#64  
قديم 10-09-2017, 08:32 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
ورقة موسوعة الاستغراب : ( الغرب وسمومه )

موسوعة الاستغراب : ( الغرب وسموم )
ـــــــــــــــــــ

19 / 1 / 1439 هـ
9 / 10 / 2017 م
ــــــــــــ




{ موسوعة الاستغراب : ( الغرب وسمومه )
----------------------------------
قانون الجذب ( Law of Attraction )
=================
معتقد باطني قائم على تصور الفلاسفة الدهريين لفكرة الـ (لوجوس) أو العقل الفعال)
يذهب قانون الجذب إلى أن الإنسان كائنٌ عاقلٌ مفكرٌ وواعٍ، يستطيع أن يُحدث تغييرًا
في أجزاء من العالم المادي من حوله عن طريق عقله وتفكيره .
فالإنسان يتأمل، فينقدح في ذهنه {{كلام عقلي}} أو {{فكرة}} فترتبط عن طريق ذبذباتٍ موجبة أو سالبة بالعقل الكلي (أو الـ {{لوجوس}} المنساب في ذرات الكون، فتتشكل الذرات تبعًا لذلك، وتصير الفكرة جسدًا أو حقيقة مشاهدة .
ومن أشهر الكتب التي روجت لهذه الفكرة كتاب (السر) لمؤلفته روندا بيرن .
قانون الجذب ـــ السر ـــ العصر الجديد }




ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #65  
قديم 05-27-2018, 07:18 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
ورقة الشيعة المتصوفة

الشيعة المتصوفة
ــــــــــ

(أ.د. ناصر بن عبد الله القفاري)
ــــــــــــــــ

11 / 9 / 1439 هـــ
27 / 5 / 2018 م
ـــــــــــــ







كتب كثير من العلماء والباحثين عن التصوف، وكتب آخرون عن الصلة بين التصوف[1] والتشيع[2]، مبيّنين التشابه العقدي والمنهجي بينهما؛ كالتشابه بين عقيدة الولاية عند الصوفية والإمامة عند الشيعة، وعقيدة العصمة للإمام عند الشيعة وعقيدة الحفظ للولي عند الصوفية، والتأويل الباطني عند الشيعة الباطنية والتأويل الباطني أو الرمزي أو الإشاري عند الصوفية، وتقسيم الدين إلى شريعة وحقيقة عند الصوفية كتقسيم الدين إلى تنزيل وتأويل عند الشيعة... وقد خص بعضهم هذه المسألة بمصنفات مستقلة[3].

وكان محور الحديث وأساسه هو التشابه العقدي بين الصوفية والشيعة، لكن لم توجد - فيما أعلم - دراسة علمية مستقلة تتناول التيار الخفي الباطني الرافضي المتقنّع والمستتر بالتصوف، مع أنه أخطر ما في الاتجاه الصوفي، بل هم الذين وراء اتساع الانحراف في دوائر التصوف حتى وصل الحال ببعض الباحثين المعاصرين إلى القول بأنه لا يوجد في التصوف اليوم معتدل، بل كلهم غلاة[4]، وذلك لاتساع دائرة هذا التيار وتغلّب مظاهره وآثاره على الاتجاه الصوفي، وهذا التيار هو الذي قاد ولا يزال يقود ركب التصوف نحو الغلو والتطرف.

وقد عرفت هذه الطائفة وأدركت أهمية دراستها؛ لأنني ابتليت بدراسة المذهب الشيعي بفرقه المختلفة، فأمضيت ما يزيد على ثلاثين سنة بحثاً ونظراً وتدريساً وتأليفاً[5] ورحلاتٍ متعددةً للبحث عن موارد المذهب ومقابلة بعض رموزه وجمعياته والوقوف على نشاطاته والتعرف على مخططاته، ومراجعة مناهجه الدراسية، وزيارة مشاهده ومزاراته... إلخ.
أما التصوف فقد عنيت بشأنه أيضاً بحثاً وتأليفاً[6]، وكذلك أثناء تدريسي مادة التصوف لطلاب وطالبات الدراسات العليا في الجامعة[7].

وهذه الصلة القائمة بين التصوف والتشيع والتشابه العقدي بينهما، ترجع في الأساس إلى تلك الخلايا الباطنية المنتشرة بين الطرق الصوفية، والمستترة بقناع التصوف، حتى بدأ بعضهم يدرس ما يسميه «التصوف السني»، وهو السالم من الوقوع في براثن الكيد الباطني وانحرافات الرافضة المتصوفة.
وقد تبيَّن لي من خلال دراستي وتدريسي لكلا الطائفتين، ضخامة الخطر وخطورة الداء المتمثل في التيار الشيعي الباطني الذي يسري في كيان التصوف الخرافي، ويسخره لخدمة أغراضه.

والملاحظ أن سلاح التشيع الباطني، وسلاح التصوف الغالي ذي الأصول الباطنية؛ من أخطر ما وجه لضرب الأمة من داخلها، بل هما من أمضى الأسلحة الخفية المؤثرة سلباً داخل كيان الأمة الإسلامية، وقد استخدم أعداء الأمة الظاهرون والمستترون هاتين الطائفتين لغزو الأمة من داخلها؛ ولذا فقد اعتنى أهل الاستشراق بدراستهما، حتى إن المستشرق دونلدسن بقى في إيران ست عشرة سنة لدراسة التشيع، ثم أخرج كتابه «عقيدة الشيعة».
واهتم المستشرق الفرنسي ماسينيون بالتصوف، وأمضى حياته في دراسة هذه الطائفة، بل اهتم بالشخصيات المتطرفة منهم كالحلاج، حتى لقب بـ «عاشق الحلاج».

وهؤلاء المستشرقون - كما هو معروف - يعملون مستشارين في وكالات الاستخبارات ووزارات الخارجية في بلادهم، وتبنى على بحوثهم ودراساتهم وتقاريرهم مواقف وخطط وحروب وسياسات.
وقد ذكر الأستاذ الشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - بأنه اطلع على تقرير استشراقي سري يفيد بأن أفضل طريقة لمواجهة انتشار الإسلام هو تغذية هذه المذاهب والطوائف ودعمها وتشجيعها.

وتتجلى خطورة هذا التيار الخفي من «التشيع الصفوي» المستتر بـ «التصوف»، في بُعده العقدي والأمني والسياسي والاجتماعي، فلقد تسللت المجوسية الفارسية التي تتخذ من «التشيع» وسيلة لخدمة أهدافها السياسية، وإقامة إمبراطوريتها الفارسية، وإعادة مملكتها البائدة ومجدها الغابر؛ تسللت إلى التصوف على سبيل الخصوص، وإلى المجتمعات الإسلامية على سبيل العموم، بواسطة هذه الطائفة والمتأثرين بها.

والخطورة الكبرى في هذا الاختراق الشيعي ترجع إلى كثرة عدد الصوفية وانتشارها واتساع نفوذها وعلو مكانة بعض شيوخها لدى بعض الساسة وأصحاب القرار في بعض الدول. ولإدراك أبعاد هذا الخطر انظر إلى آثار الاختراق الإيراني باسم التشيع لبعض فرق الزيدية، وهي «الجارودية»[8]، وتأثيراته الخطرة على بلاد اليمن وما جاورها[9]، ثم انظر إلى اختراقهم المجتمع اللبناني بواسطة ما يسمى «حزب الله».
ثم أرجع البصر إلى محاولة إيران احتواء نصيرية سورية باسم التشيع لعلي رضي الله عنه، مع أن المصادر الأساسية لشيعة إيران - أعني الشيعة الإمامية الإثني عشرية - تقرر في مصادرها المعتمدة لديها تكفير النصيرية صراحة[10]، كما أن النصيرية لا تبشر بمذهبها؛ لأنه مذهب سري باطني، إلا أن إيران – لا سيما بعد الثورة الخمينية - اتخذت من دعوى التشيع طريقاً إلى نشر دينها في المجتمع السوري، ونجحت - بواسطة التخطيط الإيراني - في احتواء النصيرية، ولذا ظهر «الغَزَل الشيعي» بين آيات قم ورجال الدين النصيريين، فأصدر - مثلاً - رجل الدين الشيعي الإيراني حسن الشيرازي بعد زيارة له لسورية، رسالة بعنوان «العلويون شيعة أهل البيت»[11]، ثم تطور الأمر واتسع الخطر إلى درجة تجنيد ملالي الرافضة في قم لبعض الجهلة والمرتزقة من أتباعهم لدعم النظام السوري النصيري العلوي في سورية، كعصابات «حزب الله» اللبناني، و«لواء أبي الفضل العباس» العراقي، وخلايا «الحرس الثوري» الإيراني[12].
وهم اليوم ينفذون خطة كبرى لاحتواء الطرق الصوفية لإفسادها وتجنيد أتباعها لتحقيق مصالح الرافضة، كما فعل اليهود حين دخلوا في النصرانية لتحقيق مآربهم.

ولذا؛ فإن أكثر الباحثين يتحدثون عن التشابه بين التصوف والتشيع في المبادئ والمعتقدات، وقلَّ من يدرك وجود تيار واسع متغلغل داخل الكيان الخرافي الصوفي، كما لم تفطن جماهير الصوفية الغائبة أو المغيبة لهذا التيار الباطني المتقنّع بالتصوف، فهم في غفلة عما يراد بهم ومنهم، بل إن الانحراف الصوفي نحو التشيع، ووجود التشابه بين التصوف والتشيع؛ هو بسبب الكيد الشيعي والتآمر الباطني المستتر بقناع التصوف، وهذا جزء من استراتيجيتهم ووسائلهم للتسلل إلى مراكز التأثير في الأمة.

وبحسبك أن تعلم أن تسلل التيار الشيعي إلى الطوائف والمجتمعات لم يسلم منه أهل السنة[13]، بل أشدهم تحفظاً واحتراساً وورعاً وتقوى وعلماً، وهم أهل الحديث، فكيف بالتصوف الذي تشيع منه الخرافة ويسيطر عليه الابتداع؟! وقد كشف العلامة عبد الله السويدي - رحمه الله - كيف تسللوا إلى أهل الحديث، بقوله: «إن بعض علمائهم اشتغلوا بعلم الحديث وسمعوا الأحاديث من ثقات المحدثين من أهل السنّة وحفظوا أسانيد أهل السنّة الصحيحة، وتحلّوا في الظاهر بحلي التقوى والورع، بحيث كانوا يعدون من محدثي أهل السنّة، فكانوا يروون الأحاديث صحاحاً وحساناً، ثم أدرجوا في تلك الأحاديث موضوعات مطابقة لمذهبهم، وقد ضل بذلك كثير من خواص أهل السنّة فضلاً عن العوام، لكن قيض الله بفضله أئمة أهل الحديث فأدركوا الموضوعات فنصوا على وضعها فتبين حالها حينئذ والحمد لله على ذلك»[14].

كما قام بعض شيوخهم المتستّرين بالانتساب للسنة، بابتداع بعض الأفكار المشابهة للفكر الشيعي ونشرها بين أهل السنة، فيرى الشيخ محمد أبو زهرة أن نجم الدين الطوفي (المتوفى سنة 716هـ) قد تعمد الترويج للمذهب الشيعي بهذه الوسيلة في بحثه عن المصلحة الذي قرر فيه أن المصلحة تقدم على النص؛ لأن هذا مسلك شيعي، حيث عند الشيعة أن للإمام أن يخصص أو ينسخ النص بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فالطوفي قد أتى بالفكرة كلها، وإن لم يذكر كلمة الإمام وأبدلها بالمصلحة، ليروج القول وينشر الفكرة. ثم يقرر أبو زهرة بأن الطوفي في تهوينه شأن النص ونشر فكرة نسخه أو تخصيصه بالمصالح المرسلة، قد أراد تهوين القدسية التي تعطيها الجماعة الإسلامية لنصوص الشارع[15].

وهذا ليس بغريب من طائفة دينها «التقية» التي هي النفاق بعينه، ولذلك نجد الخميني يحثّ أتباعه على التسلل داخل الحكومات الإسلامية لمناصرة تنظيمهم السري، ويسمي ذلك «الدخول الشكلي» في الحكومات[16]؛ لذا يرى شيخهم محمد جواد مغنية (رئيس المحكمة الجعفرية ببيروت) وجوب العمل بالمكيافيلية، والتي تعني أن الغاية تبرر الوسيلة، ويقرر أن هذه هي عقيدة «التقية» عندهم[17]. وإن رابك شيء عن خطر الحركة الرافضية الباطنية التي تعمل في خفاء داخل أروقة التصوف (مع وجود ذلك التشابه العقدي المتعمد بينهما)؛ فتأمل التواصل المستمر الظاهر والخفي بين الطائفتين، والزيارات المتبادلة بين شيوخ الطرق الصوفية وملالي الرافضة، والتعاون بينهما، وقيام بعض شيوخ التصوف بتحقيق الأهداف السياسية للتشيع الصفوي، وتقديس شيوخ الروافض لرموز تيارهم الخفي المتسلل داخل التجمعات الصوفية.

بل إن بعض شيوخ الرافضة في عصرنا يتخذون من التيار الصوفي أداة للهجوم على السنة وأهلها، وربما يحتجون بما في كتبهم من تأييد لمناهج الروافض بدعوى أن هذا رأي أهل السنة، فمثلاً يستشهد الكاتب الشيعي المعاصر محمد حسين الزين في كتابه «الشيعة في التاريخ»، بتأويل سليمان الحنفي النقشبندي حديث مسلم: «إن هذا الأمر لا ينقضِي حتى يمضِي فيهِم اثنا عشرَ خليفةً كلهُم من قُرَيش»[18]، يحتج بتأويل النقشبندي له بالأئمة الاثني عشر[19]، وذلك ليسند مذهبه برأي سني كما يزعم[20]. والحقيقة – كما يقول د. مصطفى الشيبي - أنه «لا دخل لأهل السنّة بهذا التوثيق، وإنما هي الصوفية المتشيعة التي ينتمي إليها النقشبندي»[21]. وأقول: بل هي «الشيعة المتصوفة» المتسللة داخل الطرق الصوفية. وقد أدرك شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - هذه الظاهرة الخطيرة، وإن لم يحدد جهتها، حيث قال: «قد يوجد في بعض المنتسبين إلى مذهب الأئمة الأربعة من هو في الباطن رافضي»[22].

إن من المفاهيم الخاطئة الشائعة التي يجب أن تصحح، هو تصور عامة الناس أن العلاقة بين «التشيع» و«التصوف» هي نوع من التشابه غير المقصود، ولا ينبئ عن وجود طائفة قائمة لها كيانها ورجالها ومصادرها وتواصلها السري والعلني مع رموز الشيعة، واعتقاد بعضهم أن العلاقة بين التشيع والتصوف هي من قبيل الغزو الخارجي الشيعي للتصوف فقط، ولا وجود لطائفة باطنية رافضية قائمة تعيش وتقبع داخل الطرق الصوفية من مدة طويلة، ولا تزال هذه الطائفة تتوسع في تدميرها لكيان التصوف، ونقلهم إلى نحلتهم بأنواع الإغراءات وصنوف شتى من التلبيس والتدليس.
وقد أشارت مصادر صحفية مصرية إلى تقرير لمجمع البحوث الإسلامية كشف عن محاولة لنشر أفكار ومبادئ المذهب الشيعي بين أتباع ومريدي الطرق الصوفية في مصر من قبل بعض التيارات والجهات الشيعية التي تستغل التشابه بين التصوف والتشيع، وأن الأموال باتت تتدفق على أتباع الطرق الصوفية في مصر بعد تصريحات أطلقها بعض قيادات التصوف أشاروا فيها إلى أنه لا فرق بين الشيعة والمتصوفين، وفقما نسب إلى حسن الشناوي شيخ مشايخ الطرق الصوفية. وحذر المجمع من تزايد النشاط الشيعي في مصر، خاصة مع قدوم لاجئين عراقيين ينتمون إلى المذهب الشيعي[23].
لقد قام «الرافضة المتصوفة» قديماً بإشاعة معتقدات توافق في المعنى والحقيقة المذهب الشيعي وإن اختلفت الألفاظ، وعملت على نشرها في الوسط الصوفي، حتى كاد أن يختفي الصوت المعتدل لأهل التصوف، الذي هو في حقيقته عبارة عن الزهد في الدنيا والانقطاع لعبادة الله، والذي قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن أسلافهم: «والصواب أنهم مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله»[24]، حيث تم - بتخطيط وتعمد وسبق إصرار - طرح عقيدة «الولاية» في الوسط الصوفي والمشابهة لعقيدة «الإمامة» عند الشيعة، وتم إشاعة عقيدة «الحفظ» للولي بين الصوفية، والتي تشبه عقيدة «العصمة» للإمام عند الشيعة، كما قام الشيعة المتصوفة بتقسيم الدين إلى «شريعة» و«حقيقة»، وهو يشبه تقسيم الدين إلى «تنزيل» و«تأويل» عند الشيعة الإمامية، وقالت الشيعة المتصوفة: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء ببيان الشريعة، والولي جاء ببيان الحقيقة، كما قالت الشيعة الإمامية: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بالتنزيل، وجاء علي رضي الله عنه بالتأويل.

كما قامت «الشيعة المتصوفة» أو «رافضة الصوفية» بإشاعة مبادئ ومظاهر الشرك والوثنية في أوساط الصوفية، فمثلاً يوجد في مصر أكثر من ستة آلاف ضريح أكثرها تابع للمجلس الصوفي الأعلى، وصرح وزير الأوقاف المصري بأن حصيلة النذور التي جمعت من الأضرحة في الفترة من (1/7/2005) إلى (30/6/2006)، بلغت 52 مليوناً و67 ألفاً و579 جنيهاً (مع أن هناك الملايين من الأحياء تحت خط الفقر).

وقد أثبت موقع الصوفية أن عدد القبور والأضرحة التي تزار بشكل يومي، وتقدم لها القرابين والنذور، وتطلب منها قضاء الحاجات وتفريج الكربات، ويسألون الشفاعة، ويستغاث بهم، في تهامة اليمن فقط؛ بلغ ما يقارب (178) ضريحاً، وقد قرر المحققون من أهل العلم بأن «الشيعة الباطنية» هم أول من أحدث عبادة القبور والمشاهد في أمة محمد صلى الله عليه وسلم[25].

إن تغلغل هذا التيار الشيعي الباطني داخل الطرق الصوفية، وتكاثرهم العددي، وتأثيرهم العملي، وكيدهم الباطني، ومكرهم الخفي، وضررهم الخرافي، وخطرهم الوثني؛ هو الذي أرخى بسدوله المظلمة على التصوف الذي يعيش حالة من المبالغة في الزهد، والتوجه الروحي المتجرد، والتقوقع على الذات، حتى سخروهم لخدمة أهدافهم وتحقيق أغراضهم من حيث لا يشعرون.
إن هذه الخلية الرافضية السرية التي تنخر في كيان التصوف، وتعيث فيه فساداً؛ تظهر آثارها وملامحها في كثير من الطرق الصوفية، فغالب الطرق الصوفية تلتصق بعلي وسلمان رضي الله عنهما، وكل منها يدعي العلوم المكتومة الباطنة من طريق علي - رضي الله عنه -، كما أن أصول بعض الطرق الصوفية فارسية بحتة كالطريقة النقشبندية.

ويبدو من خلال الاستقراء والدراسة والنظر أن التيار الشيعي الباطني إذا أنهى أو أكمل عملية تحويل الطريقة الصوفية إلى المسار الشيعي الباطني؛ فإنه يتم حينئذ كشف المستور والخروج عن التقية كما ترى الحال بالنسبة للطريقة «الختمية»، حيث أفصحت وأعلنت تشيعها بالكامل من خلال ارتباطها اعتقاداً واستدلالاً ومنهجاً ومصيراً بالتشيع، ولذا ترى بعض شيوخ الطريقة «الختمية» المعاصرين يحتجون بنفس حجج الإمامية، ويطعنون في الصحابة كحال إخوانهم الرافضة، سواء بسواء، ومثل ذلك «البكتاشية»، حتى عدها الكوثري من ألقاب الشيعة الإمامية[26]، وكذلك الطريقة «العزمية»[27]. ثم يتحدث بعض من لا يدرك أبعاد المكر الباطني بأن هذا تشابه، وهذا آخر ما وصلت إليه دراستهم.
ومن إفرازات هذه الخلية الباطنية الصوفية قيام بعض رموزها بمناورات ماكرة وحيل سافرة، وهي الإعلان عن انتقالهم من السنة إلى الشيعة، وقيامهم بتأليف بعض الكتب التي يدّعون فيها تحولهم من السنة إلى الشيعة، وقد مرت هذه الخدعة على بعضهم، وظنوا أنها حقيقة، وما علموا أنها «الرافضة الباطنية المستترة برداء التصوف»[28].

إن قلة من الناس من يستطيع أن يفرق بين «الشيعة الصوفية» و«الشيعة المتصوفة» و«الصوفية الزاهدة» ذات التوجه السني في الأصل، وموضوع هذا البحث هو «الشيعة المتصوفة».
أما «الشيعة الصوفية»، فإن رموزها يجاهرون بمبادئ «التصوف المنحرف» ومبادئ «التشيّع الغالي»، وربما كان ذلك إحدى الخطط الاستراتيجية لاستيعاب الطرق الصوفية، كما فعلوا من قبل في استيعاب فرق التشيّع التي ظهرت على امتداد التاريخ، ومزج آرائها ومعتقداتها في التشيّع الاثني عشري[29]، فمؤسس الدولة الصفوية الحديثة في عصرنا الخميني الموسوي مثلاً، هو من غلاة المتصوفة القائلين بالحلول والاتحاد، فهو من الشيعة الصوفية، وتتمثل صورة التصوف الغالي عنده في أقبح مظاهرها وفي أشد تطرفها في كتابه: «مصباح الهداية»[30]، وكتابه الآخر: «سر الصلاة»[31]، كما أنه يعتمد التلقي في هذا الباب عن أقطاب التصوف الغلاة كابن عربي الذي يصفه بـ «الشيخ الكبير»[32]، والقونوي الذي يصفه بـ «خليفة الشيخ الكبير محيي الدين»[33]، وهما من الشيعة المتصوفة، كما يذهب مذهب غلاة الصوفية القائلين بأن النبوة مكتسبة[34]، هذا فضلاً عن اتفاقه وسائر بني ملته في جملة من المبادئ العقدية مع غلاة الصوفية[35].
إن «الشيعة المتصوفة» هي التي تسخر الطرق الصوفية لتحقيق أهدافها، وتسييس التوجه الصوفي ليتحول إلى كيانات سياسية موالية لإيران، ومتآمرة ضد دول الإسلام.

يتخذ الشيعة من التصوف مدخلاً على المجتمعات الإسلامية للترويج لنحلة «الرفض» و«الزندقة»، والروافض يرون أن البيئات التي ينتشر فيها التصوف تمثّل المناخ أو التربة الصالحة لنشر الرفض، وقد أطلعني أحد الباحثين العراقيين قديماً على تقرير سري لخطة نشر المذهب الرافضي في البلاد المصرية، وكان التقرير ينص على أن البيئة المصرية، حسب زعمهم، بيئة صالحة لنشر مذهبهم؛ لوجود وانتشار الطرق الصوفية، وكذلك وجود ما يسمى مشاهد أهل البيت المزعومة، كمشهد الحسين والسيدة زينب، إضافة إلى وجود قبائل الجعافرة في الصعيد.

ويذكر أحد المتشيعة في مصر، ويدعى محمد الدريني، أن عدد الشيعة في مصر حسب تقرير الحالة الدينية للخارجية الأمريكية، قدر بـ 750 ألفاً، لكنه يزعم أن عدد الشيعة أكثر من ذلك، ويستند في هذه الدعوى إلى قوله: «لا بد أن نضع في اعتبارنا وجود ما لا يقل عن مليون من صوفية مصر يتّبعون الفكر الشيعي، وهكذا الحال في السودان ودول إفريقية أخرى». وهو يشير هنا إلى «الشيعة المتصوفة» أو «رافضة الصوفية»، فهم صوفية في الظاهر وشيعة في الباطن[36].
ومع وجود هذا التيار الخفي داخل التصوف والذي يجهله الكثير، فإن الخطر الأكبر في أن هناك توجهات عربية وغربية لدعم الحالة الصوفية، مع حملها في أحشائها ومن داخلها «الحمل الباطني الرافضي». يقول د. عبد الوهاب المسيري: «مما له دلالته أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب مؤلفات ابن عربي وأشعار جلال الدين الرومي، وقد أوصت لجنة الكونجرس الخاصة بالحريات الدينية بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية، فالزهد في الدنيا والانصراف عنها وعن عالم السياسة يضعف ولا شك صلابة مقاومة الاستعمار الغربي»[37].

ويزعم المستشرق الألماني شتيفان رايشموت[38] أن «مستقبل العالم الإسلامي سيكون حتماً للتيار الصوفي»[39].
ويقول دانيال بايبس[40]: «إن الغرب يسعى إلى دعم التصوف الإسلامي لكي يستطيع ملء الساحة الدينية والسياسية، وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة، وإقصائه نهائياً عن قضايا السياسة والاقتصاد، وبالطريقة نفسها التي استخدمت في تهميش المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة»[41].

وفي صيف عام 2004 أصدرت مؤسسة «راند»[42] تقريراً[43] تضمّن توجيه الولايات المتحدة الأمريكية بـ «تشجيع انتشار وقبول الصوفية في المجتمعات الإسلامية»[44].

وقد كتب الأستاذ فهمي هويدي مقالاً يعلق فيه على هذا التقرير، ومما قال: «إن التقرير لا يخفي دعوة صريحة إلى تشجيع التصوف، وهو ما يعد نوعاً من الدعوة إلى التعلق بما يمكن أن نسميه الإسلام الانسحابي[45] الذي يقلص التدين في دائرة روحية لا يتجاوز حدودها، فهو يتحدث صراحة عن أهمية تعزيز الصوفية وتشجيع البلدان ذات التقاليد الصوفية القوية على التركيز على ذلك الجانب من تاريخها، وعلى إدخاله ضمن مناهجها الدراسية، بل يلح على ذلك في عبارة أقرب إلى الأمر تقول: لا بد من توجيه قدر أكبر من الانتباه إلى الإسلام الصوفي»[46].

وفي 24 أكتوبر 2003م استضاف مركز نيكسون[47] مؤتمر برنامج الأمن الدولي في واشنطن لاستكشاف مدى دور الصوفية فيما يتعلق بأهداف السياسة الخارجية الأمريكية، وقد عقد المؤتمر في ثلاث جلسات، واحدة منها سرية.

الجلسة الأولى: حول الصوفية: التاريخ، الفلسفة، الجماعات.

الجلسة الثانية: حول الصوفية في أوروبا وآسيا[48].

ويذكر المستشرق برنارد لويس[49] أن اهتمامهم بالتصوف لأنه يذهب إلى أن «الأديان جميعها أصلها واحد، وكل الأديان لها هدف واحد، ورسالة واحدة، وهم يعبدون الإله نفسه، والله في الكنيسة وفي المسجد»[50]. وفي تقرير نشرته مجلة يو إس نيوز الأمريكية عام 2005م بعنوان: «قلوب وعقول ودولارات» يهدف إلى استراتيجية تدَّعي الوصول إلى العالم الإسلامي، يقول هذا التقرير في إحدى فقراته: «يعتقد الاستراتيجيون الأمريكيون بشكل متزايد أن الحركة الصوفية بأفرعها العالمية قد تكون واحداً من أفضل الأسلحة». ونقلت المجلة الأمريكية المذكورة أن واشنطن قامت بتمويل محطات إذاعة إسلامية وبرامج تلفزيونية ودورات تعليمية للترويج للإسلام المعتدل في أكثر من 24 دولة إسلامية[51].

وحضر السفير الأمريكي في القاهرة مولد البدوي في 16/10/1426هـ، معلناً إعجابه الشديد بعالم التصوف الإسلامي، ويقال بأنه انتسب إلى الطريقة الأحمدية وصار مريداً فيها، حيث أخذ العهد من أحد شيوخ الصوفية في مولد الشيخ البدوي[52]. كما طلب السفير الأمريكي فرنسيس ريتشارد مقابلة شيخ مشايخ الطرق الصوفية حسن الشناوي، وتمت المقابلة في مقر المشيخة العامة بالحسين، كما حضر السفير الأمريكي في المغرب السهرة الصوفية التي أقيمت في الرباط[53].

وهناك مادة علمية واسعة حول الاهتمام الدولي والعالمي بأمر التصوف، ليس هذا مجال عرضها، وهو في أساسه يعتمد على أمور عدة، منها:

1- توهم بعضهم أن التصوف هو مصدر التسامح وأساس التعايش مع الآخر، وغاب عنهم أن التسامح هو في الإسلام السالم من الشرك والابتداع.
2- التآمر على أهل الإسلام بالاستفادة من عنصر التصوف الخرافي لنشر الجهل وإبقاء حالة التخلّف في الأمة.
3- خفاء التيار الباطني المتقنّع خلف التصوف عن الكثير.

والتصوف اليوم بطرقه ورجاله ومريديه وأربطته وزواياه والباطنية التي تحركه من الداخل، والاهتمام العالمي، خاصة الغربي، بشأنه؛ لم يعد مجرد فرقة مختفية خلف الزوايا، بل صار مؤسسات ضخمة لها امتدادها عبر القارات. وفي اعتقادي أن المحرك السياسي والتنظيمي له هو «الشيعة المتصوفة» المعروفة بتخطيطها وتنظيمها واختراقها الفرق، وسريّتها وتلونها بحسب المصالح، وهذا التيار يحتاج في مواجهته إلى أمرين:

الأول: كشف خطر وضرر هذا التيار على المسلمين عامة، وعلى أهل التصوف خاصة، ببيان عقائدهم وخططهم؛ لأن معرفة حال المخالف وعقيدته هي الأساس لبيان الحق له، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع معاذ بن جبل رضي الله عنه حين أرسله إلى اليمن بقوله: «إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله...» الحديث[54]، فبيّن له حالهم واعتقادهم قبل تعريفه بمنهج دعوتهم.

الثاني: العمل على نشر السنة والتحذير من البدعة بالحكمة والموعظة الحسنة، كما قال تعالى: {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْـحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْـحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: ١٢٥]، وقال جل وعلا: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: ١٠٨].

والمتعين دراسة علمية واسعة تتناول التيار الخفي والخطير في التصوف - أعني «رافضة الصوفية» أو «الصوفية المتشيعة» - تتجاوز حدود المقارنة العقدية إلى الكشف عن خطر هذا التيار وخططه ومكائده، وهذا يحتاج إلى أمور عدة، منها:
أولاً: دراسة ميدانية عن حالة التصوف في البلدان التي تنتشر فيها هذه الطائفة.

ثانياً: رصد المجلات والدوريات الصوفية.

ثالثاً: جمع الكتب الصوفية المعتمدة.

رابعاً: مقابلة رجالات أو بعض رموز التصوف.

خامساً: رصد النشاط الصوفي المعاصر.

سادساً: الوقوف على الوسائل والمناهج والمسالك الخفية للتيار الباطني.

سابعاً: تحديد العقائد الباطنية الموجودة داخل التيار الصوفي.

ثامناً: تحديد الشخصيات الباطنية المختفية داخل التصوف من خلال آثارهم.
ولعل الله ييسّر القيام بشيء من ذلك في بحث مفصل - إن شاء الله تعالى -، والله الهادي إلى سواء السبيل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] المقصود بالتصوف والصوفية هنا: الطبقة الثانية والثالثة بحسب تقسيم المحققين من أهل العلم لدرجات التصوف، فإن التصوف في مراحله الأولى كانت حقيقته الزهد في الدنيا والانقطاع لعبادة الله، والاجتهاد في طاعته، ثم انحرف التصوف إلى الرهبانية والتعلق بالبدع والمنكرات، ثم تطور إلى الشطحات والضلالات في العقائد والأعمال كالحلول والاتحاد (انظر: «مجموع الفتاوى» 11/18 وما بعدها).
[2] المقصود بالتشيع والشيعة هنا: التشيع الإمامي الإثنا عشري، إذ أصبح لفظ «التشيع» عند الإطلاق في عصرنا لا ينصرف إلا إليهم، وما عداهم زيدية أو إسماعيلية، وإن كان هؤلاء ليسوا بشيعة، وإنما هم سبئية باطنية رافضة (انظر: «أصول مذهب الشيعة» 1/61-65 الطبعة الرابعة).
[3] مثل: «الصلة بين التصوف والتشيع»، «الفكر الشيعي والنزعات الصوفية حتى مطلع القرن الثاني عشر» للباحث الشيعي العراقي د. مصطفى كامل الشيبي، «العلاقة بين التشيع والتصوف» للباحث فلاح بن إسماعيل مندكار، و«العلاقة بين الصوفية والإمامية» للباحث زياد بن عبد الله الحمام.
[4] مثل الشيخ إحسان إلهي ظهير - رحمه الله -، الذي قال: «كنت أظن أول الأمر أن بعض الغلاة هم الذين أساؤوا إلى التصوف والصوفية, وأن الغلو والتطرف هو الذي *** عليهم الطعن وأوقعهم في التشابه مع التشيع والشيعة, لكنني وجدت - كلما تعمقت في الموضوع, وتأملت في القوم ورسائلهم, وتوغلت في جماعاتهم وطرقهم, وحققت في سيرهم وتراجمهم - أنه لا اعتدال عندهم، كالشيعة تماماً, فإن الاعتدال عندهم كالعنقاء في الطيور» (التصوف.. المنشأ والمصدر، ص 6).
[5] ومن المؤلفات: «مسألة التقريب بين السنة والشيعة»، «أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية.. عرض ونقد»، «بروتوكولات آيات قم»، «البدعة المالية عند الشيعة الإمامية»، «حقيقة ما يسمى بزبور آل محمد»، «البراءة من المشركين عند الشيعة الإمامية»، «الشيعة والتشيع» (وهو تحقيق ودراسة بالمشاركة مع د. سلمان العودة لكتاب أحمد الكسروي رئيس المحاكم الإيرانية في زمنه، والأستاذ في جامعة طهران، والذي نقض المذهب من أصوله)، وتهذيب ودراسة لكتاب «الوشيعة في نقد عقائد الشيعة» لموسى جار الله (آخر شيخ للإسلام في روسيا).
[6] من خلال كتابيَّ: «الموجز في الأديان والفرق والمذاهب» بالاشتراك مع أ. د. ناصر العقل، و«العقيدة والأديان والاتجاهات المعاصرة»، وهو مقرر دراسي على المستوى الثالث في الثانوية بالاشتراك مع آخرين.
[7] حيث تم استحداث مادة دراسية جديدة في جامعة القصيم، وربما لأول مرة على مستوى المملكة للدراسات العليا، اسمها : «مادة التصوف».
[8] وحوثية اليمن جارودية وقد تحولوا في عصرنا إلى إثني عشرية، فجمعوا بين اعتقاد أسلافهم «الجارودية» الرافضة، وبين اعتقاد الإثني عشرية «السبئية» المعاصرة.
[9] انظر: «الحوثية في اليمن»، مركز الجزيرة العربية للدراسات والبحوث، صنعاء، بالتعاون مع المركز العربي للدراسات الإنسانية، القاهرة، «التحولات الزيدية وعوامل ظهور الحوثية» لأبي صالح عبد الله بن نوح الحجري.
[10] انظر: «بحار الأنوار» (25/285).
[11] انظر للتفصيل: «مسألة التقريب» (1/383)، «أصول مذهب الشيعة» (3/20).
[12] وتمويل هؤلاء المرتزقة من بترول الشعب العراقي.
[13] للتعرف على جملة من مكائدهم في هذا الباب، ينظر: «مختصر التحفة الاثني عشرية» (ص 25-47)، «مسألة التقريب» (1/61-83).
[14] «نقض عقائد الشيعة» (ص 25– 26) مخطوط.
[15] انظر: «ابن حنبل» (ص 361)، وقد ترجم أبو زهرة للطوفي، وأثبت أنه من الشيعة (المصدر السابق: ص 361-362). وانظر ترجمته في: «ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (4/409-421).
[16] انظر: «الحكومة الإسلامية» (ص 142).
[17] انظر: «الشيعة في الميزان» (ص 49).
[18] «صحيح مسلم»: كتاب الإمارة، باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش (ح 1821).
[19] مع ظهور بطلان هذا التأويل يقيناً، فلم يتولَّ الخلافة من الاثني عشر سوى علي والحسن - رضي الله عنهما -، ولم يدع أحد منهم أحقيته بالخلافة، بل تنازل الحسن عنها حرصاً على اجتماع المسلمين، ثم إن آخر الاثني عشر لا وجود له أصلاً، فضلاً عن أن يقال بإمامته وولايته.
[20] انظر: «الشيعة في التاريخ» (ص 118).
[21] «الصلة بين التصوف والتشيع» (ص 110).
[22] «منهاج السنة» (4/133).
[23] موقع مفكرة الإسلام:
http://www.islammemo.cc/akhbar/arab/.../01/53752.html.
[24] «مجموع الفتاوى» (11/18).
[25] انظر: «الرد على الأخنائي» لابن تيمية (ص47).
[26] انظر : مقدمة «كشف أسرار الباطنية» للكوثري.
[27] انظر على سبيل المثال: سلسلة «شبهات حول الشيعة» من إعداد لجنة البحوث والدراسات بالطريقة العزمية، وفيه محاولة للدفاع عن الشيعة وترويج عقائدهم في: الإمامة (1/110-112)، وأن ابن سبأ أسطورة لا وجود لها (2/17، 94)، وجواز العمل بالتقية (3/13)، والطعن في عدالة الصحابة (3/70)، والقول بعصمة الأئمة (4/45،99)، والمتعة (5/89-90)، والبداء (6/51-52)، والانتظار (6/84)، والرجعة (6/116) .
[28] ومن أمثلة هؤلاء الباطنية الصوفية المدعو محمد التيجاني الذي أصدر عدة كتب في هذا الموضوع، وكان له حضور خاسر وسجال ومحاورات في بعض الفضائيات، ومثله المدعو محمد مرعي الأنطاكي الذي ادّعى أنه كان قاضي القضاة على مذهب أهل السنة في حلب، مع أنه لا يعرفه أحد من علماء حلب، قال لي الشيخ عبد الفتاح أبو غدة - رحمه الله -: «هذا نكرة لا يعرف لا في حلب ولا سورية، وهو جاهل ضعيف الحجة». قلت: وربما كان من باطنية أنطاكية، أو شخصية وهمية.
[29] انظر للتفصيل: «أصول مذهب الشيعة» (3/19) وما بعدها.
[30] انظر: «مصباح الهداية» (ص 134، 142، 145).
[31] انظر: «سر الصلاة» (ص 178).
[32] انظر: «المصدر السابق» (ص 84، 94، 112).
[33] انظر: «المصدر السابق» (ص 110).
[34] انظر: «المصدر السابق» (ص 148-149).
[35] انظر: «أصول مذهب الشيعة» (3/213-216).
[36] وقد كان لهم أثر ظاهر وخفي في إحداث الفتنة في مصر.
[37] موقع الجزيرة نت:
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/...551912A33B2.htm.
[38] أستاذ الدراسات الشرعية والعلوم الإسلامية بجامعة (الرور) بـ (بوخوم) بألمانيا.
[39] مقال «الصوفية هل تكون النموذج الأمريكي للتغيير»، عمار علي حسن،
http://www.onislam.net/arabic/madari...019-24-06.html.
[40] مؤلف ومؤرخ أمريكي متخصص في نقد الإسلام، مؤسس ومدير «منتدى الشرق الأوسط»، وإحدى الشخصيات البارزة في تيار المحافظين الجدد في الولايات المتحدة، ومن زعماء الحركة الصهيونية، وأحد كبار المحرضين على شن الحرب على العراق.
[41] صحيفة الزمان، عدد (1633)، تاريخ (12/10/2003م)، نقلاً عن «التصوف بين التمكين والمواجهة» لمحمد بن عبد الله المقدي (ص 8).
[42] مؤسسة راند مؤسسة بحثية تابعة حالياً للبيت الأبيض، أنشئت عام 1946 كمركز تطوير للمشاريع والبحوث العلمية والسياسية والعسكرية التابع للقوات الجوية في وزارة الدفاع الأمريكية، لمساعدة المؤسسة العسكرية على معالجة التحديات الجديدة في مجالي الإرهاب والأمن القومي، وتقاريرها معتمدة في توجيه سياسة الحكومة الأمريكية.
[43] أعدته الباحثة في قسم الأمن القومي شيرلي بينارد، وهي زوجة زلماي خليل زاده الذي كان يشغل منصب المساعد الخاص للرئيس بوش، وكبير مستشاري الأمن القومي المسؤول عن الخليج العربي وجنوب شرق آسيا، والذي كان سفيراً لأمريكا في العراق، وهو من أصل أفغاني، وينتمي إلى المحافظين الجدد، ومعروف بآرائه المتطرفة.
[44] «الإسلام الديمقراطي المدني.. الموارد، الاستراتيجيات، الشركاء» (ص 7) .
[45] لا يصح وصف الإسلام بالانسحابي، وإنما قد يوصف به بعض أتباعه.
[46] «جريدة الأهرام» تاريخ (10/8/2004) عدد (42981).
[47] مركز نيكسون مؤسسة سياسية عامة تأسست عام 1994م، وقد أسسها الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون، وهو متخصص في تحليل التحديات والسياسات التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التركيز على المصلحة الأمريكية القومية (انظر مقدمة تقرير: «فهم الصوفية واستشراف أثرها في السياسة الأمريكية» ترجمة د. مازن مطبقاني).
[48] انظر تقرير: «فهم الصوفية واستشراف أثرها في السياسة الأمريكية» (ص 6).
[49] ولد برنارد لويس في لندن عام 1916م، وهو بريطاني الأصل يهودي الديانة صهيوني الانتماء أمريكي الجنسية، عمل مدرساً في قسم التاريخ للدراسات الشرقية الإفريقية، وهو مستشار مسموع الرأي عند المحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية، وقد أقيم له حفل تكريمي في تل أبيب، وقالوا عنه: «علمنا برنارد لويس كيف نفهم التاريخ المعقد والمهم للشرق الأوسط واستخدامه ليقودنا نحو المرحلة الجدية لبناء عالم أفضل للأجيال الصاعدة»، كما قام لويس بقيادة الإدارة نحو مرحلة جديدة في العراق، وكان قد أوضح أن اجتياح هذا البلد سيخلق فجراً جديداً، ويقال: إنه صاحب مشروع تقسيم الدول العربية والإسلامية.
[50] انظر: «المصدر السابق» (ص 38).
[51] صحيفة يو إس نيوز: تاريخ (25/4/2005م)، نقلاً عن « التصوف بين التمكين والمواجهة » (ص 29-30).
[52] صحيفة الشرق الأوسط: تاريخ (16 شوال 1426هـ)، صحيفة المصري: تاريخ (2/11/2007م).
[53] صحيفة الوطن العربي: تاريخ (5/5/2006م)، نقلاً عن «التصوف بين التمكين والمواجهة» (ص 32).
[54] أخرجه البخاري (ح 1458)، ومسلم (ح 19).





ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #66  
قديم 09-06-2018, 06:44 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
افتراضي فرق الشيعة

فرق الشيعة
ــــــ

(أ.د. ناصر بن عبد الله القفاري)
ــــــــــــــــ

26 / 12 / 1439 هــ
6 / 9 / 2018 م
ــــــــــــــ







الحديث
===
عن فرق الشيعة طويل ومتشعب، ومن يرجع إلى كتب الفرق والمقالات؛ سيقف على عدد كبير من تلك الفرق، لكنه ربما لا يهتدي إلى معرفة قديمها من معاصرها، والباقي منها والفاني، فضلاً عن معاني أسمائها وحقيقة معتقداتها، بل إن كثيراً من الناس لا يفرقون بين ألقابها وفرقها، ولا يميزون بين غلاتها ومعتدلها، ويشتبه عليهم شيعة آل البيت بالرافضة؛ لأن الرافضة يسمُّون أنفسهم بالشيعة[1].

والملفت للنظر هو كثرة هذه الفرق، وتعددها بدرجة كبيرة، حتى تكاد تنفرد الشيعة بهذه السمة، أو قل: بهذا البلاء! فبعد وفاة كل إمام من الأئمة عند الشيعة تظهر فرق جديدة، وكل طائفة تذهب في تعيين الإمام مذهباً خاصاً بها، وتنفرد ببعض العقائد والآراء عن الطوائف الأخرى، وتدعي أنها هي الطائفة المحقة.

الاختلاف والتفرق من سمات التشيع:
==============

هذا الاختلاف والتفرق كان محل شكوى وتذمر من الشيعة نفسها، قال أحد الشيعة لإمامه - كما في «رجال الكَشي» -: «جعلني الله فداك، ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟ فقال: وأي الاختلاف؟ فقال: إني لأجلس في حِلقهم بالكوفة، فأكاد أشك في اختلافهم في حديثهم.. فقال أبو عبد الله: أجل، هو كما ذكرت؛ إن الناس أولعوا بالكذب علينا، وإني أحدث أحدهم بالحديث، فلا يخرج من عندي، حتى يتأوله على غير تأويله، وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله، وإنما يطلبون الدنيا، وكلٌّ يحب أن يدعى رأساً»[2].

فيدل هذا النص على أن حب الرياسة، ومتاع الدنيا الزائل كان وراء تشيع الكثيرين، وأن هؤلاء أولعوا بالكذب على آل البيت، ولهذا كثر الخلاف والتفرق.
وقد ذكر المسعودي، وهو شيعي[3]، أن فرق الشيعة بلغت ثلاثاً وسبعين فرقة[4]، وكل فرقة تكفر الأخرى، وهذا في القرن الرابع، فكيف في ما بعده؟! ولهذا زعم الرافضي مير باقر الداماد[5] أن الفرق المذكورة في حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة[6] هي فرق الشيعة، وأن الناجية منها هي طائفته الإمامية[7]، وأما أهل السنة والمعتزلة وغيرهم من سائر الفرق فجعلهم من أمة الدعوة، أي ليسوا من أمة الإجابة، فهم في اعتقاده لم يدخلوا في الإسلام. وهذه المقالة قد قالها الشيعة من قبل، وأشار إلى ذلك الشهرستاني[8]، والرازي[9].

وقد ورد في دائرة المعارف: أنه ظهر من الفرق الشيعية ما يزيد كثيراً عن الفرق الاثنتين والسبعين فرقة المشهورة[10]، بينما يذكر المقريزي: أن فرق الشيعة بلغت ثلاثمئة فرقة[11].

ومرَدُّ هذا الاختلاف، في الغالب، إلى اختلافهم حول الأئمة من آل البيت، فيذهبون مذاهب شتى في أعيان الأئمة، وفي عددهم، وفي الوقف على أحدهم وانتظاره، أو المضي إلى آخر والقول بإمامته، وهذا الاختلاف العريض يدل على أن ما يدعونه من النص والوصية محضُ افتراء من الزنادقة على آل البيت، باسم التشيع الكاذب؛ ولهذا قال العلامة ابن خلدون، بعدما ساق اختلافهم في تعيين الأئمة: «هذا الاختلاف العظيم يدل على عدم النص»[12]، مع أن أمر الإمامة عندهم هو أصل الدين، فلا يقبل فيه الخلاف، كما يقبل في الفروع، وقد عدَّ شيخُ الشيعة الزيدية في زمنه، أحمدُ بن يحيى المرتضى[13] (ت 840ه‍) اختلافَ الشيعة عند موت كل إمام في القائم بعده أوضحَ دليل على إبطال ما يدعون من النص[14]، أي: دليلاً على أنهم ليسوا على شيء في ما ذهبوا إليه من دعوى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على عليٍّ والأئمة الآخرين؛ إذ لو كان ثمَّ نص من عند الله؛ لما كان هذا الاختلاف والتباين، ولكن لما وجدوا اختلافاً كثيراً كان من أعظم الأدلة على عدم وجود نص صحيح.

هل اختلاف الشيعة أمر مقصود؟
-------------------

تذكر بعض أخبارهم سبباً مهماً لطبيعة هذا الافتراق والاختلاف، وهو أن من هذا الاختلاف ما هو مقصود، وخطة موضوعة لخداع أهل السنة، وللعمل على إخفاء حقيقة المذهب عن عموم المسلمين، جاء في بعض أخبارهم أن أحدهم شكا لإمامه كثرة اختلافهم وتفرقهم، فأجابه قائلاً: «ذلك من عندنا، لو اجتمعتم على شيء لصدقكم الناس علينا، ولكان أقل لبقائنا وبقائكم»[15]، وقد علق شارح «الكافي» على هذا اللون من نصوصهم قائلاً: «إن اختلاف كلمتهم أصلح لهم، وأنفع لبقائهم؛ إذ لو اتفقوا لعرفوا بالتشيع، وصار ذلك سبباً لقتلهم»[16]، وهذا النص، وإن كان محاولة لستر افتراقهم وتشتتهم الذي يدل على أنهم ليسوا على شيء، لكنه من جهة أخرى يكشف أسلوباً خطيراً لخداع المسلمين؛ حتى لا يفتضح أمرهم، ويهتك سترهم، وهو أنهم أحياناً يتظاهرون باختلاف أقوالهم ومواقفهم؛ لإخفاء حقيقة دينهم.

فاختلاف فرقهم، وتباين أقوالهم، وتعدد مواقفهم، منها ما هو أمر مقصود؛ وذلك لإخفاء دينهم الذي تواصَوا بكتمانه، فقالوا: «إنكم على دينٍ من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذلَّه الله»[17]؛ ولذا اتفقوا على وجوب التظاهر أمام الآخرين بخلاف عقيدتهم الحقيقية، فقالوا: «اتقوا الله في دينكم، فاحجبوه بالتقية، فإنه لا إيمان لمن لا تقية له»[18].

وهذا لا ينفي أن الاختلاف الجاري في أحاديثهم ورواياتهم، والتناقض الشائع في نصوصهم، هو أيضاً طبيعة كل نحلة باطلة، ليست من عند الله، كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرا} [النساء: 82]، فالاختلاف والتناقض من العلامات البارزة لكل نحلة باطلة، وهو من معالم الهداية في معرفة الحق من الباطل، والتمييز بين الصدق والكذب، فإن الباطل يعرف بتناقضه، والكذب يدرَك باختلافه، والتناقض سمة شائعة في نحلة الرافضة[19]، حتى تألم شيخهم الطوسي، الملقب عندهم بشيخ الطائفة «لما آلت إليه أحاديثهم من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه»، واعترف بأن هذا الاختلاف قد فاق ما عند أصحاب المذاهب الأخرى، وأن هذا كان من أعظم الطعون على مذهبهم، وأنه جعل بعض الشيعة يترك هذا المذهب لما انكشف له أمر هذا الاختلاف والتناقض[20].

ثم إن وراء ذلك الاختلاف والتنازع بينهم أيضاً تكالبهم على أكل أموال أتباعهم باسم خمس الإمام، وقد كشفت هذه الحقيقةَ مصادرُهم، فقد كثر المتنافسون على دعوى النيابة عن المهدي[21]؛ لما في ذلك من مكاسب مادية كبيرة، وقام البعض منهم بفضح الآخر، فمثلاً يقول الشلمغاني[22] - وهو أحد مدعي النيابة عن المهدي، الذين لا تعترف بهم الإثنى عشرية -: «ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح [النائب الثالث للمهدي عند الإثنى عشرية] إلا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه، فلقد كنا نتهارش على هذا الأمر، كما تتهارش الكلاب على الجيف»[23]. يقول أحمد الكسروي (الذي كان شيعياً، يشغل رئيس المحاكم الإيرانية في بعض مدن إيران، ويعمل أستاذاً في الجامعة)[24] معقباً على هذا القول: «لقد صدق في ما قال؛ فإن التخاصمَ لم يكنْ إلا لأجل الأموال، كان الرجل يجمع المال، ويطمع فيه، فيدعي النيابة؛ لكي لا يسلمه إلى آخر»[25].
وتقول مصادرهم: «مات أبو الحسن (ع) وليس من قوامه أحد، إلا وعنده المال الكثير، فكان ذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، وكان أحد القوام عثمان بن عيسى، وكان يكون بمصر، وكان عنده مال كثير وست جواري، قال: فبعث إليه أبو الحسن الرضا - عليه السلام - فيهن، وفي المال. فكتب إليه: إن أباك لم يمت، فكتب إليه: إن أبي قد مات، وقد اقتسمنا ميراثه، وقد صحت الأخبار بموته. فكتب إليه: إن لم يكن أبوك مات؛ فليس لك من ذلك شيء، وإن كان مات؛ فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وقد أعتقت الجواري، وتزوجتهن[26]»[27].

هذا النص مأخوذ من كتب الإثنى عشرية، وندع الجانب الذي وضعوا من أجله النص - وهو الاستدلال على بطلان الوقف بما قاله إمامهم الرضا - ونأخذ منه ما يكشف لنا عما يدور في الخفاء من التكالب وراء جمع المال، وأن أولئك الذين راحوا يجوبون الأمصار، كلٌّ يدعو لإمام من الأئمة؛ إنما كان غرضهم الاستئثار بأكبر قدر من المال، بدعوى خادعة، وهي خمس الإمام، فإذا مات الإمام الذي يدعون التشيع له ويجمعون المال باسمه، خرج من يدعي التشيع للإمام الذي بعده، فينكر الأولون موت السابق طمعاً في المال الذي في أيديهم، وطلباً للمزيد من جمع الأموال باسم الإمام الغائب الذي لم يمت.
أصول فرق الشيعة:
إذا رجعنا إلى كتب الفرق والمقالات التي ذكرت طوائف الشيعة، فإننا نجد بينها اختلافاً في الأصول التي انبثقت منها صنوف الفرق الشيعية الكثيرة والمختلفة، فالجاحظ يرى أن الشيعة فرقتان: الزيدية والرافضة، يقول: «اعلم - رحمك الله - أن الشيعة رجلان: زيدي، ورافضي، وبقيتهم بدد، لا نظام لهم»[28]، ويأخذ بهذا التقسيم شيخ الشيعة المفيد، ويقول بأن الشيعة رجلان: إمامي، وزيدي[29]. ولعل هذا هو أصح تقسيم لأصول فرقهم؛ لأن كل فرق الشيعة ترجع إليهما، وتتفرع عنهما.
أما الإمام الأشعري - رحمه الله - فيجعل أصول فرق الشيعة ثلاث فرق: الغالية، والرافضة (الإمامية)، والزيدية. ويبلغ مجموع الفرق الشيعية عنده خمساً وأربعين فرقة، حيث جعل الغالية خمس عشرة فرقة، والرافضة أربعاً وعشرين فرقة، والزيدية ست فرق[30]، وهو يعد الإثنى عشرية من فرق الرافضة (الإمامية) ويسميها بالقطعية، ويصفهم بأنهم جمهور الشيعة[31].

وقد سار على منهج الأشعري في تقسيم فرق الشيعة الرئيسة إلى ثلاث؛ طائفةٌ من علماء الفرق وغيرهم، وإن اختلفوا في أسمائها، مثل: الرازي حيث سماها زيدية، وإمامية، وكيسانية[32]، ومن المعلوم أن الكيسانية قد انقرضت وورثت الإثنى عشرية بعض عقائدها، ومثله الإسفراييني، وكذلك ابن المرتضى، حيث قال: «الشيعة ثلاث: زيدية، وإمامية، وباطنية»[33]، ومراده بالإمامية: الإثنى عشرية، وبالباطنية: الإسماعيلية، وغير هؤلاء من أهل العلم بالفرق والمقالات، وهذا تقسيم يتفق في الغالب مع أصول فرق الشيعة المعاصرة.

أما عبد القاهر البغدادي، فيرجع فرق الشيعة إلى أربع فرق: زيدية، وإمامية، وكيسانية، وغلاة، ويلقب الجميع بالرافضة[34]، ويصل عدد فرق الشيعة عنده - باستثناء الفرق الغالية[35] - إلى عشرين فرقة[36]، ويعد الإثنى عشرية من فرق الإمامية، ويسميهم بالقطعية، كما يسميهم بالإثنى عشرية[37]، وإن كان قبل ذلك ذكر القطعية والإثنى عشرية كاسمين لفرقتين مختلفتين من فرق الإمامية[38]، لا فرقة واحدة، ولهذا أشار الشيخ محيي الدين عبد الحميد إلى أن سرد البغدادي في «الفرق بين الفرق» يدل على أن الإثنى عشرية غير القطعية[39]، وفاته أن البغدادي نص على أن القطعية والإثنى عشرية فرقة واحدة[40].

أما الشهرستاني، فيرى أن الشيعة فرق كثيرة، لأنه يقول: «لهم في تعدية الإمام: كلام وخلاف كثير، وعند كل تعدية وتوقف: مقالة، ومذهب، وخبط»[41]، ولكنه يرجعهم إلى خمس فرق: كيسانية، وزيدية، وإمامية، وغلاة، وإسماعيلية[42].

أما صاحب الحور العين، فيرجع الفرق الشيعية الكثيرة إلى ست فرق[43]، ويصل عدد فرق الشيعة عند ابن قتيبة إلى ثمان[44].

وأبو الحسين الملطي يرى أن الشيعة ثماني عشرة فرقة، ويلقبهم جميعاً بالرافضة[45]، ويشايعه في هذا الرأي السكسكي في كتابه «البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان»[46]. ولكن الغريب أن الملطي يسمي الإثنى عشرية بالإسماعيلية[47].
وابن الجوزي يعتبر الشيعة اثنتي عشرة فرقة، ويسميها بالرافضة[48].

ويلاحَظ أن بعض أصحاب المقالات يذكر «الغلاة» كفرقة مغايرة ومباينة للإسماعيلية والإثنى عشرية، وهو تقسيم موهم، وغير دقيق؛ لأن الغلاة اسم عام، يجمع طوائف كثيرة من فرق الشيعة، ومن أبرزها الإسماعيلية والإثنى عشرية.
كما يلاحظ أن بعضهم يطلق اسم (الرافضة) على كل فرق الشيعة، إلا أنه ينبغي استثناء جمهور الزيدية، أو بعبارة أدق: استثناء الزيدية ما عدا فرقة الجارودية منها؛ لأن الجارودية سلكت مسلك الروافض؛ ولذلك فإن شيخ الشيعة المفيد اعتبر الجارودية هي الشيعة، وما عداها من فرق الزيدية، فليسوا بشيعة؛ وذلك لأن طائفة الجارودية هي التي تشاركه في أساس مذهبه في الرفض[49].

أما شيخ الإسلام ابن تيمية فقد سلك منهجاً آخر في تقسيم فرق الشيعة، فهو لا يقسمها بحسب أسمائها، بل يصنفها بحسب غلوها وانحرافها، فيصنفها إلى ثلاث درجات: شرها الغالية، وهم الذين يجعلون لعلي شيئاً من الألوهية، أو يصفونه بالنبوة، والدرجة الثانية: وهم الرافضة، والدرجة الثالثة: المفضلة من الزيدية وغيرهم، الذين يفضلون علياً رضي الله عنه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولكن يعتقدون إمامتهما، وعدالتهما، ويتولونهما، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «والشيعة هم ثلاث درجات:
شرها: الغالية الذين جعلوا لعلي رضي الله عنه شيئاً من الإلهية، أو يصفونه بالنبوة، وكفر هؤلاء بيِّن لكل مسلم يعرف الإسلام، وكفرهم من جنس كفر النصارى من هذا الوجه، وهم يشبهون اليهود من وجوه أخر.
والدرجة الثانية: وهم الرافضة المعروفون، كالإمامية وغيرهم، الذين يعتقدون أن علياً رضي الله عنه هو الإمام الحق بعد النبي صلى الله عليه وسلم بنص جلي أو خفي، وأنه ظُلم ومنع حقَّه، ويبغضون أبا بكر وعمر، ويشتمونهما، وهذا عند الأئمة سيما الرافضة، وهو بغْض أبي بكر وعمر، وسبُّهما.
والدرجة الثالثة: المفضِّلة من الزيدية وغيرهم، الذين يفضلون علياً على أبي بكر وعمر، ولكن يعتقدون إمامتهما وعدالتهما ويتولونهما، فهذه الدرجة - وإن كانت باطلة - فقد نسب إليها طوائف من أهل الفقه والعبادة، وليس أهلها قريباً ممن قبلهم، بل هم إلى أهل السنة أقرب منهم إلى الرافضة؛ لأنهم ينازعون الرافضة في إمامة الشيخين وعدالتهما وموالاتهما، وينازعون أهل السنة في فضلهما على علي رضي الله عنهم، والنزاع الأول أعظم، ولكنهم هم المرقاة التي تصعد منه الرافضة؛ فهم لهم باب»[50].

فابن تيمية جعل ضابط الغلو في فرق الشيعة وجود أحد أصلين: ألوهية علي رضي الله عنه، أو وصفه بالنبوة، وقد اجتمع هذان الأصلان عند الشيعة الإثنى عشرية، بل تجاوزوا هذا الغلو بمراحل كثيرة[51].

فرق الشيعة في مصادر الشيعة:
==============

أما كتب الفرق عند الشيعة الإثنى عشرية، فإنها تأخذ بمنهج آخر في ذكر الفرق، فهي تذكر فرق الشيعة بحسب الأئمة، حيث تجد أن الشيعة تفترق إلى فرق كثيرة بعد وفاة كل إمام، وقد وصل عدد فرق الشيعة في المقالات والفرق للقمي، وفرق الشيعة للنوبختي إلى ما يربو على ستين فرقة، ويلاحظ أن الإثنى عشرية كانت عند النوبختي والقمي فرقة من أربع عشرة، أو خمس عشرة فرقة، افترقت إليها الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري (ت260ه‍)[52].

أما كتب الرواية عندهم، فإن الكليني في الكافي يذكر رواية تجعل فرق الشيعة ثلاث عشرة فرقة، كلها في النار إلا واحدة[53].

ومن الملاحظ أن طائفة الإثنى عشرية قد استوعبت جل الآراء والعقائد التي قالت بها الفرق الشيعية الأخرى، وأنها كانت بمثابة الوعاء الذي ترسبت فيه آراء كل فرق الشيعة المختلفة، فهذه الفرق التي تذكرها كتب الفرق والمقالات لم تنقرض - كما يقال - بل إن أكثر مقالاتها قد ورثته الإثنى عشرية[54].

فرق الشيعة المعاصرة:
----------

انحصرت اليوم الفرق الشيعية في ثلاث فرق، هي[55]:

1- الإسماعيلية: وهم الذين قالوا الإمام بعد جعفر إسماعيل بن جعفر، ثم قالوا بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر، وأنكروا إمامة سائر ولد جعفر، ومن الإسماعيلية انبثق القرامطة، والحشاشون، والفاطميون، والدروز، وغيرهم، وللإسماعيلية فرق متعددة وألقاب كثيرة، تختلف باختلاف البلدان، إذ لهم - كما يقول الشهرستاني - «دعوة في كل زمان، ومقالة جديدة بكل لسان»[56]، وأما مذهبهم فهو - كما يقول الغزالي وغيره -: «مذهب ظاهره الرفض، وباطنه الكفر المحض»[57]، أو كما يقول ابن الجوزي: «محصول قولهم: تعطيل الصانع، وإبطال النبوة والعبادات، وإنكار البعث»[58]، ولكنهم لا يُظهرون هذا في أول أمرهم، ولهم مراتب في الدعوة، وحقيقة المذهب لا تعطى إلا لمن وصل إلى الدرجة الأخيرة. وقد اطلع على أحوالهم وكشف أستارهم جملةٌ من أصحاب المقالات: كالبغدادي، الذي اطلع على كتاب لهم يسمى «السياسة والبلاغ الأكيد والناموس الأكبر»، ورأى من خلاله أنهم دهرية زنادقة يتسترون بالتشيع، والحمادي اليماني الذي دخل نحلتهم في الظاهر، وخالطهم وعرف حالهم، وكشف حقيقتهم في كتابه: «كشف أسرار الباطنية»، وابن النديم - وهو شيعي - الذي اطلع على «البلاغات السبعة» لهم، وقرأ البلاغ السابع، ورأى فيه أمراً عظيماً من إباحة المحظورات، والوضع من الشرائع وأصحابها[59]، وغيرهم، ولهم نشاط اليوم، كما لهم كتب سرية. قال أحد الإسماعيليين المعاصرين: «إن لنا كتباً لا يقف على قراءتها غيرنا، ولا يطلع على حقائقها سوانا»[60]، وقد فضح أمرَهم الإمامُ الغزالي، كما كتب عنهم من المعاصرين د. عبد الرحمن بدوي، والشيخ إحسان إلهي ظهير[61].

2- الزيدية: هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب[62]، وسموا بالزيدية نسبة إليه[63]، وقد افترقوا عن الإمامية حينما سُئل زيد عن أبي بكر وعمر فترضى عنهما، فرفضه قوم؛ فسموا رافضة، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيدية؛ لاتباعهم له، وذلك في آخر خلافة هشام بن عبد الملك، سنة إحدى وعشرين، أو اثنتين وعشرين ومئة[64]. والزيدية يوافقون المعتزلة في العقائد[65]، وهم فرق، منهم من لم يحمل من الانتساب إلى زيد إلا الاسم، فهم روافض في الحقيقة، يقولون: إن الأمة ضلت، وكفرت بصرفها الأمر إلى غير علي، وهؤلاء هم الجارودية أتباع أبي الجارود، وهم أسلاف الحوثية اليوم[66]، ومنهم من يقترب من أهل السنة كثيراً، وهم أصحاب الحسن بن صالح بن حي الفقيه، القائلون بأن الإمامة في ولد علي رضي الله عنه، وهم يترضون عن جميع الصحابة، يقول ابن حزم: «إن الثابت عن الحسن بن صالح هو أن الإمامة في جميع قريش، ويتولون جميع الصحابة رضي الله عنهم إلا أنهم يفضلون علياً رضي الله عنه على جميعهم»[67].

3- الإثنى عشرية: هي أكبر الطوائف المنتسبة إلى التشيع اليوم، كما كانت تمثل أكثرية الشيعة وجمهورها في بعض مراحل التاريخ، فقد وصفهم طائفة من علماء الفرق بـ«جمهور الشيعة»، وممن نعتهم بهذا: الأشعري[68]، والمسعودي[69]، وعبد الجبار الهمداني[70]، وابن حزم[71]، ونشوان الحميري[72]. وهذه الأغلبية للإثنى عشرية ليست في كل العصور؛ إذ نلاحظ مثلاً أن ابن خلدون يقرر أن شيعة محمد بن الحنفية كانت أكثر شيعة أهل البيت[73] - أي: في عصرها - ثم لم تلبث أن تقلص أتباعها حتى اختفت، كذلك يذكر البلخي - كما يحكي عنه صاحب «الحور العين» - أن الفطحية[74] أعظم فرق الجعفرية، وأكثرهم جمعاً[75] - يعني في زمنه -.

وبعد؛ فإن أخطر هذه الفرق طائفة الإثنى عشرية التي تلقب في عصرنا بالشيعة، فهم أعظم الفرق اليوم كيداً، وأخطرها مكراً، وأشدها ضرراً، كما نراه اليوم رأي العين في: العراق، ولبنان، واليمن، وسوريا، وغيرها من بلاد المسلمين التي تسللوا إليها على حين غفلة من أهلها.

ولهم وسائل من المكر، والكيد، والتآمر على الأمة، لا يعلمها كثيرٌ من المسلمين، ولعل أول من كتب بتوسع عن وسائل ومخططات الإثنى عشرية، هو: الإمام عبد العزيز الدهلوي صاحب «التحفة الإثنى عشرية»؛ فقد ذكر أكثر من سبعين مكيدة، وقد أشار إلى أنهم احتلوا المرتبة الأولى في المكر والكيد، وفاقوا اليهود في مخططاتهم، وقال عنها: «إن اليهود - على مكرهم وكيدهم - لا تدري بعُشرها»[76].
وقال العلامة الألوسي - وهو الذي عاش بينهم، ووقف على مخططاتهم في العراق، وغيره -: «إن لهم دسائس لا تدري اليهود بعُشرها، وحيلاً لا تعرفها الشياطين على خبثها ومكرها.

لقد جربتهم فرأيت منهم
خبائث بالمهيمن تستجير»[77].

ويكمن خطرهم في تظاهرهم بخلاف ما يعتقدون، وزعمهم نصرة الأمة وقضاياها في الظاهر، وتآمرهم وتعاونهم مع الأعداء في الباطن، واغترار بعض الناس بشعاراتهم، وغفلتهم عن مكرهم ومؤامراتهم، واتخاذهم لتحقيق أهدافهم مسالك خفية وأساليب متلونة خادعة، وزرعهم لخلاياهم وأحزابهم - وفق تنظيم سري محكم - في حكومات، ووزارات، ولجان حقوقية، ووسائل إعلامية، وأحزاب سياسية، ومجالات اقتصادية واجتماعية وتعليمية؛ لخدمة أهدافهم، وهم يستهدفون عقيدة الأمة ودينها، ويستمدون الدعم الكبير من خُمس الملالي، وما تفرع عنه من مؤسساتهم الاقتصادية المنتشرة، كما يحظون بتأييد ومساندة من دولهم، ويستخدمون وسائل التأثير المختلفة: الإعلامية، والتعليمية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وغيرها، وتجنيد الملايين من الغافلين، والمغفلين، والمتآمرين، والحاقدين، والمرتزقة المأجورين، ويتسترون برداء «التشيع»، للتآمر على الشيعة، واتخاذهم وسيلة للتآمر على الأمة.

ولا بد من تضافر الجهود، والعمل على مواجهة هذه الطائفة، التي ما دخلت خلاياها بلداً إلا وجعلت اجتماعه فرقة، وأمنه خوفاً، ورخاءه شقاءً وبؤساً[78].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر: «شيعة اليوم ليسوا بشيعة»، بحث منشور بمجلة البيان، عدد 339.
[2] رجال الكشي ص135-136، بحار الأنوار ( 2/246).
[3] علي بن الحسين بن علي المسعودي المؤرخ. قال ابن حجر: كتبه طافحة بأنه كان شيعياً معتزلياً، ويعتبره الإثنى عشرية - في تراجمهم - من شيوخهم (ت 346ه‍).
[4] مروج الذهب (3/221)، وانظر: الرازي/ اعتقادات فرق المسلمين ص85.
[5] محمد باقر بن محمد الإستراباذي الشهير بداماد، من شيوخ الشيعة في الدولة الصفوية (ت1040ه‍) مترجم له في: الكنى والألقاب (2/206)، المحبي/ خلاصة الأثر ص301، الحكيمي/ تاريخ العلماء ص83.
[6] حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة هو، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: حديث صحيح مشهور في السنن والمسانيد (مجموع الفتاوى 3/345 جمع عبد الرحمن ابن قاسم).
[7] جمال الدين الأفغاني/ التعليقات على شروح الدّوّاني للعقائد العضدية (ضمن كتاب الأعمال الكاملة للأفغاني، دراسة وتحقيق: محمد عمارة: 1/215)، وقد نسب رشيد رضا هذا الكتاب لمحمد عبده (تفسير المنار: 8/221)، لكن حقق محمد عمارة أنه للأفغاني (انظر: محمد عمارة/ الأعمال الكاملة للأفغاني: 1/155-156، الأعمال الكاملة/ لمحمد عبده: 1/209).
[8] الملل والنحل (1/165).
[9] الرازي: اعتقادات فرق المسلمين ص85.
[10] دائرة المعارف الإسلامية (14/67).
[11] الخطط (2/315).
[12] ابن خلدون/ لباب المحصل ص130.
[13] من كبار شيوخ الشيعة الزيدية، حتى كانت مصنفاته الفقهية عمدة زيدية اليمن، ومن المنتسبين لأهل البيت (انظر: الشوكاني/ البدر الطالع: 1/122).
[14] المنية والأمل ص21.
[15] أصول الكافي (1/ 65).
[16] شرح جامع على الكافي، للمازندراني (2/397).
[17] أصول الكافي (1/222).
[18] الكافي (2/218).
[19] انظر: «تناقض المذهب برهان بطلانه.. الرافضة نموذجاً»، منشور بمجلة البيان.
[20] تهذيب الأحكام (1/ 2-3).
[21] انظر البحار، باب ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراء (51/267-368)، الغيبة للطوسي ص213.
[22] محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، ممن ادعى النيابة عن مهدي الروافض، ونسبت له مقالات ضالة، كالقول بالتناسخ. وقال الطوسي: إن له حكاياتٍ قبيحة، وأموراً فظيعة، ننزه كتابنا عن ذكرها. وقتل سنة 323هـ. الطوسي: الغيبة، وفي الكامل، والبداية والنهاية: أنه قتل سنة 322هـ. انظر: البداية والنهاية (11/179)، الكامل (8/290).
[23] الغيبة، للطوسي ص241.
[24] انظر ترجمته في مقدمة كتابه «التشيع والشيعة».
[25] التشيع والشيعة ص33.
[26] تأمل أن واضع هذه النصوص وأمثالها مما يجمعه مصادرهم من جملة الأعاجم ممن لا صلة لهم بالإسلام، فهو يجهل ما يعرفه عوام المسلمين من أنه لا يجوز للرجل الجمع بين أكثر من أربع زوجات في الإسلام، فهو يذكر أنه كان عنده ست جواري، ثم أعتقهنَّ وتزوجهن!
[27] الإمامة/ علي بن الحسين بن بابويه (والد الصدوق) ص75، وانظر: رجال الكشي ص493 رقم 946، وص598 رقم 1120، بحار الأنوار (48/253)، الطوسي/ الغيبة ص43.
[28] ثلاث رسائل للجاحظ (نشرها السندوبي) ص241، أو رسائل الجاحظ، رسالة استحقاق الإمامة ص207 (تحقيق: عبد السلام هارون).
[29] الإرشاد ص195.
[30] مقالات الإسلاميين (1/66، 88، 140).
[31] المصدر السابق (1 /90).
[32] اعتقادات فرق المسلمين ص77.
[33] المنية والأمل ص20، وانظر: المقدسي/ البدء والتاريخ (5/125).
[34] الفرق بين الفرق ص21.
[35] حيث وصل عدد الغلاة عنده إلى عشرين فرقة (الفرق بين الفرق: ص232).
[36] الفرق بين الفرق ص23.
[37] المصدر السابق ص64.
[38] المصدر السابق ص53.
[39] انظر: هامش مقالات الإسلاميين (1/90).
[40] انظر: الفرق بين الفرق ص64.
[41] الملل والنحل (1/147).
[42] الموضع نفسه من المصدر السابق.
[43] الحور العين ص145.
[44] ابن قتيبة/ المعارف ص622-623.
[45] التنبيه والرد ص18.
[46] البرهان ص36.
[47] انظر: التنبيه والرد ص32-33.
[48] تلبيس إبليس ص32 (تحقيق: خير الدين علي).
[49] انظر: المفيد/ أوائل المقالات ص39.
[50] التسعينية (1/ 263-264).
[51] انظر تفصيل ذلك في: «شيعة اليوم سبئية الأمس»، منشور بمجلة البيان، عدد 336، و«شيعة اليوم باطنية الأمس»، منشور بمجلة البيان، عدد 343، و«شيعة اليوم ليسوا بشيعة»، منشور بمجلة البيان، عدد 339.
[52] انظر: النوبختي/ فرق الشيعة ص96، حيث ذكر أن أصحاب الحسن العسكري افترقوا أربع عشرة فرقة بعد وفاته، بينما ذكر القمي أنهم خمس عشرة فرقة (القمي/ المقالات والفرق: ص102).
[53] أصول الكافي (المطبوع على هامش مرآة العقول) (4/344)، وقد حكم المجلسي على هذه الرواية - بحسب مقاييسهم - بأنها ترتقي إلى درجة الحسن (مرآة العقول: 4/344).
[54] انظر صلة الإثنى عشرية بالفرق القديمة الغالية في «أصول مذهب الشيعة» (3/ 977) وما بعدها.
[55] انظر: النشار/ نشأة الفكر الفلسفي (2/12)، العاملي/ أعيان الشيعة (1/22)، محمد مهدي شمس الدين/ نظام الحكم والإدارة في الإسلام ص61، هبة الدين الشهرستاني/ مقدمة «فرق الشيعة».
[56] الملل والنحل (1/191).
[57] فضائح الباطنية ص37.
[58] تلبيس إبليس ص99.
[59] انظر: الفهرست ص267-268.
[60] الحركات الباطنية في الإسلام، مصطفى غالب ص67، وانظر: أبو حاتم الرازي الإسماعيلي/ الزينة ص287 ضمن كتاب الغلو والفرق الغالية، البغدادي/ الفرق بين الفرق ص294، 621، الملطي/ التنبيه والرد ص218، المقدسي/ البدء والتاريخ (5/124).
[61] انظر: فضائح الباطنية، الغزالي، مذاهب الإسلاميين، د. عبد الرحمن بدوي (ص831) وما بعدها، الإسماعيلية، إحسان إلهي ظهير، الحركات الباطنية في العالم الإسلامي، د. محمد أحمد الخطيب، مقالات الفرق، د. ناصر القفاري (ص271) وما بعدها.
[62] انظر: الملل والنحل (1/154)، مقدمة البحر الزخار ص40.
[63] انظر: يحيى بن حمزة/ الرسالة الوازعة ص28، السمعاني/ الأنساب (6/340).
[64] انظر: منهاج السنة (1/21)، الرسالة الوازعة ص87-88.
[65] انظر: المقبلي/ العلم الشامخ ص319، الملل والنحل (1/162)، الرازي/ المحصل ص247.
[66] انظر: «براءة الزيدية من الحوثية»، منشور بمجلة البيان، عدد 337.
[67] الفصل: 2/266، وانظر في اعتدال الزيدية الحقة في مسألة الصحابة: ابن الوزير/ الروض الباسم ص49-50، المقبلي/ العلم الشامخ ص326.
وانظر عن الزيدية: الزيدية لإسماعيل الأكوع، مسألة التقريب (1/ 159) وما بعدها، مقالات الفرق ص127.
[68] مقالات الإسلاميين (1/90).
[69] مروج الذهب (4/199).
[70] المغني: ج2، القسم الثاني ص176.
[71] الفصل (5/38، 4/158).
[72] الحور العين ص166.
[73] تاريخ ابن خلدون (3/172).
[74] هم أتباع عبد الله بن جعفر بن محمد الصادق، وهو أكبر أولاد الصادق، وسموا الفطحية؛ لأن عبد الله كان أفطح الرأس، كما يدعون بالعمارية، نسبة إلى رئيس لهم يعرف بعمار، وقد قال النوبختي بأنه مال إلى هذه الفرقة جلُّ مشايخ الشيعة وفقهائها، ولكن عبد الله لم يعش بعد وفاة أبيه سوى سبعين يوماً، فرجعوا عن القول بإمامته. (انظر: مسائل الإمامة ص46، فرق الشيعة للنوبختي ص77-78، مقالات الإسلاميين 1/102، الحور العين ص163-164). قال صاحب الزينة (أبو حاتم الرازي الإسماعيلي المتوفى سنة 322ه‍): قد انقرضت هذه الفرقة فليس أحد يقول بهذا القول، وعاش عبد الله بعد أبيه سبعين يوماً ولم يخلف ذكَراً (الزينة: ص287). ولعل هذا من أسباب انقراضها، وقد بقيت روايات أتباع هذا المذهب مدونة في كتب الإثنى عشرية المعتمدة.
[75] الحور العين ص164.
[76] مختصر التحفة الإثنى عشرية ص25.
[77] السيوف المشرقة مختصر الصواعق المحرقة ص36.
[78] انظر: «منهج التصدي للغزو الباطني»، بحث منشور بمجلة البيان، عدد 349.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #67  
قديم 10-09-2018, 08:20 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
ورقة الصوفي الذي أسس النازية!

الصوفي الذي أسس النازية!
ـــــــــــــ

(فيصل بن علي الكاملي)
ــــــــــــ

29 / 1 / 1440 هــ
9 / 10 / 2018 م
ــــــــــــ







رودولف فون سيبوتندورف، شخصية غامضة مؤثرة جداً لا يعرفها كثير من المهتمين بتاريخ الحربين العالميتين فضلاً عن غيرهم.

ولد سيبوتندورف عام 1875م في مقاطعة سيليسيا الألمانية، ثم انتقل في مستهل القرن العشرين إلى الإسكندرية حيث كان في ضيافة حسين باشا، أحد أثرياء الأتراك الذين كانوا من حاشية الخديوي عباس حلمي الثاني، ويقال إن سيبوتندورف خدم الخديوي إلى عام 1900م.

في يناير من عام 1900م انتقل سيبوتندورف إلى إسطنبول، وهناك تعلم التركية، والتحق بمحفل ماسوني يُشتبه في انتسابه إلى جمعية الاتحاد والترقي، كما كان له ارتباط ببعض المستثمرين الألمان والسويسريين[1].

كان مما أثار اهتمامه دراويش الطريقة المولوية الصوفية التي تنتسب إلى جلال الدين الرومي، ثم انتهى به المطاف إلى أن التحق بالطريقة البكتاشية وأسس حلقة لهذه الطريقة عام 1910م، وهذه الطريقة واحدة من أخطر الحركات الشيعية التي تلبست بلباس الصوفية، كما أنها باطنية المعتقد تقول بوحدة الوجود وتؤله الأئمة، كما أن أتباعها يساوون بين جميع الأديان، ويرون أنه ليس هناك كبير فائدة للأعمال والشعائر. وفي طريقة هؤلاء الدراويش عناصر نصرانية ووثنية في تعاليمهم السلوكية؛ فهم يحتفلون بما يشبه العشاء الرباني، ويوزعون النبيذ والخبز والجبن في اجتماعاتهم في صحن التكيّة، وهو مكان اجتماعاتهم[2]. وهذه الحقائق تفسر دعم الطريقة البكتاشية الصوفية الماسونية للاستعمار الغربي ضد الدولة العثمانية، فلا غرو أن يحصل سيبوتندورف على الجنسية العثمانية/ التركية خلال مدة وجيزة من التحاقه بهذه الطريقة!

ولما عاد هذا الصوفي إلى ألمانيا استُقبل بحفاوة من قِبل إحدى الجماعات السرية المعروفة باسم «التنظيم الألماني»، وأصبح سيداً لهذا التنظيم في بافاريا، ولا يزال هذا التنظيم ينزع إلى السياسة حتى أصبح مسيساً تماماً تحت اسم «جمعية ثولي».

يقول المؤرخ السويسري «جان فان هلسينج» في كتابه «الجمعيات السرية وسلطتها في القرن العشرين»: «تكونت حلقة حول البارون رودولف فون سيبوتندورف وأصبحت عام 1918م في باد أيبلينج جمعيةَ ثولي... ديتريخ بروندر [صاحب كتاب: قبل أن يأتي هتلر] وإ. ر. كارمين [صاحب كتاب: المعلم الروحي لهتلر] سَمَّيا الأعضاء القياديين كالتالي:

- البارون رودولف فون سيبوتندورف: السيد الأعظم للتنظيم.
- جويدو فون ليست: أحد سادة التنظيم.
- جورج لانز فون ليبينفلز: أحد سادة التنظيم.
- أدولف هتلر: الفُورَر [القائد]، والمستشار الألماني، والقائد الأعلى للـ(إس إس).
- هاينريخ هملر: قائد الـ(إس إس) في الرايخ، ووزير الرايخ»[3].

ثم يستمر الكاتب في وصف مدى تأثير هذه الجمعية الباطنية المسيَّسة على هتلر فيقول:

«وظَّفت [جمعية] ثولي هتلر خطيباً في الحملات الانتخابية، بعدها علَّمه ديتريخ إكارت الأسلوبية والخطابة بشكل متميز. لقد جعل إكارت منه هتلر الذي عرفه الناس... تبنى هتلر أفكار ثولي كلها تقريباً... أخذ هتلر تحية ثولي (Heil und Sieg) [تحية ونصر] وجعلها (Sieg Heil) [يحيا النصر]. وهذه التحية مع رفع الذراع هي أحد الطقوس»[4].

في عام 1924م نشر سيبوتندورف كتابه «ممارسة الماسونية التركية القديمة»، ووصف فيه بعض عقائد الطائفة البكتاشية المرتبطة بالأعداد والتنجيم و*****، كما عدَّ نفسه ممن حازوا مفتاح الخيمياء القديمة.

في أثناء الحرب العالمية الثانية كان سيبوتندورف عميلاً مزدوجاً للجيش البريطاني. ومات في مايو من عام 1945م.

ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] Nicholas Clarke. The Occult Roots of Nazism (NY: Tauris Parke Paperbacks, 2004), p. 135.
[2] البكتاشية: خليط من الصوفية والتشيع (www.islamstory.com ).
[3] Helsing, Jan van. Secret Societies and Their Power in the 20th Century (Zurich, Switzerland: EWERTVERLAG S.L., 1995), pp. 166-177.
[4] Helsing, Jan van. Secret Societies and Their Power in the 20th Century, pp. 166-177.



ـــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #68  
قديم 02-02-2019, 09:55 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
29 خطة البكتاشية للسيطرة على السلطة السياسية في الدولة العثمانية

خطة البكتاشية للسيطرة على السلطة السياسية في الدولة العثمانية
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

(أحمد الظرافي)
ــــــــ

27 / 5 / 1440 هــــ
2 / 2 / 2019 م
ـــــــــــــــ






ظهرت البكتاشية، كطريقة صوفية في النصف الثاني من القرن السابع الهجري، في منطقة الأناضول وآسيا الصغرى، وهي تنسب إلى حاجي بكتاش ولي الخراساني النيسابوري (647- 738هـ)، وسيرته أقرب إلى الأسطورة من الحقيقة المؤكدة، وحظيت هذه الطريقة بالدعم من قبل السلطان أورخان، ثاني سلاطين آل عثمان (726-761هـ)، فقد بنى لها العديد من التكايا، التي كانت تستخدم لإطعام وإيواء المحتاجين، فكان هذا من أهم أسباب انتشارها، بين الأتراك الزاحفين على الأناضول، والقادمين من صحاري وسهوب تركستان (بلاد ما وراء النهر)، والحديثي عهد بالإسلام.

وبعد وفاة السلطان بايزيد الأول، رابع سلاطين آل عثمان (791– 805هـ) دبَّ النزاع والشقاق بين ولديه محمد تشلبي، وموسى تشلبي، على منصب السلطنة، وكانت زعامة الطريقة البكتاشية، قد آلت، حينذاك، إلى قطب صوفي، يٌدعى الشيخ بدر الدين، فانحاز هذا الشيخ وأتباعه، إلى صف موسى تشلبي، فقربه هذا إليه، وجعله قاضيا للعسكر في جيشه، لكي يستفيد من مريديه الكثرين في حربه ضد أخيه.

وكان الشيخ بدر الدين هذا، قد أنهى دراسته في مدينتي بورسا وقونية في الأناضول، وذهب إلى الشام ومصر، اللتين كانت لا تزال تنتشر فيهما تعاليم الباطنية، لاستكمال العلوم الدينية . وكان مريدا لأحد شيوخ الصوفية في مصر، لمدة من الزمن . وبعد ذلك عاش مدة في إقليم الإسكندرون بين أتباع المذهب المسمى " أهل الحق"، الذين كانوا شيعة غلاة، يعتقدون بإلوهية علي بن أبي طالب، وهم المعروفون حاليا باسم (النصيريين)، ثم سافر إلى تبريز وقزوين من أجل التعرف أكثر على فن تربية المريدين ورعايتهم وزيارة زوايا الشيوخ، وكل ذلك قبل أن يتبوأ زعامة الطريقة البكتاشية، ويصير قاضيا للعسكر في جيش موسى تشلبي أثناء حربه ضد أخيه محمد شلبي على منصب السلطنة.

وعندما انتصر محمد شلبي، وأمسك بزمام الأمور في الدولة العثمانية، وانتهت الفتنة بقتل أخيه موسى شلبي، قام هذا السلطان، بعزل الشيخ بدر الدين من منصبه، ونفاه إلى مدينة في غرب الأناضول تُدعى " أزنيك "، وجعله رهن الإقامة الجبرية، لكنه، مع ذلك، خصص راتبا له ولأسرته، وأبقاه معززا مكرما في بيته، بل إنه ترك له الحرية في تدعيم علاقته الروحية، بمريديه وتوطيدها.

وكان هناك معاونان للشيخ بدر الدين في إدارة الطريقة البكتاشية، أحدهما يسمى "طورلاق كمال " والآخر يدعى " دده مصطفى"، أي الخليفة مصطفى، وكان قد عينهما مساعدين له عندما وصل إلى قاضي العسكر في جيش موسى شلبي . وبعد أن عُزل، انتقل كلاهما إلى غرب الأناضول، الأول إلى منطقة تدعى " مانيسة " والآخر إلى منطقة تدعى " قرة بورن"، وظلت علاقتهما قائمة بالشيخ بدر الدين، بل واستمر كل منهما يدعو لزعامة هذا الشيخ، في منطقته. وخلال إقامته في منفاه بأزنيك قام الشيخ بدر الدين بتدوين عقائده في كتاب أطلق عليه اسم " الواردات "، وكانت طريقة تصوفه خليطا من " وحدة الوجود " عند ابن عربي و " عبادة المسيح " عند النصارى و " تقديس علي " عند أهل الحق)النصيرية(، و " عبادة الأسلاف " عند التتر. وكان يعتقد أن شيخ الطريقة يحمل روح الله ، وأنه ذات معصومة ومنزهة وواجبة الوجود وواجبة الطاعة، وتدور كل الكائنات في مدار إرادته، ونظام أمر العالم في يده ، وله "الولاية المطلقة" على البشرية.. وأسقط عن أتباعه العبادات كالصلاة والصيام والحج بتأويله الباطني للأحكام الشرعية. وأباح لهم المحرمات كالخمر والزنا، وغير ذلك.

وكان الأمر الوحيد الواجب في طريقته هو " محبة الإمام علي" و " الطاعة المطلقة للشيخ " و " الجهاد لنشر الدين "حسب فهمه للجهاد طبعا.

وكان خليفته يطلب من الأشخاص الذين يلتحقون بطريقته، حتى يدخلوا في سلك مريديه أن ينسلخوا تماما عن عقائدهم السابقة، وأن يتوبوا عن كل الأعمال التي فعلوها في الماضي، وأن يجعلوا " محبة علي " و " محبة الشيخ بدر الدين" أساس اعتقادهم، وأن يبايعوه على ألا يخرجوا على طاعة الشيخ في أي وقت، وألا يتوانوا عن تنفيذ أوامره، وأن لا يولوا الأدبار عند أي خطر. وكان أغلب هؤلاء المريدين من الأتراك حديثي العهد بالإسلام، الذين لم يكن لهم اهتمام بالأحكام الإسلامية، وأصبحوا مسلمين بالاسم فقط.

وصنع الشيخ بدر الدين خلال إقامته الإجبارية في أزنيك خطة لاستيلاء البكتاشية على السلطة السياسية في الدولة العثمانية، بمساعدة خليفتيه دده مصطفى وطورلاق كمال، وخرج من مدينة أزنيك في آخر عام من القرن الثامن الهجري، أي سنة 799هـ، بإذن من السلطان العثماني محمد شلبي، بحجة السفر للحج إلى بيت الله الحرام، وذهب إلى منطقة في القسم الأوروبي من الدولة العثمانية المعروف بـ "روملي الشرقية "، وكانت هذه المنطقة قريبة من العاصمة العثمانية، واستقر في ذلك المكان حتى يبدأ ثورته المنتظرة من هناك، وكانت جماعات كبيرة من البكتاشيين من مريديه يقيمون في هذا المكان.

ثار الشيخ بدر الدين ودده مصطفى وطور لاق كمال وأظهروا العصيان والتمرد في ثلاث مناطق في وقت واحد طبقا للخطة التي كانوا قد أعدوها مسبقا، فقتل دده مصطفى قائد أزمير في الحرب، وهزم القوة العثمانية الأخرى التي كانت تحت إمرة أمير صاروخان، وأعمل الغارة والقتل والسلب والنهب في المنطقة.

وحقق طور لاق كمال بدوره انتصارات في مانيسة، وأقام مذبحة للسنة، مثلما فعل دده مصطفى، وبسط يده بالإغارة والسلب والنهب والقتل.

واتسعت دائرة حركة تمرد الشيخ بدر الدين،
ضد السلطان محمد تشلبي، وتحولت إلى عصيان عام للشيعة البكتاشية في سائر الأناضول، وشارك فيها الكثير من النصارى واليهود، وفي مقدمتهم عددا من القساوسة والحاخامات، لدرجة أنها كادت أن تطيح بالدولة العثمانية.

أرسل السلطان محمد تشلبي جيشا عظيما بقيادة بكلربك والصدر الأعظم) رئيس الوزراء( والأمير مراد ولده لمواجهة المتمردين، ونجح هذا الجيش في سحق تمرد دده مصطفى وطورلاق كمال الواحد تلو الآخر مع التضحية بخسائر فادحة، وألقي القبض على دده مصطفى وطورلاق كمال وتم إعدامهما، وانهزم الشيخ بدر الدين بعدهما وألقي القبض عليه.
ونظرا لكثرة أتباعه ومريديه المغترين به، حتى في الجيش العثماني ذاته، فقد أقيمت له محاكمة علنية لكي يظهروا لهم حقيقته، وأنه ليس سوى دجال من الدجاجلة المحتالين.

واتهم الشيخ بدر الدين في هذه المحاكمة بالارتداد عن الإسلام ، وخداع المسلمين، وتضليلهم والتمرد من أجل زعزعة سلطان المسلمين، وحكم عليه بالموت، وشنق في عام 1420م. وعلى إثر ذلك حظرت هذه الطريقة، وصار أتباعها هدفا للمطاردة، وعُلق الكثيرون منهم على أعواد المشانق، وقام كثيرون من أتباع هذه الطريقة، فيما بعد، بالانضمام إلى الطريقة الصفوية، وصاروا من أتباعها وكانوا وقود حروبها ضد العثمانيين وأهل السنة.




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #69  
قديم 03-08-2019, 08:23 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
ورقة البهائية ودورها في ظهور النحلة الباطنية الكردية "حقة"

البهائية ودورها في ظهور النحلة الباطنية الكردية "حقة"
ــــــــــــــــــــــــــ

(. د. فـرسـت مرعـي)
ــــــــــــ

غرة رجب 1440 هــــ
8 / 3 / 2019 م
ــــــــــــــ






لم تنقطع مؤامرات الحركات الباطنية على العقيدة والفكر الإسلامي في التاريخ حتى الوقت الحاضر. وفي بداية القرن التاسع عشر الميلادي تم تجديدها على يد شيخ فاسد العقيدة، غامض الفكرة والأسلوب، يثير حوله جواً من التقديس الكاذب، وهو الشيخ أحمد الأحسائي (1168-1243هـ/1753-1826م)، والذي أسس طريقة في مذهب الشيعة الإمامية الإثنى عشرية، سميت فيما بعد بـ«الشيخية».

والشيخية يقولون: إن الحقيقة المحمدية تجلت في الأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم تجلياً ضعيفاً، ثم تجلت تجلياً أقوى في محمد والأئمة الاثني عشر، ثم اختفت زهاء ألف سنة (260-1260هـ/874-1844م)، وتجلت فيما بعد في الشيخ أحمد الأحسائي، الذي هو الركن الرابع، وفيما بعد في الشيخ كاظم الرشتي (ت1259هـ/1843م)، ثم تجلت في محمد كريم خان القاجاري الكرماني (ت1288هـ/1870م)، وأولاده إلى أبي قاسم خان، هذا التجلي أو الظهور هو أعظم التجليات لله وأئمة الشيعة الإثنى عشرية[1]. والركن الرابع: من الشيخ الأحسائي إلى ما بعده، هم شيء واحد، يختلفون في الصورة، ويتحدون في الحقيقة، التي هي الله، ظهر بينهم، أو حلّ في أجسامهم، ويعتقدون أن محمداً رسول الله، وأن الأئمة الاثني عشر هم أئمة الهدى. ومعنى الرسالة والإمامة عندهم، أن الله تجلى في هذه الصورة، فمنهم رسول، ومنهم إمام. ويعتقدون أن اللاحقين هم أفضل من السابقين. وبناء على ذلك فالشيخ أحمد الأحسائي، في رأي أصحابه، أعظم من جميع الأنبياء والمرسلين. ويعتقد هؤلاء أيضاً بالرجعة، ويفسرونها بأن الله بعد أن غاب عن صور الأئمة، رجع وتجلى تجلياً أقوى في الركن الرابع، الذي هو الشيخ أحمد، ومن أتى بعده.

الشيخ أحمد الأحسائي من الشيعة الحلولية، الذين يفسرون علياً على غرار الشيعة النصيرية (العلوية)، وأدلته الفلسفية مستقاة من مذهب الفيلسوف الإيراني الباطني المشهور ملا صدرا الشيرازي (ت1050هـ/1640م) وترشح كتاباتهم بأنهم يعتقدون في علي بن أبي طالب نحو ما يعتقد فلاسفة الأفلاطونية المحدثة في العقل الأول، بل أدهى وأمر[2].
أما اعتقادهم في يوم القيامة، فهو اعتقاد باطل، مخالف لنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، وإجماع الأمة، فقد أقروا بوجود جنتين، وجهنمين: إحداهما في هذه الدار العاجلة (الدنيا)، والأخرى اللاحقة (القيامة)، وإن الجنة هي الولاية والاعتراف بالقائم ولا فرق. أما يوم الحشر فإن الخلق لن يعودوا إلى الله وفق تعاليم الإسلام، وإنما إلى المشيئة الأولى. وأن البعث (النشور) لا يكون في الأجسام المشهودة، بل في أجسام لطيفة (قوريلائة) وهي كلمة سريانية تعني الأجسام بين عالم الكثافة وعالم الجنة الـروحـاني، أو العالم المثالي، وهو عبارة عن البرزخ ما بين عالم الأجسام وعالم النفوس، ولذلك فإن فكرة الأحسائي حول مسألتي المعاد والمعراج الجسماني، تعد بدعة في العقيدة الإسلامية، فقد قرر أن جسم الإنسان مكون من أجزاء متباينة، مستمدة من الطبائع الأربعة (الماء والتراب والهواء والنار)، والأجسام التسعة السماوية وفق الفلسفة الأفلاطونية المحدثة، وأن الجسم الذي يقوم في يوم القيامة لا يتكون إلا من الأجزاء السماوية، وأما الطبائع الأربعة، فإنها تعود إلى الأرض بمجرد الوفاة. وعلى هذا فإن معراج النبـي محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء كان روحانياً لا جسمانياً[3].
وما تجدر الإشارة إليه، هو أن الفكرة الباطنية نظراً لما يحيط بها من غموض وإبهام، ولما في طرق تأديتها وتعاليمها من رموز وإشارات، قد يتعذر وجود شخصين متفقين فيها، وهذا ما جعل كاظم الرشتي يخالف أستاذه الأحسائي في كثير من مبادئه، ويؤسس له طريقة جديدة، عرفت بـ«الطريقة الكشفية»[4]. وهذا بعينه أيضاً هو الذي حدا بالسيد علي محمد الشيرازي أن يؤسس - بعد مدة - ديناً جديداً (الدين البابي)، برغم اتصاله الشديد بأستاذه كاظم الرشتي. وقد استخدم الشيخ الأحسائي جميع وسائل الباطنية، من: تأويل، وحلول، وتناسخ، وتقديس للأنبياء والأئمة، فالإمام مخلوق من نور الله، وأنه صاحب المشيئة في العالم، لأنه نفس الله! ولم يتورع الأحسائي عن الاستناد إلى روايات كاذبة، وأحاديث ضعيفة، منسوبة إلى الأئمة، في تمرير أساطيره وخرافاته بين أتباعه، الذين حاولوا دون جدوى توضيح آراء أستاذهم والدفاع عنها.

أما الحركة الكشفية أو الرشتية، فهي تطور طبيعي للشيخية، على يد كاظم الرشتي. وقد كتب الرشتي مجموعة رسائل، دافع فيها عن عقيدة الأحسائي، وحاول شرح غموضها، ولكن علماء الشيعة الإمامية الإثنى عشرية ما لبثوا أن ردوا عليه أيضاً وعدوه من الغلاة.

والمعروف أن الميرزا علي محمد الشيرازي، زعيم البابية، كان تلميذاً للرشتي. برغم أن الفرقة الكرمانية، بزعامة محمد كريم خان الكرماني، انبثقت مباشرة من الرشتية، وتطرفت وغالت في أفكارها هي الأخرى. ومما لا شك فيه أن البابية قد استفادت إلى درجة ملحوظة من التراث الباطني، الذي خلفته الفرق الأخرى من التصوف الغالي، وخاصة تراث الحلاج المقتول، ومحيي الدين بن عربي، بالإضافة إلى فرقتي الشيخية - الأحسائية، والكشفية - الرشتية.

البهائية:
===

البهائية حركة باطنية ظهرت في إيران، نبعت من المذهب الشيعي الإثنى عشري، وهي امتداد للحركات الباطنية التي ظهرت في إيران في حقب سابقة: كالشيخية والكشفية والبابية، بدعم من روسيا فـي المرحلة الأولى، والاسـتعمار البريطـاني، واليهودية فيما بعد، بهـدف إفساد العقيدة الإسلامـية، وتفكيك وحدة المسلمين، وصـرفهم عـن مبادئهم الأساسية.
أسسها الميرزا حسين علي المازندراني الملقب ببهاء الله، المولود سنة 1234هـ/1817م وكان والده من كبار ملاك الأراضي. وقد أتعب الميرزا حسين نفسه في قراءة كتب التصوف الغالي، وكتب الشيخية، وتعاليم ابن عربي وعبد الكريم الجيلي، وكبار شعراء الفرس. لذا آمن بوحدة الأديان، وبوحدة الوجود، التي تنتهي بصاحبها إلى القول بسقوط التكاليف، ويتبعها سقوط الشعائر.
وقد أعلن بهاء الله دعوته في حديقة السراي (حديقة الرضوان) في بغداد (سـنة1281هـ/1863م). أما الميرزا يحـيى علي، أخو البهاء، والمقلب بـصبح الأزل، فقد أوصـى لـه الباب علي محمد رضـا الشيرازي، المقتول سنة 1267هـ/1849م، بخلافته، وسمى أصحابه «الأزليين». فنازعه أخوه الميرزا حسين علي البهاء في الخلافة، ثم في الرسالة، والإلهية، ودس السم لأخيه. ولشدة الخلافات بينهم وبين بقية الشيعة الإثنى عشرية في إيران والعراق، فقـد تـم نفيهم إلى الدولة العثمانية عام 1863م، بناء على طلب من الحكومة القاجارية الإيرانية، حيث تم نفيهم في البداية إلى بغداد، ومن ثم إلى مدينة أدرنة الواقعة غرب إسطنبول على الحدود اليونانية بعد اشتداد الصراع بين أتباع الأخوين، الحسين بن علي المازندراني الملقب ببهاء الله، وأخيه يحيى الملقب بصبح الأزل. بعد إعدام الباب علي محمد الشيرازي، من قبل السلطات القاجارية الإيرانية عام 1849م، بناءً على أوامر الشاه ناصر الدين القاجاري الذي اغتيل سنة 1325هـ/1896م.
هرب الميرزا يحيى (صبح الأزل)، وأودع أخوه الميرزا حسين السجن مدة أربعة أشهر، وقد تدخلت السفارة الروسية لمصلحة الأخير، فتم نفيه إلى بغداد، وزودته السفارة الروسية بالمال اللازم.

وبعد وصول الميرزا حسين إلى بغداد، التي سبقه إليها أخوه الميرزا يحيى (صبح الأزل) حدث خلاف وصراع شديد بينهما على نيابة الباب، مما دعا الميرزا حسين إلى ترك بغداد، والذهاب إلى منطقة السليمانية، حيث وصلها في الثاني من رجب 1270هـ الموافق العاشر من أبريل 1854م حيث استقر في كهف في جبل سورداش، المطل على قريتي سركلو وبركلو باسم مستعار (الدرويش محمد)، وكان يغادر مقر خلوته إلى خانقاه (تكية) مولانا خالد في السليمانية للاجتماع مع بعض شيوخ النقشبندية، ثم يرجع إلى كهفه المطل على قرية سركلو، وكان يؤمن معيشته خادم له يدعى أبو القاسم الهمداني.
وتذكر المصادر البهائية أن بهاء الله التقى في السليمانية عدداً كبيراً من أعيان وأهالي كردستان، أمثال: الشيخ عبد الرحمن الطالباني (خالص) شيخ الطريقة القادرية، والشيخ عثمان (سراج الدين) شيخ الطريقة النقشبندية وقطبها، وعمّت شهرته أرجاء السليمانية وما جاورها من مدن وقصبات، وسرعان ما انجذب إليه أهالي كردستان.
وتضيف هذه المصادر أن طرقات وجوامع وآثار السليمانية شاهدة على لقاءاته مع العلماء والعرفاء، وخطبه التي ألقاها في من حضروا مجالسه، وتوافد الناس ينهلون من علمه وحكمته ويستمعون إلى كلماته، كما أن كردستان حظيت كذلك بنزول عدد من أهم آيات وكتب حضرة بهاء الله، قد يكون من أهمها: «قصيدة العز الورقائية».

وتشير المصادر البهائية أنه من خلال زيارات بهاء الله (الدرويش محمد) المتكررة إلى خانقاه مولانا خالد في السليمانية الذي بناه الوالي الباباني محمود باشا سنة 1816م/1232هـ، استطاع تكوين صداقة مفعمة بالروح مع الشيخ إسماعيل رئيس الطريقة الخالدية في السليمانية.

وتؤكد هذه المصادر أنه استطاع التأثير على الشيخ عثمان سراج الدين النقشبندي، وتكوين صداقة متينة معه، ومع الشيخ إسماعيل رئيس الطريقة الخالدية دون ذكر لقبه، لأن هناك ثلاثة من خلفاء مولانا خالد يحملون التسمية نفسها. وتضيف هذه المصادر بالقول: «استمر انجذاب أهل كردستان إلى حضرة بهاء الله حتى بعد رحيله عنها. فالعديد من أعيانها استمروا بالتواصل معه بالخطابات والمكاتيب».

كما أن عدداً من أهلها وأعيانها انجذبوا إلى الكلمة الإلهية التي أتى بها حضرة بهاء الله، فمنهم من آمنوا برسالته، ومنهم من تبنوا العديد من تعاليمه في حياتهم، ومنهم من حافظوا على حبه في قلوبهم وفاء لتلك التجربة التاريخية الفريدة.
وتشير القرائن التاريخية إلى توافد عدد من علماء وعرفاء كردستان لزيارة حضرة بهاء الله بعد رحيله من ديارهم. كما يفتخر بهائيو كردستان بأن بعضاً من أبرز كتب حضرة بهاء الله العرفانية نزلت تشريفاً لشخصيات كردية، مثل «الوديان الأربعة» والذي أرسل للشغŒخ عبد الرّحمن الطالباني الكر**** شيخ الطريقة القادرية وكبير آل الطالباني. و«الوديان السبعة» للشغŒخ محيي الدغŒن المعروف بشيخ الصوفيين.
ويذكر العلامة الملا عبد الكريم المدرس في كتابه «يادى مردان» (تذكار الرجال) باللغة الكردية الصفحة 259-260، أن بهاء الله استطاع تكوين صداقات مع اثنين من أولاد الشيخ عثمان سراج الدين النقشبندي (1195-1295هـ/1781-1878م) أحد الخلفاء الرئيسيين لمولانا خالد الجاف النقشبندي، وهما: الشيخ محمد أبو البهاء (1252-1289هـ/1836-1872م)، والشيخ عبد الرحمن أبو الوفاء (1253-1285هـ/1837-1868م).

وقد عاش بهاء الله معهم حوالي شهرين في خانقاه مولانا خالد في السليمانية، وقد تبادل بهاء الله الرسائل مع الشيخ أبو الوفاء، وكان مضمونها حول العرفان والشعر الصوفي[5].

كما استطاع توطيد صداقة مع الملا حامد البيساراني (1232-1310هـ/1817-1892م) المعروف بكاتب أسرار الشيخ عثمان سراج الدين، وللمترجم عدة مؤلفات، من أهمها «رياض المشتاقين» الذي ذكر فيه بعض كرامات مولانا خالد، والشيخ عثمان سراج الدين، وكانت بينهما رسائل متبادلة حول القضايا المتعلقة بالأدب والعرفان وكتابة الشعر.
كما أرسل بهاء الله رسالة إلى حاجي رسول، أحد وجهاء مدينة السليمانية. وكان لبهاء الله اتصال مع الشيخ عبد الرحمن خالص (1212-1275هـ/1797-1858م) المعروف بعبد الرحمن الطالباني مرشد الطريقة القادرية المقيم في كركوك.

البهائية والكرد.. التأثير والتأثر:
================

بعد إعدام الباب علي محمد الشيرازي من قبل السلطات القاجارية الإيرانية عام1850م، هرب يحيى صبح الأزل، وأودع أخوه الميرزا حسين المازندراني السجن مدة أربعة أشهر، وقد تدخلت السفارة الروسية لمصلحة الأخير، فتم نفيه إلى بغداد، وزودتهم السفارة الروسية بالمال اللازم. وبعد وصول الميرزا حسين إلى بغداد، التي سبقه إليها أخوه الميرزا يحيى صبح الأزل حدث خلاف وصراع بينهما على الزعامة والنفوذ، مما دعا الميرزا حسين إلى ترك بغداد، والذهاب إلى منطقة السليمانية الواقعة شمال شرق العراق حالياً (كردستان العراق)، حيث استقر في كهف في جبل سورداش، المطل على قريتي سركلو وبركلو، للفترة من 1854-1856م. وكان يغادر مقر خلوته إلى خانقاهات الصوفية النقشبندية في مدينة السليمانية وقصبتي: بيارة وطويلة (منطقة هاورمان على الحدود الإيرانية العراقية حالياً) للاجتماع مع زعماء الطريقة.
وكان العالم العثماني الصوفي الحنفي الحافظ بن محمد خواجة بارسا المتوفى سنة823هـ/1419م، ألف كتاباً سماه «فصل الخطاب»، تحدث فيه عن ظهور المهدي، ومناقبه، بقوله: «تظاهرت الأخبار عن ظهوره، وإشراق نوره، يجدد الشريعة المحمدية، ويجاهد في الله حق جهاده، ويطهر من الأدناس أقطار بلاده، زمانه زمان المتقين، وأصحابه خلصوا من الريب، وسلموا من الغيب، وأخذوا بهديه وطريقته، واهتدوا من الحق إلى تحقيقه. به ختمت الخلافة والإمامة، وهو الإمام من لدن موت أبيه إلى يوم القيامة، وعيسى يصلي خلفه، ويصدقه على دعواه، التي هي دعوة صاحب الملة المحمدية»[6].

وقد شرح هذا الكتاب (فصل الخطاب) محمد بن أبي جمهر الأحسائي (ت902هـ/1495م)، وأضاف إليه، وشرحه الشيعي الصوفي الميرداماد (ت1042هـ/1631م)، وتابعه في مدينة أصفهان ملا صدرا الشيرازي المتوفى سنة 1051هـ/1640م، وأودع تعاليمه في كتابه «جامع الأسرار ومنبع الأنوار». وأصبح هذا الكتاب أحد أعمدة المذهب الباطني، وعلى ضوئه وضع الشيخ أحمد الأحسائي (ت1243هـ/1826م) مذهب الشيخية.

حركة حقة:
===

عندما قام الميرزا حسين المازندراني الملقب بهاء الله بسياحته إلى كردستان العثمانية (العراق) في عام 1856م، اطلع على كتاب «فصل الخطاب»، عند أتباع الشيخ مولانا خالد الجاف النقشبندي مجدد الطريقة النقشبندية (ت1243هـ/1827م)، في تكية بيارة الواقعة شرق السليمانية بالقرب من الحدود الإيرانية، وكانت لها نتائج بعيدة المدى على طريقة تفكيره ودعوته.
وكان بهاء الله يظهر علاقته بالروس، ولكن يخفي علاقته بيهود بغداد ويهود كردستان. فحين وصل بهاء الله إلى بغداد عام 1272هـ/1852م كان فيها حوالي 50 ألف يهودي وفي كردستان حوالي 18 ألف يهودي، وعندما اتصل بهاء الله بالحاخام شمعون أغاسي (ت1334هـ/1914م) أرسل إلى كردستان الحاخام والعالم اليهودي هارون البارزاني (ت1318هـ/1900م)، وكان الحاخام رجلاً صوفياً يؤمن بظهور الملك الإلهي (المسيح المنتظر) وعهده السعيد، وكان عالماً بالعربية والفارسية، وكان متعطشاً لمذهب القبالة (التصوف اليهودي). وقد استقبل الحاخام اليهودي بهاء الله بالترحاب وأمن له المعيشة الحسنة في جبل سركلو وصار يتجول في السليمانية وما حولها[7].
ومن جانب آخر فإن بعض المصادر تذكر أن سبب اختفاء بهاء الله في جبال كردستان بالقرب من قرية (شه ده له) في جبال سورداش غرب السليمانية، كان نصيحة من الحاخام اليهودي يوسف حاييم لاكتساب تجربة روحية من الاطلاع على القبالة اليهودية وأسرارهما (التصوف اليهودي)، هذه التجربة تجعله يدرك جوهر الأشياء وقوانينها العميقة كما فعل نبي الله موسى عليه السلام حين غاب في جبل الطور في سيناء.
ويبدو أن فترة بقاء بهاء الله في تلك المنطقة، كانت لها آثار سلبية على عقيدة بعض الكرد، ففي سنوات 1339-1340هـ ظهرت في تلك المنطقة حركة الـ«حقة»، التي تعد إحدى حركات الغلو في التصوف النقشبندي، وكانت لها أفكار غريبة وعجيبة، مخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة، التي هي عقيدة الغالبية العظمى من الكرد.

وغالب الظن أن لبهاء الله يداً في ما حصل من الانحراف لدى الصوفية النقشبندية في تلك المنطقة، المحيطة بقرية (شه ده له)، التي آلت نتيجتها إلى ظهور نِحلة الحقة. وليس من المستبعد، لدى بعض الباحثين الكرد، أن يكون قد تم ذلك وفق خطة رسمت لهذه الغاية، لإفساد عقيدة أهل المنطقة، مثلما عمل البهاء لإفساد عقيدة من انتحلوا البهائية في إيران. وإلا فما الداعي ليسكن هذا الرجل، في هذه المنطقة النائية مدة سنتين، من 1272 لغاية 1274هـ، وبالقرب من مركز رئيس الطريقة النقشبندية في قرية (شه ده له)، الشيخ أحمد سردار النقشبندي، أحد خلفاء مولانا خالد الجاف النقشبندي ومما يدل على ذلك أن بعض منتسبـي هذه النحلة، نعتوا شيخهم عبد الكريم شدله بأنه هو المهدي، وبعضاً آخر وصفوه بأنه هو عيسى عليه السلام. كما أسبغ البهائيون على زعيمهم بهاء مثل هذه الأسماء. وينقل عن شخص معاصر لتلك الأحداث، وهو السيد الحاج عبد جاسم، الذي كان من رجال الشرطة العراقية الملكية، بأنه حين مداهمته لخانقاه تكية مامه رضا، أحد زعماء طريقة الحقة في قرية (كلكه سماق)، القريبة من (مصيف دوكان) (غرب مدينة السليمانية)، وتحريه لممتلكاتها، سنة 1365هـ/1944م، لم يجد فيها من الكتب غير كتاب «البهائية».

لقد تعاقب على زعامة الطريقة النقشبندية في منطقة سورداش الواقعة غرب مدينة السليمانية كل من الشيخ أحمد سردار النقشبندي، وبعدها ابنه عبد القادر سوور، ثم انتقلت زعامة الطريقة إلى الشيخ رضا بن الشيخ عثمان العسكري بناء على توصية الأخير بتلقين الطريقة إلى مريديه، وأوصى الشيخ رضا العسكري بأن يكون الشيخ محمد إلا الله (اسم قرية في منطقة كويسنجق) خليفة له في زعامة الطريقة النقشبندية، وبعدها قام الشيخ مصطفى بن الحاج الشيخ رضا العسكري بتلقين الطريقة إلى حين وفاته في بغداد سنة 1335هـ/1915م. وبناءً على وصيته قام الشيخ ملا أحمد كلنيري بزعامة الطريقة لحين وفاته سنة 1339هـ/1919م. وبعد سنة قام الشيخ عبد الكريم شَدَله في سنة 1340هـ/1920م باستلام الطريقة النقشبندية في مناطق سورداش وميركه وميرزا رستم وكويسنجق واغجلر وشوان (مناطق واقعة بين مدينتي السليمانية وكركوك)، وتلقوا الطريقة منه، ويبدو أن الطريقة قد توسعت في عهده وبدت فيها آثار الغلو والشطط فيها، حيث قيل إنه ادعى أن الألوهية قد حلت فيه.

وفي قرية (شَدَله) التي بناها الشيخ مصطفى بن الشيخ رضا العسكري في المنطقة الواقعة بين جبلي بيره مكرون وجرمابان شمال غرب مدينة السليمانية، ظهرت حركة حقة الدينية الاجتماعية على يد الشيخ عبد الكريم بن الشيخ مصطفى بن الشيخ رضا العسكري في سنة 1339هـ/1920م الملقب بعبد الكريم شَدَله كما أسلفنا.

وجماعة حقة مثلهم مثل أية جماعة صوفية كانوا يصابون بحالة (الجذبة) أثناء تواجدهم في خانقاه شدله ويفقدون السيطرة على أنفسهم، ويبدأون بذكر «الله.. الله»، أو يقولون «يا حق.. يا حق»، وبسبب اعتزازهم بهذا السلوك اشتهروا بين الناس بـ«الحقة». والظاهر أنهم كانوا يستحسنون هذه التسمية، وبدأوا بتفسير ذلك قائلين نحن نتبع الحق نبحث عن الحقيقة التي تستخلص من الطريقة، وطريقنا هو طريق الحق، لأن الطريقة الصوفية هي الحق، وأنها منبعثة من الشريعة. ولذلك عندما كانوا يسمعون كلاماً صحيحاً، أو يشاهدون تصرفاً أو عملاً صحيحاً كانوا يقولون «حقة». ولذلك عندما كان يثار الجدل بين علماء الإسلام وبين شيوخ حقة حول عدم التزامهم بالإسلام وأركانه وضوابطه، كان جوابهم: «إن الطريقة تنبع من الشريعة، وبناءً على ذلك فإن أعمالنا نحن كممثلين عن الطريقة شرعية وغير مخالفة للدين»[8].
لقد بدت عقائد الحقة في نظر الأغلبية السنية المحيطة بهم موضع شك وريبة، لأنهم خالفوا الأسس العامة للإسلام أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة، ويمكن إرجاع أسباب تشكك أهل السنة منهم ومن عقائدهم إلى سببين رئيسيين: الأول يتعلق بترويج مبدأ انتفاء الحاجة إلى أداء التكاليف الشرعية (سقوط التكاليف) من صلاة وصوم وزكاة وحج وغيرها. والثاني يتعلق بتصورات اجتماعية أكثر انفتاحاً وتطوراً من قبيل المساواة الاجتماعية بين الرجال والنساء والتكافل الاجتماعي وحقوق المرأة، شبيه بما كان الأمر عليه في مستوطنات القرامطة، حول وجود إباحية في مجتمع الحقة، حيث كان الاختلاط بين الرجال والنساء سيد الموقف، كما أن الجانبين كانوا يسبحون معاً في أحواض السباحة برفقة الكلاب، ويذكر الضابط البريطاني سي. جي. أدموندز، مستشار وزارة الداخلية العراقية في العهد الملكي، ما نصه: «إن نقشبندية كردستان (أقصد الفلاحين في القرى البعيدة لا رجال المدينة المتعلمين) يميلون بنوع إلى بعض الشذوذ. وليس من ريب عندي في أن اتجاهات إباحية ظلت تشيع زمناً طويلاً في القرى الجبلية البعيدة على حدود (سورداش) و(مه ركه) لانقطاعهم عن العالم الخارجي، وندرة زيارات موظفي الحكومة، ولم يجذبوا اهتمامي لأول مرة إلا في العام (1315هـ/1932م) أي بعد عدة سنوات من وجودي فقد ذهبت وحدة من الشرطة لإجراء تبليغ في قرية (هه له ون) التي هي من أملاك الشيخ محمود وتبعد عن (سه ركه لو) أربعة أميال وعند عودتهم أبلغوني أنهم شاهدوا بأم أعينهم حفلة استحمام مختلطة للجنسين في حوض المسجد، وأضافوا إليها تفاصيل غريبة. وقد شكت سلطات الإدارة (العراقية الملكية) في صحة ما بلغها أول الأمر، إلى أن أبلغ بعض التجار المحترمين عن مناظر مشابهة في قرية (سه ركه لو) نفسها وقدموا شكوى لأنهم أهينوا وأعتُدي عليهم عندما حاولوا استنكار هذه الأعمال، وقد كشفت التحقيقات عن قصة غريبة فريدة»[9].

ويظهر أن المستشار البريطاني (أدموندز) بحكم اطلاعه على الأوضاع في تلك المنطقة عن كثب بحكم كونه كان معاون الحاكم السياسي للواء كركوك في سنة 1934م، والمنطقة التي كان هؤلاء الباطنيون مستقرين كانت فيها تحت إشرافه المباشر، حيث زار بنفسه تكية قرية (شَدَله) في أغسطس 1936م لذلك كان على دراية كافية بالأوضاع، حيث يذكر أن الشيخ عبد الكريم شدله قد أسس طريقة صوفية عرفت باسم حقة، وتستند إلى التعاليم المعروفة برقصات الصوفية التي كتبها سلفه حاجي شيخ عارف، ولكن الشيخ عبد الكريم شدله آثر أن يبقى وراء الستار لأنه أبرز شخصية في المنطقة فضلاً عن مسؤولياته تجاه الحكومة الملكية العراقية، وكان هذا بعد نظر منه ودهاء، ويستطرد المستشار البريطاني قائلاً: «شوهد أتباع الطريقة يدفنون أجسامهم حتى الأعناق في أكداس روث حيوانات القرية، وهم يتلون الأدعية لله! ووجد نوع من شيوعية الأموال، وبضمنها النساء. وراحت جماعات صغيرة من كلا الجنسين تتجول فوق الروابي والآكام بعد حلول الظلام، الرجال منهم في ثياب النساء أو حليهن، أما حفلات الاستحمام المختلطة في المساجد فكانت مظهراً منتظماً من مظاهر الطقوس، وكثيراً ما كانت تسحب الكلاب إلى الحوض مع المستحمين، وكانت أوعية البول تنتقل من يد إلى يد، وبلغ السيل الزبى عندما اقتحمت جماعة من الصوفية وهم في حال الوجد (السكر)، مسجد (سه ركه لو) وأحرقت علناً نسخة من القرآن وعندما استدعي الشيوخ والأدلة الصوفية إلى السليمانية للتحقيق. قالوا إنهم شخصياً لا يقرون مثل هذا الشذوذ، على أنهم حاولوا الاعتذار لذلك بقولهم: «إن يقم المريد الذي هو في حالة وجد ولفترة محدودة - بتصرفات مخالفة للسلوك والأخلاق والدين - فليس عليه جناح»[10].

وقد حاول بعض الكتاب والصحفيين المحسوبين على اليسار الكردي تبرير أعمال هؤلاء المنحرفين الباطنيين، بأنهم قاموا بهذه الأعمال لأسباب اقتصادية تخلصاً من سيطرة الآغوات والبرجوازية الكردية، وإقامة علاقات مبنية على المساواة بين الرجال والنساء لإنقاذ المرأة من سطوة الرجال! حيث يشير الكاتب الكردي اليساري محمد بن الملا عبد الكريم المدرس في تقييمه لهذه الحركة بالقول: «في الحقيقة إن حركة حقة قد أتت بأمور جديدة غير موجودة في النهج الديني، بل ولا تنسجم معه، سواء من وجهة النظر الدينية البحتة، مثل إهمال البعض منهم لأداء فرائض الصلاة والصوم (ترك الفرائض)، أو في ميدان الحياة الاجتماعية مثل موقفهم من المرأة (تحررها) والمساواة في المجال الاقتصادي... وأن الحركة كانت ذات صلة بالمناهج الدينية والفلسفية التي ظهرت بين المسلمين على مر التاريخ، وأظن أن هناك بصمات للطرق الفلسفية الحديثة على الحركة. وعموماً أنها نبعت من الشعور بالحاجة إلى الضرورات الحياتية للمجتمع الفلاحي الإسلامي الكردي»[11].
وفي رده على أحد الكتاب الكرد، الذين حاولوا تبرئة حركة حقة من الشطحات والأفكار الباطنية التي ظهرت فيها، يقول: «حان الوقت دون خوف من لوم الآخرين في المجتمعات المحافظة، أن نتجاسر ولا نحجب حقيقة تلك الحركات الاجتماعية والسياسية في كردستان، وأن نحاول الوصول إلى حقيقة أسباب ظهورها، لقد مضى ذلك الوقت الذي نجعل من وجهة النظر القديمة لآلاف السنين محكاً لتقييم الأفكار والاتجاهات وتقديرها حسب وجهة نظر رجعية»[12].

وعلى السياق نفسه يقول الشيخ حسين خانقاه أحد شيوخ الطريقة القادرية في مدينة كركوك ويمت بصلة القربى إلى شيوخ حقة: «إن شيوخ حقة مثل أية مجموعة من شيوخ النقشبندية كانوا يقومون بإرشاد مريديهم، إلى أن بدأ قسم من رجال الدين والمتصوفين في زمن الشيخ عبد الكريم بالشطحات، وقسم من هؤلاء كانوا يتكلمون عن ظهور محمد المهدي، ومن هنا أخذوا يهملون شيئاً فشيئاً القيام بالفرائض كالصوم والصلاة، وتركوا العمل والعلاقات الأخرى، ولما كان يقوله ويعمله هؤلاء من أمور غريبة عن عقلية الناس، اشتهروا بالمجانين، أما البقية الذين تمسكوا بسلوكهم الصوفي، فكان يطلق عليهم الصوفية، ولكن الشيخ عبد الكريم لم يرض بأقوال وأفعال هؤلاء، وفي إحدى المناسبات قام بضرب حمه سور (محمد الأحمر) أحد مستشاريه المقربين، لأن حمه سور كان يقول (لم تبق الشريعة)، وكان الشيخ يضربه ويقول قل (باقية)؛ إلا إن حمه سور كان يصر على قوله بعدم بقاء الشريعة»[13].

وبعد ثورة 14 يوليو 1958م/1378هـ في العراق التي قضت على النظام الملكي، نشرت جريدة الجمهورية البغدادية في السنة الأولى من صدورها في الأعداد (60،53،51،50)[14] حيثيات محاكمة مشهورة في بغداد لأحد مساعدي الشيخ عبد الكريم شدله وهو شخص معروف باسم حمه سور، وقد اتهمته المحكمة بأن حركته (حقة) تستند إلى مذهب الحلول والتناسخ والإباحية التي طبقها عملياً بين أتباعه كما روى شهود من أهل قريته (كلاوقوت) والقرى المجاورة. وكان حمه سور قد ادعى بين أتباعه النبوة زاعماً أنه نسخ الشريعة الإسلامية، وأن الله قد حل فيه، فكلامه هو كلام الله، وزعم أنه المهدي المنتظر، وكان يدعو الأهلين إلى ترك فريضة الصوم والصلاة، والدعوة إلى إباحة النساء، زاعماً أن مواقعة النساء اللاتي يرغبن في الجماع هي أحسن عند الله منها. فضلاً عن الدعوة إلى منع التناسل[15].

وكان أحد المحامين من مركز مدينة كركوك ويدعى معتصم قد اتهم حمه سور بأنه في حقيقته أجنبي، لا يعلم أصله، ولكن الشهود قالوا: إنه جاء إلى قريتهم من إيران، وكان قبل ذلك في روسيا، فتلقفه المستعمرون فدفعوه لتعلم اللغة الكردية، وجهزوه حتى يؤدي هذا الدور، وأرسلوه إلى العراق فاتصل بالشيخ عبد الكريم الشدلي الذي - كما قيل - كان يدعي الألوهية في ذلك الحين. ولما اختلف معه جاء إلى قرية كلاوقوت في ناحية شوان التابعة للواء (محافظة) كركوك، فأفسد عقيدة كثير من العوام الجهال الذين يتبعون كل ناعق دون دليل أو برهان[16].

وقد انقسمت الحقة إلى قسمين:
----------------

1- المامه رضائية، نسبة إلى المامه رضا الذي خلف شقيقه عبد الكريم شدله المتوفى سنة 1942م في قيادة الحقة، وتوفي هو الآخر سنة 1961م. وكان يناور عندما يسأل عن سبب تركهم للفرائض الشرعية من قبل أحد علماء مدينة السليمانية، فكان جوابه: «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين. حتى أداة بلوغ الغاية. إننا وصلنا إلى الغاية، وحصل لدينا اليقين، ولذلك لسنا بحاجة إلى السجود»[17].

2- الحمسورية، نسبة إلى حمه سور أو حمسور[18] الذي كان متطرفاً أكثر من الفرع الآخر، وكان يقول عن دينه: «بأنه فوق دين النووي» (يظهر أنه يقصد الإمام النووي)[19]، وكان يؤول الآيات القرآنية التي تتكلم عن خلق الإنسان من طين بقولهم: «ألا يقول العلماء أن الله خلق البشر من طين؟ فما يضر الله لو وضعنا قطعة طين في شق حائط»[20]. ولذا كان يعد الحقة خارجين عن الإسلام. وكان هذا الفرع أكثر تطرفاً من ناحية العلاقات الاجتماعية المشاعية بين الرجال والنساء، وقد مات حمسور سنة 1986م. حيث كانت له علاقات مباشرة مع مؤسس الحزب الشيوعي العراقي يوسف سلمان يوسف (فهد النصراني) الذي أعدمته الحكومة الملكية العراقية في 14/2/1949م/1370هـ، وكان فهد عندما رجع من الاتحاد السوفيتي إلى العراق عن طريق إيران في عام 1943م/1362هـ، *** معه طابعة بمساعدة الحزب الشيوعي الإيراني (تودة)، فاستقر في قرية شدله في بيت الشيخ عبد الكريم والتقى هناك بحمسور، فضلاً عن ذلك أنه حينما كان يضطر للاختفاء عن أنظار السلطات الملكية العراقية - آنذاك - يلجأ دوماً إلى المكان نفسه (قرية شدله) النائية ويبقى فيه لفترات طويلة[21].

وقد دخل الكثير من أتباع طائفة حقة إلى الأحزاب الكردية العلمانية بشتى أطيافها اليسارية والماركسية.
أما بخصوص الغرائب والشذوذ في تصرفاتهم، فقد ذكرها أحد الباحثين الكرد وفق ما يلي:
دفن الأجسام وهم أحياء في أكداس روث حيوانية.
شيوعية الأموال، حتى قال بعض الناس إنها شملت النساء أيضاً.
حفلات الاستحمام المشترك والمختلط وسحب الكلاب معهم إلى داخل الأحواض.
التبرك بأوعية مملوءة من البول ولمسها.
عدم حلق شعر الرأس وخصوصاً المقدمة منها.
عدم شرب الشاي والاكتفاء بالماء الحار والسكر[22].
بناء على ما تقدم يظهر للباحث ما يلي:
أن عناصر من حركة البابية والبهائية استطاعت التغلغل إلى صفوف الطريقة النقشبندية المجددية الكردية التي أسسها مولانا خالد الجاف انطلاقاً من مدينة السليمانية، ورسمت لها مخططاً للتنفيذ تم تطبيقه ببطء عن طريق الدفع بهم نحو الشطط والغلو في شيوخهم وعن طريق التوجيه بواسطة تعلق قلب المريد بشيخه وتذكره طوال الوقت! (في الإسلام على الإنسان أن يتعلق قلبه بالله وحده وليس بشيء آخر لأنه منافٍ للتوحيد الخالص). وهكذا بحلول سنة 1920م/1339-1340هـ ظهرت حركة الحقة في عهد شيخها عبد الكريم شدله.

دعم الحاخامات اليهود للبهائية عن طريق التصوف اليهودي والدعم المادي السخي، على أساس ظهور الألفية السعيدة وظهور المسيح المنتظر (المهدي المنتظر)، وعن هذا الطريق محاولة إنشاء نواة لها في الأجزاء الجبلية البعيدة من كردستان ذات الغالبية السنية مثل: حركة حقة في شمال شرق كردستان العراق، والخورشيدية البارزانية في أواسط شمال كردستان العراق، لأن الحركتين البابية والبهائية قامتا ضمن أتباع المذهب الشيعي الإثنى عشري في إيران المستعد أصلاً لاستقبال الخرافات والأوهام البعيدة عن الإسلام الصحيح.

استغل أعداء الإسلام بعد هذه المنطقة عن مراكز المدن ووقوعها بين مضائق جبلية وعرة، شمال غرب السليمانية، شمال وشمال شرق كركوك، لنشر أفكارهم الهدامة.

كان الجهل والأمية والإيمان بالخرافات متفشياً في هذه المنطقة. حيث الحالة الاجتماعية المتأخرة والبساطة التي كان عليها أهلها، وهذا ديدن الحركات الباطنية التي ظهرت في حقب مختلفة من التاريخ الإسلامي كالنصيرية (العلوية) والدرزية والبهرة والحروفية وغيرها.

تفرعت الحركة إلى أجنحة لامتداد نفوذها إلى مناطق أخرى، لاسيما الجناح الحمسوري.
كان الجناح الحمسوري أكثر تطرفاً من الناحية الباطنية، وإيغالاً في الإباحية، إذ ألغت الحمسورية العبادات والفرائض. كما دعت إلى شيوعية الأموال وحتى النساء، ويرون أن الله خلق البشر من طين ولا حرج في وضع قطعة طين في شق حائط - على حد زعمهم[23].

انضم غالبية أتباع الحركتين المامه رضائية والحمسورية إلى الحزب الشيوعي العراقي ومن ثم الحزب الشيوعي الكردستاني، والأحزاب اليسارية الكردية الأخرى، بسبب القواسم المشتركة الكثيرة بين الباطنية والعلمانية اليسارية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الدكتور محسن عبد الحميد، حقيقة البابية والبهائية بيروت، المكتب الإسلامي، ط3، 1405هـ/1985م، ص45.
[2] المرجع نفسه، ص46.
[3] عبد الرزاق الحسني، البابيون والبهائيون في حاضرهم وماضيهم دراسة دقيقة في الكشفية والشيخية وفي كيفية ظهور البابية فالبهائية، بيروت، الدار العربية للموسوعات، 2008هـ/1428هـ، ص22، الهامش(2).
[4] المرجع نفسه، ص24-25.
[5] عبد الكريم المدرس، يادى مردان (تذكار الرجال) باللغة الكردية، المجمع العلمي العراقي - هيئة اللغة الكردية، بغداد، 1979م، ج1، ص259-260.
[6] محسن الأمين العاملي، أعيان الشيعة، دار التعارف، بيروت، 1986م، ج2، ص72.
[7] محمد عبد الحميد الحمد، البهائية ولادة دين جديد، دار الطليعة الجديدة، دمشق، 2006م، ص270-271.
[8] مصطفى رضا العسكري، التفاتة نحو حركة حقة، كتب مقدمته وهوامشه محمد الملا عبد الكريم، مديرية الطبع والنشر، السليمانية، 2009م، ص36-39.
[9] سي. جي. أدموندز، كرد وترك وعرب، ترجمة: جرجيس فتح الله، منشورات الجمل، دار آراس للطباعة والنشر، بيروت - بغداد - أربيل، 2012م، ص289.
[10] أدموندز، كرد وترك وعرب، ص289-290.
[11] مصطفى رضا العسكري، التفاتة نحو حركة حقة، ص33.
[12] المرجع السابق، ص33.
[13] مصطفى العسكري، التفاتة نحو حركة حقة، ص34-35.
[14] جريدة الجمهورية البغدادية، 12 سبتمبر 1958م.
[15] محسن عبد الحميد، حقيقة البابية والبهائية، ص49؛ مصطفى العسكري، التفاتة نحو حركة حقة، ص31؛ رفيق مجيد عبد الله، حركة الحقة والحمسورية بين الإسلام والباطنية، مجلة جامعة دهوك، المجلد2، العدد1، مارس 1999م، ص167، لذلك عندما أنجب أحد أتباعهم طرد من صفوف جماعة حقة. ينظر: جواد فقي علي، محمد بن عبد الله الجلي وجهوده العلمية، رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية الشريعة - جامعة بغداد، 1411هـ/1990م، ص59.
[16] محسن عبد الحميد، حقيقة البابية والبهائية، ص49؛ رفيق مجيد عبد الله، حركة الحقة والحمسورية بين الإسلام والباطنية، ص166.
[17] مصطفى العسكري، التفاتة نحو حركة حقة، ص129.
[18] حمسور: مركب من محمد + سور الذي يعني في اللغة الكردية الأحمر، ومحمد يرخم لدى الكرد السورانيين ويحول إلى (حمه) للتخفيف، وقد مات حمسور سنة 1986م.
[19] المرجع نفسه، ص130.
[20] جواد فقي علي، محمد بن عبد الله الجلي وجهوده العلمية، ص59.
[21] رفيق مجيد عبد الله، حركة الحقة والحمسورية بين الإسلام والباطنية، مجلة جامعة دهوك، المجلد2، العدد1، مارس 1999م، ص166، حيث التقى الباحث شخصياً مع سكرتير الحزب الشيوعي الكردستاني العرقي كريم أحمد في 18/2/1996م، ومع أحد أتباع نحلة حقة المدعو ملا عمر كولده، في 18/1/1996م.
[22] المرجع نفسه، ص167، نقلاً عن المستشار والضابط البريطاني أدموندز، وفي مقابلة شخصية مع أحد أفراد الحقة أحمد رسول، في 15/1/1996م.
[23] المرجع نفسه، ص168.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #70  
قديم 06-15-2019, 05:38 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
ورقة فرق الشيعة

فرق الشيعة
_________

(أ.د. ناصر بن عبد الله القفاري)
_____________________

12 / 10 / 1440 هــــ
15 / 6 / 2019 م
_______________





الحديث
===
عن فرق الشيعة طويل ومتشعب، ومن يرجع إلى كتب الفرق والمقالات؛ سيقف على عدد كبير من تلك الفرق، لكنه ربما لا يهتدي إلى معرفة قديمها من معاصرها، والباقي منها والفاني، فضلاً عن معاني أسمائها وحقيقة معتقداتها، بل إن كثيراً من الناس لا يفرقون بين ألقابها وفرقها، ولا يميزون بين غلاتها ومعتدلها، ويشتبه عليهم شيعة آل البيت بالرافضة؛ لأن الرافضة يسمُّون أنفسهم بالشيعة[1].

والملفت للنظر هو كثرة هذه الفرق، وتعددها بدرجة كبيرة، حتى تكاد تنفرد الشيعة بهذه السمة، أو قل: بهذا البلاء! فبعد وفاة كل إمام من الأئمة عند الشيعة تظهر فرق جديدة، وكل طائفة تذهب في تعيين الإمام مذهباً خاصاً بها، وتنفرد ببعض العقائد والآراء عن الطوائف الأخرى، وتدعي أنها هي الطائفة المحقة.

الاختلاف والتفرق من سمات التشيع:
-----------------------------------

هذا الاختلاف والتفرق كان محل شكوى وتذمر من الشيعة نفسها، قال أحد الشيعة لإمامه - كما في «رجال الكَشي» -: «جعلني الله فداك، ما هذا الاختلاف الذي بين شيعتكم؟ فقال: وأي الاختلاف؟ فقال: إني لأجلس في حِلقهم بالكوفة، فأكاد أشك في اختلافهم في حديثهم.. فقال أبو عبد الله: أجل، هو كما ذكرت؛ إن الناس أولعوا بالكذب علينا، وإني أحدث أحدهم بالحديث، فلا يخرج من عندي، حتى يتأوله على غير تأويله، وذلك أنهم لا يطلبون بحديثنا وبحبنا ما عند الله، وإنما يطلبون الدنيا، وكلٌّ يحب أن يدعى رأساً»[2].

فيدل هذا النص على أن حب الرياسة، ومتاع الدنيا الزائل كان وراء تشيع الكثيرين، وأن هؤلاء أولعوا بالكذب على آل البيت، ولهذا كثر الخلاف والتفرق.

وقد ذكر المسعودي، وهو شيعي[3]، أن فرق الشيعة بلغت ثلاثاً وسبعين فرقة[4]، وكل فرقة تكفر الأخرى، وهذا في القرن الرابع، فكيف في ما بعده؟! ولهذا زعم الرافضي مير باقر الداماد[5] أن الفرق المذكورة في حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة[6] هي فرق الشيعة، وأن الناجية منها هي طائفته الإمامية[7]، وأما أهل السنة والمعتزلة وغيرهم من سائر الفرق فجعلهم من أمة الدعوة، أي ليسوا من أمة الإجابة، فهم في اعتقاده لم يدخلوا في الإسلام. وهذه المقالة قد قالها الشيعة من قبل، وأشار إلى ذلك الشهرستاني[8]، والرازي[9].

وقد ورد في دائرة المعارف: أنه ظهر من الفرق الشيعية ما يزيد كثيراً عن الفرق الاثنتين والسبعين فرقة المشهورة[10]، بينما يذكر المقريزي: أن فرق الشيعة بلغت ثلاثمئة فرقة[11].

ومرَدُّ هذا الاختلاف، في الغالب، إلى اختلافهم حول الأئمة من آل البيت، فيذهبون مذاهب شتى في أعيان الأئمة، وفي عددهم، وفي الوقف على أحدهم وانتظاره، أو المضي إلى آخر والقول بإمامته، وهذا الاختلاف العريض يدل على أن ما يدعونه من النص والوصية محضُ افتراء من الزنادقة على آل البيت، باسم التشيع الكاذب؛ ولهذا قال العلامة ابن خلدون، بعدما ساق اختلافهم في تعيين الأئمة: «هذا الاختلاف العظيم يدل على عدم النص»[12]، مع أن أمر الإمامة عندهم هو أصل الدين، فلا يقبل فيه الخلاف، كما يقبل في الفروع، وقد عدَّ شيخُ الشيعة الزيدية في زمنه، أحمدُ بن يحيى المرتضى[13] (ت 840ه‍) اختلافَ الشيعة عند موت كل إمام في القائم بعده أوضحَ دليل على إبطال ما يدعون من النص[14]، أي: دليلاً على أنهم ليسوا على شيء في ما ذهبوا إليه من دعوى أن الرسول صلى الله عليه وسلم نص على عليٍّ والأئمة الآخرين؛ إذ لو كان ثمَّ نص من عند الله؛ لما كان هذا الاختلاف والتباين، ولكن لما وجدوا اختلافاً كثيراً كان من أعظم الأدلة على عدم وجود نص صحيح.

هل اختلاف الشيعة أمر مقصود؟
=================

تذكر بعض أخبارهم سبباً مهماً لطبيعة هذا الافتراق والاختلاف، وهو أن من هذا الاختلاف ما هو مقصود، وخطة موضوعة لخداع أهل السنة، وللعمل على إخفاء حقيقة المذهب عن عموم المسلمين، جاء في بعض أخبارهم أن أحدهم شكا لإمامه كثرة اختلافهم وتفرقهم، فأجابه قائلاً: «ذلك من عندنا، لو اجتمعتم على شيء لصدقكم الناس علينا، ولكان أقل لبقائنا وبقائكم»[15]، وقد علق شارح «الكافي» على هذا اللون من نصوصهم قائلاً: «إن اختلاف كلمتهم أصلح لهم، وأنفع لبقائهم؛ إذ لو اتفقوا لعرفوا بالتشيع، وصار ذلك سبباً لقتلهم»[16]، وهذا النص، وإن كان محاولة لستر افتراقهم وتشتتهم الذي يدل على أنهم ليسوا على شيء، لكنه من جهة أخرى يكشف أسلوباً خطيراً لخداع المسلمين؛ حتى لا يفتضح أمرهم، ويهتك سترهم، وهو أنهم أحياناً يتظاهرون باختلاف أقوالهم ومواقفهم؛ لإخفاء حقيقة دينهم.

فاختلاف فرقهم، وتباين أقوالهم، وتعدد مواقفهم، منها ما هو أمر مقصود؛ وذلك لإخفاء دينهم الذي تواصَوا بكتمانه، فقالوا: «إنكم على دينٍ من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذلَّه الله»[17]؛ ولذا اتفقوا على وجوب التظاهر أمام الآخرين بخلاف عقيدتهم الحقيقية، فقالوا: «اتقوا الله في دينكم، فاحجبوه بالتقية، فإنه لا إيمان لمن لا تقية له»[18].

وهذا لا ينفي أن الاختلاف الجاري في أحاديثهم ورواياتهم، والتناقض الشائع في نصوصهم، هو أيضاً طبيعة كل نحلة باطلة، ليست من عند الله، كما قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرا} [النساء: 82]، فالاختلاف والتناقض من العلامات البارزة لكل نحلة باطلة، وهو من معالم الهداية في معرفة الحق من الباطل، والتمييز بين الصدق والكذب، فإن الباطل يعرف بتناقضه، والكذب يدرَك باختلافه، والتناقض سمة شائعة في نحلة الرافضة[19]، حتى تألم شيخهم الطوسي، الملقب عندهم بشيخ الطائفة «لما آلت إليه أحاديثهم من الاختلاف والتباين والمنافاة والتضاد، حتى لا يكاد يتفق خبر إلا وبإزائه ما يضاده، ولا يسلم حديث إلا وفي مقابلته ما ينافيه»، واعترف بأن هذا الاختلاف قد فاق ما عند أصحاب المذاهب الأخرى، وأن هذا كان من أعظم الطعون على مذهبهم، وأنه جعل بعض الشيعة يترك هذا المذهب لما انكشف له أمر هذا الاختلاف والتناقض[20].
ثم إن وراء ذلك الاختلاف والتنازع بينهم أيضاً تكالبهم على أكل أموال أتباعهم باسم خمس الإمام، وقد كشفت هذه الحقيقةَ مصادرُهم، فقد كثر المتنافسون على دعوى النيابة عن المهدي[21]؛ لما في ذلك من مكاسب مادية كبيرة، وقام البعض منهم بفضح الآخر، فمثلاً يقول الشلمغاني[22] - وهو أحد مدعي النيابة عن المهدي، الذين لا تعترف بهم الإثنى عشرية -: «ما دخلنا مع أبي القاسم الحسين بن روح [النائب الثالث للمهدي عند الإثنى عشرية] إلا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه، فلقد كنا نتهارش على هذا الأمر، كما تتهارش الكلاب على الجيف»[23]. يقول أحمد الكسروي (الذي كان شيعياً، يشغل رئيس المحاكم الإيرانية في بعض مدن إيران، ويعمل أستاذاً في الجامعة)[24] معقباً على هذا القول:

«لقد صدق في ما قال؛ فإن التخاصمَ لم يكنْ إلا لأجل الأموال، كان الرجل يجمع المال، ويطمع فيه، فيدعي النيابة؛ لكي لا يسلمه إلى آخر»[25].

وتقول مصادرهم: «مات أبو الحسن (ع) وليس من قوامه أحد، إلا وعنده المال الكثير، فكان ذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته، وكان عند زياد القندي سبعون ألف دينار، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار، وكان أحد القوام عثمان بن عيسى، وكان يكون بمصر، وكان عنده مال كثير وست جواري، قال: فبعث إليه أبو الحسن الرضا - عليه السلام - فيهن، وفي المال. فكتب إليه: إن أباك لم يمت، فكتب إليه: إن أبي قد مات، وقد اقتسمنا ميراثه، وقد صحت الأخبار بموته. فكتب إليه: إن لم يكن أبوك مات؛ فليس لك من ذلك شيء، وإن كان مات؛ فلم يأمرني بدفع شيء إليك، وقد أعتقت الجواري، وتزوجتهن[26]»[27].

هذا النص مأخوذ من كتب الإثنى عشرية، وندع الجانب الذي وضعوا من أجله النص - وهو الاستدلال على بطلان الوقف بما قاله إمامهم الرضا - ونأخذ منه ما يكشف لنا عما يدور في الخفاء من التكالب وراء جمع المال، وأن أولئك الذين راحوا يجوبون الأمصار، كلٌّ يدعو لإمام من الأئمة؛ إنما كان غرضهم الاستئثار بأكبر قدر من المال، بدعوى خادعة، وهي خمس الإمام، فإذا مات الإمام الذي يدعون التشيع له ويجمعون المال باسمه، خرج من يدعي التشيع للإمام الذي بعده، فينكر الأولون موت السابق طمعاً في المال الذي في أيديهم، وطلباً للمزيد من جمع الأموال باسم الإمام الغائب الذي لم يمت.

أصول فرق الشيعة:
==========

إذا رجعنا إلى كتب الفرق والمقالات التي ذكرت طوائف الشيعة، فإننا نجد بينها اختلافاً في الأصول التي انبثقت منها صنوف الفرق الشيعية الكثيرة والمختلفة، فالجاحظ يرى أن الشيعة فرقتان: الزيدية والرافضة، يقول: «اعلم - رحمك الله - أن الشيعة رجلان: زيدي، ورافضي، وبقيتهم بدد، لا نظام لهم»[28]، ويأخذ بهذا التقسيم شيخ الشيعة المفيد، ويقول بأن الشيعة رجلان: إمامي، وزيدي[29]. ولعل هذا هو أصح تقسيم لأصول فرقهم؛ لأن كل فرق الشيعة ترجع إليهما، وتتفرع عنهما.

أما الإمام الأشعري - رحمه الله - فيجعل أصول فرق الشيعة ثلاث فرق: الغالية، والرافضة (الإمامية)، والزيدية. ويبلغ مجموع الفرق الشيعية عنده خمساً وأربعين فرقة، حيث جعل الغالية خمس عشرة فرقة، والرافضة أربعاً وعشرين فرقة، والزيدية ست فرق[30]، وهو يعد الإثنى عشرية من فرق الرافضة (الإمامية) ويسميها بالقطعية، ويصفهم بأنهم جمهور الشيعة[31].
وقد سار على منهج الأشعري في تقسيم فرق الشيعة الرئيسة إلى ثلاث؛ طائفةٌ من علماء الفرق وغيرهم، وإن اختلفوا في أسمائها، مثل: الرازي حيث سماها زيدية، وإمامية، وكيسانية[32]، ومن المعلوم أن الكيسانية قد انقرضت وورثت الإثنى عشرية بعض عقائدها، ومثله الإسفراييني، وكذلك ابن المرتضى، حيث قال: «الشيعة ثلاث: زيدية، وإمامية، وباطنية»[33]، ومراده بالإمامية: الإثنى عشرية، وبالباطنية: الإسماعيلية، وغير هؤلاء من أهل العلم بالفرق والمقالات، وهذا تقسيم يتفق في الغالب مع أصول فرق الشيعة المعاصرة.

أما عبد القاهر البغدادي، فيرجع فرق الشيعة إلى أربع فرق: زيدية، وإمامية، وكيسانية، وغلاة، ويلقب الجميع بالرافضة[34]، ويصل عدد فرق الشيعة عنده - باستثناء الفرق الغالية[35] - إلى عشرين فرقة[36]، ويعد الإثنى عشرية من فرق الإمامية، ويسميهم بالقطعية، كما يسميهم بالإثنى عشرية[37]، وإن كان قبل ذلك ذكر القطعية والإثنى عشرية كاسمين لفرقتين مختلفتين من فرق الإمامية[38]، لا فرقة واحدة، ولهذا أشار الشيخ محيي الدين عبد الحميد إلى أن سرد البغدادي في «الفرق بين الفرق» يدل على أن الإثنى عشرية غير القطعية[39]، وفاته أن البغدادي نص على أن القطعية والإثنى عشرية فرقة واحدة[40].

أما الشهرستاني، فيرى أن الشيعة فرق كثيرة، لأنه يقول: «لهم في تعدية الإمام: كلام وخلاف كثير، وعند كل تعدية وتوقف: مقالة، ومذهب، وخبط»[41]، ولكنه يرجعهم إلى خمس فرق: كيسانية، وزيدية، وإمامية، وغلاة، وإسماعيلية[42].

أما صاحب الحور العين، فيرجع الفرق الشيعية الكثيرة إلى ست فرق[43]، ويصل عدد فرق الشيعة عند ابن قتيبة إلى ثمان[44].

وأبو الحسين الملطي يرى أن الشيعة ثماني عشرة فرقة، ويلقبهم جميعاً بالرافضة[45]، ويشايعه في هذا الرأي السكسكي في كتابه «البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان»[46]. ولكن الغريب أن الملطي يسمي الإثنى عشرية بالإسماعيلية[47].

وابن الجوزي يعتبر الشيعة اثنتي عشرة فرقة، ويسميها بالرافضة[48].

ويلاحَظ أن بعض أصحاب المقالات يذكر «الغلاة» كفرقة مغايرة ومباينة للإسماعيلية والإثنى عشرية، وهو تقسيم موهم، وغير دقيق؛ لأن الغلاة اسم عام، يجمع طوائف كثيرة من فرق الشيعة، ومن أبرزها الإسماعيلية والإثنى عشرية.

كما يلاحظ أن بعضهم يطلق اسم (الرافضة) على كل فرق الشيعة، إلا أنه ينبغي استثناء جمهور الزيدية، أو بعبارة أدق: استثناء الزيدية ما عدا فرقة الجارودية منها؛ لأن الجارودية سلكت مسلك الروافض؛ ولذلك فإن شيخ الشيعة المفيد اعتبر الجارودية هي الشيعة، وما عداها من فرق الزيدية، فليسوا بشيعة؛ وذلك لأن طائفة الجارودية هي التي تشاركه في أساس مذهبه في الرفض[49].

أما شيخ الإسلام ابن تيمية فقد سلك منهجاً آخر في تقسيم فرق الشيعة، فهو لا يقسمها بحسب أسمائها، بل يصنفها بحسب غلوها وانحرافها، فيصنفها إلى ثلاث درجات: شرها الغالية، وهم الذين يجعلون لعلي شيئاً من الألوهية، أو يصفونه بالنبوة، والدرجة الثانية: وهم الرافضة، والدرجة الثالثة: المفضلة من الزيدية وغيرهم، الذين يفضلون علياً رضي الله عنه على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولكن يعتقدون إمامتهما، وعدالتهما،

ويتولونهما، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «والشيعة هم ثلاث درجات:

شرها: الغالية الذين جعلوا لعلي رضي الله عنه شيئاً من الإلهية، أو يصفونه بالنبوة، وكفر هؤلاء بيِّن لكل مسلم يعرف الإسلام، وكفرهم من جنس كفر النصارى من هذا الوجه، وهم يشبهون اليهود من وجوه أخر.

والدرجة الثانية: وهم الرافضة المعروفون، كالإمامية وغيرهم، الذين يعتقدون أن علياً رضي الله عنه هو الإمام الحق بعد النبي صلى الله عليه وسلم بنص جلي أو خفي، وأنه ظُلم ومنع حقَّه، ويبغضون أبا بكر وعمر، ويشتمونهما، وهذا عند الأئمة سيما الرافضة، وهو بغْض أبي بكر وعمر، وسبُّهما.

والدرجة الثالثة: المفضِّلة من الزيدية وغيرهم، الذين يفضلون علياً على أبي بكر وعمر، ولكن يعتقدون إمامتهما وعدالتهما ويتولونهما، فهذه الدرجة - وإن كانت باطلة - فقد نسب إليها طوائف من أهل الفقه والعبادة، وليس أهلها قريباً ممن قبلهم، بل هم إلى أهل السنة أقرب منهم إلى الرافضة؛ لأنهم ينازعون الرافضة في إمامة الشيخين وعدالتهما وموالاتهما، وينازعون أهل السنة في فضلهما على علي رضي الله عنهم، والنزاع الأول أعظم، ولكنهم هم المرقاة التي تصعد منه الرافضة؛ فهم لهم باب»[50].
فابن تيمية جعل ضابط الغلو في فرق الشيعة وجود أحد أصلين: ألوهية علي رضي الله عنه، أو وصفه بالنبوة، وقد اجتمع هذان الأصلان عند الشيعة الإثنى عشرية، بل تجاوزوا هذا الغلو بمراحل كثيرة[51].

فرق الشيعة في مصادر الشيعة:
---------------------------------

أما كتب الفرق عند الشيعة الإثنى عشرية، فإنها تأخذ بمنهج آخر في ذكر الفرق، فهي تذكر فرق الشيعة بحسب الأئمة، حيث تجد أن الشيعة تفترق إلى فرق كثيرة بعد وفاة كل إمام، وقد وصل عدد فرق الشيعة في المقالات والفرق للقمي، وفرق الشيعة للنوبختي إلى ما يربو على ستين فرقة، ويلاحظ أن الإثنى عشرية كانت عند النوبختي والقمي فرقة من أربع عشرة، أو خمس عشرة فرقة، افترقت إليها الشيعة بعد وفاة الحسن العسكري (ت260ه‍)[52].

أما كتب الرواية عندهم، فإن الكليني في الكافي يذكر رواية تجعل فرق الشيعة ثلاث عشرة فرقة، كلها في النار إلا واحدة[53].

ومن الملاحظ أن طائفة الإثنى عشرية قد استوعبت جل الآراء والعقائد التي قالت بها الفرق الشيعية الأخرى، وأنها كانت بمثابة الوعاء الذي ترسبت فيه آراء كل فرق الشيعة المختلفة، فهذه الفرق التي تذكرها كتب الفرق والمقالات لم تنقرض - كما يقال - بل إن أكثر مقالاتها قد ورثته الإثنى عشرية[54].

فرق الشيعة المعاصرة:
=========

انحصرت اليوم الفرق الشيعية في ثلاث فرق، هي[55]:

1- الإسماعيلية: وهم الذين قالوا الإمام بعد جعفر إسماعيل بن جعفر، ثم قالوا بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر، وأنكروا إمامة سائر ولد جعفر، ومن الإسماعيلية انبثق القرامطة، والحشاشون، والفاطميون، والدروز، وغيرهم، وللإسماعيلية فرق متعددة وألقاب كثيرة، تختلف باختلاف البلدان، إذ لهم - كما يقول الشهرستاني - «دعوة في كل زمان، ومقالة جديدة بكل لسان»[56]، وأما مذهبهم فهو - كما يقول الغزالي وغيره -: «مذهب ظاهره الرفض، وباطنه الكفر المحض»[57]، أو كما يقول ابن الجوزي: «محصول قولهم: تعطيل الصانع، وإبطال النبوة والعبادات، وإنكار البعث»[58]، ولكنهم لا يُظهرون هذا في أول أمرهم، ولهم مراتب في الدعوة، وحقيقة المذهب لا تعطى إلا لمن وصل إلى الدرجة الأخيرة. وقد اطلع على أحوالهم وكشف أستارهم جملةٌ من أصحاب المقالات: كالبغدادي، الذي اطلع على كتاب لهم يسمى «السياسة والبلاغ الأكيد والناموس الأكبر»، ورأى من خلاله أنهم دهرية زنادقة يتسترون بالتشيع، والحمادي اليماني الذي دخل نحلتهم في الظاهر، وخالطهم وعرف حالهم، وكشف حقيقتهم في كتابه: «كشف أسرار الباطنية»، وابن النديم - وهو شيعي - الذي اطلع على «البلاغات السبعة» لهم، وقرأ البلاغ السابع، ورأى فيه أمراً عظيماً من إباحة المحظورات، والوضع من الشرائع وأصحابها[59]، وغيرهم، ولهم نشاط اليوم، كما لهم كتب سرية. قال أحد الإسماعيليين المعاصرين: «إن لنا كتباً لا يقف على قراءتها غيرنا، ولا يطلع على حقائقها سوانا»[60]، وقد فضح أمرَهم الإمامُ الغزالي، كما كتب عنهم من المعاصرين د. عبد الرحمن بدوي، والشيخ إحسان إلهي ظهير[61].

2- الزيدية: هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب[62]، وسموا بالزيدية نسبة إليه[63]، وقد افترقوا عن الإمامية حينما سُئل زيد عن أبي بكر وعمر فترضى عنهما، فرفضه قوم؛ فسموا رافضة، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيدية؛ لاتباعهم له، وذلك في آخر خلافة هشام بن عبد الملك، سنة إحدى وعشرين، أو اثنتين وعشرين ومئة[64]. والزيدية يوافقون المعتزلة في العقائد[65]، وهم فرق، منهم من لم يحمل من الانتساب إلى زيد إلا الاسم، فهم روافض في الحقيقة، يقولون: إن الأمة ضلت، وكفرت بصرفها الأمر إلى غير علي، وهؤلاء هم الجارودية أتباع أبي الجارود، وهم أسلاف الحوثية اليوم[66]، ومنهم من يقترب من أهل السنة كثيراً، وهم أصحاب الحسن بن صالح بن حي الفقيه، القائلون بأن الإمامة في ولد علي رضي الله عنه، وهم يترضون عن جميع الصحابة، يقول ابن حزم: «إن الثابت عن الحسن بن صالح هو أن الإمامة في جميع قريش، ويتولون جميع الصحابة رضي الله عنهم إلا أنهم يفضلون علياً رضي الله عنه على جميعهم»[67].

3- الإثنى عشرية: هي أكبر الطوائف المنتسبة إلى التشيع اليوم، كما كانت تمثل أكثرية الشيعة وجمهورها في بعض مراحل التاريخ، فقد وصفهم طائفة من علماء الفرق بـ«جمهور الشيعة»، وممن نعتهم بهذا: الأشعري[68]، والمسعودي[69]، وعبد الجبار الهمداني[70]، وابن حزم[71]، ونشوان الحميري[72]. وهذه الأغلبية للإثنى عشرية ليست في كل العصور؛ إذ نلاحظ مثلاً أن ابن خلدون يقرر أن شيعة محمد بن الحنفية كانت أكثر شيعة أهل البيت[73] - أي: في عصرها - ثم لم تلبث أن تقلص أتباعها حتى اختفت، كذلك يذكر البلخي - كما يحكي عنه صاحب «الحور العين» - أن الفطحية[74] أعظم فرق الجعفرية، وأكثرهم جمعاً[75] - يعني في زمنه -.

وبعد؛ فإن أخطر هذه الفرق طائفة الإثنى عشرية التي تلقب في عصرنا بالشيعة، فهم أعظم الفرق اليوم كيداً، وأخطرها مكراً، وأشدها ضرراً، كما نراه اليوم رأي العين في: العراق، ولبنان، واليمن، وسوريا، وغيرها من بلاد المسلمين التي تسللوا إليها على حين غفلة من أهلها.

ولهم وسائل من المكر، والكيد، والتآمر على الأمة، لا يعلمها كثيرٌ من المسلمين، ولعل أول من كتب بتوسع عن وسائل ومخططات الإثنى عشرية، هو: الإمام عبد العزيز الدهلوي صاحب «التحفة الإثنى عشرية»؛ فقد ذكر أكثر من سبعين مكيدة، وقد أشار إلى أنهم احتلوا المرتبة الأولى في المكر والكيد، وفاقوا اليهود في مخططاتهم، وقال عنها: «إن اليهود - على مكرهم وكيدهم - لا تدري بعُشرها»[76].
وقال العلامة الألوسي - وهو الذي عاش بينهم، ووقف على مخططاتهم في العراق، وغيره -: «إن لهم دسائس لا تدري اليهود بعُشرها، وحيلاً لا تعرفها الشياطين على خبثها ومكرها.

لقد جربتهم فرأيت منهم
خبائث بالمهيمن تستجير»[77].

ويكمن خطرهم في تظاهرهم بخلاف ما يعتقدون، وزعمهم نصرة الأمة وقضاياها في الظاهر، وتآمرهم وتعاونهم مع الأعداء في الباطن، واغترار بعض الناس بشعاراتهم، وغفلتهم عن مكرهم ومؤامراتهم، واتخاذهم لتحقيق أهدافهم مسالك خفية وأساليب متلونة خادعة، وزرعهم لخلاياهم وأحزابهم - وفق تنظيم سري محكم - في حكومات، ووزارات، ولجان حقوقية، ووسائل إعلامية، وأحزاب سياسية، ومجالات اقتصادية واجتماعية وتعليمية؛ لخدمة أهدافهم، وهم يستهدفون عقيدة الأمة ودينها، ويستمدون الدعم الكبير من خُمس الملالي، وما تفرع عنه من مؤسساتهم الاقتصادية المنتشرة، كما يحظون بتأييد ومساندة من دولهم، ويستخدمون وسائل التأثير المختلفة: الإعلامية، والتعليمية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وغيرها، وتجنيد الملايين من الغافلين، والمغفلين، والمتآمرين، والحاقدين، والمرتزقة المأجورين، ويتسترون برداء «التشيع»، للتآمر على الشيعة، واتخاذهم وسيلة للتآمر على الأمة.

ولا بد من تضافر الجهود، والعمل على مواجهة هذه الطائفة، التي ما دخلت خلاياها بلداً إلا وجعلت اجتماعه فرقة، وأمنه خوفاً، ورخاءه شقاءً وبؤساً[78].

__________________________________________________ _____
[1] انظر: «شيعة اليوم ليسوا بشيعة»، بحث منشور بمجلة البيان، عدد 339.
[2] رجال الكشي ص135-136، بحار الأنوار ( 2/246).
[3] علي بن الحسين بن علي المسعودي المؤرخ. قال ابن حجر: كتبه طافحة بأنه كان شيعياً معتزلياً، ويعتبره الإثنى عشرية - في تراجمهم - من شيوخهم (ت 346ه‍).
[4] مروج الذهب (3/221)، وانظر: الرازي/ اعتقادات فرق المسلمين ص85.
[5] محمد باقر بن محمد الإستراباذي الشهير بداماد، من شيوخ الشيعة في الدولة الصفوية (ت1040ه‍) مترجم له في: الكنى والألقاب (2/206)، المحبي/ خلاصة الأثر ص301، الحكيمي/ تاريخ العلماء ص83.
[6] حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة هو، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: حديث صحيح مشهور في السنن والمسانيد (مجموع الفتاوى 3/345 جمع عبد الرحمن ابن قاسم).
[7] جمال الدين الأفغاني/ التعليقات على شروح الدّوّاني للعقائد العضدية (ضمن كتاب الأعمال الكاملة للأفغاني، دراسة وتحقيق: محمد عمارة: 1/215)، وقد نسب رشيد رضا هذا الكتاب لمحمد عبده (تفسير المنار: 8/221)، لكن حقق محمد عمارة أنه للأفغاني (انظر: محمد عمارة/ الأعمال الكاملة للأفغاني: 1/155-156، الأعمال الكاملة/ لمحمد عبده: 1/209).
[8] الملل والنحل (1/165).
[9] الرازي: اعتقادات فرق المسلمين ص85.
[10] دائرة المعارف الإسلامية (14/67).
[11] الخطط (2/315).
[12] ابن خلدون/ لباب المحصل ص130.
[13] من كبار شيوخ الشيعة الزيدية، حتى كانت مصنفاته الفقهية عمدة زيدية اليمن، ومن المنتسبين لأهل البيت (انظر: الشوكاني/ البدر الطالع: 1/122).
[14] المنية والأمل ص21.
[15] أصول الكافي (1/ 65).
[16] شرح جامع على الكافي، للمازندراني (2/397).
[17] أصول الكافي (1/222).
[18] الكافي (2/218).
[19] انظر: «تناقض المذهب برهان بطلانه.. الرافضة نموذجاً»، منشور بمجلة البيان.
[20] تهذيب الأحكام (1/ 2-3).
[21] انظر البحار، باب ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية والسفارة كذباً وافتراء (51/267-368)، الغيبة للطوسي ص213.
[22] محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني، ممن ادعى النيابة عن مهدي الروافض، ونسبت له مقالات ضالة، كالقول بالتناسخ. وقال الطوسي: إن له حكاياتٍ قبيحة، وأموراً فظيعة، ننزه كتابنا عن ذكرها. وقتل سنة 323هـ. الطوسي: الغيبة، وفي الكامل، والبداية والنهاية: أنه قتل سنة 322هـ. انظر: البداية والنهاية (11/179)، الكامل (8/290).
[23] الغيبة، للطوسي ص241.
[24] انظر ترجمته في مقدمة كتابه «التشيع والشيعة».
[25] التشيع والشيعة ص33.
[26] تأمل أن واضع هذه النصوص وأمثالها مما يجمعه مصادرهم من جملة الأعاجم ممن لا صلة لهم بالإسلام، فهو يجهل ما يعرفه عوام المسلمين من أنه لا يجوز للرجل الجمع بين أكثر من أربع زوجات في الإسلام، فهو يذكر أنه كان عنده ست جواري، ثم أعتقهنَّ وتزوجهن!
[27] الإمامة/ علي بن الحسين بن بابويه (والد الصدوق) ص75، وانظر: رجال الكشي ص493 رقم 946، وص598 رقم 1120، بحار الأنوار (48/253)، الطوسي/ الغيبة ص43.
[28] ثلاث رسائل للجاحظ (نشرها السندوبي) ص241، أو رسائل الجاحظ، رسالة استحقاق الإمامة ص207 (تحقيق: عبد السلام هارون).
[29] الإرشاد ص195.
[30] مقالات الإسلاميين (1/66، 88، 140).
[31] المصدر السابق (1 /90).
[32] اعتقادات فرق المسلمين ص77.
[33] المنية والأمل ص20، وانظر: المقدسي/ البدء والتاريخ (5/125).
[34] الفرق بين الفرق ص21.
[35] حيث وصل عدد الغلاة عنده إلى عشرين فرقة (الفرق بين الفرق: ص232).
[36] الفرق بين الفرق ص23.
[37] المصدر السابق ص64.
[38] المصدر السابق ص53.
[39] انظر: هامش مقالات الإسلاميين (1/90).
[40] انظر: الفرق بين الفرق ص64.
[41] الملل والنحل (1/147).
[42] الموضع نفسه من المصدر السابق.
[43] الحور العين ص145.
[44] ابن قتيبة/ المعارف ص622-623.
[45] التنبيه والرد ص18.
[46] البرهان ص36.
[47] انظر: التنبيه والرد ص32-33.
[48] تلبيس إبليس ص32 (تحقيق: خير الدين علي).
[49] انظر: المفيد/ أوائل المقالات ص39.
[50] التسعينية (1/ 263-264).
[51] انظر تفصيل ذلك في: «شيعة اليوم سبئية الأمس»، منشور بمجلة البيان، عدد 336، و«شيعة اليوم باطنية الأمس»، منشور بمجلة البيان، عدد 343، و«شيعة اليوم ليسوا بشيعة»، منشور بمجلة البيان، عدد 339.
[52] انظر: النوبختي/ فرق الشيعة ص96، حيث ذكر أن أصحاب الحسن العسكري افترقوا أربع عشرة فرقة بعد وفاته، بينما ذكر القمي أنهم خمس عشرة فرقة (القمي/ المقالات والفرق: ص102).
[53] أصول الكافي (المطبوع على هامش مرآة العقول) (4/344)، وقد حكم المجلسي على هذه الرواية - بحسب مقاييسهم - بأنها ترتقي إلى درجة الحسن (مرآة العقول: 4/344).
[54] انظر صلة الإثنى عشرية بالفرق القديمة الغالية في «أصول مذهب الشيعة» (3/ 977) وما بعدها.
[55] انظر: النشار/ نشأة الفكر الفلسفي (2/12)، العاملي/ أعيان الشيعة (1/22)، محمد مهدي شمس الدين/ نظام الحكم والإدارة في الإسلام ص61، هبة الدين الشهرستاني/ مقدمة «فرق الشيعة».
[56] الملل والنحل (1/191).
[57] فضائح الباطنية ص37.
[58] تلبيس إبليس ص99.
[59] انظر: الفهرست ص267-268.
[60] الحركات الباطنية في الإسلام، مصطفى غالب ص67، وانظر: أبو حاتم الرازي الإسماعيلي/ الزينة ص287 ضمن كتاب الغلو والفرق الغالية، البغدادي/ الفرق بين الفرق ص294، 621، الملطي/ التنبيه والرد ص218، المقدسي/ البدء والتاريخ (5/124).
[61] انظر: فضائح الباطنية، الغزالي، مذاهب الإسلاميين، د. عبد الرحمن بدوي (ص831) وما بعدها، الإسماعيلية، إحسان إلهي ظهير، الحركات الباطنية في العالم الإسلامي، د. محمد أحمد الخطيب، مقالات الفرق، د. ناصر القفاري (ص271) وما بعدها.
[62] انظر: الملل والنحل (1/154)، مقدمة البحر الزخار ص40.
[63] انظر: يحيى بن حمزة/ الرسالة الوازعة ص28، السمعاني/ الأنساب (6/340).
[64] انظر: منهاج السنة (1/21)، الرسالة الوازعة ص87-88.
[65] انظر: المقبلي/ العلم الشامخ ص319، الملل والنحل (1/162)، الرازي/ المحصل ص247.
[66] انظر: «براءة الزيدية من الحوثية»، منشور بمجلة البيان، عدد 337.
[67] الفصل: 2/266، وانظر في اعتدال الزيدية الحقة في مسألة الصحابة: ابن الوزير/ الروض الباسم ص49-50، المقبلي/ العلم الشامخ ص326.
وانظر عن الزيدية: الزيدية لإسماعيل الأكوع، مسألة التقريب (1/ 159) وما بعدها، مقالات الفرق ص127.
[68] مقالات الإسلاميين (1/90).
[69] مروج الذهب (4/199).
[70] المغني: ج2، القسم الثاني ص176.
[71] الفصل (5/38، 4/158).
[72] الحور العين ص166.
[73] تاريخ ابن خلدون (3/172).
[74] هم أتباع عبد الله بن جعفر بن محمد الصادق، وهو أكبر أولاد الصادق، وسموا الفطحية؛ لأن عبد الله كان أفطح الرأس، كما يدعون بالعمارية، نسبة إلى رئيس لهم يعرف بعمار، وقد قال النوبختي بأنه مال إلى هذه الفرقة جلُّ مشايخ الشيعة وفقهائها، ولكن عبد الله لم يعش بعد وفاة أبيه سوى سبعين يوماً، فرجعوا عن القول بإمامته. (انظر: مسائل الإمامة ص46، فرق الشيعة للنوبختي ص77-78، مقالات الإسلاميين 1/102، الحور العين ص163-164). قال صاحب الزينة (أبو حاتم الرازي الإسماعيلي المتوفى سنة 322ه‍): قد انقرضت هذه الفرقة فليس أحد يقول بهذا القول، وعاش عبد الله بعد أبيه سبعين يوماً ولم يخلف ذكَراً (الزينة: ص287). ولعل هذا من أسباب انقراضها، وقد بقيت روايات أتباع هذا المذهب مدونة في كتب الإثنى عشرية المعتمدة.
[75] الحور العين ص164.
[76] مختصر التحفة الإثنى عشرية ص25.
[77] السيوف المشرقة مختصر الصواعق المحرقة ص36.
[78] انظر: «منهج التصدي للغزو الباطني»، بحث منشور بمجلة البيان، عدد 349.




_______________________________________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الميدان, الميسرة, المعاصرة, الموسوعة, والمذاهب, والأحزاب


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لماذا تتعثر الثورات في بلاد الطوائف والمذاهب والقبائل؟ Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 02-29-2016 09:38 AM
الأسباب الميسرة لقيام الليل _2_ صابرة شذرات إسلامية 1 06-26-2015 08:18 AM
الأسباب الميسرة لقيام الليل ! صابرة شذرات إسلامية 0 06-21-2015 10:38 AM
إسرائيل بيتنا والأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب بسبب خلافات مع نيتانياهو يقيني بالله يقيني أخبار الكيان الصهيوني 0 05-11-2012 05:40 AM
الاراء والمذاهب الفكرية عن الطبيعة البشرية وموقف الاسلام منها محمد خطاب الكاتب محمد خطاب ( فلسطين) 0 01-23-2012 12:30 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:30 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59