#1  
قديم 11-08-2018, 08:20 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة ضرورة في القلوب


ضرورة في القلوب
ـــــــــ

(عماد الصامت)
ــــــــ

30 / 2 / 1440 هـــ
8 / 11 / 2018 م
ـــــــــــــ

DrZN1yVWwAAzy8C.jpg




لقد تظاهرت الآيات القرآنية، وتواترت الأحاديث النبوية، وشهدت الفِطَر المستقيمة، واتفقت كلمة المسلمين على أن الله - سبحانه تعالى - فوق سماواته، مستوٍِ على عرشه، بائن من خلقه، ينزِّل ملائكته بالروح من أمره على من يشاء من عباده. قال - سـبحانه تعـالى -: {إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس: ٣]، وقـال - سـبحانه وتعالى -: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥]، وقال - سبحانه تعالى -: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ} [النحل: 50]، وقال - سبحانه -: {إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِـحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]، وقـال في عبـده المسـيح - عليـهالصلاة والسلام -: {بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 158]، إلى غير ذلك من نصوص القرآن، جل قائله وتعالى منزله. أما الأحاديث فهي كثيرة جداً وأشهر من أن تُذكَر وأكثر من أن تُحصَر، وقد ذكر الحافظ الذهبي - رحمه الله - في كتاب العلو أكثر من مائة حديثٍ صحيحٍ، تدل دلالة ظاهرة على علو الله - تعالى - على عرشه، ويكفي المنصـفَ من ذلك أحاديثُ النزول؛ فإنها متواترة رغم أنف كل معطل؛ كما قال الذهبي وابن القيم والألباني، وقد جمعها الحافظ الذهبي في جزء مفرد، ويكفي المنصفَ أيضاً أحاديثُ معراجه صلى الله عليه وسلم إلى السموات العليا حتى وصل إلى سدرة المنتهى ورأى من آيات ربه الكبرى إن في ذلك لآيةً لكل ذي لب، وكفاية لمن له قلب. ونحن سنذكر للقارئ حديثاً واحداً؛ لأن المقام ليس مقام بسط الأدلة وإنما غرضنا الإشارة، وهو حديث صحيح رواه مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم، ولا يشك في صحته إلا من كان في قلبه زيغ.

ومن أراد المزيد؛ فَلْيطالع (كتاب العلو) للذهبي و (اجتماع الجيوش الإسلامية) لابن القيم؛ ففيهما ما تنشرح له الصدور وتطمئن له القلوب.

عن معاوية بن الحكم السلمي قال: «كانت لي غنم بين أحدٍ والجوانية فيها جارية لي، فأطلعتها ذات يومٍ فإذا الذئب قد ذهب منها بشاة، وأنا رجل من بني آدم، فأسِفتُ؛ فصككتها؛ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فَعَظَّم ذلك عليَّ، فقلت: يا رسول الله أفلا أُعتقها؟ قال: ادعها. فدعوتها فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها؛ فإنها مؤمنة».

قال الحافظ الذهبي - رحمه الله - معلقاً على هذا الحديث: (وهكذا رأينا كل من يُسأل: أين الله؟ يبادر بفطرته ويقول: في السماء؟ ففي الخبر مسألتان:

إحداهما: شرعية قول المسلم: أين الله؟
---
ثانيتهما: قول المسؤول: في السماء. فمن أنكر هاتين المسألتين فإنما ينكر على المصطفى صلى الله عليه وسلم)[1].

إن صفة العلو قِبلَةٌ للقلوب، ومهوىً للأفئدة، ومستقر للأرواح. قال الإمام أبو محمد الجويني (والد أبي المعالي) مبيناً أثر عقيـدة العلـو في قلـب المؤمـن بهـا: (العبـد إذا أيقن أن الله - تعالى - فوق السماء عالٍ على عرشه بلا حصر ولا كيفية، صار ذلك لقلبه قبلة في صلاته وتوجُّهه ودعائه، ومن لا يعرف ربه بأنه فوق سماواته على عرشه؛ فإنه يبقى ضائعاً لا يعرف وجهة معبوده بخلاف من عرف أن إلهه الذي يعبده فوق الأشـياء، فإذا دخل في الصلاة وكبـر توجه قلبه إلى جهة العـرش منزِّهاً ربه - تعالى - عن الحصر)[2].

فإذا قال المؤمن: يا رباه! قام بقلبه رب قيوم قائم بنفسه مستوٍ على عرشه تُرفَع إليه الأيدي، ويصعد إليه الكلم الطيب، وتعرج الملائكة والروح إليه، وينزل الوحي من عنده، ويقف العباد بين يديه.

وهذه ضرورة من الضرورات، تهجم على النفوس فلا تستطيع ردها ولا يسعها إنكارها؛ كما قال الشيخ العارف أبو جعفر الهمداني مخاطباًَ أبا المعالي الجويني (وقد كان أبو المعالي حينذاك ينكر صفة العلو): (هل عندك للضرورات من حيلة؟ فقال:

ما تريد بهذا القول؟ وما تعني بهذه الإشارة؟ قال أبو جعفر: ما قال عارف قط: يا رباه! إلا قبل أن يتحرك لسانه، قام من باطنه قصدٌ لا يلتفت يمنة ولا يسرة يقصد الفوق؛ فهل لهذا القصد الضروري عندك من حيلة؟ فنبئنا نتخلص من الفوق والتحت. قال أبو جعفر: فبكيت وبكى مَنْ حولي فضرب الأستاذ أبو المعالي بكمه على السرير وصاح: يا للحيرة وكان بعد ذلك يقول حيرني الهمداني)[3].

وكانت حيرة أبي المعالي هذه قبل استقراره على مذهب السلف؛ بل لعلها كانت المنطلق إلى هذا الاستقرار الذي أبان عنه في الرسالة النظامية.

قريب في علوِّه... عليٌّ في دنوهِّ:
-----
وهو - سبحانه - قريب في علوِّه، عليٌّ في دنوِّه وقربه، يقترب من عباده كيف شاء، و يقرِّب إليه من عباده من شاء، ويدني إليه من يشاء، وأقرب ما يكون العبد منه إذا كان ساجداً بين يديه، أو كان داعياً رافعاً إليه يديه، أو كان العبد محسناً كأنه يراه بين يديه. قال العلاَّمة ابن القيم - رحمه الله -: (وإنْ عَسِرَ على فهم اجتماع الأمرين فإنه يوضح ذلك معرفةُ إحاطة الرب وسعته، وأنه أكبر من كل شيء، وأن السموات السبع والأرضين في يده كخردلة في كف العبد، وأنه يطوي سمواته السبع بيده، ويقبض الأرضين باليد الأخرى ثم يهزهن؛ فمن هذا شأنه كيف يعسر عليه الدنو ممن يريد الدنو منه وهو على عرشه، وهذا يوجب لك فهم اسمه الظاهر والباطن)[4].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الذهبي، كتاب العلو، ص 18.
[2] انظر رسالته في الاستواء في مجموعة الرسائل المنيرية: (1/177).
[3] كتاب العلو، ص 27، وقال الألباني: سند هذه القصة مسلسل بالحفاظ.
[4] ابن القيم (مختصر الصواعق)، ص 449.




ــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
القلوب, ضرورة


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع ضرورة في القلوب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الجيش السني في العراق ضرورة ووقاية عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 09-27-2015 08:48 AM
ضرورة الحل في اليمن .. د/عبدالله الشمراني مقالات 4 08-07-2015 06:11 AM
الإعلام الإسلامي ضرورة مُلِحة عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 01-05-2015 09:27 AM
ضبط المصطلح ضرورة إسلامية عبدالناصر محمود دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 09-08-2014 07:35 AM
ضرورة النسبية الخاصة Eng.Jordan بحوث ودراسات منوعة 0 11-15-2013 09:40 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:15 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59