#1  
قديم 06-23-2012, 10:34 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,392
افتراضي مذكراتي في جوانتنامو


مذكرات
عادل كامل-البحريني-
العائد من غوانتنامو
بسم الله الرحمن الرحيم
1/4
((( التعريف )))
الاسم/ عادل كامل عبدالله، أبلغ من العمر 41 عاماً.
ولدت ونشأت في فريج العمامرة بالمحرق، وهو حي بسيط يتصف كما هو حال فرجان المحرق بترابط أهله وفطرتهم السليمة وخلقهم الأصيل، وقد أعانتني تلك الصفات على أن أكون محافظا على الصلاة والصيام منذ كنت صغيراً.
تخرجت من مدرسة المنامة الثانوية التجارية عام 1983م.
كنت أعمل في قوة دفاع البحرين حتى سفري إلى أفغانستان. متزوج ولي ابنة واحدة تركتها وهي في الصف الخامس الابتدائي وعمرها عشر سنوات وعدت إليها وهي في الرابعة عشرة من عمرها وبالصف الثالث الإعدادي، وهي ابنتي الوحيدة التي أعطيتها وما زلت كل محبتي. كنت حنوناً عليها، كثير المزاح معها، وكثيرا ما كنت آخذها للحدائق العامة وللسباحة بالبحر، فقد كانت وهي صغيرة تحب السباحة وركوب الخيل، وكانت هي كذلك تحبني كثيرا ولا تفارقني.
((( قرار السفر إلى أفغانستان )))
عندما بدأ الأفغان بالنزوح من مدنهم وقراهم جراء القصف الأمريكي لأفغانستان في عام 2001م ، رداً على الهجوم الذي تعرضت له أمريكا والذي حمّلت الإدارة الأمريكية مسؤوليته المسلمين، كانت محطات التلفزيون ووكالات الأنباء تنقل الوضع المأساوي وحالة الهلع والخوف الذي يعيشه الأفغان والرعب مما قد يصيبهم إذا تعرضوا لهجوم من قبل القوات الأمريكية، فقد جرب الأفغان حياة اللاجئين وعاشوها لسنوات طويلة.
عندها قررت بشكل جازم أنه لابد من أن يكون لي دور إيجابي في مساعدة هؤلاء المساكين، لا أدري ماذا يمكنني أن أفعل بالتحديد ولا كيف السبيل، فأنا لست من العاملين في الحقل الإغاثي ولا أنتمي إلى جمعية من الجمعيات الخيرية،
فماذا عساني أفعل؟
ولكن هذا التفكير السلبي لم يثنني عن القرار الذي كنت قد اتخذته بشكل جازم ألا وهو التوجه على الفور إلى أفغانستان لمساعدة الناس والوقوف بجانبهم. بدأت على الفور في تأمين حاجيات أسرتي وذلك حتى لا يضطروا إلى طلب العون من أحد، فلا يعقل أن أذهب لإغاثة البعيد وأترك أمي وزوجتي وابنتي عالة على الآخرين.
كما قمت بطلب بعض المساعدات المالية من الزكوات والصدقات من أهلي، لتوزيعها على المحتاجين. كنت في ذلك الوقت في إجازتي السنوية التي لم أكن قد طلبتها من أجل السفر، ولكنها تزامنت مع عزمي على السفر، فأعددت مستلزمات السفر وتوكلت على الله واشتريت تذكرة السفر إلى إيران لدخول أفغانستان عن طريق الحدود البرية بين البلدين.
((( الوصول إلى إيران ثم إلى قندهار )))
في شهر أكتوبر 2001م وصلت إلى مدينة مشهد الإيرانية والقريبة من الحدود مع أفغانستان، وقمت بالسؤال عن الطريق المؤدية إلى الحدود الأفغانية وكيفية الدخول إلى أفغانستان بشكل صحيح، وذلك حتى لا أعرض نفسي لمخالفات مع الإيرانيين مما قد يعرقل وصولي إلى أفغانستان وهو الهدف الذي أتيت من أجله. لذلك فقد اضطررت للمكوث في إيران قرابة الأسبوعين حتى تمكنت أخيرا من دخول الأراضي الأفغانية. مررت بالعديد من مدن أفغانستان وقراها وشاهدت الوضع المأساوي الذي يعيشه الأفغان، والفقر الشديد الذي يعانونه، ورأيت الدمار والخراب الذي تعرضت له الكثير من المناطق جراء الهجمات التي قام بها الطيران الأمريكي الهمجي.
كان مسيرنا خلال رحلة الدخول إلى أفغانستان بالنهار بسبب حظر التجول ومنع تحرك السيارات ليلاً، وذلك لأن الطائرات الأمريكية كانت تقصف أي هدف يتحرك ليلا سواء كان مدنيا أو عسكرياً، ولم تسلم القوافل الإغاثية من التعرض للهجمات الصاروخية الأمريكية.
((( الرحلة إلى قندهار )))
كانت وجهتنا مدينة قندهار والتي تعد من أكبر المدن الأفغانية، استغرقت الرحلة عن طريق حافلات النقل العام من الحدود الإيرانية إلى مدينة قندهار حوالي اليومين.
كنا نبيت بالمساء في الاستراحات التي على الطريق حتى يبزغ الفجر ثم نواصل طريقنا نهارا. كانت الطريق آمنة ولم نتعرض لأي مشاكل كقطاع الطريق والعصابات أو القصف الجوي.
ومررت على الكثير من الأحياء والمباني والمنازل والسيارات المدمرة والتي قصفت ليلا.
وقد رأيت أثناء مروري بالقرى الأفغانية الفقر الشديد الذي تعاني منه الأسر الأفغانية والحالة المتردية للبيوت والبنية التحتية لهذه المناطق، فقمت بتقديم بعض من المساعدات والصدقات التي أحضرتها معي لهؤلاء المحتاجين الذين كانت علامات الفقر والعوز واضحة على وجوههم. وفي قندهار استقر بي المقام بأحد الفنادق المتواضعة، وقمت بالاتصال بأهلي بالبحرين لكي أطمأنتهم على وصولي. وقد تجولت في مدينة قندهار ومررت بمكتب الصليب الأحمر الذي كان مغلقا في ذلك الوقت، ثم تجولت في أحياء المدينة التي بدت لي مدينة قديمة المباني والشوارع. وكانت الشوارع والأسواق مزدحمة بالناس.
((( إلى العاصمة كابول )))
بعد أن مكثت في قندهار عدة أيام قررت الانتقال إلى العاصمة الأفغانية كابول لتقديم المساعدة والوقوف على الوضع الإنساني، حيث من المعلوم أن العمل الإغاثي يتركز عادة في العاصمة أكثر من غيرها من المدن الأخرى والمناطق الريفية. وصلت إلى العاصمة كابول بعد رحلة استغرقت يوما كاملا بواسطة الباص ومكثت فيها عدة أيام، قدمت خلالها بعض المساعدات والصدقات للمساكين والمحتاجين. ورغم سماع أصوات الانفجارات والقصف من المناطق البعيدة، فقد كان الوضع العام في العاصمة كابول شبه مستقر وكانت الحياة طبيعية. كانت كابول مختلفة تماما عن مدينة قندهار، فكابول مدينة منظمة حديثة، شوارعها مرصوفة وواسعة ونظيفة ومشجرة بالأشجار الجميلة، كانت المباني جديدة وجميلة.
وكنت أرى الناس وهم يتجولون في شوارع العاصمة، وكانت الأسواق مليئة بالبضائع وكانت النساء يشترين من الأسواق بكل أمان، قد كنت أرى الأطفال وهم يلعبون بفرح وأمان فتذكرت ابنتي هاجر وتمنيت لها السعادة والخير.
كان الناس يلبسون ملابس نظيفة على خلاف ما رأيته في قندهار.
كانت الجبال تحيط بالعاصمة كابل، لذا فقد كان جوها بالنهار جميلا ومائلا إلى البرودة، وأما بالليل فقد كان الجو بارداً. وكان الهواء نظيفا نقيا، أما قندهار فقد كان طقسها حاراً بالنهار ومعتدلا بالليل، وأما الهواء فلم يكن صحيا بل كان مغبرا لأن الشوارع لم تكن مرصوفة بل كانت تعلوها الأتربة.

((( الخروج من كابول )))
كانت الأحداث في أفغانستان تتسارع بشكل غير متوقع، وأيقن الناس أن كابول ستسقط لا محالة في أيدي الميليشيات الشمالية التي يطلقون عليها لقب المخالفين.
كانت الميليشيات الشمالية تنتمي إلى العرق الطاجيكي والفارسي وكان هؤلاء يكنون عداوة شديدة جداً للعرب ويحمّلونهم مسئولية مقتل القائد الأفغاني الطاجيكي أحمد شاه مسعود، لذا فقد كانوا يتحينون الفرصة ويتمنون أسر أي عربي للانتقام لمقتل قائدهم وزعيمهم. فلما أحس العرب بأن الوضع لم يعد آمنا، بدؤوا بالخروج من أفغانستان، وعندها قررت عدم البقاء في العاصمة فخرجت إلى المناطق الريفية على أمل أن أتمكن من مغادرة أفغانستان إذا ساءت الأحوال. وقد صدقت التوقعات، فبعد خروجي من كابول بأيام قليلة، سقطت العاصمة الأفغانية في أيدي الميليشيات الشمالية التي عاثت فيها فسادا ودماراً، وقامت بالانتقام من العرب الذين وقعوا في قبضتهم، وقاموا بقتل العديد من الأفغان من الأصول البشتونية، والذين يسكنون المناطق الجنوبية والشرقية المحاذية لباكستان. كان الشماليون يقتلون الناس على الهوية وعلى الهيئة، لذا فقط سارع الكثيرون من الأفغان إلى حلق لحاهم ولبس البنطلون بدلا من اللباس الأفغاني التقليدي وذلك حتى يسلموا من القتل والانتقام العشوائي.


((( البحث عن العرب )))
في ظل هذه الفوضى العارمة، كان قرار التحرك شمالاً أو جنوباً وشرقاً أو غرباً ليس سهلاً، فقد
يقودك الطريق إلى بر الأمان، وقد يوقعك في أيدي القوت التي تبحث عن العرب لقتلهم أو تسليمهم للأمريكان للحصول على المكافآت المالية التي رصدت لمن يأتي بأي عربي حيا أو ميتاً.
أصبح العرب بين فكي كماشة، فالأمريكيون يودون البطش بهم انتقاما لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، والميليشيات الأفغانية الشمالية يبحثون عنهم لينتقموا لمقتل أحمد شاه مسعود والحصول على الجوائز والمكافآت.
ورغم عدم صلتي لي بهجمات سبتمبر ولا بمقتل مسعود، إلا أن كوني عربياً كان يكفي لتعرضي للخطر، لذا كان الوضع يستدعي الخروج بسرعة من هذا المأزق، فكيف سيفهم الأمريكان والشماليون أنني بريء من كلتا التهمتين .
كان من حسن حظي أن التقيت في هذه الأثناء بالأخ عمر رجب الكويتي والأخ عبد الهادي السبيعي السعودي، فقررنا التحرك معاً وبدأنا نتنقل ببطء وحذر من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى أخرى أملا في الوصول إلى الحدود الباكستانية.
((( الاستعانة بدليل أفغاني )))
بلغ القصف الأمريكي ذروته، وكانت الطائرات تقصف كل شيء بشكل عشوائي ودون تمييز، وسقط آلاف الضحايا من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ.
وقد سمعت من الإعلامي سامي الحاج مصور قناة الجزيرة والذي التقيته في معتقل غوانتنامو، بأن بعض القرى قد مسحت عن بكرة أبيها. وقد صورت قناة الجزيرة بعض هذه المجازر وغطت الأحداث بالتفصيل، فعاقبت القوات الأمريكية قناة الجزيرة بإيداع سامي الحاج معتقل غوانتنامو، رغم كونه مجرد إعلامي ينقل الحدث بكل موضوعية وحرفية.
وصلنا مع الأخوين عمر وعبدالهادي إلى إحدى القرى، ولما علم الأهالي بوصول ضيوف من العرب استقبلونا أحسن استقبال وأكرمونا وضيفونا في بيوتهم. وفي اليوم التالي أخبرناهم بأننا قد نتعرض للخطر إذا ما وقعنا في أيدي المخالفين، فطمأنونا ووعدونا بأنهم سيساعدوننا في الوصول إلى باكستان.
وبالفعل فقد كلفوا اثنين من رجال القرية ليرافقانا أثناء رحلة الخروج.
ولأن السفر بواسطة السيارات غير آمن وذلك لوجود الكثير من الحواجز العسكرية في الطريق، كان من الأسلم لنا أن نخرج مشيا على الأقدام عبر القرى حتى نصل إلى باكستان.
وقد أمّن لنا أهل القرية الملابس الأفغانية وزودونا بالطعام والشراب والملابس الشتوية وقاموا بالواجب نحونا خير قيام فجزاهم الله خيرا.

كان الدليلان يعرفان القرى التي نمر بها ويتجنبان المرور بالقرى غير المأمونة والتي قد يغدر بنا أهلها.
وكان الناس في القرى التي نمر بها يكرموننا ويقدمون لنا الطعام والشراب والمأوى والمبيت، وبقي هذان الدليلان معنا حتى اقتربنا من إلى الحدود الباكستانية. جاء بعد ذلك أحد الأفغان وعرض أن يقوم بتوصيلنا إلى سفارات بلادنا مقابل مبلغ من المال، وقد أراد الدليلان أن يقدما له المال، ولكننا شكرناهم وأخبرناهم بأننا سنقدم له المال بأنفسنا عندما نصل إلى سفاراتنا آمنين. بدأنا السير مع الدليل الجديد عبر المناطق الحدودية الوعرة حتى دخلنا الأراضي الباكستانية.
خلال رحلة الخروج قطعنا الكثير من الوديان والغابات والجبال والأنهار.
كان الجو باردا جدا، وقد نزل علينا المطر والثلج. وقد اضطررنا في المراحل الأخيرة من الرحلة أن نمر عبر جبال وعرة شاهقة جدا بلغ ارتفاعها حوالي أربعة آلاف متر.
كنا نسير في الثلج الذي يصل مستواه إلى الركبة، وأحياناً إلى الفخذ والحوض.
كانت الرحلة في غاية الصعوبة والمشقة حتى أن الدليل قد اضطر إلى الاستعانة بأدلة آخرين، لتجنب الوقوع في الحفر والسفوح والوديان المغطاة بالثلوج مما يعني موتا محققا.
كان مسيرنا بالنهار حيث أن المشي بالليل كان في غاية الخطورة للأسباب التي ذكرتها آنفاً.
كان شهر رمضان قد دخل علينا أثناء هذه الرحلة، وقد صمنا بعض الأيام واضطررنا للفطر في أيام أخرى وذلك من شدة التعب والجوع، وقد أنهينا في معتقل غوانتنامو قضاء الأيام من شهر رمضان والتي لم نستطع صيامها في أفغانستان.
كان الناس في القرى التي نمر بها في هذه الجبال يرحبون بنا خير ترحيب ويقدمون لنا كل مساعدة ويكرموننا أفضل إكرام رغم فقرهم وحاجتهم. وكان شيوخ القرية وكبراءها يحتفون بنا ويخرجون معنا ويثنون على العرب وما قدموا من مساعدة للشعب الأفغاني، وكانوا يبدون لنا أسفهم الشديد لأنهم لا يستطيعون أن يقدموا لنا المساعدة على أكمل وجه ولا الوقوف معنا في هذه المحنة وذلك بسبب ما تمر به البلاد من فوضى عارمة وتدخل أجنبي، وكانت القرى التي تساعد العرب أو تؤويهم تتعرض للقصف والتدمير، وقد مسحت قرى بأكملها من الخريطة لأنها آوت بعض العرب، حيث قام الوشاة من ضعاف النفوس بالتبليغ عن هذه القرى واتهموا أهلها بالتعاون مع الطالبان، فقام الأمريكان بقصفها بالطائرات ودمروها عن بكرة أبيها. وهذه طبيعة الجنود الأمريكان، فهم من شدة جبنهم لا يواجهون أعداءهم وجها لوجه ولكن يقصفون القرى من بعيد فيقتلون النساء والأطفال والشيوخ.
((( الاختباء عن أعين المرتزقة )))
وعلى النقيض من تلك الصور الرائعة في حب الأفغان للعرب واستعدادهم للمساعدة وتقديم أي خدمة نطلبها، بل وقد كانوا يقولون لنا بأنهم سيفدوننا بالأرواح والأولاد لأننا في نظرهم أبناء الصحابة وقد أتينا من بلاد العرب لمساعدتهم ونجدتهم، كان بعض الأفغان والباكستانيين يتجولون بحثاً عن العرب طمعا في الحصول على المكافآت المالية التي يقدمها الأمريكان لمن يسلم العرب. ورغم حاجتنا إلى الطعام والراحة، فقد كان من الطبيعي أن نختبئ عن الأنظار.
وكنا بدلا من أن نستعين بالمارة، كنا نختبئ عنهم خشية أن يكونوا من المرتزقة المندسين بين النازحين من الأفغان.
ففي حين كان بعض الأفغان يبحث جاهدا عن العرب لتسليمهم للأمريكان، كانت الغالبية من الأفغان يحبون العرب كثيرا ويحتفون بهم ويجلسونهم في صدر المجلس إذا زاروهم، وكان العربي إذا تكلم أصغى الأفغان إليه وأخذوا كلامه بالتصديق والتسليم المطلق. دخل علينا عيد الفطر ولكن لم يكن له طعم العيد الحقيقي عند الأفغان، فرغم أن الناس كانوا يحاولون الفرح والسرور بمقدم العيد، كان سقوط الضحايا الكثيرون من أبنائهم بل وسقوط أفغانستان كلها في أيدي القوات الأمريكية الغازية قد أطفأ الفرحة الحقيقية من قلوبهم ووجوههم.
((( في أيدي القوات الباكستانية )))
بعد مسير طويل رأينا من بعيد نقطة حدودية للجيش الباكستاني، فكان أمامنا خياران فإما أن نذهب للجنود الباكستانيين ونخبرهم بأننا من العرب وأننا نريد الوصول إلى باكستان ومن ثم إلى سفارات بلداننا، وإما أن نختبئ عن أنظار الجنود ونواصل المسير حتى ندخل إلى الأراضي الباكستانية. وحيث أن أوراقنا كانت سليمة وأن دخولنا إلى أفغانستان قد تم بشكل سليم وقانوني، ولأن التعب قد بلغ منا مبلغه ولم نعد قادرين على مواصلة السير نحو المجهول، ولأن الأفغان والمرتزقة والأمريكان والجوع والعطش والتعب كانوا جميعا أعداء لنا يلاحقوننا، فقد قررنا الذهاب إلى الجنود في تلك النقطة لنطلب منهم توصيلنا إلى سفارات بلادنا في باكستان، وارتحنا لهذا القرار الذي لم يكن أمامنا خيار آخر أفضل منه في تلك اللحظة.
استقبلنا الجنود الباكستانيون استقبالا طيباً وقدموا لنا الماء والطعام وكان الطعام عبارة عن الخبز والعدس، وأخبرونا بأن نأخذ راحتنا في التجول واستخدام دورات المياه، وطمأنونا أن الأمور ستسير على خير ما يرام، وأنهم سيأخذوننا في الصباح إلى الشرطة حيث سيتم استجوابنا بشكل سطحي لتحديد هوياتنا ثم ستقوم السلطات المختصة بتسليمنا إلى سفارات بلداننا. كان في هذه النقطة الحدودية ضابط باكستاني يتحدث الإنجليزية وكان يطمئننا ويقول بأن الأمر سينتهي على خير، وطلب منا أن نسلمه ما نحمله من أمانات وأغراض شخصية في حوزتنا، حيث سيسلمنا للشرطة الباكستانية والتي ستقوم بدورها بتسليمنا لسفاراتنا، فأعطيته ما كان بحوزتي من جواز السفر والبطاقة الشخصية ورخصة القيادة، وكان يعد معي أموالي الخاصة ويسجل كل شيء في ورقة، ثم وقع على الورقة وطلب مني أن أوقع كذلك ثم وضع الأمانات في كيس من البلاستيك.
((( الغدر الباكستاني )))
بقينا في النقطة الحدودية حتى صباح اليوم التالي في انتظار السيارة التي وعدنا الضابط بتوفيرها لنقلنا إلى مركز الشرطة، ولكن السيارة تحولت إلى طائرة عمودية أرسلتها القوات الباكستانية مع فرقة من القوات الخاصة المسلحة التي ترتدي الملابس السوداء وقد تكون القوات الخاصة بمكافحة الإرهاب، وكان عددهم حوالي الخمسة عشر جنديا، وتسلمونا من النقطة الحدودية، عرفنا حينها أننا قد تعرضنا للغدر والخديعة. قام الجنود بربط أيدينا وأرجلنا من الخلف بحبال غليظة وغطوا أعيننا، ثم حملونا حملاً ورمونا داخل الطائرة. وتم تعيين أربعة جنود داخل الطائرة لحراسة كل واحد منا حيث جلس الجنود على ظهورنا طوال رحلة الطائرة، فكان الأمر شاقا علينا وكانت مفاجأة غير متوقعة.
هبطت الطائرة في مطار بيشاور حيث أخرجونا من الطائرة ورمونا رميا مرة أخرى على أرض المطار وبقينا في العراء مدة ساعتين دون أن يكلمنا أحد من الجنود، وكان ذلك اليوم هو يوم الجمعة حيث كنا نسمع الخطباء يخطبون من المساجد القريبة من المطار. ثم تم حملنا من جديد في إحدى الشاحنات مع عدد من الجنود، ولم نتمكن من معرفة عددهم لأن أعيننا كانت معصوبة، وسارت بنا الشاحنة حوالي عشرين دقيقة إلى أحد مراكز الشرطة، حيث فكوا أرجلنا وقادونا ونحن موثقي الأيدي ومعصوبي الأعين إلى زنازين وهناك فكوا أيدينا وأعيننا فاكتشفنا أننا قد تم إيداعنا في زنازين تقع تحت الأرض عليها أبواب حديدية وعددها حوالي ستة زنازين صغيرة وكنا أربعة ألأشخاص في زنزانة واحدة. كانت أرضية الزنزانة وسخة جدا، ومفروشة بسجادة شديدة القذارة. فطلبنا من الحراس أن يعطونا بعض البطانيات فادعوا عدم توفر أي بطانيات لديهم، فطلبنا منهم أن يشتروا لنا من أموالنا بعض البطانيات فرفضوا.

وكان في الزنزانة المجاورة بعض الإخوة الباكستانيين الذين سجنوا لأنهم ساعدوا العرب على الخروج من أفغانستان إلى باكستان، فلما سمعونا نتحدث مع الحراس بشأن البطانيات، تبرعوا ببعض ما عندهم من البطانيات والوسائد والفرش وطلبوا من الجنود أن يقدموها لنا. بقينا في هذا المركز قرابة الأسبوع، كانت المعاملة في هذا السجن سيئة جدا، فلم يكونوا يسمحون لنا بالذهاب إلى الخلاء إلا قليلا، وأما الطعام الذي يقدم لنا فكان سيئا جدا، وهو عبارة عن عدس حار جدا ورغيف واحد في الغداء والعشاء، وأما الفطور فرغيف خبر واحد وبعض الشاي. ولم يكونوا يسمحون لنا بالخروج للوضوء بل كانوا يحضرون لنا الماء في قوارير لنتوضأ في الزنازين وكان ذلك صعبا لأن الماء يتجمع في الزنزانة الضيقة فتضايق المعتقلين ولكن لم يكن أمامنا خيار آخر، وكنا نصلي في الزنزانة صلاة الجماعة والحمد لله. وتم التحقيق معنا من قبل جهاز الاستخبارات الباكستانية الذين أخبرتهم بأنني قد ذهبت إلى أفغانستان من أجل تقديم العون والمساعدة للشعب الأفغاني، فوعدونا خيراً وأخبرونا أنهم سيقومون بالاتصال بسفارات بلداننا لاستلامنا وإرسالنا إلى بلداننا ولم يوجهوا لنا أي اتهام.

2/4

((( اللقاء الأول مع الأمريكان )))
خلال الفترة الذين قضيناهما في سجن بيشاور، أخذنا الباكستانيون لمقابلة أشخاص في جهة لم يحددوها للإجابة على بعض الأسئلة البسيطة التي ستوجه لنا. تم أخذنا إلى إحدى الفيلات، وفوجئنا بأننا نتقابل وجها لوجه مع المحققين الأمريكان، ولكن لم يكن أمامنا خيار آخر سوى التعاون مع المحققين. تم التحقيق معي من قبل رجل وامرأة من المخابرات الأمريكية، كان المحقق من أصل لبناني واسمه عباس ويبلغ من العمر حوالي الخمسين سنة، أبيض اللون مائل إلى الحمرة، وكانت علامات الحقد والبغض تبدو على وجهه، وكان يتحدث العربية بطلاقة ولكن باستهزاء وتكبر وغطرسة، أما المرأة فكانت تتحدث العربية قليلا.
وكنا نأمل أن يتم توجيه بعض الأسئلة العامة لنا ثم يطلق سراحنا.
سألنا الأمريكان عن الاسم والجنسية والعمر والمؤهل وسبب الذهاب إلى أفغانستان وكيفية الدخول وتاريخ الوصول إلى أفغانستان.

بعد الانتهاء من التحقيق، أعادونا إلى سجن مركز الشرطة وبقينا هناك مدة يوم أو يومين. عاود الباكستانيون التحقيق معنا خلال فترة مكوثنا في هذا السجن ثلاث أو أربع مرات.
ثم أحضر لنا الباكستانيون ملابس زرقاء وقالوا لنا بأن ملابسنا التي نلبسها وسخة وأنهم سيقومون بغسلها ثم سيعيدونها لنا. لم تنطلي هذه الخدعة علينا، بل زاد يقيننا من خبث الباكستانيين وغدرهم، ولكن لم تكن أمامنا حيلة أو خيار إلا الاستجابة لمطالبهم طمعاً في انتهاء هذا الكابوس.



((( في قبضة القوات الأمريكية )))
لبسنا الزي الأزرق وهو عبارة عن قطعة واحدة مصنوعة في الكويت.
ثم تم إخراجنا من السجن واحدا تلو الآخر، وتم تقييدنا بالقيود من خلف ظهورنا وتم تعصيب أعيننا وأدخلنا في ميني باص. كانت الساعة حوالي العاشرة ليلاً، وكانت وجهتنا مطار بيشاور الباكستاني. عندما وصلنا إلى المطار سمعنا أصوات الجنود الأمريكان، فتيقنا أننا سنسلم للقوات الأمريكية وأن وعود الباكستانيين بتسليمنا لسفارات بلداننا كانت أكاذيب وخداع.
ورغم أننا كنا نطمئن أنفسنا بأن الباكستانيين لا يمكن أن يسلمونا للأمريكان لأنه لا يعقل أن يسلمونا للكفار الذين يقاتلون الله ورسوله والمسلمين.
ثم إن الباكستانيين قد حققوا معنا بما فيه الكفاية، وأكدوا لنا بأننا أبرياء، وأن رجوعنا إلى بلداننا مسألة وقت، ولكن عندما وصلنا إلى المطار وأصبحنا في قبضة الأمريكان، تلاشت كل الآمال في الباكستانيين وعلمنا أنهم قد خانوا وغدروا، وأيقنا أن مرحلة جديدة من حياتنا قد بدأت منذ تلك اللحظة، وأن الابتلاء الحقيقي قد بدأ الآن، فاحتسبنا ذلك عند الله وصبرنا وقلنا حسبنا الله ونعم ال****، وذكّرنا بعضناً بعضاً بأن الله هو خير حافظاً وأنه هو أرحم الراحمين. كانت أعيننا معصوبة فلم نكن نرى شيئاً، وبدأ الأمريكيون يستعرضون قوتهم وشجاعتهم علينا، فشدوا القيود علينا أكثر واستخدموا معنا وسائل عنيفة وعاملونا بقسوة وشدة، ولم يكن هذا بمستغرب فهم يعتبروننا إرهابيين نستحق القتل والإبادة.

((( الترحيل إلى قندهار )))
تم إدخالنا إلى طائرة شحن عسكرية ذات مراوح وتم إجلاسنا على أرضية الطائرة الصلبة.
لم نكن نحن الثلاثة الوحيدون الذين أحضرنا إلى الطائرة فقد اتضح أن عددا من الإخوة العرب قد تم إحضارهم من أماكن وسجون مختلفة في نفس الوقت، حيث كنا نسمع أصواتهم وتقييدهم ولكننا لم نستطع أن نراهم لأن أعيننا كانت معصوبة، ولأن الأمريكان غطوا رؤوسنا بأكياس من الخيش قبل الصعود إلى الطائرة. كانت الرحلة متعبة جداً بسبب القيود الشديدة وطريقة الجلوس على الأرضية الصلبة للطائرة، ولأن الرحلة كانت طويلة والجو كان بارداً، ولكن الله منّ علينا بالصبر والثبات والحمد لله رب العالمين. كانت الوجهة مطار مدينة قندهار الأفغانية.
استغرقت الرحلة حوالي الساعة والنصف، كان ذلك اليوم هو الثامن والعشرين من شهر ديسمبر عام 2001م. تم إنزالنا من الطائرة وإجلاسنا على أرض المطار حفاة الأقدام، وكنا نلبس الزي الأزرق الذي وعدنا الباكستانيون بأنه لباس مؤقت. بقينا جالسين في أماكننا عدة ساعات، ثم نقلنا إلى منطقة أخرى من المطار وبطحنا على الأرض على بطوننا في البرد الشديد لعدة ساعات إضافية.

ثم أخذونا لتحقيق أولي لتحديد هوياتنا وأسمائنا، وقد تعرضنا خلالها للضرب الشديد والإهانة، تم إيداعنا بعد ذلك في معتقل عبارة عن منطقة حجز مسورة بالأسلاك الشائكة وليس بها أي شيء، فكنا نفترش الأرض ونلتحف السماء، ولكن شعورنا بأن الله معنا خفف عنا كثيرا من المعاناة. وفي هذا المعتقل تعرفت للمرة الأولى على الأخوين البحرينيين عبدالله النعيمي وعيسى المرباطي ولم أكن أعرفهما من قبل. جلسنا تلك الليلة في المعتقل حتى أسفر نور الصباح وكانت الحراسة علينا مشددة جداً.
بعد بزوغ الفجر رأينا عدداً كبيراً من الإخوة العرب الذين اعتقلوا من أماكن متفرقة. تم التحقيق معنا مرة أخرى في اليوم الثاني، كانت الأسئلة تركز على السيرة الذاتية ولماذا ذهبت إلى أفغانستان ومتى، ولماذا خرجت من أفغانستان؟ ومتى؟ وكيف؟.
بقينا في معتقل قندهار قرابة الثلاثة أسابيع تعرضنا خلالها إلى صنوف العذاب.
كان من المضايقات التي تعرضنا لها أنهم لا يقدمون لنا من الطعام إلا القليل من الوجبات العسكرية، وكانوا يمنعوننا من النوم بالليل حيث كانوا يوقظوننا أكثر من خمس مرات كل ليلة بحجة التأكد من عدد المعتقلين وعدم هروب أحد منا، وكانوا يزعجوننا بالأصوات الصاخبة والأنوار العالية.
تم تعذيب المعتقلين بالكهرباء والضرب والوضع في السجن الانفرادي لفترة طويلة، كان السجن الانفرادي عبارة عن صناديق خشبية مصمتة تماماً، وكانوا يحرموننا من الطعام لمدة يومين أو ثلاثة.
((( إلى غوانتنامو )))
في أحد الأيام أخذت أنا وبعض الإخوة ليلاً من بين باقي المعتقلين، وبعد تقييدنا بشدة، تم نقلنا إلى معتقل آخر شبيه بالمعتقل الأول من حيث كونه منطقة محاطة بأسلاك شائكة حيث بقينا فيه حتى صباح اليوم الثاني.
وفي الصباح تم تقييدنا من الخلف وأخذنا إلى داخل الخيام الملحقة بالسجن حيث تم حلق شعر رأسنا ولحانا ثم ألبسونا ملابس برتقالية بدلاً من الملابس الزرقاء. لم نعرف حتى تلك اللحظة ما الأمر أو إلى أين سيتم نقلنا.
في هذا المكان تعرفت للمرة الأولى على أخي جمعة المرباطي الذي كان رفيق دربي إلى معسكر غوانتنامو وكنا أول البحرينيين الذين نقلنا إلى ذلك المعسكر، وثالث دفعة من المعتقلين الذين أرسلوا إلى معتقل غوانتنامو
تم إغماض أعيننا وآذاننا وأفواهنا، ثم قيدونا مرة أخرى ولكن هذه المرة بطريقة أشد حيث استخدموا قيوداً حديدية وأقفالاً، ثم ربطت أيدينا إلى بطوننا بسلاسل وأقفال، ثم وضعونا في ساحة خلفية من المطار، وبقينا جالسين في العراء من العصر وحتى منتصف الليل تقريباً ونحن معصوبي الأعين والآذان. أخذنا إلى إحدى طائرات الشحن العسكرية وكانت المقاعد على جانبي الطائرة، وتم تقييد أيدينا إلى المقاعد وأرجلنا إلى أرضية الطائرة، وفي هذه المرة قاموا بتكميم أفواهنا بكمامات. أقلعت الطائرة مدة ثلاث ساعات ثم حطت في أحد المطارات، حيث نقلنا إلى طائرة شحن عسكرية أخرى دون أن يرفعوا الغطاء عن أعيننا أو يفكوا قيودنا.
تم تقييدنا من جديد كالمرة الأولى ولكن بطريقة أشد، وكانت المقاعد في هذه الطائرة أسوأ من المرة الماضية فهي عبارة عن قماش فقط، انتظرنا في الطائرة قرابة الست ساعات وحتى الفجر حسب اعتقادي، فصلينا الفجر ثم أحسست بشروق الشمس.
أقلعت الطائرة في رحلة طويلة ومرهقة استغرقت قرابة الأربع والعشرين ساعة أو أكثر لم نتمكن خلالها من استخدام دورات المياه ولم يقدم لنا الماء أو الطعام ولم يسمح لنا بالكلام أو الحركة، كان التعب والإعياء قد بلغ مني مبلغه وانتفخت يداي ورجلاي من شدة الربط وطول مدة القيد، كانت وجهة الطائرة هي معتقل غوانتنامو.
أنزلونا من الطائرة، وتم ضربنا ضربا مبرحا ونحن معصوبي الأعين والأذن والفم واليدين والرجلين.
ثم وضعنا في باصات وأجلسنا على أرضية الباص حيث لم تكن هناك مقاعد. تم أخذنا بالباصات إلى معتقل X-RAY.


((( معتقل X-RAY)))
كما هو واضح من اسم المعسكر فهو يعني أنه مكشوف تماماً من جميع الجهات، فلا مجال للاختباء فضلاً عن الهرب.
يقع المعسكر في جزء من جزيرة كوبا قبالة ولاية فلوريدا الأمريكية.
وقد تم تشييد المعسكر قريباً من ساحل البحر، وهذا الساحل عبارة عن شواطئ صخرية مرتفعة ومطلة على المحيط الأطلسي. وكانت دوريات خفر السواحل الأمريكية تطوف المياه روحة وإياباً، هذا فضلا عن أبراج المراقبة الكثيرة والتي تحرس المعتقل طوال اليوم.
والمعتقل عبارة عن عدد من الزنازين مقسمة إلى ستة عنابر، وكل عنبر به ستون زنزانة. والمعتقل مبني في أرض فضاء ليس فيه ما يقي من برد الشتاء والمطر أو من حر الصيف والشمس.
والزنزانة مشيدة من الشبك من الجهات الأربع ومن السقف، أما الأرضية فمبنية من الخرسانة.
مساحة الزنزانة حوالي مترين في متر وثمانين سنتيمتراً. للزنزانة باب من حديد وشبك. تحتوي الزنزانة على حصيرة من الإسفنج الرقيق جدا سمكه حوالي نصف سنتيمتر، وقد وضع كل معتقل في زنزانة لوحده وأعطي بطانيتين خفيفتين وشرشف ومنشفة ونعل بلاستك وسطلان أحدهما للماء الذي نستخدمه لكل شيء من الشرب والوضوء والاغتسال والآخر للخلاء وقضاء الحاجة.
وقد كان من أشد الأمور التي تضايقنا، هي أننا لا نستطيع أن نختلي لقضاء الحاجة.
بقينا طوال سنوات الاعتقال بالملابس البرتقالية التي كانت تغسل من حين لآخر وبشكل متقطع.
يمكن اعتبار المعسكر حقل للتجارب النفسية والبدنية على البشر لاختبار قوة التحمل عندهم ولعمل التجارب والاختبارات التي تريد القوات الأمريكية تعميمها في حالة ثبت نجاح التجربة على معتقلي غوانتنامو.

في بداية إيداعنا المعتقل المذكور قام الجنود بضربنا بشدة، ثم عرضنا على الطبيب، وتم تصويرنا وأخذ بصماتنا وتغيير ملابسنا، ثم وضعنا في الزنازين قبيل المغرب.
لقد حمدت الله على الطمأنينة والشعور بالثبات والذي كنت أشعر به في ذلك الوقت، والذي كنت في أمس الحاجة له، فليس من السهل أن تتصور نفسك وقد تعرضت لكل هذا الغدر والخيانة ممن تظنهم إخوانك في الدين ثم تجد نفسك في أقصى الأرض بين يدي أعدائك وفي هذه الزنازين القاسية ولا يدري عنك أحد من البشر وما تتعرض له من التعذيب والإهانة طوال الوقت، وأنت بين يدي الجلاد إن شاء قتلك وإن شاء عذبك وإن شاء فعل بك الأفاعيل على غفلة من البشر، ولكن الله شرح صدري وأسبغ علي الثبات والسكينة فحمدت الله منذ اللحظة الأولى على ما أصابني، وتذكرت نبي الله يوسف عليه السلام وقلت في نفسي ربي السجن أحب إلي مما يدعونني إليه من الزيغ عن ديني.ويكثر في المعتقل وجود الزواحف والثعابين والعقارب والفئران والحشرات التي تزورنا في الزنازين.
وكانت الأنوار القوية المسلطة والمضاءة طوال الليل لا تمنعنا من القدرة على النوم فحسب، بل وت*** البعوض الذي يمنعنا من النوم أيضا.
لقد تم تصميم المعسكر بطريقة تهدف إلى زيادة الضغط النفسي على المعتقلين وإضعاف عزائمهم وكسر معنوياتهم، وفوق كل ذلك فقد كان الجنود يتعمدون إزعاجنا وتشغيل مكبرات الصوت العالية لمنعنا من النوم، ولكننا مع الوقت اكتسبنا مناعة ضد كل ما مر ولم نعد نلقي لها بالاً.

((( محققو FBI و CIA )))
بدأ المحققون منذ اليوم الأول في استخدام شتى أساليب الضغط النفسي معنا، فلم يسمح لنا بالوقوف أو المشي أو الانبطاح، ولم يسمح لنا بالحديث مع المعتقلين في الزنازين المجاورة ولا حتى النظر إليهم أو الالتفات لهم إلا بعد مرور خمسة أيام تقريباً من وضعنا في الزنازين، عندها شعرنا بالطمأنينة والراحة النفسية، فبدأنا بالتبسم والسرور النفسي.
وقد أخبرنا المعتقلون الذين أحضروا إلى هذا المعتقل قبلنا، فإنهم لم يسمح لهم بالكلام إلا بعد مرور أسبوعين على اعتقالهم. ولما رأى الجنود هذه الروح العجيبة، كانوا يسألوننا كيف تضحكون وأنتم في هذه الحال، ثم بدؤوا يتشددون في معاملتنا من جديد ويأمروننا بعدم الإكثار من الكلام.
في بداية الأمر كان أمر الاعتقال والسجن شديداً جداً على نفسي، حيث كانت المرة الأولى في حياتي التي أدخل فيها السجن، وكنت أشعر بشيء من التوجس من المجهول، ولكن هذا الخوف والتردد زال بعد ذلك. تم أخذي عدة مرات للتحقيق ولم تختلف الأسئلة عن السابق حيث كانوا يسألونني عن السبب والكيفية التي ذهبت بها إلى أفغانستان، وكنت أجيبهم على قدر السؤال.
وقد تم التحقيق معي من قبل عملاء FBI و CIA، كان المترجم الذي يترجم خلال جلسات التحقيق من أصل عربي واسمه علي. أذكر أن المحققين وعددهم أربعة عندما أخبروني بأنهم من FBI و CIA قلت لهم وما يدريني أنكم كذلك، وطلبت منهم أن يخرجوا هوياتهم لكي أتأكد من الأسماء والصور، فتعجبوا من طلبي ومن ثقتي بنفسي رغم أنني في قبضتهم وبين مخالبهم، وقد استجابوا لطلبي وأخرجوا بطاقاتهم الرسمية. ولأنني كنت موثوق اليدين والرجلين ولم أستطع مسك هوياتهم، قام المترجم علي بإطلاعي على البطاقات الواحدة تلو الأخرى وتعريفي على صاحبها فكنت أتأكد من الاسم والصورة وكان العمل. كان الهدف من التحقيق هو إقناعي بأنني إرهابي مجرم، وأنني قد ارتكبت جرماً عظيماً بحق أمريكا والإنسانية. وكنت أسألهم عن التهمة الرسمية الموجهة إلي، فكانوا لا يجيبون على هذا السؤال بل يقولون بأنني من تنظيم القاعدة ومن أتباع أسامة بن لادن، فقلت لهم أنني لا أعرف القاعدة ولا أسامة بن لادن وأنكم لم قبضوا علي في أفغانستان ولم يكن بحوزتي أي سلاح لحظة القبض علي في باكستان، وكانوا يقولون بأن لديهم أدلة سرية على إدانتي وأنهم لا يستطيعون البوح بها، وأن من واجبي أن أدافع عن نفسي وأن أدفع التهمة الموجهة إلي، فقلت لهم بأنني لا أعرف التهمة بالتحديد وأنكم ترفضون البوح بالأدلة السرية التي تدعون أنكم تملكونها. عند ذلك بدأت بالشد والصراخ عليهم مما اضطرهم إلى إلغاء جلسة الاستجواب وإعادتي إلى الزنزانة.


((( إهانة المصحف منذ الأيام الأولى )))
كانت حوادث إهانة المصحف الشريف تتكرر منذ الأيام الأولى في معتقل غوانتنامو.
وقد وقعت إحدى هذه الحوادث أمامي، حيث كان أحد المعتقلين يضع مصحفه على بطانية، فجاء أحد الجنود وقام بشكل متعمد بحركة استفزازية بهدف إثارة المعتقلين، فسحب البطانية وسقط المصحف على الأرض، فثار المعتقلين وبدؤوا بالصراخ والاحتجاج على هذا التصرف الأهوج، وأخبروه بأن هذا كتاب الله وعليه أن يحترم مشاعر المعتقلين ودينهم، فقال مستهزئاً، هل هذا هو كتابكم المقدس! ثم قام بركل المصحف عدة مرات برجله، فغضب الشباب كثيرا، وطلب مني الإخوة أن أوجه له تحذيرا بألا يكرر هذا الفعل، فتكلمت معه بشدة وغضب، فكان يشتمني ويسبني، فقام الإخوة بالتكبير الجماعي بصوت واحد مرتفع جداً، حتى أصيب السجانون بحالة من الرعب، وبدؤوا يركضون ناحية باب المعسكر طلبا للهرب.

عند ذلك خرج الضباط من مكاتبهم ورؤوا المنظر وما أصاب جنودهم من الرعب وسمعوا أصوات التكبير والضرب على شبك الزنازين فتم استنفار الجنود واستدعيت السيارات العسكرية وتمت محاصرة المعتقل بالأسلحة الثقيلة.
كان الأمر مروعا بالنسبة لهم، ولكن في نفس الوقت ارتفعت الروح المعنوية للشباب عندما اكتشفوا أنهم يملكون السلاح الأقوى وهو سلاح التكبير.
بعد ذلك جاءنا المسئولون ليستفسروا عن سبب الغضب والهيجان، فأخبرناهم بما حدث، وحذرناهم من التمادي في مثل هذا التصرف، فوعدونا بأن هذه الحادثة لن تتكرر وطلبوا منا الهدوء، ولأنني كنت المترجم للإخوة حيث كنت أجيد التحدث باللغة الإنجليزية، ظن الأمريكان بأنني كنت المحرك للشغب والعصيان فقاموا بنقلي من هذا العنبر إلى عنبر آخر.
((( الإضراب عن الطعام دفاعاً عن المصحف )))
لقد تكررت حوادث إهانة المصحف طوال سنوات اعتقالنا رغم الوعود الكثيرة بعدم تكرار هذا الأمر. ومن هذه الحوادث أن الجنود دخلوا زنزانة أحد الإخوة المعتقلين أثناء تأديته الصلاة وقاموا بضربه دون مبرر، ثم دخلوا زنزانة أخ آخر بحجة التفتيش وكان الأخ في تلك الأثناء قد أخذ للتحقيق، وقاموا برمي المصحف وإهانته، وكان سبب هذه التصرفات أنهم أرادوا تحطيم معنويات الشباب. فانتشر الخبر بين المعتقلين في جميع العنابر، وقمنا بالاحتجاج الشديد والصراخ والتكبير والضرب على شبك الزنازين، وحاول الجنود والمسئولون جاهدين تهدئة الوضع ووعدوا بعدم تكرار الحادثة، إلا أن الإخوة لم يقبلوا اعتذارهم حيث لم تمض على الحادثة الأولى سوى أيام قلائل. ثم جاء أحد الجنرالات ومر على الزنازين وطلب من الإخوة الهدوء ووعدهم بالتحقيق في الأمر وعدم تكراره، إلا أن الإخوة لم يقبلوا الاعتذار من الجنرال، ثم تشاورنا وقررنا الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجا على إهانة كتاب الله الكريم.
كانت كمية الطعام في كل وجبة لا تزيد عن كأس سعة مائة ملليجرام، ورغم ذلك فلم نكن نشعر بشدة الجوع بل كنا نشعر بأن الطعام يكفينا لأن الله يبارك فيه. كانت الوجبات المقدمة عبارة عن خبزة واحدة أو توست مع بيضة مسلوقة وكأس من الحليب في الفطور، وأما الغداء فكان قليلا من الكورن فليكس وبسكويت وعلبة زبيب وكمية قليلة من المكرونة، وأما العشاء فكان كمية قليلة جدا من الرز أو اللوبيا، ثم غيروا وجبة الغداء إلى الوجبة العسكرية الجاهزة. وقد اكتشفنا بأنهم كانوا يقدمون لنا الوجبات المنتهية الصلاحية والتي كانت في طريقها للإتلاف، وقد كان بعض المعتقلين يشكون من آلام ومغص في المعدة بسبب هذه الأطعمة التي لم نكن نعلم أنها منتهية حتى أخبرنا عنها بعض الجنود الذين تعجبوا بأننا ما زلنا أحياءً وأننا لم نمت بعد، فلما سألناهم عن السبب أخبرونا بأن ما يقدم لنا من طعام منتهي الصلاحية، وقد استمر الحال ونحن نتناول الوجبات المنتهية الصلاحية أكثر من ستة أشهر، ولما علمنا بذلك امتنعنا عن تناول هذه الوجبات، مما اضطرهم إلى التوقف عن تغذيتنا بالوجبات المنتهية الصلاحية. شارك في بداية الإضراب حوالي مائتا أخ، فشق هذا الإضراب على الأمريكان أكثر من المشقة التي كنا نشعر بها، فقد كنا نتلذذ بالذود عن كتاب الله بهذه الطريقة، ولم تكن لدينا وسيلة سوى الإعلان عن احتجاجنا ورفضنا للطعام والشراب. عندما بدأنا الإضراب عن الطعام رداً على التعدي المتكرر على المصحف، جاءنا الضباط عدة مرات وطلبوا منا إنهاء الإضراب، ولما رؤوا إصرارنا على مواصلة الإضراب، جاءنا الجنرال المسئول عن المعتقل وكان يجثو على ركبته أمام الزنازين مناشداً المعتقلين إنهاء الإضراب، وكان يغرينا بتحسين الوجبات وتقديم الدجاج والسمك والشاي في مقابل أن يهدأ الشباب ويفكوا الإضراب، ولكننا لم نعره أي اهتمام.
واستمر الإضراب وعدم التجاوب لمناشداتهم مدة أسبوع، ثم قامت إدارة المعتقل كبادرة حسن نية بتعليق الكمامات التي توضع على الأنف في جميع الزنازين لوضع المصاحف فيها، ومنعت الجنود من لمس المصاحف منعاً باتاً. فتجاوب عدد من المضربين وأنهوا إضرابهم عن الطعام، ورفض آخرون الاستجابة لهم. وبدأ عدد المضربين يتناقص حتى وصل إلى حوالي التسعين، وأما أنا فقد استمررت في الإضراب قرابة الثمانية أيام. بقي حوالي أربعة أفراد لم يفكوا الإضراب حتى قرابة الشهر ثم بقي شخصان على إضرابهم قرابة الخمسين يوماً، ثم بقي واحد من الإخوة على إضرابه عن الطعام حتى أكمل التسعين يوماً، وقد تمت تغذية المعتقلين بواسطة السيلان عن طريق الوريد وأما الذين ساءت حالتهم فقد تمت تغذيتهم عن طريق السوائل والمغذيات بوضع الأنابيب في أنوفهم. وقد مارس السجانون التعذيب على المعتقلين حتى وهم في هذه الحالة الصعبة، فرغم الحالة الصحية التي وصل إليها المضربون والضعف الجسدي الشديد، إلا أن الأطباء لم يرحموهم، فقد كانوا يغرسون أبر التغذية في أيديهم بكل قسوة وغلظة عدة مرات حتى أن الإخوة كانوا يصرخون من شدة الألم وكان الأطباء يكذبون ويعتذرون بأنهم لم يجدوا الوريد بسهولة. بعد ذلك بدأت إدارة السجن في تحسين نوعية الطعام وكميته، وقدموا لنا الدجاج والسمك واللحم ولكن بكميات قليلة جداً.
كان لحادثة الإضراب فوائد ودروس كثيرة فقد أيقنا أن الله قد أعزنا عندما أعززنا كتابه، وأن عزتنا كانت مرتبطة تماما بعزة القرآن الكريم، وقد استفدنا من هذه الحادثة في التعامل مع إدارة المعتقل وفي التعاطي مع القضايا التي تمر بنا خلال فترات الاعتقال. وقد أيقنا أننا نحن الأعزة وإن كنا في هذه الزنازين، وأنهم هم الأذلة وإن كانوا يلبسون الملابس العسكرية ويتدججون بأحدث الأسلحة. وكنا بعد هذه الحادثة لا نقبل الدنية في ديننا، حيث كنا قبل هذه الحادثة لا يسمح لنا بالصلاة وقوفاً، ولا بالجهر في الصلاة، ولا برفع الصوت في قراءة القرآن، ولا بالتحدث مع المعتقلين في الزنازين المجاورة، أما بعد الحادثة وما تلاها من الإضراب، فقد كان الجنود يطلبون منا الجلوس أو خفض الصوت ولكننا كنا نطردهم ونقسو عليهم، بل وكنا نصلي الصلوات جماعة كل في زنزانته، وكان الجنود يتحاشون التعرض لنا واستفزازنا خشية التمرد والإضراب. وكنا بعد تلك الحادثة نقيم شعائرنا الدينية بكل حرية، ولم يكن أحد منهم يجرؤ على التعرض لديننا خوفاً من الإضراب والتمرد والتعنيف الذي سيناله الجنود من المعتقلين مما يضطره بعد ذلك إلى الهرب والبقاء بعيداً عن الزنازين. وأسأل الله أن يؤجر جميع الإخوة على غيرتهم ودفاعهم عن كتاب الله.


((( ممارسة الرياضة )))
كانت إدارة السجن لا تسمح للمعتقل بممارسة رياضة المشي، وقد تم تحديد مدة الرياضة خلال السنتين أو الثلاث الأولى بحوالي ربع ساعة مرتين في الأسبوع ، ثم في السنة الثالثة أصبح مجموع الفترة التي منحوها لنا للمشي هي ثلاث مرات كل أسبوع ولمدة ثلث ساعة في كل مرة. ومنحونا فترة خمس دقائق للاستحمام بعد كل فترة مشي. كانت ممارسة الرياضة جزءاً من العذاب أكثر منها متعة وتنفيساً، فقد كان المعتقل إذا طلب منحه فترة لممارسة المشي، كان الجنود يشدون عليه أكثر، ويقيدون يده أثناء المشي، ويطلبون منه أن ينكس رأسه، لذا فقد كنت لا أرغب بالخروج للرياضة إلا نادراً، وكان معظم الإخوة كذلك لا يطلبون الخروج للرياضة، وأما بعض الذين كانوا يخرجون للمشي فقد كان مقصدهم رؤية باقي المعتقلين من العنابر الأخرى والسلام عليهم.
((( الخدمات الطبية )))
كانت الخدمات الطبية المقدمة للمعتقلين في غاية السوء، بل إن الأطباء كانوا يشكلون جزءاً من فريق التعذيب.
لقد كان بعض الإخوة يصابون بالأمراض والآلام الشديدة فيطلبون تحويلهم إلى العيادة التابعة للمعتقل، ولكن طلبهم كان يقابل بالرفض دائماً، فإذا ما أصر المريض على زيارة العيادة، كان لا يلقى العناية الطبية ولا التشخيص الجاد ولا الدواء المناسب، بل إن بعض المعتقلين تضرروا من العلاج الذي قدمه لهم الأطباء.
وقد يكون الهدف هو تطفيش المريض وجعله يتجنب طلب زيارة العيادة، وبالفعل فقد كان المعتقلون يتحاشون زيارة العيادة أو طلب رؤية الأطباء قدر المستطاع لانعدام الثقة والأمان منهم. كما أن الأمريكان قد أرادوا أن يجعلوا من المعتقلين حقل تجارب يجربون علينا العقاقير الجديدة قبل بيعها في الأسواق. ومن المؤكد أن الأطباء كانوا يقدمون لنا بعض الأدوية المنتهية الصلاحية. كان الأطباء جزارين كذابين، حيث كانوا يحاولون إقناع بعض الإخوة الجرحى والمصابين بجروح في أرجلهم وأيديهم بأن من الأفضل بتر أطرافهم حتى لا تصاب بالغرغرينا، لكن الإخوة كانوا يرفضون ذلك رفضاً قاطعاً.
وقد كان الأطباء النفسيون يحاولون إيهام المعتقلين بأنهم في وضع نفسي خطير وأنهم ينصحونهم بتناول بعض العقاقير المهدأة، إلا أننا كنا نرفض الموافقة على تناولها.
كان الأمريكيون مجرمون بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان، فقد كانوا يتفننون في أساليب التعذيب النفسي والجسدي، ولولا فضل الله علينا وحفظه لنا، لكنا في عداد الأموات، أو ربما أصابنا الجنون والأمراض النفسية والعصبية.


3/4

((( مسيلمة الكذاب في غوانتنامو )))


كان في المعتقل مرشد ديني بنغالي الأصل اسمه سيف وهو ضابط برتبة نقيب، وكان يقول لنا أنه أخونا في الإسلام، وأنه يريد مساعدتنا، وأن الإفراج عنا قد أصبح قريباً جداً. وكنا نقول له أنه أشبه بمسيلمة الكذاب، وأنه يجب أن يخجل من نفسه بعمله مع الكفار الذين يعذبون من يدّعي أنهم إخوانه. كان هذا المسيلمة وبعض المترجمين العرب ممن كانوا يعملون مع المحققين يشيعون بين المعتقلين بأن الإفراج عنهم قد أصبح قريباً، وكان بعض الإخوة يتناقلون هذه الإشاعات رغبة في رفع المعنويات، وكنا نحذرهم من تصديق هذه الأقاويل لأنهم إنما يهدفون إلى تهدئتنا بهذه الإشاعات، وأننا لم نر من الأمريكان خيرا ولا صدقاً منذ وقعنا في أسرهم، فلماذا يصدقون معنا هذه المرة.


((( بداية التململ في معسكر
X-RAY )))
بدأ الشباب يتململون من طول البقاء في هذا المعسكر الرهيب وعدم معرفة المصير الذي ينتظرنا.
فلم تكن الأمور واضحة ولم تكن تلوح في الأفق نهاية لهذا الكابوس. وبدأنا في التمرد وإزعاج الجنود والسؤال عن مصيرنا، وكنا نقول لهم إن كانت عندكم تهماً محددة ضدنا قدمونا للمحاكمة، وإلا فأطلقوا سراحنا. فكان الضباط والجنود يأتون لنا ويطمئنوننا بأن المحاكمات قريبة وأن من لم تثبت عليه تهمة الانتماء لتنظيم القاعدة سيفرج عنه قريباً، وأن الكونجرس الأمريكي قد بدأ في مناقشة ظروف الاعتقال وسن القوانين المتعلقة بنا.

((( من معسكر
X-RAY إلى معسكر دلتا )))
بعد انقضاء أربعة أشهر من الاعتقال في معسكر X-RAY ، بدأ الجنود يتعاملون معنا بلطف وتهدئة، وكانوا يتجنبون استفزازنا، وعرفنا بعد ذلك أن الأمريكان كانوا يجهزون لنا معتقلا جديداً، لأنهم اكتشفوا أن تصميم الزنازين في معسكر X-RAY غير آمن، وأن الشبك المستخدم في بناء الزنازين لم يكن قوياً بما فيه الكفاية، فكانوا يخافون من أن يتمرد المعتقلون ويقوموا بفك الشبك وتحصل مواجهة بين المعتقلين والجنود، لذا فقد تم تصميم معسكر آخر وهو معسكر دلتا حيث تلافوا العيوب في المعسكر السابق، وكان هذا المعسكر أكثر إحكاما وشدة. وقد قضينا باقي فترة الاعتقال في معتقل غوانتنامو في معسكر دلتا، وكانت مدتها قرابة الثلاث سنوات وسبعة أشهر.

((( تصميم الزنازين في المعسكر دلتا )))
كانت الزنزانة في معسكر دلتا مصنوعة من نوع مزعج من الشبك، لأن الفتحات كانت صغيرة وحلزونية الشكل وذات مقاس بوصة مربعة واحدة فقط، فكان يتعب الرائي من داخل الزنزانة إلى الخارج.
كانت مساحة الزنزانة مترين في متر وثمانين سنتيمتر، وكان بالزنزانة سرير حديدي مرتفع عن الأرض قرابة المتر، ويوجد في نهاية الزنزانة مرحاض أرضي ومغسلة صغيرة بها حنفية، والمساحة المتاحة للحركة داخل الزنزانة لا تتعدى متراً مربعاً واحداً تقريباً.
لقد صمم المعسكر دلتا بطريقة تهدف إلى كسر معنوياتنا حيث أن المعسكر يدار من قبل أطباء نفسانيين متخصصين في أساليب التعذيب النفسي التي قد تؤدي بالمعتقلين إلى الانهيار العصبي أو الجنون.
كان الوضع في المعسكر دلتا أكثر سوءاً من معسكر X-RAY.
ان المعسكر مطوقاً بأسلاك شائكة متعددة، وكانت هناك قرابة ستة حواجز أمنية بها حراسات من الأبراج وحراسات بين كل طوق من الشبك وحراسات خارجية وكاميرات مراقبة. كان المعسكر محكماً وشديداً جداً. كانت الإضاءة قوية جدا في المعتقل، وكانت الأنوار موجهة لكل زنزانة على حدة، ورغم أن المعسكر كان مشيّدا على ساحل البحر إلا أننا كنا محرومين من رؤية البحر لأن إدارة السجن قد وضعت سواتر على السياج الخارجي للسجن وذلك لمنعنا من النظر إلى الخارج.
بدأ الجنود يشدون علينا من جديد في محاولة منهم لاستعادة جزء من هيبتهم التي فقدوها في الفترة الماضية، ورغبة منهم في معاقبة المعتقلين على ما قاموا به من تمرد واحتجاجات. ولكنهم لم يفلحوا في هذه المرة كذلك، حيث أننا قد تخطينا مرحلة الخوف من الجنود والعقاب منذ التجارب التي مرت بنا في معسكر X-RAY.
وبدأ الجنود كذلك يتمادون في الاستهزاء بالشعائر الدينية والاعتداء على المصحف، فعاد الإخوة للتمرد والاحتجاج. كانت الإدارة تمنعنا من معرفة الوقت والتاريخ ودخول المواسم الدينية كرمضان والعيد وبداية العام وغيرها، لذلك فقد كنا نعتمد على أنفسنا في تحديد مواقيت الصلاة ودخول الأشهر وحلول المواسم الدينية، وكنا نوفق ولله الحمد إلى ذلك بصورة شبه دقيقة. وقد كانت إدارة السجن تتعمد افتعال المشاكل معنا، فكانوا على سبيل المثال يجعلون المجندات من النساء يتجمعن في أماكن اغتسال المعتقلين من أجل استفزازهم، فكان المعتقلون يرفضون الخروج للاغتسال احتجاجا على تواجد النساء. كما كانت المجندات يرافقن المعتقلين عندما يخرجون لممارسة رياضة المشي، فأضربنا عن الرياضة كذلك. واستمر الإضراب لفترة من الوقت وقمنا بالاحتجاج على هذه الممارسات السخيفة، حتى اضطرت الإدارة للانصياع لمطالبنا ومنع المجندات من القيام بهذه الأعمال.


((( من السجان؟ ومن المسجون؟ )))
كان الجنود يقضون نهارهم وليلهم في اللهو ومعاقرة الخمر والنساء والرقص والملذات التي يظنون أنها ستخفف عنهم ما يقاسون من ضغط نفسي، فقد كانوا في حكم المنفيين مثلنا تماما أو أكثر. فلقد ترك الجنود بيوتهم وديارهم وأسرهم إلى هذا المكان النائي، وواجهوا ظرفا لم يكونوا يتوقعونه من قسوة الحياة وصعوبة التعامل معنا، لذا فقد كانوا يعدون الأيام والليالي للعودة إلى بيوتهم لأن الوقت يمر عليهم ببطء شديد. كان الجنود يمارسون أساليب الضغط المختلفة علينا كجزء من برنامج الترفيه النفسي، ففي الوقت الذي كانوا يشعرون بكل هذا العذاب، كانوا يشاهدون المعتقلين وهم في أحسن حال يصلّون ويقرؤون القرآن ويضحكون وينشدون ويقيمون البرامج الترفيهية ويحتفلون بالمناسبات الإسلامية كالأعياد.
وعندما يبدأ الإخوة في التمرد والصراخ والضرب على الشبك كان الجنود يفرون كالمجانين أو كالفريسة التي تفر من الوحش الكاسر، فألقى الله الرعب في قلوبهم من أناس مأسورين في الزنازين ولا حول لهم ولا قوة لهم.

أدى كل هذا إلى رد فعل عكسي على الجنود، وأصبحنا كأننا نحن السجانين وهم المساجين، رغم ما كان يقدم لهم من تسهيلات وتسلية للتخفيف عنهم مما يمرون به، ولكن السر الذي لم يكونوا يستوعبونه ولا يستطيعون فهمه هو أننا في معيّة الله وهم في معيّة الشيطان. تحول الوضع مع الزمن إلى تجلد وقوة وهمة عالية للمعتقلين، وأمراض نفسية واكتئاب وتعب شديد للجنود، وبدؤوا ينهارون ويبكون ويأتون إلى بعض الإخوة عند الزنازين يشتكون من إدارة السجن، وكانوا يقولون بأنهم يتمنون الموت من سوء الوضع النفسي الذي يمرون به وأنهم نادمون لموافقتهم على العمل في هذا المعسكر.

كان الجنود يدّعون بأن إدارة السجن تفرض عليهم التعامل معنا بهذا الأسلوب، وكان بعضهم يحاول أن يتجنب التصادم مع المعتقلين واستفزازهم. وكان رئيس النوبة عندما يأتي لاستلام نوبة العمل، يأتي إلى المعتقلين يرجوهم أن يكونوا هادئين خلال فترة نوبته في مقابل أن يقدم لهم كل عون ومساعدة لأي طلب يريدونه من زيادة كمية الطعام وإطفاء الأنوار أثناء النوم، وإعادة الأغراض الشخصية للمعتقلين الذين عوقبوا بمصادرتها كالفرش وغيره.
وقد أدى هذا الموقف إلى رفع معنويات الإخوة المعتقلين لأن ***** قد انقلب على الساحر وأن الله قد أذل أعداءه وثبّت أولياءه. وبدلاً من أن يتعب الإخوة وينهاروا فإن الجنود هم الذين تعبوا وانهاروا فعلاً. وكنا نذكّر بعضنا بعضاً بأن هذا كله من فضل الله وحده وليس بسبب قوتنا وتحملنا، ولا شك بأن التزام الإخوة بأداء الصلوات المكتوبات والسنن وقيام الليل وصيام النوافل والالتزام بالأذكار في أوقات الصباح والمساء والمداومة على قراءة القرآن وحفظه، كان له أكبر الأثر في تثبيتنا على مبادئنا الإسلامية.

((( مدير السجن الجديد يهودي )))
في أكتوبر 2002م تم تغيير مدير السجن إلى الجنرال اليهودي هود ميللر الذي جاء بكل غطرسة وتجبر وكانت لديه أجندة خاصة لإجبارنا على الانصياع إلى أوامره، ولكن المعتقلين قابلوا هذا الجنرال بمزيد من العناد والتصلب وعدم التنازل أو الرضوخ إلى مطالبه. وعادت الأساليب الرخيصة من الاستهزاء بالدين والشد على المعتقلين واستفزازهم، وكنا نرد عليهم بالرش بالماء والقاذورات من خلف الزنازين ورفع الصوت عليهم والتكبير، وهكذا كنا في كر وفر معهم، هم في الفضاء الفسيح ولكن أرواحهم مهزومة، ونحن في الزنازين الضيقة ولكن أرواحنا محلقة في الأعالي.

((( الزنازين الانفرادية )))

الزنزانة الانفرادية عبارة عن سجن من الحديد المصمت وهي محكمة الإغلاق من جميع الجهات ولا يوجد بها نوافذ. ويوجد بالزنزانة سرير حديدي ومغسلة ومرحاض، بالباب الحديدي للزنزانة فتحة صغيرة عليها شبك وفتحة أخرى لإدخال الطعام وكلا الفتحتين مغلقتين معظم الوقت، أبعاد الزنزانة مترين في متر وثمانين سنتيمتراً.
فإذا ما نقّصنا المساحة التي يوضع بها السرير والمغسلة فإن المساحة المتبقية للمعتقل في الزنزانة الانفرادية للمشي والحركة والصلاة عبارة عن متر مربع واحد فقط. وأما فعبارة عن مكيف، فإذا ما أرادوا مضايقة المعتقل فإنهم يرفعون درجة البرودة بالزنزانة لتصبح كالثلاجة أو كالفريزر، فتتجمد جدران الزنازين الحديدية حتى أن راحة اليد قد تلتصق بالجدران من شدة البرودة، أو يقومون بإغلاق المكيف لتصبح الزنزانة كالتنور من شدة الحرارة.

((( محاولات الانتحار )))

انت إدارة السجن تشيع بأن بعض المعتقلين قد حاول الانتحار وكانت تسرب هذه الإشاعات للخارج، وقد تكون لهذه الإشاعات مآرب متعددة منها كسر معنويات الإخوة ورفع معنويات الجنود، ومنها تشويه سمعة المعتقلين وأنهم لم يعودوا قادرين على الصمود والصبر، ومنها وهو الأهم أن أي معتقل يموت تحت التعذيب سيقولون بأنه قد حاول الانتحار عدة مرات، وأنهم فشلوا هذه المرة في إنقاذ حياته. والحقيقة أنه لم يحاول أي من المعتقلين الانتحار ولم يفكر حتى بذلك، فكيف يعكف المعتقل على حفظ كتاب الله، بل إن غالبية المعتقلين أتم حفظ كتاب الله في المعتقل، مما يدل على الهمة العالية عند المعتقلين، ثم يقدم على الانتحار وهو يعلم أن المنتحر جزاؤه الخلود في النار. وعلى العكس فقد كان الأطباء يعالجون مرضاهم النفسيين من الجنود الأمريكان ويقدمون لهم العقاقير المهدأة، وكانوا يحاولون جاهدين إقناعهم بالعدول عن فكرة الانتحار، وبالفعل فقد أقدم العديد من الجنود على الانتحار ونجح بعضهم في ذلك.

((( إرجاع المصاحف إلى إدارة السجن )))

بعد تكرر حوادث إهانة المصحف تيقنا بأن إهانة المصحف تأتي ضمن برنامج مخطط وليس بسبب تصرفات فردية من بعض الجنود. ومما يؤكد ذلك قيام المحققين بمعاقبة بعض المعتقلين عندما لا يتجاوبون معهم بسحب المصاحف منهم من قبيل الضغط علينا لكي نتجاوب ونرضخ. وكنا نرفض استخدام كتاب الله كوسيلة من وسائل التعذيب والضغط النفسي على المعتقلين. ورغم أن المصحف كان عزاؤنا وملاذنا وسندنا، إلا أننا تشاورنا وقررنا إرجاع جميع المصاحف إلى إدارة السجن احتجاجا على هذا التصرف. ولما رأت الإدارة بأن جميع المعتقلين متفقون على إرجاع المصاحف، رفضت استلام المصاحف وبدأت في السؤال عن السبب، فأخبرناهم بأن القرآن كتاب الله وهو دستور المسلمين وأننا أحرار في قبول المصاحف أو إرجاعها، ولكن إدارة السجن رفضت سحب المصاحف بل وأرسلت قوات الشغب لإدخال المصاحف علينا بالقوة، وقاموا برش مادة خانقة ومخدرة علينا أثناء دخولهم علينا في الزنازين ولكننا أصررنا على إعادة المصاحف حفاظا عليها من تصرفات الجنود الأوباش.

((( الدور المشبوه للصليب الأحمر )))
كان الصليب الأحمر يشارك في الجريمة التي يتعرض لها الإخوة، وفي تلفيق الأكاذيب ضدنا. وكان موظفو الصليب الأحمر يعينون الجنود أثناء التحقيق باستدراج المعتقلين نفسيا للبوح ببعض المعلومات التي لا يتمكن المحققون من الحصول عليها من المعتقلين أثناء التحقيق. وقد ينخدع المعتقل في بعض الأحيان بأن الصليب الأحمر قد جاء لمساعدته ومن ثم يعطيه بعض المعلومات التي يقوم رجال الصليب الأحمر بنقلها للمحققين.
كنا نشكو للصليب الأحمر بأن الماء الذي نشربه في الزنازين كان ملوثا، وكانوا ينفون ذلك بشدة ويدعون أن الماء نقي وصحي، فكنا نطلب منهم أن يشربوا منه ليثبتوا لنا أنهم صادقين، فيرفضون الشرب منه.
كان موظفو الصليب الأحمر يكذبون علينا ويعطوننا الوعود والآمال عن قرب الإفراج عنا إذا ما تعاونا مع المحققين.
لذلك فقد كنا متيقنين بأن هؤلاء يحملون من الحقد على العرب والمسلمين بنفس القدر الذي يحمله ضدنا الجنود الأمريكيون، مما يؤكد أن الصليب الأحمر كان يقوم بدور مشبوه في المعتقل.


((( التحقيق المتقطع )))
لم يكن التحقيق مع المعتقلين يتم بشكل منتظم وإنما كان يتم بشكل متقطع وفي فترات متباعدة، وأما بالنسبة لي فلم تتجاوز عدد مرات التحقيق معي طوال الأربع سنوات ثمانية عشر مرة. كان التحقيق منصبا على السؤال عني وعن وضعي في السجن وأسئلة عن بلدي وعن الوضع السياسي في البحرين والجماعات والتنظيمات السياسية فيها وعلاقتي بهذه التنظيمات.
كانوا يعرضون علي صوراً لأشخاص من البحرين ومن خارج البحرين ولكنني كنت أغمض عيني وأبدأ في قراءة القرآن بصوت عالٍ من باب الرفض لسماع الأسماء ورؤية الصور، وكانوا يقولون لي بأن من مصلحتي التعاون معهم لأن ذلك سيعجل بإطلاق سراحي، فكنت أقول لهم بأنهم يسألون عن أمور لا علاقة لي بها وأنهم اعتقلوني بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة والقتال في أفغانستان، فإن كان لديهم أية أسئلة تتعلق بهذه الموضوعات سأجيب عنها.
لكنهم لم يسألوني قط عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولا عن أحداث أفغانستان أو الحرب على ما يسمونه بالإرهاب.

((( وسائل التعذيب )))

إن وسائل التعذيب التي تمارس ضد المعتقلين كانت متنوعة ومتجددة بشكل دائم، وقد استخدموا أساليب قاسية جداً، منها الضرب المبرح والتقييد إلى الأرض بشكل مسمر لمدة ثماني وأربعين ساعة مع المنع من أداء الصلاة والذهاب إلى الحمام وعدم تقديم الطعام والشراب، ومنها تقييد الرجلين إلى اليدين من الخلف بشكل مؤلم، والتحرش الجنسي من قبل المجندات وتعري المجندات أمام المعتقلين وتلويث أجسادهم بدم الحيض، كما كانوا يهددون المعتقلين بالاعتداء عليهم جنسياً، وكانوا يقومون بإدخال قوات الشغب إلى غرف التحقيق لإرعاب المعتقلين وضربهم، وكانوا يقومون بتشغيل الموسيقى الصاخبة في الليل والنهار على المعتقل أثناء التحقيق معه مع تسليط الأنوار العالية على أعينهم طوال الليل لمنعه من النوم، فإذا ما أغلق عينيه رشوا عليه مادة حارقة في الأنف لإرغامه على فتحهما.
وكانوا يضعون المعتقلين في الزنزانة الانفرادية لفترات طويلة.
وقد وضعوني في السجن الانفرادي مدة شهر كامل، ووضع غيري من الإخوة لمدة تصل إلى ستة أشهر أحياناً وتحت درجات حرارة عالية أو منخفضة، وكانوا يهددوننا بإدخال الكلاب علينا في الزنزانة، وقاموا بمصادرة الفرش وقطعة البلاستيك الرقيقة المفروشة على أرضية الزنزانة لمدة تزيد على الشهر مما يضطر المعتقل للنوم على الخرسانة.
كانت إدارة السجن تتلاعب بالطعام المقدم لنا بحيث تخلط الأرز المطبوخ بأرز غير مطبوخ، أو تخلط الخضروات السليمة بخضروات فاسدة عفنة تفوح منها رائحة كريهة.
وكانوا يزعجوننا أثناء أداء الصلوات بتعمد رفع الصوت وافتعال الإزعاج حتى يشوشوا علينا في الصلاة. وكانوا يغسلون العنابر ويكنسونها في أوقات النوم لمنعنا من النوم، ولكننا ولله الحمد كنا نتأقلم مع الظروف المتجددة.
لقد استخدم المحققون معنا جميع أساليب الترغيب والإغراء، فقد كانوا يمنوننا بإعطائنا الأموال والعودة إلى بلادنا مع توفير متع الحياة الغربية وتم إغراؤنا بالنساء وهم من يدعي حفظ حقوق المرأة والدفاع عن كرامتها، ووعدونا بمنحنا الجنسية الأمريكية إذا قدمنا لهم المعلومات والأدلة التي تدين بعضنا البعض أو تفيدهم فيما يسمونه الحرب على الإرهاب.
ومن أساليب التعذيب النفسي أن يقوم الجنود بإخبار المعتقل بأنه سيفرج عنه ويعطونه ملابس عادية ليلبسها ويأخذونه إلى الطائرة، وعند باب الطائرة يقولون له أنه قد حصل لبس في الأسماء ثم يعيدونه إلى الزنزانة.
ولكننا لم نرضخ لوسائل الترغيب والترهيب. وكانت تصرفات الجنود في نظرنا أقرب إلى تصرفات الأطفال أو المخبولين، وأيقنا بأنهم ليست عندهم مروءة ولا رجولة وأنهم لا يفهمون شرف الجندي الحقيقي، وأيقنا كذلك أنهم جبناء إلى درجة لم نكن نتصورها.

((( البرنامج اليومي من الصباح وحتى المساء )))

شجع المعتقلون بعضهم بعضا على تنظيم الوقت واستغلاله الاستغلال الأمثل لما في ذلك من رفع للمعنويات وطرد للهموم ووساوس الشطان.
فكان البرنامج اليومي حافلاً بالفقرات، فيبدأ بصلاة الفجر ثم الأذكار والتسبيح حتى الشروق ثم نصلي صلاة الضحى حتى وقت الإفطار، ومن بعد الإفطار يبدأ برنامج حفظ القرآن والتلاوة والمراجعة والتسميع.
ثم نقوم بمزاولة بعض التمارين الرياضية في المساحة المتاحة لنا داخل الزنزانة، ثم تبدأ فقرة التواصل والدردشة بين المعتقلين حتى وقت صلاة الظهر ثم الغداء ثم القيلولة وأخذ قسط من الراحة حتى وقت صلاة العصر.
ومن بعد صلاة العصر يبدأ البرنامج الرياضي والثقافي حيث نقوم بحفظ بعض الأحاديث النبوية والأشعار والأقوال، ثم نبدأ بتلاوة أذكار المساء المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم حتى وقت صلاة المغرب.
ومن بعد الصلاة تبدأ البرامج العامة في كل عنبر كالنشيد الجماعي والاستماع إلى الكلمات والمواعظ والدروس الفقهية وغيرها من العلوم الشرعية التي يقدمها بعض طلبة العلم حتى صلاة العشاء.
وبعد الصلاة تبدأ فترة الهدوء والاستعداد للنوم حتى نقوى على قيام الليل قبل صلاة الفجر. وكان بعض المعتقلين يتسامرون بعد صلاة العشاء لفترة وجيزة ويتحدثون عن مشاريعهم المستقبلية بعد الخروج من المعتقل، فلم يكن هناك مكان لليأس في قلوب المعتقلين، بل كان الجميع على ثقة ويقين بأن السجن وإن طال فإن الله لن ينسانا، ولا بد من بصيص نور في نهاية النفق المظلم. وقد كان هذا البرنامج الحافل والجلسات الجانبية مع الإخوة جميلاً ومفيداً ورافعاً للروح المعنوية لنا جميعاً.


((( المحامين )))
استلمت رسالة من أحد مكاتب المحاماة الأمريكية تعرف بالمكتب والأنشطة القانونية التي يقومون بها، وأنهم يودون تمثيلنا والترافع لصالحنا أمام المحاكم الأمريكية بشكل تطوعي، وقد أخبروني بأنهم سيرسلون لي اثنين من المحامين التابعين لهم للتعريف أكثر بالمكتب ولأخذ موافقتي الرسمية على الترافع عني وتدوين إفادتي عن كيفية الاعتقال والتهم الموجهة لي من قبل المحققين الأمريكيين.
وفعلا فقد قام اثنان من المحامين بزيارتي في المعتقل في سبتمبر 2004م. وعندما جاء المحاميان عرفوني بأنفسهم وأكدوا التعريف بالمهمة التي حضروا من أجلها، ثم ذكروا لي أنهم يودون التحدث معي بإسهاب عن قضيتي حتى يتسنى لهم الدفاع عني.
فقلت لهم بأنني أود الاطلاع على ما يثبت أنهما المحاميان اللذان ورد اسماهما في الرسالة فأخرجا لي بطاقة التعريف، فقلت لهم بأنني أود أن أرى أي بطاقة رسمية أو جواز سفر أو رخصة السياقة للتحقق أكثر من هوياتهم، فأخرجا لي بطاقاتهما، ولما تيقنت أنهما المحاميان المعنيان وافقت على بدء التعامل معهما وأخبرتهما عن قصتي باختصار من يوم دخولي أفغانستان وحتى ساعة اعتقالي.
تكررت زيارة المحامين لي خمس مرات خلال فترة الاعتقال الأولى في عام 2004 والزيارات الأربع التالية في عام 2005. وكان المحامون في تلك الزيارات يخبرونني بتطورات سير القضية في المحاكم الأمريكية، وأنهم متفائلون بكسب القضية لصالحنا، وأن قضيتي قد عرضت على المحكمة الأمريكية الأولى وانتهت لصالحي، وأنهم ينتظرون نتيجة القضية في المحكمة المتوسطة.

كان المحامون مؤدبين ومحترمين وكانوا يودون خدمتنا وتوصيل ما نرغب من أخبار شفهية لأهلنا حيث لم يكن يسمح لهم بإحضار أية أشياء لنا من كتب أو ملابس أو رسائل من أهلنا، كما كانوا يقولون بأن إدارة المعتقل تفرض على المحامين أن يفصحوا لهم عن أي قضايا تدور أو تناقش بينهم وبين المعتقلين.
كما أخبرنا المحامون بأن هناك حقوق مقررة لنا كمعتقلين ولكن إدارة المعتقل تحرمنا من معرفتها، بل وتحاول أن تضيق على المحامين حتى يتركوا القضية.
كنت أخشى أن يكون هذان المحاميان من عملاء مكتب التحقيقات وأنهما يقومان بتمثيل دور المحامي، حيث لم يكن من السهل أن أثق بأي أحد من الأمريكان بعد المعاناة التي عشتها في قبضتهم طوال هذه السنوات.
كما كنت أجزم في فترة من الفترات أن مسألة المحامين هي جزء من المسرحية الإعلامية التي تمارسها الإدارة الأمريكية على المجتمع الدولي سواء بعلمهم أو بدون علمهم بغرض تخفيف الضغط الذي تتعرض له الإدارة الأمريكية، وكنت أخبر المحامين بهذا الشعور الذي ينتابني، فكانوا ينفون بشدة هذه الظنون ويقولون بأنهم يدافعون برغبة صادقة من المكتب ومنهم شخصيا.

4/4
((( قصة العودة )))
قبل أسبوعين من الإفراج عني أراد الجنود أخذي للفحص الطبي وذلك لأول مرة منذ أن أودعت المعتقل، وأخبروني بأنها زيارة روتينية وأن الطبيب يرغب في فحصي، ولكنني رفضت الذهاب لأنني لم أكن أشكو من أي مرض، ولأنني طلبت الذهاب إلى الطبيب مرارا بسبب اعتداء قوات الشغب علي وإصابتي بآلام شديدة في رجلي ، كما اشتكيت سابقا من آلام في الأذن وطلبت زيارة الطبيب ولكنهم لم يستجيبوا لطلبي، وأنا الآن لم أطلب زيارة الطبيب ولم أشتكي من أي مرض وهم يلحون علي بضرورة مراجعة المريض، وقالوا بأن الطبيب يريد فحص أذنك لأنك كنت تشتكي من الألم وذلك رغم مرور أكثر من شهر على طلبي زيارة العيادة، وقد خف الألم فلم يكن هناك داع لزيارة الطبيب.
ثم جاء أحد الضباط الأطباء إلى الزنزانة وطلب مني أن أرافقه للعيادة.
وبعد رفض متكرر، وافقت على الذهاب معهم، فأخذني الجنود إلى العيادة، وبدؤوا بفحص جسمي للتأكد من عدم وجود آثار للجروح أو الإصابة جراء التعذيب، ثم سألوني إن كنت أشتكي من أي شيء، فأخبرتهم بأنني أشتكي من الألم في ركبتي، فقالوا لي بصريح العبارة إننا نسأل عن الجروح الظاهرة فقط والتي يمكن مشاهدتها بالعين، فلما رأوا أن جسدي سليم من الجروح اطمأنوا.
فسألت الطبيب عن سبب هذا الفحص فقال بأن لديهم أوامر لفحصي وليس عندهم علم بالسبب.
وبعد إعادتي للزنزانة جاءني الممرض وأحضر لي شامبو لحساسية الرأس كنت قد طلبته من الطبيب، وقال لي بأنني يمكن أن أطلب أي كمية من هذا الشامبو، فزاد الأمر من استغرابي وقلت لعل الأمر يتعلق بقرب الإفراج عني ولكنني وكلت الأمر لله.
وبعد أيام من هذا الكرم الطبي أخذوني على معسكر آخر حيث قابلت أحد الضباط وكلمني بكل احترام وعرف نفسه بأنه ضابط من الشؤون القانونية وأخبرني بأنهم سيفرجون عني قريبا جدا ولكن لم يحدد لي تاريخ الإفراج.
ثم قال بأن هناك شروطا للإفراج عني وعلي أن أوقع على اتفاق بينني وبين وزارة الدفاع الأمريكية، وسلمني بعض الأوراق المكتوبة باللغتين العربية والإنجليزية فلما قرأتها رفضت الانصياع لشروطهم وقلت له بأنني لن أوقع على أي أوراق لأنكم كذابون وقد ظلمتموني بوضعي في السجن من غير توجيه أي تهمة لي مدة أربع سنوات، فحاول إقناعي بأن من مصلحتي التوقيع والموافقة ولكنني لم أخضع لكلامه وإغراءاته وتشويقي بقرب الخروج والعودة إلى الوطن، وأن شرط الخروج هو التوقيع على الأوراق.
فقلت له بأنني مستعد لقضاء أربع سنوات أخرى في المعتقل ولكن لن أفرط في كرامتي والثبات على مبادئي.
وفي اليوم التالي أخذوني إلى أحد المكاتب وأخذوا مقاسي ومقاس رجلي وكانوا يريدون أن يفصلوا لي بنطلونا، وأخبروني بأن من الممكن أن أطلب أي وجبة أريدها، فطلبت أن آكل السمك رغبة مني في معرفة صدقهم من كذبهم، فوعدوني بإحضار ما طلبت.
وفي يوم الإفراج أخذوني إلى معسكر إيكو وهو على شاكلة المعسكر دلتا الذي كنت فيه، وأخذوا بصمات أصابعي وعيني إلكترونيا، ولما رفضت فتح عيني للبصمة، أحضروا لي ستة جنود فتعاركت معهم ولكنهم استطاعوا ربطي في الكرسي بعد عراك طويل وأخذوا بصمة عيني.
ثم جاؤوا لي في الليل وعاقبوني بسبب العراك وأخذوا مني كل ما في الزنزانة من فرش وغيره وكانوا متجهمين غاضبين ولكنني لم أعرهم أي اهتمام وقابلت شدتهم بشدة أكثر.
ثم احضروا لي وجبة طعام عادية ولم يحضروا لي السمك الذي طلبته، فرفضت الوجبة وأصررت على إحضار وجبة السمك التي وعدوني بها، وكنت أظن بأن إحضار السمك دليل على أن زعمهم بالإفراج عني حقيقة وليست ضمن الحرب النفسية، فلما رؤوا إصراري على ذلك ذهبوا وعادوا بوجبة السمك المختلفة ولكنهم صادروا العصير والفاكهة والسلطة التي وعدوني بها كذلك. فلما رأيت السمك علمت أن الليلة هذه هي ليلة الإفراج عني ففرحت ولكنني لم أبد لهم أي علامات على سروري.
وقضيت وقتي بشكل طبيعي حتى منتصف الليل حيث جاءوني وطلبوا مني تغيير ملابسي ولبس البنطلون الجينز والتي شيرت الأبيض وقالوا بأنهم سيأتون لأخذي بعد ساعة.
كان الجندي يسألني إن كنت مسرورا بإطلاق سراحي؟
فقلت له : لا فرق عندي بين البقاء والرحيل فقد كنت أخشى أن تكون هذه الحركة ليست حقيقية كما حدث مع غيري من المعتقلين، ولم أكن لأثق في كلامهم إلا عندما أرى أرض البحرين من الطائرة.
فقال لي: كيف لا تفرح وأنت ستذهب الآن إلى بلدك وأهلك بعد طول سجن؟
فقلت له: إنه لا فضل لكم علي فقد سجنتموني ظلما لأربع سنوات ثم ها أنا سأخرج بفضل الله وحده وليس لكم فضل علي ولا منة، ثم جاء الجنود وكبلوني بالحديد في يدي ورجلي وبطني بقفل كبير.
كما فعلوا بي يوم أن أخذوني من قندهار إلى غوانتنامو. كان ذلك قرابة الساعة الثالثة صباحا وكان معي الأخوين عبدالله النعيمي وسلمان الخليفة من البحرين وكان معنا أخ سعودي اسمه ماجد الشمري، حيث وضعنا في باص ورافق كل واحد منا جنديان يحرسانه.
كانت السيارة مغطاة برايبون سميك بحيث لا نرى شيئا بالخارج تقريبا، ثم ربطوا أيدينا وأرجلنا إلى أرضية السيارة.
تم أخذنا إلى مرفأ بحري ونقلنا بالعبارة إلى الجانب الآخر من الجزيرة حيث يقع مطار قاعدة غوانتنامو.
تم إنزالنا في المطار ورأينا الطائرة المعدة لنقلنا وكانت طائرة عسكرية كبيرة لونها أخضر داكن.
تم تسليمنا للجنود عند باب الطائرة وقاموا بتفتيشنا وقسوا علينا في الحديث.
وعند باب الطائرة طلب منهم أحد الضباط أن يغطوا آذاننا وأعيننا كما فعلوا بنا في رحلة البداية ثم قيدوا أيدينا إلى الكرسي وأرجلنا إلى الأرض، فسألناهم لماذا تقيدوننا بهذه الطريقة ونحن في رحلة العودة والإفراج!
فقالوا :بأن هذه إجراءات أمنية لا بد منها.
كان الوقت عند الفجر فصلينا الفجر ثم طارت بنا الطائرة قرابة الاثنتي عشرة ساعة متواصلة حتى حطت في مطار قد يكون في تركيا أو ألمانيا.
وكنا نسأل المترجم عن أوقات الصلاة ونقول لهم بأنه من الضروري أي يخبرونا عن غروب الشمس وغيرها فكان المترجم يخبرنا بالأوقات.
ولأننا لم نكن نستطيع الوضوء فقد كنا نتيمم وذلك بضرب أيدينا على الكرسي قدر استطاعتنا ولكننا ولله الحمد لم نفوت الصلاة حتى ونحن في هذه الحالة.
كما لم يسمحوا لنا باستخدام دورات المياه طوال فترة السفر، وقد أحضروا لنا بعض الفواكه دون أن يسمحوا لنا بفك قيودنا أو رفع الغطاء عن أعيننا لنعلم ما يقدم لنا، فأكلنا بعض الفاكهة ولم نأكل اللحم خشية أن يكون لحم خنزير.
كانوا يشدون السلاسل في أيدينا كل فترة لإزعاجنا وكنا نتج عليهم، فقالوا بأنه إجراء أمني للتأكد من أنها ما زالت مقيدة. كانوا يظهرون لنا الحقد الكثير لأنهم يعرفون أننا في طريق العودة لأوطاننا فكانوا يريدون الانتقام منا وإغاظتنا ولكننا كنا نواجههم بقوة وقسوة ولا نقبل إهانتهم لنا حتى في اللحظات الأخيرة قبل العودة إلى الوطن.

((( في أرض الوطن )))
وصلنا إلى البحرين بعد رحلة استغرقت حوالي أربعة وعشرين ساعة وكنا طوال الوقت مقيدي الأيدي والأرجل ومعصوبي الأعين والآذان والأفواه.
ولما وصلت الطائرة إلى أرض البحرين شعرنا بالفرح الشديد والأمان لوصولنا إلى بلدنا ******
ولما أرادوا إنزالنا من الطائرة أمرهم الضابط الأمريكي بفك قيودنا قبل إنزالنا من الطائرة لكي يظهروا أمام الكاميرات بأنهم قد أحسنوا معاملتنا بالطائرة.
وقد تعذر عليهم فتح الأقفال من أيدينا وأرجلنا، فطلبوا مقصا للحديد من خارج الطائرة لقص الأغلال.
تم مسكنا كل واحد من قبل جنديين وكنت أول من نزل من الطائرة وأنزلونا بكل حنان وإنسانية كعادة الأمريكان في الكذب والخداع على العالم.
تم تسليمنا لشرطة البحرين وكان على رأس المستقبلين العقيد عادل الفاضل، كما كان بالمطار عدد كبير من الحضور الذين لم أعرفهم.
أذكر أن العقيد عادل احتضني وقال لي: أهلا بك في بلدك ثم قام الجميع بالسلام علينا وحمدوا الله على سلامة عودتنا إلى أرض الوطن.
أخذنا رجال الأمن بسيارات مدنية، كل واحد منا في سيارة ومعه رجلا أمن بكل أدب واحترام وذهبنا إلى النيابة العامة، وكان في استقبالنا العقيد علي الذوادي والعقيد علي البوعينين والعقيد أحمد بوزيد.
وكان استقبالهم لنا بكل أخوة واحترام وثبتوا لنا محضر وصول بسيط وشكلي وسلموا لي معظم الأمانات التي أخذها مني الباكستانيون، ثم اتصلوا بأهلنا وطلبوا منهم أن يحضروا لي الملابس العربية.
جاء إخواني الثلاثة لاستقبالي وكانوا يبكون من شدة الفرح وعدم التصديق وكنت في غاية الفرح والسرور.
كانت وجهتنا الأولى بيت والدتي حفظها الله حيث اجتمع الأهل جميعا هناك، وعندما وصلنا إلى المنزل كان في استقبالي عدد كبير من المهنئين الذين علموا بوصولنا.
وقد رأى الإخوة أن أجلس في مجلس الجامع المجاور لبيت والدتي لاستقبال الضيوف الذين لم ينقطع توافدهم لعدة أيام، فاستأذنتهم للدخول والسلام على والدتي وزوجتي وابنتي وأخواتي ووالدة زوجتي وباقي الأهل والجيران من النساء اللاتي تجمعن في بيت الوالدة وفي أيديهم المشموم والرازجي والأموال لكي ينثروها علي لحظة دخولي المنزل.
كان الموقف مفرحا بشكل لا أستطيع وصفه، وكان الجميع يبكون بصوت عالٍ.
وكانت ابنتي هاجر تبكي وأنا احتضنها وأطمئنها بأنني قد عدت إليها وهي شابة متدينة وعاقلة وخجولة وقليلة المزاح.
وقد طبخت الوالدة لي غداء كنت أحب أكله من قبل، فاستأذنتها أن أذهب للسلام على الناس ثم أعود، ولكن جموع المهنئين لم ينقطعوا من الظهر وحتى العشاء.
لا أستطيع أن أصف شعوري تجاه أهل البحرين فقد وقفوا معنا في محنتنا ولم ينسونا في غربتنا ولم يبق أحد إلا وأتى للسلام علينا، المسئولون والعلماء والمشايخ وطلبة العلم والنواب والأهالي والصغار والكبار والنساء والرجال والأطفال فجزاهم الله خيرا كثيرا.
وأخيرا وليس آخرا فإن استقبال الحكومة وما قامت بعمله من جهود مشكورة للإفراج عنا وما وعدونا به من تعويض مادي ومعنوي وما وصلنا من سلامات وتحية من كبار المسئولين دليل على طيبة هذه الأرض والوطن ملكا ونوابا وحكومة وشعبا. كما لا يفوتني أن أشكر النائب الشيخ محمد خالد إبراهيم رئيس اللجنة الوطنية لمناصرة الأسرى المعتقلين في سجون غوانتنامو وأعضاء اللجنة والسيد نبيل رجب على جهودهم الطيبة في سبيل قضيتنا.
((( حكايات من معتقل غوانتنامو )))
إن الحوادث التي تؤكد عدم احترام الأمريكان لحقوق الإنسان لا تعد ولا تحصى، وفيما يلي بعض هذه الانتهاكات:
• بينما كان أحد المعتقلين يمارس الرياضة وأثناء المشي داس من غير قصد على طرف وزغة فانقطع ذيلها فأخذ الذيل ورماه، فرآه أحد الجنود فاستدعى على عجل مسئولي السجن وأطباء العيادة النفسية وقالوا له: لماذا حاولت قتل الوزغة؟ فقال: بأن ما حدث لم يكن عن قصد منه، ولكنهم أخبروه بأنه تعدى على هذا الحيوان دون وجه حق وأن عليهم حماية الزواحف والحيوانات، ثم قرروا حبسه في السجن الانفرادي مدة أسبوعين عقابا له على الجريمة التي اقترفها وسحبوا الفرش وأخذوا بنطلونه وتركوه في السجن الانفرادي بملابسه الداخلية طوال هذه المدة.
هذا رغم أن الوزغة لم تمت فكيف لو ماتت!
• أخ آخر دخل عليه عنكبوت سام فحاول إبعادها من الزنزانة ولما لم يفلح ضربها بالنعل وقتلها، فرآه أحد الجنود وبلغ عنه إدارة السجن فقامت بمعاقبته. فانظر إلى هذا التناقض والاستهتار في المفاهيم حين يقوم هؤلاء المجرمون بالتعدي على البشر بالظلم والقتل والاضطهاد ثم يدعون حفظ حقوق الزواحف والعناكب.
• كان أحد الإخوة المعتقلين يجيد التحدث باللغة الإنجليزية وكان كثير التشاجر مع المحققين ويجادلهم بأنهم يكذبون بادعائهم احترام حقوق الإنسان، فليس للإنسان قيمة عندهم في الواقع. فضمروا له العداء وتحينوا الفرصة للانتقام منه.
وفي إحدى المرات حصل بعض الشد بينه وبين إحدى المجندات، فأحضروا له الشغب ودخلوا عليه الزنزانة وقاموا برش المادة الخانقة على وجهه ثم ضربوه ضربا مبرحا حتى أدموه وسال الدم من رأسه وفمه وعينه وأنفه ويديه، وكنا نصرخ ونضرب على الشبك ولكن دون فائدة حتى غاب عن الوعي من شدة الضرب وظننا أنه قد مات، ثم أخذوه إلى العيادة للعلاج وظل هناك لفترة طويلة.
• الشيخ عبدالسلام ضعيف كان سفير دولة طالبان في باكستان وكان المتحدث الرسمي باسمها وهو في عرف الدول يعتبر شخصا دبلوماسيا له حصانة.
رفض الشيخ عبدالسلام الخروج في إحدى المرات للغسل والسبب هو أنهم يعطون المعتقل خمس دقائق فقط للغسل ولكنهم كثيرا ما يقطعون الماء عنا بعد مرور دقيقة أو دقيقتين ويعيدوننا إلى الزنزانة والشامبو لا يزال في رؤوسنا فكنا نعترض على هذا الإجراء التعسفي بالامتناع عن الذهاب للغسل، فأخرجوه بكل قسوة بواسطة قوات الشغب وضربوه ضربا مبرحا وحلقوا شعر رأسه ولحيته ثم سجنوه في السجن الانفرادي.
• كان الجنود يقدمون لنا كمية بسيطة من الطعام بحيث تبقينا على قيد الحياة فقط، وكانت الكمية المقدمة لنا لا تزيد عن مقدار إصبع من أصابع اليد، رغم أنهم يرمون كميات كبيرة من اللحم والدجاج في الزبالة أمام أعين المعتقلين، وعندما نسألهم: لماذا يرمون الطعام ولا يقدمونه لنا؟، يقولون: بأننا لا نستحق الطعام وأننا نأكل أكثر مما نستحق.
وكانوا يسرقون بعض الطعام المخصص للمعتقلين كالزبادي أو الخبز أو البيض، فكانوا يأخذون بيضة واحدة ويعطوننا أخرى، أو يعطوننا خبزة واحدة ويسرقون أخرى، وكانوا في رمضان يخصصون عشر تمرات لكل معتقل، ولكنهم كانوا يقدمون لنا ثلاث تمرات ويرمون الباقي في الزبالة.
وفي الفترات التي أعقبت الإضراب عن الطعام وعدتنا الإدارة بتقديم الكورن فليكس ثلاث مرات في الأسبوع ولكن الجنود كانوا يقدمونه لنا مرة واحدة في الأسبوع ويخفون الباقي ويأكلونه بأنفسهم.
وقد كنا نراهم يضعون البيض المسلوق وعلب الكورن فليكس في حقائبهم ليأكلوها خارج المعسكر. وبينما كان الجنود يشربون الماء الصحي والمقطر كان الماء الموصل بالحنفيات في الزنازين مليء بالأتربة والصدأ والكلور، فكنا نصاب بآلام في البطن عند شربه وكنا نطلب منهم أن يغيروا الماء ولكنهم يرفضون حتى بقينا أكثر من ثلاث سنوات ونحن نشرب من هذا الماء الملوث.
• كان اللباس الذي بلبسه في المعتقل خشنا جدا وهو ثقيل ومزعج، وكنا نصاب بالحكة والحساسية بسبب طبيعة الطقس الحار في غوانتنامو وكانت أجسامنا تصاب بالالتهابات والجروح جراء الحكة بسبب هذا اللباس.
• الإضراب عن الطعام بسبب الاعتقال التعسفي: في شهر يوليو عام 2005 قام الإخوة بتنفيذ إضراب مفتوح عن الطعام شارك فيه أكثر من مائتي أخ، وكان هدف الإضراب هو الاحتجاج على الاعتقال الطويل دون التقديم للمحاكمة.
فجاء المسئولون بالسجن وطلبوا منا فك الإضراب وأن نقدم لهم مطالبنا ووعدونا بتحقيقها.
فاتفق الإخوة على تشكيل مجلس يقوم بالتفاوض مع إدارة السجن، واجتمعوا مع إدارة السجن وطلبوا منها أن يقدمونا لمحاكمة عادلة وألا يستمر اعتقالنا لمدة غير محددة، فوعدوا برفع مطالبنا لوزارة الدفاع الأمريكية وأن يتكرر هذا الاجتماع للوقوف على مطالب المعتقلين. فطلب الإخوة منا أن نفك الإضراب وأن ننتظر رد إدارة السجن ليتبين لنا مدى صدقهم وجديتهم.
لكن الجنرال الذي يدير السجن بدأ في التهرب من وعوده بل وعادوا إلى استفزاز المعتقلين، وكانوا يفتعلون المشاكل لإدخال قوات الشغب علينا وضربنا. فعندما رأينا كذبهم عدنا إلى الإضراب والعصيان ورشهم بالماء، فقامت الإدارة بمعاقبة العديد منا بحبسنا في الزنازين الانفرادية، أو نقل البعض منا للعنابر المخصصة للتعذيب وسحب كل أغراض المعتقلين وتركهم على الحديد.
فتشاور الإخوة من جديد، وقررنا الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام والشراب، وبدأ الإضراب من منتصف شهر أغسطس تقريبا وشارك فيه أكثر من أربعين معتقلا.
فلما رأت إدارة السجن هذا الإضراب عادت إلى مجلس الشورى وطلبت التفاوض معهم من جديد ولكن المجلس رفض حتى التحدث معهم، فأرادوا أن يشقوا صفنا وذهبوا للمعتقلين في الزنازين وطلبوا منهم أن يختاروا ممثلين جدد لهم ولكننا رفضنا أن نغير المجلس.
ولقد حاولت الإدارة ثنينا بكل الوسائل عن الإضراب ولكن دون جدوى. واستمر الإضراب المميت أكثر من شهرين حتى بعد شهر رمضان.
وكانت الخطة هي أن ننفذ إضرابا مرحليا يتناوب المضربون فيه على الإضراب عن الطعام والشراب لمدة معينة ثم تنضم إليهم مجموعة أخرى وهكذا. قامت إدارة السجن بنقل المضربين بصورة سرية إلى العيادات ليتم تغذيتهم قسرا بواسطة المغذيات عن طريق الأنابيب ثم استبدلوها بالأنابيب المغذية عن طريق الأنف، وكانت تعمل جاهدة على ألا يتسرب خبر الإضراب للعالم الخارجي. وقد نزلت أوزان الإخوة كثيرا جدا، بل نزلت أوزان بعض الإخوة إلى أقل من أربعين كيلوجراما. فشق هذا الإضراب كثيرا على الأمريكان. ولم نسلم أثناء تنفيذ الإضراب من التعذيب الذي كان الأطباء يمارسونه ضدنا، فقد كان الأطباء يأمرون بتقييدنا بشدة إلى الأسرة، وكانوا يختارون الأنابيب الكبيرة لإدخالها في أنوفنا للتغذية، وكانت هذه الأنابيب كثيرا ما تؤذي الإخوة وتجرح أجسادهم وتؤلمهم.
• مصور قناة الجزيرة سامي الحاج تم اعتقال الأخ سامي الحاج من قبل القوات الباكستانية وسلم إلى الأمريكان الذين قاموا بنقله بنفس الطريقة من باكستان إلى قندهار ومن ثم إلى معتقل غوانتنامو.
وكباقي المعتقلين، لم يكن للأمريكان أي أدلة على سامي ولم توجه له أية تهم، وإنما كان السبب أن الأمريكان أرادوا الاستفادة من سامي في نزع معلومات عن قناة الجزيرة وسر النجاح الذي حققته، وإن كانت لهم أي ارتباطات بجهات مشبوهة أو لهم صلات بجهات مشبوهة، وخصوصا بعد أن أجروا مقابلة مع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وكيف وصلوا له ولغيره من مسئولي القاعدة وطالبان وغيرها من الأمور التي تخص القناة من كيفية وصول أشرطة فيديو عليها لزعماء القاعدة أو الزرقاوي.
وكان سامي الحاج يرفض بشدة التعاون معهم ويصفهم بالمجرمين الذين اختطفوه ليس لتهمة معينة وإنما لابتزازه وإغرائه بالعمل معهم كجاسوس ضد قناة الجزيرة.
لذا فإن الإدارة الأمريكية تواصل سجنه بكل هذا الظلم فقط كعقاب له وللقناة التي يعمل لصالحها رغم عدم قدرتهم على توجيه أي تهمة له.
تعرض الأخ سامي الحاج لمحن عديدة في غوانتنامو، كان من بينها أنه تعرض للضرب الشديد من قبل الجنود لأنه رفض الخروج للاستحمام، وكان هذا من الحقوق الشخصية للمعتقل، وقد أرغم على الخروج للغسل، وبينما كان الجنود يأخذونه إلى منطقة الغسل وكان مستوى منطقة الغسل أقل من مستوى العنابر، جاء الجنود من خلفه ودفعوه على السلم حيث تدحرج من الأعلى إلى الأسفل، وكان موثوق اليدين والرجلين فأصيب في رأسه بجرح غائر وسال الدم من أنفه وفمه، ثم جاء الجنود وأخذوا يضربونه ضربا مبرحا ثم جروه إلى خارج العنبر حيث حلقوا شعر رأسه ولحيته ثم رموا به في السجن الانفرادي. ورغم أن الدم كان ينزف منه، فقد ترك في الزنزانة دون علاج لمدة يومين. وبعد يومين تم إعطاؤه لزقة لوضعها على جرحه دون تقديم أي مساعدة طبية.
• مأساة الأخ مشعل الحربي في عام 2002م وبعد عيد الفطر كان الأخ السعودي مشعل الحربي محتجزا في زنزانة انفرادية في العنبر إنديا، وفي الفترة المسائية وبعد صلاة المغرب، قام أحد الجنود بالاستهزاء بالدين الإسلامي والقرآن الكريم، ثم بدأ بلمس المصحف والاستهزاء به، فغضب المعتقلون وبدؤوا بالصياح والضرب على شبك الزنازين، ولكن هذه المرة أراد القائد الجديد للمعتقل أن يكسر عزيمة المعتقلين بالقوة، فتم *** فرقة أو فرقتين من قوات الشغب العسكرية، ثم قاموا بإطفاء الأنوار في الزنازين وفي الساحات الخارجية للمعتقل، حتى أصبح عنبر إنديا في ظلام دامس جداً، ثم بدأت قوات الشغب بالدخول على المعتقلين في الزنازين وفي الزنازين الانفرادية الواحدة تلو الأخرى، وفي أيديهم كشافات قوية يوجهونها إلى أعين المعتقلين، ثم يقومون بضرب المعتقل بشكل جماعي، حتى سال الدم من أجساد العديد من الشباب ومن وجوههم وأفواههم وأنوفهم.
وفجأة سمعنا بعض الهمهمات والهمسات بين الجنود وقوات الشغب، ثم أعيدت الأنوار.
كان الشباك في الزنزانة الانفرادية التي وضع بها أحد الإخوة المعتقلين ليست محكمة الإغلاق وكانت قريبة من الزنزانة الانفرادية التي وضع بها الأخ السعودي مشعل الحربي، وقد أخبرنا هذا الأخ وكذلك شاهد آخر من الإخوة أثناء إعادته من غرفة التحقيق بأنهما شاهدا قوات الشغب يخرجون مشعل من زنزانته والدم ينزف من فمه وأنفه ثم حملوه إلى العيادة. وكانت الدماء موجودة في الممرات وفي الزنزانة الانفرادية التي وضع بها مشعل، وقد حضر المسئولون بالسجن للتحقيق في الحادث ورؤية الدماء وأغلقوا الزنزانة، ثم جاء بعض الخبراء الذين يلبسون الملابس البيضاء في اليوم التالي ورفعوا البصمات وأخذوا عينات من الدماء التي في الزنزانة وفي الممرات، واستمرت التحقيقات والتحريات مدة يومين ثم قاموا بغسل الدم من الممرات ومن الزنزانة ثم أقفلوها وشمّعوها بالشمع الأحمر ومنعوا الدخول إليها.
بدأ المعتقلون يلحون في السؤال عن مشعل وتعالت الأصوات المطالبة بمعرفة حالته الصحية، وأشيع بين المعتقلين أن مشعل قد مات تحت التعذيب، وطالبنا المسئولين بالكشف عن الحقيقة، فارتبك مدير السجن والجنود ونفوا أن يكون مشعل قد مات، وأكدوا لنا بأنه في المستشفى وأنهم سيوافوننا بأخباره أولا بأول.
وبعد أسبوع جاء بعض الأطباء ليخبرونا بكذبة من كذبات الأمريكان التي لا تنتهي وهي أن مشعل قد حاول الانتحار في الزنزانة الانفرادية وذلك بشنق نفسه بالمنشفة الصغيرة التي يعطونها لنا والتي لا تكفي حتى للفها حول الوسط ناهيك عن ربطها في السقف ولفها على الرقبة. ولأننا نعرف أن هذا الأمر مستحيل فقد اتهمناهم بالكذب وتلفيق الاتهامات ضدنا وضد أخينا مشعل الذي يتمتع بقوة عزيمته وصبره، وكان هو الذي ينصحنا دائما بالصبر واحتساب الأجر، فكيف سيقدم على الانتحار. والحقيقة أن مشعل قد تعرض للضرب خلال فترة إطفاء الأنوار، وكان الهدف من إيذاء مشعل بهذه الطريقة الوحشية هو إرعاب باقي المعتقلين لثنيهم عن التمادي في العصيان والاعتراض على الأوامر.
كان الصليب الأحمر يدافع عن المحققين الذين اعتدوا على مشعل ويلفق الأكاذيب ضده، وكانوا يؤكدون أن لنا بأن مشعل قد حاول الانتحار، فلما رؤوا إصرارنا على الدفاع عن مشعل واتهامنا لهم بأنهم كذابون وأنهم يعينون الأمريكان على تجاوزهم على حقوقنا المقررة دوليا، قام بعض موظفي الصليب الأحمر بالتشكيك في رواية الانتحار وأكدوا لنا بأنه قد تعرض للضرب.
كما أخبرنا هؤلاء بأن مشعل قد يتعرض للموت الدماغي بسبب إصابته البليغة في الرأس وبسبب تعرضه للضرب من الخلف على منطقة النخاع الشوكي، وقالوا بأنه قد أصيب بالشلل الكلي. ولما طلبنا منهم أن يرفعوا تقريراً بذلك اعتذروا بأنهم ينفذون الأوامر التي تأتيهم من رؤساؤهم فقط وأنهم لا يمكنهم تجاوز مسئوليهم.
b

المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المكتبة, الكتب السياسية


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع مذكراتي في جوانتنامو
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من اوراق مذكراتي حادية القمر حادية القمر 56 09-12-2022 04:03 PM
ترامب: يجب الإبقاء على معتقلي جوانتنامو أسرى عبدالناصر محمود أخبار منوعة 0 01-04-2017 08:36 AM
برلماني إيطالي يحرض على إنشاء جوانتنامو جديد للمعتقلين الإسلاميين عبدالناصر محمود المسلمون حول العالم 0 08-11-2016 09:58 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:56 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59