العودة   > > >

أخبار ومختارات أدبية اختياراتك تعكس ذوقك ومشاعرك ..شاركنا جمال اللغة والأدب والعربي والعالمي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
  #8  
قديم 02-15-2012, 04:55 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
افتراضي

وعلى رغم خُطَبِهم الرَّنَّانة واجتماعاتهم السريَّة ونبوءاتهم المتفائلة الكاذبة والمزيَّفة في الوقت نفسِه، وعلى رغم كتب الجفر التي ألَّفوها فقد أخفَقَ مُؤرِّخو الأدب الإسباني المكتوب بالحروف العربيَّة من قِبَلِ مُسلِمي الأندلس، تلك الملحمة المعكوسة، في إبطاء زحف القدر عليهم، لكنَّهم رغم ذلك يُقدِّمون لنا رؤيةً ثمينة لاختفائهم التَّدريجي المؤلم كحضارةٍ حيَّة، ويستحقُّ مُؤلِّفو مسلمي الأندلس الغريبو الأطوار، الذين أصبحوا الآن مُهجَّنين على الصَّعِيدين الثقافي والديني؛ ومن ثَمَّ فإنهم كانوا يمرُّون بحالة انحطاط وتراجُع؛ بسبب موقفهم المتعصب ودفاعهم المتحمِّس المستميت عن الإسلام المستحيل الآن أنْ يدرجوا في أيَّة دِراسة لأدبِ شبه الجزيرة الإسبانيَّة في عصر النهضة.

لم يكتب الفصل الأخير من هذا الأدب الهجين المختلط في شِبه الجزيرة، بل في البلدان الإسلاميَّة التي هاجَرتْ إليها البقيَّة الباقية من مسلمي إسبانيا لأسبابٍ سياسيَّة ودينيَّة، ولقد استطَعْنا أنْ نتتبَّع خُطوات بعض هؤلاء المنفيِّين، من بين هؤلاء المؤلِّفين المدهشين حقًّا مسلمٌ أندلسي من القرن السابع عشر أطلق عليه بسبب مأساته كلاجئ اسم المهاجر إلى تونس (el refugiado de Tunez) ولقد خلَّف هذا المؤلف الغريب الشأن وصفًا مفصلاً لتجاربه في مسقط رأسه إسبانيا، وكذلك في بلده الذي اختاره للإقامة تونس (وقد قمتُ بتحقيق مقاطع من هذا النص، وسوف أقومُ بتحقيق المخطوطة، المصنَّفة تحت رقم (2-S) في مكتبة الأكاديمية الملكية للتاريخ [BRAH] في مدريد، كاملة)[31].

إنَّ أزمة الهويَّة التي يُعانيها ذلك المهاجر تُمزِّق الفؤاد حقًّا.

وعلينا أن نتذكَّر أنَّ مسلمي إسبانيا قد تعرَّضوا لعمليَّةٍ طويلةٍ من تغيير الهويَّة الثقافيَّة: لقد مُنِعوا من استعمال لغتهم العربيَّة، وأُجبِروا على تغيير دِينهم وعاداتهم وأسمائهم والزي الذي كان يُميِّزهم عن غيرهم عبر إصدار مرسومٍ قانوني إثْر مرسومٍ خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، ومع مَجِيء عام 1609 الذي شَهِدَ طردَهم النهائي من إسبانيا كانوا في الحقيقة قد امتُصُّوا في التيَّار العام للثقافة الإسبانيَّة "الرسميَّة"، وذلك رغم الفعاليات السريَّة التي كانوا يقومون بها، ورغم محاولاتهم السريَّة ممارسة البقيَّة الباقية عن معرفتهم بشَعائر دِينهم الإسلامي.

وهكذا، فعندما وصَل هؤلاء المهاجرون إلى تونس والمغرب والبلدان الإسلامية الأخرى استُقبِلوا هناك بوصْفهم مواطنين أوروبيين؛ لأنهم كانوا لا يعرفون إلا أقلَّ القليل من عناصر الثقافة الإسلاميَّة التي تركها أسلافهم.

مثله مثلُ إخوتِه من المهاجرين عانَى مهاجرُ تونس عمليَّة عنيفة مزدوجة استهدفت امتصاصه في المحيط الثقافي خلال السنوات التي عاشها: لقد جرى دمجه في التيار الثقافي الإسباني العام في سني طفولته، ثم جرَى دمجه ثقافيًّا في ثقافته الإسلاميَّة، التي كان قد نَسِيَها خلال فترة هجرته إلى تونس في سنِّ الرجولة.

وتكشفُ لنا الفصول الخاصَّة بسِيرته الذاتيَّة في نصِّه الدرامي المثير عن الصِّراع الداخلي لنفسٍ لا تنتمي بصورةٍ أبديَّة إلى أيِّ بلدٍ، لقد حاوَل بكلِّ ما أُوتِي من قُدْرةٍ ومشقَّة أنْ يكون مسلمًا في إسبانيا عصر النهضة، وهو الآن يُحاول أنْ يبقى إسبانيًّا في تونس المسلمة، لقد كره النظام الإسباني الذي اضطهده[32]، ولكنَّه كان يحنُّ إلى لغته الإسبانيَّة، وخُصوصًا إلى الشعر الإسباني - الذي كتبه غارسيلازو ولوب دي فيغا وغونغورا - الذي كان يعشقه ويحفظه عن ظهر قلبٍ، لقد كان ممتنًّا للسلطات الإسلاميَّة في تونس - عثمان داي وأبو غيث القشاش (سيتيبولغيز Citibulgaiz) - بسبب الاستقبال الرحيم والكريم الذي لقيه المهاجرون[33]، لكنَّه كان ممتعضًا من حقيقة أنَّ العديد من أهالي تونس جعَلُوا اندِماج مُسلِمي الأندلس في الثقافة الإسلاميَّة عملاً شديد الصُّعوبة بسبب الغيرة والحسد وقسوة الفؤاد التي كانوا يتَّصفون بها[34].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

[1] لوسي لوبيز بارالت (Luce Lopez Baralt): أستاذة الأدب الإسباني والأدب المقارن في جامعة بورتوريكو، قام بترجمة هذا الفصل فخري صالح.
[2] Miguel Asin Palacios، >>El Simbolo de los siete castillos concentricos del alma en Santa Teresa y en el Islam، >> in: Asin Palacios، Huellas del Islam. Santo Tomas de Aquino، Turmeda، Pascal، San Juan de la Cruz، pp. 73-98.
وتبحث زميلتي كاثرين زفيتليتشكي إمكانية وجود أثر للقبلانية في التصوُّف الإسباني وهي تدرس أيضًا رمز القلاع الإسبانية المتحدة المركز في كتابها:
Catherine Swietlicki، Spanish Christian Cabala: The Works of Luis de Leon، Santa Teresa de Jesus، and San Juan de la Cruz (Columbia: University of Missouri Press، 1986).
[3] يقول أوتمار هيجي، وهو مُتخصِّص في الموضوع: إنَّ وجهة نظَرِه (وأنا أُوافِقُه تمامًا في ما يقوله) هي أنَّ الكُتَّاب لم يستخدموا الشخصيَّات العربيَّة في الكتابات الإسبانيَّة المكتوبة بالحروف العربيَّة رغبةً في توفير نوعٍ من السريَّة؛ (إذ إنَّ محاكم التفتيش كان لديها خُبَراء في العربيَّة؛ ومن ثَمَّ في الخط العربي).
ولكنَّهم فعلوا ذلك بسبب الحاجة أو الرَّغبة في التشبُّث بالمعاني الضمنيَّة والتَّداعيات الدينيَّة والثقافيَّة التي كانت تُوحِي بها لغةُ الوحي المقدَّسة، إنَّ هيجي في مقالته المثيرة للإعجاب:
Ottmar Hegyi، <El Uso del alfabeto arabe por minorias musulmanas y otros aspectos de la literatura aljamiado، resultants de circunstancias historicas y sociales analogas، » paper presented at: Actas del Colaquio International sobre literature alliamiada y morisca، edited by Alvaro Galmes de Fuentes، Coleccion de literatura espanola aljamiado-morisca; 3 (Madrid: Gredos، 1978
يبحثُ في موضوع استخدام الأحرُف العربيَّة في لغاتٍ مختلفةٍ مثل الفارسيَّة والهنديَّة والتركيَّة والسانسكريتيَّة؛ ومن ثَمَّ فإنَّ السريَّة لم تكن الدافع الوحيد وَراء استِخدام هده الحروف في الكتابة.
إنَّ علينا أنْ نتذكر أنَّ كتابة نُصوصٍ بالحروف العربيَّة في شِبه الجريرة الإيبيرية كان شيئًا مألوفًا منذ العُصور الوسطى (رغم أنَّ هذا الاستخدام لم يكن على هذه الدَّرجة من التواتر).
قارِن بما كتبه:
Alois Richard Nykl >>Aljamiado Literature: El Rrekontamiento del Rrey Alisandere، » Revue hispanique، vol. 172 (1929)، pp.409-611.
[4] Leonard Patrick Harvey، <<El Mancebo de Arevalo y la literatura aijamiada، » paper presented at: Ibid.، P.22.
[5] المصدر نفسه، ص6.
[6] Louis Cardaillac، Morisques et chretiens: Un A affrontement polemique، 1492-1640،) 1977، preface de Fernand Braudel (Paris: Klincksieck
[7] المصدر نفسه:
Hegyi، <<El Uso del Alfabeto arabe por minorias musulmanas y otros aspectos de la literatura aijamiado، resultantes de circunstancias historicas y sociales analogas
[8] George Ticknor، Historia de Is literatura espanola (Madrid: Impr. de la Publicidad، 1881-1885)، vol. 4، p. 420.
[9] Julian Ribera y Tarrago and Miguel Asin Palacios، Manuscritos drabes y aliamiados de la Biblioteca de In Junta (Madrid، 1912)، p. 224.
[10] المصدر نفسه، ص 219-220.
[11] المصدر نفسه، ص225.
[12] Harvey، <<El Mancebo de Arevalo y la literatura aljamiada<<.
Leonard Patrick Harvey: >> Un manuscrito وقارن :aljamiado en la Universidad de Cambridge، >> Al-Andalus، vol. 23 (1958)، pp. 49-74; <Castilian Mancebo as a Calque of Arabic `Abd. or How El Mancebo de Arevalo Got His Name، >> Modern Philology، vol 65..1967، pp. 130- 132، and >>Yuse Banegas: Un moro noble en Granada bajo los reyes catolicos، << Al-Andalus، vol. 21 (1956)، pp. 302-297.
انظر أيضًا:
maria Teresa Narvaez، <En Defensa del Mancebo de Arevalo، » (M. A. Thesis University of Puerto Rico)، and aLa "Tafsira" del Mancebo de Arevalo: Edicion y estudio del ****o، >> (Unpublished Doctoral Dissertation، Rio Piedras، Puerto Rico، 1988.


[13] المخطوط، الورقة 225.
[14] قارن:
Harvey، <<El Mancebo de Arevalo y la literatura aljamiada، p. 300.
[15] Harvey، >>Yuse Banegas: Un moro noble en Granada bajo los reyes catolicos، » pp. 300-302.
[16] المعنى الذي نستخلصه من النص هنا هو أن على الرجال أنْ "يشمروا عن سواعدهم" إنهم يرتدون "ثيابًا طويلة"، ولكي يكونوا قادرين على الحركة بحريَّةٍ ونشاط، لكي "يترجَّلوا ويخوضوا غمار العمل" فإنَّ عليهم أن يُشمِّروا سواعدهم ويربطوها حول خُصورهم.
[17] Ribera y Tarrago and Asin Palacios، Manuscritos drabes y aljamiados de la Biblioteca de to Junta، pp. 218-219.
[18] Dario Cabanelas Rodriguez، El Morisco granadino Alonso del Castillo (Granada، 1965
وقد قام ميغيل خوسيه هاغارتي بنسخ الألواح الرصاصية ونشرها:
Miguel Jose Hagerty، ed.، Los libro، Biblioteca de visionaries، heterodoxos y marginados; 2a ser.، 8 (Madrid: Editora Nacional، °1980).
[19] Cabanclas Rodriguez، Ibid.، p. 200.
[20] Jose Godoy y Alcantara، Historia critica de los falsos cronicones (Madrid: Impr. de M. Rivadenevra، 1868
[21] انظر:
Harvey، <<El Mancebo de Arevalo y la literatura aljamiada، » p.14
[22] El Manuscrito miscelkneo 774 de la BibliotecaÒ Nacional de Paris، edicion، estudio y glosario por Mercedes Sanchez Alvarez، Coleccion de literatura espanola aljamiado-morisca 5Madrid: Gredos، °1982)، p. 252
[23] المخطوط، الورقة 294ظ، المصدر نفسه، ص246.
[24] المخطوط، الورقة 300ظ، المصدر نفسه، ص248- 249.
[25] المخطوط، الورقتان 290 ظ - 291و، المصدر نفسه، ص 244.
[26] المخطوط، الورقة 291ظ، المصدر نفسه، ص 244.
[27] المخطوط، الورقتان 291ظ-292و، المصدر نفسه، ص244-245.
[28] المخطوط، الورقتان 283ظ- 284و، المصدر نفسه، ص 241.
[29] المخطوط، الورقتان 285ظ- 286و، المصدر نفسه، ص 242.
[30] المخطوط، الورقتان 38ظ-39و، المصدر نفسه، ص 154، يعرضُ علينا باسكوال غايانغوس نسخةً إنكليزيَّة من هذا النصِّ التي تتضمَّن بعض الاختلافات المهمَّة.
Pascual de Gayangos y Arce، ed and tr.، The History of the Mohammedan Dynasties in Spain، 2 vols. (London: Printed for the Oriental Translation Fund of Great Britain and Ireland، 1843-1840.
قارن:
Luce Lopez-Baralt and Awilda Irizarry <Dos Itinerarios moriscos secretos del siglo XVI 774.El ms 774 Paris y el ms. T-16RAH، » in: Homenaje a Alvaro Galmes de Fuentes، 3 vols) Madrid: Editorial Gredos، 1985- [19871)، pp. 582-547.
__________________


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 02-15-2012, 04:55 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
افتراضي

وعلى رغم خُطَبِهم الرَّنَّانة واجتماعاتهم السريَّة ونبوءاتهم المتفائلة الكاذبة والمزيَّفة في الوقت نفسِه، وعلى رغم كتب الجفر التي ألَّفوها فقد أخفَقَ مُؤرِّخو الأدب الإسباني المكتوب بالحروف العربيَّة من قِبَلِ مُسلِمي الأندلس، تلك الملحمة المعكوسة، في إبطاء زحف القدر عليهم، لكنَّهم رغم ذلك يُقدِّمون لنا رؤيةً ثمينة لاختفائهم التَّدريجي المؤلم كحضارةٍ حيَّة، ويستحقُّ مُؤلِّفو مسلمي الأندلس الغريبو الأطوار، الذين أصبحوا الآن مُهجَّنين على الصَّعِيدين الثقافي والديني؛ ومن ثَمَّ فإنهم كانوا يمرُّون بحالة انحطاط وتراجُع؛ بسبب موقفهم المتعصب ودفاعهم المتحمِّس المستميت عن الإسلام المستحيل الآن أنْ يدرجوا في أيَّة دِراسة لأدبِ شبه الجزيرة الإسبانيَّة في عصر النهضة.

لم يكتب الفصل الأخير من هذا الأدب الهجين المختلط في شِبه الجزيرة، بل في البلدان الإسلاميَّة التي هاجَرتْ إليها البقيَّة الباقية من مسلمي إسبانيا لأسبابٍ سياسيَّة ودينيَّة، ولقد استطَعْنا أنْ نتتبَّع خُطوات بعض هؤلاء المنفيِّين، من بين هؤلاء المؤلِّفين المدهشين حقًّا مسلمٌ أندلسي من القرن السابع عشر أطلق عليه بسبب مأساته كلاجئ اسم المهاجر إلى تونس (el refugiado de Tunez) ولقد خلَّف هذا المؤلف الغريب الشأن وصفًا مفصلاً لتجاربه في مسقط رأسه إسبانيا، وكذلك في بلده الذي اختاره للإقامة تونس (وقد قمتُ بتحقيق مقاطع من هذا النص، وسوف أقومُ بتحقيق المخطوطة، المصنَّفة تحت رقم (2-S) في مكتبة الأكاديمية الملكية للتاريخ [BRAH] في مدريد، كاملة)[31].

إنَّ أزمة الهويَّة التي يُعانيها ذلك المهاجر تُمزِّق الفؤاد حقًّا.

وعلينا أن نتذكَّر أنَّ مسلمي إسبانيا قد تعرَّضوا لعمليَّةٍ طويلةٍ من تغيير الهويَّة الثقافيَّة: لقد مُنِعوا من استعمال لغتهم العربيَّة، وأُجبِروا على تغيير دِينهم وعاداتهم وأسمائهم والزي الذي كان يُميِّزهم عن غيرهم عبر إصدار مرسومٍ قانوني إثْر مرسومٍ خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر، ومع مَجِيء عام 1609 الذي شَهِدَ طردَهم النهائي من إسبانيا كانوا في الحقيقة قد امتُصُّوا في التيَّار العام للثقافة الإسبانيَّة "الرسميَّة"، وذلك رغم الفعاليات السريَّة التي كانوا يقومون بها، ورغم محاولاتهم السريَّة ممارسة البقيَّة الباقية عن معرفتهم بشَعائر دِينهم الإسلامي.

وهكذا، فعندما وصَل هؤلاء المهاجرون إلى تونس والمغرب والبلدان الإسلامية الأخرى استُقبِلوا هناك بوصْفهم مواطنين أوروبيين؛ لأنهم كانوا لا يعرفون إلا أقلَّ القليل من عناصر الثقافة الإسلاميَّة التي تركها أسلافهم.

مثله مثلُ إخوتِه من المهاجرين عانَى مهاجرُ تونس عمليَّة عنيفة مزدوجة استهدفت امتصاصه في المحيط الثقافي خلال السنوات التي عاشها: لقد جرى دمجه في التيار الثقافي الإسباني العام في سني طفولته، ثم جرَى دمجه ثقافيًّا في ثقافته الإسلاميَّة، التي كان قد نَسِيَها خلال فترة هجرته إلى تونس في سنِّ الرجولة.

وتكشفُ لنا الفصول الخاصَّة بسِيرته الذاتيَّة في نصِّه الدرامي المثير عن الصِّراع الداخلي لنفسٍ لا تنتمي بصورةٍ أبديَّة إلى أيِّ بلدٍ، لقد حاوَل بكلِّ ما أُوتِي من قُدْرةٍ ومشقَّة أنْ يكون مسلمًا في إسبانيا عصر النهضة، وهو الآن يُحاول أنْ يبقى إسبانيًّا في تونس المسلمة، لقد كره النظام الإسباني الذي اضطهده[32]، ولكنَّه كان يحنُّ إلى لغته الإسبانيَّة، وخُصوصًا إلى الشعر الإسباني - الذي كتبه غارسيلازو ولوب دي فيغا وغونغورا - الذي كان يعشقه ويحفظه عن ظهر قلبٍ، لقد كان ممتنًّا للسلطات الإسلاميَّة في تونس - عثمان داي وأبو غيث القشاش (سيتيبولغيز Citibulgaiz) - بسبب الاستقبال الرحيم والكريم الذي لقيه المهاجرون[33]، لكنَّه كان ممتعضًا من حقيقة أنَّ العديد من أهالي تونس جعَلُوا اندِماج مُسلِمي الأندلس في الثقافة الإسلاميَّة عملاً شديد الصُّعوبة بسبب الغيرة والحسد وقسوة الفؤاد التي كانوا يتَّصفون بها[34].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

[1] لوسي لوبيز بارالت (Luce Lopez Baralt): أستاذة الأدب الإسباني والأدب المقارن في جامعة بورتوريكو، قام بترجمة هذا الفصل فخري صالح.
[2] Miguel Asin Palacios، >>El Simbolo de los siete castillos concentricos del alma en Santa Teresa y en el Islam، >> in: Asin Palacios، Huellas del Islam. Santo Tomas de Aquino، Turmeda، Pascal، San Juan de la Cruz، pp. 73-98.
وتبحث زميلتي كاثرين زفيتليتشكي إمكانية وجود أثر للقبلانية في التصوُّف الإسباني وهي تدرس أيضًا رمز القلاع الإسبانية المتحدة المركز في كتابها:
Catherine Swietlicki، Spanish Christian Cabala: The Works of Luis de Leon، Santa Teresa de Jesus، and San Juan de la Cruz (Columbia: University of Missouri Press، 1986).
[3] يقول أوتمار هيجي، وهو مُتخصِّص في الموضوع: إنَّ وجهة نظَرِه (وأنا أُوافِقُه تمامًا في ما يقوله) هي أنَّ الكُتَّاب لم يستخدموا الشخصيَّات العربيَّة في الكتابات الإسبانيَّة المكتوبة بالحروف العربيَّة رغبةً في توفير نوعٍ من السريَّة؛ (إذ إنَّ محاكم التفتيش كان لديها خُبَراء في العربيَّة؛ ومن ثَمَّ في الخط العربي).
ولكنَّهم فعلوا ذلك بسبب الحاجة أو الرَّغبة في التشبُّث بالمعاني الضمنيَّة والتَّداعيات الدينيَّة والثقافيَّة التي كانت تُوحِي بها لغةُ الوحي المقدَّسة، إنَّ هيجي في مقالته المثيرة للإعجاب:
Ottmar Hegyi، <El Uso del alfabeto arabe por minorias musulmanas y otros aspectos de la literatura aljamiado، resultants de circunstancias historicas y sociales analogas، » paper presented at: Actas del Colaquio International sobre literature alliamiada y morisca، edited by Alvaro Galmes de Fuentes، Coleccion de literatura espanola aljamiado-morisca; 3 (Madrid: Gredos، 1978
يبحثُ في موضوع استخدام الأحرُف العربيَّة في لغاتٍ مختلفةٍ مثل الفارسيَّة والهنديَّة والتركيَّة والسانسكريتيَّة؛ ومن ثَمَّ فإنَّ السريَّة لم تكن الدافع الوحيد وَراء استِخدام هده الحروف في الكتابة.
إنَّ علينا أنْ نتذكر أنَّ كتابة نُصوصٍ بالحروف العربيَّة في شِبه الجريرة الإيبيرية كان شيئًا مألوفًا منذ العُصور الوسطى (رغم أنَّ هذا الاستخدام لم يكن على هذه الدَّرجة من التواتر).
قارِن بما كتبه:
Alois Richard Nykl >>Aljamiado Literature: El Rrekontamiento del Rrey Alisandere، » Revue hispanique، vol. 172 (1929)، pp.409-611.
[4] Leonard Patrick Harvey، <<El Mancebo de Arevalo y la literatura aijamiada، » paper presented at: Ibid.، P.22.
[5] المصدر نفسه، ص6.
[6] Louis Cardaillac، Morisques et chretiens: Un A affrontement polemique، 1492-1640،) 1977، preface de Fernand Braudel (Paris: Klincksieck
[7] المصدر نفسه:
Hegyi، <<El Uso del Alfabeto arabe por minorias musulmanas y otros aspectos de la literatura aijamiado، resultantes de circunstancias historicas y sociales analogas
[8] George Ticknor، Historia de Is literatura espanola (Madrid: Impr. de la Publicidad، 1881-1885)، vol. 4، p. 420.
[9] Julian Ribera y Tarrago and Miguel Asin Palacios، Manuscritos drabes y aliamiados de la Biblioteca de In Junta (Madrid، 1912)، p. 224.
[10] المصدر نفسه، ص 219-220.
[11] المصدر نفسه، ص225.
[12] Harvey، <<El Mancebo de Arevalo y la literatura aljamiada<<.
Leonard Patrick Harvey: >> Un manuscrito وقارن :aljamiado en la Universidad de Cambridge، >> Al-Andalus، vol. 23 (1958)، pp. 49-74; <Castilian Mancebo as a Calque of Arabic `Abd. or How El Mancebo de Arevalo Got His Name، >> Modern Philology، vol 65..1967، pp. 130- 132، and >>Yuse Banegas: Un moro noble en Granada bajo los reyes catolicos، << Al-Andalus، vol. 21 (1956)، pp. 302-297.
انظر أيضًا:
maria Teresa Narvaez، <En Defensa del Mancebo de Arevalo، » (M. A. Thesis University of Puerto Rico)، and aLa "Tafsira" del Mancebo de Arevalo: Edicion y estudio del ****o، >> (Unpublished Doctoral Dissertation، Rio Piedras، Puerto Rico، 1988.


[13] المخطوط، الورقة 225.
[14] قارن:
Harvey، <<El Mancebo de Arevalo y la literatura aljamiada، p. 300.
[15] Harvey، >>Yuse Banegas: Un moro noble en Granada bajo los reyes catolicos، » pp. 300-302.
[16] المعنى الذي نستخلصه من النص هنا هو أن على الرجال أنْ "يشمروا عن سواعدهم" إنهم يرتدون "ثيابًا طويلة"، ولكي يكونوا قادرين على الحركة بحريَّةٍ ونشاط، لكي "يترجَّلوا ويخوضوا غمار العمل" فإنَّ عليهم أن يُشمِّروا سواعدهم ويربطوها حول خُصورهم.
[17] Ribera y Tarrago and Asin Palacios، Manuscritos drabes y aljamiados de la Biblioteca de to Junta، pp. 218-219.
[18] Dario Cabanelas Rodriguez، El Morisco granadino Alonso del Castillo (Granada، 1965
وقد قام ميغيل خوسيه هاغارتي بنسخ الألواح الرصاصية ونشرها:
Miguel Jose Hagerty، ed.، Los libro، Biblioteca de visionaries، heterodoxos y marginados; 2a ser.، 8 (Madrid: Editora Nacional، °1980).
[19] Cabanclas Rodriguez، Ibid.، p. 200.
[20] Jose Godoy y Alcantara، Historia critica de los falsos cronicones (Madrid: Impr. de M. Rivadenevra، 1868
[21] انظر:
Harvey، <<El Mancebo de Arevalo y la literatura aljamiada، » p.14
[22] El Manuscrito miscelkneo 774 de la Biblioteca&Ograve; Nacional de Paris، edicion، estudio y glosario por Mercedes Sanchez Alvarez، Coleccion de literatura espanola aljamiado-morisca 5Madrid: Gredos، °1982)، p. 252
[23] المخطوط، الورقة 294ظ، المصدر نفسه، ص246.
[24] المخطوط، الورقة 300ظ، المصدر نفسه، ص248- 249.
[25] المخطوط، الورقتان 290 ظ - 291و، المصدر نفسه، ص 244.
[26] المخطوط، الورقة 291ظ، المصدر نفسه، ص 244.
[27] المخطوط، الورقتان 291ظ-292و، المصدر نفسه، ص244-245.
[28] المخطوط، الورقتان 283ظ- 284و، المصدر نفسه، ص 241.
[29] المخطوط، الورقتان 285ظ- 286و، المصدر نفسه، ص 242.
[30] المخطوط، الورقتان 38ظ-39و، المصدر نفسه، ص 154، يعرضُ علينا باسكوال غايانغوس نسخةً إنكليزيَّة من هذا النصِّ التي تتضمَّن بعض الاختلافات المهمَّة.
Pascual de Gayangos y Arce، ed and tr.، The History of the Mohammedan Dynasties in Spain، 2 vols. (London: Printed for the Oriental Translation Fund of Great Britain and Ireland، 1843-1840.
قارن:
Luce Lopez-Baralt and Awilda Irizarry <Dos Itinerarios moriscos secretos del siglo XVI 774.El ms 774 Paris y el ms. T-16RAH، » in: Homenaje a Alvaro Galmes de Fuentes، 3 vols) Madrid: Editorial Gredos، 1985- [19871)، pp. 582-547.
__________________


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 02-15-2012, 04:58 PM
الصورة الرمزية يقيني بالله يقيني
يقيني بالله يقيني غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: جمهورية مصر العربية
المشاركات: 4,854
افتراضي

31] قارن:
Luce Lopez-Baralt، <La Angustia secreta del exilic: El Testimonio de un morisco de Tunez، >، Hispanic Review، vol. 50 (1987)، pp. 57-41.

[32] إنَّ شجبَه لمحاكم التفتيش - منظورًا إليه لأوَّل مرَّة من وجهة نظر واحدٍ من ضحايا هذه المؤسسة - هو وثيقةٌ شديدة الأهميَّة بالنسبة لتاريخ الأفكار في إسبانيا.
أخيرًا فإنَّ لدينا صوتًا من أصوات المضطهَدين يتحدَّث باسمهم عن وضعهم التاريخي الخاص، وفيما يلي فقرةٌ من شهادة هذا المنفي:
"لنشكُر الله الرحيم لأنَّه أبعَدَ عنَّا هؤلاء الهراطقة المسيحيين... لقد أُجبِرنا على التظاهُر بأنَّنا نفعلُ ما يشاؤون؛ لأنَّنا لو لم نفعلْ فلسوف نُؤخَذ إلى محاكم التفتيش حيث كُنَّا، ولتمسُّكنا بالحقيقة سنُحرَم من الحياة ومن أملاكنا وأطفالنا، فجأةً سنجدُ أنفسنا نغيبُ في ظلام السِّجن المظلم، مثلُه مثل مَقاصد القائمين على محاكم التفتيش؛ حيث كُنَّا سنترُك عددًا من السنين هناك إلى أنْ تُؤخَذ أملاكنا كلها.. وإلى أنْ يؤخذ أبناؤنا إنْ كانوا صغارًا، ويربوا في أحضان [المسيحيين] ويجبرون على أنْ يصبحوا هراطقة مثلَهم، وإذا كانوا كبارًا ناضجين فسوف يحاولون الهرب.
إضافةً إلى هذا كله فإنَّ القائمين على محاكم التفتيش كانوا يفرضون على أملاكنا الضرائب والمكوس لكي يقضُوا على شعبنا، بعضهم قال: إنَّه يجب أن يُقضى علينا جميعًا بالموت؛ بعضهم قال: إنَّنا يجب أن نُخصى، آخرون قالوا: إنَّ عليهم أن يضعوا جمرةً من نارٍ على ذلك الموضع من أجسامنا؛ لكيلا نُنجب بعد ذلك أبدًا... ولهذا فإنَّنا نُصلِّي لربنا وإلهنا طوال الليل والنهار أنْ يُنجينا من هذه المحن والأخطار، ونحن نرغَبُ في الذهاب إلى ديار الإسلام ولو كانت أراضي بلقعًا جرداء.
MS S-2 BRAH، fols (11).

[33] إنَّ وصف مسلمي الأندلس لاستقبالهم كمهاحرين في تونس شديد الأهميَّة على صعيد التصوير الأدبي كما هو على الصعيد التاريخي:
"لقد استُقبلنا في ديار الإسلام من قِبَلِ ملك تونس عثمان داي (Usmanday)، وقد كان رجلاً عنيفًا قاسيًا، ولكنَّه كان معنا مثل الحمَل الوديع، وقد استَقبَلنا أيضًا أبو غيث القشاش (Citibulgaiz) بتقواه وورعه كما استقبلنا المسلون بإسلامهم؛ جميعهم حاولوا مُساعَدتنا وعامَلونا بحبٍّ ومُودَّة، وقد ألغى عثمان داي الضريبة التي كانت مفروضةً على كلِّ سفينةٍ آتية، التي كانت تبلغ مائة إسكودو (escudo)؛ لكي يُشجِّعنا على المجيء.. فوق ذلك كله سمح لنا أنْ نختار المكان الذي نودُّ العيش فيه، وهؤلاء الذين كان عليهم أنْ يذهبوا إلى منطقة المهديَّة توجهوا إلى هناك خلافًا لمشيئتهم، ومع ذلك فقد ساعدهم بإعطائهم قمحًا وشعيرًا وبنادق... وقد علمت من صديقٍ مُقرَّب إليه أنَّه عندما سقَط صريعَ المرض قال: "حالما أبرأ من مرضي سوف نذهب أنا وإياك معًا إلى جميع تلك الأماكن ونرى حاجاتهم ونقطع تلك المناطق لهم، "... أمَّا أبو غيث القشاش فقد ساعدنا هو أيضًا بالغذاء، وأخذنا إلى زوايا المدينة [الملاجئ]، خُصوصًا إلى زاوية سيدي الزليخي (Citi al Zulaychi) التي كان يلجأ إليها عددٌ كبير من النساء والأطفال الفقراء، وكما يفعل الأطفال في العادة؛ إذ يتغوَّطون دون أنْ يعرفوا المكان الذي يفعلونها فيه، فقد ملؤوا أرضَ الزاوية كلها بالبراز حتى إنَّ ال**** القائم على أمر المكان أبلغ أبا غيث القشاش أنَّ الزاوية قد تحوَّلت إلى كومة من الروث، وقد ردَّ عليه أبو غيث القشاش قائلاً: "دعهم يفعلون ما يشاؤون ودعهم يتغوَّطون في المكان الذي يريدون؛ لأنَّ المكان الذي يعيشون فيه لو كان يقدر على الكلام لقال: "لينزل هؤلاء الناس الذين بارَكَهُم الله، هؤلاء المسلمون المؤمنون والإخوة الأعزَّاء، على الرحب والسعة في هذا المكان السعيد كل مَن يحبهم مؤمن حقيقي، وكل مَن يزدريهم ويحتقرهم منافق" (13-12MS S-2 BRAH، fols).

[34] MS S-2 BRAH، fol. 96 v.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دمتم بخير
__________________


رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الألخميائي, الأدب


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الأدب الألخميائي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الأخت المنسية صابرة الملتقى العام 0 10-08-2015 05:02 AM
تأملوا هذه الآية صابرة شذرات إسلامية 0 09-22-2015 09:02 AM
الأدب المقارن Eng.Jordan أخبار ومختارات أدبية 0 03-08-2013 07:52 PM
أبي ليتك انت الميت.. صباح الورد الملتقى العام 2 08-16-2012 10:56 AM
لا تكن كالبحر الميت... صباح الورد الملتقى العام 4 07-12-2012 07:57 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 07:44 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59