#1  
قديم 11-02-2014, 07:28 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,044
ورقة الفجور السياسي في المغرب


الفجور السياسي في المغرب
ـــــــــــــ

(أحمد أبودقة)
--------

9 / 1 / 1436 هــ
2 / 11 / 2014 م
ــــــــــ

السياسي 12982507.jpg

يقول الدكتور فريد الأنصاري في كتابه "الفجور السياسي والحركة الإسلامية في المغرب"، إذا نظرنا إلى تاريخ نشأة الحركة الإسلامية في المغرب وقدرتها على التجذر في الواقع الاجتماعي المغربي، فإننا سنجد أن جماعات مثل الدعوة والتبليغ وجمعية الشبيبة الإسلامية بالدار البيضاء وجمعية الدعوة الإسلامية بفاس والجمعية الإسلامية بالقصر الكبير؛ مر على نشأتها وبداية تفاعلها مع الواقع المغربي قرابة 40 عاماً، لكن رغم وجود ثمرة ظهرت لهذا الحراك، تمثلت في اللون الإسلامي الذي تظهر به المغرب من خلال كثرة المساجد والتفاعل مع الحراك الإسلامي الطلابي في المناسبات؛ إلا أننا لو تعمقنا في جوانب أخرى لدى المجتمع سنجد ألواناً مختلفة من الفساد بصورتيه (الفجور السياسي) و(الفجور الطبيعي)، ويمكن أن نتيقن بأن كل أنواع الفجور تتم من خلال نوافذ الإعلام والثقافة والسينما و(الموضة)، إضافة إلى مظاهر العري الفاحش الذي يسعى إلى محاصرة جميع أشكال التدين.

وإذا أردنا التعمق في قياس حالة الصحوة الإسلامية في المجتمع المغربي، يجب علينا اتباع الطريقة العلمية التي يمكن من خلالها قياس الفرق بين زيادة نسبة الفساد الاجتماعي بكافة أنواعه وزيادة نمو عملية الصحوة الإسلامية داخل المجتمع، وبذلك نكون قد وصلنا لطريقة واقعية لمعرفة نسبة التدين في المجتمع.

الزيادة المفجعة في حالة الفساد والتجرؤ على شريعة الله وقدرة المجتمع على هتك أحجية الحياء العام والاستهتار بالدين والقيم؛ تدفعنا لطرح سؤال مفاده: ما دور الحركة الإسلامية في هذا الصراع داخل المجتمع؟!

وإذا أردنا قياس تأثير الحركة الإسلامية على هذا الصراع، فإنه يجب علينا أن نضع معايير نحتكم من خلالها في عملية القياس، أهمها: التعرف إلى نسبة إدراك الحركة الإسلامية للمخاطر الاجتماعية، وكذلك قياس مدى انخراطها في أداء دورها التاريخي إزاء هذه المعضلة. بعد ذلك كان لزاماً علينا أن نحاكم الحركة بعد التعرف إلى دورها في مدافعة الفجور السياسي، وذلك في إطار الواقع وضروراته.

الفصل الأول
ـــــــــ

المقدمة، وهي الكلية الحاكمة في الاستدلال على القضايا بالمفهوم المنطقي، وهي أربع كليات شرعية قطعية في معناها، مستقرأة من الشرع، تستخدم للاستدلال بها، حكما على ما سيتضمنه من دعاوى.

المقدمة الأولى: (الكليات الشرعية أدلة قطعية في إفادة معناها)
----------------------------------------

لأنها مستقرأة من مجموع الشريعة، أصولها وفروعها، استقراء انتظمت به معانيها في صورة ذهنية مجردة تعبر عن يقين معنوي حاصل منها في التصور، لذلك فهي تعتبر قواعد الشريعة التي تبنى عليها الفروع، ولا يخالف فيها من حيث "الكلية" إلا جاهل. ويحصل الخلاف في تحقيق مناطها على آحاد الجزئيات المنضوية تحتها، وعلى سبيل المثال قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا ضرر ولا ضرار"، فهو في لفظه حديث آحادي روي عن عدد من الصحابة، لكن بطرق لا تسلم في أغلبها من الضعف، لكنه مع ذلك كلي من الكليات الشرعية القاطعة من حيث هو معنى؛ لأن (رفع الضرر) جاء متواتراً في أحكام القرآن والسنة. ويتضح من ذلك أن الشريعة الإسلامية أكدت بشكل متكرر رفع الضرر. وخلاصة ذلك أن الدليل الكلي حجة قاطعة في إفادة المعنى.

المقدمة الثانية: (التدين هو الغاية الأولى من الدين والقصد الأصيل من الخلق)
---------------------------------------------

وهذا معنى كلي استقرائي قطعي من النصوص الشرعية، والمقصود (بالتدين): إقامة الدين على المستوى الفردي والجماعي. والمقصود في ذلك بشكل جماعي أو فردي خضوع الإنسان لإرادة الله الواحد القهار.

المقدمة الثالثة: (إفشاء المنكر والفجور سبب رئيس في هلاك الأمم)
----------------------------------------

وهو معنى كلي قطعي من الدين، وذلك أن العالم البشري محكوم بشريعتين إلهيتين، شريعة النص وشريعة القدر. وقريب من ذلك ما جاء على لسان جودت سعيد "إذا تحقق التغيير الذي يقوم به القوم، فإن التغيير الذي يخلقه الله سيتم على أساس وعد الله تعالى الذي لا يخلف الميعاد، وسنته لن تجد لها تحويلاً". ومقدر السنة التشريعية أن يختار الإنسان ما يصلحه، ويستجيب لإرادته. أما الإرادة القدرية فهي شريعة قهرية لا اختيار فيها للإنسان.

المقدمة الرابعة: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب شرعي)
----------------------------------------

وهي قاعدة كلية نستفيدها من الاستقراء القطعي لدلالة النصوص عند تحقيق مناطاتها في واقعنا. ومن استدلالات القرآن الكريم على هذه القاعدة قوله تعالى: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".

إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتباره عملاً إصلاحياً وجهادياً، لا يمكن أن يكون له وضع تشريعي خاص، باعتبار أن الفساد يزيد وينقص في الأمة من جيل إلى جيل، ومن مكان إلى آخر، ومن هنا كان واجباً كفائياً باعتبار، وواجباً عينياً باعتبار آخر. أما في واقعنا الحالي الذي لا يستطيع أحد نكران رؤيته للمنكر، فإن هذه القاعدة أصبحت عامة على كل مكلف على سبيل الاستغراق والشمول، لصدقه فعلاً على جميع المكلفين في هذا الزمان، وفي ذلك يقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: "والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم". وهنا يجب تأكيد أن تغيير المنكر أولى في عملية الإصلاح من الأمر بالمعروف؛ لأن تغيير المنكر هو أمر بالمعروف ضمنياً، ثم لأن القاعدة الأصولية قائمة على أن "دفع المفاسد مقدم على *** المصالح".

(خيار الجبهة العلمانية الفرنكوفونية)
_____________________

التعامل مع مصطلح "الفجور" سياسياً يبدأ بعملية الاستعداد النفسي الجبلي للشر والفساد، وما تعدى ذلك يصبح "أيديولوجية" في المعترك السياسي، والأخير خطره شديد؛ لأنه يتعمد نشر الفساد في المجتمع بقصد محاصرة التدين وليس فقط بداعي ممارسة عملية الفساد بحد ذاتها. وإذا أردنا أن نستدل من القرآن الكريم على الحالتين فإننا أمام الفجور بحالته الطبيعية الذي يقول عنه رب العزة "بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ". أما في الحالة الثانية، وهي أدلجة عملية الفجور، فيستدل عليها بقوله تعالى "قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً، ومكروا مكراً كباراً، وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً".

(الفجور السياسي استراتيجية لمحاربة المد الإسلامي)
_______________________________

في الواقع الذي نعيشه فإن الفجور السياسي اتخذ صورة أخص تمثلت في التمكين للفساد الخلقي والدعاية له بكافة الوسائل، متخندقاً في جبهة واحدة رغم تعدد أصنافه، إلا أنه في نهاية الأمر له غاية واحدة وهدف واحد، وهو محاصرة الصحوة الإسلامية.

إن المعادلة القائمة في الصراع بين الصحوة الإسلامية والممارسين للفجور السياسي المؤدلج، أساسها أن الحركة الإسلامية التي تحمل ملامح مشروع إسلامي شامل لا يمكن أن تنتعش في ظل مجتمع فاجر مستهتر بالقيم؛ لذلك يسعى القائمون على الفجور السياسي بكل وسائلهم للترويج له بكافة أنواعه بغية إفشال المشروع السياسي للحركة الإسلامية بشموليته.

ومن أبرز المشاريع المناهضة لمشروع الصحوة الإسلامية التي تتبناها بلدان عربية مختلفة، (سياسة تجفيف منابع التطرف الديني). وحينما تمعن في الأمر ستجد أن الذي يتم تجفيفه هو التدين نفسه وليس التطرف. والواقع يؤكد أنها حرب على أصول التدين في المجتمع لسلخه عن هويته الحضارية وتكريس تبعيته للغرب الفرنكوفوني أو الأنجلوسكسوني. وإذا كانت بعض الدول العربية اختارت القمع العسكري والأمني لتصفية الصحوة الإسلامية، فإن بعضها اختار "الاجتماع السياسي" للقضاء على حركة الوعي الإسلامي؛ لأنه أقل كلفة وأخطر من حيث الفاعلية، والمغرب هي أبرز الدول التي تستخدم هذا النهج.

وإذا أردنا تقييم المشهد الديني في المغرب من خلال تصريحات المسؤولين المغاربة للصحافة الغربية، فإننا سنجد أن هامش التدين المسموح به يرتكز على انحرافات شركية وبدع خطيرة لا علاقة لها بالتدين؛ لذلك نجد أن الدولة تدعم بكل ثقة مواسم الأضرحة والطرق البدعية المبنية على الدجل والشعوذة، لاغتيال العقل النقدي لدى المسلم، إضافة إلى أن حرية المرأة تعتبر عائقاً أمام "التطرف" الديني. وبمعنى أكثر وضوحاً فإن الانحلال الخلقي كفيل بتقليص دائرة التدين.

في الوضع الحالي فإن الذي يمارس الفجور السياسي لم يعد ماركسيا أو اشتراكيا، بل إن الهيمنة الليبرالية الغربية على العالم هي التي تتصدر المشهد، ورغم تخلي الماركسية عن دورها في أدلجة الفساد الاجتماعي، إلا أنها لا تزال على توجهاتها الاستعمارية الثقافية التي تربت في أحضانها، وتبذل قصارى جهدها لتدنيس التراث الإسلامي الذي ما زال مستمراً في اللاشعور الشعبي.

(مظاهر الفجور السياسي)
ـــــــــــــــ

لا يمكن بسهولة حصر مظاهر الفجور السياسي المنتشرة في العالم الإسلامي، ولكننا سنقوم بإستقراء جزئياتها للخروج بدليل كلي قطعي في إفادة هذه الحقيقة المؤسفة، التي تدين الواقع السياسي المغربي في المسألة الأخلاقية.


أولا: المستوى التعليمي و الثقافي:
---------------------

إن أبرز ما يمكن تسليط الضوء عليه في هذا المستوى هو السيطرة المطلقة للفرنكفونية على المجالين التعليمي و الثقافي، فالتعليم في المغرب لا يزال غير قادر على الإستغناء عن عقدة اللغة الفرنسية، ومن العار أن تبقى هذه اللغة المتخلفة لا تزال تتحكم في رقاب التلاميذ منذ عهد الاستعمار إلى يومنا هذا!، بالرغم من عدم وجود مبرر للبقاء في تعليمها لطلابنا في جميع المراحل التعليمية حتى الحضانة. وإنني أجزم هنا أنه من الخطر التربوي و النفسي على الطفل أن تحشى ذاكرته بأي لغة غير لغته الأصلية، التي تحمل هويته الثقافية و الدينية في مرحلة الطفولة، حتى يبلغ سن الرشد القانوني فيتفرغ لتعلم ما شاء بعدما يكون قد أقتن لغته استعمالاً و استلهاماً و إبداعاً!. فمن العار أن تكون دولة مثل فرنسا تدرس لطلبتها الأدب العربي من خلال اللغة الفرنسية، و نحن لدينا الكثير من المهزومون الذين يصرون على تقليد فرنسا في "غائها" إلى درجة الثمالة!. إن مناهج التعليم المزدوجة هي التي خلقت طبقة المثقفين المنحرفين، و الأدباء الإباحيين! فلا تقرأ من الشعر و الرواية إلا ما يمجد السقوط، و يكشف العورات! حتى أصبح "الجسد" لغة بحد ذاته! لا يخلو منها إبداع شعري أو سردي! ألا ترى هذا السباق المحموم نحو التعري بين المسمين(مبدعين)؟ فبقدر جرأتك على المحرمات و المقدسات و التعري، بقدر ما تكون من العظماء و المجددين!

أما العالمية، فهي بين أحد أمرين: إما أن تكتب بالفرنسية، و إما أن يقيض الله لك من يترجم لك إلى الفرنسية! حتى إذا طلع السادة "الفرنسيس" على مقدار ما "كشفت" من مخبوء، نلت حينئذ من الإطراء" النقدي" ما يكفي لرفع مستواك إلى صف العالمية، طبعا من خلال الدائرة الفرنكفونية!

إن اللغة الفرنسية ليست لغة وكفى، إنها ثقافة، بل إنها نوع خاص من الثقافة، إنها ثقافة العهارة!من منكم قرأ (أمي) لجورج بطاي؟ أو قرأ ( العشيق) لماجريط دوراس؟ بل سائر رواياتها!إن الأدب الفرنسي هو في عمومه أدب العربي و أدب العهارة! هكذا هم الفرنكفونيين ببلادنا: حصار طبيعي للتدين و المتدينين، فإن يهدي الله منهم أحداً يكن مرمًي صالحا لكل أنواع الشتائم و التهم بالتخلف و الخرافية!.

ثانياً:المستوى الإعلامي:
--------------

أما الإعلام فقد قطع أشواطاً بعيدة في الجرأة على كشف العورات، وعرض المحرمات. ويكفي هنا أن نشير إلى الإعلام الوطني المغربي إن كان هناك حقاً إعلام وطني. أما القناة الثانية فإني لا أشك لحظة واحدة في عمالتها لفرنسا! لغة وصورة وثقافة و (حياء)! و ما أرى القناة الأولى إلا تنافسها في هذا وترجو اللحاق بها، إن لم تكن قد لحقتها بالفعل، في عرض المنتوج الفرنسي أو المفرنس، مما يكفي لتشويه الفطرة المغربية السليمة في ظرف قياسي! ولقد صارت مشاهدة التلفزيون المغربي بقناتيه في وسط العائلة من المحرجات و المخزيات لمن ما زال يحتفظ بحبة خردل من الحياء!

وبغض النظر عما ترسخه الصورة العارية و الكلمة العارية في النفس من انحراف داخل الأسرة المستسلمة للمخدر الإعلامي، فإن الخطر الأكبر يكمن في خرم مفاهيم الحياء و كرامة الأعراض، مما يهيئ الأب لقبول أي سقوط أخلاقي يراه في زوجته أو أحد أبنائه. وذلك هو الطريق العبد لضياع مفهوم"الأسرة" بمعناه الإسلامي.و إنه من أفظع ما يقع لهذه الأمة في دينها!أليست الأسرة هي المحضن الأساسي للتدين في المجتمع؟ لا أثر يغلب أثرها ولا توجيه ينسخ تربيتها إلا عرضاً! فإذا كانت هي مصدر الفجور ومكان تفريخه فعلى الأمة السلام!

ثالثا: المستوى الفني:
------------

وهو لاحق بالأول لما للفن من ارتباط بوسائل الإعلام المرئية، و لما تلعبه هذه من دور في إشهاره، ولولاها لما كان له الدور البارز في المجتمع! ونشير هنا إلى ثلاثة أصناف وهي، الفيلم و المسرحية و الأغنية. ذلك أن الفساد الذي طرأ على هذه الأصناف الثلاثة لم يطرأ على أي صنف من أصناف الفنون.

إن السينما قد تطورت من حيث الإنتاج و الإستهلاك معا، سواء ما يعرض منها دور السينما، أو مايعرض على جهاز التلفزيون، و تطورها بالطبع إنما هو نحو الأسوأ! إني ما زلت أذكر جيداً أن دور السينما في السبعينيات كانت تتداول أصنافاً ثلاثة من الأفلام، الفيلم الأمريكي الرعوي" الكابوي"، والفيلم الهندي "القصصي"، و الأفلام الرياضية و فنون القتال مثل "بروسلي" ، وكانت بعض الدور تكون متخصصة في أفلام الجنس، لكنها كانت قليلة، وكان الداخلون إليها يتسترون، و منذ بداية التسعينيات أصبحت دور السينما جميعها متخصصة في أفلام الجنس و تعرض ملصقاتها صباح مساء عارية و فاضحة مقرفة! هذا في بلد فيه شيء اسمه" المركز السينمائي المغربي"، ويفترض أن يشرف على ما يعرض على أبناء المسلمين!

أما المسرحية، وخاصة ما تعرضه التلفزة المغربية، فهو في غالبه ساقط من الناحية الفنية المحضة نصًّا و إخراجاً! أما من حيث المادة، فلا يكاد يجور إلا على فضائح المصريين!أو بالأحرى ما يراد له أن يكون فضائح المصريين، و الذين رأوا الشارع المصري يعرفونه أنه أطهر كثيرا مما تصوره مسرحياته و أفلامه، فهذه الأدوات لا تخرج عن رغبة سياسية لتفسيق كل الشارع العربي.

أما الأغنية فقد هبطت إلى الدرك الأسفل من كل ذلك! و ذلك من ناحيتين: الأولى ليس فساد المضمون فحسب، ولكن انعدامه إن ما تنتجه الحناجر المغربية اليوم إنما هو في غالبه ضرب من الهستريا التي لا تعبر عن شيء إلا ما يمكن أن نطلق عليه " اللامعنى". و اللامعنى مفهوم سياسي بالدرجة الأولى! إنه الرغبة السياسية في خلق جيل لا معنى له، لا يفهم شيئا ولا يسأل عن شيء! وثمة ضروب أخرى من هذا الانهيار الفني، نحو ما صار يملأ الدنيا الآن من هذا "الغناء المصور" أو " الألبومات" التي تملأ الشاشات الصغيرة، مادتها الأولى الكلمات الساقطة و العروض المصورة لأجساد تدعو برقصاتها وعريها إلى العهارة جهاراً!

رابعا: المستوى الإجتماعي
----------------

ينقسم المجتمع إلى ثلاثة أشياء رئيسية وهي المرأة، و الأسرة، و المجتمع. فأما المرأة فهي المحور الأول و الأساس الذي يقوم عليه المشروع التفسيقي السياسي بكل اتجاهاته! وفي هذه القضية بالضبط تلتقي هذه الإتجاهات كلها مع المشروع الصهيوني! إن ما سمي مغالطة (بحرية المرأة) لم يكن القصد منه- كما تدل عليه دلائل الواقع الممارس عند هؤلاء، وكذا تنظيراتهم وتصريحاتهم إلا اعتقال المرأة في حدود جسدها. إن المرأة في النظرية الليبرالية ليست إلا متعة مطلقة من أي قيد! إنها مشاع جنسي! و أحسب أن الشيوعية لم تلتقي بالرأسمالية كنظرية إجتماعية كما التقت معها في قضية المرأة. هذه هي الحرية التي ينادون بها، ما أعطت غير امرأة لا تتجاوز حدود " الديكور"، أو " الموديل الجسدي" في الإدارات و المؤسسات العليا و الدنيا؟. إنها بعد ذلك لأداة لتفسيق المجتمع و لقد أجمع على ذلك المثقفون المنظرون و السياسيون الممارسون! حتى إن قياس ( التطرف الديني) في بل ما صار بمدى ( حرية المرأة) في ذلك البلد!

أما الأسرة، فقد سبق عنها كلام في سياق الحديث عن " الإعلام"، ولكن يكفي أن أشير هاهنا إلى أن الأسرى هي المحضن الوحيد للتدين عندما تفسد كل المحاضن الإجتماعية، و تستحيل بفعل استعماري أو طغيان علماني أو أي سبب من الأسباب. إن الأسرة هي المقر الأمين الوحيد لاستمرار التدين في الناس، و من هنا كان هدمها آخر معاقل الدين في المجتمع!

إن المسألة ليست في الطلاق بيد من يكون، ولا في النفقة كيف يجب أن تفرض، ولا في القوامة متى تبدأ ومتى تنتهي، ولا العدل بين الزوجين كيف يطبق! كل ذلك إنما هو أعراض للقضية، وليس جوهرا فيها، لأن الإجتهاد الشرعي كفل مراجعة كل ذلك، إن لم يكن من حيث الحكم، فمن حيث تحقيق المناطق، لو حسنت النيات، لتحقق العدل المناسب لناسنا و زماننا. إن الجبهة العلمانية إذ ترفع شعارات مثل هذه و أكثر، إنما تعمل على هدم المحضن الوحيد، الأكثر فاعلية و الأكثر دفئاً و أمناً، للتدين في المجتمع! إن الأسرة مؤسسة إجتماعية ممتازة، أهم ما فيها طبيعة العلاقة بين الزوجين من ناحية، و بين الآباء و الأبناء من ناحية أخرى، أصولا وفروعا، حيث تلعب القدوة دورا " لا شعوريا" هاما جدا في استمرار السلوك"الأصيل". وأخطر ما تفقده الأسرة كمفهوم هو تلك العلاقة المتحدث عنها: طبيعة العلاقة الزوجية القائمة على قداسة شرعية خاصة!.


أما الجزئية الثالثة من الواقع الإجتماعي في المغرب و العالم الإسلامي و الذي له تأثير فاعل في سلوكيات الأفراد، فهو الشارع، وفي الحقيقة فهو يمثل صالة العرض الدائمة لكل ما ذكر وغيره! ولذلك فإن إشاعة الفحشاء فيه مقصد سياسي، لتكريس منتجات مؤسسات الفجور المؤسسي من ناحية، و لتعويد العين الإجتماعية على مظاهره المقرفة، حتى تصبح من المألوف اليومي، فلا تستنكره بعد ذلك فعليا، ثم في مرحلة أخرى شعورياً! وهو معنى( التطبيع النفسي) مع المنكر!

إن الناظر في كبريات مظاهر المنكر في الشارع يجدها منحصره في الأمور التالية( الموضة، والخدنية،و اللغة، و الخمارة، و النوادي الليلة).

استنتاجات:
----------

كل ما عرض سابقاً يؤكد أن كافة أنواع الفجور المنتشرة في المجتمع المغربي ناتجة عن حالة "الطبيعة السياسية" للفجور المسلط على الأمة، والقصد منه قتل حاسة النقد في الوجدان الديني الشعبي! أي القضاء على أصل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

إن بعض الملاحظين يرون أن سياسة " التفسيق السياسي" إنما المراد بها المحافظة على " التوازن السوسيو-سياسي" في البلاد. لكنني أرى أن النتيجة لو سلمنا جدلاً بهذا الرأي لن تكون إلا في اتجاهين:

الأول: غلبة الفجور على الوضع، إلى درجة تهدد الحد الأدنى من التدين المرغوب فيه سياسياً! لسبب بسيط هو أن طبيعة المنكر متعدية! أي أن القضاء على حاسة النقد في الناس ستؤدي بهم في نهاية المطاف إلى الإستسلام للمنكر استئناساً وممارسة!

ثانيا: وهو نشأت "التطرف" الحقيقي في فهم الدين وممارسته، لأن الفجور السياسي، يفهم على أنه استفزاز "مقصود" للفئات المتدينة من الناس، مما يؤدي بصورة لا شعورية إلى تصعيد حرارة التدين و الحماس له، رغبة منها في "الدفاع الذاتي"، وهو أمر لا إرادي، إنه أشبه ما يكون بجهاز المناعة في الجسم، لكنه ليست له وسيلة غير تصعيد وتيرة الممارسة الدينية.

لذلك فإنا نقرر أن "الفجور السياسي" ليس إلا وسيلة للإفساد بكل المقاييس، الدينية و البراجماتية! أعنى أنه ليس ضررا على الحركات الإسلامية فحسب، بل هو ضرر أكيد حتى على المناهضين لها، بما يؤول إليه من فوضى في النظم الحياتية، و تفكيك البناء الإجتماعي.

(هل الحركة الإسلامية داخل حلبة الصراع الحقيقي؟)
----------------------------------

إن مشكلة الحركة الإسلامية تتمثل في كونها استدرجت فعلاً لتلعب خارج حلبة الصراع! وهي تظن أنها في صلب تلك الحلبة تعارك وتبارز، وفي هذا السياق يمكن القول إن الاختيار بين المواجهة السياسية والتصعيد النقدي من جهة والمشاركة والمساندة النقدية من جهة أخرى، ليس هو الكفيل بوضع الحركة الإسلامية على سكة القطار؛ لأن كلا الخيارين يقع في إطار عملية الاستدراج.

ولتوضيح الخيارات المتوافرة أمام الحركة الإسلامية للمواجهة وفرص نجاحها، يمكن القول إن أحد الخيارات المطروحة يتمثل في "الاختيار التصادمي أو المواجهة السياسية"، وهذا الخيار يعاني مشكلة تصويرية للعمل الإسلامي، وأزمة عملية في ممارسة الدعوة إلى الله، التي هي علاج للقضية الأساس؛ لأن كل العمل الإسلامي رهينة لموقف سياسي محدد، وهذا الأمر منقوض من الناحية التصورية الشرعية والمنطقة على السواء؛ لأن العمل السياسي جزء ضئيل من العمل للإسلام بشكل شمولي. ومن أبرز المشاكل التي يعانيها العمل الإسلامي هي: تضخيم العمل السياسي على حساب الجوانب الأخرى من كل العمل الإسلامي الدعوي، إضافة إلى أن التنزيل العملي للدعوة ارتهن بالآثار السياسية لتصورات مرتبكة، الأمر الذي تسبب في إفراز نوع من التدين المرتبك، بعكس القاعدة الأساسية التي تقول إن الدعوة الإسلامية لم تكن محاصرة بحصار شخص أو أشخاص؛ لأن طبيعتها هي الانتشار والاستيعاب وليس الانحصار، والارتهان لموقف هنا أو هناك.

وهنا يشار إلى أن المغتر لتعداد بضعة آلاف من هذه الحركة أو تلك، في مجتمع تعداده بالملايين، ما هو إلا قاصر للنظر، أو جاهل لطبيعة الصراع الاجتماعي؛ لأن الخبث هو المؤطر لهؤلاء الملايين، ومن يستطيع إنكار أن هذه الحالة هي الطافية على الجميع في عالمنا المعاصر، والحديث يدور هنا عن الحالة الاجتماعية وليس السياسية الضيقة، فالملايين غير آبهة لحزب هنا أو آخر هناك، فهي بالدرجة الأولى تستجيب لمن يطلق نزواتها بلا حدود. ومن هنا يجب أن ندرك أن دخول الحركة الإسلامية على المجتمع من بوابة المواقف السياسية المسبقة، هو دخول من غير بابه الطبيعي، وأن 30 عاما أو أكثر في هذا الاتجاه أثبتت صحة ذلك، لذلك يبقى صمام الأمان الوحيد للحركة الإسلامية هو "القابلية للتدين" لدى الشعب، فإذا استطاعت استثمارها بصورة جيدة كانت اللون الاجتماعي الحقيقي.

(الإصلاح التأليفي)
------------

هناك حالة إسلامية أخرى في المجتمع تمثلت في تيار حاول التخلص من المواقف السياسية وتعامل مع المجتمع بمنهجية "تأليفية" بالمعنى الدعوي للكلمة، لكنه توقف عند نفس الاتجاه الذي توقف عنده التيار الأول، فقد كانت له أزمتان، الأولى تمثلت في عدم وجود استراتيجية واضحة ودقيقة بشكل مدروس للعمل الدعوي. والثانية الاكتفاء بالنقد بدل العرض في أغلب الأحوال. وهذا جعل العمل بالنسبة له عملاً موسمياً؛ لأن الاكتفاء بالنقد والتركيز عليه على حساب العرض، يجعل الحركة سهلة الاستدراج للصراع السياسي، ثم الخروج من الحلبة الحقيقة.

لقد فقدت الأطراف السابقة القدرة على اتباع مفهوم "العرض" من خلال وضع استراتيجية بأهداف واضحة وتصورات دعوية شاملة يمكن إسقاطها على الواقع الاجتماعي بشكل عملي. وهنا يجب التوضيح أن الوظيفة الجوهرية للعمل الدعوي هي "تنمية" قابلية التدين لدى الإنسان على حساب قابليته للفساد أو الفجور.

(معالم في طريق مدافعة الفجور السياسي)
-------------------------

إن مدافعة الفجور السياسي ليست مهمة يقوم بها شخص أو جماعة، بل إنها مجهود بحاجة لطاقات متكاملة ومراكز دراسات تشرف عليها، لكن يشار إلى أن الحركة الإسلامية في المغرب أهملت عدة جوانب من شأنها التأثير في عملية التصدي لحالة الفجور السياسي، أهمها: إنتاج الكلمة الدعوية وإيصالها لكل الشرائح الاجتماعية، إذ لم تزل تستهلك المنتوج الدعوي المشرقي الذي لا يخلو من خلفيات مذهبية فقهية أو عقدية قد تؤدي إلى النفور بدل الإقبال، وإلى الفرقة بدل الإجماع، حيث تم إنتاجها على وزن المجتمعات التي تنتمي إليها من الناحية النفسية والتواصلية.

الأمر الآخر الذي أهملته الحركة الإسلامية على مدار أكثر من ثلاثين عاماً من عمرها، هو أنها لم تقدم على إنشاء مراكز دراسات إسلامية تبحث في ظاهرة الفجور السياسي وتضع حلولاً لمواجهتها، فمن شأن مراكز متخصصة في المجالات النفسية والاجتماعية وضع حلول استراتيجية للمشاكل التي تواجهها الحركة الإسلامية في المجتمع المغربي. وإذا أردنا أن نكون واقعيين لتهيئة البنية الإسلامية الصحيحة الجاهزة للمدافعة في وجه الفجور السياسي، فإننا يجب أن نلتزم بشرطين، هما: توفير الأمن السياسي للحركة الإسلامية، وكذلك الأمن الاقتصادي.

وفي الخاتمة يجب تأكيد أن العمق الاستراتيجي للدعوة والعمل الإسلامي، إنما هو (تدين المجتمع)، كما يتضح أن أخطر ما يهدد ذلك موجة الفجور السياسي المنظم والمسلط على الأمة عبر المؤسسات، والأحزاب، والحكومات، والظواهر الاجتماعية المصنوعة والمدعومة من أعداء الأمة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
المغرب, السياسي, الفجور


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع الفجور السياسي في المغرب
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
العودة: الشعب المصري لن يستسلم والانقلابيون يتحملون كل تبعات الفجور ام زهرة أخبار عربية وعالمية 0 08-14-2013 09:37 PM
الأندلس في المغرب Eng.Jordan دراسات و مراجع و بحوث أدبية ولغوية 0 06-21-2013 02:51 PM
الأدارسة في المغرب الأقصى Eng.Jordan رواق الثقافة 0 04-22-2013 11:31 AM
احتفالات البيزوطاج في المغرب Eng.Jordan الملتقى العام 0 09-17-2012 11:05 AM
التنصير في المغرب Eng.Jordan شذرات إسلامية 0 04-19-2012 08:42 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:58 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59