#358  
قديم 12-28-2013, 09:38 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة

تفسير سورة طه
ـــــــــــــــــــــ

مكية
ــــــــ


فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ( 47 ) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ( 48 ) .
أي: فأتياه بهذين الأمرين، دعوته إلى الإسلام، وتخليص هذا الشعب الشريف بني إسرائيل - من قيده وتعبيده لهم، ليتحرروا ويملكوا أمرهم، ويقيم فيهم موسى شرع الله ودينه.
( قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ ) تدل على صدقنا فَأَلْقَى موسى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ إلى آخر ما ذكر الله عنهما
( وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ) أي من اتبع الصراط المستقيم واهتدى بالشرع المبين حصلت له السلامة في الدنيا والآخرة
( إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا ) أي خبر من عند الله لا من عند أنفسنا ( أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ) أي كذب بأخبار الله وأخبار رسله وتولى عن الانقياد لهم واتباعهم وهذا فيه الترغيب لفرعون بالإيمان والتصديق واتباعهما والترهيب من ضد ذلك ولكن لم يفد فيه هذا الوعظ والتذكير فأنكر ربه وكفر وجادل في ذلك ظلما وعنادا

----------------------------
رد مع اقتباس
  #359  
قديم 12-28-2013, 09:40 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة

تفسير سورة طه
ـــــــــــــــــــــ

مكية
ــــــــ


قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ( 49 ) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ( 50 ) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى ( 51 ) .
أي: قال فرعون لموسى على وجه الإنكار: ( فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى ) فأجاب موسى بجواب شاف كاف واضح، فقال: ( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ) أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، الدال على حسن صنعه من خلقه، من كبر الجسم وصغره وتوسطه، وجميع صفاته، ( ثُمَّ هَدَى ) كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهداية العامة المشاهدة في جميع المخلوقات فكل مخلوق، تجده يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضار عنه، حتى إن الله تعالى أعطى الحيوان البهيم من العقل، ما يتمكن به على ذلك.
وهذا كقوله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فالذي خلق المخلوقات، وأعطاها خلقها الحسن، الذي لا تقترح العقول فوق حسنه، وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكاره إنكار لأعظم الأشياء وجودا، وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب، فلو قدر أن الإنسان، أنكر من الأمور المعلومة ما أنكر، كان إنكاره لرب العالمين أكبر من ذلك، ولهذا لما لم يمكن فرعون، أن يعاند هذا الدليل القاطع، عدل إلى المشاغبة، وحاد عن المقصود فقال لموسى: ( فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولَى ) أي: ما شأنهم، وما خبرهم؟ وكيف وصلت بهم الحال، وقد سبقونا إلى الإنكار والكفر، والظلم، والعناد، ولنا فيهم أسوة؟ فقال موسى:

قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى ( 52 ) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ( 53 ) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُولِي النُّهَى ( 54 ) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ( 55 ) .
( عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى ) أي: قد أحصى أعمالهم من خير وشر، وكتبه في كتاب، وهو اللوح المحفوظ، وأحاط به علما وخبرا، فلا يضل عن شيء منها، ولا ينسى ما علمه منها.
ومضمون ذلك، أنهم قدموا إلى ما قدموا، ولاقوا أعمالهم، وسيجازون عليها، فلا معنى لسؤالك واستفهامك يا فرعون عنهم، فتلك أمة قد خلت، لها ما كسبت،ولكم ما كسبتم، فإن كان الدليل الذي أوردناه عليك، والآيات التي أريناكها، قد تحققت صدقها ويقينها، وهو الواقع، فانقد إلى الحق، ودع عنك الكفر والظلم، وكثرة الجدال بالباطل، وإن كنت قد شككت فيها أو رأيتها غير مستقيمة، فالطريق مفتوح وباب البحث غير مغلق، فرد الدليل بالدليل، والبرهان بالبرهان، ولن تجد لذلك سبيلا ما دام الملوان.
كيف وقد أخبر الله عنه، أنه جحدها مع استيقانها، كما قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا وقال موسى: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ فعلم أنه ظالم في جداله، قصده العلو في الأرض.
ثم استطرد في هذا الدليل القاطع، بذكر كثير من نعمه وإحسانه الضروري، فقال: ( الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدًا ) أي: فراشا بحالة تتمكنون من السكون فيها، والقرار، والبناء، والغراس، وإثارتها للازدراع وغيره، وذللها لذلك، ولم يجعلها ممتنعة عن مصلحة من مصالحكم.
( وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا ) أي: نفذ لكم الطرق الموصلة، من أرض إلى أرض، ومن قطر إلى قطر، حتى كان الآدميون يتمكنون من الوصول إلى جميع الأرض بأسهل ما يكون، وينتفعون بأسفارهم، أكثر مما ينتفعون بإقامتهم.
( وَأَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى ) أي: أنزل المطر فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وأنبت بذلك جميع أصناف النوابت على اختلاف أنواعها، وتشتت أشكالها، وتباين أحوالها، فساقه، وقدره، ويسره، رزقا لنا ولأنعامنا، ولولا ذلك لهلك من عليها من آدمي وحيوان، ولهذا قال: ( كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ) وسياقها على وجه الامتنان، ليدل ذلك على أن الأصل في جميع النوابت الإباحة، فلا يحرم منهم إلا ما كان مضرا، كالسموم ونحوه.
( إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأولِي النُّهَى ) أي: لذوي العقول الرزينة، والأفكار المستقيمة على فضل الله وإحسانه، ورحمته، وسعة جوده، وتمام عنايته، وعلى أنه الرب المعبود، المالك المحمود، الذي لا يستحق العبادة سواه، ولا الحمد والمدح والثناء، إلا من امتن بهذه النعم، وعلى أنه على كل شيء قدير، فكما أحيا الأرض بعد موتها، إن ذلك لمحيي الموتى.
وخص الله أولي النهى بذلك، لأنهم المنتفعون بها، الناظرون إليها نظر اعتبار، وأما من عداهم، فإنهم بمنزلة البهائم السارحة، والأنعام السائمة، لا ينظرون إليها نظر اعتبار، ولا تنفذ بصائرهم إلى المقصود منها، بل حظهم، حظ البهائم، يأكلون ويشربون، وقلوبهم لاهية، وأجسامهم معرضة. وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ
ولما ذكر كرم الأرض، وحسن شكرها لما ينزله الله عليها من المطر، وأنها بإذن ربها، تخرج النبات المختلف الأنواع، أخبر أنه خلقنا منها، وفيها يعيدنا إذا متنا فدفنا فيها، ومنها يخرجنا تارة أخرى، فكما أوجدنا منها من العدم، وقد علمنا ذلك وتحققناه، فسيعيدنا بالبعث منها بعد موتنا، ليجازينا بأعمالنا التي عملناها عليها.
وهذان دليلان على الإعادة عقليان واضحان: إخراج النبات من الأرض بعد موتها، وإخراج المكلفين منها في إيجادهم.

-------------------------
رد مع اقتباس
  #360  
قديم 12-28-2013, 09:43 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة

تفسير سورة طه
ـــــــــــــــــــــ

مكية
ــــــــ



وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى ( 56 ) قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى ( 57 ) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى ( 58 ) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ( 59 ) فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ( 60 ) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ( 61 ) .
يخبر تعالى، أنه أرى فرعون من الآيات والعبر والقواطع، جميع أنواعها العيانية، والأفقية والنفسية، فما استقام ولا ارعوى، وإنما كذب وتولى، كذب الخبر، وتولى عن الأمر والنهي، وجعل الحق باطلا والباطل حقا، وجادل بالباطل ليضل الناس، فقال: ( أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ ) زعم أن هذه الآيات التي أراه إياها موسى، سحر وتمويه، المقصود منها إخراجهم من أرضهم، والاستيلاء عليها، ليكون كلامه مؤثرا في قلوب قومه، فإن الطباع تميل إلى أوطانها، ويصعب عليها الخروج منها ومفارقتها.
فأخبرهم أن موسى هذا قصده، ليبغضوه، ويسعوا في محاربته، فلنأتينك بسحر مثل سحرك فأمهلنا، واجعل لنا ( مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى ) أي: مستو علمنا وعلمك به، أو مكانا مستويا معتدلا ليتمكن من رؤية ما فيه.
فقال موسى: ( مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ ) وهو عيدهم، الذي يتفرغون فيه ويقطعون شواغلهم، ( وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ) أي: يجمعون كلهم في وقت الضحى، وإنما سأل موسى ذلك، لأن يوم الزينة ووقت الضحى فيه يحصل فيه من كثرة الاجتماع، ورؤية الأشياء على حقائقها، ما لا يحصل في غيره، ( فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ) أي: جميع ما يقدر عليه، مما يكيد به موسى، فأرسل في مدائنه من يحشر *****ة الماهرين في سحرهم، وكان ***** إذ ذاك، متوفرا، وعلمه علما مرغوبا فيه، فجمع خلقا كثيرا من *****ة، ثم أتى كل منهما للموعد، واجتمع الناس للموعد.
فكان الجمع حافلا حضره الرجال والنساء، والملأ والأشراف، والعوام، والصغار، والكبار، وحضوا الناس على الاجتماع، وقالوا للناس: هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ * لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ فحين اجتمعوا من جميع البلدان، وعظهم موسى عليه السلام، وأقام عليهم الحجة، وقال لهم: ( وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ ) أي: لا تنصروا ما أنتم عليه من الباطل بسحركم وتغالبون الحق، وتفترون على الله الكذب، فيستأصلكم بعذاب من عنده، ويخيب سعيكم وافتراؤكم، فلا تدركون ما تطلبون من النصر والجاه عند فرعون وملائه، ولا تسلمون من عذاب الله، وكلام الحق لا بد أن يؤثر في القلوب.
لا جرم ارتفع الخصام والنزاع بين *****ة لما سمعوا كلام موسى، وارتبكوا، ولعل من جملة نزاعهم، الاشتباه في موسى، هل هو على الحق أم لا؟ ولكن هم إلى الآن، ما تم أمرهم، ليقضي الله أمرا كان مفعولا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ فحينئذ أسروا فيما بينهم النجوى، وأنهم يتفقون على مقالة واحدة، لينجحوا في مقالهم وفعالهم، وليتمسك الناس بدينهم، والنجوى التي أسروها فسرها بقوله: قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى كمقالة فرعون السابقة، فإما أن يكون ذلك توافقا من فرعون و*****ة على هذه المقالة من غير قصد، وإما أن يكون تلقينا منه لهم مقالته، التي صمم عليها وأظهرها للناس، وزادوا على قول فرعون أن قالوا: وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى أي: طريقة ***** حسدكم عليها، وأراد أن يظهر عليكم، ليكون له الفخر والصيت والشهرة، ويكون هو المقصود بهذا العلم، الذي أشغلتم زمانكم فيه، ويذهب عنكم ما كنتم تأكلون بسببه، وما يتبع ذلك من الرياسة، وهذا حض من بعضهم على بعض على الاجتهاد في مغالبته، ولهذا قالوا:
فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ أي: أظهروه دفعة واحدة متظاهرين متساعدين فيه، متناصرين، متفقا رأيكم وكلمتكم، ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ليكون أمكن لعملكم، وأهيب لكم في القلوب، ولئلا يترك بعضكم بعض مقدوره من العمل، واعلموا أن من أفلح اليوم ونجح وغلب غيره، فإنه المفلح الفائز، فهذا يوم له ما بعده من الأيام
فلله درهم ما أصلبهم في باطلهم، وأشدهم فيه، حيث أتوا بكل سبب، ووسيلة وممكن، ومكيدة يكيدون بها الحق، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويظهر الحق على الباطل،.فلما تمت مكيدتهم، وانحصر مقصدهم، ولم يبق إلا العمل

قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ عصاك وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى خيروه، موهمين أنهم على جزم من ظهورهم عليه بأي: حالة كانت، فقال لهم موسى: بَلْ أَلْقُوا فألقوا حبالهم وعصيهم، فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أي: إلى موسى مِنْ سِحْرِهِمْ البليغ أَنَّهَا تَسْعَى أي: أنها حيات تسعى فلما خيل إلى موسى ذلك.
( أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ) كما هو مقتضى الطبيعة البشرية، وإلا فهو جازم بوعد الله ونصره.
قُلْنَا له تثبيتا وتطمينا: لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى عليهم، أي: ستعلو عليهم وتقهرهم، ويذلوا لك ويخضعوا.
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ أي: عصاك تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى أي: كيدهم ومكرهم، ليس بمثمر لهم ولا ناجح، فإنه من كيد *****ة، الذين يموهون على الناس، ويلبسون الباطل، ويخيلون أنهم على الحق، فألقى موسى عصاه، فتلقفت ما صنعوا كله وأكلته، والناس ينظرون لذلك الصنيع، فعلم *****ة علما يقينا أن هذا ليس بسحر، وأنه من الله، فبادروا للإيمان.
فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ فوقع الحق وظهر وسطع وبطل ***** والمكر والكيد في ذلك المجمع العظيم
فصارت بينة ورحمة للمؤمنين وحجة على المعاندين فـ قَالَ فرعون للسحرة آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ أي كيف أقدمتم على الإيمان من دون مراجعة مني ولا إذن؟
استغرب ذلك منهم لأدبهم معه وذلهم وانقيادهم له في كل أمر من أمورهم وجعل هذا من ذاك
ثم استلج فرعون في كفره وطغيانه بعد هذا البرهان واستخف عقول قومه وأظهر لهم أن هذه الغلبة من موسى للسحرة ليس لأن الذي معه الحق بل لأنه تمالأ هو و*****ة ومكروا ودبروا أن يخرجوا فرعون وقومه من بلادهم فقبل قومه هذا المكر منه وظنوه صدقا فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ مع أن هذه المقالة التي قالها لا تدخل عقل من له أدنى مسكة من عقل ومعرفة بالواقع فإن موسى أتى من مدين وحيدا وحين أتى لم يجتمع بأحد من *****ة ولا غيرهم بل بادر إلى دعوة فرعون وقومه وأراهم الآيات فأراد فرعون أن يعارض ما جاء به موسى فسعى ما أمكنه وأرسل في مدائنه من يجمع له كل ساحر عليم
فجاءوا إليه ووعدهم الأجر والمنزلة عند الغلبة وهم حرصوا غاية الحرص وكادوا أشد الكيد على غلبتهم لموسى وكان منهم ما كان فهل يمكن أن يتصور مع هذا أن يكونوا دبروا هم وموسى واتفقوا على ما صدر؟ هذا من أمحل المحال ثم توعد فرعون *****ة فقال فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ
كما يفعل بالمحارب الساعي بالفساد يقطع يده اليمنى ورجله اليسرى وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ أي لأجل أن تشتهروا وتختزوا وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى يعني بزعمه هو أو الله وأنه أشد عذابا من الله وأبقى قلبا للحقائق وترهيبا لمن لا عقل له
ولهذا لما عرف *****ة الحق ورزقهم الله من العقل ما يدركون به الحقائق أجابوه بقولهم
لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ أي لن نختارك وما وعدتنا به من الأجر والتقريب على ما أرانا الله من الآيات البينات الدالات على أن الله هو الرب المعبود وحده المعظم المبجل وحده وأن ما سواه باطل ونؤثرك على الذي فطرنا وخلقنا هذا لا يكون فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ مما أوعدتنا به من القطع والصلب والعذاب
إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا أي إنما توعدنا به غاية ما يكون في هذه الحياة الدنيا ينقضي ويزول ولا يضرنا بخلاف عذاب الله لمن استمر على كفره فإنه دائم عظيم
وهذا كأنه جواب منهم لقوله وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى وفي هذا الكلام من *****ة دليل على أنه ينبغي للعاقل أن يوازن بين لذات الدنيا ولذات الآخرة وبين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة
إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا أي كفرنا ومعاصينا فإن الإيمان مكفر للسيئات والتوبة تجب ما قبلها وقولهم وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ الذي عارضنا به الحق هذا دليل على أنهم غير مختارين في عملهم المتقدم وإنما أكرههم فرعون إكراها
والظاهر - والله أعلم- أن موسى لما وعظهم كما تقدم في قوله وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ أثر معهم ووقع منهم موقعا كبيرا ولهذا تنازعوا بعد هذا الكلام والموعظة ثم إن فرعون ألزمهم ذلك وأكرههم على المكر الذي أجروه ولهذا تكلموا بكلامه السابق قبل إتيانهم حيث قالوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا فجروا على ما سنه لهم وأكرههم عليه ولعل هذه النكتة التي قامت بقلوبهم من كراهتهم لمعارضة الحق بالباطل وفعلهم ما فعلوا على وجه الإغماض هي التي أثرت معهم ورحمهم الله بسببها ووفقهم للإيمان والتوبة وَاللَّهُ خَيْرٌ مما وعدتنا من الأجر والمنزلة والجاه وأبقى ثوابا وإحسانا لا ما يقول فرعون وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى يريد أنه أشد عذابا وأبقى وجميع ما أتى من قصص موسى مع فرعون يذكر الله فيه إذا أتى على قصة *****ة أن فرعون توعدهم بالقطع والصلب ولم يذكر أنه فعل ذلك ولم يأت في ذلك حديث صحيح والجزم بوقوعه أو عدمه يتوقف على الدليل والله أعلم بذلك وغيره ولكن توعده إياهم بذلك مع اقتداره دليل على وقوعه ولأنه لو لم يقع لذكره الله ولاتفاق الناقلين على ذلك

--------------------------------------------------
رد مع اقتباس
  #361  
قديم 12-28-2013, 09:46 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة

تفسير سورة طه
ـــــــــــــــــــــ

مكية
ــــــــ


إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا ( 74 ) وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ( 75 ) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ( 76 ) .
يخبر تعالى أن من أتاه، وقدم عليه مجرما - أي: وصفه الجرم من كل وجه، وذلك يستلزم الكفر- واستمر على ذلك حتى مات، فإن له نار جهنم، الشديد نكالها، العظيمة أغلالها، البعيد قعرها، الأليم حرها وقرها، التي فيها من العقاب ما يذيب الأكباد والقلوب، ومن شدة ذلك أن المعذب فيها لا يموت ولا يحيا، لا يموت فيستريح، ولا يحيا حياة يتلذذ بها، وإنما حياته محشوة بعذاب القلب والروح والبدن، الذي لا يقدر قدره، ولا يفتر عنه ساعة، يستغيث فلا يغاث، ويدعو فلا يستجاب له.
نعم إذا استغاث، أغيث بماء كالمهل يشوي الوجوه، وإذا دعا، أجيب بـ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ .
ومن يأت ربه مؤمنا به مصدقا لرسله، متبعا لكتبه ( قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ ) الواجبة والمستحبة، ( فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلا ) أي: المنازل العاليات، وفي الغرف المزخرفات، واللذات المتواصلات، والأنهار السارحات، والخلود الدائم، والسرور العظيم، فيما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
( وَذَلِكَ ) الثواب، ( جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ) أي: تطهر من الشرك والكفر والفسوق والعصيان، إما أن لا يفعلها بالكلية، أو يتوب مما فعله منها، وزكى أيضا نفسه، ونماها بالإيمان والعمل الصالح، فإن للتزكية معنيين، التنقية، وإزالة الخبث، والزيادة بحصول الخير، وسميت الزكاة زكاة، لهذين الأمرين.

-------------------------
رد مع اقتباس
  #362  
قديم 12-30-2013, 07:52 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة

تفسير سورة طه
ـــــــــــــــــــــ

مكية
ــــــــ



وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى ( 77 ) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ( 78 ) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ( 79 ) .
لما ظهر موسى بالبراهين على فرعون وقومه، مكث في مصر يدعوهم إلى الإسلام، ويسعى في تخليص بني إسرائيل من فرعون وعذابه، وفرعون في عتو ونفور، وأمره شديد على بني إسرائيل ويريه الله من الآيات والعبر، ما قصه الله علينا في القرآن، وبنو إسرائيل لا يقدرون أن يظهروا إيمانهم ويعلنوه، قد اتخذوا بيوتهم مساجد، وصبروا على فرعون وأذاه، فأراد الله تعالى أن ينجيهم من عدوهم، ويمكن لهم في الأرض ليعبدوه جهرا، ويقيموا أمره، فأوحى إلى نبيه موسى أن سر أو سيروا أول الليل، ليتمادوا في الأرض، وأخبره أن فرعون وقومه سيتبعونه، فخرجوا أول الليل، جميع بني إسرائيل هم ونساؤهم وذريتهم، فلما أصبح أهل مصر إذا ليس فيها منهم داع ولا مجيب، فحنق عليهم عدوهم فرعون، وأرسل في المدائن، من يجمع له الناس ويحضهم على الخروج في أثر بني إسرائيل ليوقع بهم وينفذ غيظه، والله غالب على أمره، فتكاملت جنود فرعون فسار بهم يتبع بني إسرائيل، فأتبعوهم مشرقين، فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ وقلقوا وخافوا، البحر أمامهم، وفرعون من ورائهم، قد امتلأ عليهم غيظا وحنقا، وموسى مطمئن القلب، ساكن البال، قد وثق بوعد ربه، فقال: كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فأوحى الله إليه أن يضرب البحر بعصاه، فضربه، فانفرق اثني عشر طريقا، وصار الماء كالجبال العالية، عن يمين الطرق ويسارها، وأيبس الله طرقهم التي انفرق عنها الماء، وأمرهم الله أن لا يخافوا من إدراك فرعون، ولا يخشوا من الغرق في البحر، فسلكوا في تلك الطرق.
فجاء فرعون وجنوده، فسلكوا وراءهم، حتى إذا تكامل قوم موسى خارجين وقوم فرعون داخلين، أمر الله البحر فالتطم عليهم، وغشيهم من اليم ما غشيهم، وغرقوا كلهم، ولم ينجح منهم أحد، وبنو إسرائيل ينظرون إلى عدوهم، قد أقر الله أعينهم بهلاكه .
وهذا عاقبة الكفر والضلال، وعدم الاهتداء بهدي الله، ولهذا قال تعالى: ( وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ ) بما زين لهم من الكفر، وتهجين ما أتى به موسى، واستخفافه إياهم، وما هداهم في وقت من الأوقات، فأوردهم موارد الغي والضلال، ثم أوردهم مورد العذاب والنكال.

--------------------------------
رد مع اقتباس
  #363  
قديم 12-30-2013, 07:54 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة

تفسير سورة طه
ـــــــــــــــــــــ

مكية
ــــــــ

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ( 80 ) كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ( 81 ) وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ( 82 ) .
يذكر تعالى بني إسرائيل منته العظيمة عليهم بإهلاك عدوهم، ومواعدته لموسى عليه السلام بجانب الطور الأيمن، لينزل عليه الكتاب، الذي فيه الأحكام الجليلة، والأخبار الجميلة، فتتم عليهم النعمة الدينية، بعد النعمة الدنيوية، ويذكر منته أيضا عليهم في التيه، بإنزال المن والسلوى، والرزق الرغد الهني الذي يحصل لهم بلا مشقة، وأنه قال لهم:
( كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) أي: واشكروه على ما أسدى إليكم من النعم ( وَلا تَطْغَوْا فِيهِ ) أي: في رزقه، فتستعملونه في معاصيه، وتبطرون النعمة، فإنكم إن فعلتم ذلك، حل عليكم غضبي أي: غضبت عليكم، ثم عذبتكم، ( وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ) أي: ردى وهلك، وخاب وخسر، لأنه عدم الرضا والإحسان، وحل عليه الغضب والخسران.
ومع هذا، فالتوبة معروضة، ولو عمل العبد ما عمل من المعاصي، فلهذا قال: ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ ) أي: كثير المغفرة والرحمة، لمن تاب من الكفر والبدعة والفسوق، وآمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وعمل صالحا من أعمال القلب والبدن، وأقوال اللسان.
( ثُمَّ اهْتَدَى ) أي: سلك الصراط المستقيم، وتابع الرسول الكريم، واقتدى بالدين القويم، فهذا يغفر الله أوزاره، ويعفو عما تقدم من ذنبه وإصراره، لأنه أتى بالسبب الأكبر، للمغفرة والرحمة، بل الأسباب كلها منحصرة في هذه الأشياء فإن التوبة تجب ما قبلها، والإيمان والإسلام يهدم ما قبله، والعمل الصالح الذي هو الحسنات، يذهب السيئات، وسلوك طرق الهداية بجميع أنواعها، من تعلم علم، وتدبر آية أو حديث، حتى يتبين له معنى من المعاني يهتدي به، ودعوة إلى دين الحق، ورد بدعة أو كفر أو ضلالة، وجهاد، وهجرة، وغير ذلك من جزئيات الهداية، كلها مكفرات للذنوب محصلات لغاية المطلوب.

--------------------------------
رد مع اقتباس
  #364  
قديم 12-30-2013, 07:57 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة

تفسير سورة طه
ـــــــــــــــــــــ

مكية
ــــــــ

وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى ( 83 ) قَالَ هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ( 84 ) قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ( 85 ) فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ( 86 ) .
كان الله تعالى، قد واعد موسى أن يأتيه لينزل عليه التوراة ثلاثين ليلة، فأتمها بعشر، فلما تم الميقات، بادر موسى عليه السلام إلى الحضور للموعد شوقا لربه، وحرصا على موعوده، فقال الله له: ( وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى ) أي: ما الذي قدمك عليهم؟ ولم لم تصبر حتى تقدم أنت وهم؟ قال: ( هُمْ أُولاءِ عَلَى أَثَرِي ) أي: قريبا مني، وسيصلون في أثري والذي عجلني إليك يا رب طلبا لقربك ومسارعة في رضاك، وشوقا إليك، فقال الله له: ( فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ ) أي: بعبادتهم للعجل، ابتليناهم، واختبرناهم، فلم يصبروا، وحين وصلت إليهم المحنة، كفروا ( وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ )

فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلا جَسَدًا وصاغه فصار لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا لهم هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فنسيه موسى، فافتتن به بنو إسرائيل، فعبدوه، ونهاهم هارون فلم ينتهوا.
فلما رجع موسى إلى قومه وهو غضبان أسف، أي: ممتلئ غيظا وحنقا وغما، قال لهم موبخا ومقبحا لفعلهم: ( يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ) وذلك بإنزال التوراة، ( أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ ) أي: المدة، فتطاولتم غيبتي وهي مدة قصيرة؟ هذا قول كثير من المفسرين، ويحتمل أن معناه: أفطال عليكم عهد النبوة والرسالة، فلم يكن لكم بالنبوة علم ولا أثر، واندرست آثارها، فلم تقفوا منها على خبر، فانمحت آثارها لبعد العهد بها، فعبدتم غير الله، لغلبة الجهل، وعدم العلم بآثار الرسالة؟ أي: ليس الأمر كذلك، بل النبوة بين أظهركم، والعلم قائم، والعذر غير مقبول؟ أم أردتم بفعلكم، أن يحل عليكم غضب من ربكم؟ أي: فتعرضتم لأسبابه واقتحمتم موجب عذابه، وهذا هو الواقع، ( فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ) حين أمرتكم بالاستقامة، ووصيت بكم هارون، فلم ترقبوا غائبا، ولم تحترموا حاضرا.

----------------------------------------
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
السعيد, تفسير


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع تفسير السعدي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من هو السعيد حقاً صابرة الملتقى العام 0 12-17-2015 08:07 AM
الجانب الفقهي في تفسير التحرير والتنوير المعروف بـ (تفسير ابن عاشور) Eng.Jordan دراسات ومراجع و بحوث اسلامية 0 02-12-2013 09:28 AM
تفسير السعدي [ قراءة صوتية ] تراتيل شذرات إسلامية 0 06-23-2012 10:03 PM
البيت السعيد جاسم داود الملتقى العام 2 06-12-2012 10:28 PM
مجموعة البيت السعيد Eng.Jordan شذرات إسلامية 0 03-25-2012 08:24 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 05:33 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59