#1  
قديم 04-15-2014, 07:49 AM
الصورة الرمزية عبدالناصر محمود
عبدالناصر محمود متواجد حالياً
عضو مؤسس
 
تاريخ التسجيل: Jan 2012
المشاركات: 56,039
ورقة استخلاف الناس في الأرض "مقاربة تأصيلية في ضوء القرآن الكريم"


استخلاف الناس في الأرض "مقاربة تأصيلية في ضوء القرآن الكريم"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(د. تامر بكر)
ـــــــــــــــــ

15 / 6 / 1435 هــ
15 / 4 / 2014 م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"مقاربة الكريم" _4135.jpg


غايات خلق الله للإنسان:

خلق الله الإنسان، وأهبطه إلى الأرض، لثلاث غايات:

غاية عبودية: كما في قول الله تبارك وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْـجِنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56). والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله من الأقوال والأفعال(1)، وتحقيق العبادة بهذا المعنى يقتضي أن يجعل الإنسان حياته وسائر أفعاله وتصرفاته وعلاقاته مع الناس وفق المناهج التي وضعتها الشريعة الإسلامية.

وغاية عقدية: وهي متمثلة فيما يلي:

حماية العقيدة والالتزام بها عن طريق اتباع منهج الله، والقبول بالاحتكام إلى الله ورسوله، يقول الله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} (النساء: 87)، ويقول أيضا: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} (النساء: 122)، ويقول أيضا: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة 50)، ويقول أيضا: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء: 65).

بناء مجتمع ملتزم بالعقيدة، يؤمن بها كمحرك للحياة ومصدر السعادة فيها، يقول الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل: 97) ويؤمن بالرسالات السماوية ويؤمن بالآخرة، ويتولى المؤمنين ويتبرأ من المشركين، والآيات الدالة على ذلك معروفة ومشهورة.

بقاء الأمة نبراس تبليغ ونشر للدعوة الإسلامية القائمة على الهداية والإرشاد والإصلاح لجميع البشر، ولذلك كانت تلك أمة هي خير أمة أخرجت للناس جميعا، يقول الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران110)

وغاية استخلافية: وهي محل اهتمامنا هنا.(2)

فالاستخلاف في اللغة: مصدر الفعل، استخلف يستخلف استخلافاً، ويذكر أحمد بن فارس في كتابه معجم مقاييس اللغة(3) أن : الخاء واللام والفاء في (خلف) أصول ثلاثة, تأتي لأحد معانٍ ثلاث، والذي يعنينا هنا من هذه المعاني الثلاثة، هو المعنى الأول القائل: أن يجيء شيء بعد شيء فيقوم مقامه.

وبناءً على هذا المعنى نستطيع تعريف الاستخلاف في الاصطلاح بأنه: " تمكين الله للبشر عامةً ولبعضهم خاصةً في إحلالهم محل من كان قبلهم في ملكية الأرض والمال "(4)

والاستخلاف نوعان، عام وخاص.

أولا: الاستخلاف العام:

جاء القرآن الكريم صريحا في أن الله -جَلَّ شَأْنُهُ- خلق آدم أبا البشر ليكون خليفة في الأرض، يقول الله تعالى {وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(البقرة30)، وقد بدأ هذا الاستخلاف بآدم - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - ومن بعده كل ذريته، فهم جميعًا مستخلفون في الأرض، يقول تعالى أيضا: {وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربّك سريعُ العقاب وإنةُ لغفور رحيم}(الأنعام:165).

والمفسرون مختلفون في ماهية خلافة الآدميين(5)، هل هي خلافة عن جنس آخر –كالجن مثلا- كان يسكن الأرض فأفسد فيها وسفك الدماء، ومن ثم فالخلافة على هذا الرأي خلافة جنس سابق، أم هي خلافة عن الله -جَلَّ شَأْنُهُ- لا عن جنس آخر؟، ومن ثم فالخلافة على هذا الرأي تعني أن الله –عز وجل- سلط الإنسان على الأرض يقيم فيها سنن ربه، ويظهر عجائب صنع الخالق، وأسرار خليقته، وبدائع حكمه.

والحقيقة أنه لا تأثير لمثل هذا الخلاف على الواجبات المترتبة على البشر جراء استخلافهم؛ لأن الله -عزَّ وجلَّ- استخلف البشر عامة في أرضه وعلى ماله عمّن سبقهم؛ ليقيم الإنسان في الأرض السُّنن، ويُظهر العجائب والأسرار والبدائع، وذلك بنشر العدل الذي يبعد البشر عن سفك الدماء، وبنشر ما يعين على الطاعة كالعمران والنماء وكل خير مادي أو معنوي فيها؛ بدليل أنه سبحانه قد خلق البشر في الأرض واستعمرهم فيها، وسلطهم عليها، وجعلها مُذَلَّلَةُ لهم، يقول تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} (هود: 61).

وهذان المعنيان (التمكين والتسلط) ظاهران في قوله تعالى: {وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} (الأعراف: 10) وقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} (الحج: 41) وقوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} (الجاثية: 13)

ولكن هذا الاستخلاف للبشر اِسْتِخْلاَفُ مُقَيَّدٌ بِقُيُودٍ، ويُلزم المُستَخْلَفين بواجبات في الأرض؛ حيث إنه "لا جدال في أن الله أوجب على البشر حين أسكنهم الأرض أن يطيعوا أمره وأن ينتهوا بنهيه، وأنه عهد إليهم ألا يعبدوا إلا إياه، وألا يخشوا غيره، وأن يتحلوا بالتقوى، وأن يحذروا فتنة الشيطان، وأعلمهم من اتبع هدى الله فقد اهتدى، ومن كفر بآيات الله وكذب برسله فقد ضل وغوى، وأنه جعل للمهتدين الأمن، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وجعل للكافرين المكذبين النار هم فيها خالدون: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}(البقرة: 38، 39)، وغدًا يحاسب الله البشر على زيفهم وضلالهم، وعلى تركهم طاعة الله واتباعهم الشيطان "(6)

ثانيا: الاستخلاف الخاص: وهو استخلاف لأفراد أو لأمة، أو لدولة(7).

1- استخلاف الأفراد:

إن استخلاف الأفراد هو الاستخلاف في الرئاسة والزعامة والريادة، فقد جعل الله آدم خليفة في الأرض {وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة 30) وجعل الله داود خليفة {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ} ( ص 26)، وَقَدْ يُسَمَّى المُسْتَخْلَفُ خليفة كما سُمّي داود، وقد يُسَمَّى المُسْتَخْلَفُ إِمَامًا كما سُمِّي إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلاَمُ- {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} (البقرة: 124)، وكما سُمِّي أيضا بعض رؤساء بني إسرائيل {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}(السجدة: 24)، وَقَدْ يُسَمَّى المُسْتَخْلَفُ مَلِكًا {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا}(البقرة: 247)(8)

2- استخلاف الأمم:

أمة بني إسرائيل: فقد اصطفى الله بني إسرائيل ورزقهم من الطيبات وجعل فيهم النبوة والملك، وآتاهم مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا من العالمين، يقول تعالى: {وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} (يونس: 93)، ويقول أيضا: {يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} (المائدة: 20)، ويقول أيضا: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}(الأنبياء: 73)

"ولكن مع مرور الأيَّام وتعاقُب الأزمان، أمِن بنو إسرائيل مكر الله وظنوا أنهم أحباؤه الذين لا يمكن استبدال استخلافهم!، فتخلَّوا عن دَورهم المشاد به في الاستخلاف الحقيقي للأرض؛ ولم يُقدِّموا سوى برامجَ شاملةٍ للفساد والإفساد على كافَّة الجوانب: ففي الجانب العقدي والإيماني قدَّموا الكفرَ بالله وسبَّه، وقتلَ أنبيائه ورُسله، وفي الجانب الاقتصادي قدَّموا الرِّبا، وأكْلَ السُّحْت، والتحايل على المحرَّمات، وفي الجانب الاجتماعيِّ والأُسريِّ قدَّموا الزِّنا والفاحشة، فعندما فقدوا تلك المؤهلاتِ والمقوماتِ التي تؤهِّللهم لقيادة البشرية، ولم يقدِّموا للأمم والشعوب الذين استُخلفوا عليها برامجَ للإصلاح استحقُّوا عندئذ أن يَسلُبَهم الله تعالى تلك المكانةَ العالية، وذلك الوسام الرفيع، فجعلهم من الصَّاغرين بعد أن فضَّلهم على العالَمين، وضرب عليهم الذِّلة والمَسكنة، وحلَّت عليهم اللَّعنة إلى يوم الدِّين.

على إثْر ذلك كله تنتقل الخلافةُ والسيادة إلى أُمَّة الإسلام، فصارتْ خيرَ أمَّة أُخرجت للناس، ونالت الاستخلافَ في الأرض والتمكين وعدًا من الله لها: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 55)

لأنَّها قدَّمت برامجَ إصلاحيَّةً شاملة لأوضاعِ الحياة التي غشاها الظُّلُمات، ومستنقع الرذيلة، وأوجدتْ مقوماتِ الاستخلاف، وعملت بأسبابه، وأثبتتْ أهليتها وجَدارتَها لأنْ تكونَ هي الأمَّةَ المستخلَفة السائدة الرائدة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ}(آل عمران: 110) "(9)

أمة الإسلام: فقد شرف الله أمة الإسلام بكونها صاحبة الشهادة على الناس، أمام الله، كما سيشهد عليها النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً، لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً}(البقرة: 143)((10

أمم أخرى: "فهؤلاء قوم نوح كذبوه واستضعفوه ومن معه فاستحلف الله هؤلاء الضعفاء وأهلك الأقوياء الذين غرتهم قوتهم وحملهم الغرور على تكذيب آيات الله {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} (يونس: 73)

وهذا هود يدعو قومه عَادًا ويذكرهم ما حدث لقوم نوح ويخوفهم منه فيقول لهم: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ}(الأعراف: 69) أي اذكروا كيف استخلفكم اللهُ في الأرض بعد أن أهلك قوم نوح بمثل ما تفعلون، فلما يئس من إصلاحهم قال لهم: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}(هود: 57)، وهذا صالح يُذَكِّرُ قومه بما أنعم اللهُ عليهم، وجعلهم خلفاء من بعد عَادٍ، ويحذرهم عاقبة البغي والفساد في الأرض: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (الأعراف: 74) "(11)

وقد حذَّر الله -سبحانه- هذه الأمَّةَ من أن تتشبَّه بالأُمم قبلها التي أضاعتْ مجدَها وعِزَّتها، قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران: 105)

3- استخلاف الدول:

إن "استخلاف الدول معناه الأول تحرير الأمة واستقلالها بحكم نفسها وجعلها دولة لها من السلطان ما يحمي مصالح الأمة وَيُعْلِي كلمتها، ومعناه الثاني اتساع سلطان الدولة حتى يشمل فوق أبناء الأمة أممًا وشعوبًا أخرى "(12)

" واستخلاف الدول إذا كان بإذن الله وبأمره، مِنَّةً يَمُنُّ بها على الأمم، إلاَّ أن للاستخلاف مسبباته التي تباشرها الأمم والشعوب فتؤهلهم للاستخلاف، وتمكن لهم في الأرض، وتتم بذلك سُنَّةُ اللهِ في خلقه ولن تجد لسنته تحويلاً، فلا يمكن أن يجيء الاستخلاف اعتباطًا وبلا عمل، وإنما يجيء نتيجة العمل الشاق والجهد المستمر، ولقد وعد الله - جَلَّ شَأْنُهُ - الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف في الأرض، فلم يجعل الإيمان وحده هو الذي يرشح المؤمنين للاستخلاف، وإنما وعد المؤمنين بالاستخلاف إذا عملوا الصالحات، والمقصود بالصالحات كل ما يصلح شأنهم في الدنيا من الإعداد والاستعداد والتفوق، وما يصلح شأنهم في الآخرة من الطاعة واجتناب المعاصي {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (النور: 55) "(13)

وقد أشار القرآن إلى هذا النوع من الاستخلاف في قوله تعالى عن بني إسرائيل {يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} (المائدة: 20)، ومعلوم أن الملوك يكونون في الدول، وأيضا في قوله تعالى: {ونريد أن نمنَّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمةً ونجعلهم الوارثين * ونمَكِّنَ لهم في الأرض ...}(القصص4،5) وهي أرض مصر والشام، فقد جعلها لبني إسرائيل مكاناً يستقرون عليها ويقيمون فيها دولتهم(14)

وقد ذكر الله تبارك وتعالى لنا في القرآن الكريم آيتيْن جامعتيْن يمكن أن نتبيّن منهما واجبات الدولة المستخلفة في الأرض وذلك كله في إطار شمول العبودية لله عز وجل؛ يقول الله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}(الحج41)، ويقول أيضا: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً}(النساء 58).

فمن واجبات المستخلفين في الحكم دُوَلاً وَأَفْرَادًا كما في آية سورة الحج آنفة الذكر، أن يقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، " وقد اقتصرت الآية على هذه الواجبات الثلاث، لأن توفرها دليل على توفير غيرها مِمَّا يوجبه الإسلام، فإقامة الصلاة في الأمة دليل على الإيمان والطاعة، وإيتاء الزكاة دليل على أخذ النفس بالحق ورد الحقوق لأربابها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دليل على الاستمساك بما أمر الله ودعوة الغير إليه وكفهم عن الفسوق والعصيان.

والمستخلفون في الحكم ليسوا إلا بشرًا مستخلفين في الأرض، فإذا وجب عليهم كحاكمين أن يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر فإنه يجب عليهم كبشر مستخلفين في الأرض أن يطيعوا الله ويهتدوا بهديه، وينتهوا عما نهى عنه "(15)

ويرى ابن تيمية أن آية سورة النساء آنفة الذكر، قد حددت إجمالاً وظائف الدولة، فأوجبت أداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بالعدل، وهذان جماع السياسة العادلة والسياسة الصالحة، والقيام بهذه الوظائف هو المعادل لطاعة الولاة(16)، ويشير (ابن تيمية) إلى أن " المقصود الواجب بالولايات إصلاح دين الخلق الذي متى خسروه فإنهم خسروا خسراناً مبيناً ولم ينفعهم ما نعموا به في الدنيا "(17)

إن " سُنَّةُ اللهِ -جَلَّ شَأْنُهُ- في استخلاف الأمم والدول والأفراد أن يستخلف من كانوا أَهْلاً للاستخلاف، ليبتليهم جميعًا فيما آتاهم؛ فإن استقام المُسْتَخْلَفُونَ على أمر الله، ودعوا إليه، وعبدوه وحده لا شريك له، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وفعلوا الخيرات واجتنبوا السيئات، وأمروا بالمعروف وَنَهَوْا عن المنكر، إذا فعل المستخلفون ذلك مكن الله لهم في الأرض، وآتاهم من كل شيء سَبَبًا، كما مكّن لذي القرنين وقومه {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} (الكهف: 84)، وكما مَكَّنَ ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء مِمَّا لم يكن يحلم به أو يتخيله {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ}(يوسف: 56)، وكما مكن لبني إسرائيل في الأرض على ضعفهم وقوة أعدائهم، بعد أن عبدهم الفراعنة واستعبدوهم، وساموهم سوء العذاب، وكما مكن لقوم يونس لما آمنوا فأصلح لهم أحوالهم في الحياة الدنيا ومتعهم إلى حين، {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}(يونس: 98)

والله -جَلَّ شَأْنُهُ- غني عن العالمين، رحيم بهم، فإذا أمرهم أن يأتوا أو يدعوا فإنما يأمرهم بما فيه صلاحهم، بما يؤدي إلى نفعهم، وهو القادر على أن يذهب بالمكذبين ويستخلف أناسًا غيرهم، ولن يعجزه ذلك وقد جاءوا من ذرية غيرهم: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ}(الأنعام: 133) "(18)

وبعدُ: إن التصور الذي عرضته آنفا لا أقصد به نوعا من التنظير الفكري أو الانحصار في دائرة الوعظ الإرشاد فقط، وإنما أقصد به تأصيلا أرجو أن يكون دافعا لحركة صحيحة ومنضبطة من المسلمين في هذا الكون ودورانهم مع مقاصد وغايات خلق الله للإنسان ووجودهم في الأرض، وخاصة أن هناك ما يُبنى في حياة المسلمين الاجتماعية والسياسية، على صواب وتماسك مثل هذا التصور، أو اختلاله وتهافته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ


([1])يُنظر: ابن تيمية (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) راجعه وعلق عليه، محمد عبد الله السلمان، مكتبة أنصار السنة المحمدية، مطبعة الجهاد، القاهرة، 1961م، (ص173).

[2])) إن الغايتين الأولى والثانية ليستا مخصصتيْن للمسلمين فقط، بل هما للبشر جميعا، وهذا ما يظهره عموم الخطاب للبشرية في الآيات التي نقلتها آنفا، وأما الغاية الثالثة فهي أهم ما يميز المسلمين كأمة مجتمعة، بل وحتى كأفراد، وتحقيق هذه الغاية هو ما يجعل المسلمين وحدهم - من دون الجن ومن دون عامة البشر – خير أمة، ويجعل المسلم ذاته خير الناس.

[3])) أبو الحسين أحمد بن زكريا بن فارس (معجم مقاييس اللغة) دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1/ 1422هـ (ص309،310)

[4])) يُنظر: د. عبد الله بن إبراهيم الناصر (مفهوم قاعدة الاستخلاف في الاقتصاد الإسلامي) كلية التربية، جامعة الملك سعود، قسم الثقافة والدراسات الإسلامية، 2013م، على الرابط: ww.kantakji.com/media/4078/7807.doc‏w

[5])) محمد رشيد رضا (تفسير المنار) الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م (ج 1/ ص 257 – 261)

[6])) عبد القادر عودة (الإسلام وأوضاعنا السياسية) مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، 1401هـ، 1981م (ص 17)

[7])) يعتبر هذا التقسيم، تقسيم نظري بهدف تسهيل الدراسة والتحليل، حيث إن استخلاف الأمة والدولة متداخلان عمليا لدرجة كبيرة؛ وإنما فعلت ذلك حتى أقوم بالرد على بعض الذين يحاولون وضع الأمة في موضع تضاد مع الدولة؛ فيقولون أن الإسلام دين وأمة وليس دينا ودولة!، وسأقوم لاحقا –بإذن الله- بتخصيص مقالة لتفصيل تلك الأقوال ومن ثمَّ الرد عليها.

[8])) كان الأنبياء هم الذين يقودون بني إسرائيل [انظر: صحيح مسلم (4879)]، كلما مات نبي أرسل الله لهم نبي، حتى انفصل الدين عن الدنيا فكان الملك عند الملوك والدين عند الأنبياء، فتسلط الملوك الجبابرة على بني إسرائيل وظلموهم ظلماً شديداً وهم من أبناء جلدتهم، فنشروا الظلم بين الناس واستعبدوهم؛ فسألوا نبيا لهم –اختلف المفسرون في اسمه- أن يجعل لهم ملكا يوحدهم ويقاتلون معه العماليق –المُعتدين على بني إسرائيل-.

[9])) تميم بن محمد بن عبدالله الأصنج (إشارات على طريق الاستخلاف) موقع الألوكة، 19/5/2009م، بتصرف على الرابط: http://www.alukah.net/sharia/0/5884/

([10]) جاءت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية تبين أن المراد من قوله تعالى: (أمة وسطاً) أي: عدلاً خياراً. وأن المراد من الشهادة على الناس: الشهادة على الأمم يوم القيامة أن رسلهم قد بلغوهم رسالات الله.

ولم تخرج كلمات المفسرين عن ذلك المعنى، روى البخاري (4487) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُدْعَى نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلام يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلْ بَلَّغْتَ ؟ فَيَقُولُ : نَعَمْ ؛ فَيُدْعَى قَوْمُهُ فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ بَلَّغَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ أَوْ مَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ, قَالَ: فَيُقَالُ لِنُوحٍ: مَنْ يَشْهَدُ لَكَ؟ فَيَقُولُ: مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ, قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} قَالَ: الْوَسَطُ الْعَدْلُ ". وزاد أحمد (10891): " قَالَ: فَيُدْعَوْنَ فَيَشْهَدُونَ لَهُ بِالْبَلاغِ, قَالَ: ثُمَّ أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ ".

[11])) عبد القادر عودة (الإسلام وأوضاعنا السياسية) مرجع سابق (ص 23، 24)

[12])) المرجع السابق (ص 19)

[13])) المرجع السابق.

[14])) انظر: أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي(معالم التنزيل في تفسير القرآن) دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1/ 1420هـ ( 3/522 ) .

[15])) عبد القادر عودة (الإسلام وأوضاعنا السياسية) مرجع سابق (ص 31)

[16])) يُنظر: محمد المبارك (الدولة كما يراها ابن تيمية) دار الفكر، بيروت، 1968م، (ص7) وما بعدها.

[17])) ابن تيمية (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) مرجع سابق (ص25)

[18])) عبد القادر عودة (الإسلام وأوضاعنا السياسية) مرجع سابق، بتصرف (ص 21، 22).

-------------------------
المصدر: ملتقى شذرات

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
الأرض, الناس, استخلاف


يتصفح الموضوع حالياً : 1 (0 عضو و 1 ضيف)
 
أدوات الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


المواضيع المتشابهه للموضوع استخلاف الناس في الأرض "مقاربة تأصيلية في ضوء القرآن الكريم"
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
"جراسا"ترصد اقتراب صخره بحجم 3 ملاعب قدم نحو الأرض يوم 17-2 Eng.Jordan أخبار منوعة 0 02-15-2014 06:54 PM
مصر لا تتحمل موجة ثالثة لثورة 25 يناير لأن "الناس تعبت" عبدالناصر محمود شذرات مصرية 0 01-20-2014 08:53 AM
الإسلام "بمقتضى القرآن الكريم" ام زهرة أخبار ومختارات أدبية 0 11-27-2013 03:05 PM
دبي تبني "حديقة القرآن الكريم" والافتتاح بعد عام Eng.Jordan أخبار منوعة 0 06-22-2013 01:48 PM
الأرض تنشق في مدينة "سمارا" الروسية وتبتلع السيارات Eng.Jordan أخبار منوعة 0 04-10-2013 01:30 PM

   
|
 
 

  sitemap 

 


جميع الأوقات بتوقيت GMT +3. الساعة الآن 05:02 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع المواضيع والمشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة الموقع
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59