#1  
قديم 11-06-2012, 10:13 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي النظرية والمنهج في علم الاجتماع


حمل الكتاب كاملاً من المرفقات

النظرية والمنهج في علم الاجتماع


محـــــــتويـــــات

الموضوع الصفحة
أولاً: مفهوم الأيديولوجيا 2-17
ثانياً: أسطورة نهاية الأيديولوجيا 17-21
ثالثاً: العلاقة بين الأيديولوجيا والعلم 22-28
رابعاً: النظرية الاجتماعية والأيديولوجيا 28-35
خامساً: المضمون الأيديولوجي للاتجاه المحافظ 36-58
سادساً: المضمون الأيديولوجي للاتجاه الراديكالي 58-82
سابعاً: أيديولوجيا الحداثة وما بعد الحداثة 83-122
مقدمة
- أولاً: المنهج العلمي والمعرفة العلمية.
- ثانيا: عالمية Universality المنهج العلمي
- ثالثاً: إسهامات الرواد في تدعيم وحدة المنهج العلمي.
- رابعاً: أهمية وحدة المنهج العلمي.
- خامساً: الجذور الفكرية لثنائية المنهجية.
- سادساً: وحدة منطق المنهج العلمي.
- سابعاً: المنهج الماركسي وتدعيم وحدة المنهج العلمي.
- خاتمة













تــــأليــف
دكتور/ أحمد أنور
أستاذ علم الاجتماع المساعد
كلية التربية - جامعة عين شمس

أولاً: مفهوم الأيديولوجيا:
أول من وضع مفهوم الأيديولوجيا هو الفيلسوف الفرنسي ديتوت دى تراسي tracy De 1754 - 1836. وكلمة أيديولوجيا Ideology كلمة يونانية تتكون من مقطعين ، المقطع الأول Idea ويعنى الفكرة والمقطع الثاني Logos يعني العلم فتكون الترجمة الحرفية ( علم الأفكار) وقد تأثر دي تراسي بنظرية الفيلسوف الإنجليزي جون لوك التجريبية ، كما تأثر بمذهب الفيلسوف الفرنسي كوندياك الذي يرد كل معرفة أو إدراك إلى أصول حسية بحت"( ).
وكان أساس نظرية دى تراسي أن الفكر الإنساني ما هو إلا عملية ناتجة من تحول الاحساسات Sensations إذ أنه كان يرى أن الحالات الأربع الرئيسية للسلوك الواعي عند الإنسان وهي الإدراك والذاكرة والقدرة على الحكم Judgement والتمييز والإرادة ، ما هى - في الواقع - إلا أشكال وتصنيفات مختلفة لاحساسات الإنسان . وقد امتدت هذه الأفكار المجردة إلى نظرة عامة لتفسير التاريخ والنظم الاجتماعية ، الأمر الذي جعل من هذه النظرية أساساً للنظريات السائدة في فرنسا من أواخر الثورة الفرنسية حتى تولي نابليون الحكم وكان الذي يعتنقون هذه النظريات يسمون بالأيديولوجيون. إلا أن نابليون سرعان ما ثار على الأيديولوجيا اعتقاداً منه أن هذه النظريات فيها أفكار خطرة وهدامة وتهدد الدولة المركزية القومية ، واتهم نابليون الأيديولوجيين بأنهم يضللون الشعب ويقيمون نظريات سياسية واجتماعية لا على أساس الواقع وحقيقة الطبيعة البشرية ولكن على أساس نظرية تجريدية وهمية ، فهي أفكار جوفاء وأوهام فكرية منطقها التعصب للأفكار دون رجوع إلى الواقع ، وقد تبنى مصطلح الأيديولوجيا فلاسفة الثورة الفرنسية من أجل مقاومة السلطة الدينية التي كانت تساند الطبقة الإقطاعية ( ) .
وقد استخدم دى تراسي كلمة أيديولوجية بمفهوم أوسع وأشمل باعتبارها علم دراسة الأفكار والمعاني كما هي في الواقع المحدد تاريخياً ، ليست الأفكار في ذاتها ، بل لذاتها في معانيها وفي تعبيراتها وأساليبها وتظاهراتها واستخداماتها ودلالاتها في مجتمع معين وفي مواقف اجتماعية محددة وفي سياق حضاري ثقافي محدد ( ) .
وقد أسهمت الماركسية في أواخر العقد الخامس من القرن التاسع عشر في بلورة مفهوم الأيديولوجيا ، فكان أول تعريف قدمه ماركس وانجلز في كتابهما (الأيديولوجيا الألمانية) أن الأيديولوجيا عبارة عن نظام للأفكار الباطلة التي يمكن اعتبارها ثانوية وغير متصلة بحقيقة ثابتة (لأنها مجرد امتداد للبناء العلوي للطبقة الحاكمة) وأنها مجرد محاولة لتبرير السيطرة الطبقية ، فأفكار الطبقة الحاكمة، هي في كل زمن الأفكار الغالبة والمسيطرة ولذلك فإن الطبقة التي تمثل القوة المادية المسيطرة في المجتمع، هي دائماً ، وفي نفس الوقت القوة الفكرية المسيطرة، وعلى ذلك فإن الأيديولوجية هي تشويه للحقائق بقصد تبرير موقف الطبقة الحاكمة وقد لقبها إنجلز بأنها (وعي كاذب).
وهناك دلالة أخرى لمفهوم الأيديولوجيا عند ماركس وانجلز هي أنها وليدة مجموعة معينة من المصالح الاقتصادية لطبقة معينة أو جماعة معينة بصرف النظر عن كونها حاكمة أولا. كما ربط لينين فكرة ارتباط الأيديولوجيا بمصالح طبقية معينة، فالأيديولوجيا تأتي نتيجة التفاعل بين العناصر الواعية في طبقة ما ومصالحها.
وقد استعمل لوكاتش المفكر المجري مفهوم الأيديولوجيا في كتابه (التاريخ والوعي الطبقي) 1923 بالمعنى نفسه الذي كان لينين قد عرض له عندما حاول أن يناقض الصراع بين ( البناء العلوي الفكري للبرجوازية والبناء العلوي للبروليتاريا) على أن الأول ( بسبب سيطرته الاجتماعية) هو الذي جعل من الثاني تابعاً له وكان الغرض من نظريته هذه ليس الحط من الأيديولوجيا البروليتارية وإنما البرهنة على أن الصراع الطبقي في الميدان هو أكثر فاعلية من الصراع على الصعيد الأيديولوجي، أما المفكر الماركسي الإيطالي أنطونيو جرامشي Gramsci فقد ذهب في تحليله للمفهوم اللينيني للأيديولوجيا ، إذ قال أن البناء العلوي الفكري لم يكن مفهوماً مجرداُ يأتي من نفسه كامتداد للطبقة ، وإنما يأتي من خلال جماعة من أعضاء الطبقة المرتبطة بها عضويا، وهذه الجماعة هي المثقفون فلا مثقفين في رأيه إلا إذا كانوا مثقفين طبقيين ، وهؤلاء المثقفون هم بمثابة مسجلين لإرادة جماعية ، ومعبرين عن اتجاه واضح في تاريخ طبقتهم( ).
وقد تناول هابرماس الأيديولوجيا في علاقتها بالوعي الاجتماعي وذلك على مستويين مادي ونظري ، وعلى المستويين يربط مفهوم الأيديولوجية بنقد الأيديولوجية ، وبالنقد الاجتماعي ذلك أن نقد أيديولوجية ما يستلزم كشف القوة الاجتماعية صاحبة المصلحة في ترويج أفكار بعينها.
ويحاول هابرماس أن يكشف عوامل التشويه والخداع وإخفاء بعض جوانب الحقيقة وابرز بعضها الآخر ، فالأيديولوجيا قناع يخفي أكثر مما يعلن ، ويزيف أكثر مما يوضح ، وهو معنى سلبي طالما زعمه نقاد الأيديولوجية على مر العصور الذين يعتقدون (أن كل فكرة هى إحدى مفردات أيديولوجية معينة، وكل أيديولوجية هي قناع لمصلحة ما).
ويحدد هابرماس وظائف الأيديولوجية فيميز بين وظيفتين مختلفتين الأول: هدم وإزاحة والثاني : دعم وإحلال وتجديد. وإذا أخذنا مرحلة التحول التاريخي من النظام الإقطاعي إلى النظام الرأسمالي نجد أن الأيديولوجيا الرأسمالية قد قامت بالدورين معاً : هدم أيديولوجيا النظام الإقطاعي وبلورة نسق أيديولوجي جديد من الحرية والمساواة ويعلق هابرماس أهمية خاصة على نقد الأيديولوجيا، ذلك أن التحليل الناقد الذي يقوم على مستوى المجتمع ، ويقوم النقد الأيديولوجي بكشف ما يخبئه النظام السائد من خلال الهيمنة الأيديولوجية مما ينطوى عليه النظام من استغلال وقهر ، ويقوم النقد الأيديولوجي بتبديد الأوهام والدعاوى الأيديولوجية الزائفة( ).
أما ما كس فيبر فقد كان التفسير الذي قدمه لعلاقة البروتستانتية بالرأسمالية بمثابة نقد مباشر للنظرية الماركسية وتفنيد صريح لمسلماتها حيث أوضح أن الأفكار تمارس دوراً أساسياً في دفع حركة المجتمع وتحوله نحو أشكال جديدة، ولقد أوضح فيبر أيضاً أن من الصعب فهم التطور الرأسمالي في ضوء العوامل الاقتصادية وحدها لأن معناه التقليل من دور الأفعال في صنع المجتمع والتاريخ . ولقد قصد فيبر بذلك تأكيد قضية أساسية هى أن دراسة نشأة الرأسمالية يجب ألا يقتصر على العوامل الاقتصادية فقط بل يجب أن تأخذ في اعتبارها وبنفس الأهمية تصورات الناس عن العالم الذي يعيشون فيه وواجباتهم إزاءه . ومعنى ذلك أن الكالفنينة في نظر فيبر ليست مجرد انعكاس سلبي لظروف اقتصادية بقدر ما هى توجيه أيديولوجي فعال للفعل الاجتماعي وبالتالي عامل حاسم في إحداث التغير الاجتماعي وهذه مبالغة من فيبر في نقده لمفهوم الأيديولوجية عند ماركس وانجلز ذلك أن ماركس وانجلز لم يقصدا القول بأن الأيديولوجية هى مجرد انعكاس سلبي (مشوه) بقصد ما قصدا إبراز الدور الهام الذي تلعبه بوصفها مصدرا للشرعية السياسية والتغير الاجتماعي.
وهناك عدة تعريفات للأيديولوجيا فقد عرفها بارسونز بأنها نسق من الأفكار الموجهة التي لها أصل أمبيريقي تلك التي تمنح الإنسان تفسيراً للطبيعة الامبيريقية للجماعة والمواقف التي تقف فيها والعمليات التي نمت بها حتى حالتها الراهنة ثم الأهداف التي يتوجه إليها الأعضاء جماعيا وعلاقتهم بمسار الأحدث في المستقبل( ).
ويعرف جي روشيه الأيديولوجيا بأنها نسق من الأفكار والأحكام ظاهر ومنتظم عموماً يستخدم ليصف ويفسر ويشرح أو يبرر وضع مجموعة أو جماعة من الناس، والذي يستوحي من مفاهيم القيم بشكل عام ، ويحدد اتجاه الفعل التاريخي لهذه المجموعة أو لجماعة من الناس.
ويلاحظ في هذا التعريف أنه يفرق بين الفكر في ذاته وما ينتج عنه من أفكار عامة والأيديولوجيا باعتبارها نسقاً من الأفكار يحدد ويوجه أفعال وممارسات جماعة اجتماعية معينة في لحظة تاريخية محددة، لأن ذلك هو الفيصل بين الأفكار والنظريات من جهة والأيديولوجيات من جهة أخرى، فهى وإن كانت نوعاً خاصاً من الأفكار إلا أنها تقوم بوظيفة اجتماعية محددة هى توجيه الفعل الاجتماعي، هى إذن فكر في حالة فعل ، فكر يستهدف تحريك جماعة معينة نحو أهداف محددة ، وهكذا تلعب الأيديولوجية دوراً هاماً في تحديد الفعل الاجتماعي، فهي تحدد اتجاه الفاعل وتفسره وتبرره وتضفي شرعية على الوسائل المتاحة للفاعل والغاية التي يستهدفها( ) .
ومن التعريفات الهامة تعريف أرنديت H. Arnidt حيث يرى أن الأيديولوجيات تسعى إلى التوصل للتفسير الشامل من خلال تطبيق فكرة معينة على كافة مجالات الواقع ، وفي دراسة لاحقة نجد محاولة أخرى لتناول الجوانب المعيارية والزائفة من الأيديولوجية فضلاً عن الوظيفة التفسيرية لها من خلال نسق استنباطي مجرد للفكر الاجتماعي.
وقد استخدم علماء الاجتماع السياسي مصطلح الأيديولوجية السياسية للاشارة إلى مجموعة مفاهيم تتصف بأنها:-
أ- تعالج تساؤلات مثل من هم الذين سيصبحون حكاماً ، وكيف يتم اختيارهم وما هي الميادين التي سوف يستندون إليها في ممارسة الحكم.
ب- تمثل عموماً نوعاً من الجدل أو الحوار بين وجهات نظر متعارضة.
جـ- تؤثر في مجموعها في قيم الحياة الرئيسية.
د – تضمن برنامجاً للدفاع عن النظم الاجتماعية الأساسية أو إصلاحها أو هدمها.
هـ- تمثل في جانب منها تبريرات لصالح الجماعة دون أن يعني ذلك كل الجماعات.
و- تعبر عن الطابع المعياري، والأخلاقي على مستوى الشكل والمحتوى.
ز – تمثل جزءاً من سياق أشمل يتضمن نسق الاعتقاد بأكمله.
ومن المعالجات الهامة لمصلطلح الأيديولوجية ما عرضه كارل مانهايم في مؤلفه الأيديولوجيا واليوتوبيا. Mannhiem K, Ideology and Utopia
حيث نظر مثل ماركس إلى نماذج التفكير والقيم السياسية على أنها منبثقة من النظم الاجتماعية – الاقتصادية ، لكنه حلل أيضاً المنظمات التي تنتشر من خلالها الأفكار مثل الجماعات التربوية والفكرية . إن الأفكار عنده لا تنبثق من البناءاتت الاقتصادية والطبقية فحسب ، ولكنها ترجع إلى خبرات الحياة ، ونماذج السلوك التي تتجسد في الجماعات الاجتماعية ذات الانماط العديدة . وفي ضوء ذلك تحمل مانهايم مسئولية كشف المعاني والدلالات المختلفة التي اكتسبها مصطلح الأيديولوجية من خلال التحليل والتاريخ الاجتماعي لتطوره، وانتهي من ذلك إلى قوله " إن أى معالجة للأيديولوجية يجب أن تفرق بين معنيين متميزين ومنفصلين للمصطلح هما : المعنى الخاص والمعنى العام ، ويقول ما نهايم في هذا الصدد ، أن كل الانساق الفكرية التي تهدف بصورة رئيسية إلى الدفاع عن الوضع الراهن ، وإيجاد التبريرات اللازمة لحماية مصالح الفئات الحاكمة تسمى أيديولوجيا ، وهى أنظمة ثابتة ودفاعية"( ).
أما المعني الخاص فيمكن أن يتراوح بين الكذب الوجداني الشعوري والخداع النفسي، ولكن ذو طبيعة سيكولوجية ، أى أن الفرد الذي يؤمن بالمعنى الخاص للأيديولوجيا يمكن أن يكون قادراً على التفكير بأسلوب آخر، إذا كان راغباًَ في رفض تحيزاته واستبعاد أغراضه وتعصباته.
فكأن المفهوم الخاص للأيديولوجية يشير إلى الشكوك التي توجد لدينا دائما إزاء الآراء والأفكار والتصورات التي يتقدم بها المعارضون لنا وتؤدي بالضرورة إلى عدم القدرة على إدراك الواقع الاجتماعي إدراكاً متكاملاً وحقيقياً. ويتجلى الطابع المميز للمفهوم الخاص عندما يتناقض مع المفهوم الكلي الشامل للأيديولوجية ، وخاصة عندما يشير إلى عصر من العصور أو حقبة تاريخية معينة، أو فئة إجتماعية واضحة المعالم والسمات ، أو حينما نهتم بتركيب البناء الكلي للعقل وبخصائصه في مرحلة تاريخية معينة . ومعنى ذلك أنه في الوقت الذي يشير فيه المفهوم الخاص إلى جزء فقط من الأقوال التي يطلقها المعارض، فإن المفهوم الكلي يتاول المعرفة كلها، ويحاول تعريف المفاهيم استناداً إلى الحياة الجماعية. كذلك بينما يقيم المفهوم الخاص تحليليه للأفكار والأراء على مستوى نفسي ، يعرف المفهوم الكلي للآفكار والآراء إلى مرحلة تاريخية ، وإلى طبقة إجتماعية تفكر في مقولات غير مقولاتنا( ).
ويعمل المفهوم الخاص في إطار سيكولوجية المصالح في الوقت الذي يتجه فيه المفهوم العام إلى التحليل الوظيفي والوصف الموضوعي للفروق البنائية بين العقليات التي تعمل داخل مركبات إجتماعية مختلفة . ولهذا يرى من يتبنى المفهوم الخاص أن المصالح هى السبب الكامن وراء تلك الأكذوبة أو ذلك الخداع ، بينما يفترض المفهوم العام سلفاً وبكل بساطة وجود نوع من التطابق بين وضع إجتماعي معين ووجهة نظر بالذات ، وتكون نقطة الانطلاق في المفهوم الأول ، الفرد دائماً حتى ولو بدأنا بالفئة الاجتماعية لأن كافة الظواهر النفسية يجب ان تختزل إلى عقول الأفراد ، بينما تبدأ في المفهوم الثاني بإعادة بناء وجهة النظر الكلية للفئة الاجتماعية ، أى إعادة بناء الخلفية النظرية التي تستقر وراء الأحكام الشخصية للأفراد ، فتتضح بذلك المظاهر النفسية الجماعية للأيديولوجيا.
ويفرق مانهايم Mannheim بين الأيديولوجيا واليوتوبيا ، فالأيديولوجيا هى أفكار متنوعة ومتسامية على الوضعية ، لم تنجح من الوجهة الواقعية في تحقيق محتوياتها بالرغم من أنها قد تكون الدافع المقصود للسلوك الذاتي فإن معانيها كثيرا ما تكون مزيفة ومشوهة مثال ذلك الفكرة الداعية للمحبة والأخوة المسيحية في مجتمع قائم على العبودية ، تبقى الأخوة فكرة غير مترجمة للواقع، فهى بهذا المعنى فكرة أيديولوجية، أما اليوتوبيا Utopia فهى توجه السلوك نحو عناصر لا تحتويها الوضعية ، ولكنها ليست أيديولوجية ، لأنها نجحت في نشاطها المعارض في تحويل الواقع التاريخي القائم إلى واقع يتطابق وينسجم معها.
فاليوتوبيا هى نظرة غير تاريخية لا تنظر للواقع في ضوء الماضي ثم تستشرف المستقبل في ضوء الحاضر ، إنها على العكس تنظر إلى الحاضر من زاوية مدى إتفاقه أو اختلافه مع المثال.
فاليوتوبيا هى رفض وعداء مطلق للواقع ومن ثم تعتبر اليوتوبيا ايديولوجيا فعلية ، فهى لا تمثل نوعاُ من الأيديولوجية من وجهة نظر علمية ، لأن تجاوز الواقع في الفكر والفعل لا يمكن أن يكون تفكيراً علمياً إنه يوتوبيا.
أما الأيديولوجي فلا يتجاهل الواقع ولا يلغي التاريخ ، بينما اليوتوبي يلغي الواقع على مستوى الذهن، ويعمل على محوه على مستوى الواقع، والأيديولوجي يتعامل مع الواقع ويسعى إلى تغييره بينما اليوتوبي أحكامه مطلقه ومواقفه جامدة ( ) .
ويرى مانهايم أن التمييز بين ماهو يوتوبي وما هو أيديولوجي صعب، لأن هذا التمييز يعتمد على الواقع الذي تطبق عليه هذا المعيار ، ومن الممكن أن تصبح يوتوبيات اليوم وقائع الغد، فاليوتوبيات ماهي إلا حقائق لم تنضج بعد.
ويرى مانهايم أن كل أشكال التفكير ذات طابع ايديولوجي ، فالأيديولوجيا نسق لأفكار الجماعة ترتبط بالمصلحة ، وقد ترتبط أيديولوجية الجماعة بمصالحها إلى الحد الذي لا يستطيع فيه أعضاؤها أن يفكروا إلا فيما تريد الجماعة أن يفكروا فيه( ) .
واعتمادًا على التفرقة بين المعنى الخاص والعام نجد (مانهايم) يبسط أول انتقاداته للماركسية حيث يذهب إلى أن ماركس قد ضم هذين النمطين من الأيديولوجيات في إطار مقولة واحدة ما لبث أن استخدمها بعد ذلك كأساس للممارسة السياسية، وعلى ذلك فإن أول مهام علم الاجتماع المعرفي تتمثل في تخليص الأيديولوجية من مضامينها السياسية والتركيز على دراسة المعرفة والجماعة ونمط التفكير. وهكذا نجد مانهايم يرفض التصور الماركسي للأيديولوجيا بسبب ارتباطها بطبقة معينة هي البروليتاريا إذ أن المعرفة الحرة المستقلة هي القادرة على اكتساب المكانة العلمية الحقيقية( ).
أي ان كتابات مانهايم تكشف عن تقدير خاص لكتابات ماركس ذاهبًا إلى أنه أي ماركس أول منظر تمكن من التوصل إلى شبكة معقدة من العلاقات من خلال مفهوم الأيديولوجية، لكن ماركس في نظر مانهايم مالبث أن وظف هذا المفهوم لخدمة غرض محدد هو الكشف عن التشويه الاجتماعي للمعرفة ولذلك حاول مانهايم أن يطالب بتحقيق أقصى فائدة منهجية من مفهوم الأيديولوجيا واعتقد أن التفرقة بين الأيديولوجيا الخاصة والأيديولوجيا الكلية ومحاولة تخليص الأيديولوجيا من مضامينها السياسية والتركيز على دراسة المعرفة والجماعة ونمط التفكير.
إلا أن مانهايم قد أساء كثيرًا فهم وجهات نظر ماركس حول الأيديولوجية مما دفعه إلى تبنِي تصور ميكانيكي لعلاقة الإنسان بكل من المجتمع والمعرفة تصور يخلو من الروح الجدلية التي طالما عبر عنها ماركس، فضلاً عن أن مانهايم قد نظر إلى الفكر الماركسي على أنه يعبر عن موقف معرفي واحد ابتداء من (لينين -تروتسكي- روزا لوكسمبورج- بليخانوف- كاوتسكي- بيرنشتين) أن تجاهل هذا التنوع الفكري كان سببًاً في عجز (مانهايم) عن فهم المعانِي المتباينة والمرونة التي يتخذها مفهوم الأيديولوجية في التراث الماركسي( ).
كما أن اهتمام مانهايم بعلم الاجتماع المعرفي والبحث عن المعاني وتخليص الأيديولوجيا من مضامينها السياسية يؤثر على علم الاجتماع ويجعله ينعزل عن التغيرات التي تطرأ على المجتمع ويفقد علم الاجتماع مضمونه الثوري أي أن اتهام مانهايم للماركسية وتعريفها للايديولوجيا بأنها مفهوم ميكانيكي يجعل علاقة الفكر بالواقع علاقة ميكانيكية ويصبح الفكر نتاج سلبي مشوه للواقع وهذه رؤية غير صحيحة لمفهوم الأيديولوجيا عند ماركس وانجلز فالديالكتيك الماركسي قائم بين الفكر والواقع فإذا كانت الأيديولوجيا هي نتاج واقع اقتصادي واجتماعي معين وترتبط بطبقة معينة فإنها -أي الأيديولوجيا- تسهم في تغيير هذا الواقع وتطويره فهي ليست انعكاس سلبي ولكنها انعكاس للواقع وتقوم بتغيير هذا الواقع في آن واحد.
وقد اتخذ جورج لوكاش من قضية الأيديولوجية موقفًا مختلفًا عن ذلك الذي اتخذه مانهايم، وعلى الرغم من أن لوكاش قد اهتم شأنه شأن مانهايم بقضية (النسبية الأيديولوجية) إلا أنه قد تبنى مفهوم (المصلحة) كعامل حاسم قادر على التمييز والزيف، ويذهب لوكاش إلى أن البروليتاريا تشكل موضوعًا للتاريخ بقدر ما تمثل هدفًا له إذ أنها تمثل مجال المعرفة الأقرب إلى الحقيقة وذلك من خلال وعيها برسالتها التاريخية المتمثلة في تحرير كل الناس من الاغتراب الرأسمالي، وقد أوضح لوكاش أن البروليتاريا والبرجوازية يوجدان في ظل واقع واحد هو الرأسمالية ويدركان العالم على انه شيء خارجي ثابت إلا أن وعي كل منهما بتغييره يختلف كل الاختلاف، فإذا كان الفكر البرجوازي غير قادر على الابتعاد عن مجموعة المفاهيم الوسيطة التي تمكنه من تحليل الواقع، فإن الفكر البروليتاري قادر على إدراك ذاته من خلال مواقف تاريخية ملموسة يتضمنها الوعي الطبقي( ).
ومن الواضح أن لوكاش قد رفض فكرة (النسبية الأيديولوجية) لأنه أصر على مناقشة قضية الأيديولوجية من وجهة نظر البروليتاريا ودورها التاريخي، ويترتب على ذلك التسليم بتعارض (أيديولوجية البروليتاريا) و(ايديولوجية البرجوازية) بيد أن لوكاش أوضح أن أيديولوجيا البروليتاريا تكتسب مكانة علمية موضوعية إذا ما قورنت بأيديولوجية البرجوازية ذلك أن الأولى تتجاوز بطبيعتها مشكلة التحقق الامبيريقى بانطلاقها من منظور جدلي تاريخي حقيقي.
ويصف لوكاش في مواضع عديدة من كتابه (التاريخ والوعي الطبقي) الفكر البرجوازي بافتقاده الدقة الأيديولوجية لأنه يميل إلى معالجة الأشياء بمعزل عن بناء المجتمع وحركته حتى ليبدو دور الفرد هو الحاسم في التحول الاجتماعي، ومعنى ذلك أن الجزء قد اكتسب مكانة كبيرة لا يستحقها، بينما لم يحظ الكل إلا بمكانة متدنية هي أكبر منها بكثير.
إن مصدر القوة الكامنة في الفكر البروليتاري -في نظر لوكاش- يتمثل في اعتماده على (طبقة كادحة) تطمح من خلال وعيها وممارستها النضالية من أجل تغيير المجتمع كوحده كلية في ضوء نظرة شاملة بل إن هذه الطبقة تحاول أيضًا تحقيق ذلك حتى ولو كانت خاضعة لوعي مزيف ذلك أن هذا الموقف لا يعدو أن يكون موقفًا خاطئًا ما يلبث أن يتخذ وضعه الطبيعي، على أن النقد الأساسي الذي يمكن أن يوجه إلى (لوكاش) يتمثل في تصوره للبروليتاريا إذ أنه قد اعتبرها قوة جماهيرية متجانسة تواجه هيمنة برجوازية متحدة، إن مثل هذا التصور يتجاهل الديناميات الداخلية لكل من البرجوازية والبروليتاريا، ويطمس بالتالي إمكانية ظهور أيديولوجيات متناقضة أكثر تعقيدًا من تلك التي تصورها (لوكاش)، وهكذا نجد تصورات هذا المفكر الأيديولوجي لا تعتمد اعتمادًا أساسيًا على المحددات الواقعية للبناء الطبقي مما أظهرها في نهاية الأمر وكأنها تعبير عن نموذج نظري بالغ التجريد( ).
وفي التراث العربي يوضح عبد الله العروي أن "الأيديولوجيا" كلمة دخيلة على جميع اللغات الحية وهي تعنِي لغويًا في أصلها الفرنسي (علم الأفكار) لكنها لم تحتفظ بالمعنى اللغوي، إذ استعارها الألمان وضمنوها معنَى آخر، ثم رجعت إلى الفرنسية فأصبحت دخيلة حتى في لغتها الأصلية ولذلك فليس من الغريب في مثل هذه الحالة أن يعجز الكتاب العرب عن ترجمتها لكلمات مرضية، إن العبارات التي تقابلها (منظومة فكرية) (عقيدة) تشير فقط إلى معنى واحد من بين معانيها.
ويوضح العروى أننا عندما نقول إن هذا الحزب يحمل "أيديولوجية" ونعني بها مجموع القيم والأخلاق والأهداف التي ينوي تحقيقها على المدى القريب والبعيد ويكتسب هذا الحكم في استعمالنا الحالي صيغة إيجابية لأن الحزب الذي لا يملك أيديولوجية هو في نظرنا حزب انتهازي لا يهمه سوى استغلال النفوذ والسلطة، كما أننا عندما ندرس أيديولوجية عصر النهضة نعني بها النظرة التي كان يلقيها رجل عصر النهضة إلى الكون والمجتمع والفرد والتي يندرج تحت قواعدها العامة كل حكم صدر في ذلك العصر إننا لا نقارن نتائج علماء النهضة بالعلم المعاصر بل نربطها بفلسفة وأدب وفن وسياسة العهد المذكور، فأيديولوجية عصر من العصور هي إذن الأفق الذهني الذي كان يحدد فكر إنسان ذلك العصر، وعندما نحكم على أيديولوجية عصر النهضة فإننا نحكم عن أيديولوجيا تتصل بواقع معين، فمفهوم الإيديولوجيا إذن مرتبط بالمجتمع والتاريخ ومفهوم الإيديولوجيا إذن لا ينتعش ويتبلور إلا في إطار تاريخ اجتماعي( ).
الأيديولوجيا إذن هى نسق من المعتقدات والمفاهيم ( واقعية ومعيارية) يسعى إلى تفسير ظواهر إجتماعية معقدة من خلال منظور يوجه ويبسط الاختيارات السياسية الاجتماعية للأفراد والجماعات . وهذا هو ما يمكن وصفه بالمعنى الحيادي للمصطلح ، إذ أن مثل هذا التعريف ليست لديه القدرة على توضيح الدلالات المختلفة والمتنوعة التي اكتسبها من الأنساق الفكرية العديدة التي عملت على إظهار مدى التوازن بين الجانبين الواقعي والأخلاقي اللذين يمثلان مقومات الأيديولوجية.
أو هى نظام الأفكار المتداخلة ( كالمعتقدات والتقاليد والمبادئ والأساطير) التي تؤمن بها جماعة معينة أو مجتمع ما وتعكس مصالحها واهتماماتها الاجتماعية والأخلاقية والدينية والسياسية والاقتصادية والنظامية وتبررها في نفس الوقت وتقوم الأيديولوجيات بمهمة التبريرات المنطقية والفلسفية لنماذج السلوك والاتجاهات ، والأهداف وأوضاع الحياة العامة السائدة وجدير بالذكر أن أيديولوجية أى شعب تنطوى على تفسير وإعادة صياغة أطر مرجعية أيديولوجية بديلة على أن هناك من يرى أن عناصر الأيديولوجية حقائق صادقة ومذاهب ثابتة وليست صيغا فلسفية أو نظرية يمكن أن تتوافق مع كل تغير في الظروف الاجتماعية والثقافية.
ويبدو أن الاستخدام الفني لمصطلح الأيديولوجية يميل إلى اعتبار الأيديولوجية محصلة عدة عناصر ، فهى لا تدل فقط على المعتقدات التي توجد لدى الناس او نسق القيم ، أو محصلة الأهداف والمعايير ، وإنما تتضمن كل هذه الجوانب مجتمعة ، هذا بالاضافة إلى نظرة الانسان للأشياء المحيطة به ، والتصور الذي يطوره عن العالم ، وهى في نفس الوقت تشير إلى مجموعة الخبرات والأفكار والآراء التي يستند عليها في تقييمه للظواهر المحيطة به( ).
وهناك تعريف آخر للأيديولوجية بأنها نسق من الآراء والأفكار والنظريات السياسية والحقوقية والدينية والأخلاقية والفلسفية . فالأيديولوجيا جزءاً من الوعي الاجتماعي تتحدد بظروف حياة المجتمع المادية وتعكس العلاقات الاجتماعية وفي المجتمع الطبقي تتسم الأيديولوجيا بطابع طبقي . ويأتي الصراع في ميدان الأيديولوجيا إنعكاساً طبيعياً لتضاد المصالح الطبقية ، ويمثل شكلاً من أشكال الصراع الطبقي الأساسية.
ورغم أن تطور الأيديولوجيا يتحدد في نهاية المطاف بالظروف الاقتصادية ، فإنها تتمتع باستقلالية نسبية ، تنعكس في أن كل نسق أيديولوجي جديد كونه إنعكاساً للوجود الاجتماعي يأتي في الوقت ذاته استمرارا للتطور الفكري السالف ، ويشكل تمثيلا نظرياً لما تجمع من مخزون المفاهيم والتصورات وتتجلى هذه الاستقلالية النسبية في القوانين الخاصة لتطور أشكالها المنفردة وكذلك في خصوصية تأثيرها على الظواهر الاجتماعية، وضمناً على الأساس المادي( ).
ثانياً: أسطورة نهاية الأيديولوجيا(*)
أسطورة نهاية الأيديولوجيا هي من ابتداع بعض مفكري النظام الرأسمالي، وهم يحاولون الترويج لهذه الأسطورة من أجل إخفاء الصراع الأيديولوجي وإخفاء التناقضات التي تنطوي عليها الأيديولوجيا البرجوازية.
وقد حاول هذا التيار الفكري عزل التكنولوجيا عن الأيديولوجيا فالوحدة البشرية لن تتحقق من خلال وحدة أيديولوجية وإنما من خلال وحدة تكنولوجية، وعلى ذلك فلا يوجد صراع أيديولوجي وخداع البصر في هذه الرؤية أن الإنجاز التكنولوجي ليس بالضرورة تقدميا أى ليس بالضرورة خادماً للقوى الاجتماعية الصاعدة وذلك أن مقياس التقدمية هو الإنسان وليس الإله، الإنسان ليس من حيث هو كائن مجرد ولكن من حيث هو كائن حي يعيش في مجتمع يطلب منه إشباع حاجاته البيولوجية الأساسية بل إشباع همومه الروحية. من هذه الزاوية ومنها وحدها تصبح الالة وسيلة لتحرير الإنسان وليس لتدمير الإنسان.
والملاحظ على الثورة التكنولوجية في المجتمعات الرأسمالية أن تكون غاية في ذاتها بمعنى أن يكون الإنسان في خدمة تطوير الالة إلى الحد الذي فيه يمكن الاستغناء عن الإنسان ، فالثورة التكنولوجية تثير القلق تجاه كينونة الإنسان حيث يشعر الإنسان بالاغتراب أي بعزلته عما ينتجه ويبدعه وبقدر ما يشعر الإنسان باغترابه أمام الإنجازات التكنولوجية بقدر ما يتمرد ويثور( ).
وينظر أصحاب نظرية نهاية الأيديولوجيا بفعل ثورة العلم والتكنولوجيا إلى أن زيادة الإنتاج ستؤدي إلى تطور قوى الإنتاج وتغيير العلاقات الإنتاجية وتحقيق مجتمع الوفرة والمساواة، إلا أن هذه النظرية تجاوزت الإنسان لحساب الإنتاج المادي ، فهذه النظرية تخلق للتكنولوجيا (قدسية) خاصة ناسية أن العامل الأهم هو الإنسان. وقد أوضح فرتيز ستبرنبرج أن الثورة التكنولوجية سوف تؤدى إلى زيادة الإنتاجية وسيختفي الفقر وستهبط البرجوازية إلى مستوى البروليتاريا ، بينما سترتفع البروليتاريا إلى مستوى البرجوازية وستتحقق المساواة الاجتماعية ولكن مع بقاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج أى مع بقاء علاقات الإنتاج الرأسمالية.
ولاشك أن هذه المحاولات هدفها إخفاء الصراع الأيديولوجي القائم على التناقضات الطبقية ، حيث أن المفهوم البرجوازي للصراع الأيديولوجي ينطوي على أن هذا الصراع هو نتيجة الأيديولوجية ولا يأخذ الأيديولوجية بوصفها مجرد انعكاس للمواقع الطبقية بينما المفهوم الحقيقي للصراع الأيديولوجي يعتبر هذا الصراع جزءا عضويا من الصراع الطبقي وانعكاس للتناقض بين البروليتاريا والبرجوازية ، أي أن الصراع الأيديولوجي في المفهوم البرجوازي مجرد وسيلة للسيطرة وتبرير المواقف الإمبريالية ( ) .
وظهرت محاولات عديدة تروج لأسطورة نهاية الأيديولوجيا من أجل إخفاء التناقضات داخل النظام الرأسمالي وإغفال الصراع الأيديولوجي ومن أهمها محاولات ريمون آرون وسيمور ليبست وجالبراث وغيرهم. فنجد المفكر الفرنسي ريمون أرون يدعو إلى ما يمسي تفتيت الأيديولوجيا Ideologisation De ويوضح
أن السلام العالمي لا يمكن أن يتحقق إلا في اليوم الذي يكف فيه الساسة عن اعتبار الصراع الأيديولوجي أمراً حتمياً ( ) .
كما أوضح سيمور ليبست إلى أن الديموقراطية المستقرة أدت إلى نهاية الأيديولوجيات ، حيث حقق العمال المواطنة واختفى الصراع الطبقي وارتفعت معدلات الحراك الاجتماعي ، وقد أدت هذه التغييرات إلى اختفاء الصراع الأيديولوجي.
وكذلك أوضح دانيال بيل في كتابه (نهاية الأيديولوجيا) 1960 أن العصر الأيديولوجي قد انتهى وأن الراديكالية السياسية - الاقتصادية قد فقدت معناها ، لأن العالم الغربي حقق ما يسمى (مجتمع الوفرة) وتم استيعاب الطبقة العاملة وانتشرت القيم الديموقراطية والتعددية السياسية ولذلك فإن الأيديولوجيا فقدت حيويتها الثقافية والسياسية.
وقد أوضح ياكوب باريون أن مقولة ( نهاية الأيديولوجيا) هي مقولة أيديولوجية، ولا يمكن التحرر من الأيديولوجيا ، حيث أن الأيديولوجيا لا تنحصر في الفكر النظري ، إذ أنها تقوم بدور حاسم في تقييم طابع الحياة الاجتماعية وتوجيه الفعل الاجتماعي للإنسان. فتتضمن الأيديولوجيا ( نسق متكامل من النظريات والأفكار والأحكام القيمية، تتصف باتساع مداها وشمول محتواها).
وقد قام عالم الاجتماع الراديكالي س. رايت ميلز بتوجيه الاتهام لمناصري القول ( بنهاية الأيديولوجيا) بأنهم ( محافظون صريحون وليبراليون متعبون وراديكاليون ساخطون) وأوضح ميلز أن القول بنهاية الأيديولوجيا يقوم على وهم التحرر من أى التزام حقيقي( ) .
وفي هذا الاطار ظهرت دعاوي ( نهاية الأيديولوجيا) حيث أكدت هذه الدعوى أن الأيديولوجيا تتعاظم أكثر من أى وقت مضى ، وما قاله بيل كان فجا لأن الأيديولوجيا في تعاظم وحركة الطلاب والملونين تدحض هذه الفكرة.
وقد نقد عديد من المفكرين مقولة نهاية الأيديولوجيا ومنهم ميشيل نوفاك Michael Novak وستيفين كالمان Steve Kelman فقد أوضحا أن حركات التحرر الوطني والحركات النسوية وحركات الطلاب والملونين تؤكد عدم انطفاء الأيديولوجيا بل على العكس فهو موجة متصاعدة من الوهج الأيديولوجي في البلاد الصناعية الغربية.
وقد أوضح كريستوفر لاش Cherstophers Lasch أن المجتمع ما بعد الصناعي شهد تفجر صراعات جديدة أدت إلى (انبعاث الأيديولوجيا) وهو ما تجلى في الثورات والإضرابات والتمردات.
ويؤكد بول لوتر Poul Lauter 1995 أن نهاية الأيديولوجيا شعوذة حيث أنها تحاول أن تطمس الاختلافات الفكرية والسياسية.
ويمكن أن نلمح التقارب بين أفكار ( دانيال بيل) (وفوكوياما) وبخاصة فيما يتعلق بانتصار الديمقراطية الغربية وانتصار الرأسمالية الليبرالية وبنهاية

الأيديولوجيا ونهاية التاريخ( ) .
ولاشك أن الدراسات السابقة التي حاولت التدليل على نهاية الأيديولوجيا تنطوي على عدم إدراك لأهمية الأيديولوجيات ودلالتها بالنسبة للحياة العملية ، فالأيديولوجيات تقدم إجابة على أهم الأسئلة التي تتصل بحياة الإنسان، ومن هنا يبدو أنه لا جدوى من التحرر منها . وأننا لنجد في كتابات ( كولا كوفسكي) تعبيرا حقيقيا عن ذلك حينما كتب يقول ( تشمل الأيديولوجية التقييم الأخلاقي والسياسي أي تلك القوى الدافعة والخلاقة التي تصبح الحياة بدونها مستحيلة، فالشعار الذي يدعو إلى التحرر التام من الأيديولوجية تخيل ساذج والذين يصورون لأنفسهم أنهم نجحوا في ذلك يقعون ضحية وهم ، فالمرء الذي يطالب بإلغاء الأيديولوجية، وإزالتها من الوجود ، لا بد له من تقييمها قبل ذلك ، وهذا التقييم يشكل فعلاً أيديولوجياً) ولا يمكن تصور مجتمع دون أيديولوجيات، فالمجتمعات الإنسانية تفرز الأيديولوجية كما لو أنها المناخ أو البيئة الضرورية لتنفسها لحياتها التاريخية.
وعلى ذلك فلا يمكن تقبل الفكرة الطوباوية عن عالم تزول فيه الأيديولوجيا، إلا أنه من المتوقع أن تحدث تغييرات في الإشكال الأيديولوجية وعلاقاتها، أو وزوال بعض الأشكال الأيديولوجية وانتقال وظيفتها إلى أشكال أخرى أو نمو أشكال أيديولوجية حسب مقدمات التجربة المكتسبة( ) .

ثالثاً: الأيديولوجيا والعلم:
الأيديولوجيا والعلم ظاهرتان اجتماعيتان تاريخيتان ، نشأتا لإشباع حاجات اجتماعية، ولأداء أدوار ووظائف اجتماعية ، فنشأت العلوم من خلال النشاط الإنتاجي ومحاولات السيطرة على الطبيعة ، ونشأت الأيديولوجيا خلال الصراع الاجتماعي، ومحاولات الطبقات السائدة والنخبات الحاكمة السيطرة على المجتمع. وبما أن العلم والأيديولوجيا ظاهرتان اجتماعيتان فهما ككل الظواهر الاجتماعية التي تضمها أنساق اجتماعية في تكوين اجتماعي محدد تاريخيا، لابد أن تربطهما علاقات جدلية ببعضهما كما بغيرهما من الظاهرات الاجتماعية التي تكون في مجموعها ذلك الكل الاجتماعي.
وهناك شواهد تاريخية كبيرة تتجلى فيها تلك العلاقة الجدلية بين الأيديولوجية والعلم، وهي علاقة تتغير مع تغير المجتمع الذي توجد فيه ، وهناك تاريخيا مجتمعات قديمة وقفت فيها الأيديولوجيا الميتافيزيقية عقبة في طريق تقدم العلوم . وينبئنا تاريخ العلوم في أوروبا في العصور الوسطى عن ضحايا رواد العلوم دفعوا حياتهم ثمنا لإعلان كشف فلكي أو فيزيائي أو بيولوجي … الخ مما يصعب حصره( ) .
ويمكن أن تستخدم القضية العلمية استخداماً أيديولوجيا، ولا توجد أى نظرية إلا وتقف خلفها أيديولوجيا تدعمها فأعمال (آدم سميث، ماركس ، دارون) هي أعمال علم ويمكن أن تدرس ، أن تقدر ، أن تنمي وأن تهاجم أو تؤيد بوصفها أعمال علم ، لكنها عملت كأيديولوجيات (ليبرالية اقتصادية) و (اشتراكية علمية) و (دارونية اجتماعية) ( )
والقضية العلمية يمكن أن ينظر إليها على أن لها نتائج أيديولوجية إلى المدى الذي قد يستخدمها شخص ما له قيمة وأهدافه المعينة ، فالقضية العلمية ذاتها ليس لها أى التزام أيديولوجي، وإنما الالتزام يأتي من الشخص الذى استعان بها لكي يدعم موقفه . فمثلاً جاليليو في نضاله ضد المناخ الديني وأيديولوجيا رجال الكنيسة ومهاجمته للفكر الأرسطي الحليف المدعم للكنيسة كان يقوم في هذه اللحظة بدور أيديولوجي إلى جانب دوره العلمي ، إلا أنه في أداءه لدوره الأيديولوجي يظل ملتزما بقضايا العلم ومتطالباته ومثل هذا الموقف ينطبق على (بارسونز وماركس) فهناك في أنساقهم النظرية قضايا علمية أساسا إلا أنهم يستخدمون هذه القضايا استخداماً أيديولوجيا معيناً ( ).
وعدم الفصل بين ماهو علمي وما هو أيديولوجي يؤدي إلى أن يصبح ما هو علمي هو أيديولوجي في آن واحد .فالأيديولوجيا العلمية ترفض التسليم بمطلقات مفارقة للتجربة أو الحواس، كما أنها ترفض الجمود والتحجر وتقبل التغيير ، وهذه الأيديولوجيا غير متعصبة وتمتلك رؤية علمية للطبيعة والمجتمع على السواء.
ويرى بعض الباحثين أنه مع ما بين الأيديولوجيا والعلم من علاقة فإن بينها بعض الفروق تتمثل فيما يلي :-
- هناك اختلاف في الطبيعة والمنهج بين العلم والأيديولوجيا ، فالعلم جملة من المعارف المرتبة في نسق بحيث ترتبط هذه الوقائع والقوانين فيما بينها ، وتتحدد صحة المعرفة العلمية من خلال الملاحظة والتجربة العلمية، أما الأيديولوجيا فتقوم على الاعتقاد في صحة مبادئ وأفكار وقضايا ، لم يتم التحقق من صدقها على أساسا منهج علمي ، فهو إيمان تختلط فيه الحقائق بما يظن بأنه كذلك دون استقصاء ، ويعتمد المؤدلجون على حماس أتباعهم أكثر من اعتمادهم على عقولهم.
- العلم يكذب ذاته عبر تطور اكتشافاته ( من كوبرينكس إلى جاليليو) ومن كبلر إلى نيوتن إلى انيتشين … الخ دون أن يقلل ذلك من قيمة العلم والعلماء، أما الأيديولوجيا فتؤكد ذاتها، وحين يثبت الواقع فشلها يعود المؤدلجون باللائمة على فساد التطبيق ، وكأن الأيديولوجيا معتقد جامد يعرف مؤمنون وكافرون ومرتدون ولذلك فإن القضية العلمية أقل ثقة بنفسها ومعرضة للتعديلات ، فالعلم لا يمتلك الحسم القاطع بينما الأيديولوجيا نوع من الاعتقاد أو الدوجماطيقيا، فالأيديولوجيا تتسم بأنها متعصبة.
- العلم يعترف بالنقد طريقا ومنهجاً وأسلوباً ، أما الأيديولوجيا فترتكز على تسليم اتباعها واعتقادهم بحيث يرفضون النقد ويمارسون ضد نقادهم ومخالفيهم أنواعاً من التعصب والتجريح.
- العلم يبني كيانه على أساس النسبية بينما الأيديولوجيا ترى المطلق كثيرا في الأشياء.
ولاشك أن هذه المحاولات هدفها اتهام الأيديولوجيا بأنها دوجماطيقية ومتعصبة وترى المطلق في الأشياء ، أما العلم فنسبي وموضوعي وهذه المحاولات هدفها طمس أو إخفاء الصراع الأيديولوجي( ).
وفي هذا الإطار نجد من الضروري أن نعرض لرؤية أوسكارلانج في العلاقة بين العلم والأيديولوجيا حيث يرى أن العلوم الاجتماعية هي علوم أيديولوجية بينما العلوم الطبيعية تعني ببيئة الإنسان الطبيعية وبالإنسان بوصفه جزءا من الطبيعة ( مثل التشريح وعلم وظائف الأعضاء) ولكن العلوم الطبيعية لها تأثير غير مباشر على العلاقات الاجتماعية ، فنظرية كوبرينكس ونظرية داروين وإن لم تتضمنا أية إشارة صريحة إلى العلاقات الاجتماعية، كانت لهما دلالة من الناحية الاجتماعية لأنهما فرضتنا سلطان أفكار معينة كانت موضع الاعتقاد العام، وكانت تشكل جزءًا من تعاليم تنظيم معين هو الكنيسة، لقد أثر العمل الذي قام به كوبر نيكوس وداروين تأثيرًا غير مباشر في العلاقات الاجتماعية إذ بدأ الناس يحكمون على تعاليم الكنيسة في ضوء الكشوف التي توصلا إليها، وهذه الكشوف كانت في نهاية الأمر ذات دلالة أيديولوجية، واستخدمتها الايديولوجية التي لعبت دورًا هامًا في نشأة النظام الاجتماعي وتطوره( ).
ويوضح أوسكار لانج أن العلوم الاجتماعية في مجموعها والعلوم الطبيعية بقدر ما تؤثر تأثيرًا غير مباشر في العلاقات الاجتماعية، بما لها من نتائج أيديولوجية، ففي النظم الاجتماعية المنطوية على الصراع حيث توجد المصالح الطبقية المتعارضة وما يقابلها من الاتجاهات الاجتماعية السيكولوجية فتتكون الأفكار الاجتماعية لكل طبقة بطريقة مختلفة، وحين تصل إلى الذورة المتناقضات بين تطور القوى الانتاجية وعلاقات الإنتاج وبين الحاجة إلى تغيير علاقات الإنتاج والبنيان العلوي للنظام الاجتماعي يتحول تعارض المصالح الطبقية إلى صراع طبقي، والأفكار الاجتماعية التي تعتنقها كل طبقة وكذلك الفئات والجماعات المرتبطة بها، تتحول إلى مذاهب متسقة بدرجة أو بأخرى، هى في حقيقة الأمر أيديولوجية تعبر عن موقف الطبقات الاجتماعية المتصارعة، فالطبقة التي تريد الإبقاء على علاقات الإنتاج القديمة والفئات والمجموعات المرتبطة بالبنيان العلوي القديم تدافع عن مركزها مستعينة بالأيديولوجية المناسبة والطبقات التي تناضل من أجل إحداث تغيير في علاقات الإنتاج، وكذلك الفئات والجماعات التي تؤيدها، هذه جميعًا تقاوم هذه الأيديولوجية بأيديولوجية جديدة تستمد منها تبريرًا لأهدافها( ).
ففي النظام الاجتماعي الذي يمزقه النضال الطبقي أيديولوجيتان متعارضتان أيديولوجية تقدمية تعبر عن أماني الطبقة أو الطبقات التي تريد الإبقاء على العلاقات الاجتماعية القائمة، وأحيانًا تلقي بقايا طبقة أو فئة مرتبطة بنظام اجتماعي سابق وتحاول الاستفادة من اضطراب التوازن الداخلي بالنظام الاجتماعي حتى تعيد علاقات اجتماعية سابقة ولو بصورة جزئية على الأقل، وهذه المحاولات تولد أيديولوجية رجعية، وأحياناً تمتد طبقات أو فئات اجتماعية مثل البرجوازية أو (الطبقة المتوسطة الجديدة) في النظام الاجتماعي الرأسمالي، موقفًا متأرجحًا من الصراع بين الطبقات الاجتماعية الرئيسية ولا ترغب إلا في إحداث تغيير جزئي في العلاقات الاجتماعية القائمة وهذا ينتج أيديولوجية مصالحة تنقسم في العادة إلى جناحين أحدهما محافظ والآخر تقدمي، حين تزيد حدة النضال بين الطبقات، وهكذا تكون الأيديولوجية دائمًا أيديولوجية طبقات اجتماعية وفئات اجتماعية معينة، والعلوم الاجتماعية باعتبارها دراسات ذات دلالة أيديولوجية معينة تشتد إلى دوامة الصراع الأيديولوجي، أما العلوم الطبيعية فلا تشتد إليها إلا في حدود ما تتضمنه من عناصر أيديولوجية، وهذا أمر لا مفر منه حيث إن العلم على الرغم من أخلص المحاولات التي يمكن أن يقوم بها باحث فرد لبلوغ الحقيقة الموضوعية باعتباره عملية اجتماعية للمعرفة يتطور في ظروف اجتماعية خاصة وفي وسط اجتماعي خاص، وفضلاً عن هذا فالاستعداد لتقبل التقريرات العلمية واستيعابها يتفاوت من طبقة إلى أخرى ومن فئة إلى أخرى، والعادة أن تقبل كل طبقة أو فئة التقريرات المطابقة لأيديولوجيتها أو التي تدعم تلك الأيديولوجية بينما تقاوم التقريرات التي تناقض هذه الأيديولوجية وتقوضها( )
ولابد أن نميز بين نوعين من الأيديولوجيا أيديولوجيا تطمس الواقع وأيديولوجيات تكشف عن الواقع وتعريه فالنوع الأول يعوق المعرفة العلمية بالواقع لأن الإدراك الاجتماعي الواعي الذي يرتكز عليه هذا النوع من الأيديولوجيات ينحصر في استبعاد الصورة الحقيقية للواقع من الوعي وفي تشكيل صورة هي انعكاس زائف للواقع.
والأيديولوجيات التي تطمس الواقع تتخذ صورًا متنوعة خلال التطور التاريخي ففي النظم الاجتماعية الأولى كانت صورها الأكثر شيوعًا هي الدين والفولكلور ومختلف أنواع الأساطير، وهي تظهر اليوم على صوره مذاهب فلسفية ميتافيزيقية أو نظريات ذات مظهر علمي مزعوم، والقسمة المشتركة بين هذه الأيديولوجيات هي التقديس الوثنِي للعلاقات الاجتماعية والقوانين التي تشكلها إما في مجال الميتافيزيقا (تقديس ما وراء الطبيعة) وإما في قوانين الطبيعة فتفترضه (تقديس ما هو قائم على المذهب الطبيعي) وعلى خلاف الأيديولوجيات التي تطمس الواقع نجد أن الأيديولوجيات التي تكشف عنه هي دافع المعرفة العلمية وفضلاً عن هذا فالمعرفة العلمية بالواقع غالبًا ما تكون الأداة الجوهرية التي تستخدمها هذه الأيديولوجيات فالأيديولوجية البرجوازية مثلاً التي تبدأ بعصر النهضة وتمر بعصر التنوير ومن ثم تمتد إلى نهاية عصر الثورات البورجوازية جاهدت في كشف الغطاء عن الواقع وفضحت الشعوذة الأيديولوجية التي اتسمت بها النظم الاجتماعية السابقة على النظام الرأسمالي وهذه الأيديولوجية كانت قائمة على العلم الطبيعي الذي قوض ما كان لمذاهب الكنيسة من سلطان.
فكتاب ثروة الأمم لآدم سميث لم يكن بحثًا علميًا فحسب ولكنه كان أيضًا أداة في الصراع الأيديولوجي، وأيديولوجية الطبقة العاملة تظهر الطبيعة الحقيقة لعلاقات الإنتاج الرأسمالية، ومؤلف رأس المال هو عمل علمي وفي الوقت نفسه كتاب له دلالته الأيديولوجية إذ يظهر العلاقات الاقتصادية في النظام الاجتماعي الرأسمالي في ضوئها الصحيح.
وهكذا تتوقف الدرجة التي تكون بها المعرفة العلمية للواقع ممكنة في العلوم الاجتماعية على وجود أيديولوجية تكشف عن الواقع فالأيديولوجية التقدمية أيديولوجيات تكشف عن الواقع وهي تنشأ وتنمو في الصراع ضد الأيديولوجية المحافظة وفي الوقت نفسه تتشكل وتنظم وعي الطبقة أو الطبقات التي تكافح في سبيل تغيير العلاقات الاجتماعية( ).
رابعاً: النظرية الاجتماعية والأيديولوجيا:
في كل نظرية اجتماعية توجد افتراضات أو مسلمات تعتبر محوراً أساسيا تدور حولها النظرية وقد يخضعها صاحب النظرية للمناقشة ويقدم أدلة عليها أو قد يقدمها على إنها مسلمات لا تقبل الشك، وقد تكون هذه الأفكار المحورية ظاهرة ومعبراً عنها بوضوح في النظرية وبالتالي يسهل منا قشتها أو تكون كامنة أو خافية وبالتالي يصبح علينا أن نبذل جهداً في استنتاجها من خلال النظرية، وإخضاعها للمناقشة. وقد أطلق الفن جولدنر على هذه الافتراضات تسمية الافتراضات الخلفية Background Assumption بينما أسماها جدعون جوبرج الافتراضات الرئيسية Basic Assumption وعادة ما تعكس هذه الافتراضات التوجه الإيديولوجي لصاحب النظرية وانحيازاته الاجتماعية يقول جوبرج أن النظريات الاجتماعية المختلفة تتضمن جميعها افتراضات معينة عن الواقع الاجتماعي وعن طبيعة الإنسان وعن علاقة العالم بالمادة التي يدرسها وأن هذه الافتراضات ترتبط جميعها ببعضها البعض منطقياً إلى
حد ما( ).
وقد صنف جوبرج هذه الافتراضات الأساسية إلى خمس فئات.
- افتراضات خاصة بطبيعة الواقع الاجتماعي Assumption about social Reality وهذه الافتراضات المتعلقة بالتغير أو الثبات في النظام الاجتماعي فهناك من العلماء من يؤكدون أن الواقع الاجتماعي في حالة تغيير دائم وأن النظام الاجتماعي ليس ثابت ولكنة يكون دائماً في حالة ثبات واستقرار.
ويرتبط بهذا الافتراض افتراضات متعارضة فيما يختص بقدرة الإنسان على السيطرة على بيئته فأصحاب الاتجاه الأول (الثبات) يرون أن الإنسان لا يفعل اكثر من أن يستجيب للنظام القائم (أي يتلاءم معه) أما أصحاب الاتجاه الثاني (التغير) أن يرون في وسع الإنسان أن يغير دائماً من بيئته.
- افتراضات متعلقة بالتكامل أو الصراع فهناك افتراضات تسلم بفكرة التكامل من أمثال بارسونز أن الإنسان يسعى بطبعه إلى الاتساق والتعاون وأنه يتجنب التوتر والصراع ووجهة النظر هذه تتناقض تماماً مع وجهة نظر علماء مثل، ماركس وزميلة الذين افترضوا أن الإنسان في حالة صراع دائم مع بعضة البعض.
- افتراضات متعلقة بالمادية أو المثالية: بعض علماء الاجتماع قد يسلمون بالأساس المادي للواقع الاجتماعي ولكنهم لا يسلمون بفكره الصراع وكان الماركسيون هم أول من قدموا التفسير المادي للواقع.
- وهناك فريق يتبنى فكرة الثنائية( أي المادية والمثالية في أن واحد) مثل علماء الاجتماع الظواهرتيون.
- افتراضات خاصة بالوحدة الأساسية للدراسة الفرد أو المجموعة بعض العلماء يرفض فكرة المجموعة أو النسق الاجتماعي كوحدة التحليل فهم يعتقدون أن الكل أو المجموعة ليست أكثر من مجرد مجموعة الأجزاء بينما يرى الآخرون من بينهم أن الكل هو وحدة الدراسة وأنه يختلف عن مجرد مجموعة بين الأجزاء، أما موقف الماركسيون فهم يؤكدون على العلاقة الجدلية بين الكل والجزء( ) .
- أفتراضات خاصة بطبيعة الإنسان وقدراته Assumption about the nature of man and his potentiality فهناك من العلماء من أفترض أن الإنسان وأفعاله غير منطقية فالذين يتبعون الفكر الفرويدى مثلاً يعتقدون أن الإنسان قد خلق مجتمعاً يعمل دائماً على كبت حوافزه البيولوجية وهناك فريق أخر يرى أن الإنسان كائن عقلاني.
كما أن من بين العلماء من يسلمون بفكرة توماس هوبز أن الإنسان شرير بطبعة وأنه يهدف إلى مصلحته الخاصه على حساب مصلحة الآخرين، بينما يسلم غيرهم بأن الإنسان يرغب دائماً في التضحية بمصالحة من أجل
الصالح العام.
كما نجد من بين علماء الاجتماع أولئك المتشائمون فيما يتعلق بقدرة الإنسان على تحسين وتطوير ذاته وبيئته مثل الوضعيون الذين لا يسلمون بأن الإنسان يستطيع التحكم في بيئته بينما يري أصحاب نظرية التفاعل الرمزي مثل (بلومر وميد) أن الإنسان قادر على تحسين ذاته والماركسيون يحاولون التوفيق بين فكرة حتمية السلوك الإنساني ومن جهة قدرة الإنسان على إعادة تشكيل بيئته من خلال الجهود الثورية من جهة أخرى ( ).
ويوضح سمير نعيم أن الباحث إذا كان مادياً جدلياً فإنه سيبدأ بالتسليم بأن أساس الواقع الاجتماعي مادي وأن هذا الواقع في حالة تغير مستمر وأن التغيرات الكمية تؤدي إلي تغيرات كيفية وأن هذا الواقع يتضمن دائماً صراع بين الأضداد هذا الصراع هو الثورة المحركة للتاريخ حيث نجم عنه كيف جديد يدخل في صراع مع ضده لينجم عن ذلك كيف آخر وهكذا كما أنه سوف يعتبر وحدة الدراسة الاقتصادية والمتغير التفسيري الرئيسي هو التكوين الاقتصادي الاجتماعي (إقطاعي، رأسمالي، اشتراكي) وسوف يركز بصفة أساسية أيضا على الدراسة الأساسية كما أنه سيجعل الحالات النفسية والقيمية والثقافية متغيرات تابعة وليست متغيرات مستقلة، كذلك سوف يفترض منذ البداية أن الإنسان قادر على تغيير واقعة الاجتماعي ويختلف ذلك عن الباحث الوضعي الذي يبدأ بالتسليم بأن أساس الواقع الاجتماعي فكري أو قيمي أي مثالي، كما أنه سيجعل وحدة دراسته الفرد أو المجموعة الصغيرة( ).
فلا تخلو نظرية اجتماعية من مضمون أيديولوجي، وعند مناقشة المضمون الأيديولوجي لأي نظرية اجتماعية لابد أن نراعي ما هو النظام الاقتصادي الاجتماعي الذي يصوره صاحب النظرية على أنه النظام الأمثل للبشرية وما هي المجموعة صاحبة الحق في السيطرة على المجتمع وما هي المجموعة التي يدافع صاحب النظرية عن مصالحها، وما الجوانب التي يبرزها والجوانب التي يتجاهلها ولمصلحة من هذا الإبراز أو التجاهل وما موقف صاحب النظرية السياسية والأدلة على انتماءاته وولاءاته الاجتماعية. وإخضاع المسلمات والمبادئ التي تدور حولها النظرية للنقد والفحص الدقيق يساعدنا على إثبات صدق أو زيف هذه المسلمات ومحاولة التعرف على التحيزات السياسية والأيديولوجية التي تتضمنها النظرية ويعطي سمير نعيم مثال على ذلك بقوله: إن النظرية العنصرية التي روجت لها ألمانيا النازية عن تفوق الجنس الآري على غيره من الأجناس البشرية، إن هذه النظرية كانت تستند على مسلمة أساسية مؤداها أن هناك خصائص بيولوجية موروثة لدى كل جنس من الأجناس البشرية تحدد بشكل أبدي تخلفه أو تفوقه الحضاري ولا سبيل إلى تغيرها، وكان علماء البيولوجيا الألمان يحاولون تقديم أدلة زائفة على صدق المسلمة ولكن البحوث البيولوجية أثبتت أنه ليس هناك أي (موروثات genes) ترتبط بالتحضر والتخلف مثلما توجد مورثات ترتبط بلون البشرة مثلاً كما أن الدراسات التاريخية والحضارية المقارنة أثبتت أن كثيرًا من الأجناس التي تعتبرها النظرية العنصرية متخلفة كانت لها حضارات أرقى بكثير من حضارات تلك الأجناس التي تعتبرها النظرية أرقى من غيرها (كانت الحضارة الفرعونية دليلاً على زيف هذه الادعاءات، ففي الوقت الذي كانت مصر الفرعونية تقيم حضارة راقية مازالت حتى الآن مصدرًا لحضارات العالم كانت شعوب أوربا تحيا حياة بدائية جدًا، وهكذا اتضح أن المسلمة الأساسية التي استندت عليها النظرية العنصرية عن الإنسان تنفيها الأدلة الأمبيريقية، فإذا ما حللنا هذه النظرية من ناحية مضمونها الأيديولوجي لوجدنا أنها ذات مضمون استغلالي، فهي لم تكن سوى محاولة لتبرير استعمار دول معينة لشعوب العالم عن طريق استغلال العلم والتستر وراءه( ). والإجراءات العملية التي تشير إليها هذه النظرية كانت ببساطة تسليم الشعوب والأقوام المستعمرة والمستغلة بالأمر الواقع وقبول الخضوع لسيطرة القوى الاستعمارية بوصفه قضاء وقدر هذه الشعوب الذي لا مفر منه ولا سبيل إلى تغييره طالما أن أساسة بيولوجي، إن هذه النظرية العنصرية لو كانت قد قبلت دون مناقشة لأدت إلى استمرار الاستعمار، ولكن مناقشة مسلماتِها الأساسية وتحليل الأدلة على صدقها والبحث عن أدلة تنفيها مع الكشف عن مضمونها الثيولوجي وأهدافها العملية أدت إلى رفضها تمامًا في الأوساط العلمية والشعبية أو استبدالها بنظرية علمية صحيحة مؤداها أن جميع أجناس العالم لا تختلف عن بعضها في استعدادتها البيولوجية وإن ما يوجد بها من اختلافات حضارية يرجع إلى ظروف تاريخية وبيئية يمكن تعديلها وتغييرها، ولكن دعاة العنصرية والاستعمار والاستغلال لجأوا بعد اكتشاف هذه النظرية من الناحية البيولوجية إلى العلوم الاجتماعية وصاغوا نظريات مشابهة عن الوراثة الاجتماعية والحضارية وحاولوا بها أن يوهموا شعوب العالم أن هناك شعوب متخلفة بالضرورة بحكم تراثها الحضاري والاجتماعي الذي يفرض عليها هذا التخلف كما قسموا الناس داخل المجتمع الواحد إلى فئات متخلفة حضاريًا وسيكولوجيا واجتماعيًا وفئات متقدمة لها الحق في السيطرة على المتخلفين وتوجيه أمورهم. وتاريخ العلوم الاجتماعية ملئ بهذه المسلمات ويكفي أن نشير إلى نظريات الصفوه في علم الاجتماع وإلى نظريات الذكاء في علم النفس مثل نظرية (ايزنك) في انجلترا ولابد لدارس النظرية الاجتماعية أن يخضعها للتحليل والمناقشة مستخدمًا نفس أسس التقييم التي استخدمت في مناقشة وتحليل النظرية البيولوجية العنصريه( ).
ولا شك إن علم الاجتماع لا يستطيع أن يؤدي مهامه بنجاح دون التزام أيديولوجي محدد وواضح ذلك إن مثل هذا الالتزام هو القادر على رسم معالم هذا العلم سواء على مستوى النظرية أو المنهج أو النتائج. لقد هبطت الأيديولوجيا إلى مرتبة متدنية بسبب زعم الوضعيين المحدثين بأن الالتزام الفكري يقيد حركة البحث الاجتماعي ويتعارض مع متطلبات الموضوعية إن عكس ذلك هو الصحيح تمامًا فالعمى الأيديولوجي والجبن الأخلاقي كان من


أسباب تخلف علم الاجتماع الوضعي الحديث عن فهم المشكلات الحقيقية للإنسان المعاصر( ).
ويرى سيد عويس إن ارتباط علم الاجتماع كواحد من العلوم الإنسانية بأيديولوجية معينة أو بفلسفة من الفلسفات أمر ضروري ولا يعيب هذا العلم ذلك، فالعلم يجب أن يكون بالضرورة للمجتمع والمجتمعات مازالت متباينة وأيديولوجيتها أو فلسفتها السائدة تكون بالضرورة متباينة، وعلم الاجتماع كواحد من العلوم الإنسانية، يهتم بالتعرف موضوعيًا على ما هو كائن في المجتمع لكي يغيره إلى ما يجب أن يكون أو إلى ما يمكن أن يكون، اي أن علم الاجتماع هو علم الاجتماع ولكن دوره يختلف في المجتمعات البشرية في الوقت الحاضر حسب اختلاف مصالح هذه المجتمعات وحسب اختلاف أيديولوجيتها أو الفلسفات السائدة في هذه المجتمعات واثر هذا الاختلاف يبدو واضحًا في مجتمع أو آخر في أهداف تطبيق القوانين أو النظريات التي يكشفها هذا العلم وفي نمو هذا العلم وفي نوعية هذا النمو وفي اتجاهاته( ).
وقد تبلورت العلاقة بين الأيديولوجيا والعلم في إتجاهين:
- الاتجاه الأول: يؤكد أن الأيديولوجيا لها صلة أساسية بالنظرية السوسيولوجية بل أنها هى التي أدت إلى نشأة النظرية السوسيولوجية ومن رواد هذا الاتجاه ( أرفنج زايتلين - الفن جولدنر) فقد طرح زايتلن في كتابه الأيديولوجية ونشأة النظرية الاجتماعية Ideology and the development of sociological theory
كيف أدت الأيديولوجيات إلى نشأة النظرية السوسيولوجية؟
وكذلك يوضح جولدنر أن النظرية الاجتماعية هي أيديولوجيا ذات تحيز محافظ وتزييف للواقع بل إنه هاجم مناهج علم الاجتماع وأدواته متهما إياها بالتحيز الأيديولوجي أيضا.
- الاتجاه الثاني : يرى في علم الاجتماع وسيلة لفهم العالم وذلك تمهيدا لتحقيق ظروف أكثر ملائمة يمكن أن يعيشها الإنسان ويؤكد هذا الاتجاه أن العلم علم وأن هذه العلاقة المدعاة بين الأيديولوجيا والعلم علاقة زائفة ولا سند لها من الحقيقة ورواد هذا الاتجاه ( مارتندال - ريمون آرون).
ويؤكد دون مارتندال أن قضية أن علم الاجتماع كان جزءا من أيديولوجية محافظة ليس هجوما أو دفاعا عن علم الاجتماع، وذلك أنه طالما يقال على نطاق ما أنه أيديولوجيا ، فإن هذا النطاق يحرم من صفه كونه علما ذلك لأن طبيعة العلم تؤكد أن الموافقة النهائية لأي تعميم ترتكز على المحكات الموضوعية ، ويؤكد أن علم الاجتماع يستطيع أن ينمو ويبقى فقط إلى الدرجة التي يتمكن فيها من صياغة معايير علمية ومهنية.
أما ريمون أرون فيرى أن من الضروري أن نميز بين النظرية والمنهج العلمي المتصل بالواقع عن الأيديولوجيات أو التصورات الخاطئة والمتميزة والناتجة عن المواقف الطبقية التي تحرم الإنسان من رؤية الحقيقة ، بل أن من الضروري أن نقيم فواصل بين أنماط التفسيرات العقلية المختلفة وأن ندرس علاقتها بالواقع الاجتماعي ، فالفكر الإنساني يمكن أن يصل إلى الحقيقة الصادقة للجميع وليست الحقيقة الصادقة لطبقة واحدة( ) .
المصدر: ملتقى شذرات

الملفات المرفقة
نوع الملف: doc 1.doc‏ (423.0 كيلوبايت, المشاهدات 82)
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10-03-2016, 09:49 PM
بكره احلي× غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Oct 2016
المشاركات: 1
افتراضي

جزاك الله كل خير
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الاجتماع, النظرية, عمل, والمنهج


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع النظرية والمنهج في علم الاجتماع
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
في علم الاجتماع الديني عبدالناصر محمود بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية 0 09-29-2016 08:01 AM
الإسلام والمنهج المتكامل عبدالناصر محمود شذرات إسلامية 0 03-02-2015 08:28 AM
الدعوة الإسلامية بين التاريخ والمنهج (3) يقيني بالله يقيني شذرات إسلامية 2 06-01-2012 07:33 PM
الدعوة الإسلامية بين التاريخ والمنهج (2) يقيني بالله يقيني شذرات إسلامية 4 06-01-2012 07:26 PM
الدعوة الإسلامية بين التاريخ والمنهج (1) يقيني بالله يقيني شذرات إسلامية 0 06-01-2012 07:16 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 12:02 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59