#1  
قديم 02-01-2017, 09:02 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,033
ورقة ترامب مشكلة عالمية والأضعف سيدفع الثمن


ترامب مشكلة عالمية والأضعف سيدفع الثمن
ــــــــــــــــــــــ

(د. أحمد عبد الواحد الزنداني)
ـــــــــــــــ

4 / 5 / 1438 هــ
1 / 2 / 2017 م
ــــــــــــــ


dt2.jpg



قد سيتغرب البعض أن مصطلح الديمقراطية كان مصطلحاً منبوذاً في الغرب إلى منتصف القرن العشرين، إذ إن الديمقراطية كانت تشير إلى حُكم الرعاع والغوغاء وما يترتب عليه من مآلات ومفاسد كان من أبرزها الحرب العالمية الثانية التي أفرزها وصول أدلوف هتلر إلى حكم ألمانيا، وكان لذلك نتائج كارثية على مستوى العالم؛ بل إن مصطلح الشعب، الذي أصبح محور العملية الديمقراطية وعنوانها الأول، مصطلح حديث في الأدبيات السياسية الغربية؛ فلم يكن للشعوب مكان يُذكر في الحياة السياسية، غير أن النجاحات التي حققتها الولايات المتحدة منذ مطلع القرن العشرين واستغلال نخبتها السياسية لمفهوم الديمقراطية ودور الشعب وترويجها لهذه المفاهيم قلب المعادلة تماماً وجعل لمصطلح الديمقراطية ودور الشعب في الغرب وفي العالم مكاناً مرموقاً وألَقاً سياسياً ساحراً للجماهير في مختلف أنحاء العالم. وبالرغم من الجهود الجبارة التي تحيط بها النخبةُ السياسية في الغرب العمليةَ السياسية لتضمن بقاء السلطة في يد نخبة سياسية محددة هي عقول الغرب من خلال العملية الديمقراطية التي تتم في وسط جاهل بالسياسة وتعقيداتها، فإن أي خلل بسيط قد يمكِّن أيّاً من ذلك الوسط من الوصول إلى الحكم لتظهر الديمقراطية بوجهها الحقيقي، وهذا ما صار تماماً في الولايات المتحدة الأمريكية، فتمكّن ترامب من الوصول إلى سدة الحكم.

كانت المنافسة الحادة وسط النخبة السياسية الأمريكية بين الجمهوريين والديمقراطيين من أبناء النخبة السياسية قد أحدثت فجوة كبيرة مكنت ترامب، الذي يمثل الأمريكي المهووس بالثروة والمغرور بالقوة والجاهل بعالم السياسة وتعقيداتها، من الوصول إلى البيت الأبيض في وسط ذهول النخبة السياسية الأمريكية والأوروبية. ففي بداية مرحلة المنافسة الانتخابية هلل الإعلام الأمريكي لترامب ليبرزه بهدف إزاحة المنافسين الأقوياء من أمام المرشحة الديمقراطية هليري كلنتون ويجعل ترامب "الأخرق" منافسها الوحيد لتتمكن من إزاحته بسهولة وتتربع على عرش البيت الأبيض، وما أن تم إزاحة المنافسين الأقوياء حتى قلب الإعلام الأمريكي ظهر المجن لترامب وقاطعة وشوه سمعته وأظهر حقيقته للناس، إلا أن ذلك تم بعد فوات الآوان، فبفضل وسائل التواصل الاجتماعي وثروة ترامب المهولة والنظام الانتخابي الأمريكي، تمكن ترامب من التواصل مع جماهيره واستمر بالمنافسة واقتنص السلطة، وتحول ما كان يُعتقد أنه فوز سهل لهيلاري كلنتون إلى هزيمة نكراء، وباتت الولايات المتحدة وأوروبا والعالم أمام مشكلة كبيرة، "أخرق" يعتلي عرش أمريكا! لا أدل على ذلك من تعليق الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأبن الذي قال بعد أن أنهى ترامب خطاب التنصيب في حضور الرؤساء السابقين والنخب السياسية وأنصار ترامب: "أشعر بالسعادة لأن لقب أغبى رئيس أمريكي سيحمله عني ترامب".
جاء ترامب إلى سدة الحكم وهو يحمل في ذهنيته تصورات سطحية عن السياسة الداخلية والخارجية؛ فهو بالضبط يمثل العقل السطحي للشعب الأمريكي الذي يستقي معلوماته من الإعلام، ولا سيما السينما وأفلام هوليود ومجتمعه الصاخب المليء بالفوضى الأخلاقية وبثقافة الكاوبوي التي لا تغفل في الوقت ذاته الدور الوظيفي للدين (الكنيسة) التي جاءت لتمارس الدور الشعائري إلى جانب ترسيخ الأيديولوجية القائمة على العداء للإسلام، الدين الذي قهر الكنيسة وظهر عليها وحرر العالم منها فحاربته على مدار قرون وأظهرته على أنه دين زندقة وهرطقة وإرهاب وجب مكافحته والتغلب عليه وقهر أتباعه.

وما إن خاض ترامب المعترك السياسي الذي حقق فيه انتصارات كبيرة ومتتالية من إعلان الحرب على الجميع معتقداً أن تصوراته المستقاة من ذلك الإعلام هي السياسة الحكيمة والمطلوبة لمجد أمريكا وسيادتها على العالم. فكانت حملته الانتخابية ومراسم تنصيبه وخطابه الأول مُعبراً كل التعبير عن إفراز الديمقراطية لحكم الجهلة بعالم السياسية والحكم في أجلى صورة.

لقد فتح ترامب عدة جبهات: جبهة مع أوروبا التي هددها بمراجعة دور أمريكا القيادي في حلف الناتو ومطالبته لها بتسديد فاتورة الحماية الأمريكية لها، وكأنه لا يدرك أن أمريكا هي المستفيد الأول من حلف الناتو وهي من أصرت على أوروبا إبقاءه بعد انتهاء الحرب الباردة وزوال حلف وارسو. وطالب حلفاءه في الشرق الأوسط بدفع تكاليف الحروب التي خاضتها أمريكا من أجل أمنهم متناسياً أن أمريكا هي المتسبب الأول في تلك الحروب، وأنها قد تمكنت من نهب ثروات المنطقة وبيعها سلاح بمئات المليارات من الدولارات فضلاً عن هيمنتها عليها عبر قواعدها العسكرية المنتشرة في المنطقة وتمكنها من حماية أمن "الكيان الصهيوني" كأحد أهم أهداف سياستها الخارجية وحصولها على الطاقة بأسعار رخيصة وبشكل منتظم طِوال عقود. وفتح جبهة مع إيران إذ هددها بإلغاء معاهدة الاتفاق النووي الذي كان يُعد باكورة إنجاز إدارة أوباما، إذ تمكن عن حرفها عن مسارها النووي وتوظيفها لتتولى حروب أمريكا بالنيابة في المنطقة، وفتح جبهة مع الصين والهند والبرازيل وغيرها من الدول المستفيدة من الشركات الأمريكية المصنعة لمنتجاتها في هذه الدول، إذ طالب الشركات الأمريكية العملاقة بالعودة إلى فتح المصانع في أمريكا والتخلي عن الامتيازات التي تحققها من وراء العمالة الرخيصة في هذه البلدان بهدف تشغيل اليد العاملة الأمريكية، وفتح جبهة مع المكسيك بغرض إغلاق الحدود وعدم السماح للمهاجرين بالتدفق إلى الولايات المتحدة.

لم يكتف ترامب بذلك بل أعلن الحرب على عدد من الجبهات الداخلية وعلى رأسها مؤسسة الاستخبارات الأمريكية السي أي إي، إذ شكك بمصداقيتها وبكفاءتها الأمر الذي دفع عدداً من ضباطها الكبار لتقديم استقالتهم معتبرين ذلك إهانة لدورهم في خدمة الولايات المتحدة على مدار عقود في مؤسسة تعتبر نفسها، منذ نشأتها، حامية حمى الولايات المتحدة وأهم مؤسساتها. وكان ترامب قد صفع الرؤساء السابقين وعقول أمريكا إذ اتهمهم في خطابه الأول وبحضورهم بأنهم سرقوا السلطة من الشعب وأنهم أصبحوا أثرياء واستفادوا على حساب المواطن البسيط وعلى حساب الطبقة المتوسطة التي بددت الإدارات الأمريكية السابقة ثرواتهم في العالم، وفتح ترامب جبهة مع المرأة الأمريكية نظراً لما ظهر أثناء الحملة الانتخابية من تعامله البذيء مع المرأة ودورها في المجتمع الأمريكي فجاء من وظف هذا وأخرج حشوداً غفيرة من النساء للمطالبة بإسقاطه، وفتح جبهة مع المهاجرين إلى الولايات المتحدة الأمريكية مُهدداً بطردهم وإعادتهم الى بلدانهم، وفتح جبهة مع مسلمي أمريكا عندما ربط بين الإرهاب والإسلام وأصر في خطاب التنصيب ومن قبل في حملته الإنتخابية على محاربة التطرف الإسلامي واجتثاثه من على وجه الأرض، وهذا ما كان يقوم به أسلافه ولكن بشكل أكثر حنكة منذ عهد الرئيس أيزنهاور الذي قال للأمريكيين: قدركم أن تحكموا العالم فأمسكوا العصا الغليظة وتكلموا بلطف، وكان لحملات ترامب الانتخابية دور كبير في تغذية نزعة الكراهية للمواطنين المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية الذين يتعرضون للتهديدات المستمرة وحملة تحريضية واسعة ضدهم من مؤسسات متطرفة في الولايات المتحدة.

كل هذه الجبهات تؤكد أن الحرب ستكون ضروساً بين ترامب وبين كل تلك المؤسسات والهيئات والدول التي يناوئها، ولعل أبرز معالمها العنوان الذي اختارته نيويورك تايمز، أعرق الصحف الأمريكية، ليكون على صفحاتها الأولى وبالخط العريض واصفة ترامب بأنه "The American Sisi" "السيسي الأمريكي"، علماً بأن الصحافة الأمريكية، كما هو معلوم عند أهل الاختصاص، أنها صحافة موجهة وداعمة لسياسة البيت الأبيض، راجع في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، كتاب الإسلام السياسي والسياسة الخارجية الأمريكية لفواز جرجس، إذ يؤكد من خلال دراسة علمية أن الإعلام الأمريكي أداة من أدوات السياسة الخارجية الأمريكية على عكس المفهوم الشائع عن حرية الإعلام الأمريكي.

اللافت في الأمر أن ترامب على توافق تام مع الكيان الصهيوني ودوره في المنطقة، وهو الأمر الذي لا يُعد جديداً في السياسة الخارجية الأمريكية، وإن دل على شيء فإنما يدل على نجاح اللوبي الصهيوني في احتواء التناقضات السياسية الأمريكية وتوجيهها لصالحه في كل الأحوال، وهذا ما ظهر إلى الآن في إعلان ترامب عن نيته نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في دعمٍ غير مسبوقٍ للكيان الصهيوني، لكنه يأتي ضمن سياق التطور المعهود بين الكيان الصهيوني والإدارات الأمريكية المتعاقبة؛ فعلى سبيل المثال كان بوش الابن قد أدلى بتصريحات تبيّن تراجع الولايات المتحدة عن إلزام الكيان الصهيوني بحدود 1967م، وهو ما لم يسبقه إليه رئيس أمريكي من قبل.
ونختم بالقول: إن كل الجبهات التي فتح ترامب معها المعارك السياسية ستتمكن من معالجة هذه المعارك بحنكة سياسية كونها تبحث عن حلول وتوظف دبلوماسياتها وإمكانياتها في الاتجاه الصحيح، وهذا ما ظهر مؤخراً؛ إذ أعلن وزير الدفاع الأمريكي الجديد عن دعمه لحلف الناتو على خلاف ما كان يقوله ترامب في حملته الانتخابية، وربما يُستثنى من ذلك الطرف الأضعف في توازنات القوى على الساحة الدولية وعلى رأسهم الدول المسلمة؛ فالتجارب إلى اليوم تبيِّن أن سياسات الدول المسلمة، ربما باستثناء تركيا وكذلك المملكة العربية السعودية منذ مجيء الملك سلمان، لم ترتق بعد لمستوى المواجهة.









ــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
مشكلة, الثمن, براءة, سيدفع, عالمية, والأضعف


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع ترامب مشكلة عالمية والأضعف سيدفع الثمن
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من يحاول رسم الخطط ضد بلادنا سيدفع ثمنًا باهظًا عبدالناصر محمود أخبار عربية وعالمية 0 08-11-2016 10:02 AM
دراسة عاملية عن مشكلة الاغتراب لدى عينة من طالبات الجامعة السعوديات في ضوء عصر العولمة Eng.Jordan بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية 2 01-15-2016 07:59 AM
باحثة سورية تنال براءة اختراع عالمية في مجال الطاقة المتجددة Eng.Jordan علماء عرب 0 01-01-2016 04:58 PM
أردوغان من روع الناس 18 يومًا سيدفع الثمن عبدالناصر محمود أخبار عربية وعالمية 0 06-17-2013 09:43 AM
حل مشكلة إختفاء أدوات السيديا من الأعدادات + مشكلة تثبيت برامج الأنستولز Eng.Jordan الحاسوب والاتصالات 0 11-18-2012 11:57 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:01 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59