#1  
قديم 06-30-2016, 06:00 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة الاتفاق التركي الصهيوني.. .. الوقوف فوق الكرة


الاتفاق التركي الصهيوني.. الوقوف فوق الكرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ

(أمير سعيد )
ــــــــــــــــــ

25 / 9 / 1437 هــ
30 / 6 / 2016 م
ــــــــــــــــــــــــــ


الاتفاق الصهيوني.. Turkey-Israel_0-thumb2.jpg







بادئ ذي بدء، لم يكن من المتصور يوماً أن الحكومة التركية ستستمر في الإبقاء على علاقتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني منخفضة إلى الأبد؛ فحكومة العدالة والتنمية لم تتصرف في أي وقت بعيداً عن مبدأ المواءمة ولم تكف أبداً عن عقد الصفقات.


إنما كان المتصور أن تحرز أنقرة مكاسب جمة من مباحثاتها مع الكيان الصهيوني قبل أن تعيد علاقتها السياسية والدبلوماسية معه، وهو ما لم يحصل حقيقة فيما رشح من معلومات عن الاتفاق التركي الصهيوني حول قضيتي سفينة مرمرة وغزة.




لكن ما تعبر عنه الاتفاقات في منطوقها لا يبوح بجميع أسرارها، وبالمناخ الذي وقعت فيه؛ فبنود الاتفاقات عادة لا تقف عند حد المعلن منها، وما جرى بين الطرفين من اتفاق على تعويض مبطن لأهالي شهداء سفينة مرمرة على شكل تبرعات تصرف على أهالي الشهداء من خلال صندوق إنساني، واعتذار شفهي تلقاه الرئيس التركي أردوغان بدلاً من الرسمي، ورفع الحظر بدلاً من الحصار عن قطاع غزة عبر السماح بوصول مساعدات عن طريق ميناء أسدود الذي يحتله الكيان الصهيوني (48) والسماح بإقامة محطة كهرباء وتوفير المياه، تشي جميعها بأن أنقرة قد رضيت بالحد الأدنى من شروطها وطموحاتها.



وهذا بطبيعة الحال لم يقنع حلفاء وأنصار الحكومة التركية – فضلاً عن خصومها وأعدائها ومعارضتها – فالانتقادات الأبرز لهذا الاتفاق قد صدرت – على سبيل المثال - من هيئة الإغاثة الانسانية التركية "IHH" التي انتقدت الاتفاق باعتباره لن يخفف الحصار، بل سيؤدي للاعتراف به، كما أنه اختزال لمعاناة غزة في الجانب الإنساني بخلاف حرية التنقل والتجارة كسائر شعوب العالم.. كما أن انتقادات عديدة وردت على لسان ناشطين فلسطينيين بارزين في غزة وغيرها.



وبالفعل؛ فإن الاتفاق التركي الصهيوني لا يعبر عن قوة، شأنه شأن "الأسف" الذي أبداه رئيس الجمهورية التركي لإسقاط الطائرة الروسية، وأدى إلى ترطيب العلاقات التركية الروسية، والذي يتوقع ألا تفصله مسافة بعيدة عن الاتفاق مع الكيان الصهيوني، كون الكيانين (الروسي والصهيوني) متطابقين في وجهتي نظريهما حيال الوضع في سوريا والمنطقة عموماً، وبينهما تنسيق عالٍ، خصوصاً في الملف الكردي بسوريا.



والذي يتعين أن يؤخذ بعين الاعتبار هو أن تركيا تعاني من حالة ضعف نوعية تتعرض فيها لضغوط شديدة من جهات عدة، أهمها تلك الناجمة عن عمليات الإرهاب المتوالية (آخرها، وأكثرها إيلاماً، هي تفجيرات مطار أتاتورك الدولي، والتي أسفرت عن سقوط أكثر من مائة وسبعين ما بين قتيل وجريح)، حيث يسدد أعداؤها سهامهم باتجاه السياحة والاستثمار ويصيبان القطاعين بجراحات بليغة. وكذلك الزحف الكبير العسكري الكردي باتجاه إقامة كيان كردي على حدودها الجنوبية مع سوريا يدعمه الكيان الصهيوني وروسيا والولايات المتحدة.




تركيا بدأت حقيقة تشعر بالوحدة والانعزال في المنطقة بخلاف الأنظمة الشمولية التي يدعمها الغرب، ويقدم لها مساندة غير محدودة، وهي بدأت تشعر بأن يديها مغلولتان في المنطقة في وقت بدأ جيرانها "الألداء" يحرزون مكاسب كبيرة على حسابها، وهي تدرك جيداً أن خيوطاً كثيرة تمسك بها تل أبيب، وأن استمرار حالة الجمود معها لا يساهم في حل مشاكلها الكبرى.
نعم، صحيح ما يقوله محللون غربيون بشأن اتفاق الغاز الذي تود أنقرة أن تبرمه مع تل أبيب، وترسيم الحدود، وتقاسم الثروة الغازية في البحر المتوسط، وبشأن القلق التركي من نمو العلاقة الصهيونية القبرصية (اليونانية). لاسيما أن تركيا لديها قلق مزمن من توفير الطاقة الغازية تحديداً مع تذبذب علاقتها السياسية مع روسيا، وإيران بدرجة ما.



صحيح أيضاً أن داعي "الإنسانية"، و"الأخوة الإسلامية" يحتم على تركيا فعل أي شيء "متاح" في سبيل تخفيف الحصار عن قطاع غزة المحاصر، وبخاصة أن المتاح لم يعد هامشه واسعاً في ظل المتغيرات الإقليمية فيما بعد تغير النظام في مصر منذ ثلاث سنوات، وأن المقاومة الفلسطينية في غزة وإن أظهرت ملحمة رائعة في الدفاع عن غزة قبل عامين، إلا أنه يتعذر عليها تطوير دفاعها إلى هجوم موجع قادر على إرغام الكيان الصهيوني على السماح بميناء ومطار مستقل لغزة، وبالتالي؛ فإن فك الحصار تماماً، والاستقلال التام عن الضغوط المعيشية الصهيونية قد أضحى هدفاً بعيد المنال.


وصحيح أن أنقرة تدرك جيداً أن الكيان الصهيوني لن يمكنه أبداً المضي قدماً في فك الحصار كاملاً وبشكل دائم عن غزة، لأن هذا يعني تلقائياً انتصاراً "إسلامياً" لا يمكن قبوله، مفضٍ إلى تقوية حركة حماس على نحو غير مسبوق، ووضعها كلاعب مؤثر في المنطقة، حيث يقول نتنياهو رئيس وزراء الكيان الغاصب: " هذا من المصالح الأمنية العليا لبلدنا. لم أكن مستعدا لأي تنازل في هذا الشأن. هذه المصالح ضرورية لمنع حماس من حشد أية قوة بحيث تبقى كما كانت وكما هي".



صحيح كل هذا، غير أن يد المفاوض التركي وهي توقع على الاتفاق كانت ترمق هدفين آخرين، هما الأكثر أهمية على الإطلاق، وهما:
أولاً الإبقاء على الدولة التركية ذاتها، والحفاظ على مكاسبها، بما يستلزم معه هدوءاً داخلياً، وطمأنة خارجية، تسمح بتمرير أخطر ملف على الإطلاق في تركيا، وهو زعزعة أركان دستور أتاتورك" وتحويل البلاد إلى دولة ديمقراطية حقيقية لا تخضع "جبراً" لإملاءات العلمانية بشكل صارم كما مضى منذ إنقلاب رفاق أتاتورك الذي بدأ في العام 1909، ويرافقه تحويل تركيا ذات نظام حكم رئاسي يحرر يديها من الخضوع لابتزاز الحكم البرلماني الائتلافي الضعيف.
وثانياً: تأمين الجبهة الجنوبية تماماً، وعدم السماح بإقامة كيان كردي سوري، يؤجج المشاعر الانفصالية لدى أكراد تركيا، ويدع الباب مشرعاً أمام فكرة كردستان الكبرى، ويتيح من جانب آخر تقوية التحالف الكردي العلوي في الداخل التركي، ويقضي قضاءً مبرماً على النفوذ التركي والعمق الاستراتيجي لها في سوريا، وهي نتيجة لا يمكن قبولها سياسياً، ولا يمكن دفع فاتورتها الباهظة.




لكن من قال إن كل ذلك يوفره اتفاق مع الكيان الصهيوني؟! الحق، أن "إسرائيل" لم تف يوماً بوعد، وهذا لا يقلق من الجانب الغزاوي؛ فما تتراجع عنه تل أبيب، يمكن لأنقرة أن تتراجع هي الأخرى عن بعضٍ مما يقابله، وليس في ذلك ما يزعج كثيراً في الحقيقة، بقدر ما يثير مخاوف بشأن البنود غير المعلنة للاتفاق، أي تلك المتعلقة، بالأكراد، الداخل التركي، الغاز، وحتى النفوذ الذي تود أنقرة أن تحصل عليه في الملف الفلسطيني، وتقديم نفسها كوسيط.



هذا هو المقلق حقيقة، وهو البحث عن ضمانة دولية وإقليمية لإنجاز متطلبات ملفات تركية داخلية واستراتيجية، لاسيما أن "الموج عالٍ" – كما يقال – في الإعلام الغربي حيال حكومة العدالة والتنمية وأردوغان على وجه التحديد، ويسعى الأتراك لكسر هذه الموجات المتلاحقة المعبرة عن إضمار السوء من جانب الأمريكيين والأوروبيين للنظام التركي الذي يسعى لتطوير ذاته دستورياً وعسكرياً واقتصادياً.




والأيام القادمة كاشفة إلى حد بعيد عما إذا كان الاتفاق قد نجح في لجم الخصوم قليلاً أم لا.. هذا هو مغزى الاتفاق الحقيقي، وليس بنوده المعلنة، ولسوف يبدو لاحقاً ما إذا كانت تركيا قد نجحت في مسعاها الاحترازي والوقائي هذا أم أن مزيداً من التنازلات المقدمة لن يمنحها هدوءاً ولو مؤقتاً لتثبيت أركان حكمها.



لقد عمدت العدالة التنمية كثيراً إلى الانحناء للعاصفة لتمرير أهدافها الاستراتيجية العليا؛ فهل تنجح هذه المرة؟!




------------------------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الاتفاق, التركي, الصهيوني..


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الاتفاق التركي الصهيوني.. .. الوقوف فوق الكرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سحب شرط رفع حصار غزة : أهم 8 بنود في الاتفاق التركي الاسرائيلي Eng.Jordan أخبار الكيان الصهيوني 0 06-26-2016 10:36 PM
نتفهم القلق الخليجي من الاتفاق النووي عبدالناصر محمود أخبار عربية وعالمية 0 01-24-2016 08:06 AM
الكشف عن تفاصيل الاتفاق النووي الإيراني عبدالناصر محمود أخبار عربية وعالمية 0 07-15-2015 06:43 AM
أوجه الاتفاق والافتراق عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 09-01-2014 06:43 AM
رئيس الموساد الصهيوني يجتمع مع نظيره التركي لبحث الملف السوري عبدالناصر محمود أخبار الكيان الصهيوني 0 06-14-2013 05:41 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 01:06 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59