#8  
قديم 01-01-2014, 09:23 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
ورقة الحركة النورسية ومؤسسها، مالهما وما عليهما..

الحركة النورسية ومؤسسها، مالهما وما عليهما *
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ

29 / 2 / 1435 هــ
1 / 1 / 2014 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

http://taseel.com/UploadedData/Pubs/Photos/_3623.jpg


في قرية "نورس" القريبة من بحيرة "وان" في مقاطعة "هزان" بإقليم "بتلس" شرقي الأناضول كانت الانطلاقة الأولى للدعوة النورسية، التي أسسها الشيخ سعيد النورسي، بديع الزمان، الذي كان له أعظم الأثر في الوقوف -من خلال جماعته ودعوته- أمام المد العلماني الذي تزعمه العلماني كمال أتاتورك بعد إسقاطه للخلافة العثمانية..

وفي هذا التقرير سنطوف سريعاً حول هذه الدعوة، مبرزين أهم ما يميزها ودورها في المجتمع التركي، والإسلامي بصفة عامة، مع عدم إغفالنا لبعض السلبيات التي شابت هذه الدعوة وشابت أفكار مؤسسها الأول الشيخ سعيد النورسي، رحمه الله وعفا عنه.

تعريف عام بالنورسية:

النورسية جماعة دينية إسلامية، هي أقرب في تكوينها إلى الطرق الصوفية منها إلى الحركات المنظمة، ركز مؤسسها على الدعوة إلى حقائق الإيمان والعمل على تهذيب النفوس مُحْدِثاً تياراً إسلامياً في محاولة منه للوقوف أمام المد العلماني الماسوني الكمالي الذي اجتاح تركيا عقب سقوط الخلافة العثمانية، واستيلاء كمال أتاتورك على دفة الحكم فيها.

يطلق بعضهم على هذه الجماعة اسم المدرسة اليوسفية أي التي يتحمل أصحابها في سبيل عقيدتهم السجن والتعذيب دون أن يتصدوا للطغيان إلا بالحجة والمنطق والصبر والمصابرة، في إشارة إلى ما نال النورسي من سجن ونفي(1).

التعريف بمؤسس النورسية:

- يرجع الفضل في تأسيس الدعوة النورسية إلى الشيخ سعيد النُورسي.

- ولد في قرية نُوْرس شرق الأناضول 1873- 1960.

- يلقب الشيخ ببديع الزمان.

- قبل إتمامه العشرين من عمره ألم بجانب كبير من العلوم الدينية والعقلية وأتقن الرماية والمصارعة وركوب الخيل..

- عرف عنه زهده وتقشفه.

- انتقل إلى استانبول لتأسيس الجامعة الزهراء على غرار الجامع الأزهر، لكن مشروعه لم يتم..

- أرسل الماسونيون له (قرّه صو) اليهودي فقال: لقد كاد هذا الرجل أن يزجني في الإسلام.

- كرّس الشيخ حياته لمقاومة المد العلماني.

- توفي رحمه الله تعالى في 25/رمضان/1379، 23/مارس/1960، ودفن في مدينة أورفة، وبعد 4 أشهر من وفاته نبشت السلطات قبره، ونقل رفاته بالطائرة إلى جهة مجهولة حتى الآن، فرحمه الله رحمة واسعة ورضي عنه(2).

الجذور الفكرية للحركة النورسية:

الحركة السنوسية ليست طريقة صوفيه، لكنها تشبه الطرق الصوفيه في بعض الجوانب، سيما منهج التربية، وهي على العقيدة الماتريدية عقيدة تركيا والخلافة العثمانية، والنورسيون يتبنون المذهب الحنفي (مذهب الخلافة العثمانية).

وقد قامت هذه الحركة على أفكار مؤسسها الأول، بديع الزمان النورسي، فلكتاباته كبير الأثر في حياة أتباع هذه الحركة، حتى إنك لا تكاد تجد ذكراً لآخرين تركوا إضافات مهمة على فكرها.

حيث ألفّ النورسي أكثر من 130 رسالة عالج فيها مختلف القضايا الدينية والروحية والنفسية، منها: قطوف أزاهير النور، والحشر، والآية الكبرى، والإنسان والإيمان، وحقائق الإيمان، والشكر، والملائكة، والتفكير الإيماني، والخطوات الست، وهذا الأخير يتحدث فيه عن مؤامرات الإنجليز ودسائسهم(3).

من أقوال النورسي:

- من أقواله: "أقسم بالله أنني سأكرس نفسي للقرآن باذلاً حياتي مهما كانت مكائد الوزير البريطاني القذرة"، ويقصد به وزير المستعمرات البريطاني غلادستون الذي قال آنذاك: "طالما أن القرآن مع المسلمين فسيبقون في طريقنا ولذلك يجب علينا أن نبعده عن حياتهم".

- ومن أقواله أيضا: "لو أن لي ألف روح لما ترددت أن أجعلها فداء لحقيقة واحدة من حقائق الإسلام.. إنني لا أعترف إلا على ملة الإسلام.. إنني أقول لكم وأنا أقف أمام البرزخ الذي تسمونه السجن إنني في انتظار القطار الذي يمضي بي إلى الآخرة...".

ـ وله كذلك: "كما أنه لا يناسب الشيخ الوقور أن يلبس لباس الراقصين فكذلك لا يناسب استانبول أن تلبس أخلاق أوروبا".

ما يؤخذ على النورسي والحركة النورسية(4).

- تبنت الحركة عقيدة "الماتريدية" التي كانت تُدعم من قبل الدولة العثمانية؛ فلم تحاول التخلص من هذه العقيدة البدعية.

- كان لتخلي هذه الجماعة عن السياسة واتخاذ سعيد النورسي شعار "أعوذ بالله من الشيطان والسياسة"، وذلك منذ عام 1921م، أثر سلبي على أتباعها إذ وقع بعضهم فريسة لأحزاب علمانية.

- عدم مساندة النورسي للشيخ سعيد الكردي الذي وقف بجانب الخلافة، وقام بثورة ضد أتاتورك سنة 1925.

- جعل "رسائل النور" وبقية كتب النورسي أساساً، والدوران حولها، حتى أن الواحد من أفراد هذه الحركة قد يقضي عمره في استنساخ "رسائل النور"، وتوزيعها.

- حوت كتب النورسي مخالفات عقدية، وشطحات صوفيه، فقد تلبس بالتفسير الإشاري واشتهر به.

- أفكار سعيد النورسي هي أفكار واتجاهات النورسية، وهذا لا يخرج عنه أحد من أتباعها، خاصة في الأمور العقدية، وهذا الخلل التنظيمي والعلمي الذي أصاب جماعة النوريين "جعلهم يدورون في فلك القائد المؤسس ويجمدون عند تعاليمه، حتى ولو تجاوزها الزمن في بعض الأحيان، أو شابها ما شابها من الأخطاء.

- الغلو في رسائل النور حيث أوصلها مؤلفها إلى رتبة الوحي.

- الغلو في سعيد النورسي مؤسس الجماعة، وذلك من خلال كتابات النورسي عن

نفسه، كالتبشير بقدومه، وطريقة كتابة رسائله، وإطلاعه على قلوب مريديه.

- الدعوة إلى الاقتصار على القرآن ورسائل النور دون غيرهما.

- التساهل في الاحتجاج بالأحاديث الضعيفة ، والموضوعة، بل بالأمثال المشهورة على ألسنة الناس على المسائل الشرعية.

- إهمال أقوال الصحابة في فهم النصوص الشرعية.

- تقديم أحكام العقول على دلائل النصوص الشرعية.

- تأويل نصوص الصفات الإلهية وكثير من نصوص المعاد بما يوافق فهمه ورأيه.

- ادعاء النورسي معرفة شيء من العلوم الغيبية عن طريق الجفر أو الكشف.

- إقرار النورسي لمصطلحات غلاة الصوفية في رسائله مثل وحدة الوجود، والحقيقة المحمدية، وغيرها.

- ثناؤه على ملاحدة الصوفية كابن عربي، وجلال الدين الرومي وغيرهما.

- الاضطراب في مسائل الإيمان كمسألة زيادة الإيمان ونقصانه، والفرق بين الإيمان والإسلام وحكم مرتكب الكبيرة.

أماكن الانتشار:

بدأت جماعة النور في المنطقة الكردية شرقي الأناضول، وامتدت إلى أرض روم واسبارطة وما حولها، ثم انتقلت إلى استانبول، ووصلت هذه الدعوة إلى كل الأراضي التركية واكتسحت كل التنظيمات القائمة على أرضها آنذاك، حتى بلغ عدد أعضائها أكثر من مليون شخص، وللجماعة أتباع وأنصار في كل من الباكستان والهند، وكذلك لها نشاط في أمريكا يتمثل في الطلاب الأتراك من أتباع هذه المدرسة(5).

ـــــــــــــ

مراجع التقرير:

(1) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة- إشراف: د. مانع الجهني- دار الندوة: (1/324).

(2) الموسوعة الميسرة: (1/324)؛ مقال: الحركة النورسية في تركيا، للدكتور موسى الإبراهيم؛ الصفات التي أنضجت دعوة النورسي وفكره، للدكتور محمد موسى الشريف: (ص:6).

(3) ينظر: مجلة الراصد (المهدية، النورسية)، العدد السابع عشر، ذو القعدة 1425هـ.

(4) عقائد النورسية "عرض وتقويم"، رسالة ماجستير، لعلي عامر آل ثابت: (ص:69)، (ص:556-557)؛ الموسوعة الميسرة: (1/328).

(5) الموسوعة الميسرة: (1/338).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 05-12-2014, 07:35 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
ورقة الحوثية.. زيدية النشأة، رافضية الطريقة

الحوثية.. زيدية النشأة، رافضية الطريقة*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ

13 / 7 / 1435 هــ
12 / 5 / 2014 م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ



صح عن المعصوم صلى الله عليه وسلم قوله: (ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم)، وذكر منهم: (إمام قوم، وهم له كارهون) [الترمذي (360)]، هكذا وضَّح النبي صلى الله عليه وسلم جزاء من يؤم الناس، وهم له كارهون، بسبب نقص في ديانته.

فما بالك أيها القارئ الكريم أن يؤم الناس رجل قائم على طريقة بدعية تخالف أهل السنة والجماعة، وتعادي مذهبهم، وما بالك أيضًا لو علمت أن هذه الإمامة جاءت تحت قوة السلاح، وبعد تنحية إمام القوم بالقوة، فأي دين هذا؟ وأي إمام هذا؟ وأية طريقة يتعبد بها إلى الله تلك؟

ففي مشهد عبثي من مشاهدها المتكررة قامت مجموعة من جماعة الحوثي الشيعية المسلحة باقتحام مسجدٍ بالعاصمة اليمنية صنعاء يوم الجمعة الماضي، ومنعوا خطيب المسجد من إلقاء خطبة الجمعة، وقاموا بتنصيب خطيب جديد من أتباعهم، وبعد الانتهاء من الخطبة دخل الحوثيون مع أبناء المنطقة والحي في شجار حاد، ثم قاموا بتهديد سكان الحي ورواد المسجد باقتحام المسجد مرة أخرى الجمعة القادمة، وفرض خطيبهم بالقوة أيضا.

فقد فوجئ رواد مسجد "الكبسي" الواقع في "حي الزراعة" بمجموعات مسلحة تم استقدامها من خارج الحي، وانتشرت في المسجد, ومنعت المجموعات المسلحة خطيب الجامع من الصعود إلى المنبر لإلقاء الخطبة، وقامت بتقديم شخص جاؤوا به معهم؛ ليكون خطيباً وإماماً.

وليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل قال شهود عيان أن الخطيب الجديد المفروض بقوة السلاح من قبل الحوثيين قام بالتهكم على الصحابة- رضي الله عنهم- ما أثار غضب المصلين، وهذا الفعل – فعل التهكم على الصحابة من قبل خطيب الحوثيين- يثير سؤالا محوريًا: هل فعلاً تحول الحوثيون (الزيدية) إلى المذهب (الاثنى عشري) المكفر للصحابة كما يؤكد الكثير من المتابعين للمشهد اليمني والشيعي بوجه عام؟

فسب الصحابة ليس من أدبيات الزيدية، ولا من أصولهم المذهبية، فغاية ما عندهم كما يقول علماء الفرق- فيما يخص الصحابة- أنهم يقدمون عليًا- رضي الله عنه- في الفضل والخلافة على أبي بكر وعمر وعثمان- رضي الله عن الثلاثة- ومع ذلك يرى مذهبهم جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل، كما أنه لم يقل أحد منهم بتكفير أحد من الصحابة.

لكن ما نراه من الحوثية يختلف عما هو مقرر في أصول ما يتمذهبون به، ما يؤيد فكرة تحولهم إلى الاثنى عشرية، بل هذا ما حدا بعدد من فقهاء الزيدية (منهم مؤسسون لحركة الشباب المؤمن) إلى اتهام الحوثيين بالخروج عن المدرسة الزيدية والاقتراب من الاثنى عشرية، وأنهم من الجارودية، حيث اتهمهم محمد بن عبد العظيم الحوثي بأنهم مارقون وملاحدة، وليسوا من الزيدية في شيء، وحكم عليهم بالردة والخروج عن مذهب آل البيت.

إن أفعال الحوثية؛ من قتل وسلب ونهب، واستحلال للدماء والأعراض، وسب للصحابة واستهانة بالمقدسات، ومنها بيوت الله، كل هذا يدل على ما يقيم عليه القوم من انحراف في الطريقة والمذهب والسلوك، وهي أفعال وأقوال وسلوكيات تتشابه إلى حد كبير مع ما يقوم به الشيعة الرافضة في إيران والعراق وسوريا، لهذا نقول: لئن ادعى الحوثيون أنهم زيدون نشأةً وعقيدةً، فهم رافضيون طريقةً وسلوكًا وأخلاقًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 05-22-2014, 07:01 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
ورقة الزيدية ومدى تأثرها المعاصر بالرافضة

الزيدية ومدى تأثرها المعاصر بالرافضة*
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ

23 / 7 / 1435 هــ
22 / 5 / 2014 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ





قد تكون مخالفة الحق في بداية نشوء فرقة أو مذهب أو رأي ليس كبيرا ولا خطيرا, إلا أن مرور الأيام والأعوام, وتأثر الأتباع ببعض الأفكار من بعض المذاهب أو الآراء غير السوية, يجعل من هذه المخالفة أكبر اتساعا وحجما, وربما تنتقل من الفروع إلى الأصول والجذور, بل ربما تنحرف عن الحق بشكل خطير وعظيم.

ويمكن أن يوصف أتباع الزيدية بهذا الوصف, فقد كانت بداية هذه الفرقة بداية اجتهادية لا تختلف كثيرا عن بعض الفرق والمذاهب التي تختلف مع مذهب أهل السنة والجماعة اختلافا ليس كبيرا, كالاختلاف معهم في بعض المسائل الفقهية, إضافة لقولهم بصحة ولاية المفضول مع وجود الأفضل, وميلهم إلى رأي المعتزلة فيما يتعلق بذات الله، والاختيار في الأعمال, ومرتكب الكبيرة.

فمن هم الزيدية؟ ومن هو مؤسس هذه الفرقة؟ وما هي أبرز الأفكار والآراء الإعتقادية لهذه الفرقة؟ وما مدى تأثير الرافضة فيهم في الوقت الراهن؟

التعريف

الزيدية: إحدى فرق الشيعة التي في الأصل هي الأقرب إلى الاعتدال, ترجع نسبتها إلى مؤسسها زيد بن علي زين العابدين, الذي صاغ نظرية شيعية في السياسة والحكم، وقد جاهد من أجلها وقتل في سبيلها، وكان يرى صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم جميعا، ولم يقل أحد منهم بتكفير أحد من الصحابة, ومن مذهبهم جواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل.

ومع كون الزيدية فرقة شيعية إلا أن أتباع زيد بن علي الذين بايعوه في البداية, خذلوه كما خذلوا جده الحسين بن علي رضي الله عنهما في النهاية, فقد حاولوا أخذ رأي واضح منه بتكفير ولعن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فأبى وقال: (إن أشد ما أقول فيمن ذكرتم أنا كنا أحق الناس هذا الأمر، ولكن القوم استأثروا علينا ودفعونا عنه ولم يبلغ ذلك عندنا كفرًا، قد ولوا وعدلوا وعملوا بالكتاب والسنة).

فلم يكتفوا بهذا الرد الشافي بل عادوا يسألونه : (لم تقاتل إذا؟) فأجابهم برأيه الصريح في الاختلاف البين بين الصحابة الأولين، وحليمة بني أمية هشام بن عبد الملك الذي يدعوهم معه لمحاربته, ولكنهم أبوا مناصرته وكأنهم يتعللون بهذه المناقشة للقعود عنه فرفضوه وأصبح يطلق عليهم: (الرافضة ). (1)

أبرز الشخصيات

1- زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهما (80ـ122هـ/698ـ740م): مؤسس هذه الفرقة, نشأ في أحضان والده الإمام زين العابدين وأخيه الأكبر محمد الباقر ودرس على يديهما.

ترك منهاج والده وأخيه وابن أخته الذين أقاموا بالمدينة المنورة وجعلوها مقرا لهم للعلم, وتركوا المعترك السياسي بعد الذي حصل مع الحسين رضي الله عنه, فتنقل زيد بن علي في البلاد الشامية والعراقية باحثاً عن العلم أولاً وعن حق أهل البيت في الإمامة ثانيا.

تلقى العلم والرواية عن أخيه الأكبر محمد الباقر الذي يعد أحد الأئمة الاثني عشر عند الشيعة الإمامية, كما اتصل بواصل بن عطاء رأس المعتزلة وتدارس معه العلوم، فتأثر به وبأفكاره التي نقل بعضها إلى الفكر الزيدي، وإن كان هناك من ينكر وقوع هذا التتلمذ، وهناك من يؤكد وقوع الاتصال دون التأثر.

يُنسب إليه كتاب المجموع في الحديث، و كتاب المجموع في الفقه، وهما كتاب واحد اسمه المجموع الكبير، رواهما عنه تلميذه أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي الهاشمي الذي مات في الربع الثالث من القرن الثاني للهجرة.

قاد زيد بن علي الخروج على حكم هشام بن عبد الملك، فقد دفعه أهل الكوفة لهذا الخروج, ثم ما لبثوا أن تخلوا عنه وخذلوه عندما علموا بأنه لا يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر ولا يلعنهما، بل يترضى عنهما، فاضطر لمقابلة جيش الأمويين وما معه سوى 500 فارس أو أقل, حيث أصيب بسهم في جبهته أدى إلى وفاته عام 122هـ. (2)



2- يحيى بن زيد بن علي (ت 125هجري): خاض المعارك مع والده، لكنه تمكن من الفرار إلى خراسان حيث لاحقته سيوف الأمويين فقتل هناك سنة 125هـ, وقد فُوِّض الأمر بعد ذلك إلى محمد وإبراهيم.

3- محمد بن عبد الله الحسن بن علي (المعروف بالنفس الزكية) خرج بالمدينة على العباسيين فقتله عاملها عيسى بن ماهان, كما خرج من بعده أخوه إبراهيم بالبصرة فكان مقتله فيها بأمر من المنصور.

4- أحمد بن عيسى بن زيد ـ حفيد مؤسس الزيدية ـ: أقام بالعراق، وأخذ عن تلاميذ أبي حنيفة فكان ممن أثرى هذا المذهب وعمل على تطويره.

5- الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم (245ـ298هـ) الذي عقدت له الإمامة باليمن فكان ممن حارب القرامطة فيها، كما تشكلت له فرقة زيدية عرفت باسم الهادوية منتشرة في اليمن والحجاز وما والاها.

6- أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن بن زيد بن عمر بن الحسين بن علي رضي الله عنهما والملقب بالناصر الكبير (230 ـ 304هـ): عرف باسم الأطروش، ظهر للزيدية في بلاد الديلم وجيلان, وقد هاجر هذا الإمام إلى هناك داعياً إلى الإسلام على مقتضى المذهب الزيدي فدخل فيه خلق كثير صاروا زيديين ابتداء.

7- محمد بن إبراهيم بن طباطبا: بعث بدعاته إلى الحجاز ومصر واليمن والبصرة, ومن شخصياتهم البارزة كذلك مقاتل بن سليمان، ومحمد بن نصر, و أبو الفضل بن العميد والصاحب بن عباد وبعض أمراء بني بويه.

استطاع الزيدية في اليمن استرداد السلطة من الأتراك إذ قاد الإمام يحيى بن منصور بن حميد الدين ثورة ضد الأتراك عام 1322هـ وأسس دولة زيدية استمرت حتى سبتمبر عام 1962م حيث قامت الثورة اليمنية وانتهى بذلك حكم الزيود ولكن لا زال اليمن معقل الزيود ومركز ثقلهم. (3)

أهم الأفكار

1- ولاية المفضول مع وجود الأفضل: تعتبر هذه الفكرة من أهم أفكار الإمام زيد بن علي, حيث نادى بها وقد أعلنها وهو في طريقه إلى الحرب مع الأمويين دون مواربة كما أورد الشهرستاني: (إن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها , وقاعدة دينية راعوها من تسكين ثائرة الفتنة ... وكانت المصلحة أن يكون القيام بهذا الشأن ممن عرفوه باللين والتودد والتقدم بالسن والسبق في الإسلام, والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم) (4)

ومن هنا علق الشيخ محمد أبو زهرة قائلا: "فلا نص هناك ولا وصية, وإلا لنادى بها وأعلنها في نزاعه ضد هشام بن الحكم, وهو الفقيه المحدث لحديث آل البيت" (5)

2- الإمام فاطمي وغير معصوم: فقد اشترط الزيدية أن يكون الإمام فاطمي من سواء من أولاد الحسن أو الحسين, مع توفر العلم والزهد و الشجاعة والمناداة بالإمامة, دون أن تكون الوراثة شرطا, بل مصلحة المسلمين وإقامة عمود الدين.

كما نفى زيد بن علي العصمة عن الأئمة معتبرا أن الخلافة أمر مصلحي, فليس الإمام هو المرجع في الدين, فإذا وقع اختيار المسلمين على الشخص الأصلح للخلافة تم لهم ما أرادوا, وإن استكمل الشروط فكان من أولاد فاطمة أصبح هو الأفضل, ويجوز على كليهما الخطأ. (6), لكن بعض المنتسبين للزيدية قرروا فيما بعد العصمة لأربعة فقط من أهل البيت هم: علي وفاطمة والحسن والحسين ـ رضي الله عنهم جميعا-.

3- الخروج: وهو رأي واتجاه انفرد به زيد بن علي عن الشيعة, وقد جاء في سياق المناظرة التي كانت بينه وبين أخيه محمد الباقر كما نقلها الشهرستاني أن الباقر قال له تعليقًا على هذا الشرط: (على قضية مذهبك فوالدك ليس بإمام فإنه لم يخرج قط ولا تعرض للخروج).

وبوضع الإمام لشرط الخروج لم يكتف برفضه نظرية انتقال الخلافة بالإيصاء أو بالوراثة؛ بل وضع مبدأ جديدًا يحتم على الفاضل من آل فاطمة أن يدعو لنفسه - على الملأ - أي يتقدم لترشيح نفسه للانتخاب بأسلوبنا السياسي المعاصر ليظهر فضائله ومزاياه ومقدرته: (لينظر الناس في مدى المصلحة في توليه، وللموازنة بينه وبين غيره في أيهما أصلح). (7)

4- يجوز لديهم وجود أكثر من إمام واحد في وقت واحد في قطرين مختلفين.

5- يميلون إلى الاعتزال فيما يتعلق بذات الله، والاختيار في الأعمال, ومرتكب الكبيرة و يعتبرونه في منزلة بين المنزلتين كما تقول المعتزلة, كما أنهم يرفضون التصوف رفضاً قاطعاً, ويخالفون الشيعة في زواج المتعة ويستنكرونه, ولا يوجد عندهم مهدي منتظر.

6- يتفقون مع أهل السنة بشكل شبه كامل في العبادات والفرائض ومعظم الفروع الفقهية سوى بعض الاختلافات في:

· قولهم "حي على خير العمل" في الأذان على الطريقة الشيعية.

· صلاة الجنازة لديهم خمس تكبيرات.

· يرسلون أيديهم في الصلاة.

· صلاة العيد تصح فرادى وجماعة.

· يعدون صلاة التروايح جماعة بدعة.

· يرفضون الصلاة خلف الفاجر.

· فروض الوضوء عشرة بدلاً من أربعة عند أهل السنة.

· باب الاجتهاد مفتوح لكل من يريد الاجتهاد، ومن عجز عن ذلك قلد، وتقليد أهل البيت أولى من تقليد غيرهم.

· يقولون بوجوب الخروج على الإمام الظالم الجائر ولا تجب طاعته. (8)

الجذور الفكرية وأماكن الانتشار

المظهر الشيعي باد على المذهب الزيدي رغم مخالفة الإمام زيد لكثير من آراء الرافضة المنحرفة والباطلة, فهم يتمسكون على أي حال بأحقية أهل البيت في الخلافة, وتفضيل الأحاديث الواردة عنهم على غيرها, وتمسكهم بالقول بزكاة الخمس وغيرها , إضافة لتأثرها ببعض أفكار المعتزلة.

انتشرت الزيدية في سواحل بلاد الخزر وبلاد الديلم وطبرستان وجيلان شرقا، وامتدت إلى الحجاز ومصر غربا, وتركزت في أرض اليمن حاليا, وقد قامت دولة للزيدية أسسها الحسن بن زيد سنة 250هـ في أرض الديلم وطبرستان, كما أن الهادي إلى الحق أقام دولة ثانية لها في اليمن في القرن الثالث الهجري.

لم تبق الزيدية على حالها بالطبع, بل أصابها الكثير من التغيير والتبديل والانشقاق, فقد خرجت عن الزيدية ثلاث فرق طعن بعضها في الشيخين، كما مال بعضها عن القول بإمامة المفضول، وهذه الفرق هي:

1ـ الجارودية: أصحاب أبي الجارود زياد بن أبي زياد.

2ـ الصالحية: أصحاب الحسن بن صالح بن حي.

3ـ البترية: أصحاب كثير النوى الأبتر.

تأثر الزيدية المعاصرة بالرافضة:

من الواضح تأثر الزيدية المعاصرة – وخصوصا باليمن – بأفكار وآراء الرافضة الباطلة, وذلك من خلال التغلل الإيراني الرافضي ببعض الأحزاب والجماعات وعلى رأسها جماعة الحوثي, التي كانت تعتنق المذهب الزيدي, فإذا بها تنحرف عن أفكار إمامها زيد بن علي وآرائه الواضحة, وتميل إلى رأي الرافضة وأفكارهم الباطلة المضللة, وما عداءهم الواضح على أهل السنة في اليمن, والذي ظهر جليا من خلال عدوانهم السافر على دماج وغيرها من البلدات والمدن, بدعم إيراني واضح, إلا دليل على انحرافها عن مذهب الزيدية الذي تزعمه وتدعيه .

إن ما يدعيه البعض اليوم من الانتساب للمذهب الزيدي يحتاج إلى دليل وبرهان, وأهم هذه الأدلة والبراهين عدم سب ولعن الصحابة الكرام, وعلى رأسهم أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين, وهو ما أعلنه إمام الزيدية ومؤسسها زيد بن علي بشكل واضح وصريح, ناهيك عن بقية آراءه وأفكاره واجتهاداته, فمن لم يفعل ذلك فلا يمت إلى الزيدية بأية صلة, وإنما هو مدع يحاول بهذه النسبة المكذوبة خداع أهل السنة واختراقهم باسم الزيدية الأكثر اعتدالا بين فرق الشيعة.

ــــــــــــــــ

الفهارس

(1) البداية والنهاية لابن كثير 9/330 ومنهاج السنة لابن تيمية 1/8

(2) الذين بايعوا زيداً بن علي كانوا ـ حسب رواية الفرق بين الفرق ـ خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة، فلما طلبوا من زيد بن علي أن يتبرأ من أبي بكر وعمر ولم يقبل خرجوا عليه وتفرقوا عنه وقالوا بقول الرافضة ـ تكفير أبي بكر وعمر ـ ولم يبق مع زيد من أتباعه إلا مائتا رجل، وفي كتاب ضحى الإسلام لأحمد أمين أن أتباع زيد كانوا أربعين ألفًا، تفرقوا عنه ولم يبق معه إلا ثلث مائة أو أقل .

(3) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة

(4) الملل والنحل للشهرستاني 1/208

(5) الإمام زيد للشيخ محمد أبو زهرة ص70

(6) الملل والنحل للشهرستاني 1/207 والإمام زيد للشيخ محمد أبو زهرة ص191

(7) الملل والنحل للشهرستاني 1/210 والإمام زيد للشيخ محمد أبو زهرة ص192

(8) الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #11  
قديم 05-27-2014, 07:16 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
ورقة الإلهام عند الصوفية

الإلهام عند الصوفية*
ــــــــــــــــــــــــــــــ

28 / 7 / 1435 هــ
27 / 5 / 2014 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ




بينما يعتمد أهل السنة والجماعة على القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة والإجماع كمصدر أساسي لتقلي الأحكام الشرعية, يعتمد بعض الصوفية على تأويل النص القرآني الذي يخرجه عن حقيقته, وعلى الأحاديث الضعيفة وربما الموضوعة, إضافة إلى مصادر أخرى للتلقي ما أنزل الله بها من سلطان, تتمثل بما يسمونه الكشف والإلهام والذوق والوجد وغير ذلك.

وكثيرا ما يتردد في مجالس الصوفية بعض أقوال مشايخهم التي تدل على هذه المصادر في التلقي, كقول بعضهم: "حدثني قلبي عن ربي" في إشارة إلى تلقي مشايخهم الإلهام مباشرة من الله تعالى, وقول الآخر: أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت" في إشارة للكشف عند شيوخهم من الله تعالى أيضا, وهو كلام خطير يحمل في طياته خللا في العقيدة وجرأة على الله والإسلام.

كما أن كثيرا من مشايخ الصوفية من يدعي تلقي الأدعية بواسطة الإلهام, أو يوزع البشارات المتعلقة بأهل السعادة والفوز على الناس بالإلهام, أو يؤلف الكثير من الأسفار اعتمادا على الإلقاء الرباني والنفث في الروع وما شابه ذلك, وفي ذلك يقول ابن عربي: (.. فوالله ما كتبت منه حرفا إلا عن إملاء إلهي وإلقاء رباني, أو نفث روحاني في روع كياني, هذا جملة الأمر مع كوننا لسنا برسل مشرعين ولا أنبياء مكلفين ..) (1)

وفي هذا التقرير سنسلط الضوء على الإلهام كمصدر للتلقي عند الصوفية, ومدى انحرافهم بهذا المصدر عن منهج الحق, وانخراطهم بمتاهات الجهل والوهم, وابتداعهم في الدين ما لم يأمر به الله تعالى, وتسببهم بإضلال الناس بأمثال هذه الشطحات.

تعريف الإلهام

الإلهام لغة: ما يلقى في الروع أو ما يلقيه الله في النفس من الأمور التي تبعث على الفعل أو الترك. (2)

وفي الاصطلاح: إيقاع شيئ في القلب يثلج له الصدر ويطمئن ويسكن من غير استدلال بآية ولا نظر في حجة يخص الله تعالى به بعض أصفيائه. (3)

وقد يسمى بالعلم اللدني, قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ( ... والعلم اللدني: هو العلم الذي يقذفه الله تعالى في القلب إلهاما بلا سبب من العبد ولا استدلال ولهذا سمي لدنيا) (4)

وذهب الإمام الغزالي إلى التسوية بين وحي الأنبياء وإلهام الأولياء من جميع الوجوه باستثناء مشاهدة السبب وهو الملك فقال: (ولم يفارق الوحي الإلهام في شيء من ذلك, بل في مشاهدة الملك الملقي للعلم, فإن العلم إنما يحصل في قلوبنا بواسطة الملائكة) (5)

حجية الإلهام عند الصوفية

توسع الصوفية في الاحتجاج بالإلهام والتأصيل لقبوله؛ وزعموا أنّ الدِّين قسمان: حقيقة وشريعة، والرّسول إنّما بلّغ الشّريعة دون الحقيقة؛ واعتبروا الإلهام طريق العارف للحقيقة كما أنّ الوحي طريق العالم لمعرفة الشّريعة، ثُمَّ ادّعوا أنَّ مقام الحقيقة أسمى من مقام الشّريعة؛ لأنّ علم الشّريعة أصله الوحي، والوحي إنّما كان بوساطة الملك، وحجاب الحرف والصّوت خلافًا للإلهام المجرّد فإنّه يفيض على العارف من العقل الفعّال بلا وسيط ولا حجاب.

كما اعتبر بعض الصوفية الإلهام حجّة في حقّ الملهم، فالملهم له أن يعمل بما يلقى في قلبه من الخواطر والإلهامات حتَّى لو خالف الشّريعة ظاهرا أو باطنا، أو وصل لدرجة الاستغناء بالإلهام عن الشّرع كلّه؛ كما استغنى به الخضر عن الشّريعة الموسوية.

قال أبو المواهب الشاذلي ردا على من أنكر قول القائل "حدثني قلبي عن ربي": (لا إنكار لأن المراد: أخبرني قلبي عن ربي من طريق الإلهام الذي هو وحي الأولياء) (6), والعمل بالإلهام أو بموجب الخطاب الذي يوجد في القلب حكاه شيخ الإسلام ابن تيمية عن بعض الشيوخ ممن يأمر أتباعه بالاستعانة به بعد موته استنادا على وجود الخطاب في قلبه بذلك. (7)

وقد وردت بعض أقوال الصوفية برد الإلهام إذا كان مخالفا للكتاب والسنة, فقال أبو الحسن الشاذلي: (إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف, وقل لنفسك: إن الله تعالى قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة ..) (8)

وبينما يظهر التناقض في عبارات الصوفية حول معيار الموافقة أو المخالفة الذي بموجبهما نقبل الإلهام أو نرده, بدليل ما سبق من تقديم بعضهم الإلهام على الكتاب والسنة, نجد أن أهل السنة ميزوا بين المقبول والمردود من الإلهام.

فقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية حقيقة الإلهام بقوله: ( وحقيقته أن الله وكل بالإنس ملائكة وشياطين, يلقون في قلوبهم الخير والشر, فالعلم الصادق من الخير, والعقائد الباطلة من الشر, وقد أخبر الله أن الملائكة توحي إلى البشر ما توحيه, وإن كان البشر لا يشعر بأنه من الملك, فهو لا يشعر بالشيطان الموسوس أيضا) (9)

وإذا سلمنا برد الصوفية للإلهام إذا كان فيه مخالفة صريحة للكتاب والسنة, فإن هذا لا ينفي قبولهم الإلهام في ما لم يشهد له النص بإلغاء أو اعتبار كالمسكوت عنه مثلا, وهو ما ينطبق على رسم البدعة, وعليه فللولي أن يشرع – بطريق الإلهام – ما لم يأذن به الله, ما لم يتضمن ذلك نسخا أو معارضة صريحة للكتاب والسنة, وفي كتاب الفتوحات المكية لابن عربي أمثلة لهذا الإلهام.

قال الشعراني: (الولي غايته الإلهام الموافق لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم بعد الفتح, فلا يعمل به مستقلا, لأن نبوة التشريع قد انقطعت بموت محمد صلى الله عليه وسلم, فيصير ملك الإلهام يفهم ذلك الولي شريعة محمد ويطلعه على أسرارها حتى كأنه أخذها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا واسطة ..) (10)

ويقول إبراهيم الدسوقي في وجوب التسليم لإلهامات الأولياء: (عليكم بتصديق القوم في كل ما يدعون فقد أفلح المصدقون وخاب المستهزئون, فإن الله تعالى يقذف في سر خواص عباده ما لم يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل.., فما للعاقب إلا التسليم, وإلا فاتوه وفاتهم, وحرم فوائدهم, وخسر الدارين) (11).

فهذا يدل على أنهم يعتبرون الإلهام حجة, وأن ما ورد عن بعضهم برد الإلهام إذا خالف النص, ما هو إلا رأي مخالف أو ضرب من التمويه لستر حالهم.

درجات الإلهام عند الصوفية

1- الإلهام عن طريق الملك: حيث يلقي بالعلم للشخص الملهم , وبينما جعل الغزالي – في الإحياء - الفرق بين وحي الأنبياء وإلهام الأولياء مشاهدة الملك المفيد للعلم, مما يعني أن الملك يفيد الولي بالعلوم ذاتها التي يفيد بها النبي, غير أن الولي لا يراه.

اعتبر ابن العربي الفرق بينهما في نوع العلم النازل لا في المشاهدة, معتبرا أن الذي ينزل به الملك على الأنبياء غير الذي ينزل به على الأولياء .. حيث يمزل الملك على الولي لإفهامه ما جاء به النبي مما لم يتحقق هذا الولي بالعلم به. (12)

ليأتي الدباغ برأي ثالث في الإلهام يؤكد التناقض في رواياتهم فيقول: (وأما ما ذكروه في الفرق بين النبي والولي من نزول الملك و عدمه فليس بصحيح, لأن المفتوح عليه سواء كان وليا أو نبيا, لا بد أن يشاهد الملائكة بذواتهم على ما هم عليه, ويخاطبهم ويخاطبونه, وكل من قال: إن الولي لا يشاهد الملك ولا يكلمه فذاك دليل على أنه غير مفتوح) (13)

2- الإلهام للعبد من الوجه الخاص الذي بين كل إنسان و ربه: وذلك من خلال ارتفاع الوسائط – كما يقولون – فلا يعلم به أحد ولا ملك الإلهام أيضا, وهذا عندهم أجل وأرفع أنواع الإلهام والإلقاء إذا حصل الحفظ لصاحبه. (14)

قال أبو المواهب الشاذلي: ( ..مقام الولاية الخاصة يعطي الأخذ عن الله بالله من الوجه الخاص ) وقال ابراهيم الدسوقي: ( الله تعالى يقذف في سر خواص عباده ما لا يطلع عليه ملك مقررب ولا نبي مرسل ولا بدجل ولا صديق ولا ولي ..) (15)

وقال الشعراني سائلا شيخه الخواص: (متى يصح للعبد أن يأخذ عن الله بلا واسطة من الوجه الخاص؟ فقال: إذا تحقق أنس القلب بالله تعالى بنسبة خاصة ورابطة خاصة, صح له الأخذ عن الله واستغنى عن المادة, لأن وارده لا يتوقف حينئذ على وجود الخلق ولا عدمهم ) (17)

الإلهام عند شيخ الإسلام ابن تيمية

قسم شيخ الإسلام الإلهام إلى نوعين: محمود ومذموم, قال تعالى: {ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها} الشمس/ 7, فهو سبحانه يلهم الفجور والتقوى للنفس, والفجور يكون بواسطة الشيطان وهو إلهام وسواس, والتقوى بواسطة الملك وهو إلهام وحي, وقد صار بالعرف لفظ الإلهام إذا أطلق لا يراد به الوسوسة, فالمأمور به إن كان تقوى الله فهو إلهام الوحي, وإن كان الفجور فهو وسوسة الشيطان.

والضابط الذي يفرق بينهما هو الكتاب والسنة, فإن كان مما ألقي في النفس مما دل عليه الكتاب والسنة على أنه تقوى الله فهو من الإلهام المحمود, وإن كان مما دل على أنه فجور فهو من الوسواس المذموم, وهذا الفرق مطرد لا ينتقض. (18)

وقد مثل شيخ الإسلام للإلهام الشرعي المحمود بالواعظ الإيماني في قلب كل مؤمن, والذي ورد في الحديث الصحيح: (ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى كتفي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة و على الأبواب ستور مرخاة و على الصرط داع يدعو يقول : يا أيها الناس اسلكوا الصراط جميعا و لا تعوجوا و داع يدعو على الصراط فإذا أراد أحدكم فتح شيء من تلك الأبواب قال : ويلك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه , فالصراط الإسلام و الستور حدود الله و الأبواب المفتحة محارم الله و الداعي الذي على رأس الصراط كتاب الله و الداعي من فوق الصراط واعظ الله يذكر في قلب كل مسلم) (19).

كما مثل للإلهام المذموم والبدعي بما يدعيه بعض الصوفية أنه لقن القرآن بلا تلقين, أو قول آخرين: أنهم أخذوا علمهم عن الحي الذي لا يموت, وهو كذب لأنه قد يكون إلهام من الشيطان وليس من الرحمن, والفرق بينهما لا يفصله إلى القرآن والسنة, فما وافقهما فهو حق وما خالفهما فهو خطأ, وما يقوله بعض الصوفية: "حدثني قلبي عن ربي" فصحيح أن قلبه حدثه ولكن عمن ؟؟ عن شيطانه أو عن ربه ؟ . (20)

لقد أساء الصوفية استخدام الإلهام وأخرجوه عن نطاقه الشرعي إلى شطحات ومبالغات وصلت إلى قلعة العقيدة وحصن الإيمان, وقد انخدع كثير من عوام المسلمين بدعاوى بعض مشايخ الصوفية في هذا الباب, وما ذاك إلا بسبب الجهل الذي يعتبر أعدى أعداء الإنسان في الإسلام, والذي لا علاج منه إلى بالعلم والتعلم.

ـــــــــــ

الفهارس

(1) الفتوحات المكية 3/456

(2) لسان العرب 12/5

(3) تعريفات الجرجاني ص34

(4) مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين 3/431

(5) إحياء علوم الدين 3/19

(6) طبقات الشعراني 2/68

(7) الفتاوى 17/68

(8) طبقات الشعراني 2/5

(9) الفتاوى17/531

(10) اليواقيت والجواهر 2/71

(11) طبقات الشعراني 1/173

(12) الفتوحات المكية 3/316

(13) الإبريز ص151

(14) اليواقيت والجواهر 2/84

(15) طبقات الشعراني 1/173 و2/68

(16) درر الخواص ص140

(18) الفتاوى 17/529

(19) المستدرك للحاكم برقم 245 وصححه الألباني

(20) الفتاوى 13/74

إضافة لكتاب المصادر العامة للتلقي عند الصوفية عرضا ونقدا : صادق سليم صادق , و كتاب : موقف ابن تيمية من الصوفية , ومقال (دعوى الاستغناء بالإلهام) للدكتور عيسى عبد الله السعدي .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 06-08-2014, 07:28 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
ورقة

الشيعة الإمامية بين الإخباريين والأصوليين*
ــــــــــــــــــــــــــــ

10 / 8 / 1435 هــ
8 / 6 / 2014 م
ــــــــــ



رغم أن الباطل واحد لا فرق بين صغيره وكبيره ولا بين قليله وكثيره, إلا أن البحث العلمي يقتضي أن نعلم كل شيء عن الباطل, لتفاديه وعدم الوقوع فيه أولا, ولتحذير المسلمين منه ومن شره ثانيا, وهذا يتطلب بلا شك البيان والتفصيل.

ورغم أن الشيعة الاثني عشرية بجميع مذاهبها وفرقها المختلفة باطلة, إلا أنه لا بد من التمييز بين الأصوليين منهم -وهم غالبية وأكثرية الشيعة الاثني عشرية في الوقت الراهن– وبين الإخباريين الذين يقال أنهم لا وجود لهم في العصر الراهن, إلا أن هذا الكلام لا يمكن الأخذ به بشكل مطلق.

فمن هم الإخباريون؟ ومن هم الأصوليون؟ وما الفرق بينهما؟

التعريف بالإخباريين

ويُسَمَّون أهل الحديث أوالمستبصرون: مدرسة شيعية اثني عشرية تعتمد في استنباط الأحكام الشرعية والمعتقدات الشيعية على الأخبار المنقولة عن المعصومين –الأئمة الإثني عشر حسب زعمهم– أو المنسوبة إليهم دون النظر إلى شيء آخر, فمصادر التشريع عندهم الكتاب والحديث المنقول عن آل البيت فقط, ولا يستدلون بالإجماع لأنه عندهم بدعة أوجدها أهل السنة، وينكرون كذلك صلاحية العقل السليم ليكون حجة أو دليلا.

أفكار الإخباريين

يُنكر الأخباريون أن يكون العقل حجة، كما أنّهم لا يقبلون بحجية القرآن وسَنَدِيَّته إلا معتضدا برواية عن أهل البيت تُفسره وتؤيد الدلالة الشرعية على الحكم، وأن الواجب هو الرجوع إلى الأحاديث الواردة عنهم، كما أنّهم يقولون: إن الإجماع بدعة أوجدها أهل السنة لتنصيب أبي بكر في سقيفة بني ساعدة، وبهذا يكونون قد أنكروا من مصادر التشريع الإسلامي المتعارف عليها الكتاب والإجماع إضافة إلى العقل وهو القياس.

كما أن الأخباريين يعتقدون أن طريق الاجتهاد المألوف عند الأصوليين مغلق، ويجب العمل طبقا للنصوص المرويّة الموجودة فقط، وعلى الأخص الكتب المعتمدة الأربعة على اعتبار أنّها صحيحة السند بأكملها.

بل إن غلو الإخباريون من الشيعة وصل إلى حد الإكتفاء بأخبار أئمتهم فقط دون القرآن الكريم, حيث قال شيخهم الأنصاري: إن تسمية الإخباريين جاءت من أمرين: كونهم عاملين بالأخبار كلها دون تفريق بين صحيح وضعيف, أو لإنكارهم الأدلة الثلاثة بما فيها القرآن الكريم, وخصوا الدليل بأخبار الأئمة فقط.

أهم كتب الإخباريين

وأما أهم كتب الأحاديث المنقولة عن الأئمة المعصومين –حسب زعمهم– والتي يعتمدون عليها ويأخذون بظاهرها ويعتبرونها كلها صحيحة بل ومتواترة, ولا يمكن التشكيك بأي حديث فيها فهي:

1- الكافي: لمحمد بن يعقوب الكليني المتوفى (328هجرية) وهو أهم مراجعهم وفيه ما يقارب 16199 حديثا, وقد عده صاحب (الوافي): أشرف الكتب الأربعة وأوثقها وأتمها وأجمعها, لاشتماله على الأصول من بينها, وخلوه من الفضول وشينها. الوافي / للفيض الكاشاني 1/5

ويقع الكافي في ثمانية أجزاء تضم الأصول والفروع, والأصول تقع في جزئين, والفروع في خمسة أجزاء, والجزء الأخير وهو (الروضة) فتشمل خطب آل البيت ورسائلهم وآداب الصالحين وطرائف الحكم.

2- كتاب من لا يحضره الفقيه: لابن بابويه القمي المشهور عندهم باسم "الصدوق" (ت 381هـ), وهو كتاب مختص بالفروع ويخلو من الأصول والعقائد كما ذكر صاحب الوافي, ولا يميز هذا الكتاب وكتابا الطوسي عن مؤلفات الشيعة الفقهية الأخرى سوى الأسانيد, والتي تنتهي بمعظمها لأبي عبد الله جعفر الصادق.

3- تهذيب الأحكام: لأبي جعفر الطوسي المعروف بـ "شيخ الطائفة" (ت 460هـ) كتاب فروع فقهية رتبه على أبواب الفقه من الطهارة وحتى الديات, وتبلغ أبوابه 393 بابا, بينما تبلغ أحاديثه (13590 ) حديثا.

4- الاستبصار: للطوسي أيضا اقتصر فيه على ذكر الأحاديث المتعارضة أو ما يعرف (بمختلف الحديث), ويمكن اعتباره كتاب فقه مقارن عند الإمامية, بلغت أحاديثه (5511 ) حديثا.

يقول شيخهم الفيض الكاشاني (ت 1090هـ) "إن مدار الأحكام الشرعية اليوم على هذه الأصول الأربعة وهي المشهود عليها بالصحة من مؤلفيها" الوافي 1/11 والذريعة 2/14

والإخباريون يعتبرون كل كلمة وحرف في الكافي والكتب الأربعة عامة صحيحا ومتواترا, بل هي عند التأمل فوق حد التواتر, حيث يعتبرونها أعظم من القرآن الكريم عند أهل السنة من المسلمين, ولهذا قبلوا رواياتها التي تتعرض لكتاب الله, وجعلوها هي الحاكمة على كتاب الله وذلك هو الضلال العظيم والكفر البواح.

حجج الإخباريين على صحة ما في كتبهم

يحتج الإخباريون على ما يقولون: بأنه ما دام أصحاب الأئمة نقلوا هذه الروايات من الأئمة، فأنها لا تحتاج إلى النظر والبحث والتحقيق والتفتيش، لا عن السند لأنها من صاحب الإمام، ولا عن المتن لأنه من الإمام.

وخير من عرض قرائن تصحيح كل ما في الكتب الأربعة السابقة وأوجز القول فيها الفيض الكاشاني صاحب كتاب (الوافي), وقاعدة هذه القرائن هي: أن كل حديث اعتضد بما يقتضي الاعتماد عليه واقترن بما يوجب الوثوق به والركون إليه فهو حديث صحيح.

ثم عدد هذه الوجوه: كوجود الحديث في كثير من الأصول الأربعمائة المشهورة عند الشيعة, والتي نقلوها عن شيوخهم بطرقهم المتصلة بأصحاب العصمة كما يزعمون, أو بتكرار الحديث في أصل أو أصلين منها فصاعدا بطرق مختلفة وأسانيد عديدة, أو باندراجه –الحديث– بأحد الكتب التي عرضت على أحد المعصومين, أو كأخذ الحديث من أحد الكتب التي شاع بين سلفهم الوثوق بها والاعتماد عليها.

التعريف بالأصوليين

ويسمون أيضا المجتهدون, وهم الأكثرية والتيار السائد بين الشيعة الاثني عشرية في العصر الحديث، وهم القائلون بالاجتهاد وبأن أدلة الأحكام هي الكتاب والسنة والإجماع دليل العقل, ولا يحكمون بصحة كل ما في الكتب الأربعة الأولى المشار إليها عند الإخبارية.

بداية ظهور الافتراق

وعن بداية افتراق الاثني عشرية إلى إخبارية وأصولية يذكر البحراني أن شيخهم محمد أمين الأستراباذي (توفي 1033هجرية) هو أول من فتح باب الطعن على المجتهدين وتقسيم الفرقة إلى إخباري ومجتهد, من خلال كتابه: "الفوائد المدنيّة في الرد على القائل بالاجتهاد والتقليد في الأحكام الإلهية", وقد رد نور الدين العاملي على ما ألفّه الاسترابادي بكتاب أسماه: "الفوائد المكيّة في مداحض حجج الخيالات المدنية ونقض أدلة الأخبارية".

وهكذا ظل الصراع محتدما بين الإخباريين والأصوليين خلال القرنين الحادي عشر والثاني عشر, وقد جرى بين هاتين الفرقتين ردود ومنازعات وتكفير وتشنيع حتى إن بعضهم كان يفتي بتحريم الصلاة خلف البعض الآخر, ووصل الأمر إلى حد أن بعض شيوخ الإخبارية كان لا يلمس مؤلفات الأصوليين بيده تحاشيا من نجاستها, وإنما يقلبها من وراء ملابسه, كما كفر الأستراباذي –الإخباري– بعض الأصوليين ونسبهم إلى تخريب الدين. لؤلؤة البحرين /117

أسباب الافتراق

ولو عدنا لأسباب وجود فرقة الأصوليين ومذهب الاجتهاد, فسنجد أن الأصوليين من الشيعة اضطروا لتقسيم الحديث وتفنيد أخبار الكتب الأربعة الأولى للتخلص من إلزامات أهل السنة ونقدهم لما جاء في هذه الكتب الأربعة من كفر وضلال, فما إن ينتقد السني كلاما أو حديثا في هذه الكتب, إلا وجد الشيعي الأصولي لذلك مخرجا بالحكم على الحديث بالضعف أو الوضع, وفي التقية متسع كما نعلم.

والحقيقة المعروفة أن الشيعة لم يكن لهم علم بمصطلح الحديث وتقسيم الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف إلا في وقت متأخر جدا, حيث كانت بداية تقويم الشيعة للحديث وتقسيمه عندهم في القرن السابع الهجري, وذلك نتيجة ردة فعل لحملة شيخ الإسلام ابن تيمية عليهم في كتابه الفذ (منهاج السنة) حيث شنع على الشيعة قصورهم في معرفة الرجال وقلة خبرتهم في ذلك, كما كشف استدلالات الشيعة من كتب السنة, وأظهر جهلهم وكذبهم من حيث استدلالهم بالحديث الضعيف والموضوع.

ويعترف الشعية أن علم مصطلح الحديث وتقسيمه لصحيح وغيره كان في زمن العلامة, وهو ابن المطهر الحلي الذي رد عليه ابن تيمية, وقد قال في ذلك شيخهم الحر العاملي: ( والفائدة في ذكره (أي السند) دفع تعيير العامة (أهل السنة) الشيعة بأن أحاديثهم غير معنعنة, بل منقولة من أصول قدمائهم ) وسائل الشيعة20/100

وهذا الكلام من العاملي جد خطير, فهو يفيد بأن الإسناد عند الشيعة لا وجود له عند الشيعة أصلا, وأن رواياتهم بلا زمام ولا خطام, وأن الأسانيد في رواياتهم إنما صنعت فيما بعد وركبت على نصوص أخذت من أصول قدمائهم, لمواجهة نقد أهل السنة فحسب, مما يعني صنع الأسانيد بوضع أسماء رجال لا مسمى لهم.

مثال يوضح الفرق بين الإخباريين والأصوليين

بينما اعتبر الإخباريون جميع ما في الكافي صحيحا ومتواترا وحجة, قسم الأصوليون أحاديث الكافي بناء على قواعد الجرح والتعديل على النحو التالي: الصحيح وقد بلغت (5072) حديثا, والحسن وبلغت (144) حديثا, والموثق وبلغت (1128) حديثا, والقوي (302), والضعيف (9485) حديثا, مما يعني أن جل كتاب الكافي هو من الأحاديث الضعيفة برأي الأصوليين, وقد بقي (68) حديثا غير مصنف لا ندري بماذا توصف؟؟

وهنا يأتي الاعتراض الأخطر على الأصوليين من كون الكتب الأربعة الأولى مأخوذة –كما يقولون– من أصول معروضة على الأئمة, وقد كتب الكافي في عصر الغيبة الصغرى, وكان بالإمكان الوصول إلى حكم الإمام على أحاديثه, بل قالوا بأنه عرض فعلا على مهديهم فقال: (إنه كاف لشيعتنا). مقدمة الكافي لحسين علي ص25

كما أن شيخ الشيعة الإمامية جعفر النجفي (1227ه) ورئيس المذهب في زمنه يقول في كتابه (كشف الغطا) عن مؤلفي الكتب الأربعة: (والمحمدون الثلاثة كيف يعول في تحصيل العلم عليهم وبعضهم يكذب رواية بعض.. ورواياتهم بعضها يضاد بعض .. ثم إن كتبهم قد اشتملت على أخبار يقطع بكذبها كأخبار التجسيم والتشبيه وقدم العالم وثبوت المكان والزمان).

وحين يصطدم بمقدمة الكتب الأربعة التي تنص على أنهم لا يذكرون إلا الصحيح يقول (فلا بد من تخصيص ما ذكر في المقدمات أو تأويله على ضرب من المجازات أو الحمل على العدول عما فات.. ) ص40

أهم عناصر الاختلاف بين المذهبين

بينما جعل الشيخ جعفر كاشف الغطا عناصر الخلاف بين المذهبين 80 في كتابه: (الحق المبين في تصويب المجتهدين وتخطئة الإخباريين), نرى شيخهم البحراني يحاول التقليل من مسائل الخلاف بينهما ليجعلها مقتصرة على 8 أو أقل, بينما يجعلها محسن الأمين من بعده 5 فقط, ليتوسط شيخهم عبد الله بن صالح البحراني بين الفريقين ويجعل عناصر الخلاف 40 أو 29, وذلك في كتابه (روضات الجنات).

وفي الختام يمكن القول: أن المذهبان باطلان ويكتنفهما الكثير من التشدد والتعصب للأئمة الاثني عشر, إلا أن الإخباريين أكثر تشددا وتعصبا للكتب الأربعة الأولى, بينما حاول الأصوليون التظاهر بالمرونة والموضوعية, من خلال انتحالهم علم مصطلح الحديث والجرح والتعديل من أهل السنة, بيد أن العلم اصطدم بمصائب رواياتهم وأخبارهم التي لا يمكن أن يقبلها علم أبدا, بينما تركوا الأخذ بالقرآن الكريم والسنة النبوية التي أكرم الله بها المسلمين, فكانوا بذلك أشبه باليهود في قول الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} الجمعة/5

ــــــــــــــــــــ

أهم مراجع التقرير

· السنة النبوية وعلومها بين أهل السنة والشيعة الامامية / د . عدنان محمد زرزور.

· استدلال الشيعة بالسنة النبوية في ميزان النقد العلمي / د. عبد الرحمن بن محمد سعيد دمشقية.

· أصول مذهب الإمامية الاثني عشرية عرض ونقد / د. ناصر بن عبد الله بن علي القفاري.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ــــــــــــــ
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 06-08-2014, 09:20 AM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,372
افتراضي

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 06-10-2014, 09:43 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود غير متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 55,968
ورقة

العقائد الوثنية في الديانة النصرانية*
ـــــــــــــــــ

12 / 8 / 1435 هــ
10 / 6 / 2014 م
ـــــــــ




الكتاب: العقائد الوثنية في الديانة النصرانية

تأليف: محمد بن طاهر البيروتي

تحقيق ودراسة: د. محمد عبد الله الشرقاوي

نشر: دار الصحوة، القاهرة

عدد الصفحات: 215صفحة

ــــــــــــــ

مؤلف الكتاب الذي بين أيدينا هو الأستاذ محمد طاهر بن عبد الوهاب بين سليم البيروتي، باحث، متكلم، من أهل بيروت، تعلم في الجامعة الأمريكية بها، وقد كان المؤلف رحمه الله مشاركا في علوم شتى، وترك آثاراً علمية منها: كتاب الفلك والطبيعيات بالاشتراك مع والده. وكتاب الدر النضير. وكتاب العقائد الوثنية في الديانة النصرانية (موضوع القراءة).

ولد المؤلف في بيت علم؛ مما هيأ له تكوينا علميا وثقافيا ممتازا، فجمع بين الثقافة العصرية، واطلع على المعطيات الفكرية للحضارة الغربية في الجامعة الأمريكية وسويسرا، وتعرف بنفسه على مزاعم المنصرين (المبشرين) وعانى من تسلطهم على مؤسسات التعليم والنشر والصحافة، وتابع-عن كثب- جهودهم المكثفة الخطيرة في التلبيس والتشكيك ومحاولة النيل من الإسلام.

وإلى جانب ثقافته العصرية، جمع المؤلف رحمه الله الثقافة الإسلامية الأصلية، وقيض الله له شعورا دينيا عميقا دافعا ومحركا، فانفعل بقضايا أمته الإسلامية والعربية ووضع نفسه وقدراته وملكاته في سبيل الدفاع عنها.

ويعد الكتاب الذي بين أيدينا: (العقائد الوثنية في الديانة النصرانية) أحد أشكال دفاع الكاتب عن الإسلام، وتبصير المخالفين بحقيقة معتقدهم، وما هم عليه من فساد وغيّ وضلال.

ويتخذ كتاب (العقائد الوثنية في الديانة النصرانية) موضوعا أساسيا مركزيا؛ هو إبراز التشابه أو التطابق بين العقائد التي كانت عند الأمم الوثنية السابقة للديانة المسيحية، وما أدخل على المسيحية من عقائد وطقوس وشعائر، أي أن الكتاب يهدف إلى كشف الأصول الوثنية للتحريفات والتلفيقات التي أدخلت في الديانة النصرانية، وشكلت أهم عناصر منظمتها العقائدية والشعائرية.

وعن سبب تأليف الكتاب أشار مؤلفه في مقدمته إلى سببين:

أولهما: كثرة الكتب التي ألفها المبشرون، ومن ينحو نحوهم في اللغة العربية، ضد الدين الإسلامي، ككتاب (الهداية) أربعة مجلدات، وكتاب (الباكورة الشهية)، وكتاب (تنوير الأفهام في مصادر الإسلام)، وكتاب (ميزان الحق) إلى غير ذلك من الكتب المؤلفة لنقض الإسلام باللغة العربية وغير العربية، هذا عدا الرسائل والخطب التي شرعوا في توزيعها بين المسلمين.

والسبب الثاني: هو نصرة الحقيقة، والقيام بواجب الإخوة الإنسانية، لأنه فرض في ديننا دعاء الناس إلى الحق، وواجب علينا أن ندعوهم لمشاركتنا في أحسن شيء عندنا، وهو "ديننا".

وقد جاء هذا الكتاب في ثمانية عشر فصلا كشف فيها المؤلف بالوثائق أو النصوص أن عقيدة التثليث- التي هي أساس الديانة المسيحية المعاصرة ومحورها ومرتكزها- مأخوذة أخذا مباشرا من الوثنيات الشرقية القديمة؛ كما أن عقيدة التثليث قد عرفت طريقها إلى كل الأمم الوثنية شرقية وغربية؛ فوجدت في مصر والهند والصين وبابل، والأمم الغربية القديمة، فقد كان عند أكثر الأمم البائدة الوثنية القديمة تعاليم دينية جاء فيها القول باللاهوت الثالوثي؛ أي: أن الإله ذو ثلاثة أقانيم.

ومن العقائد الخطيرة –التي أدخلت على المسيحية- التي ناقشها المؤلف في كتابه عقيدة (الصلب) فداءً عن الخطيئة الأصلية، أو عقيدة صلب (الإله الابن) أو (الإله الكلمة) لخلاص المؤمنين به من آثامهم وخطيئاتهم!! الأصلية التي ورثوها عن أبيهم. فدلل المؤلف على قدم هذه العقيدة وأنها مأخوذة عن اليهود الوثنيين.

كما تحدث المؤلف عن مسألة الظلمة التي حدثت عند موت أحد المخلصين للعالم بين الوثنيين والنصارى، حيث يقول اليهود أنه لما مات كرشنا مخلصهم على الصليب، حدثت في الكون مصائب جمة وعلامات متنوعة، وأحاطت بالقمر دائرة سوداء، وأظلمت الشمس عن نصف نهار، وأمطرت السماء نارا ورمادا، والأمر نفسه قالت به النصرانية بعد صلب المسيح-بحسب زعم النصارى- حيث جاء في إنجيلهم أنه "من الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض إلى الساعة التاسعة".

وخصص المؤلف الفصل الرابع للمقارنة بين ما جاء في كتب النصارى المقدسة عن تجسد الإله في المسيح، وما جاء في عقائد الوثنيين في هذا الصدد، وجاء ذلك تحت عنوان (ولادة أحد الآلهة الذين قدموا أنفسهم فداء عن الناس "بين الوثنيين والنصارى"). حيث نقل المؤلف ما دلل به على الوثنيين القدماء قالوا بتجسد أحد الآلهة ونزوله وسكنه معهم، وهو القول الذي قالت به النصرانية في المسيح عليه السلام.

ومن الأمور التي ناقشها المؤلف لإثبات التشابه بين عقائد الوثنيين والنصرانية ظهور النجوم عند ولادة أحد الآلهة، حيث جاء في كتب البوذيين المقدسة عندهم أنه قد بشرت السموات بولادة بوذا: نجم ظهر مشرقا في الأفق، والأمر ذاته قال به النصارى، ففي إنجيل متى الإصحاح الثاني العدد الأول والثاني، جاء أنه (لما ولد يسوع في بيت لحم اليهودية في أيام هيردوس الملك إذا مجوس من الشرق قد جاؤا إلى أورشليم قائلين أين هو المولود ملك اليهود، فإننا رأينا نجمه في المشرق، وأتينا لنسجد له).

ثم انتقل المؤلف إلى بيان مظهر آخر من مظاهر الوثنية التي أدخلت في الأسفار المقدسة عند المسحيين؛ وهي استدلال بعض الناس على (الطفل الإلهي) وإكرامهم إياه بالهدايا؛ ذكر هذا بشأن (كرشنا) و(بوذا) و(مسرا) مخلص العجم، و(سقراط) و(اسكولابيوس) و(ردمولوس).

وذكر كل من (متى) و(لوقا) وهما الإنجيليان الوحيدان اللذان انفردا بذكر طفولة المسيح، وذكر أن المجوس قدموا (للطفل الإلهي) عيسى عليه السلام هدايا ذهبا ولبنا وتمرا، أما (إنجيل المصريين)- وهو إنجيل لم تعترف به الكنيسة- فيذكر أن الذين جاؤوا لرؤيته- بعد ولادته- وقدموا له الهدايا، كانوا رعاة- مثل الذين فعلوا مع أبناء آلهة الوثنيين تماما- ولم يكونوا مجوسا، وحتى مكان ولادة بعض الآلهة الوثنيين الذين زعم أنهم تجسدوا فظهروا بالناسوت قد نسج فيها المسيحيون على منوال الوثنيين.

وعلى هذا المنوال سار عمل المؤلف في كتابه، ولذلك فالكتاب الذي بين أيدينا يعد وثيقة مهمة، لمعرفة الكثير عن أصول النصرانية، حيث أرجع المؤلف الكثير من المعتقدات إلى أصولها الوثنية، ليكشف بذلك الفساد الكبير الذي تنطوي عليه هذه المعتقدات، وبعدها عن المصدر الحقيقي وما جاء به المسيح عليه السلام.

ويزيد من القيمة العلمية لهذا الكتاب كونه أول كتاب في العربية – قديما وحديثا- يفرده مؤلفه لمعالجة هذه القضية، كما جمع المؤلف بياناته من مراجع وثائقية مهمة لباحثين متخصصين ثقات، ومن ثم فقد أتاح للقارئ العربي-ولأول مرة- الاطلاع على هذا العدد الكبير من المراجع العلمية التي تناولت بالتسجيل والتحليل والموازنة العقائد الوثنية للأمم السابقة للمسيحية في الشرق والغرب.

فنسأل الله أن يجزي مؤلف هذا الكتاب خيرا على ما بذل من جهد، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـــــــــــــــــــــ
*{التأصيل للدراسات}
ـــــــــــــ
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الميدان, الميسرة, المعاصرة, الموسوعة, والمذاهب, والأحزاب


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
لماذا تتعثر الثورات في بلاد الطوائف والمذاهب والقبائل؟ Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 02-29-2016 09:38 AM
الأسباب الميسرة لقيام الليل _2_ صابرة شذرات إسلامية 1 06-26-2015 08:18 AM
الأسباب الميسرة لقيام الليل ! صابرة شذرات إسلامية 0 06-21-2015 10:38 AM
إسرائيل بيتنا والأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب بسبب خلافات مع نيتانياهو يقيني بالله يقيني أخبار الكيان الصهيوني 0 05-11-2012 05:40 AM
الاراء والمذاهب الفكرية عن الطبيعة البشرية وموقف الاسلام منها محمد خطاب الكاتب محمد خطاب ( فلسطين) 0 01-23-2012 12:30 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 08:21 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59