#15  
قديم 02-27-2013, 09:56 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

و ثانيا إنه مجرد اتهام وارد ، و ليس هو باتهام ثابت ، لأن تشابه الخط-إن صدق الخبر- لا يعني بالضرورة أنه خط مروان ، فقد يُزوّر الخط على صاحبه ، لذا فإنه روي أن الخليفة عثمان بن عفان –رضي الله عنه-عندما جاءه الأشرار وأظهروا له الكتاب ،و قالوا له إننا و جدنا (( بريدك على جملك ، و كتاب كاتبك عليه خاتمك )) قال لهم : (( أما الجمل فمسروق ،و قد يشبه الخط الخط ،و أما الخاتم فانتقش عليه ))[1]. و ثالثا أن هناك خبرين روى أحدهما ابن جرير الطبري ،و الثاني ابن عساكر ، لا يوجد فيهما اتهام لمروان بتزوير الكتاب[2].

و مما يلفت الانتباه في مسألة اتهام مروان بالتزوير ، أن الروايات قد اختلفت في ذكر مطالب هؤلاء البغاة ، ففي بعضها أنهم طالبوا الخليفة بتسليم مروان بن الحكم و إلا يقتلونه .و في أخرى ،أنهم خيّروا عثمان بين الخلع أو القتل[3].
و في روايات أخرى أنهم طالبوه بتسليم مروان و الاعتزال أو القتل .و في بعضها طالبوه بعزل عماله الفسقة ،و تعويضهم بمن لا يتهم ،و إلا يعزلونه و يقتلونه[4].و في أخرى خيّروه بين الخلع و الاقتصاص من نفسه ،و إلا فسيقتلونه[5] .
فهذه الروايات لم تتفق على مطالب هؤلاء البغاة ، فلماذا إذن هذا الاختلاف ؟ و لماذا لم يَرِد مطلب تسليم مروان بن الحكم في جميعها و هو رأس الفتنة في اعتقادهم ؟ و لماذا طالبوه بعزل ولاّته الفسقة- على حد تعبيرهم- و كان قد استجاب لهم في عزل ولاّة مصر و الكوفة و البصرة ؟ ! و ما هي العلاقة بين تسليم مروان و المطالب الأخرى ؟ فإذا كان هو السبب فعليهم أن يطالبوا بمحاكمته ، و ليس بتسليمه إليهم . فهذه التساؤلات و غيرها تبعث على الشك في نوايا هؤلاء المبيتة .و توحي أيضا بأنهم ما اتهموا مروان بن الحكم إلا ليصلوا إلى عزل عثمان أو قتله .
و هنا أُنبّه إلى أمر هام جدا ، هو أن موقف مروان بن الحكم من الاتهامات الموجهة إليه ، مُغيّب في كل الروايات التي اطلعتُ عليها ، ماعدا ما ذكره ابن خلدون من أن البغاة لما رجعوا إلى عثمان و معهم الكتاب المزعوم و أظهروه له (( حلف عثمان على ذلك ، فقالوا له مكنا من مروان فإنه كاتبك ، فحلف مروان ، فقال-أي عثمان- ليس لكم في الحكم أكثر من هذا ، فحاصروه ))[6].
فهذا خبر لم يذكر له ابن خلدون إسنادا ، و بينه و بين الحادثة أكثر من سبعة قرون . كما أن خبره هذا موجز و فيه غموض ؛ و مع ذلك فإن روايته هذه و الروايات الأخرى لم تذكر أنه أُجري تحقيق مع مروان بأمر من عثمان و بحضور من الصحابة الكرام ، أو بأمر من البغاة و بضغوط منهم .


[1] الطبري : نفس المصدر ، ج 2 ص: 662 .

[2] الطبري: تاريخ الطبري،ج2 ص: 662 .و ابن عساكر : المصدر السابق ج 39 ص: 423.

[3] ابن حجر: الإصابة، ج 4 ص: 458 .و الطبري: نفسه ، ج 2 ص: 667 .

[4] المسعودي: مروج الذهب ، الجزائر، موفم للنشر، ج2 ص: 410 .و ابن العربي: العواصم من القواصم، ص : 86 . و الطبري : التاريخ ، ج2 ص: 664 .و ابن كثير:البداية ، ج 7 ص: 197 .

[5] الذهبي : الخلفاء،ص: 259 .و خليفة خياط : تاريخ خياط، ج 1ص: 147 .

[6] ابن خلدون : المقدمة ،ط5 ،بيروت دار القلم ، 1984 ، ص: 216 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #16  
قديم 02-27-2013, 09:57 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

أفليس من الغريب أن لا يحقق هؤلاء مع مروان و هو المتهم الرئيسي في القضية ؟ ! لماذا رُوي أن عثمان سُئل عن الكتاب و الغلام و لم يذكر أنه أُجري مع مروان تحقيق ؟ إنه كان من اللازم إجراء تحقيق مع مروان و الغلام ؛ و هذا أمر لا يغيب عن الصحابة ،و فيهم العالم و الفقيه ، و القاضي و المحدث .و بما أن المصادر المتوفرة لم تشر إلى إجراء مثل هذا التحقيق مع مروان و الغلام ، فإن الشكوك تزداد في أن تكون حكاية الكتاب مختلقة من أساسها ، أشاعها أناس لهم مصلحة في ذلك .
و هل يعقل أن تذكر بعض الروايات أن مروان بن الحكم كان عند الخليفة عندما تألب عليه الناس و دخل عليه بعض كبار الصحابة[1] و لا تشر إلى رد فعل مروان تجاه ما اُتهم به ؟ فإذا كان من مصلحة البغاة عدم التحقيق مع مروان لكي لا ينكشف أمرهم ، فإنه ليس من مصلحته هو أن يسكت عن التهمة الموجهة إليه ؛ فلا بد أن يدافع عن نفسه وأمامه ثلاثة خيارات ، أولها إن كان الكتاب قد زُوّر عليه ، فسينكر معرفته به و يطالب متهميه بالبينة و عليه هو باليمين .
و ثانيها إن كان هو الذي كتب الصحيفة على لسان عثمان فبإمكانه الإنكار أيضا ،و يطالب خصومه بالدليل المادي القطعي ،و يدفع التهمة عنه بأن الكتاب زُوّر عليه ، ثم يُقسم كاذبا ما زوّر الكتاب ،و لا يجد حرجا في أن يكذب مرة ثانية ، بما أنه قد كذب من قبل على الخليفة ، و هو الداهية الماكر عند خصومه .
و الخيار الثالث هو أن يعترف بخطئه في إقدامه على تزوير الكتاب ،و يُقسم بأنه ما أراد إلا مصلحة الخلافة و الأمة ، لقطع دابر المفسدين ، ثم يطلب العفو أو يتحمل تبعات فعله .
أما أن تسكت الروايات عن رد فعل حقيقي و فعّال لمروان تجاه ما اُتهم به ، فلا الصحابة و عثمان حققوا معه ،و لا دعاة الفتنة طالبوا بذلك ،و لا هو دافع عن نفسه أمام الناس ، فإن في الأمر علامة استفهام كبرى ، تجعلنا نميل إلى براءة مروان بن الحكم ، ونبحث عن طرف آخر كان من وراء تزوير الكتاب .
و مما يبعد التهمة عن مروان ، أنه لا يُعقل أن يرسل الكتاب إلى والي مصر عبد الله بن أبي سرح بمعاقبة رؤوس الفتنة ،و هو يعلم أنه قد غادر مصر على إثر خروج وفد مصر إلى عثمان ؟ و إن قيل أن مروان كان يعلم بخروج ابن أبي سرح ، وإنما زوّر الكتاب و أرسله مع الغلام لترجع الوفود إلي المدينة . فيقال أن هذا مجرد احتمال ضعيف جدا يكذبه الواقع ؛ فمروان ليس له أية مصلحة في خيانة عثمان ، قريبه و ولي نعمته . و ليس له فائدة في تجدد الفتنة التي قد تعصف به و بالأمة كلها .
و إذا افترضنا أن مروان بن الحكم لم يكن يعلم بمغادرة ابن أبي سرح لمصر ، لذا زوّر الكتاب و أرسله إليه ليعاقب رؤوس الفتنة . فإن هذا الاحتمال هو الآخر مستبعد جدا ، لأن ذلك الفعل هو الآخر ليس في مصلحته و مآله إلى الانكشاف و سيؤدي إلى عواقب وخيمة ، فوفد مصر إن عَلِم بأمر الكتاب قبل معاقبتهم فإنهم سيعودون على أعقابهم إلى المدينة .و إن لم يعلموا به و عاقبهم الوالي فإن الأمر سيزداد تعقيدا و خطورة ، فتحدث فتنة بمصر ،و يجتمع الثائرون بمصر و يكاتبون أنصارهم بالكوفة و البصرة و يرجع الجميع إلي المدينة . و هذا احتمال وارد جدا ، لأن الثائرين كانت لهم قيادات منظمة و متعاونة يحركها السبئيون و أعوانهم من الطامعين و الحاسدين لعثمان و عماله[2].
و هل يعقل أن يرسل مروان بن الحكم الكتاب مع غلام ، فيسلك طريق المصريين و يقترب منهم ليكتشفوا أمره ؟ ! إن هذا أمر لا يقدم عليه مروان ، لأنه لا مكسب له فيه ،و مخاطرة جسيمة ت*** عليه سخط الخليفة و الناس ؛ و هو المعروف بالفطنة و الذكاء و الدهاء . فإذا كان ذلك مستبعد في حقه و هو من باب الفرض ، فلا شك أنه لا يقدم عليه و هو يعلم حقا أن ابن أبي سرح قد غادر مصر بالفعل .
و ختاما لما تقدم ذكره يتبين أن الروايات التي اتهمت الخليفة و كاتبه مروان ، بكتابة الصحيفة المزعومة ، هي روايات لم تصح إسنادا و لا متنا ،و أن عثمان بن عفان بريء مما اتهمبه به رؤوس الفتنة ، وأن مروان بن الحكم لم تثبت التهمة في حقه . و أن هناك طرفا ثالثا يكون قد زوّر الكتاب على الخليفة عثمان و كاتبه مروان. فمن هو هذا لطرف ؟ و ما هي الشواهد التي تثبت تورطه في التزوير ؟ .

[1] الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 666 .

[2] أنظر : الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 650 ، 652 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #17  
قديم 02-27-2013, 09:57 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

( ج )الكشف عن مزوري الكتاب :

سنجيب –بحول الله تعالى- عن التساؤلين السابقين فيما يأتي من هذا المبحث ، معتمدين على الأخبار الآتي ذكرها ،و هي بمثابة شواهد ومعطيات مرجحة و هادفة ، تزيد ما تقدم ذكره تبيانا و تحقيقا .
أولها هو أن هناك روايات تطرقت لحكاية الكتاب المزعوم ،و لم تتهم مروان بن الحكم ،و لا غيره بتزوير الكتاب[1].و هذا يعني أن الروايات التاريخية لم تتفق على اتهام مروان بن الحكم بالتزوير . و ثانيها هو أنه توجد بعض الأخبار أشارت إلى أن من أهل المدينة من شك في أمر عودة البغاة إلى المدينة-بعدما غادروها راضين- و تنبّه إلى احتمال وجود مكر و تخطيط مبيتين ؛ فروي أنه عندما رجع هؤلاء قال علي- رضي الله عنه- للكوفيين و البصريين : كيف علمتم بما لقي أهل مصر و قد سرتم مراحل ، ثم رجعتم إلينا ؟ هذا و الله أمر أبرم بالمدينة . فقالوا : ضعوه على ما شئتم لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا[2].
و مما يُثبت وجود ذلك المكر و التخطيط و التزوير ، أنه رُوي أن هؤلاء الأشرار زوّروا كتبا على الصحابة الكرام ، فمن ذلك أنه صحّ[3] الخبر أنه لما استشهد عثمان- رضي الله عنه- و أنكرت عائشة أم المؤمنين قتله ، قال لها مسروق بن الأجدع : (( هذا عملك أنت كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج إليه )) فقالت : (( لا و الذي آمن به المؤمنون ،و كفر به الكافرون ، ما كتبتُ إليهم بسوداء في بيضاء ، حتى جلستُ مجلسي هذا )) ، ثم قال سليمان الأعمش –أحد الرواة- : إنهم كانوا يرون أنه كُتب علي لسانها ))[4] . و في رواية أخرى[5] أن الأشتر النخعي جاء إلى عائشة – رضي الله عنها- و قال لها : (( ما تقولين في قتل عثمان ؟ ، فقالت : معاذ الله أن آمر بسفك دماء المسلمين ، و استحلال حرماتهم و هتك حجابهم)) ، فقال لها الأشتر : (( كتبتن إلينا تأمرننا ، حتى إذا قامت الحرب على ساق ، أنشأتن تنهيننا )) ، فحلفت عائشة بقولها : (( لا و الذي آمن به المؤمنون و كفر به الكافرون ، ما كتبتُ إليهم سوداء في بيضاء في أمر عثمان إلى يومي هذا ))[6] . و هذا يعني أن رؤوس الفتنة كانوا يُزوّرون الكتب على لسان زوجات رسول الله –عليه الصلاة و السلام- و ينسبونها إليهن ، ليستخدموها كوسيلة فعالة في تحريض الناس على عثمان و ولاته ،و إعطاء شرعية لأعمالهم التخريبية ، بدعوى أن الصحابة هم الذين شجّعوهم عليها ،و يُوافقونهم عليها .
و يزيد ذلك تأكيدا و توضيحا الروايات الآتية ، أولها أنه رُوي أن محمد بن أبي حذيفة –لما حل بمصر- كان يُزوّر الكتب على ألسنة زوجات النبي-صلى الله عليه و سلم- ، فكان يُرسل أناسا إلى طريق المدينة ، ثم يُقدمون بالكتب و عليهم آثار السفر ، فيتلقاهم و معه الناس ، و يُنزلهم المسجد و يقرؤون عليهم الكتب –المزوّرة- ،و فيها الشكاية من عثمان و الطعن فيه ، فيضج الناس بالبكاء و الدعاء[7] .
و ثانيها أنه رُوي أن جماعة السبئية و أعوانهم من رؤوس الفتنة ، كانوا يُزوّرون الكتب في عيوب ولاتهم ،و يُرسلونها إلى الأمصار ،و يتبادلونها فيما بينهم ، لينشروا سمومهم بين أكبر عدد ممكن من الناس[8] .

[1] الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 653 ، 662 .و ابن عساكر : المصدر السابق ، ج 39 ص: 423

[2] الطبري : المصدر السابق ،ج2 ص: 653 .

[3] رجاله كلهم ثقات ، و هم : أبو معاوية الضرير ،و سليمان الأعمش ،و خيثمة بن عبد الرحمن ،و مسروق بن الأجدع . انظر : الذهبي : السيّر ج 9 ص: 93،و ابن حجر : النقريب ، ج 1 ص: 254،و تهذيب التهذيب ، ج10ص: 100،و المزي: تهذيب الكمال، ج8 ص: 370 .

[4] ابن سعد : الطبقات ، ج 3ص: 82 .

[5] يبدوا أنها صحيحة الإسناد ، على ما قاله محقق كتاب السنة للخلال ، ج2ص: 340 .و هو قد أشار إلى أنه لم يتوصل إلى معرفة عائشة بنت عمرة أم الحجاج الجدلية ( نفسه ، ج2 ص: 340 ) ، لكن يبدوا أنها صحابية ،-فهي ثقة -، لأن ابن حجر ذكرها في كتابه الإصابة في معرفة الصحابة ج 8ص: 44 . و الرواية في النهاية تتقوى بالرواية الصحيحة السابقة الذكر .

[6] أبو بكر الخلال : السنة ، ج2 ص: 340 .

[7] ابن حجر: المصدر السابق، ج 6 ص: 11 .

[8] الطبري : التاريخ ج 1 ص: 647 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #18  
قديم 02-27-2013, 09:58 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

و ثالثها أنه رُوي أن الأشرار لما ، عادوا إلى المدينة ذهبوا إلى علي بن أبي طالب و طلبوا منه أن يذهب معهم إلى عثمان ، فلما رفض الذهاب معهم قالوا له : لِمَ كتبتَ إلينا : فقال :و الله ما كتبت إليكم كتابا قط . فنظر بعضهم إلى بعض ثم انصرفوا[1].
و بما أن تلك الروايات تُثبت أن الكتب المزوّرة هي من فعل رؤوس الفتنة الذين زوّروها خدمة لأغراضهم الدنيئة المبيتة ، فمن الممكن جدا ،و من المُرجح أن الكتاب المزوّر على عثمان ،و المتهم به مروان بن الحكم، هو من فعل هؤلاء الأشرار المتخصصين في تزوير الكتب .

و الشاهد الثالث هو أن موقف عثمان بن عفان من مروان بن الحكم ، في عدم اتخاذه لأي إجراء حازم و رادع لتأديبه و معاقبته ، هو دليل قوي على أن التهمة لم تثبت على مروان ؛ فعثمان صحابي جليل كبير القدر لا يُتهم بالتهاون في تطبيق الشرع ، فلو ثبت الجرم على كاتبه مروان لأتخذ ضده إجراء حازما و رادعا ، كما اتخذه مع أخيه من الرضاع : الوليد بن عقبة ، فعندما شهد عليه شاهدان بشرب الخمر ، أقام عليه الحد و عزله عن ولاية الكوفة[2].
و الرابع هو أن في تفاصيل حكاية الكتاب المزعوم ، غرائب و مضحكات و اختلافات ، تبعد التهمة عن مروان و تلقيها على طرف آخر . فمن ذلك أنه رُوي أن الغلام الذي وجد عنده الكتاب هو غلام لعثمان على جمل لعثمان .و قيل أنه على جمل من إبل الصدقة .و قيل أنه رجل على جمل[3]. و قيل عن الغلام أنه أسود .و قيل أنه اسمه : مدس .و قيل أن المبعوث هو : أبو الأعور بن سفيان السلمي[4].
و قد بحثتُ عن غلام لعثمان اسمه مدس فلم أعثر له على أثر . كما أن أبا الأعور السلمي لم يكن غلاما لعثمان ، وإنما هو من أعيان الناس تأمّر على جيش الشام في غزوة عمورية سنة 23ه ،و غزا قبرص سنة 26 هجرية ،و كان مع جيش الشام في موقعة صفين[5].
و أما عن حالة الغلام يوم وجده المصريون ، فرُوي أنه كان يتعرض لهم ثم يفارقهم ، ثم يرجع إليهم ثم يفارقهم ، مما أثارهم فأمسكوا به .و قيل أنه مر بهم مسرعا فأوقفوه .و قيل أنه مر بهم فوجدوا عنده الكتاب[6] . و قيل أنه مر بهم فأنكروه و استخرجوا منه الصحيفة[7]. و قيل أنه لحق بهم و هو على بعير يخبط (( خبطا كأنه يَطلب أو يُطلب )) فسألوه : ما قضيتك ،و ما شأنك ، هارب أو طالب ؟ فقال : أنا غلام من أمير المؤمنين وجهني إلى عامل مصر[8].

و قيل في رواية أخرى أن المصريين اعترضهم رجل على جمل يسير بأعلى الطريق بين النخيل ، فشكوا فيه و فتشوه فوجدوا عنده الكتاب[9].و قيل أن أبا الأعور السلمي لما لحق بالمصريين سألوه – عندما رأوه على جمل عثمان- : أمعك كتاب ؟ قال : لا . فقالوا له : فيم أُرسلت ؟ قال : لا علم لي . فقالوا له : ليس معك كتاب ،و لا علم لك ، إن هذا لمريب ! ففتشوه فوجدوا عنده الكتاب[10].
و منها أيضا ، موضوع محتوى الكتاب ، فقد تضاربت الروايات في تحديده ؛ فرُوي أنه نصّ على أنه لولي مصر حرية التصرّف في معاقبة جماعة من المصريين ، بين القتل و الصلب ،و قطع الأيدي و الأرجل .و قيل نصّ على الأمر بالقتل و القطع و الصلب[11] . و قيل فيه الأمر بالقتل فقط . و قيل أن فيه: قتل بعضهم ،و عقوبة آخرين في أنفسهم و أموالهم[12]. و في روايات أخرى نصّ الكتاب على قطع الأيدي و الأرجل .و قيل قتل بعضهم و صلب آخرين[13].و قيل القطع و الصلب .و قيل القتل و الصلب .و قيل القتل و القطع[14] .
و روي في أخبار أخرى أن في الكتاب أمر بضرب أعناق من ألب على الخليفة عثمان بن عفان .و قيل أن فيه القتل و إبطال الكتاب الذي مع وفد مصر .و قيل الجلد 100 جلدة ،و حلق الرأس و اللحية ، مع إطالة الحبس حتى يأتي أمر الخليفة .و قيل قطع الأيدي و الأرجل فقط[15]. و قيل في خبر آخر، الحبس و حلق الرأس و اللحية و صلب بعضهم .و قيل القتل و إبطال الكتاب ، و حبس من يأتي إلى عثمان يتظلم من والي مصر[16] .

[1] نفس المصدر ، ج2 ص: 656 .

[2] الطبري : المصدر السابق ، ج 2ص: 608 .

[3] نفس المصدر ، ج 2 ص: 664، 665 ، 666 ، 667 .و ابن طاهر المقدسي : المصدر السابق ، ج 5 ص: 204-205 .و المسعودي: المصدر السابق ج 2ص: 410 .و ابن عساكر: المصدر السابق ، ج39 ص: 224 .

[4] ابن الأثير : الكامل في التاريخ ، ج 3 ص: 59 . الطبري : المصدر السابق ج2 ص: 662 .و ابن طاهر المقدسي : البدء ، ج5 ص: 202 .و ابن عساكر : المصدر السابق ج 39 ص: 416 ، 417 .

[5] ابن عبد البر : الاستيعاب ، حققه علي محمد البجاوي ، ط1 ، بيروت دار الجيل ، ج1412 ، ج3 ص: 1178، 1179 .و ابن حجر : المصدر السابق ، ج 4ص: 641 .

[6] خليفة خياط : المصدر السابق ، ج1 ص: 146 .و الطبري : المصدر السابق ج 2 ص: 656، 665 .و الذهبي : الخلفاء الراشدون ، ص: 270 .و ابن طاهر المقدسي : المصدر السابق ، ج 5 ص: 202

[7] اليعقوبي : تاريخ اليعقوبي ، ج2 ص: 174 .

[8] ابن عساكر : المصدر السابق ، ج39 ص: 416 .

[9] نفس المصدر ، ج39 ص: 423 .

[10] الطبري : المصدر السابق ج2 ص: 662 .

[11] نفس المصدر ، ج2 ص: 656 ، 666 ، 667 .و خليفة خياك : المصدر السابق ، ج1 ص: 146 .

[12] الطبري : نفس المصدر ، ج2 ص: 653 ، 662 .

[13] ابن عساكر : المصدر السابق ، ج 39 ص: 423 .و اليعقوبي : المصدر السابق ، ج2 ص: 174 .و الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 662 .

[14] المسعودي : المصدر السابق ، ج2 ص: 410 .و ابن العربي : المصدر السابق ، ص: 96 .و الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 665

[15] اليعقوبي : المصدر السابق ، ج2 ص: 1123 .و الذهبي : الخلفاء ، ص: 270 .و الطبري : نفس المصدر ، ج2 ص: 655 ، 665 .و ابن طاهر المقدسي : المصدر السابق ، ج5 ص: 202 .

[16] ابن الأثير : المصدر السابق ، ج 3 ص: 59 .و ابن عساكر : المصدر السابق ، ج39 ص: 417 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #19  
قديم 02-27-2013, 09:58 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

و أما الذين يعاقبون ، فإن معظم الروايات لم تحددهم ، و التي ذكرتهم هي الأخرى اختلفت في تعيينهم ، فمنها رواية نصت على قتل جماعة من المصريين ، حددت منهم محمد بن أبي بكر فقط .و في أخرى أن الكتاب نصّ على قطع و قتل أكثر جيش وفد مصر[1]. و في أخرى أمر بالجلد ،و حلق الرأس و اللحية في حق أربعة أشخاص، و هم : عبد الرحمن بن عديس ،و سودان بن حمران ،و عروة بن النباغ الليثي ،و عمرو بن الحمق[2] .
و تعقيبا على ذلك أقول : إن ما ذكرته الروايات عن الغلام و مركوبه هو أمر غريب و متناقض لا يُقبل ، فهي لم تتفق على الجمل أهو لعثمان ، أم هو من إبل الصدقة ؟ . و اختلفت أيضا في ذكر الهيئة التي كان عليها المبعوث عندما وجده المصريون . كما أنها لم تقدم لنا تفسيرا مقنعا عن الحركات البهلوانية التي كان يقوم بها الغلام ؛ فإذا كان مروان هو الذي أرسله بالكتاب إلى والي مصر ليضرب على أيدي البغاة ، فلا ريب أنه سيتخذ طريقا مغايرا لطريقهم ، ليسبقهم و لا يكتشفونه .و هذا هو الذي يتفق مع منطق التاريخ في مثل هذه الظروف ، لا أنه يسير في طريقهم ثم يقترب منهم و يعترضهم ، فهذا أمر لا يستساغ ، إلا إذا كان الغلام يمثل دورا في مسرحية خَطط لها مسبقا أعداء الخليفة و كاتبه .
و هل يُعقل أن مروان بن الحكم- الذي يصفه خصومه بالمكر و الدهاء- يخاطر بتزوير كتاب على الخليفة ثم يبعثه مع غلام يسلك ذلك الطريق ، و يصدر تلك الحركات البهلوانية ؟ إن المكر و الدهاء ،و التخطيط المحكم ، و المصلحة كل ذلك يقتضي إرسال شخص محنك غير مشبوه ، على مركوب غير ُممَيز ، لكي لا يُثير في الناس أدنى شبهة حوله ،و يتمكن من أداء مهمتة الاستعجالية في ظروف غير عادية ، إذا اُكتشف أمره فيها سيؤدي إلى حدوث فتنة لا تحمد عقباها .
لكن الذين أرسلوا ذلك الغلام البهلواني ليُمثل الدور الذي كُلّف به ، هم ليسوا بأغبياء لأن هدفهم هو إثارة العوام ،و إقناعهم بأدلة ظاهرها صحيح ليُرجعوهم إلى المدينة ناقمين على عثمان و أعوانه ؛ لكنهم مع ذلك لم يحبكوا للقصة تفاصيلها ،و لم يملئوا فجواتها .
و مما يُثير الغرابة في أمر الغلام ، أن الروايات التي ذكرت أنه هو الذي حمل الكتاب ، لم تشر من قريب و لا من بعيد إلى أن الخليفة و الصحابة حققوا معه ليسمعوا منه تفاصيل الحكاية ،و ليعرفوا من أرسله ؛ و هذا أمر في غاية الأهمية يجب ألا يغيب عنهم . لأن سر القضية عنده ، هو الشاهد الوحيد فيها . و حتى الذين زعموا أنهم و جدوه متجها إلى مصر لم تذكر الروايات أنهم استشهدوا بأقواله ! و شهادته أقوى و أولى من الكتاب المزوّر . فهل يُعقل أن يُهمل الغلام من الجانبين ،و مفتاح القضية و سرها عنده ؟ ! ألا يشير ذلك إلى أن حكاية الغلام من الراجح جدا أنها مختلقة من أساسها ، اتخذها رؤوس الفتنة ذريعة للعودة إلى المدينة و حصار عثمان وفرض شروطهم عليه ؟ .
و أما ما ذكرته الروايات عن محتوي الكتاب فهو في غاية الاضطراب و التناقض ،و فيه تباين كبير في أنواع العقوبات ، فشتان بين القتل و الحلق،و بين القطع و الحبس ، وبين الصلب و الجلد ! ألا يثير هذا الغرابة و الضحك ؟ و هل يُعقل أن يكتب مروان بن الحكم -المتهم بالتزوير- كتابا واحدا ثم تختلف محتوياته هذا الاختلاف الكبير؟ ! و ألا يدل ذلك على أن المزوّرين قد كتبوا عدة كتب متباينة المحتوى ، ثم أرسلوها إلى الوفود ليرجعوا إلى المدينة ؟ و ألا يكون الكتابان اللذان زُوّرا على عثمان و علي-رضي الله عنهما- هما من بين تلك الكتب المزوّرة ؟ .
و أشير هنا إلى أن اختلاف الروايات في الغلام و اسمه و مركوبه ، و تباينها الكبير في محتوي الكتاب ، يدل بالتأكيد على أحد أمرين أو كليهما معا ، أحدهما هو أن المزورين قد كتبوا مجموعة كتب و أرسلوها مع أكثر من شخص .و ثانيهما أن تلك الروايات قد تعرّضت للتلاعبات و التحريفات على أيدي الرواة .
و الشاهد الخامس هو أن الوفود الثلاثة التي غادرت المدينة عادت إليها في وقت واحد ، لذا أنكر عليهم علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- ذلك و قال لهم : هذا و الله أمر أبرم بالمدينة[3]. لأن رجوعهم هذا مشبوه ، فكيف يرجعون في وقت واحد ، بعدما ساروا أياما ؟ فاتجه وفد مصر ناحية الشمال الغربي ، و اتجه وفدا الكوفة و البصرة ناحية الشمال الشرقي .
و ربما يقال أن المصريين لما اكتشفوا الكتاب أرسلوا إلى الكوفيين و البصريين فاخبروهم بالأمر ،و انتظروهم حتى رجعوا و دخلوا المدينة معا .لكن هذا الاحتمال يسقطه ما قالته طائفة من هؤلاء لعلي بن أبي طالب ، بأنه وصلهم كتاب من عنده دعاهم فيه بالعودة إلى المدينة ، فأقسم لهم بأنه لم يكتب كتابا قط . فالذي ردّ هؤلاء إّذن ليس الاحتمال المفترض ،و إنما ردهم ما وصلهم من كتب مزوّرة على لسان علي و مروان و غيرهما .
و مما يُرجّح أن الأمر قد دُبر بالمدينة بعد عودة البغاة إلى بلدانهم ، أنه رُوي أن اثنين من رؤوس الفتنة قد تخلفا بالمدينة و لم يخرجا مع الوفود ، و هما : الاشتر بن مالك النخعي ،و حكيم بن جبلة[4] . فلماذا تخلفا بالمدينة و لم يرجعا مع الوفود ؟ فتخلفهما هذا فيه ما يشير إلى أنهما تخلفا لتزوير الكتب و إرسالها إلى الوفود ليعودوا إلى المدينة لتجديد الفتنة[5].

[1] ابن كثير : المصدر السابق ج 7 ص: 174-175 .

[2] الطبري : المصدر السابق ، ج 2ص : 655 .

[3] الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 653 .

[4] نفس المصدر، ج2 ص: 666 .

[5] ابن العربي: العواصم ، ص: 96 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #20  
قديم 02-27-2013, 09:59 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

و الشاهد السادس هو أن الذين زوّروا الكتاب على الخليفة و كاتبه كانوا يخدمون مصالحهم أولا وأخيرا ، لكن ليس لعثمان و مروان مصلحة في كتابة الصحيفة و إرسالها إلى والي مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح ، لأن فعلهما هذا يجدد الفتنة و لا يقضي عليها . و بناء على ذلك فإن التزوير الذي حدث لا يخدم إلا مصالح رؤوس الفتنة الذين أخفقوا في تحقيق غايتهم بعدما عاد أتباعهم إلى بلدانهم ، مما دفعهم إلى ضرورة التحرك و التخطيط و السعي لإعادتهم إلى المدينة و إشعال الفتنة من جديد .
و الشاهد السابع هو أن الروايات التي تناولت قضية الكتاب المزوّر على عثمان- رضي الله عنه- قد تعرضت –ككثير من الروايات- للتلاعبات و التحريفات ،و احتوت على أباطيل و معلومات خاطئة ، بفعل الجهل و الكذب المتعمد ، الأمر الذي يحتم علينا نقدها و تمحيصها قبل الأخذ بها .
فمن ذلك أنني في بحثي هذا لم أعثر على أية رواية تناولت قضية الكتاب المزوّر على عثمان و لها إسناد صحصح . و في بعضها أخطاء مكشوفة ، كالتي ذكرت أن الوفود لما قدمت على عثمان بعث إليها عمرو بن العاص-رضي الله عنه- ، فذهب إليهم و تواطأ معهم على عثمان ، فلما سمع به و وّبخه ، طلّق عمرو زوجته أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ،و هي أخت عثمان لأمه ،و التحق بفلسطين[1] . و هذا خبر مكذوب مفضوح ، لأن عمرو بن العاص تزوّج أم كلثوم بعدما توفى عنها زوجها عبد الرحمن بن عوف-رضي الله عنه- الذي توفي سنة 32هجرية ، فمكثت عنده- أي عند عمرو- شهرا ثم ماتت[2] .

و منها أيضا أن نفس الرواية السابقة ذكرت أن الوفود التي جاءت إلى الخليفة عثمان (سنة 35ه) تشتكي إليه ولاّته ، ذكرت منهم أمير الكوفة الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، من أنه يشرب الخمر و يخرج إلى الناس مخمورا [3] . و الخطأ هنا هو ذكر الوليد بن عقبة في هذه الحادثة و في هذه السنة بالذات-أي 35هجرية- ، لأن هذا الرجل كان عثمان بن عفان –رضي الله عنه- قد عزله عن إمارة الكوفة سنة 30ه و عوّضه بسعيد بن العاص[4].
و منها أيضا أن رواية زعمت أن المصريين لما رجعوا بالكتاب إلى الخليفة عثمان كان معهم محمد بن أبي حذيفة و هو من بين الذين شاركوا في قتل عثمان[5] . و هذا كذب مفضوح و خطأ بيّن ، إذ من الثابت تاريخيا أن محمدا هذا بقي بمصر لما خرج وفدها إلى المدينة ، و تمكّن من التغلب عليها-أي مصر- لما غادرها أميرها عبد الله بن سعد بن أبي سرح[6] .
و أشير هنا إلى أنه إذا كان كثيرا من العلماء قد صدّقوا البغاة في اتهامهم لمروان بتزوير الكتاب ، فإن بعضهم لم يُسلّم بذلك و اتهم هؤلاء البغاة بالتزوير . فالمؤرخ عبد الرحمن بن خلدون قال عنهم : إنهم رجعوا إلى المدينة و (( قد لبسوا بكتاب مدلس يزعمون أنهم لقوه في يد حامله إلى عامل مصر ))[7] .و برّأ الباحث محب الدين الخطيب مروان من تهمة التزوير و حمّل دعاة الفتنة ، كالأشتر النخعي و حكيم بن جبلة ، مسؤولية تزوير الكتاب[8] .
و عدّ الباحث محمد الصادق عرجون قصة الكتاب بتفاصيلها أسطورة للتسلية افتراها السبئيون ، و هي لا تخرج عن فرضين ، الأول أنها حكاية مختلقة من أساسها افتعلها الثوار بالمدينة ثم تصايحوا بها .و الثاني أن الكتاب الذي وُجد مع الغلام هو من فعل الثائرين الذين زوّروا و سرقوا جملا من إبل الصدقة ،و أغروا غلاما لعثمان أو لمروان ،و أرسلوه ليقطع طريق وفد مصر[9].
و ختاما لما ذكرناه في هذا المبحث، يتبين لنا أن الشواهد و المعطيات السبعة التي أوردناها سردا ،و تحليلا ،و مناقشة ، قد كشفت بالأدلة المتنوعة القوية ، أن الكتاب لم يكتبه الخليفة عثمان ،و لم يزوّره كاتبه مروان ، و إنما هو من فعل رؤوس الفتنة الأشرار الثائرين على الخليفة الشهيد عثمان بن عفان .

[1] ابن عساكر : تاريخ دمشق ، ج39 ص: 423 .

[2] ابن عبد البر : المصدر السابق ، ج4 ص: 1954 . المزي : المصدر السابق /، ج35 ص: 382 .و ابن حجر : تهذيب التهذيب ، ط1 بيروت ، دار الفكر ، 1984 ، ج2 ص: 627 .و ابن سعد : المصدر السابق ، ج8 ص: 230 .و ابن الجوزي : صفة الصفوة ، ج23 ص : 55 .

[3] ابن عساكر : المصدر السابق ج 39 ص: 423 .

[4] الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 608 .

[5] اليعقوبي : المصدر السابق ، ج2 ص: 175-176 .

[6] ابن كثير : المصدر السابق ، ج7 ص: 351 .و الذهبي : سير أعلام النبلاء ، ج3 ص: 33 .و الخلفاء الراشدون ، ص: 318 .و الطبري : المصدر السابق ، ج2 ص: 657-658 .

[7] ابن خلدون : المصدر السابق ، ص : 216 .

[8] ابن العربي : المصدر السابق ، ص: 96 .

[9] محمد الصادق عرجون : عثمان بن عفان ، ط2 الرياض ، الدار السعودية ، 1988 ، ص: 122 ، 125 ، 126 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
  #21  
قديم 02-27-2013, 09:59 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,413
افتراضي

ثالثا :قتل الأشرار للخليفة عثمان بن عفان :
يُروى[1] أن الأشرار لما عادوا إلى المدينة ساخطين على عثمان ، متذرعين بالكتاب المُزوّر و هم مزوروه- طلب عثمان الأشتر النخغي ليسأله عن مطالب أصحابه الثائرين، فأخبره أنهم يطلبون منه الاعتزال ، أو الاقتصاص من نفسه ، أو القتل ، فأبى عثمان الاستجابة لأي من ذلك ، فخرج الأشتر إلى أصحابه و أخبرهم بما جرى[2] ؛ فأصروا على مطالبهم و استمروا في تهديداتهم و مضايقاتهم لعثمان رضي الله عنه- ، ثم حاصروه و منعوه من الخروج مدة تراوحت ما بين : 22-49 يوما[3] .
و يُروى أنهم تسوّروا جدارا و اقتحموا عليه داره في 14 رجلا ، من بينهم محمد بن أبي بكر الذي أخذ بلحية عثمان و جذبه ،و قال له : ما أغنى عنك معاوية ، ما أغنى عنك ابن عامر-أحد ولاته- ، ما أغنى عنك كُتبك )) ، ثم استدعى رجلا من الذين كانوا معه ، فقام إلى عثمان بمشقص- نصل حديدي- و ضربه به على رأسه ، ثم تعاونوا عليه حتى قتلوه شهيدا رضي الله عنه- ، و كان ذلك في شهر ذي الحجة، سنة 35 هجرية[4] . فمن الذي قتله ؟ ،و من الذين شاركوا في قتله ؟ ،و هل صحيح أن محمد بن أبي بكر لم يُشارك في قتله ؟ .
لقد اختلفت الروايات التاريخية في تعيين القاتل باسمه اختلافا كبيرا ، فبعض الروايات ذكرت ثمانية أشخاص كل منهم اتهم بقتله ،و في روايات أخرى أن سبعة أشخاص شاركوا و أعانوا على قتله[5] ، و في أخرى أن قتل عثمان تمّ جماعيا من دون تمييز للقاتل[6] .
لكن الخبر قد صح أن أهل مصر هم الذين قتلوا الخليفة الشهيد عثمان بن عفان[7] رضي الله عنه- ، فمن منهم قاتِله ؟ ، أشهر المصريين المتهمين بقتله ثمانية ، و هم : سودان بن حمران، و رومان بن وردان، و سودان بن رومان المرادي، و نهران الأصبحي، و محمد بن أبي بكر، و كنانة بن بشر ،و محمد بن أبي حذيفة، و جبلة بن الأيهم .
فبخصوص الأول أي سودان بن حمران- فقد ذكر الطبري روايتين مفادهما أن سودان كان من بين الذين دخلوا على عثمان ،و اعتدوا عليه ،و هو الذي قتله[8] . لكن الروايتين غير صحيحتين لأن إسناديهما ضعيفان[9] . و تردهما أيضا روايات صحيحة الأسانيد ،و أخرى ضعيفة[10] . و أما قول الذهبي من أن قاتل عثمان هو سودان بن حمران[11] ، فهو مجرد رأي يحتاج إلى إثبات ، و هو لم يذكر له إسنادا ،و لا تحقيقا .
و أما الثاني أي رومان بن وردان، فقد روى ابن عساكر، أن وردان كان من بين الذين دخلوا على عثمان ، و هو الذي ضربه بحديدة على صدغه فقتله[12] . و خبره هذا هو الآخر لا يصح ، لأن إسناده ضعيف[13] ، و ترده روايات أخرى آت ذكرها .
و بالنسبة للثالث أي سودان بن رومان- ، فقد روى كل من ابن حبان و ابن عساكر أن سودان بن رومان هو قاتل عثمان[14]. لكن خبرهما هذا لا يصح ، لأن ابن حِبان لم يذكر له إسنادا، و إسناد ابن عساكر فيه إرسال ، لأن راويه لم يكن شاهد عيان لما رواه[15] ،و لأن روايات أخرى تخالفه[16] .
و أما الرابع أي نهران الأصبحي- فقد روى ابن جرير الطبري أنه هو الذي قتل الشهيد عثمان بن عفان[17] . و خبره هذا لا يصح ، لأن إسناده مرسل[18] ،و تخالفه الروايات السابقة و اللاحقة .
و أما الخامس أي محمد بن أبي بكر- فقد قيل الكثير عن دوره في قتل عثمان رضي الله عنه- و قد عثرتُ على 12 رواية ذكرت دوره في ذلك ، و قد قال الحافظ ابن كثير أن الصحيح في دور محمد بن أبي بكر في قتل عثمان ، أنه ليس هو الذي قتله ، لأنه دخل عليه ، ثم عندما كلّمه عثمان ندم و تركه و خرج[19] . فهل ما قاله صحيح تؤيده الروايات التاريخية ؟ .

أولا لم أجد من بين الروايات التي جمعتها رواية واحدة نصت صراحة على أن محمد بن أبي بكر هو الذي قتل عثمان بيده ، ما عدا واحدة صحيحة الإسناد ذكرته من بين جماعة قالت أنه من قتلة عثمان[20] .
و ثانيا أن سبع روايات برّأت محمد بن أبي بكر من قتل عثمان ، من بينها أربع روايات صحيحة الأسانيد[21] ، ذكرت أن محمدا دخل على عثمان و شدّه من لحيته ، فلما كلّمه عثمان و أنّبه ،و قال له : (( أخذت مني مأخذا ، و قعدت مني مقعدا ، ما كان أبوك ليقعده )) ، تركه و خرج[22] .
و أما الروايات الثلاث الأخرى ، فهي ضعيفة الأسانيد ، و ذكرت ما قالته الروايات الصحيحة السابقة في تبرئة محمد بن أبي بكر من القتل[23]، وبذلك فهي تتقوى بالصحيحة .

[1] هذا الخبر رواته ثقات ، ما عدا وثاب ، فلم يُجرحه و لا عدله أحد .( الهيثمي: مجمع الزوائد ، ج 7 ص: 231 ) ، و هذا الخبر من أقرب الروايات –التي عثرت عليها- إلى الصحة .

[2] نفسه ، ج 7 ص: 231 .

[3] الطبري: المصدر السابق، ج2 ص: 668 .و الذهبي: الخلفاء الراشدون، ص : 268 .

[4] الهثمي: المصدر السابق، ج 7 ص: 231 . و الطبراني : المعجم الكبير ، ج1 ص: 81-82 . و الحاكم : المستدرك ، ج 3 ص: 102

[5] سيأتي ذكر تلك الروايات قريبا .

[6] الهيثمي: المصدر السابق، ج 7 ص: 231 .و ابن سعد : الطبقات الكبرى، ج 3 ص: 73، 74 .

[7] الهيثمي: نفس المصدر، ج 9 ص: 93 .و خليفة خياط: تاريخ خليفة خياط،حقهه أكرم العمري ، دمشق ، دار القلم، 1397،ج 1 ص: 175 .

[8] تاريخ الطبري، ج 2 ص: 676، 677 .

[9] من رجال الأولى : سيف بن عمر التميمي ، و الثانية من رجالها : محمد بن عمر الواقدي ، و هما ضعيفان . الذهبي: الميزان ، ج 3ص: 184، 353 .

[10] سيأتي ذكرها تباعا .

[11] تذكرة الحفاظ ، ج1ص: 9 .

[12] تاريخ دمشق ، 39، ص: 429، ج 56 ص: 275 .

[13] من رجاله : سهم أبو حنيس ، و هو مجهول . البخاري: التاريخ الكبير، ج 4 ص: 193 .

[14] الثقات، ج 2 ص: 264.و تاريخ دمشق، ج 39ص: 412 .

[15] أرسله عبد الله بن أبي عبد الله المعروف بان جرول ، لأنه لم يكن شاهد عيان لحادثة قتل عثمان ، لأنه ولد بعد استشهاده .ابن عساكر: نفس المصدر، ج 27ص: 244 و ما بعدها .

[16] كالتي سبق ذكرها ،و الآتية لاحقا .

[17] تاريخ الطبري، ج 2 ص: 687 .

[18] لأن راويه يزيد بن أبي حبيب المصري ،و هو لم يكن شاهد عيان لما رواه ، لأنه ولد سنة 55ه، و عثمان قُتل سنة 35ه . المزي : تهذيب الكمال، ج 32 ص: 106 .

[19] البداية و النهاية، ج 7 ص: 185 .

[20] الهيثمي: مجمع الزوائد، ج 9 ص: 97 .و الطبراني: المعجم الكبير، ج 1 ص: 88 .

[21] الأولى رواها ابن عبد البر ،و رجالها هم : أسد بن موسى الأموي،و محمد بن طلحة بن مصرف، و كنانة مولى صفية ،و ههؤلاء ثقات .( الذهبي: السير، ج 10ص: 162، 163 .و احمد العجلي: معرفة الثقات، ج 2 ص: 241، 228 . و ابن عبد البر: الاستيعاب، ج ج3 ص: 1046 . ) و الرواية الثانية، رواها خليفة خياط ،و رجالها هم : أبو المعتمر سليمان ، ،و ابنه المعتمر ، و أبو نصرة، و هؤلاء ثقات . ( ابن حبان : االثقات، ج 7 ص: 522.و الهبي: اسير، ج 4 ص: 354 .و الميزان، ج 6 ص: 515 . ) و الثالثة رواها إسحاق بن راهويه ، و رجالها بين ثقة و صدوق،و مقبول . ( إسحاق بن راهويه: مسند إسحاق بن راهويه ، حققه عبد الغفور البلوشي، ط1، المدينة المنورة، مكتبة الإيمان 1991، ق: 4-5 ، ج1ص: 262 ) .و الرابعة ذكرها الهيثمي ، رجالها ثقات على ما قاله الهيثمي: مجمع الزوائد ، ج 7 ص: 231 .

[22] ابن عبد البر: الاستيعاب، ج 3 ص: 1046 .و خليفة خياط: تاريخ خليفة، ج 1ص: 175 .و إسحاق بن راهويه : المسند ق: 4- ج1ص: 262 .و الهيثمي: المصدر السابق، ج 7 ص: 231 .

[23] انظر: خليفة خياط: المصدر السابق، ج 1 ص: 175.و ابن عساكر: تاريخ دمشق، ج 39 ص: 427 .و الطبري: تاريخ الطبري، ج 2 ص: 674،676 .
__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الثورة, الخليفة, الشهيد, الفتنة, رؤوس, على, عثمان, عفان


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع رؤوس الفتنة في الثورة على الخليفة الشهيد عثمان بن عفان
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
على درب زيد وعبدالله وجعفر ..مؤتة تقدم الشهيد تلو الشهيد Eng.Jordan الأردن اليوم 0 03-03-2016 11:27 AM
بين موقف عثمان بن عفان وموقف الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 07-20-2013 06:14 AM
تحميل كتاب سيرة ذي النورين عثمان بن عفان Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 0 12-30-2012 02:35 PM
وقفة مع عثمان بن عفان رضي الله عنه جاسم داود شذرات إسلامية 0 02-24-2012 12:28 AM
الفتوحات الإسلامية في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه احمد ادريس شذرات إسلامية 0 01-26-2012 01:50 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:47 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59