#1  
قديم 11-03-2012, 12:36 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي إصدار الأشعة عالية الطاقة عبر الكون


-موسى ديب الخوري
إنها ببساطة الجسيمات الأكثرة قوة أو طاقة في الكون. فطاقتها تتجاوز 2010 إلكترونفولط، أي مئات مليارات مليارات الإلكترونفولط. وبالمقارنة، فإن طاقة الجسيمات التي يدرسها العلماء في المسرّعات أقل بعشرة ملايين مرة منها. مع ذلك، فإن السرّ الذي يحيط بطبيعة وأصل الأشعة الكونية عالية الطاقة هذه يشكل أحد أكبر الألغاز في الفيزياء الفلكية. من أين تأتي هذه الأشعة عالية الطاقة؟ وما هي طبيعتها؟ أهي بروتونات أم نوى ذرات ثقيلة، أم جسيمات شاردة؟ وكيف تصل إلى هذه الطاقات الفائقة؟ أسئلة كثيرة لا تزال معلقة على جدول الفيزياء الفلكية.



19-504a0c34c8585.jpg
للإجابة على هذه الأسئلة إنما تم بناء أوسع وأكبر مرصد فلكي في العالم، هو مرصد بيير أوجيه Pierre-Auger، الذي بني في منطقة البامبا Pampa في الأرجنتين، (35 خط عرض و 65 خط طول غرب)، عند سفح سلسلة جبال الأنديز. ويشتمل المرصد على 1600 لاقط و 24 مرصداً موزعين على مساحة 3000 كلم2. وقد شاركت 17 دولة ممثلة بعدة مئات من العلماء والتقنيين في هذا المجمع الهائل من المراصد.
ذلك أن الأشعة الكونية عالية الطاقة نادرة جداً طالما أنه بالكاد يصل إلى سطح الأرض منها جسيم واحد كل قرن في مساحة كيلومتر مربع. هذا إضافة إلى أنه لا يتم رصدها بشكل مباشر: فهي عندما تصل إلى سطح الغلاف الجوي تتفاعل بشدة وعنف معه وتنتج سلسلة من مليارات الجسيمات فيما يعرف بالحزم الكبيرة (حزم الشعير الكبيرة أو مكنسة الساحرة في أدبيات أخرى). وعبر هذه السلاسل من الجسيمات الثانوية التي تضرب الأرض يأمل العلماء اكتشاف طبيعة ومصدر الشعاع الكوني الذي أطلقها، كما ومصدر طاقته العالية.

ما هي الأشعة الكونية؟
الأشعة الكونية هي عبارة عن نوى ذرية وجسيمات أولية ترتحل في الفضاء بسرعات قريبة من سرعة الضوء. ويقترب بعضها من الأرض بدرجة كافية بحيث يمكن اكتشافها بواسطة أجهزة وضعت على أقمار صنعية في مدار حول الأرض أو في سوابر فضائية. ويخترق بعضها الغلاف الجوي للأرض، وتتصادم مع نوى أكسجين أو آزوت، وتنتج سلاسل متتابعة من الجسيمات الثانوية التي يمكنها أن تصل إلى مستوى سطح البحر بل وتغوص أحياناً عميقاً في التربة. تسمى هذه "التكاثرات" للأشعة الكونية في الغلاف الجوي للأرض بـ "حزم الشعير الكبيرة". بالتالي فإن الأشعة الكونية هي أشعة أولية وأخرى ثانوية. الأشعة الأولية هي ما يصل إلى سطح الغلاف الجوي للأرض، وعند اصطدامه به يطلق سلسلة من التفاعلات مع ذراته مما يؤدي إلى ما يعرف بسلسلة الأشعة الثانوية.
والأشعة الكونية الأولية هي العينة الوحيدة من المادة التي تصل إلينا من خارج المجموعة الشمسية. وهي تتألف في القسم الأعظم منها من نوى ذرية، محمّلة بشحنة موجبة (حيث أن هذه النوى فقدت ما يحيط بها من إلكترونات بسبب سرعاتها العالية جداً)، وتتمثل فيها كافة أنواع الذرات الكيميائية، من الهيدروجين إلى اليورانيوم. ولا تشكل الإلكترونات سوى 1 % من مجمل الأشعة الكونية. أما البوزيترونات والبروتونات المضادة فهي أندر من الإلكترونات فيها.
إن أهم سمة تميّز الأشعة الكونية الأولية هي الطاقة العالية جداً التي يمكن أن تحملها بشكل فردي. فنواة ذرة هيدروجين واحدة على سبيل المثال يمكن أن تحمل معها حتى نحو عدة مئات من مليارات مليارات الإلكترونفولط، أي نحو بضعة عشرات من الجول، وهي طاقة تصبح فعالية على المستوى الجهاري ويمكن أن ترفع نحو عشرات الكيلوغرامات عدة أمتار! مع ذلك، فإن غالبية الأشعة الكونية الأولية التي تم رصدها حتى الآن كانت تحمل طاقة من بضعة مليارات من الإلكترونفولط فقط. لكنها تمثل مجموعة خاصةجداً في الكون: فإذا كان أقل من جسيم واحد من 10 ملايين جسيم في سحابة ما بين نجمية هو جسيم أشعة كونية، فإن الطاقة المتوسطة، وفق واحدة الحجم، لمجمل الأشعة الكونية تكون مع ذلك مساوية بشكل واضح لطاقة هذه السحابة ما بين النجمية، وهو أمر لا يرجع بالتأكيد إلى مجرد صدفة. ذلك أن مجموعة ضئيلة من الجسيمات تكون قد اكتسبت جزءاً أساسياً من الطاقة المتوفرة في الكون، وبالنتيجة فإن دراسة هذه الجسيمات باتت تشكل حجر الزاوية في فيزياء الطاقات العالية.
والحقيقة أن التقدم المدهش للفيزياء الفلكية الخاصة بدراسة الطاقات العالية قد أدى منذ نهاية الستينيات إلى تطور هائل في الدراسات الفلكية ودراسات الفيزياء الفلكية. وما يميز هذه الفيزياء الفلكية الجديدة هو أن أجساماً من نمط جديد تم اكتشافها عبر "نوافذ" أطوال الموجة التي فتحت على الكون (المجالات الراديوية، ما تحت الحمراء، ما فوق البنفسجية، الاشعة السينية وأشعة غاما)، وهذه الأجسام تصدر كميات هائلة من الطاقة. وقد أمكن على هذا النحو الحصول على الإثبات غير المباشر أن الأشعة الكونية موجودة في كل مكان من الكون، وأنها مرتبطة بأحداث فائقة العنف والشدة. وقد تكشّف للعلماء أنه توجد في هذه الأجسام أو المصادر (مثل المجرات الراديوية، والكوازارات، والبولزارات (النجوم النابضة)، والنجوم المزدوجة من النمط X، ومصادر انقذافات أشعة غاما) حالات فيزيائية حدية، لا يمكن الوصول إليها أبداً في المختبرات. وهكذا فقد تبدى أن الأشعة الكونية تشكّل مركبات هامة من هذه المنظومات.
إن الأشعة الكونية الأولية، التي تعد رسل الأحداث الكونية العنيفة، تلعب أيضاً دوراً في فيزياء الجسيمات الأولية، كأدوات سبر للنوى والجسيمات التي تشكّلها، لأن طاقتها أعلى بكثير من تلك التي يمكن الحصول عليها بواسطة أكبر مسرعات الجسيمات. وحتى قبل بناء هذه المسرعات كان قد تم اكتشاف الجسيمات الأولية بين الأشعة الكونية الثانوية التي كانت معروفة في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي: البوزيترون (الإلكترون الموجب) في عام 1932، والميزونين μ (الميونان) الموجب والسالب بين عامي 1933 و 1938، والميزونين π (البيونان) الموجب والسالب في عام 1974، والهيبرونات التي اكتشفت بعدها بعدة سنوات. كذلك فقد تم إثبات تخلق زوج من الإلكترون ـ البوزيرتون في "حزم الشعير الكبيرة" لهذه الأشعة، أي تحول فوتون غاما إلى مادة، والتحقق بالتالي من مبدأ تكافؤ الكتلة والطاقة لأينشتين.
عندما تصطدم الأشعة الكونية مع نوى ذرات الغلاف الجوي، فإنها تنتج أيضاً عدداً كبيراً من الذرات المشعة ذات أدوار التحلل المختلفة جداً. ومع أن هذه الذرات لا تساهم بشكل ملحوظ في الإشعاع الطبيعي ذات المصدر الأرضي، لكنها تعدّ "راسمات" ثمينة تستخدم من أجل دراسة ظاهرات الانتقال والاختلاط والانفصال على سطح الأرض. والذرة المشعة الأكثر غزارة هي ذرة الكربون 14، وقد استخدمت للمرة الأولى في عام 1946 من قبل فيلار ليبي Willard F. Libby. ومذاك، تم تطوير تطبيقات كثيرة للتأريخ بواسطة الكربون 14.
ونشير هنا إلى أن الحقل المغنطيسي والغلاف الجوي الأرضيين يشكلان حماية فعالة ضد التأثيرات البيولوجية للأشعة الكونية. بالمقابل، على رواد الفضاء والمقيمين في المحطات الفضائية حماية أنفسهم من هذه الأشعة.

اكتشاف الأشعة الكونية
لنعد إلى قصة اكتشاف هذه الأشعة. ففي عام 1912، حلّق الفيزيائي النمساوي فيكتور فرانز هسّ Victor Franz Hess بواسطة منطاد على ارتفاع خمسة كيلومترات، وتفاجأ لاستنتاجه عند تجاوزه لارتفاع كيلومتر واحد أن الوريقات الرفيعة في مكشافه الكهربائي (إلكتروسكوب) سجلت شحنة كهربائية كانت تزداد بشكل منتظم مع ارتفاع المنطاد. واستنتج وجود إشعاع مؤيّن من أصل كوني. وكررت تجاربه في عام 1913 على يد ورنر كولورستر Werner Kolhörster الذي مدّ القياسات حتى ارتفاع 9300 متر. ولكن كان لا بد من انتظار الأعوام الممتدة بين 1927 و 1936 حيث اخترع عداد غيغر ـ مولر Geiger-Müller، لكي يتم التعرف على طبيعة الإشعاع المؤين بدراسة تغيرات دفقه تبعاً للارتفاع عن الأرض ولاتجاه وصول الإشعاع. وتبين أن معظم هذه الأشعة هي جسيمات مشحونة وليست فوتونات. وفي عام 1938، اكتشف الفرنسيان بيير أوجيه Pierre Auger ورولان ماز Roland Maze "حزم الشعير الكبيرة" في الغلاف الجوي، حيث استطاع أوجيه وضع عدة لواقط عند سفوح جبال الآلب، فالتقط بشكل متزامن وصول شعاع كوني عالي الطاقة. كان ذلك أول حزمة من التفاعلات الناجمة عن اصطدام شعاع كوني بالغلاف الجوي. وقد استطاع مع ماز تقدير طاقته الأمر الذي سمح لهما بتأكيد وجود أشعة كونية أولية من رتبة 1510 إلكترونفولط، وكانت هذه الطاقة في ذلك الوقت أعلى طاقة يتم تسجيلها لجسيم كوني. وفي عام 1948 استطاع أخيراً كل من هلموت برادت Helmut L. Bradt وبرنار بيترز Bernard Peters في الولايات المتحدة الأمريكية التعرف على نوى الهيدروجين (بروتونات) ونوى عناصر أثقل ذات طاقة تصل إلى نحو مليار إلكترونفولط، باستخدام "مستحلبات émulsions" تصويرية "نووية" مرسلة إلى ارتفاعات عالية بواسطة مناطيد تصل إلى الستراتوسفير. أما عتبة الطاقة 1020 إلكترونفولط فلم يتم تجاوزها إلا في عام 1962 حيث سجل أول شعاع كوني عالي الطاقة من هذه الرتبة في لواقط شبكة نشرت في نيومكسيكو.
أما المركبات الأكثر ندرة للأشعة الكونية فقد تم إثباتها بعد عام 1963. فالنيوترينوات على سبيل المثال لم ترصد للمرة الأولى إلا في 23 شباط من عام 1987، عندما اجتازت الأرض مجموعة من النيترينوات مصدرها انفجار السوبرنوفا SN 1987A، في سحابة ماجلان الكبرى (وهي مجرة تبعد عن الأرض مسافة 179000 سنة ضوئية)، وذلك قبل أن تلتقطها وتسجلها الكواشف الموجودة في الولايات المتحدة واليابان. وقد بلغ تعداد الدفق عدة مليارات من الجسيمات في السنتمتر المربع وفي الثانية الواحدة، واستمر عدة ثوان (إن الدفق المستمر من النيوترينوات الآتية من الشمس يكون مرتفعاً أكثر نحو ست مرات).

الأشعة الكونية في المجموعة الشمسية
بتنا اليوم نعرف بفضل السوابر الفضائية وجود أشعة كونية في الفضاء ما بين الكواكب إلى ما بعد مدار نبتون.
وقد تم اكتشاف مصادر محلية للأشعة الكونية في المجموعة الشمسية نفسها. فالشمس تصدر هبات وعواصف من الجسيمات ذات الطاقة العالية خلال بعض الثورانات في الغلاف الشمسي. ويسمح الطابع الانتقالي لوصول هذه الجسيمات إلى الأرض كما وطاقتها المنخفضة نسبياً ـ تكون عموماً أقل من مليار إلكترونفولط (109 eV أو (1 GeV ـ بتمييزها بسهولة عن الدفق شبه الثابت للأشعة الكونية الآتية من خارج المجموعة الشمسية. كذلك فقد تم اكتشاف مصدر "محلي" ثان للأشعة الكونية ـ غني جداً بالإلكترونات ـ في الغلاف المغنطيسي للمشتري، كما وعلى مصدر ثالث إنما أقل كثافة في الغلاف المغنطيسي للأرض. إن الشفق القطبي هو عبارة عن تجل لهذا الإصدار من الأشعة، وكذلك أحزمة إشعاع فان آلن Van Allen أو أيضاً تسارع بعض ذرات ثورانات البراكين كما على القمر إيو، أحد أقمار المشتري. مع ذلك، فإن النسبة العظمى من الأشعة الكونية تأتينا من أعماق مجرتنا، أما الأشعة الأعلى طاقة فهي تأتي على الأرجح من خارج المجرة نفسها. غير أنه يكاد يكون من المستحيل أن نحصل على برهان أكيد ومباشر على ذلك، لأن الأشعة الكونية، المشحونة كهربائياً، لا تنفك تنقسم وتتفرع بسبب عدم انتظامات الحقل المغنطيسي ما بين النجوم، بحيث لا نستطيع تتبع اتجاه مصادرها.

أصل وتشكيل الأشعة الكونية
كانت الفكرة الأكثر جاذبية المتعلقة بأصل الأشعة الكونية قد صدرت عن فريتز زويكي Fritz Zwicky في عام 1938: وهي تقول إن السوبرنوفا تنتج الأشعة الكونية بتسريعها للمادة التي أنتجتها كنجوم عبر التمدد السريع جداً لغلافها. وكانت هذه النظرية مرضية تماماً على المستوى الطاقي، وظلت مقبولة حتى عام 1985. أما اليوم، فنعلم أن الغزارة النسبية لمختلف الأنواع الكيميائية في مصادر الأشعة الكونية (والتي تسمى التركيب الأولي) تختلف بشكل جذري عن التركيب الأولي للمادة التي تم تركيبها بواسطة السوبرنوفا والتي انقذفت إلى الفضاء بسبب انفجارها. وإن كانت بعض النجوم التي تثور أو تطلق انقذافات هائلة من الطاقة (ومنها ما يشبه شمسنا) يمكن أن تكون مصدر جزء من الأشعة الكونية، لكننا لا نزال نجهل اليوم مصدر أو مصادر الجزء الأكبر من هذه الأشعة الكونية عالية الطاقة. ولكن هل نعرف على الأقل كيف تكتسب هذه الأشعة طاقتها العالية؟ طرحت إحدى أكثر الأفكار جاذبية حول هذه النقطة من قبل إفري شاتزمان Évry Schatzman في عام 1966، عندما بيّن أن "موجة الصدم" الناتجة عن انفجار سوبرنوفا يمكن أن تعطي، من خلال ضغطها بعنف للحقل المغنطيسي ما بين النجمي أثناء مرورها به، الطاقة لبعض الجسيمات. وبعد عشر سنوات تم الجمع بين هذه النظرية وأخرى كان قد طرحها أنريكو فيرمي Enrico Fermi منذ عام 1948، ووفقها يمكن للأشعة الكونية أن تكتسب الطاقة بارتدادها على السحب ما بين النجمية وهي في حركة دائمة. أما اليوم، فإن النظرية الحديثة تقول إن الجسيمات التي تصبح أشعة كونية ترتد على تموجات الحقل المغنطيسي ما بين النجمي من على طرفي موجة الصدم. ففي اللحظة التي تغلف فيها موجة الصدم الآتية من سوبرنوفا نجماً ثورانياً يطلق الجسيمات المنخفضة الطاقة إنما تكتسب هذه الجسيمات التسارع بفضل هذه الآلية حتى تصل طاقتها إلى نحو 1014 إلكترونفولط على الأقل. فلا بد بالتالي من آلية أكثر فعالية لتفسير الطاقات الأعلى من ذلك، والتي لوحظت حتى حدود 1020 إلكترونفولط.
هل يختلف تركيب الأشعة الكونية عند مصدرها عن تركيب المادة المجرية المحلية؟ نشير أولاً إلى أن تركيب الأشعة الكونية الواصلة إلى جوار الأرض تختلف كثيراً عن التركيب الذي كان لها في بداية انطلاقها، قرب مصدرها. وفي الواقع، فإن هذه الأشعة عندما تصادف ذرات في الوسط ما بين النجمي، فإنها يمكن أن تنشرخ (نتحدث عندها عن تفاعل التشظي النووي)، وبالتالي فإنها تغتني بنوى ذات رقم ذري Z أضعف (أي بنوى تشتمل على عدد أقل من البروتونات). وهكذا فإن الدوتريوم والهليوم 3 والليثيوم والبيريليوم والبور، وبشكل أعم العناصر ذات الرقم الذري الفردي، تكون عناصر أغزر بكثير (حتى نحو عدة ملايين من المرات) قرب الأرض منها قرب مصادر الأشعة الكونية. وعندما نعرف غزارة العناصر قرب الأرض والقطاعات الأكثر فعالية للتشظية، نستنتج في الوقت نفسه، في إطار نموذج لانتشار الأشعة الكونية في المجرة، كمية المادة التي تكون قد اجتازتها الأشعة الكونية بين مصدرها والأرض ـ وهي تقدر بنحو 70 كلغ / م2 ـ كما وتركيبها الأصلي.
إن التركيب الأولي للأشعة الكونية عند المصدر الذي يستقرأ على هذا النحو يذكرنا كثيراً بتركيب المادة المجرية المحلية، وهو تركيب يقاس في النيازك ويفترض أنه يصف تركيب الغيمة الغازية التي تشكّلت منها المنظومةالشمسية منذ 4.6 مليار سنة. مع ذلك، فإن بعض العناصر الثقيلة (مثل الكربون والآزوت والأكسجين والنيون) هي أقل وفرة في الأشعة الكونية بمعدل من 3 إلى 6 مرات (إذا اعتمدنا السيليسيوم كمرجع)، وهذا المعدل يصل إلى 50 مرة بالنسبة للهيدروجين وإلى 20 ضعف بالنسبة للهليوم. وهذا الاختلاف الكبير يظل غير مفسّر. فلماذا يكون الهيدروجين والهليوم، الغزيران جداً في المجرة كما نعرف، هما أقل بخمسين ضعف وعشرين ضعف على التوالي في الأشعة الكونية منهما في المادة المجرية المحلية، حيث نعتمد السيليسيوم أيضاً كمرجع؟ يتعلق ذلك كما تشير الدراسات بآليات تسارع الأشعة الكونية.
نلاحظ أيضاً أن نسبة غزارة كل عنصر عند مصدر الأشعة الكونية وفي المادة المجرية المحلية ينتظم تبعاً لأول كمون من تأيّن العناصر. فالعناصر ذات كمون التأين الأول I المرتفع (I > 8,5 eV) هي أقل وفرة من معامل يتراوح بين 3 و 6 نسبة إلى العناصر التي يكون من الأسهل تأيّنها. أما نوعياً، فإن عدم الترابط هذا يوحي بأن الأشعة الكونية تكون قد تسارعت ابتداء من غاز تصل درجة حرارته إلى نحو 10000 كالفن.
نشير هنا إلى أن بعض العناصر الماثلة في المنظومة الشمسية (مثل البريليوم على سبيل المثال) لا تتشكل في النجوم، بل هي تنتج من خلال التفاعلات النووية للأشعة الكونية مع الوسط ما بين النجمي خلال مليارات السنين. فهل تلعب النجوم الثورانية دور "الحاقنات" في تسارع الأشعة الكونية؟ وبما أن تركيب الجسيمات المسرّعة أثناء الثورانات في الغلاف الجوي الشمسي يكون مختلفاً جداً تبعاً للزمن والطاقة، فإننا نعتمد تركيباً متوسطاً على عدد كبير من الثورانات الشمسية: وينتظم هذا التركيب المتوسط تبعاً لكمون التأين الأول للعناصر، بشكل مشابه جداً لتركيب الأشعة الكونية (إن الفرق الوحيد الذي يؤخذ بعين الاعتبار هو تركيب الكربون، وهو أوفر في مصادر الأشعة الكونية بمقدار الضعف أو ثلاثة أضعاف. وسوف نعود إلى هذه النقطة فيما يتعلق بتفسير غزارة النيون 22). إن هذا التشابه يفترض وجود الآلية نفسها للانتقاء تؤثر على الأشعة الكونية كما وعلى الجسيمات المسرّعة بواسطة الشمس. غير أن هذه الأخيرة تخرج على الأرجح من الهالة الشمسية، والتي يبدو أنها تبدي نسب الغزارة نفسها (غير أن الريبة هنا كبيرة أيضاً). فالتفسير المعقول سيكون بأن الجسيمات المسرعة بواسطة الشمس تعكس تركيب الوسط الذي أتت منه أي الهالة الشمسية. فهذه الهالة تغذيها ظاهرة انتقاء بين الذرات الحيادية والذرات التي تأينت، على السطح البيني للغلاف الجوي الشمسي والهالة الشمسية، حيث ترتفع درجة الحرارة بشكل عنيف من 8000 درجة إلى مليون درجة. وهكذا، فإن الارتباط مع كمون التأين الأول في الأشعة الكونية يمكن أن ينتج من حقن جسيمات مسرعة مسبقاً في مسرّع الأشعة الكونية، بواسطة النجوم الثورانية المشابهة للشمس.

وفي عام 1966، كانت الأشعة الكونية موضوع تنبؤ نظري هام جداً. فوجود خلفية إشعاعية كونية، هي ميراث الإشعاع الصادر عن الكون بعد نحو 380000 سنة من الانفجار الكبير، كان قد تم إثباتها قبل نحو سنة. وقد لاحظ الأمريكي كينيث غريزن Kenneth Greisen من جهة والروسيان جيورغي زاتسبين Georgiy Zatsepin وفاديم كوزمين Kuz'min من جهة أخرى، أن الأشعة الكونية يجب أن تتفاعل بالضرورة مع فوتونوات هذه الخلفية الإشعاعية. ومثل هذا التفاعل يجب أن يقلّص بشكل كبير من طاقتها. وهكذا فإن الأشعة الكونية التي تسافر على مسافات ما بين مجرية لا يجب أن تتجاوز طاقتها أبداً 60 × 1810 إلكترونفولط. وهي عتبة تعرف اليوم بحد GZK نسبة إلى العلماء الثلاثة. فإذا كان هذا التنبؤ صحيحاً، فإن جسيماً يصل الأرض بطاقة أعلى من هذا الحد لا بد أن يكون آتياً من منطقة قريبة نسبياً، أي تقع على مسافة أقل من 500 مليون سنة ضوئية. وعندما تم إعلان هذا التنبؤ لم يكن هناك إمكانية تجريبية لاختباره بشكل موثوق، واستمر ذلك حتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي. ففي منتصف التسعينيات أجريت تجربتان مختلفتان في مبدأيهما، الأولى سميت عين الذبابة Fly's Eye في الولايات المتحدة، والثانية أغاسا Agasa في اليابان، استطاعتا تحقيق هذا الاختبار. لكن المفاجأة كانت أن نتائجهما جاءت متناقضة. فالتجربة الأمريكية لم تسجل سوى بضعة أحداث لأشعة تجاوزت طاقتها 100 × 1018 إلكترونفولط (وكان بينها رقم قياسي تجاوز 300 × 1018 إلكترونفولط)، الأمر الذي كان متوافقاً مع حد GZK، حيث أخذ بعين الاعتبار أن المصادر القادرة على تسريع الجسيمات إلى مثل هذه الطاقة في جوارنا نادرة. ومن جهة أخرى، بدا طيف الأشعة الكونية وفق تجربة أغاسا اليابانية أنه يمتد دون تغير ملحوظ، بما في ذلك ما يتعلق بالطاقات العالية جداً. وحرّض ذلك كما يحدث في العلم دائماً جدلاً واسعاً.
مرصد على مساحة 3000 كلم2
كان يوجد عدة نقاط خلاف بين التجربتين. فالتجربة اليابانية كانت ترصد عدة تراكمات لشعاعين أو ثلاثة أشعة كونية بطاقة 40 × 1018 إلكترونفولط مصدرها الاتجاه نفسه. في حين كانت التجربة الأمريكية بعيدة تماماً عن هذا المنحى الرصدي. لكن التجربتين كانت تلتقيان على الأقل حول نقطة واحدة: وهي أنه لا يوجد أي مصدر فيزيائي فلكي قريب من مجرتنا مرصود باتجاه وصول هذه الأشعة. ومع الكشف عن نحو عشرة أحداث فقط فوق 100 × 1018 إلكترونفولط، ظلت إمكانيات الإجابة على تساؤلات طبيعة ومصدر هذه الأشعة ضئيلة جداً. وكان لا بد بالتالي من زيادة كبيرة في القياسات، وبالتالي توفير تجهيزات أكثر امتداداً لكي تعطي الأمل بإمكانية التخلص من هذه التناقضات. وكان جيم كرونان Jim Cronin الحائز على جائزة نوبل للفيزياء وآلان واطسون Alan Watson من جامعة ليدز أول من عمل على استكشاف الطرق التي يمكن التوصل عبرها إلى ذلك.
في عام 1992 قدم الباحثان خلال اجتماع في باريس مشروعهما، الذي لم يكن سوى مرصد أوجيه الكبير. وقد حددت فيه الخطوط العريضة للمشروع. وفي السنة التالية تم تصميم النموذج المزدوج الذي يدمج بين تقنيتي الكشف عن الأشعة الكونية في كل من تجربتي عين الذبابة Fly's Eye الأمريكية وأغاسا اليابانية ضمن اللاقط نفسه. وفي عام 1995 قدمت دراسة من 250 صفحة الأهداف الدقيقة العلمية كما والخيارات التقنية لبناء المرصد. وتصف الدراسة مرصداً مؤلفاً من جهازين تجريبيين: شبكة من 1600 لاقط من نوع شرنكوف Cherenkov موزعة على مساحات مثلثية الشكل طول ضلعها 1,5 كلم، وتغطي مساحة كلياً تصل إلى 3000 كيلومتر مربع. وهذا النشر للواقط ضروري لرفع فرص تسجيل الجسيمات من الحزمة نفسها إلى الحد الأقصى بحيث تتوزع هذه الفرص على مساحات كبيرة جداً ويمكن بالتالي الرجوع بالرصد إلى الشعاع الكوني البدئي الذي حرض هذه الحزمة. كذلك اشتملت على بناء 24 تلسكوب ذي حساسات استشعاعية، بحيث تتوضع على أربعة مواقع في التوزيع المثلثي الشكل، والتي تتميز بأن قياساتها أكثر دقة، وتسمح بمعايرة مجمل القياسات بشكل أفضل. كذلك فإن قياس الظاهرة بواسطة جهازين مختلفين يساعد بشكل أفضل على فهم الانحرافات التجريبية المحتملة. هكذا كان حال المشروع على الورق.
إن إضاءات شرنكوف أو ما يسمى أسر حزم ضوء شرنكونف تنتج في هذا المرصد في أحواض بلاستيكية ارتفاعها 1,2 م وعرضها ثلاثة أمتار، وهي مملوءة بالماء النقي. وتُنتج الجسيمات الناجمة عن حزمة التفاعلات الناجمة عن الأشعة الكونية في الغلاف الجوي عند تماسها مع الماء شعاعاً ضوئياً يسمى شعاع شرنكوف. وهذا الشعاع ضعيف جداً ويتم كشفه بواسطة ثلاثة مضخمات ضوئية photomultiplicateurs، هي عبارة عن أنبوب مهبطي يعمل بشكل معاكس، حيث يحول الضوء إلى كهرباء. ويتم عندها تأريخ الإشارة الكهربائية بواسطة ساعة تزامنية مضبوطة على الساعة الذرية الخاصة بتحديد المواقع عن بعد GPS، بدقة تصل إلى عشر الجزء من المليار من الثانية. وفي كل ثانية تجتاز آلاف الجسيمات هذه الأحواض وتترك أثراً صغيراً فيها. وتحفظ منها محلياً في المرصد فقط تلك التسجيلات المستمرة أي التي تعدّ أكبر عدد من الجسيمات. ويتم اختيار العشرين الأكثر أهمية من بينها وترسل إلى الجهاز المركزي الواقع على بعد عدة عشرات من الكيلومترات. وبعد تحليل ومقارنة نتائجها مع التسجيلات الأخرى التي تتم في اللحظة نفسها على الشبكة، يطلب النظام المركزي التسجيل الكامل المسجل في الأحواض. وهذه المركزية في مقارنة النتائج هي التي تسمح باكتشاف مثل هذه الروابط بين توزعات الجسيمات عبر الغلاف الجوي على مسافات واسعة في الشبكة، وبالتالي إعادة بناء حزم الجسيمات الناتجة عن التفاعل الأساسي لاصطدام الشعاع الكوني بالغلاف الجوي للأرض.
أما التلسكوبات التشعيعية فهي أجهزة بصرية عالية الحساسية، تسمح بالكشف على بعد أكثر من 40 كلم عن مصباح لا يتعدى ضوؤه بضع عشرات من الواط ويجتاز السماء بسرعة الضوء. والتشعع هو إصدار ضوئي تحرضه أشكال مختلفة غير الحرارة، ويتم الحديث عندها أحياناً عن "ضوء بارد". وعند حصول حزمة التفاعلات في الغلاف الجوي، يتم تأيين ذرات الآزوت. ويؤدي انتهاء تهيجها إلى إطلاق ضوء مشعع تكشفه تلسكوبات المرصد الحساسة. ومثل هذه الأجهزة لا يمكن أن تعمل في النهار، ولا حتى عندما يكون القمر مرئياً. وهكذا فإن التلسكوبات لا تستقبل على الرغم من عمل الشبكة 24 على 24 ساعة دون توقف سوى معطيات لا تتعدى 10 % من زمن عمل المرصد ككل. لكنها بالمقابل تقدم لنا منفذاً مباشراً أكثر إلى طاقة الجسيم ولا يمكن الاستغناء عنها في تحديد مجمل عملية الكشف عن الأشعة الكونية عالية الطاقة.

مرصد أوجيه يصبح واقعاً
بقي أن يتم تحويل هذا المشروع إلى بناء على الأرض. وكان يجب بشكل أساسي تحقيق المعايير التي يتطلبها المشروع والتي تكون أحياناً متناقضة. على سبيل المثال تغطية أكبر مساحة ممكنة دون أن تكون التكاليف أعلى من حدود معينة. وإيجاد موقع مكشوف في الهواء الطلق ومرتفع، وبعيد عن التلوث، وفي الوقت نفسه يمكن الوصول إليه بسهولة نسبياً. كما لا بد أن يكون الموقع مهيئاً بالبنى التحتية إضافة إلى اقتناع المجتمع العلمي الدولي بمشروع كبير كهذا فيه مخاطرة كبيرة في الوقت نفسه لما يتضمنه من جانب تجريبي.
وفي هذه السنة نفسها (1995) بدأ الفيزيائيان الفلكيان كين جيبس Ken Gibbs وأنطوان لتيسييه سلفون Antoine Letessier-Selvon رحلة البحث عن الموقع الأمثل. وفي تشرين الثاني تم اختيار الأرجنتين لاستقبال المرصد خلال اجتماع تأسيسي عقد في اليونسكو في باريس. وفي نهاية عام 1996 تم تقديم الملف النهائي للممولين وكانت التكلفة التي يجب دفعها تصل إلى 50 مليون دولار.


تسجيل 27 حدثاً
بعد ثلاث سنوات تم تأمين معظم التمويل وبدأ بناء المرصد. وبعد أربع سنوات من بدء التشغيل والاختبارات وتثبيت النماذج الأساسية للرصد، أصبحت نحو مائة من أحواض اللواقط جاهزة للاستخدام. وسجّل المرصد أولى معطياته القابلة للدراسة في مطلع عام 2004. وهكذا تحول حلم بناء المرصد بعد عشر سنوات إلى واقع. وبدأت هذه الجهود تنال مكافآتها. ففي تموز من عام 2005 بينت التحليلات الأولية لأولى المعطيات الرصدية، التي قدمت في المؤتمر الدولي حول الأشعة الكونية في بونه Pune في الهند أهمية ما بدأ مرصد أوجيه بتقديمه للعلماء، وأصبح ذلك أكثر وضوحاً مع إيقاع الاكتشافات المتوالية التي كانت أكثر بثلاثين مرة من التجارب السابقة.
وفي تشرين الثاني من عام 2007، وكان إنشاء شبكة المساحة لا يزال قيد الإنشاء ولما ينتهي بعد، كانت المعطيات المتراكمة قد أصبحت كافية لنشر نتائج هامة حول الأشعة الكونية في المجلة العلمية Science.
كان المرصد قد اكتشف حتى ذلك الوقت 27 حدثاً لطاقة أشعة كونية أعلى من 60 × 10 18 إلكترونفولط، أي طاقات تتجاوز حد GZK. وقادت هذه المعطيات إضافة إلى تسجيل آلاف التسجيلات من الأشعة الكونية ذات الطاقة الأقل إنما الأعلى من 3 × 10 18 إلكترونفولط، إلى ملاحظات جوهرية. فبالدرجة الأولى، لاحظ العلماء أن الـ 27 حدثاً من الطاقات العالية ليست موزعة بشكل عشوائي على السماء، حيث توجد بالنسبة لعشرين منها وضمن شعاع لا يتجاوز ثلاث درجات زاوية حول اتجاه وصولها مجرة نشطة تقع على مسافة أقل من 300 مليون سنة ضوئية عن الأرض، وهو ما يوافق على مستوى الكون مسافة ضئيلة. والمجرة النشطة هي مجرة تملك نواة مركزية فائقة اللمعان، ونتحدث عندها عن نواة نشطة للمجرة. غير أن هذه الأجسام هي مصادر مستقرة للضوء ومن أكثر الأجسام شدة في إصدار الطاقة في الكون، كما أنها مركز لظاهرات تحدث فيها انطلاقات لطاقات هائلة.
وكان لهذا الاكتشاف نتائج دون شك. فهو يبين بداية أن أصل هذه الأشعة الكونية العالية الطاقة، يقع على الرغم من قربه من الأرض خارج مجرتنا درب التبانة. كذلك، فإنه يدعم إحدى الفرضيات المقدمة فيما يتعلق بالآلية التي تحصل فيها هذه الأشعة الكونية على طاقتها. وهي الآلية التي توافق فيها الأشعة الكونية جسيمات مشحونة وفي حالة راحة، مسرّعة بواسطة الحقول الكهربائية والمغنطيسية الهائلة المحيطة ببعض الأجسام أو الظاهرات الفيزائية الفلكية مثل الثقوب السوداء مبتلعة المجرات، أو النجوم الفتية النيوترونية أو تصادمات المجرات. وضمن هذه الأوساط، فإن الجسيمات تكون على الأغلب بروتونات أو نوى حديد. إن معظم الأشعة الكونية ذات الطاقة العالية تنتج بالتالي من مصادر فيزيائية فلكية قريبة نسبياً، هي على الأرجح مجرات نشطة، أو على الأقل من أجسام لها توزع مشابه في السماء. مع ذلك، فإن شعاعاً زاوياً من ثلاث درجات هو في الحقيقة مساحة واسعة جداً على السماء. وعلى سبيل المثال، فإن قطر القمر البدر لا يتعدى نصف درجة زاوية. فالعديد من الأجسام يمكن أن توجد ضمن هذه المساحة. ولا يكفي في الحقيقة قرب المجرات النشطة لاعتبارها المصادر المؤكدة للأشعة الكونية.


خاتمة
قدم قياس دفق الأشعة الكونية أيضاً، تبعاً للطاقة، إضاءة جديدة بالنسبة للعلماء. فقد أظهر وجود انخفاض مفاجئ إلى ما بعد 60 × 10 18 إلكترونفولط في دفق الأشعة، وهو أمر يتوافق مع حد GZK. وهكذا، قبل حتى تدشين المرصد رسمياً، كانت المجموعة الأولى من أحداث وصول الأشعة الكونية عالية الطاقة إلى الغلاف الجوي الأرضي التي تم رصدها فيه قد بدأت ليس فقط بإماطة اللثام عن أصل هذه الجسيمات، بل وقدمت أول الأرصاد التي لا شك فيها حول حدّ GZK.
وهكذا، فإن نافذة جديدة على الكون بدأت تنفتح أمام العلماء. فعلى غرار الضوء في مجال علم الفلك الكلاسيكي، يمكن للأشعة الكونية عالية الطاقة أن تشكل رسلاً جديدة لعلم فلك جديد ورديف. ولهذا، فإن بناء مرصد أكبر من مرصد أوجيه في نصف الكرة الشمالي ليغطي بذلك مجمل السماء، وتوسعة مرصد أوجيه نفسه في الجنوب لمضاعفة عدد الأحداث التي يتم كشفها، يمكن أن يساعد العلماء خلال السنوات القادمة على فهم أفضل للأشعة الكونية عالية الطاقة ومصادرها وطبيعتها، وبالتالي لفهم أفضل للكون البعيد.


المراجع
Bhattacharjee, la course au sursaut lointain, La Recherche; février 2010 n 438.
L. I. Dorman, Cosmic Ray Interactions, Propagation, and Acceleration in Space Plasmas, Springer, Dordrecht, 2006 ; Cosmic Rays in the Earth's Atmosphere and Underground, Kluwer, Dordrecht, 2004.
M. W. Friedlander, Cosmic Rays, Harvard Univ. Press, Cambridge (Mass.), 1989 ; A Thin Cosmic Rain : Particles From Outer Space, ibid., 2000.
C. Kouveliotou, « L'Énigme des sursauts gamma enfin résolue », in La Recherche, no 308, p. 48, avr. 1998.
J.-P. Luminet, Le Destin de l'Univers. Trous noirs et énergie sombre, Fayard, Paris, 2006.
J.-P. Luminet & M. Lachièze-Rey, De l'infini... Mystères et limites de l'Univers, Dunod, Paris, 2005.
P. Salvaterra et al., Nature, 461, 1258, 2009.
N.R. Tanvir et al., Nature, 461, 1254, 2009
S. Vauclair, La Naissance des éléments : du big bang à la Terre, Odile Jacob, Paris, 2006.





المصدر : الباحثون العدد 63 - أيلول 2012
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الأشعة, الطاقة, الكون, غالية, عبر, إصدار


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع إصدار الأشعة عالية الطاقة عبر الكون
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي Eng.Jordan شخصيات عربية وإسلامية 0 03-03-2013 06:41 PM
الأشعة تحت الحمراء Eng.Jordan رواق الثقافة 0 02-05-2013 02:21 PM
الأشعة تحت الحمراء: رؤية ما لا يمكن رؤيته Eng.Jordan علوم وتكنولوجيا 0 01-04-2013 03:46 PM
الأشعة الكونية.. مازالت لغزاً Eng.Jordan علوم وتكنولوجيا 0 11-10-2012 06:46 PM
الطاقة المائية : تدفقات الطاقة عبدالناصر محمود علوم وتكنولوجيا 0 01-10-2012 08:06 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 05:17 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59