|
بحوث و مراجع و دراسات تربوية واجتماعية تربية وتعليم , علم نفس ، علم اجتماع |
|
أدوات الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
المُدْخَل التكاملي في تعليم اللغة العربية بمراحل التعليم العام : أسسه النظرية وتطبيقاته التربوية
" نحو بناء لغوي متماسك " إعداد د . دخيل الله بن محمد الدهماني جامعة أم القرى بمكة المكرمة – كلية التربية – قسم المناهج وطرق التدريس إن أيَّ مجتمع ينشد التقدّم والرقي ، ويبحث لنفسه عن مكان مميّز في هرم الحضارة ؛ لابد وأن يحسنَ العناية بلغته ، ويبحثَ عن كل ما من شأنه تطوير تعليمها وتعلّمها بحيث يساير الاتجاهات التربوية الحديثة في تعليم اللغات وتعلّمها ؛ ليكون تعليمُها تنميةً لفكر الإنسان ، وصوغاً لوجوده الداخلي. ومن المؤكّد أن أول متطلبات الارتقاء والنهوض بتعليم اللغة العربية أن يكون هناك تخطيطٌ لغويٌّ محكمٌ ، لا يقلُّ الاهتمام به عن أي تخطيط في حياة الأمة ؛ لأن اللغة هي صائغةُ الوجود الداخلي للإنسان والأمة بأسرها ، بل إن أيَّ تخطيط لجانب من جوانب الحياة في الأمة ، لا يستقيم أمره ، بعيداً عن التخطيط المحكم لسلامة وصحة الوجود الداخلي للإنسان نفسه ، ولفكر الأمة . إن من مهام التخطيط اللغوي تصميم المداخل التعليمية المتسقة مع طبيعة اللغة ، وطبيعة تعلّمها وتعليمها ، ومع نتائج البحوث في علم اللغة الحديث ، تتبلور فيه فلسفة تعليم اللغة وتعلّمها ، وتؤطَّر فيه كافة المناشط الفاعلة للارتقاء بالأداء اللغوي ، في صورة برامج تعليمية تتحقق فيها فلسفة المعرفة ، وأسس التربية ونظريات علم اللغة ، ونظريات علم النفس اللغوي ، ونظريات علم اللغة الاجتماعي . وبمراجعة أدبيات تعليم اللغة العربية يتبيّن أن حظ تعليمها من هذه المداخل قليلٌ جداً مقارنة بتعليم اللغات الأجنبية ؛ فتعليم اللغة العربية ما زال يستند إلى مداخل تقليدية عفى عليها الزمن ، لم يعد لها ذكر سوى في أدبيات تعليم اللغة العربية ، حيث مازالت مناهج تعليمها في مراحل التعليم – في غير بلد عربي - تصمم وفق المدخل الموضوعي " التفريعي " مدخل تفتيت الخبرة اللغوية ، التي يفترض أن تقدّم للمتعلّم متكاملة تكامل اللغة نفسها . إن اللغة العربية لغة القرآن الكريم ، والسنة النبوية الشريفة ، ولغة الخطاب ، ولغة التعليم في غير بلد عربي إسلامي ، بها يتعلّم التلاميذ ، وبها يعبرون عن أفكارهم ، وأحاسيسهم ، ورغباتهم ، وحاجاتهم . ومن المؤكّد أن الاهتمام باللغة العربية تعلماً وتعليماً اهتمام بالقرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، ومحافظة على الهوية العربية الإسلامية من الذوبان ، وأن أيَّ تخطيطٍ في المجتمع ينبغي أن يكون على رأسه تخطيط لغوي يعبر عن فكر الأمة ؛ ذلكم أن حياة الأمة مرهونة بحياة لغتها ، وارتفاع بنيان حضارة الأمة معتمد على ارتفاع لغتها ، وأن اللغة عندما تقوى تشتدّ أركان الحضارة . وحيث ذلك ، فإن تبني أفكار مُدْخل تعليمي يساير طبيعة اللغة العربية في بناء مناهج تعليمها ، وتطويرطرق تدريسها ، وتعليمها للتلاميذ في مراحل التعليم العام يعتبر مطلباً تربوياً وتعليمياً ملحاً ، للتخفيف من الأزمة التربوية الحادة المتمثلة في تدني كفاءة وفاعلية مخرجات التعليم بكافة مراحله ومستوياته ، ومنها المخرج اللغوي . والمُدْخل في تعليم اللغة عبارة عن مجموعة افتراضات ( لغوية ونفس لغوية ولغوية اجتماعية ) تربطها مع بعضها علاقات متبادلة ، تتصل اتصالاً وثيقاً بطبيعة اللغة ، وطبيعة عمليتي تعليمها وتعلّمها ، إنه عملية اختيار منظمة تتمخّض عنها المبادئ الرئيسة لخطة تعليم اللغة ، وتستند إلى نتائج العلوم المتداخلة : علم اللغة ، وعلم النفس اللغوي ، وعلم اللغة الاجتماعي . إن عملية وضع مُدْخل لتعليم اللغة عملية تُنسجُ خيوطها الفكرية على مستوى التخطيط اللغوي قبل تصميم مناهج تعليم اللغة وبنائها ، عملية ترتبط بكيفية اختيار المادة اللغوية التعليمية ، وكيفية تدريج المادة اللغوية التعليمية التي تمّ اختيارها ، وكيفية تقديم المادة التعليمية اللغوية التي أُختيرت ودُرِّجت ، ثم بعد هذا وذاك كيفية تقويم ما اختير وما دُرِّج وما قدِّم . ومن المؤكّد أن تبني مُدْخلاً بعينه لتعليم اللغة وتعلّمها عملية فكرية قائمة على التخطيط المحكم والأفعال العقلانية بعيدة كل البعد عن العشوائية والارتجال ، تنعكس نتائجها على تخطيط مناهج تعليم اللغة وبنائها ، وتنفيذها ، وتقويمها وتطويرها . إن التكامل في مجال تعليم اللغة أسلوب لتنظيم عناصر الخبرة اللغوية المقدّمة للمتعلّمين ، وتعليمها بما يحقق ترابطها وتوحدها بصورة تمكنهم من إدراك العلاقات بينها ، وتوظيفها في أدائهم اللغوي ، فهو يعني – باختصار شديد – تنظيم المادة التعليمية اللغوية ، وتدريجها ، وتقديمها متكاملة في هيئة مهارات لغوية وظيفية متجاوزاً تقسيمها فروعاً متفرقة ومعلومات مجزأة ، وخبرات لغوية مفتتة . وهو بتعبير آخر النظر إلى اللغة ، عند بناء مناهج تعليمها ، وإعداد كتبها ، وتحديث طرق تدريسها ، على أنها وحدة مترابطة متماسكة ، وليست فروعاً معرفية مختلفة . ويستند التكامل في بناء المحتوى التعليمي اللغوي على أحدث معطيات علم النفس التربوي ؛ فالتعلّم في نظره قائم في أساسه على نشاط المتعلّم نفسه ودافعيته للتعلّم ، فهو لا يتعلّم إلاّ ما يمثل حاجة لديه ، ويشعر بفائدته وجدواه . وفكرة التكامل في تعليم اللغة العربية فكرة قديمة جداً ضاربة في أعماق ثقافتنا العربية الإسلامية ، فقد أدرك علماء العربية قديماً هذه الفكرة حين اتخذوا من النص الأدبي محوراً تتجمّع حوله معالجات لغوية عديدة . لقد كان سائداً – وما زال – الاعتقاد في مجال تعليم اللغة بأن المتعلّم يتعلّم اللغة بصورة أفضل إن لم يخلط المعلمون في تعليمهم اللغة بين مواد اللغة المختلفة ، ومن ثمّ ترسّخ اعتقاد خاطئ بأن الأداء اللغوي لن يكون سليماً إلاّ بدراسة قواعد النحو والصرف ، والأدب والبلاغة ، والقراءة ، والكتابة ، من خلال كتب تركّز على المعرفة اللغوية وحصص مستقلة لكل مادة ، وفي هذا الاعتقاد تفتيت الخبرة اللغوية التي يفترض أن يكتسبها المتعلّم متكاملة ، وإغفال المهارات اللغوية التي ينبغي أن يتمثّلها في تواصله مع الآخرين في مواقف الحياة الاجتماعية . إن تعليم اللغة العربية وتعلّمها لا ينبغي أن يكون مخالفاً لطبيعة اللغة نفسها ، بل ينبغي أن يكون متكيفاً معها ، موصولاً بفكر علماء الأمة الأوائل الذين اشتغلوا بالدرس اللغوي ، وما كانوا في يوم من أيامهم يخرجون اللغة عن طبيعتها ، ولا يعلمونها بعيداً عن سياقها الاجتماعي الوظيفي . إن المُدْخل التكاملي في تعليم اللغة يحمل بين طيّاته اتجاهاً عقلانياً لتعليم اللغة . إن تعليم اللغة العربية بحاجة ملحة إلى نظرية تعليمية لغوية ، مستمدة من فهم عميق لطبيعة اللغة نفسها ، وطبيعة تعلّمها وتعليمها ، ووظيفتها في المجتمع ، ودورها في التنمية الشاملة للمتعلمين : معرفياً ، ووجدانياً ، ومهارياً ، ونفسياً ، وفكرياً ، واجتماعياً . ويقتضي الأخذ بأفكار المُدْخل التكاملي منطلقاً في تعليم اللغة العربية مراعاة ما يلي : · التحوّل من فكرة تعليم اللغة العربية على أنها فروع لغوية مستقلة لا طائل من ورائها سوى تفتيت الخبرة اللغوية ، إلى فكرة تكامل تعليم اللغة وتعليمها متكاملة وفقاً لطبيعتها المتكاملة ، ووفقاً لطبيعة تعلّمها وتعليمها . · اتخاذ النص القرآني محوراً رئيساً في تعليم اللغة ؛ لأثره في زيادة الثروة اللغوية ، دون إغفال لنصوص من الحديث النبوي الشريف ، ومن تراث العرب قديمه وحديثه ، منظومه ومنثوره . · اتخاذ النص اللغوي منطلقاً لتعليم اللغة في ضوء مهاراتها ، مما يحفظ للغة وحدتها وتكاملها ، والسير في ذلك على هدي المسلمين الأوائل في اختيار النص اللغوي الذي يكسب المتعلمين ثروة لغوية ، وتنمية ذوق وتهذيب سلوك . · إلغاء فكرة الكتب التعليمية اللغوية المتعددة ، والاقتصار على كتاب واحد لكل صف دراسي ، تتنوّع فيه النصوص المقدّمة إلى المتعلمين ؛ بحيث تشمل نصوص انطلاق ، ونصوص دعمٍ وتعزيزٍ ، ونصوصاً إثرائيةً ، تُعالج من منظورات عديدة : استماعاً ، وقراءة ، وفهماً واستيعاباً ، واستنتاجاً وتحليلاً ، وتذوقاً ونقداً ، وتطبيقاً نحويّاً وإملائياً ، وتدريباً على التعبير الشفهي والكتابي . · إلغاء فكرة الحصص المستقلة المخصصة لتعليم كل فرع من فروع اللغة ، وتوظيف الحصص المستمرة المتصلة المخصصة لتعليم اللغة ؛ لضمان معالجة النصوص معالجة متكاملة ، لا تنتهي بانتهاء الزمن المخصص للدرس ، بل تستمر المعالجة حتى يتمكّن المتعلّم من المهارات المستهدفة . · اعتماد طرق التدريس النشطة في مختلف المناشط اللغوية ؛ لتوجيه المتعلّم نحو أن يتعلّم كيف يتعلّم ، واعتباره محور العملية التعليمية ، وتبني طرق تدريس قائمة على حل المشكلات ، والتعلّم التعاوني ، والتعلّم البنائي ، والتعلّم النشط ، وتعليم التفكير وإكساب المتعلمين مهاراته ، والعصف الذهني ... كل ذلك لتحفيزه على تعلّم اللغة وتنميته فكرياً ووجدانيا ومهاريا . · إنّ منهج تعليم اللغة يكون أكثر فاعلية إذا تناول مهارات اللغة على أنها وسائل لتحقيق غايات أرحب وأهم ، وعلى رأس قائمتها يأتي الاتصال ، ومن ثمّ فإن التركيز على هذه المهارات ، والنظر إليها نظرة متوازنة في برنامج تعليم اللغة يساعد على تنمية لغة المتعلّمين نموّاً متوازنا . · يمكن لتعليم اللغة العربية أن يحقق أهدافه بشكل جيّد إذا اتجه التخطيط اللغوي نحو الأخذ بالاتجاه التكاملي في تعليم اللغة ، والتوجّه نحو تمهير تعليمها . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا وحبيبنا محمد بن عبد الله ، وعلى آله وصحابته أجمعين ، والتابعين إلى يوم الدين . المصدر: ملتقى شذرات
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201) |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
أسسه, المُدْخَل, اللغة, التعليم, التكاملي, العام, العربية, النظرية, بمراحل, تعليم |
يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
أدوات الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه للموضوع المُدْخَل التكاملي في تعليم اللغة العربية بمراحل التعليم العام : أسسه النظرية وتطبيقاته التربوية | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الصين تغلق مدارس تعليم اللغة العربية في تركستان الشرقية | عبدالناصر محمود | الملتقى العام | 0 | 01-07-2017 08:09 AM |
مجموعة من البرامج لتسهيل تعليم قواعد اللغة العربية | Eng.Jordan | الحاسوب والاتصالات | 2 | 11-14-2014 01:46 PM |
تظاهرة ضد غلق محاضرات تعليم اللغة العربية | عبدالناصر محمود | المسلمون حول العالم | 0 | 01-14-2014 09:44 AM |
جدل حول تعليم اللغة العربية لطلاب مدرسة ثانوية في ألاباما | Eng.Jordan | أخبار منوعة | 0 | 10-27-2013 09:49 AM |
مرحبا.. سلسلة تعليم اللغة العربية للأطفال | Eng.Jordan | التعليم والتدريب | 0 | 10-16-2013 01:39 PM |