناية الاستغراب على الأدب العربي عبدالناصر محمود دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 0 01-08-2012 10:40 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 09:39 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59