مستقبل نصراني مظلم ونمو إسلامي

مستقبل , معمل , إسلامي , نصراني , ونمو

أوروبا بين مستقبل نصراني مظلم ونمو إسلامي متزايد*
ـــــــــــــــــــــــــــ

18 / 3 / 1436 هــ
9 / 1 / 2015 م
ـــــــــ




على الرغم من الترويج النصراني الغربي لازدهار النصرانية في العالم، وبخاصة في العالم الثالث الفقير الذي يضم الكثير من البلدان المسلمة؛ وبالرغم من زهوهم كثيرا بتحقيق انتصارات في شمال أفريقيا على سبيل المثال لضم أشخاص جدد، لعقيدتهم إلا أن هذا الزهو يخفي داخله فزعا نصرانيا من توارد التقارير الموثقة بان أمراض الشيخوخة قد أصابت بالفعل الجسد النصراني، وأنه يعاني معاناة شديدة وخاصة في أوروبا التي تصنف كمعقل النصرانية في العالم.

والمشكلة في أوروبا ليست في انحسار النصرانية فحسب ولكن في شقها الآخر وهو سرعة انتشار الإسلام فيها، وهو الأمر الذي يشعرهم جميعا بالخطورة رغم أن عدد المسلمين في أوروبا لا يزال قليلا، إلا أن سرعته في الانتشار باتت تقلق الساسة وصناع القرار فيها، فألمانيا التي تصطنع المشكلات مع المسلمين وتخرج فيها المظاهرات ضد الأسلمة المزعومة لها لم تبلغ فيها نسبة المسلمين إلا 5% من عدد سكانها وهو الرقم غير المفزع بالقطع، ولكن سرعة زيادتهم هي الأمر الذي يزيد القلق الأوروبي.

وكل التقارير التي تنشرها صحف المسلمين والتي تعلن عن تراجع النصرانية في أوروبا وانحسارها واضمحلالها في المستقبل القريب قد يوجه لها سهام النقد حول مصداقيتها أو صدق نتائجها البحثية، ولكن عندما يأتي التقرير من الصحف العالمية التي لها مكانتها الكبيرة والتي تحظى بمصداقية عالية وانتشار واسع بين الأوربيين أنفسهم فلابد وان تتغير النظرة وأن تنال هذه التقارير الاهتمام الكبير منا.

وصحيفة "وول ستريت" جريدة أمريكية دولية يومية تصدر باللغة الإنجليزية وتصدر معها طبعات آسيوية وأوروبية يبلغ توزيعها اليومي ما يزيد عن 2 مليون دولار مع ما يقرب من مليون مشترك على موقعها على الإنترنت وهي أكبر الصحف تداولا في الولايات المتحدة حتى نوفمبر 2003 وظلت بعدها في مواقع متقدمة، والصحيفة تتناول الأخبار بمنظور اقتصادي قد يتعارض مع المنظور الفكري أو العقدي.

ففي تقرير أخير ومهم للصحيفة قالت فيه أن مئات الكنائس في أوروبا قد أُغلقت أو مهددة بسبب خلوها من العضوية، ثم طرحت سؤالا وصفته بالملح من الناحية الاقتصادية: "ماذا تفعل بمبانٍ غير مستخدمة؟"، وهو ما يعكس مدى الأزمة التي تعانيها النصرانية في أوروبا.

فذكر التقرير على سبيل المثال أن كنيسة "سينت جوزيف" القديمة الفخمة التي تسع لألف مصلٍ في مدينة أرنهام بهولندا بحاجة ماسة للإصلاح، وأنها لفرط هجرانها وخلوها من الزوار أو المصلين حولت قاعتها العامة المهجورة إلى ساحة لألعاب لوح التزلج، للاستفادة المادية من مبنى مهجور لا يرتاده أحد.

وطرحت الصحيفة هذا الحل للإجابة على السؤال الدائم الذي يؤرق مجتمعاتهم وحتى حكوماتهم المحلية حول مئات الكنائس التي أُغلقت أو أصبحت مهجورة في جميع أنحاء أوروبا الغربية: ماذا تفعل بمبانٍ كانت مقدسة وأصبحت اليوم فارغة من ريف بريطانيا إلى الدنمارك؟.

وحتى حل التزلج لا يعد حلا دائما، فتقول الصحيفة إن "قاعة التزلج قد لا تدوم طويلا، فالكنيسة التي كانت فاخرة يوما ما، تبدو اليوم هرمة متضررة من تسرب المياه، وتحتاج إلى ترميم بشكل سريع، فيما ترسل بلدية المدينة فواتير الضرائب للمتزلجين، وتحاول الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، التي تملك البناية، بيعها بسعر لا يستطيع المتزلجون دفعه".

ويقول كاتب التقرير أن "إغلاق الكنائس يعكس الضعف السريع للدين في أوروبا، وهي ظاهرة مؤلمة لكل من المتدينين ومن يرون في الدين عامل توحيد عامل في مجتمع غير متجانس"، وهو يتحدث بالطبع عن الديانة النصرانية، لأنه يؤكد في الوقت ذاته على أن النصرانية الأرثوذكسية التي تعتبر هي السائدة في أوروبا قد حافظت على وضعيتها نسبيا، فلم تتعرض حتى الآن للانهيار، بينما يؤكد أن الإسلام قد نما نموا ظاهرا ولكنه ارجع اسبابه إلى تزايد الهجرة من الدول الإسلامية في أفريقيا والشرق الأوسط.

وذكرت الصحيفة أن 20 كنيسة على الأقل تُغلق سنويا في انجلترا، بينما تعتبر 200 كنيسة تقريبا في الدنمارك غير قابلة للحياة أو غير مستغلة – مهجورة تماما - فيما أغلقت الكاثوليكية في ألمانيا نحو 515 كنيسة في العقد الماضي، أما في هولندا فالوضع أسوأ من ذلك عليهم بكثير إذ أن قادة الروم الكاثوليك في البلاد يقدرون أن ثلثي كنائسها البالغ عددها 1600 ستكون مهجورة تماما بلا رواد خلال عشر سنوات على الأكثر ومن المتوقع أيضا إغلاق 700 من كنائس البروتستانتية خلال السنوات الأربع القادمة.

وأحيانا ما تكون الحلول البديلة للكنائس مهينة - لسابق كونها بيوت عبادة على أي حال - ففي هولندا تحولت كنيسة إلى "سوبر ماركت" وأخرى إلى محل لبيع الزهور وثالثة لبيع الكتب ورابعة إلى قاعة للألعاب رياضية، وهناك كنيسة مشهورة في أرنهام بهولندا يعود بناؤها إلى العام 1889 تحولت إلى متجر لبيع الملابس النسائية غير المحتشمة في اهانة واضحة لدور العبادة.

وبلغت الإهانات مبلغها في برستول بإنجلترا حيث تحولت كنيسة سنت بولز إلى مدرسة لتعليم السيرك وفي أدنبرة في إسكتلندا تحولت كنيسة إلى حانة للخمور وسائر المنكرات دون أن يتقدم احد بشكوى مطلقا من تحويلها إلى حانة، وقال مالكها نفس الفكرة "لو تركنا هذه الكنائس ولم نحوّل استخدامها لبقيت فارغة ومهملة".

ويقول التقرير أن الولايات المتحدة في طريقها لنفس المعاناة بعد سنوات، حيث قال: "إنها تفادت موجة مماثلة من إغلاق الكنيسة في الوقت الراهن، لأن المسيحيين الأمريكية لا يزالون أكثر تدينا من الأوروبيين. ولكن الباحثين في الشؤون الدينية يقولون إن تراجع أعداد الكنائس الأمريكية يشير إلى أن البلاد يمكن أن تواجه المشكلة نفسها في السنوات المقبلة".

أن ما نراه من القلق الحالي من هذه التقارير ليس خشية على النصرانية كديانة، فالعلمانية الأوروبية الحاكمة لا تهمها النصرانية وانتشارها وتمسك الناس بها، فأساس قيام العلمانية كان ضد النصرانية وضد الهيمنة الكنسية على مقاليد الحياة، فليس الحرص على النمو النصراني فيها هو الحرص الأول ولكن حرص العلمانية على النصرانية يأتي من ضرورة بقائها كحالة دينية مناوئة للديانة الإسلامية ليشكلا معا صفا واحدا في مواجهة الإسلام.

ــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ــــــــــــــ

المصدر: ملتقى شذرات