#1  
قديم 12-17-2012, 10:25 PM
الصورة الرمزية Eng.Jordan
Eng.Jordan غير متواجد حالياً
إدارة الموقع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
الدولة: الأردن
المشاركات: 25,410
افتراضي ثقافتنا العربية: حراك اجتماعي وسياسي


الكاتب : المجلة العربية - مصر- المجلة العربية



عبر عقود طويلة، بدا أن ثقافتنا العربية بليت بداء الدوران في فلك السلطة؛ إما مخافة بطش السلطان والتنكيل بصاحب العقل الذي يتعارض مع الذات السلطانية، أو تقرباً وطمعاً في ذهب السلطان ورضاه، وباتت سيرة عبدالله بن المقفع دلالة على التنكيل بالمثقف الذي خرج عن المدار.
وفى الفصل الخاص بالشاعر أبو الطيب المتنبي في كتابه عن النقد الثقافي، يشير الناقد السعودي عبدالله الغذامي إلى نفاق الكاتب للسلطان، فلا مضض أن يهجو المتنبي كافوراً ثم يمدحه، ثم يتحول إلى سيف الدولة فيهجوه ثم يمدحه طالما أن كلا الملكين سيهبه العطية، في تعارض واضح بين الموقفين الأدبي والأخلاقي.
لا يمكن -والكلام للكاتب الدكتور عمار علي حسن– لتاريخ الثقافة العربية أن يتجاوز المشهد الذي يجسد حركات ونبضات أبو حيان التوحيدي، وهو يجثو على ركبتيه ليأكل خشاش الأرض، ويتصاعد خلفه دخان كتبه العميقة علماً والمتفجرة إحساساً، بعد أن حرقها؛ لأنها لم توفر له لقيمات يقمن صلبه المكدود من عناء البحث النهم عن المعرفة والسعي الجاد وراء الحقيقة.
فهذا المشهد أعيد إنتاجه بشروط مختلفة في الدرجة ولأسباب متنوعة، ووجد فيه الكثيرون دليلاً دامغاً على بؤس العلاقة بين المثقف والسلطة، لأن النار التي أحرقت كل ما أنتجته قريحة التوحيدي المتوقدة، لم تتوقف ألسنتها المشتعلة عن الامتداد في الزمن لترمز إلى احتجاج لا ولن يتوقف من مثقفين وعلماء ومبدعين جوعى ومرضى يطيلون النظر إلى أغلفة كتبهم أو لوحاتهم البديعة أو ابتكاراتهم العلمية من دون أن تتملك أحدهم شجاعة التوحيدي ويطعم النيران الورق والألوان، وربما لم يجرف أحدهم اليأس إلى تلك الدرجة المتردية التي يشعر فيها المثقف بعدم جدوى ما يفعله لا للمجتمع ولا لنفسه وذويه.
ويتطرق عمار علي حسن إلى الحقبة الزمنية الحديثة مكملاً مأساة المثقف: «في زماننا هذا تجول الأديب محمد شكري على القمامة ليلتقط ما يقيم أوده، وبات الشاعر المصري عبدالحميد الديب ليالي طويلة خاوي البطن، وأكل العجز والكساح الروائي المصري عبدالحكيم قاسم، من دون أن يلقي له أحد بالاً على الرغم من موهبته الرائعة وإنتاجه الأدبي الغزير، كما لم يجد الروائي علاء الديب ما يدفعه لعلاج مرض عضال بالقلب وهو الحاصل على جائزة الدولة التقديرية، وقضى فارس الرومانسية عبدالحليم عبدالله على يد سائق تاكسي لخلاف على قيام الأخير بزيادة الأجرة بمقدار خمسة قروش فقط، وتشرد الروائي السوري حنا مينه سنوات طويلة في بلاد الغربة بحثاً عن بضع ليرات، بينما كان أمل دنقل ونجيب سرور يهيمان على وجهيهما في شوارع القاهرة جوعانين».
ما علاقة ذلك بمستقبل الثقافة العربية؟ نسأل الدكتور عمار فيجيب: «لقد تعمدت أن استعرض هذه النماذج المؤلمة لنصل معاً لنتيجة، كيف يمكن للمثقف أن يستقل بإبداعه وخصوصيته طالما لم توفر له هذه الثقافة وهذا الإبداع نمطاً يكفل له حداً أدنى من الحياة، ولا أقول ترف الحياة إنما هو الستر الذي يبغيه الكاتب والمثقف، طبيعي أن يكون انحراف العلاقة بين المثقف والسلطة واضحاً طالما لم تغن الثقافة صاحبها عن سؤال السلطان، وكم من كاتب غير موقفه لينال وظيفة أو لقمة عيش في مؤسسة، وكم من مثقف طرد من عمله لأنه عادى السلطان بكتاباته, مستقبل الثقافة العربية متوقف أولاً على استقلال الكاتب وتغيير النظرة التي ينظر بها المجتمع إلى هذا المثقف».
ولكن بعد الطفرة المعلوماتية والاتصالات وعصر السموات المفتوحة، بات بإمكان المثقف أن يفرض نفسه دون الحاجة إلى الدوران في فلك السلطان أو رجالات الدولة؟
نسأل ويجيب عمار: «دعنا نؤكد أن الناس تحولت من فكرة الفيس بوك إلى الناس بوك، وتحول الواقع الافتراضي إلى واقعي معاش, وبالتأكيد فإن المثقف استطاع أن يستفيد من هذه الطفرة لينشر أفكاره ويبث همومه، لكن يبقى الواقع الأساسي الذي يقر بنفسه فهل سيمكن للمثقف أن يحيا من عائد كتبه وإبداعه حياة طيبة؟ أشك».
لكن عمار لايغيّب الأمل، يقول: «الثقافة العربية ستشهد تحولاً كبيراً لكن دعنا لا ننسى ميراثاً من القرون أكسب السلطة نظرة دونية للمثقف، وأكسب المجتمع نظرية السخرية من المثقف، ثقافتنا العربية يمكن لها أن تشهد تحولاً جذرياً، أناس كثيرون يراهنون على هذا التحول لكنه سيحتاج إلى جهد جهيد من قبل مؤسسات المجتمع لإعادة صياغة مصطلح المثقف والتعريف بهويته ونتاجه. لا يمكن أن ننسى أن هناك عوامل شديدة التغول في المجتمعات العربية تحول دون أن تنطلق النهضة الثقافية الحقيقية».
التجريف العقلي
نفس الفكرة التي تناولها الدكتور عمار علي حسن يراها الدكتور أحمد عبدالحي يوسف إشكالية لا يمكن إهمالها، مشيراً إلى (خصيصة التجريف العقلي), ففي نصف القرن الأخير تعرض المجتمع العربي لعملية تجريف ثقافي، لأن الاستبداد السياسي استقطب فريقاً من المثقفين الذين اقتصرت مهمتهم على تجميل وجه السلطة القبيح، وشد جلدها المترهل، وصبغ شعرها الأشيب، ولو أننا راجعنا مقالات رؤساء تحرير الصحف القومية وغير قليل من الكتاب في الفترة المشار إليها لوجدنا أن كل ما كتبوه يتلخص في جملة واحدة موجهة إلى الحاكم بأمره مفادها أن:
(ما أروعك، ما أحكمك، ما أجملك، أنى توجهت، يدور الفلك...)
ويكمل أستاذ الأدب الحديث د.أحمد عبدالحي يوسف: «وبقية أبيات قصيدة الثقافة المملة معروفة لأنها مبتذلة من الجميع.. وفى عصر الاستبداد يتزايد عدد الكتاب الزناة.. وعندما يسقط المستبد بالموت أو بالقتل أو بالخلع، يسقط الكتاب الزناة على الفور ويصبحون مطلوبين للمثول بين يدى العدالة لتحاسبهم على جريمة الزنا الثقافي التي هي أبشع من جريمة الزنا الجسدي، وذلك لأن الأول يفسد عقل الأمة، ويغيب وعيها، ويغتصب روحها المبدعة الوثابة في حين تنحصر جريمة الثاني في اغتصاب جسد فرد واحد من أفراد هذه الأمة.
تصبح وظيفة اللغة التي يستخدمها هؤلاء الكتاب قمعية تكتسب سطوتها الإعلامية من مباركة الحاكم المستبد له واحتفائه بها، وإغداقه الهبات على كتابها..
إنه الخطاب الذي عجز عن مواجهة إشكاليات الحياة فانسحب متقوقعاً على نفسه ليعيد إنتاج الخطاب القديم، فتجد ألف واحد رجعي يقفون بالمرصاد وراء كل تقدمي، يهدمون ما أنجز وينقدون ما قدم، تجد الخطاب التعليمي وقد اعتقل العقل حين اعتمد كلية على الرضاعة العلمية الصناعية ممثلة في الدروس الخصوصية، تجد الخطاب الإعلامي وقد نجح في تغييب وعي الناس حين أجلسهم على شواطئ البرامج الهابطة والمسلسلات البليدة، تجد الخطاب السياسي وقد احتكر الحقيقة واحتكر معها كل شيء، تجد الخطاب الديني وقد عاد بنا إلى ما قبل العصر الجاهلي.
كان هذا هو مجمل حال الثقافة العربية قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر، ومع اشتعال جذوة هذه الثورة وسقوط رأس النظام وأذنابه سقط الكتاب الزناة وحدث انقلاب شامل في حال الإعلام العربي مكتوباً ومسموعاً ومرئياً وسقطت ولمعت أسماء جديدة، انطفأت أقلام وتوهجت أخرى، انحسر الضوء عن وجوه، وظهرت أخرى في دائرة الضوء، الثورة تنتج أقلامها وتجذب أشباهها، وحسبنا أن نقارن بين حال الصحف القومية قبل الثورة وبعدها.. وأقل ما يقال إن هذه الصحف قد توضأت وتطهرت بعد الثورة، واغتسلت من جنابتها التي لازمتها ثلاثين عاماً أو تزيد حتى فقدت معنى الطهر وتمرغت في مستنقع التدنيس والتدليس. وحين تشتعل الثورة العربية في أقطار متعددة، فهذا يعني أن الثقافة العربية تستعيد شبابها الذي يتوازى مع شباب مبدعي الثورات العربية».
ما قبل رفاعة وما بعده
الفليسوف المصري الدكتور عاطف العراقي يؤكد أن ثقافتنا العربية منقسمة إلى حقبتين: حقبة ما قبل رفاعة وحقبة ما بعد رفاعة الطهطاوي، ولا يخفى على نفر أن ثقافتنا العربية مليئة بصنوف شتى من التناقضات، أبرزها تلك التي تجاوزت حدها في العصر الأموي، وإن كان هناك فصل بين الدين والثقافة، إلا أن هذا الفصل كان في غالب الأحيان يخدم السلطان الأموي وأهدافه، وفي العصر العباسي شهدت الدولة الإسلامية تطوراً ثقافياً ملحوظاً عقب حركة الترجمة والنقل من العلوم، وارتقى علم الكلام والفلسفة وباتت العقلية العربية رائدة من رواد التنوير في الحضارة الإنسانية، ولا ننكر أن الثقافة كانت تستخدم كنصال الرماح في المعارك السياسية، ولعل أبرز هذه القضايا هو ما أثير حول قضية القرآن هل هو مخلوق أم هو منزّل من الله. وتحزب الكتاب والمفكرون إلى فريقين، إلا أن القمع أحياناً كان يستخدم للتنكيل بالطرف الآخر، وكان الإمام أحمد بن حنبل مثالاً في الدفاع عن فكره.
أقول -والكلام للفيلسوف المصري- إننا نؤرخ لعصر الثقافة الحديثة منذ عصر رفاعة الطهطاوي وذلك لما بذله الطهطاوي من جهد في إثراء حركة الثقافة العربية، ذلك المعمم الذي أرسله محمد علي في بعثة للخارج ليس بهدف التزود بالعلم وإنما ليكون رقيباً على تصرفات أبناء البعثات من المصريين مخافة أن ينشغلوا في أوروبا بترف الحياة ويهملوا العلم, فأتقن الطهطاوي الفرنسية ونقل التراجم منها إلى العربية فكانت حركة الطهطاوي في الثقافة العربية باكورة انفتاح على الثقافات المختلفة والتزود منها، وكأن الطهطاوي قد أعطى إشارة البدء للتحرر العقلي فوازاه عبدالرحمن الكواكبي صاحب مؤلف طبائع الاستبداد في سوريا، ثم خرج مالك بن نبي في الجزائر ليسير على نهج الكواكبي ورفاعة فبعث هؤلاء بداية نهضة ثقافية داخل العقلية العربية.
كان هذا الجيل قد مهد التربة لجيل جديد مثل رائد التنوير محمد عبده ورشيد رضا وجمال الدين الأفغاني. واستمرت الثقافة العربية تسير بشكل بياني لأعلى وصولاً إلى العقاد والمازني وطه حسين. ومن ثم برزت الصالونات الثقافية كمصابيح تضيء العقلية العربية وتستنهض العقول للتفكير، هذه الصالونات التي أفرزت جيلاً كاملاً من التنويريين، فالجميع شاهد المعركة التي احتدمت بين صلاح عبدالصبور الشاعر الشاب آنذاك والعقاد كقامة أدبية وفكرية، حدث هذا بفضل الصالون الأدبي، الذي اختفى وتحولت صالونات الألفية الجديدة إلى صالونات حلاقة، لا تهدف من ورائها إلا إضاعة الوقت.
وينقلنا العراقي إلى المشهد الثقافي العربي الآن بقوله: «لا أنكر أننا نعيش أزمة ثقافية فالثقافة العربية في مأزق بسبب عدم فاعلية هذه الثقافة وعجزها عن تقديم حلول للعديد من القضايا مثل قضية الأصالة والمعاصرة وكذا قضية التقدم العلمي والأخلاق.. حيث يتصور البعض أن التقدم العلمي سيؤدي إلى انهيار المنظومة الأخلاقية وهو قول باطل يراد به باطل».
مازالت ثقافتنا العربية عاجزة عن تقديم حلول أمام هوجة التكفير والتحريم التي تمارسها بعض الطوائف الفكرية على كتابات محيي الدين بن عربي والحلاج، وما موقف الثقافة العربية تجاه الموروث القديم والتابوهات التي تحاول تلافيها دون الخوض فيها، وبعض الأفكار ما تزال تحرم الفلسفة.
إذن ما الحل لكى تنهض ثقافتنا العربية؟
يجيب العراقي: يجب على الثقافة العربية أن تنفتح بشكل مباشر على كل الثقافات الأخرى للتزود منها ولنا في تجربة رئيس الوزراء المصري مصطفي باشا النحاس أسوة في ذلك، حيث أصر على تزويد وزارات الثقافة بالمترجمين ومضاعفة المنح والبعثات الخارجية.
وينهي العراقي حديثه قائلاً: «استشهد بما قاله طه حسين من أن كل إنسان بداخله نستولوجيا يحن بها للماضي وبداخله هذا الماضي كالجذور التي تشده للأرض، وداخل هذا الإنسان أيضاً شغف بالتجريب والتحديث، فلا خير فينا إن أهملنا الماضي وأبحرنا للتجديد كما لا خير فينا إذا أهملنا التجديد واكتفينا بالماضي».
مفهوم الثقافة
ويلفت الدكتور سامي سليمان أستاذ الأدب الحديث بكلية الآداب جامعة القاهرة أنظارنا إلى ضرورة فهم المصطلح مخافة الوقوع في اللبس، موضحاً أن المقصود بالثقافة هو أنماط الكتابة بأشكالها وكافة ألوان الإبداع الإنساني في العلوم والفلسفة والعلوم الاجتماعية والنفسية.
موضحاً أن ثقافتنا العربية المعاصرة هي تلك التي تخلفت عقب الحرب العالمية الثانية، ويمكن توصيفها بأنها أفرزت ثلاثة تيارات:
-1 التيار التقليدي: ذلك الذي ينطلق من مبدأ محاكاة الماضي وإعادة إنتاجه أو إعادة طرح التراث بمفهوم جديد مخالف.
-2 التيار التجديدي: وهو التيار الذي وضع في أولوياته التفاعل مع منجزات الحضارة الغربية والاستفادة من العلوم الفلسفية التي ازدهرت في أوروبا.
-3 التيار التوفيقي: وهو التيار الذي مزج بين كلا التيارين من حيث الاستفادة من خبرات الثقافة العربية القديمة مع الانفتاح على الثقافة الأوروبية ومذاهب الحداثة في الفكر الإنساني.
ولعلنا –والكلام لسليمان– نستطيع أن نصف مراحل تطور الثقافة العربية عبر تأطير زماني في مرحلة أولى بدأت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، واستمرت حتى منتصف الستينيات وفيها برزت تيارات ثقافية عربية عنيت بقضايا التحرر الوطني ووضع قضية فلسطين ضمن أولوياتها بوصفها قضية محورية، نوعت فيها الثقافة العربية من خلال العديد من الأطروحات التي تناولتها عبر صياغة مشاريع ثقافية تساعد السلطات الوطنية في النهضة كما تبنت هذه التيارات الثقافية قضايا النهضة في التعليم وإحداث مساواة اجتماعية وتمكين المرأة من أجل اكتساب حقوقها، كما أسهمت هذه التيارات في منح الشعوب صورة ما في صناعة القرار السايسي والدفع بالمشاركة في التنظيمات السياسية.
كل هذه المهام أفرزتها التيارات الثلاثة التي تحدثنا عنها سلفاً وإن كنا نلحظ أن التيار التوفيقي في الجمع بين الأصالة والمعاصرة كانت له السيادة في بعض البلدان العربية كمصر وسوريا والعراق ولم تتحقق إسهاماته في باقي الأقطار العربية.
ولنا أن نضع في الاعتبار أن منجزات الحركة الثقافية في هذه الفترة التاريخية -انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف الستينيات- تأثرت بالصراع الدولي بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي.
وينتقل الدكتور سليمان إلى الحقبة الزمانية الثانية في تاريخ الثقافة العربية وتلك التي تبدأ -بحد وصفه- إبان نكسة حزيران (يونيو 1967) مستمرة حتى أوائل التسعينيات. تلك الفترة المليئة بالأحلام والطموحات والهزائم، مستمرة الحركة الثقافية متبنية نفس آمال المرحلة التي تلتها إلا أن نكسة 1967 جعلت العقلية العربية تبحث في إعادة إنتاجها لمحاولة بلورة الواقع، الأمر الذي دفع المفكرين والمثقفين للعودة لطرح وصياغة مشروعات جديدة تقوم على إعادة قراءة التراث العربي والفكري والنقدي للبحث عن العناصر الإيجابية التي يمكنها رصد ثقافتنا العربية والمرور من الأزمة وإمكان العودة بعد الهزيمة. ويتجلى هذا في أكثر من مشروع فكري مثل تلك المشروعات التي قدمها الفيلسوف المصري زكي نجيب محمود ثم الطيب تزيني وحسين مروة وآخرين.
ورغم ما تحمله الستينيات من وجيعة عربية, فقد جاءت السبعينيات لتحمل نقيضاً لمرحلة المد الناصري بالمنطقة العربية، وأخيراً إلى المرحلة الزمانية الثالثة التي بدأت منذ التسعينيات وتأثرت بعوامل خارجية أكثر منها داخلية ولعل أهمها انهيار النظم الشمولية بدول أوروبا الشرقية ونشأة حكم ديمقراطي بديل مع انكسار المجتمع العربي وتقلص دوره وتبعيته للكيان الأمريكي ثم تخلخله عقب حربي الخليج الاولى والثانية وفشل السلام مع الكيان الإسرائيلي، أضف إلى ذلك فشل الأنظمة العربية في تحقيق صيغة تجمع بين الحرية والعدالة وهي المرحلة التي كسا فيها الجمود ملامح الثقافة العربية وأخرجها من قدرة الفعل إلى الثبات والجمود والسلبية كونها لم تؤثر في المجتمع.
حالة من الثبات والسلبية سيطرت على ثقافتنا العربية لكن على الجانب الآخر كانت هناك عوامل طارئة وغير تقليدية مثل تطور آليات الاتصال والعولمة وتقنية الشبكة العنكبوتية، تلك العوامل التي استغلها المثقفون الشبان أو الجيل الطليعي من المثقفين للتغلب على أنماط التضييق التي مارستها السلطات على الحركة الثقافية، فاضطر الأديب الشاب إلى إنشاء المدونة والناقد الشاب إلى تدشين صفحة على الفيس بوك. وبالمفهوم الجدلي تكشف للنخبة الفاعلة أن بإمكانها استخدام هذه التقنيات لإيصال رسائلها للجماهير دون رقيب أو مقص رقابة، فكانت هذه الآليات صرخات تحمل الوجع والبؤس متخذة طريقاً لحملات التغيير في المجتمعات العربية كتجربتي مصر وتونس.
الثقافة الفاعلة
ومع ظهور الحركات الاحتجاجية السلمية وتدشين صفحاتها على الفيس بوك- يضيف سليمان- كانت هناك تيارات ثقافية طليعية تنادي بالحراك الوطني والتغيير متوازية مع أصوات الساسة والمفكرين. ومن هنا نكون دخلنا إلى مرحلة ثقافية جديدة (أسميها الثقافة الفاعلة) تميزت بالآتي:
• انفتاح إمكانات الحوار لمناقشة كل القضايا بلا حدود.
• إتاحة الحركة لمختلف التيارات السياسية والفكرية حتى تلك التي كان ينظر إليها على أنها حركات محظورة كحركة الإخوان المسلمين والحزب الشيوعي المصري والتيارات السلفية التي كانت تمتنع عن المشاركة بحجة لا خروج على الحاكم.
• اتساع حدة النقد العام لكل الممارسات السلطوية السابقة وكل الشخصيات التي كان لها دور في ممارسة السلطة وما نجم عن مخالفات وفساد جراء ممارستها للسلطة.
• ظهور أشكال أدبية جديدة أو أخرى تطرح مفاهيم جديدة للأدب مثل المدونات بأنواعها المختلفة.
• تفعيل قضايا جديدة وإعادة مناقشة قضايا قديمة داخل المجتمع بهدف البحث عن إجابات.
كل هذه المظاهر –والكلام لسليمان- يجعل الثقافة العربية تعيش لحظة فاصلة في تاريخها الحديث والمعاصر. ولعل تصوري ألخصه في أن الثقافة العربية ستتوازى مع الحراك الاجتماعي والسياسي الذي يشهده المجتمع المصري، غير أن الخط البياني لصعود الثقافة العربية يتطلب الحفاظ أو تحقيق مجموعة من الظروف منها:
• تعميق مناخات الحرية أمام المثقفين والتيارات الفكرية بمختلف توجهاتها.
• تدعيم مؤسسات المجتمع المدني لأنها وسيلة مراقبة وصمام أمان للمارسة الاجتماعية والثقافية.
• ضرورة تطوير المؤسسات التعليمية لإخراج جيل قادر على التفاعل فيما يدور حولهم والإسهام في تطويره.
• دعم المؤسسات الثقافية المستقلة.
• مساءلة الأحزاب عن مشروعاتها الثقافية لأن المشروعات الثقافية جانب أساسي من جوانب التنمية الاجتماعية والسياسية.
• دراسة الإمكانات غير المحدودة التي تقدمها وسائل الاتصالات الحديثة.
المصدر: ملتقى شذرات

__________________
(اللهم {ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار} (البقرة:201)
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
العربية, اجتماعي, ثقافتنا, حراك, وسياسي


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع ثقافتنا العربية: حراك اجتماعي وسياسي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
كارنيغي: الدول العربية بحاجة لعقد اجتماعي جديد Eng.Jordan مقالات وتحليلات مختارة 0 01-23-2017 01:12 PM
حراك الفكر في السعودية عبدالناصر محمود بحوث ودراسات منوعة 0 03-19-2016 07:40 AM
حراك جامعات مصر عبدالناصر محمود شذرات مصرية 0 10-15-2014 07:03 AM
قيادة المرأة السيارة مطلب ليبرالي أم اجتماعي؟! عبدالناصر محمود مقالات وتحليلات مختارة 0 11-06-2013 07:38 AM
ما هي علاقة رؤساء وسياسي امريكا بحائط البراق؟! شاهدوا الصور Eng.Jordan أخبار الكيان الصهيوني 0 11-01-2012 08:54 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 03:43 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59