هل تقف أميركا على أعتاب "فضيحة" مثل ووترغيت؟

"فضيحة" , أميركا , أعتاب , ووترغيت؟

هل تقف أميركا على أعتاب "فضيحة" مثل ووترغيت؟ The Guardian: لو اتخذ ترمب هذا القرار فقد يُطاح به، ولكن إذا أفلت فستركع له واشنطن

عربي بوست، ترجمة

منذ فضيحة ووترغيت في سبعينيات القرن العشرين، والقاعدة الذهبية المتبعة من جانب الرؤساء الأميركيين الخاضعين للتحقيق على يد محققٍ خاص أو مستشارٍ خاص؛ هي أن الرئيس لا ينبغي له أن يقيل الشخص الذي يحقق معه؛ ذلك أنَّ هناك دائماً ما هو أسوأ في جعبة القدر، أو كما تحذر خرائط القرون الوسطى المسافرين: "احترس من التنين". ولذلك، يبدو أن الولايات المتحدة مقبلة على ووترغيت جديدة، مع الرئيس الحالي دونالد ترمب، الذي تكشف التقارير القادمة من أميركا كل يوم عن أن موقفه بات ضعيفاً، في معركة مع روبرت مولر، المستشار الذي يحقق في قضية تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية. لم ينفك مستشارو ترمب ومَن حوله من أهل الخبرة ينصحونه بهذا الدرس؛ ومع هذا تتوارد الأنباء من البيت الأبيض بأنَّ ترمب لا يرغب في شيء بالوقت الراهن قدر رغبته في طرد روبرت مولر. وحتى اللحظة، يمتثل ترمب للتحذيرات، ولكن إلى أي مدى يمكن لنا أن نتوقع أن يصبر شخصٌ اشتهر عنه التفاخر بأنَّ بوسعه أن يطلق النار على أي شخص في عرض الطريق دون أن يحاسبه أحد. ومنذ مايو/أيار 2017 ومولر يُحقق في مخالفاتٍ يتهم ترمب ومساعدوه بارتكابها، بدءاً من "التواطؤ" مع الروس للتدخل في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، وصولاً إلى دفع رشى بمبالغ ضخمة لممثلة أفلام جنسية وعارضة سابقة في مجلة Playboy لضمان سكوتهما. أدان مولر بالفعل أو انتزع اعترافاتٍ من 19 شخصاً في تحقيقاته، بينهم مدير الحملة الرئاسية لترمب. والأنكى من ذلك أنَّ مولر يتتبع خيطاً خلَّفه مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية السابق جيمس كومي، الذي أقاله ترمب العام الماضي (2017)، وهي خطوة يمكن بسببها أن يُوجَّه اتهامٌ لترمب بعرقلة سير العدالة، بحسب الصحيفة البريطانية.
نقطة الضعف التي قد تضرب ترمب في مقتل
لا يخفى على أحد ما يشعر به ترمب من العجز، ورغبته العارمة في محو سبب ألمه. فلنراجع إذاً التاريخ القصير للقاعدة الذهبية التي يحذره الجميع بعدم خرقها. في يوم الجمعة 19 أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، أصدر أرشيبالد كوكس، المحقق الخاص في قضية ووترغيت، مذكرة إحضار على خلفية تسجيلات صوتية سجَّلها ريتشارد نيكسون في البيت الأبيض. وعلى أثر ذلك، قرر نيكسون الاستغناء عن خدمات كوكس، الذي كان حينها محامياً مرموقاً شريفاً وأستاذاً للقانون في هارفارد. في اليوم التالي، أمر نيكسون المدعي العام إليوت ريتشاردسون، الذي كان قد عيّن كوكس في شهر مايو/أيار، بطرده مباشرةً. غير أنَّ ريتشاردسون رفض واستقال من منصبه. وكذلك فعل الشخص الذي يليه في التسلسل القيادي بوزارة العدل الأميركية، نائب المدعي العام ويليام روكلشاوس. حين وصل الأمر إلى النائب العام (والمحامي العام بالإنابة) روبرت بورك، أطاع أمر الرئيس وفصل كوكس، ليحتفظ بمنصبه. وأعلن البيت الأبيض إقالته، فيما عُرِفَ بعد ذلك باسم "مذبحة ليلة السبت"، في تمام الساعة 8.35 مساءً من الليلة ذاتها. ويقول مراسل الصحيفة البريطانية: "ولأنِّي كنتُ واحداً من أعضاء فريق مجلة Time الذي غطى فضيحة ووترغيت، أذكر جيداً تلك الليلة قبل 45 عاماً. في المعتاد، كانت المجلة في هذا الوقت من مساء السبت تدخل المراحل الأخيرة في دورة الإنتاج الأسبوعية لها. ولكن ليلة السبت تلك كانت حالة طوارئ في مكتب المجلة بواشنطن؛ فجميع المراسلين، ومن ضمنهم أنا، كانوا يلهثون للاتصال بأي مصدر في الكونغرس، أو البيت الأبيض، أو وزارة العدل، أو مكتب التحقيقات الفيدرالي، أو أي مكان آخر يخطر على بالك، في محاولةٍ لفهم ما حدث بالضبط وعواقبه".
أزمة دستورية
وأضاف: "استقر في أفهامنا جميعاً أن بركاناً سياسياً قد انفجر للتو، وأظن أنَّ العديد منا انتابه شعورٌ بأنَّ الولايات المتحدة على شفا حفرة من تغيير كامل إلى الأبد. فمنذ الحرب الأهلية لم يبدُ أي رئيسٍ أميركي قريباً من المساءلة والمجازاة مثل نيكسون في ذاك الموقف، ولم يسبق قَط أن كانت قائمة الاتهامات بجرائم كبيرة وصغيرة ضد رئيس لا يزال في سدة الحكم بهذا الطول". وبدت كلمتا "أزمة دستورية" عبارةً تلوكها جميع الألسنة تقريباً؛ إذ بدأت عواقب إقالة كوكس تتجلى في تلك الساعات الصعبة من الإبلاغ بها وكتابتها وإرسالها عبر الفاكس أو الهاتف، وهي إجراءات كان لزاماً علينا أن نتبعها لإيصال الأخبار إلى المجلة التي تصل لدى الباعة وصناديق البريد بعد 48 إلى 72 ساعة لاحقاً". وما لبث الكونغرس أن أسرع بالتصرف هو الآخر. فاتخذ 22 قراراً بمجازاة نيكسون على الفور وقدمها إلى مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى 12 مذكرة وقراراً، برعاية 94 سيناتوراً ديمقراطياً و4 جمهوريين، مع الدعوة لتعيين محقق خاص جديد. كان الضغط من الرأي العام وفي الأوساط الرسمية شرساً إلى حد أنَّه في غضون 12 يوماً، كان المحقق الخاص الجديد، ليون جاوورسكي، قد عُيِّنَ بالفعل، ومنحته المحكمة العليا حق الاطلاع على تسجيلات نيكسون. في غضون ذلك، واصلت اللجنة التي عيّنها مجلس الشيوخ للتعامل مع قضية ووترغيت جلساتها المتلفزة، وكشفت طبقةً بعد طبقةٍ من السلوك الإجرامي وغير الدستوري لنيكسون.
استقالة بطعم الخزي والعار
وبحسب الصحيفة البريطانية، أخيراً كانت التسجيلات التي حصل عليها جاوورسكي الضربة القاصمة حول تورط نيكسون في فضيحة ووترغيت؛ وهو ما أدى إلى إصدار اللجنة التشريعية 3 مواد لاتهام نيكسون بتصويتٍ من أعضاء المجلس من الحزبين، وأُجبِرَ نيكسون في نهاية المطاف، على الاستقالة في خزيٍ وعار بعد أقل من عام من مذبحة ليلة السبت. ويختم مراسل الصحيفة البريطانية قائلاً: "لا يصدق الجميع اليوم أنَّ دونالد ترمب سيلقى بالضرورة المصير نفسه إذا ما أقال روبرت مولر. وأخبرني على الأقل اثنان من أصدقائي من الخبراء بقياس الرأي العام -وليسا من المحافظين- مؤخراً أنَّهما يعتقدان أنَّ القاعدة التي يحظى بها ترامب في الحزب الجمهوري ستدعمه على نحوٍ لم يتسنَّ لنيكسون أن يحظى به من قاعدة الحزب الجمهورية آنذاك، ومن ضمنهم خالتي إيريني. وقال لي أحدهم: (سيعتقدون أنَّ إقالة مولر ما هي إلا محاولة جديدة من ترمب لتركيع واشنطن وتطويعها). وأنا أقول، ربما يكون محقاً في ذلك، ولكن لا يزال القدر يُخبِّئ (تنيناً) أو تنانينَ لترمب في مكانٍ ما".

المصدر: ملتقى شذرات