#1  
قديم 11-10-2013, 03:38 PM
الصورة الرمزية جاسم داود
جاسم داود غير متواجد حالياً
متميز وأصيل
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: سوريا
المشاركات: 1,456
سؤال الأخلاق تصنع الأعاجيب


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأعزاء الكرام


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجهم، واهتدى بهداهم إلى يوم الدين وبعد:

الأخلاق تصنع الأعاجيب

إن النفس أياً كانت ومهما بلغت من الانحلال والفساد والتجبر والعناد فإن فيها خيراً كثيراً قد لا تراه العيون أول الأمر، فقط شيء من العطف على أخطائهم، وشيء من الود الحقيقي لهم، وشيء من العناية بهم.
لنحاول أيها الإخوة! تلمس الجانب الطيب في نفوسهم، ابدأهم بالسلام، ابتسم لهم، اثن على الخير الذي فيهم، وقبل ذلك كن صادقاً ومخلصاً غير متصنع ولا مجامل، عندها ستتفجر ينابيع الخير في نفوسهم، وسيمنحوك حبهم وثقتهم مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك، ولقد جُرِّب ذلك كثيراً.
أذكر أنني قابلت أحد هؤلاء، فسلمت وابتسمت وأثنيت على صفة طيبة فيه، وأنا صادق، فلن يعدم إنسان مزية حسنة تكون مفتاحاً لقلبه، فانكشف لي قلب لين رقيق سرعان ما سالت دمعات على وجه تلطخ بسواد المعصية والشهوة، وكان قد شكا جفاء بعض الناصحين وتعجلهم عليه.

أيها الإخوة! كم نخطئ عندما نحكم على الآخرين بمجرد النظر للظاهر.

فهذا عمرو بن العاص يحدث عن نفسه فيقول: [ لقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً لرسول الله مني، ولا أحب إليّ أن أكون قد استمكنت منه فقتلته ] وبعد أن أسلم وعرفه عن قرب، انقلب الحال فقال: [ وما كان أحد أحب إليّ من رسول الله، ولا أجل في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالاً له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه ] كما في صحيح مسلم .
إننا نظلم أنفسنا ونظلم الآخرين عندما نحقد على هؤلاء ونتخوف منهم، والحل هو: أن تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف على الآخرين، والصبر عليهم، وباختصار: إنها الأخلاق وفن التعامل مع الناس.
يا أهل القرآن! ألم نقرأ في القرآن قول الحق عز وجل: { وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً } [البقرة:83]؟ ألم نقرأ قول الحق: { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ } [الإسراء:53]؟ في الآية الأولى: (قولٌ حسن) وفي الثانية: (أحسن) فأين نحن من قول الحسن فضلاً عن قول أحسن الحسن ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) كما في صحيح مسلم ؟!
فإن كانت الرحمة والإحسان تصل إلى هذه الدرجة من الرفق، وحسن التعامل حتى مع الحيوان، فكيف بالرحمة والإحسان مع بني الإنسان؟

قال أحد الإخوة: في موسم للأمطار وأنا على سيارتي مررت بغدير ماء لم أنتبه له، فتراشقت المياه على الجانبين، كان النصيب الأكبر منها لشباب جلسوا على عتبة أحد الأبواب، ويا ليت شعري لو رأيت حالهم وقد تبدلت، فالثياب البيضاء كأنها سوداء، والشعرات السوداء خضبت بالطين والماء، فرجعت إليهم، يقول: ولم أنتبه إلا على أصوات السب واللعان، ومناداتي للرفس والطعان، يقول: فرجعت إليهم مسلماً معتذراً متأسفاً، فيا سبحان مقلب القلوب! تحول السب واللعان إلى ترحيب وسلام، ودعوة إلى الطعام، بل إلى إخاء ووئام.

انتهى كلامه.


فيا أيها الأحبة! أقول باختصار: إنها الأخلاق تصنع الأعاجيب، نخطئ كثيراً عندما نعتزل بعض الناس؛ لأننا نشعر أننا أطهر منهم روحاً، أو أطيب منهم قلباً، أو أزكى منهم عقلاً.
قال رجل لـ عبد الله بن المبارك : عظني، قال ابن المبارك : [ إذا خرجت من منزلك، فلا يقعن بصرك على أحد إلا رأيت أنه خير منك ].
(وليس معنى هذا أن نتخلى عن مبادئنا ومثلنا السامية، أو نتملق أو نجامل، لا. ولكنها الحكمة والموعظة الحسنة وفن التعامل مع الآخرين).

أيها المحب!
انظر لفن التعامل ومحاسن الأخلاق ماذا تفعل؟ هذا عكرمة بن أبي جهل ورث عداوة الإسلام عن أبيه، وقاتل المسلمين في كل موطن، وتصدى لهم يوم فتح مكة ، ثم فر إلى اليمن ، بعد أن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، فتأتي زوجه أم حكيم بعد إسلامها لرسول الله تطلب الأمان لزوجها فيقول لها -بأبي هو وأمي- صلى الله عليه وسلم ( هو آمن ) ويقول لأصحابه: ( يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمناً مهاجراً، فلا تسبوا أباه؛ فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت ) فيأتي عكرمة بين يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيقول عكرمة : [ أشهد أن لا إله إلا الله وأنك عبده ورسوله، وأنت أبر الناس وأصدق الناس وأوفى الناس، أما والله يا رسول الله! لا أدع نفقةً كنت أنفقها في الصد عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قاتلت قتالاً في الصد عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله ].

لمسة حانية من نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم نقلت ابن فرعون هذه الأمة إلى صف أولياء الرحمن، وجعلته يندم هذا الندم، ويعزم هذا العزم، ويتحول هذا التحول، إنها الأخلاق تصنع الأعاجيب!


دمتم برعاية الله وحفظه
من دروس الشيخ ابراهيم الدويش


المصدر: ملتقى شذرات

__________________

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الأخلاق, المعايدة, تصنع


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الأخلاق تصنع الأعاجيب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
طهران تزيل الشعارات المعادية لأميركا من شوارعها Eng.Jordan أخبار منوعة 0 10-27-2013 11:59 AM
من دقائق الأخلاق يقيني بالله يقيني شذرات إسلامية 0 07-05-2013 02:51 AM
حمل برنامج SmartsysSoft مصمم بطاقات المعايدة Eng.Jordan الصور والتصاميم 0 03-19-2012 03:15 PM
كيف تصنع راديو ؟ Eng.Jordan علوم وتكنولوجيا 0 03-05-2012 12:20 PM
الأخلاق والسير Eng.Jordan كتب ومراجع إلكترونية 0 01-10-2012 09:42 AM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 11:27 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59